رواية عرف صعيدي الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم تسنيم المرشدي
رواية عرف صعيدي الجزء الحادي والعشرون
رواية عرف صعيدي البارت الحادي والعشرون
رواية عرف صعيدي الحلقة الحادية والعشرون
( ولو بعد حين )
______________________________________
_ كادت أن تقتلع عينيها من مكانهما فور نطقه بتلك السخافة حتماً يمازحها، رمشت بعينيها عدة مرات تحاول هضم طلبه وعندما لم يستوعبه عقلها هتفت بعدم تصديق مصحوب بالدهشة:-
اتخبلت في مخك إياك، جواز ايه اللي هنتجوزوا من ورا أهلنا يا ضيف؟ شايفني رخيصة للدرجة ديي جدامك عشان أوافج على طلبك ديه؟
_ أوصد ضيف عينيه ومال برأسه يميناً ويساراً مطقطقاً عنقه يحاول التحلي بالصبر قد المستطاع فأعصابه تالفة ولا يتحمل أي مناهدة في الأمر، عاد لينظر إليها محاولاً توضيح حُسن نواياه:-
أني رايدك مرتي وديه مش هيوحصل غير بالطريجة ديي، نحطهم كلاتهم جدام الأمر الواقع
_ حركت رأسها مستنكرة تلك الترهات، رفعت بصرها عليه بندم شديد لمجيئها إليه وعزمت على المغادرة لكنها ألقت آخر كلماتها معاتبة:-
أني اللي غلطانة إني جيت لك من أساسه فكرتني سهلة وهوافج على كل طلباتك الرخيصة
_ أولاته ظهرها لكنه لحق بها قبل أن تخطوا خطوة أخرى، أجبرها على الالتفاف إليه ثم سحب يده حين شعر بفداحة تصرفه من خلف نظراتها على يديه، سحب نفساً وهو يحاول إقناعها بشتى الطرق:-
أني مهجدرش اعمل غير أكده يا صفاء، أختي ممكن تتإذي لو اتجوزتك في العلن!.
_ تجهمت تعابير صفاء وهي تهز رأسها بتهكم فالأمر بدى أخرق بالنسبة لها، سألته مباشرةً حين فشلت في إيجاد سبباً لتدخل شقيقته في علاقتهم:-
واختك إيه اللي دخلها في اللي بينا مفهماش؟
_ الكلمات باتت أكثر صعوبة الأن، كيف سيخبرها بمرافقته لصباح؟، سحب نفساً وبنبرة أكثر هدوءً لكي لا يجرح مشاعرها قال:-
صباح أخت طاهر جوز مروة أختي…
_ لم يعد يستطيع مواصلة ما بدأه للتو فالأمر كان أصعب مما تصور، انتظرت صفاء بقية حديثه لكنه لم يفعل فاضطرت هي إلى سؤاله بحيرة من أمره:-
مالها صباح؟
_ لم يستطع متابعة حديثه وعينيه مواجهة عينيها، استدار بجسده وإلتقط قطعة خشبية ذو سِن حاد كانت تتوسط أوراق الشجر الذي يملئ المكان من حولهم، وقف أمام الشجرة موليها ظهره وبدأ ينحت في جزع الشجرة وهو يكمل بقية حديثه الناقص:-
كنت مرافجها..
_ شعر بغصة في حلقه لكنه أجبر لسانه على المواصلة:-
كان تسلية بس جت على دماغي في الآخر، مسكاني من يدي اللي بتوجعني، عملت تمثلية قذرة كيفها لحد ما جوزت أخوها لمروة عشان تكسرني بيها، تلوعي دراعي عشان اتجوزها كيف ما رسمت في خيالها وجت ما كنت بتنيل معاها.
_ أزفر أنفاسه براحة حتي انتهى من رويه لقصته المثيرة للإشمئزاز فتفاجئ بسؤال صفاء الذي ألجم لسانه وشُل عقله:-
كنت مرافجها وأنت تعرفني؟
_ خفق قلبه رعباً فلم يتوقع سؤالها ذاك، التفت إليها ورأى الخذلان يتجلي في عينيها منتظرة إجابته التي تحدد مصير علاقتهم، صمت حل بينهم لثوانٍ فاستