روايات

رواية سجينة جبل العامري الفصل الثامن عشر 18 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الفصل الثامن عشر 18 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الجزء الثامن عشر

رواية سجينة جبل العامري البارت الثامن عشر

سجينة جبل العامري
سجينة جبل العامري

رواية سجينة جبل العامري الحلقة الثامنة عشر

“دعني أخبرك عن قصة رجل!”
جلست “زينة” على الأرضية المليئة بالأتربة في كل مكان، لم تقوى قدميها على حملها أكثر من ذلك وهي تقف ترفع رأسها إلى الأعلى تنظر إلى ذلك الباب الخشبي الذي خرج منه ولم يعد إليها تاركًا إياها في ظلام دامس، عتمة قلبها مع عتمة المكان من حولها بجعلها ترتعب أكثر وهي تستمع إلى صرخات أصواتهم الخشنة في الخارج مع إطلاق النيران..
تنهمر الدمعات من عينيها بغزارة دون توقف وحركاتها اللاإرادة تعبر عن ذلك القهر القابع داخلها لا يريد النزوح أبدًا وتركها ولو قليلًا..
شهقات متتالية تخرج منها وعينيها السوداء متعلقة بالباب، وتلك النظرة التي ألقاها عليها لا تفارق ذهنها مع صوته الشغوف واعترافه بالحب وأن تسامحه على ما بدر منه..
أتدري ما يحدث للوردة عندما تبدأ بالتفتح والخروج إلى عبير الدنيا، تحلق عليها الفراشات لرائحتها الفواحة ومظهرها الجميل، ثم يأتي طفل صغير دفعه هوسه بحب الورد ليقطفها من غصنها فتذهب رائحتها وتفقد جمالها، تموت بين يديه ذابلة وكأنها أبشع ما في الدنيا!
كانت هي هذه الوردة، بدأت بالتفتح، بحب الحياة معه، وبدأ الشغف أن يولج بينهم وتنعم بالراحة بين أحضانه مثلما جعلته يتمتع بها، ولكن ذلك الطفل الذي دفعه عمله عنوة ليخرب كل ما بدأ بإصلاحه، ليخرب كل ما شعر به قلبها يفرقهم ليتجه كل منهما إلى طريق آخر يسلكه وحده مدمرًا كل شعور لاذ به قلبها..
أمسكت الهاتف بين يديها مرت ساعة كاملة والطلقات لم تتوقف، أصواتهم الصارخة تضرب أذنيها بقوة فيزداد بكائها وشهقاتها تتعالى، يزداد خفقان قلبها خوفًا عليه!..
خوفًا عليه؟ توقفت الكلمات على باب عقلها فأكملت نعم إنه والد ابنتها، ذلك الذي عوضها عن حرمانها من حنان الأب، الذي جعلها تبتسم كلما رأته تركض نحوه تتعلق به ولم تشعر أنه شقيق والدها، وأيضًا هو زوجها، زوجها الذي بدأ قلبها بالخفقان له رغم كل ما فعله وما يفعله..
القهر والألم ممزوجان داخل قلبها، لا يترك أحد منهم الآخر، تشعر به يعتصر من الألم ينطبق صدرها عليه ساحقة أكثر..
استمعت إلى صوت شقيقتها الذي كان يراودها كل لحظة والأخرى، استدارت تنظر إليها وجدتها تحتضن “وعد” النائمة وتبكي بغزارة محاولة كتمان شهقاتها وألم قلبها في فراقه.. لقد فارقته دون النظر إليه والحديث معه.. لقد قست عليه كثيرًا
وقفت “زينة” على قدميها وذهبت لتجلس جوارها تحتضن إياها تشعر أنها أخطأت عندما منعتها عنه، أنه الحب، وذلك اللعين ليس عليه سلطان، لا يستمع لأحد إلا نفسه يأتي دون إنذار ويذهب دون إنذار..
احتضنتها بقوة مستشعرة كم الألم الذي يداهمها إن لم يكن أضعاف ألمها فهو اعترف لها وهي اعترفت له، ولم ينشب بينهم عراك حاد يومًا ولم يعتدي عليها بقوته، لم يقتلها بكلماته كما فعل معها.. تستطيع أن تدرك أن ألم شقيقتها أكبر منها ولكن أيضًا ألمها لا يضاهي شيء..
بكيت كل منهما في أحضان الأخرى طويلًا، القلوب تشكي همًا والأعين تزرف الدموع رعبًا واحتراقًا أثر الفراق المُميت الذي أتى على حين غرة ليدمر الأخضر واليابس..
كان في الأعلى “جبل” و “عاصم” مع الحراس يحاولون السيطرة عليهم بكل قوتهم، هؤلاء الذين ولجوا إلى الجزيرة كانوا كثيرون للغاية غدروا بالحراس القليلة الذين كانوا واقفون على مداخلها..
تبادلون طلقات النيران لوقت كبير وكل لحظة والأخرى تفرغ خزينة السلاح ليقوم بتعبئتها مرة أخرى..
حرب دامية بطلقات النيران استمعت إليها الجزيرة بأكلمها من الشمال إلى الجنوب، رأى “جلال” و “طاهر” من يقودون رجالهم نحو القصر إلى أن دلفوا إليه..
شعر بأن النهاية تقترب بعدما وقع من رجالة أكثر من خمسة ولم يبقى الكثير إلى درجة الصمود، هوى قلبه بين قدميه خوفًا على عائلته إن رحل وتركهم ولكنهم يعلمون جيدًا ما الذي سيقومون بفعله إلى أن تنتهي هذه الحرب متخفين في مكان مستحيل أن يمر به أحد سوى “عاصم”..
اهتزت روحه وهو يتذكر تلك التي وقع بحبها ولم ينل منه شيء ولم يستطع عيش النعيم جوارها يكافىء نفسه بعد سنوات العذاب، وسنوات الضياع الذي أوقع ذاته بها..
شعوره نحوها في تلك اللحظات كان قاتل، والله قاتل وهو بين الحرب التي ربما تأخذه في أي لحظة ولكن قلبه يتوق اشتياقًا لها يود أن تأخذه بأحضانها تربت على قلبه ليشعر بأن الخير قادم.. يود لو ينام على ركبتها فتضع يدها تخلل خصلات شعره لتسري القشعريرة بجسده وهو ينعم باللذة من هذا الشعور المغري..
زينة والله وأنت زينة، تمنى رافعًا رأسه للسماء أمام بوابة القصر متخفي خلف أحد الأعمدة، يغمض عينيه لا يستطيع المقاومة أكثر يشعر بأنه يرتخي والهجوم يزداد عليه، يهتف داخل نفسه متمينًا أن لا تنساه.. أن تحيي ذكراه وتردد داخلها أنها كانت بالنسبة إليه غزال..
إلى هذه الدرجة أحبها!.. بل عشقها ولم يدري بذلك ويعترف به إلى نفسه إلا بعد فوات الأوان..
وجد “جبل” الطلقات تزداد للغاية وليس رجالة الذين يقعون على الأرض جثث هامدة بل رجال “طاهر” فنظر إلى “عاصم” باستغراب ليستمع إلى أصوات أهل الجزيرة الهاتفه بشراسة وعنف يتقدمون منهم بالسلاح يأتون من الخارج فكان من السهل عليهم هم أن يهزموهم..
استمد “جبل” قوته وعاد يحمد ربه وهو يقف شامخًا يركض بينهم بقوة يطلق النيران و “عاصم” خلفه يحميه.. كالعادة بينهم
وقف كل منهما في ناحية يحاولون مجابهة الأمر بعدما أصبح أسهل من السابق بكثير
نظر “جبل” إلى يمينه ليجد “طاهر” يقف متخفي ينظر إليه شامتًا موجهًا السلاح نحو “عاصم” فدفع به للخلف صارخًا وهو يطلق النيران عليه بعشوائية..
دفع جبل “عاصم” واحتل مكانه ليتقابل مع “طاهر” ولكنه أطلق رصاصة خرجت من سلاحه لتصيب جسد “جبل” فصرخ “عاصم” بإسمه عاليًا وهو يُميل عليه يسنده رافعًا السلاح نحو “طاهر” لتنطلق من فوهة السلاح رصاصة تصيبه ليصرخ عاليًا كانت خرجت بحرقة من سلاح “عاصم” المذعور على صديقه الذي وقع بين يديه..
مر الوقت عليهم وهم على نفس الوضع، لم يغفل لهم جفن ولم ولم يتوقف انهمار العبرات منهما، مع ذلك الارتجاف الذي أصابهما ليحتل كيان كل منها والحزن يتغلغل أكثر ليعبر الروح دافعًا بها سهم الرماية الملطخ بالسُم القاتل، فتتهاوى أرضًا ميقنه أن ما بعد النهاية آتي والفراق كُتب، والاشتياق سيكون إلى الأبد..
توقف إطلاق النار منذ فترة وأصبح الصباح لتنظر إلى ساعة الهاتف، وقفت على قدميها واقتربت من الدرج تصعد عليه بتأني أنفاسها غير منتظمة تشعر بالموت القريب لها هي أيضًا..
عينيها منتفخة وأنفها أحمر للغاية وجهها باهت وملامحها مرهقة وقفت أعلى الدرج محاولة أن تستمع إلى أي أصوات بالخارج ولكن لا فائدة عادت إليها زافرة بقهر وهي تبكي وتنتحب لتساندها شقيقتها بقوة يعلو صوتها تود الصراخ
لكن “زينة” لم تترك لها العنان لفعل ذلك بل أشارت لها بالصمت خوفًا من أن يكون أحد من هؤلاء المجرمين بالأعلى يستمع إلى صوتهم..
كتمت صوتها وهي تبكي تشوب عينيها الخيوط الحمراء التي تجعل مظهرها يبدو خاضع لإذلال لا مثيل له..
استفاقت الصغيرة على صوت بكائهما فنظرت إليهما باستغراب، طمست “زينة” على وجهها لتمحي عبراتها محاولة الثبات تقف على قدميها لأجل من معها ففعلت “إسراء” المثل وهي تقف غير قادرة على الصمود أكثر ولكنها تضغط على نفسها بقوة..
توجهت نحو الباب تفتحه تتناثر الأتربة من عليه يبدو أنه مغلق منذ مدة كمثل هذه الغرفة، فُتح الباب بسهولة فنفضت يدها ببعضها وعادت للداخل ترفع الحقيبة مرتدية إياها على ظهرها تتمسك بالسلاح بيدها ثم سارت في الأمام تعود إلى الباب لتخرج منه قائلة بصوت مبحوح وعينان دامعة:
-امسكي وعد وخليكم ورايا
أومأت إليها شقيقتها التي تمسكت بيد الصغيرة بقوة وكأن هناك من يراقبهم ليأخذها من بينهم، استدارت “زينة” ترفع بصرها إلى سقف الغرفة تنظر إلى الباب الخشبي على أمل أن يُفتح ويعود إليها يجذبها مرة أخرى في عناق حاد كالذي قبله.. ولكنه يبدو كان عناق الوداع..
تحركت أمامهم تخرج من الباب وهم خلفها تشعل ضوء هاتفها تسير في الممر المظلم حتى تخرج من هنا إلى الغابة ثم إلى خارج الجزيرة..
سارت قليلًا ولم تتوقف عباراتها عن الخروج من مقلتيها ترفع السلاح بيدها تنظر إلى السرداب الذي تسير به معبأ بالأتربة وخيوط العنكبوت واقتربت فتحته لتخرج منه إلى أرض الغابة وهي تودع حياتها هنا..
تنفست الصعداء محاولة التماسك داعمة قلبها بذكرى واحدة فريدة بعقلها فلسوء حظها كالعادة لم تستطع أن تجمع الذكريات الجميلة معه..
ولكن هل هناك فرصة؟! ثبتت أقدامها في مكانها فجأة وتصلب جسدها بتشنج ولم تحرك بها إلا أهدابها بعدما استمعت إلى اسمها يخرج بذلك الصوت الخشن الذي تعرفه جيدًا
استدارت بلهفة وقلق تنظر إلى الخلف لترى شقيقتها تفعل المثل ولم يكن أمامهم سواه، كان يقف على بعد منهم يلهث بعنف وكأنه كان يركض ليلحق بهم تغرق الدماء ملابسه ولكنه يقف شامخ
تقدمت للأمام تتخطى ابنتها وشقيقتها وهي تنظر إليه بلهفة واشتياق وكأن روحها التي سلبت منها بالقوة تعود إليها من جديد
سارت ببطء إليه وعيناها معلقة نحو عيناه الخضراء الباهتة، لم تستمر على هذا البطء بل ركضت سريعًا تتقدم منه ليقوم بفتح ذراعيه لها يستقبلها داخل أحضانه ولم تتأخر عن فعل ذلك بل ألقت بكامل جسدها عليه ليغلق يده جذابًا إياها بعنف وكأنه يبعثها إلى داخله..
ألقت السلاح الذي كان بيدها على الأرضية وهي تدفن وجهها في صدره تبكي بقوة بعد أن عادت إليها روحها بعودته فالأن فقط اعترفت بصدق، كل ما سبق كان مجرد حديث منها أما الآن كامل الصدق خرج منها وشعرت أنها حقًا تود أن تكون معه، ربما هو الفرصة الضائعة من بعد حياتها مع شقيقه التي كانت مجرد خديعة بالحب.. أما هو إلى اليوم لم يكذب بشيء يخصه حتى وإن كان أبشع ما يكون
شدد بيده حولها يعزز احتضانها يضع يده خلف رأسها بين خصلات شعرها يحركها عليها والأخرى تحيطها، على الرغم من أنها مصابة بفعل تلك الطلقة التي خرجت من سلاح طاهر إلا أنه لا يشعر بألم بل يشعر بلذة قربها منه وروعة استنشاق رائحتها..
ينعم بهذه اللحظة التي لم تمر عليه سابقًا وهو يرى اللهفة ظاهرة في عينيها بوضوح، والاشتياق تلقي باسهمه عليه وهي تركض نحوه تتلهف للاقتراب منه وإشباع قلبها من نعيم وجوده جوارها وذلك الأمان الذي فقدته عندما سلمها السلاح بيدها قائلًا لها أن تعتمد على ذاتها.. إلى هذه الدرجة كان وجوده يشعرها بالدفء والأمان؟ كان هو حاميها وسارقها!..
أيعقل؟!..
عادت للخلف تنظر إليه بابتسامة واسعة ومازالت الدموع تغرق وجهها تسأله بنبرة خافتة:
-أنت كويس!
أومأ برأسه لها وهو يبادلها الابتسامة واضعًا يده على ذراعها قائلًا بحب:
-كويس.. يا حبيبتي
لا تدري أي شعور يجتاحها بعدما استمعت إلى تلك النبرة الحانية مع نظرة عينيه الغرامية عليها، استمعت إلى صوت شقيقتها التي تقدمت منهم تسأله بتوتر وقلق:
-فين عاصم؟
ابتسم إليها هي الأخرى محاولًا أن يجعلها تطمئن قائلًا بصوت هادئ:
-موجود في القصر
هبط إلى الأسفل ينحني إلى الأمام يقبل وجنة الصغيرة بعدما أقتربت منه بحب فلم يستطع حملها بسبب ضيق المكان، ابتسمت قائلة برقة وصوت هادئ:
-أنا مبسوطة أنك رجعت تاخدنا مكنتش عايزة أمشي
أجابها مبتسمًا بعد أن عانقها بحب وحنان:
-مش هسيبك تمشي
أشار إلى “زينة” بالعودة وأخذهم وعاد من جديد إلى نفس الغرفة الذي خرجوا منها ليجد “عاصم” يهبط الدرج متقدمًا منهم بعدما أعتقد أنهم رحلوا ولم يلحق بهم “جبل”..
وقف على الدرج ثابتًا ينظر إلى حبيبة قلبه، سكينة أعماق فؤاده التي غابت عنه لكثير من الوقت ولم يراها عن قرب إلا الآن، عينيها يشوبها الحزن ونظرتها نحوه باهتة مرهقة.. ملامحها متألمة خجلة ولكنها متلهفة عليه تنظر إليه بتعمق ثم ابتسمت بهدوء ورفق عندما أدركت أنه بخير ولم يصيبه شيء..
رأى “جبل” الحالة الذي كان عليها فتحدث بصوت خشن قائلًا بعد أن وقف يتبادل النظرات معها للحظات في صمت تام:
-عاصم.. أرجع يلا
أبتعد بنظره إليه غائبًا عن الواقع يومأ برأسه إليه ثم عاد إلى الأعلى ليقف يستقبل “وعد” بعدما ساعدها “جبل” في الصعود على الدرج، ثم خلفها “إسراء”، أمسك بيدها بين كفيه يساعدها للخروج بينما تلك اللمسات الخفيفة منهما تكن كلمسات النيران أو صواعق الكهرباء تسبب ارتجافه للقلب لا مثيل لها..
وقفت “زينة” وجذبت شقيقتها ناحيتها ليأتي “جبل” هو الآخر يقف ثم نظر إلى “عاصم” قائلًا بجدية:
-روح أنت يا عاصم
ذهب وتركهم كما أمره “جبل” ليخرج يتابع ما يحدث في الخارج يصلحون ما أفسده ذلك الحيوان ورجاله..
باغتته “زينة” بسؤال جاد وهي تنظر إليه بعمق قلقة أن يحدث ذلك مرة أخرى:
-إحنا دلوقتي في أمان؟
أومأ إليها برأسه دون إجابة فسألته مرة أخرى باستغراب عن عائلته:
-فين طنط وجيدة وفرح.. وفين تمارا
عقب بجدية ناظرًا إليها بود:
-متقلقيش كلهم بخير وفي اوضهم
نظرت في محيطها ولم يكن إلا الدرج والحائط فعادت ببصرها إليه لتسأله:
-هو ايه اللي حصل
إلى هذه الدرجة فضولها يأخذها خلفه حيث ما يريد!، تنهد بصوت مرتفع وقال بجدية:
-هحكيلك بعدين.. أنتي متعبتيش؟
أومأت إليه برأسها إليه فسار مُشيرًا إليها أن يذهبوا ففعلت، صعد الدرج يذهب إلى غرفتهم وذهبت هي مع شقيقتها وابنتها إلى غرفتهم لتطمئن عليهم أولًا ثم تتركهم، هبطت مرة أخرى إلى المطبخ لتأخذ بعض الشطائر إليهم فهم منذ الأمس لم يأكلوا شيئًا..
تركتهم بعد الاطمئنان عليهم ثم ذهبت إلى غرفتها، وجدته يخرج من المرحاض مرتدي بطال فقط يشجفف خصلات شعره بمنشفة فاردًا ذراعه الأيسر وهو نفس الذراع الذي كان مصاب به سابقًا ولكن هذه المرة كانت الإصابة في ذراعه من الأسفل..
عندما دفع “عاصم” وأخذ مكانه تحرك كثيرًا فخابت رصاصة “طاهر” وأتت فوق معصم يده تاركة إصابة بسيطة..
عبرت من جواره دون حديث فيبدو أن خوفها عليه واستنكارها لترك الجزيرة هما اللذان كانوا يدفعون بها إلى التقدم ناحيته وألقاء نفسها بين يديه..
دلفت سريعًا إلى المرحاض هي الأخرى لتنعم بحمام بارد يزيل عنها عناء جلستها طوال الليل على أرضية صلبة كالذي كانت في الأسفل مع تلك الأتربة والغبار الذي طبع على ملابسها ويدها..
بقيت بالداخل كثيرًا ثم خرجت بخجل وهي ترتدي رداء المرحاض بعد أن أنساها هروبها إلى الداخل أن تأخذ معها ملابسها…
نظرت بعينيها في الغرفة فلم تجد له أثر حمدت الله كثيرًا متقدمة من الخزانة تأخذ منها ملابسها عائدة مرة أخرى إلى الداخل كي ترتدي على راحتها فمن الممكن ان يأتي بأي لحظة.. ولكنه من الأساس كان يقف في الشرفة ينظر إلى الباب الذي تهشم زجاجة بسبب الرصاص الذي تناثر حولهم وينظر إلى بقاياه على الأرضية من الداخل والخارج..
ووقعت عينيه عليها وهي تخرج ببطء تبحث عنه بخجل ووجه متورد ثم أخذت ملابسها واختفت، لم تدري أنه رأى جمالها الذي لم ينجذب إليها لأجله أبدًا، ورأى رقتها التي لم يراها منها يومًا بل دومًا كانت تلك الشرسة العنيدة، رأى نظرتها البريئة والخائفة في ذات الوقت وكأنها صبية مراهقة أو زوجة في بداية زواجها خجلة من أن يكشف زوجها مفاتنها..
جلس على الفراش متنهدًا بعمق وكأن حمل ثقيل انزاح من على قلبه على الرغم من أن الخطر مازال يحاوطهم..
أتت هي الأخرى من الداخل بعد أن ارتدت ملابسها لتجلس جواره ولم تنتظر كثير بل قبل أن تجلس سألته بجدية:
-ممكن أعرف ايه اللي حصل
استدار بجسده ينظر إليها يجيب بفتور وصوت جاد:
-زي ما شوفتي يا زينة
تابعت عيناه واستغربت إجابته، أنها لم ترى شيء سوى تلك الرصاصات التي انهمرت فوقهم كالمطر وبعد ذلك لم تدري بشيء سألته مستفهمة:
-شوفت ايه فهمني.. دول مجرمين؟
أومأ برأسه إليها بالإيجاب يقول مسترسلًا في الحديث بصوت هادئ:
-ايوه، ده طاهر أكبر عدو ليا.. طول عمره بوق بس مش بيعرف يعمل معايا أي حاجه بس المرة دي عرف يعمل بسبب جلال
استمعت إلى الاسم فتوترت قليلًا تنظر إليه بقلق محاولة الهدوء والثبات تكرر باستفهام:
-إزاي؟
قال بجدية شديدة وداخله غضب مكبوت لا يستطيع إخراجه إلا عندما يمسك به بين يديه أن كان حيًا أو ميتًا:
-جلال لما هرب راحله وعرفه كل حاجه عن الجزيرة يدخل إزاي يخرج إزاي وكان السبب في أن ده يحصل لأن من المستحيل حد يقدر يدخلها ولا يعرف إزاي أصلًا ممكن يدخل
نظرت إلى الفراغ وتلك الكلمات تتردد على عقلها وبالأخص شيء واحد ارتبكت لأجله فلا تدري ما العواقب خلفه، تحدثت متسائلة:
-وهما فين بعد كل ده ما حصل
قال بإيجاز وصوته حاد:
-طاهر هرب.. وجلال مات
استنكرت صارخة تسأله بفزع فأثر الكلمة على جسدها عنيف جعله يرتجف بقلق:
-مات!
أومأ إليها برأسه دون حديث ينظر إلى الأمام وهي تتابعه بنظراتها المذكورة المستغربة للغاية فباغتته قائلة:
-هو بس!
حرك رأسه بالنفي فأكملت:
-اومال راحوا فين اللي ماتوا
بمنتهى السهولة والبساطة التي يمتلكها تحدث بهدوء وتروي وكأن لم يحدث شيء من الأساس:
-الإجراءات كلها خلصت
هبت واقفة من على الفراش تنظر إليه بغضب حاد وعنف تأجج داخلها فرفع بصره إليها ولم تصل إليه معاني نظرتها إلا بالبغض لما قاله وفعله ولكنها صاحت بقسوة متهكمة غير قابلة لحديثه:
-إجراءات دفن مصرحة من جبل بيه العامري.. انتوا إزاي عايشين كده مستحيل.. اللي ماتوا دول فين أهلهم
هتف بهدوء فهو حقًا لا يقوى على الجدال معها ولا يريد أن يرسل إليها فكرة أنه المجرم مرة أخرى فإن وجودها من الأساس معلق على هذا الخيط أما أن تبقى أو ترحل:
-زينة البوليس كان هنا وكل حاجه تمت على ايده
جلست ثانيةً تتابع باستغراب:
-إزاي
قال بجدية بسيطة لا يريد أن يطول الحديث بينهم:
-زي ما بقولك
نظرت إليه بشك وكأنها غير مصدقة ما قاله، كيف للشرطة أن تكون تابعت كل ما حدث وهو هنا مازال ومعه “عاصم” ومن المؤكد كل حراسه، كيف ذلك وهناك أشخاص لقوا مصرعهم أثر هذه الحرب الذي وقعت بينهم!.. من هو كي يفعل كل ذلك دون أن يشوبه شيء..
سخرت منه والكلمات تخرج من بين شفتيها بعنف وقوة:
-أنت كبير في البلد للدرجة دي علشان كل ده يحصل وأنت تفضل هنا في قصرك كده ولا كأن حاجه حصلت!
استشعر سخريتها فتعمق داخل عيناها يرى ما تحدث به نفسها، سهل عليه للغاية أن يتركها لحديثها وحريتها أو أن يخرسها كما كان يفعل في لمح البصر فلا تستطيع النظر إليه وسؤاله مرة أخرى ولكنه للأسف لا يريد ذلك، فقط يريد أن يكون ما تحب وما تريد وتهوى لذا قال مجيبًا عليها بجدية وصدق:
-أيوه كبير.. كبير الجزيرة والبلد كلها يا زينة، اللي حصل المرة دي مش بسببي أنا ولا ليا يد فيه علشان تبصيلي كده وترمي عليا اتهامات من تاني
سألته متحيرة في أمره وأمر ما حدث وهو مازال هنا، كيف إن كان حديثه صحيح:
-اومال عايزني أعمل ايه
أمسك بيدها برفق يتعمق داخل عيناه يقول تلك الكلمات التي يعلم أنها ستجعلها تصمت بعد أن تنهد بصوت مرتفع:
-عايزك تفهمي أن كل حاجه مشيت قانوني ومش قانوني من بتاعي لأ قانوني من بتاعك أنتي وأنا هنا علشان لازم أكون هنا
تابعت بشك أكثر ولكن في نفس الوقت تستشعر الصدق في حديثه فنظرت إلى يده التي تتمسك بيدها والأخرى جواره فسألته مشيرة إليها:
-حصلك ايه
أجابها بهدوء دون اكتراث:
-اخدت فيها رصاصة بس بسيطة ومش مأثرة عليا
سألته ثانية وهي تنظر إلى رباطها الطبي:
-مين ربطهالك
-الدكتور
قالها بإيجاز ووجدته ينظر إليها بارهاق يزفر كلما سألته عن شيء ولكن في نفس الوقت يحاول مدارة ذلك وكل هذا وهي متغاضية تمامًا عن اعترافه لها بالحب فلا تريد أن تنجرف معه دون التعمق في حقيقة ما يفعله..
وعلى ذكر ذلك التي أتى على عقلها بدلًا من أن تقول أنها ستخلد للنوم وأن يفعل ذلك هو أيضًا مثل الجميع في القصر ولكنها خيبت ظنه بنظرتها المتعمقة نحوه تقول:
-أنت كنت عايز تقولي ايه قبل ما يحصل اللي حصل ده
ضغط على يدها بين يده، من خلال عيناه أرسل إليها لهفة أتت على حين غرة، أرسل لها شغف كان خامدًا اهتاج على ذكرها لحديثه، لأول مرة يشعر بأنه شغوف ناحيتة امرأة إلى هذه الدرجة..
خرج صوته رخيم هادئ:
-كنت عايز أقولك إني بحبك.. ومحتاجلك معايا
ابتلعت لعابها محركة أهدابها بكثرة تحاول الهرب بعينيها بعيدًا عنه، قالت بعد وقت جاهدت به أن يخرج صوتها متزنًا:
-كنت هتقول حاجه تانية
أومأ برأسه يؤكد حديثها قائلًا بهدوء:
-خليها لأوانها
ساقها فضولها إلى ما الذي كان سيعترف به إليها وشعرت أنه كان خطير للغاية أم مهم أكثر من قوله أنه مغرم بها فقالت بنفاذ صبر:
-أوانها كان امبارح يا جبل.. قولي
مرة أخرى يضغط على يدها يهتف برجاء وصوت حاني:
-لأول مرة هقولك علشان خاطري… علشان خاطري متمشيش ورا فضولك وأنا هقولك كل حاجه في الوقت المناسب
تعلقت بعيناه ودق قلبها نابضًا بعنف وقوة عندما استشعرت شيء سيجعلها سعيدة تنال الفرصة الأخيرة المحبة إلى أن تعود امرأة معها رجل مثله وقالت متسائلة بلهفة:
-حاجه هتريح قلبي؟
أومأ برأسه مؤكدًا مبتسمًا بارهاق:
-هتريحه يا زينة
ابتسمت باتساع بعدما قال كلمتين فقط ولكن أثر سمعهما لا مثيل له وكأن قلبها من الأساس ارتاح ومكث في موضعه داخل قفصها الصدري مطمئن تاركًا خوفه جانبًا بعد أن لمح لها بما تريد
ابتلع غصة وقفت بجوفه ونظر إليها بعمق خائف متردد:
-لو قولتلك اللي عايزة تعرفيه هتفضلي معايا
حركت رأسها للأمام تقول بصدق وهي حقًا بكل جوارحها تود أن تنال الفرصة لتبقى معه بعد أن دق قلبها إليه:
-أنا قررت والله خلاص إني هفضل معاك.. أنا عايزة ابقى معاك بأرادتي أنت لسه مشوفتش ده فيا؟
أجابها بهدوء:
-شوفته بس بكدب نفسي علشان عارفك
اتسعت ابتسامتها وهي التي تضغط على يده تطمئن قلبه بعد أن فعل المثل معها وما كان منها إلا أن ترده إليه قائلة بحب:
-مش هسيبك
رفع يده إلى وجنتها يحركها عليها بحنان ورفق، ينظر إلى سوداوية عينيها مباشرة تغوص معه في سحر عينيه الخضراء الذي لم تدركه إلا منذ فترة قصيرة، فلم تكن عيناه إلا شيء مخيف بالنسبة إليها..
أقترب منها على الفراش يتوق للمستها أكثر من هذا فأرجع يده للخلف لتتغلغل في خصلات شعرها تجذبها نحوه بهدوء وشغف..
هبطت بعينيها للأسفل عندما وجدت وجهه أمامها مباشرة لا يفصل بينهما شيء تستنشق أنفاسه اللاهثة وتشعر بمدى رغبته نحوها..
مال عليها ليقطف قبلة رقيقة، لأول مرة، لأول مرة بينهم بذلك الرضا والحب، لأول مرة تكون قبلة شغوفه مفعمه بالحيوية الممزوجه بالغرام الذي دفعهم للإقتراب أكثر والطمع في الأعمق من هذا
فصل قبلته التي دامت لحظات طويلة وأنفاسه تتسارع بعنف ولهفة، جسده يحترق من اقترابها الذي بحيره وكأنها تريده ولا تريده، نظرتها الخجولة نحوه كأنها وردة لأول مرة تتفتح ويراها البستاني..
دفعها للخلف برفق وهدوء ليتبعها مقررًا أن بعد حرب خسر بها الكثير واستنزفت من دمائه يكافئ نفسه بلحظات أكثر رومانسية لأول مرة بينهم وهي واعية تعلم ما الذي تفعله..
يأخذها بين يديه ليشعرها أنها المرأة الأولى والأخيرة بحياته، ولتبادله وكأنه أول رجل ولج إلى حياتها وتعيش معه لأول مرة مشاعر كثيرة مختلفة تداهمها بقوة وشراسة وهي بين يديه.. وقد كان هذا صحيحًا فهي قد نسيت كل هذا عندما قررت أن تكون أم فقط ولم تهتاج هذه المشاعر مرة أخرى داخلها إلا على يده..
أنفاس لاهثة بينهما ومشاعر مفعمة بالحب والغرام مليئة بالرغبة واللذة اهتاجت بينهم متناثرة في الغرفة بعد لحظة فراق كانت فاصلة بحياتهم لتبقى هذه أولى ذكرى وأول رحلة يغوصان فيها سويًا بذلك الرضا وتلك الإرادة المميتة في التكملة للوصول إلى ذروة العشق لينال منها ما يجعله سعيد إلى الحد الكافي يبادلها ما ينسيها ما عاشته سابقًا إن كانت متذكرة..
عزيزي دعني أخبرك عن قصة رجل شرقي شامخ رأى امرأة حرة فعزم على ترويضها متخليًا عن كل مبادئه ليأتي بها دمية بين يده يحركها بين أصابعه كما يشاء، دعني أخبرك عن قصة قاتل، قتل كل مشاعره إلا حبه لها، محي كل ذكرى غرام سابقة من عقله ليحي ذكراها، عزيزي، دعني أخبرك عن قصة سارق، وعد أن يسرق قلبها إن كان بالحب أو بالقسوة ليوفي بوعده مفتخرًا فلم يكن حب أو قسوة فقد كان أعلى مراتب الحب ألا وهو الجنون..
أتى الدور على قصة امرأة بعد الاستماع إلى قصة رجل لا مثيل له، لا بالمظهر أو بالشخصية، لا بنبرة صوته الغليظة الرجولية.. والهادئة الحانية..
امرأة عاشت أهم سنوات عمرها في خديعة مُرة، حطمت فؤداها، رفضت الإقتراب ورفضت الحب والغرام، وقفت شرسة قوية، عافرت للوصول إلى المبتغى مدافعة عن كل ما يخصها لتقف أمام ذئب بشري لم تطول في مجابهتها له حيث أنها باتت بين يديه.. في يوم ليلة!..
امرأة مع كل حقيقة تقع أمامها تتغير ناحيته فتراه ليس ذئب بل بشر، ثم رجل، ثم طفل يبكي بين زوايا أحضانها متخفي من دمار قلبه الشامل، تاركًا قسوة عقله بعيدًا عنه مجردًا من أفكاره معها لترى نفسها كوالدته، يتوجب عليها أن تعود به إلى الطريق الصحيح.. فلم يكن من بعدها إلا رجل عاقل تسير معه في دروب الحب، على الرغم من ذلك كانت متأكدة أن هناك شيء لم يكتمل بعد.. خيط ناقص وحقيقة مخفية..
❈-❈-❈
أصبح الوضع أكثر هدوءا بعد فترة، وتم السيطرة على كل شيء، كثف الحراسة في كافة أنحاء الجزيرة، مداخلها ومخارجها، لم يعطي الأمان لأي شخص يخون الجميع عدا من فدوه بأرواحهم وعدا أهل الجزيرة..
كل ما تم تخريبة أثناء تلك الحرب الدامية قام بإصلاحه، إلى أن عاد الوضع طبيعي كما السابق وأفضل ولكن إلى الآن عقله مشغول بذلك “طاهر” الذي لم ينشغل به يومًا لأنه كان على علم بآخر ما يستطيع فعله إلى أن خيب ظنه بمساعدة الخائن “جلال”.. الآن لا يستطيع أن يصل إلى طريقه بعدما كان يراه نكره لا يريد العثور عليه..
علم الجميع بخبر وفاة “جلال” ولم يحزن عليه أحد، وكان من المفترض أن لا يحزن أحد إلا “فرح” ولكنها لم يرف لها جفن، لم تحزن عليه ولم تتذكره من الأساس، لم تهبط من عينيها دمعة واحدة بعدما استفاقت مما فعلته بنفسها وبعائلتها على يده ذلك الحقير الخائن لم ينل إلا ما يستحقه..
شعرت أنه هو من دفعها لفعل كل ذلك وهي الغبية التي كانت متعطشة لعلاقه تقهر قلب “عاصم” بها ولم تقهر قلب أحد سواها..
وقفت “إسراء” في حديقة القصر تتحدث مع صديقتها عبر الهاتف وكانت هذه أول مرة تهبط إلى الأسفل بعد أن أذنت لها شقيقتها، أغلقت الهاتف بعد وقت وهو يقف على بعد قريب منها يتابعها بعيناي متعطشة مشتاقة إلى أبعد حد..
أحرقه صدره بتلك اللهفة الغريبة وأكلت النيران ما بقي منه شوقًا للقرب منها والنظر داخل عينيها الساحرة، وجدها تعود ذاهبة إلى القصر فركض بخطوات واسعة ليجذبها بعيدًا قليلًا يقف أمامها بنظرات ملهوفة غرامية..
خرج صوته الأجش قائلًا بحدة يتخللها الحب واشتياقه هو الذي يدفعه نحوها:
-ممكن أعرف بتتهربي مني ليه
نظرت إلى ذراعها القابض عليه بين يده بشدة فعادت بعينيها إليها متصنعة الحدة التي لا تليق بها تهتف:
-أبعد لو سمحت
ترك يدها وكرر مستغربًا مسلطًا عينيه عليها باستغراب:
-لو سمحت!
وضعت يدها الإثنين أمام صدرها ووقفت تنظر إلى البعيد فلا تستطيع الصمود أمام نظرة عينيه التي تحتويها بكل حب:
-عايز ايه يا عاصم
تحرك بجسده قليلًا ليقف أمام وجهها الذي أشاحته بعيدًا عنه قائلًا بصدق مضيقًا عينيه عليها قاطبًا جبينه:
-عايزك، قسمًا بالله ما عايز غيرك
داهمت عيناه بقوة عينيها الزرقاء، تخلل الضعف نظرتها واهتز بدنها أثر نظرته ولكنها حاولت التماسك قائلة:
-أنت مصدق اللي بتقوله
ضيق ما بين حاجبيه أكثر وعاد للخلف ينظر إليها بقوة مستغربًا حديثها الذي لم يكن هكذا في السابق بل كانت تأمن له بكل حديثه وأيضًا اعترفت بحبها له:
-هو أنتي مكدباني
أومأت برأسها قائلة بحدة:
-أيوه
أشار بيده في الهواء متسائلًا عن السبب ثم أشار إلى نفسه راجيًا إياها بلهفة وعشقه الكبير لها الذي يتخلل روحه يدفعه نحوها رغمًا عنه:
-ليه طيب.. قوليلي ايه يثبتلك صدق كلامي وهعمله فورًا
أبصرته بقوة ووقفت ثابتة فباغتته بعنف:
-قولي أنت بتشتغل ايه
قال بهدوء مجيبًا إياها:
-بشتغل مع جبل
حركت زاوية شفتيها بسخرية ناظرة إليه بتهكم وعادت السؤال مرة أخرى:
-بتشتغل مع جبل ايه
نظر إليها باستغراب وما كاد إلا يتحدث لكنها قاطعته قائلة بخيبة أمل مترقرقة الدموع في عينيها:
-بتشتغل في السـ ـلاح؟ بتـ ـقتل الناس
صعق عندما استمع إلى حديثها، وقف ينظر إليها يتابعها بحدة وغرابة، كيف علمت ذلك؟ من تفوه لها بهذا الحديث، أقترب منها يقبض على يدها متسائلًا بحدة:
-مين قالك الكلام ده
جذبت يدها منه بعنف عندما شعرت بتغيره المفاجئ نحوها وصاحت أمامه:
-مش مهم مين قالي المهم إني عرفت
رأى أن قطته أصبح لها أظافر تخربش بها ولم تجد إلا هو لتجرب عليه مخالبها، زفر حانقًا وقال:
-أنتي فاهمه غلط
سألته بجدية منتظرة حقا أن تأخذ منه إجابة تجعلها تلقي بها في وجه شقيقتها وتلقي حديثها عرض الحائط:
-طيب ايه الصح
توتر وهو ينظر بعيدًا عنها يحرك عينيه في الفراغ يردف بجدية:
-أنا.. أنا مش هقدر أقولك حاجه بس قسمًا بالله أنا بحبك
رقت ملامحها، عادت تلك الوديعة الرقيقة، اعتدلت في وقفتها وأدلت إليه باعترافها بنبرة خافتة حزينة:
-وأنا كمان بحبك يا عاصم
وجدته يبتسم وتتسع ابتسامته وقعت عليه الكلمات لتسكر بدنه ولكنها لم تجعله يدلف إلى تلك الحالة بل صاحت بجدية:
-بس مستحيل أكمل مع واحد شغلته أنه يقـ ـتل الناس
أشار إلى نفسه ينفي حديثها بضراوة:
-أنا مش بقـ ـتل حد صدقيني.. فهميني عرفتي الكلام ده منين
أجابته بهدوء:
-من زينة أختي
استرسلت في الحديث مكملة:
-قالتلي إنك أنت وجبل شغالين كده مع بعض
وقف صامتًا للحظات بعدما علم كيف أتاها ذلك الخبر، أتى تفكيره صحيح أنها لن توافق عليه ليكون شريك حياة شقيقتها ولكنه والله يقتلها ويأخذها رغمًا عن الجميع.. أبعد هذه الأفكار سريعًا عن عقله عندما وجدها تنظر إليه باستغراب تتابع ملامحه المتغيرة..
سألها بنبرة حانية:
-أنتي بتثقي فيا صح؟
أومأت برأسها قائلة:
-أيوه بثق فيك
أكمل بجدية بعدما لم يجد شيء يقوله لها كي تفهم أنه ليس ذلك الشخص البشع، حتى وإن كان يكذب ولكنه لن يتركها تذهب من بين يديه بسبب أشياء كهذه:
-طيب ممكن تديني فرصة أفهمك كل حاجه.. بس مش دلوقتي ممكن؟
نظر إليها برجاء فأومأت إليه بضعف بعد أن رق قلبها ناحيته فلا تريد أن يحترق قلبها أكثر من ذلك بعد أن اعتادت على وجوده معها في كل وقت..
ستعطيه تلك الفرصة التي يطلبها كي تعطي نفسها هي الأخرى وتعطي علاقتهم معًا، لا تريدها أن تخرب بهذه الطريقة أن كان عنده تبرير فلتنتظر لتأخذه منه ولن تتركه هو..
سألها بلهفة:
-هتكلميني؟
ردت قائلة وهي تتجه بعينيها إلى البعيد:
-هحاول
ابتسم وهو يراها تتهرب منه هاتفًا بصوت أجش رخيم:
-هستناكي تكلميني.. وحشتيني
كانت هذه البريئة حالة خاصة، فريدة من نوعها، لا تفقه شيء ولم تتصدى لمدفع سابقًا، هناك من يدير حياتها يسار نعم يمين مُجاب، رقيقة كالفراشة وديعة كالقطة، محبة كعصفور طائر يغرد بسلام.. عينيها بحر أو سماء أما تغوص أو تغوص، ملامحها تناديك إلى الأعمق تجذبك بسحر خاص بها يفتنك لتصبح عاشق ولهان.. فتهيم بها عشقًا دون أن تدري ما هي مميزاتها!..
تابعها بعيناه الحادة التي تلين لها فقط، شفتي غليطة طيلة الوقت لا يخرج منها الحديث إلا على هيئة صراخ حاد يتبدل حالها عند رؤيتها فيتحول الحديث إلى كلمات خافتة حانية تخرج بهدوء ورفق تربت على مسامعها بحنو، يقف أمامها بجسده الصلب فارع الطول الذي يكاد يبتلعها في كل مرة تقف أمامه ولكنه لا يلين ولا ينحني إلا لها كي تشعر أنه يتحول إلى ما تحب في الوقت الذي تحب لتبتادله ما تحب..
❈-❈-❈
في حديقة القصر، يجلس “جبل” على مقعد وبجواره “عاصم”، شاب فارع الطول وعريض المنكبين يبدو في الثلاثون من عمره، يقف أمامه كأنه أمام القاضي ينتظر حكمه، بجواره رجلان تخطوا سن الخمسون، فتاة صغيرة لم تتخطى الخامسة عشر عامًا جالسة بجوار سيدة كبيرة..
رفع “جبل” بصره إلى الشاب لينظر إليه بحدة قائلًا بغلظة وصوت خشن:
-أنت عارف قوانين الجزيرة.. البنت قبل ما تتم العشرين سنة ملهاش جواز، اللي عملته ده تمرد؟
رفع عيناه السوداء لينظر إليه بملامحه الحادة ليس افتعال منه بل كانت هي هكذا على طبيعتها يًشير عليها بيده قائلًا بصوت هادئ:
-يا جبل بيه هي عفيه قدامك أهي.. عندها خمستاشر سنه وأبوها وأهلها موافقين ايه المانع
وضع “جبل” يده أسفل ذقنه في تلك الحركة المعتادة له ونظر إليه بسخرية ثم سأله متهكمًا ضاربًا حديثه عرض الحائط:
-أنت عندك كام سنة
أجابه وهو يطرق رأسه إلى الأسفل خجلًا من نفسه ولكنه مازال يعارض:
-خمسة وتلاتين
أعاد سؤاله الخاص بها وهو ينظر إليه:
-وهي كام
أجابه ومازال ينظر إلى الأسفل بضجر وانزعاج:
-خمستاشر
استنكر أجابته على أسئلته فهناك فرق شاسع بينهم، عشرون عام؟ كيف هو يتخطاهم وهيبط بتفكيره إليها أو يتحكم بعنفوان جسده وضخامته وكيف هي تصعد بتفكيرها إليه وتتعامل معه:
-يعني لو كنت اتجوزت بدري كنت خلفت قدها.. مش عيب عليك لما تتجوز واحده في سن ولادك، مش فاهم أنا.. فهماك إزاي؟ وبتتعامل مع الهلف اللي قدامي ده إزاي
أشار إليها مرة أخرى يرفع رأسه إليه متأكدًا من حديثه الذي يقوله:
-يا جبل بيه ماهي قدامك أهي في أحسن حال.. اسألها
نظر إليه “جبل” بسخرية يُجيب على حديثه بسخط:
-لأ ماهو باين عليها.. بس أنا وصلني أنها كانت رافضة هي وأمها الجوازة.. دي طفلة يا بجم
لكنه أومأ إليه موافقًا على حديثه قبل أن يستمع رده ليتجه إليها يسألها وعيناه معلقة على طفلة صغيرة محرج من نفسه لأنها تخيلها زوجة!:
-قوليلي يا شاطرة.. ايه اللي حصل
كانت تخفض رأسها إلى الأرضية وهي تستمع إلى حديثهم، عندما وجه الحديث إليها رفعت رأسها تنظر إليه محاولة انتهاز الفرصة للهرب من واقع مرير تعيش به مع وحش لا يرحم وعائلة لا تغفر، طلبات لا تنتهي وألم لا يزول.. وقع كبيرهم أمامها كالمنقذ الوحيد فلن تجعله يفلت من يدها..
حاولت تجميل صورة والدها وهي تضغط على يدها تقول بتوتر وقلق خوفًا من أن يصيبه مكروه على يده:
-أبويا مكنش عارف يصرف علينا علشان إحنا كتير، أنا وأخواتي خمسه والأكبر مني صبيان، طلعني من المدرسة وجوزني علشان الحمل يخف عليه
سألها بجدية مضيقًا عينيه عليها:
-أنتي كنتي موافقة
عقبت بهدوء وهي تبتعد برأسها إلى والدها الذي كان ينظر إليها بأسى:
-لأ أنا قولت لأبويا أنا كمان هشتغل بس هو موافقش
عاد يسألها وهو يُشير إلى زوجها:
-أنتي مرتاحه مع جوزك
أجابته سريعًا بالنفي دون التفكير حتى:
-لأ
نظر إليه بحدة وعنف وقد كذب حديثه الذي كان واثق منه فأخفض الآخر رأسه يبتعد بعيناه عنه، فعاد جبل إليها مرة أخرى يسألها:
-ليه
على الرغم من أنها فتاة صغيرة لا تفقه شيء إلا أن تلك المدة التي قضتها معه جعلتها صبية كبيرة لاقت بها قدر كبير من الألم الذي اوجع قلبها وبدنها بالكامل وقابلت كثير من الأمور التي لم تستطع التعامل معها فقابلها بالضرب المبرح:
-أما بيطلب مني حاجه معرفش أعملها بيضربني، وأمه كمان بتضربني وبيخليني أعمل حاجات عفشه بس أمي قالتلي أنه علشان جوزي عادي
نظر إلى زوجها بغلظة وقسوة شديدة، طبيعي للغاية أن يكون هناك أشياء لا تفقها كيف وهي طفلة! ولما تتقابل بالضرب منه ومن والدته؟ سيذوق ما ذوقها إياه ولكن صبرًا..
نظر إلى والدها قائلًا بجدية:
-أنت علشان مش عارف تصرف عليهم جوزتها؟
كان الرجل يخرج من عيناه نظرات الحزن والألم، يقف يرتجف أمامه خوفًا مما سيفعله به لأنه كان على علم بتلك القوانين وقد كسرها ظنًا منه أن “جبل” لن يصله الخبر.. قال بخفوت وضعف:
-يا جبل بيه جواز البنات سترة
تحدث “عاصم” ينظر إليه باستهزاء بعدما استنكر حديثه ولكن في نفس الوقت شعر بخوفه وقلة حيلته:
-مش لما تبقى من البنات ياعم الحج، دي عيلة صغيرة قد بناته
ترقرقت الدموع بعيناه وهو يقول مبررًا:
-يابني بتي واعية وعارفه كل حاجه وعفيه
سأله “عاصم” بجدية مضيقًا عيناه عليه ولم يقتنع بحديثه:
-يعني أنا يا حج لما اتجوز واحدة اتجوزها قد دي
أومأ إليه الرجل برأسه بالايجاب قائلًا بصوتٍ جاد:
-اللي ترتاحله وتريده أنت
هب “جبل” واقفًا صارخًا به بعنف وقسوة يُشير إليه بيده بهمجية وقد فارت دمائه بسبب ذلك الحديث الأحمق:
-واللي هي ترتاحله ايه؟ مش موجود في حساباتك
حاول والدها التحدث وهو يُشير إليه بيده ليتحدث:
-يا جبل بيه اسمعني
نظر إليه “جبل” بجدية وصرامة وتحرك أمامه ليقف شامخًا قائلًا بفتور:
-أنا عارف إنك مش ملاحق تصرف على ولادك بسبب ابنك المريض بس أنا مقصرتش مع حد فيكم ولما حد بيقصدني مش برجعه خايب ده غير إن كل واحد فيكم بيوصله اللي هو عايزة وزيادة
أخفض الرجل رأسه إلى الأرضية خجلًا بعد حديثه الصادق، لم يقوى على الرد فصمت بضعف وقلة حيلة ليكمل جبل وهو يستدير ينظر إلى زوجها:
-انتهى الكلام، أظن قوانين جبل العامري محدش بيكسرها ولا يتعدى عليها في الجزيرة واللي بيعمل كده بيبقى عارف أنه ليه عقاب
أكمل حديثه مسترسلًا بقوة وصوت عالي حاد:
-الجزيرة ليها قوانين هنمشي عليها العمر كله.. جواز البنات قبل العشرين مش هيحصل طول منا موجود وضيف عليهم لو أكبر منها بعشر سنين ويوم مش هتتجوزه
سخر منه وهو يُشير إليه من أسفل قدميه إلى أعلى رأسه يقول بتهكم وسخط، منزعجُا مما فعله ذلك الغبي:
-بص لنفسك وأفهم.. وأنت عندك عشرين سنة كانت هي لسه بتتولد.. راجل إزاي أنت تفهمك وتوصل لتفكيرك إزاي! تحزن لحزنك وتفرح لفرحك إزاي دي آخرها تجيب ليها فشار وتشغلها فيلم كرتون
تقدم والده للأمام قليلًا خوفًا على ولده ليقول سريعًا متسائلًا بارتجاف:
-اللي تؤمر بيه يا جبل بيه
أشار إلى الشاب بجدية وقسوة يخرج صوته بنبرة صارمة لا نقاش بعدها:
-هيتم الطلاق النهاردة وتبقى تتجوز بعدين واحدة تناسبك وهي تستنى لما تتم السن أحسن ما تموت على ايدك
أكمل ناظرًا إليهم يحرك عينيه عليهما هما الاثنين تخرج الكلمات منه بتهديد واضح:
-وبعد ما تعملوا كده.. ترجعوا هنا تاني، مش هبعت معاكم حد ولا هغصبكم على حاجه أنا عارفه أنك أنت وهو هترجعوا وإلا مش هيحصل كويس
صرخ بشراسة عندما رأى كل منهما ينظر إلى الأرضية دون إجابة:
-مفهوم
أجاب الجميع في صوت واحد:
-مفهوم يا جبل بيه
أبتعد عنهم يفسح إليهم الطريق مردفًا بصوت جاد واثق:
-اللي يكسر قوانين جزيرة العامري.. لازم يتحاسب
أشار إليهم بالذهاب فتقدم أحد الحراس يصتحبهم للخارج، ذهب الرجال وخلفهم الفتاة الصغيرة المتشبثه في يد والدتها، رأت عيناه تلك الفرحة التي ظهرت فجأة على وجهها وهي تقف للرحيل، استشعر مدى حزنها وصمتها المتألم أثناء جلستها ورأى السعادة الخالصة وهي تنظر إلى زوجها نظرة غريبة لم يفهم معناها ولم تمر عليه سابقًا، ولكن يبدو أنه قام بفعل شيء رائع أسعدها إلى الحد الذي جعلها وهي راحلة تستدير تبصره بابتسامة ممتنة!..
كيف لفتاة في الخامسة عشر من عمرها لم تذهب حتى إلى سن المراهقة تكون زوجة لرجل في الخامس والثلاثون من عمره؟ كيف لأهل أن يوافقون على فعل ذلك؟ كيف يتخيل الرجل أنه سيكون سعيد مع فتاة بعمر ابنته! تفهم ما يحزنه وما يسعده؟ تفهم ما يريده وما يبغاه؟ تفهم ما يريده منها كرجل؟ أي عقل وأي دين هذا!..
كانت زينة تقف في الأعلى ككل مرة يجلس هو بين الناس هنا يحكم بالعدل بينهم، تنظر إليه بحب لا تدري متى أصاب قلبها ناحيته، تتابع حركاته بتمعن تحفظ كل ما يصدر عنه وهو حكيم محب، عاقل ينصف الضعيف ويرد للمظلوم حقه..
والله إلى الآن تحتار في تكوينه، مشتت ذهنها بين ذاك الجبل الذي ارغمها على كل شيء وهذا الجبل الذي يقف أمامها ولكن بعد أن طمئن قلبها بأنه سيعترف بما تريد أن تستمع إليه، استكانت وتركت لقلبها العنان في التحليق معه في سماء حبه إليها..
والحقيقة الصادمة أنه في الأيام المنصرمة كان حقًا مُحب، رقيق في حديثه ومشاعره، حنون في تصرفاته نحوها يغير كل حرف كُتب عنه داخل عقلها وقد كان ما أراده..
ما علمته عن زوجها الراحل ساعدها في أن تنزع تلك الأصفاد الحديدية التي أحاطت بها قلبها ليعبر عن طريق ممر اسمه الحب يدلف بكل أريحية تتقابل معه في محطة الغرام تاركة نفسها إليه.. متعمقة معه بكل جوارحها مستغربة كيف للهوى أن يجعل مشاعرها جياشة في كل لحظة تراه لها وكأنها أول مرة لها..
لكن هذه المرة كانت مختلفة للغاية، عبرت معه كل طرق المشاعر إن كانت قسوة أو لين كره أو حب، كل شعور وعكسه لاذت به بجواره فأصبح قربها منه فريد من نوعه، وكل لحظة تمر بينهما تكن غريبة كليًا عليها تشعر بها لأول مرة..
دلفت من الشرفة لتنظر إليه بعدما ولج إلى الغرفة، تقدم منها مبتسمًا ليقف أمامها محيطًا إياها بذراعيه يقربها منه قائلًا بشغف:
-وحشتيني
إلى الآن لم تعترف له أنها تحبه بل اعترفت داخلها بعد أن شعرت بما يقدمه إليها من مشاعر صادقة في الأيام المنصرمة، وقال لها أيضًا أنه ليس الرجل الذي يهتف كل لحظة والأخرى بكلمات الغرام بل هو جاد للغاية ولا يليق به هذا.. لكنه يتغير دون الشعور، ما يدفعه لفعل ذلك شيء عفوي للغاية ليخرج منه قليل من الكلمات تعبر عن واحد بالمئة مما يشعر به نحوها..
دفعته ببطء وهدوء للخلف تبتعد عنه قائلة بابتسامة تفصله عما كان يريد:
-هروح الحمام وجاية
شعر بالضجر وهو يبتعد عنها ناظرًا إليها بمكر ومشاكسة:
-اتفضلي.. كده كده جاية
ابتسمت بخجل وسارت إلى المرحاض فتقدم من الشرفة ليغلق بابها ثم عاد جالسًا في مكانها على الفراش رافعًا قدمه اليمنى على اليسرى ينزع حذائه عنه، ثم فعل المثل بالأخرى ومال للخلف يدفع بالوسادة بعيد كي ينام على ظهره متسطحًا منتظرًا إياها..
حرك رأسه على الفراش ليرى علبة دواء كانت أسفل الوسادة عندما أبعدها ظهرت أمامه، عاد جالسًا مرة أخرى متصلب الجسد يأخذ العلبة بين يديه ينظر إليها بصدمة تامة، اشتعلت النيران داخل صدره الذي أخذ يتنفس دون انتظام ونظرته على ما بين يديه قوية شرسة يخرج منها الشرار..
استمع إليها تغلق باب المرحاض فوقف مستديرًا لها ينظر إليها بحدة وغلظة، استغربت نظرته نحوها فأرسلت له علامات الاستفهام وهي تتقدم منه ليرفع أمامها ما بين يده يسألها بقسوة ونبرة خشنة:
-الحبوب دي بتعمل ايه عندك
تهكم ساخرًا يصيبها بعينيه المخيفة:
-مش حبوب منع الحمل بردو
وقفت مكانها عندما رفعه أمامها، لم تفعل شيء خاطئ ولكن نظرته نحوها وذلك الإنذار الذي دوى بأذنها جعل الرجفة تلقي بنفسها عليها لتصبح في سائر جسدها تبادلة النظرات ولكن غير خاصته تمامًا بل كانت نظرات مدهوشة خائفة، متوترة من القادم عليها منه بعدما علم بأمر ما تخفيه عنه..
❈-❈-❈

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سجينة جبل العامري)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى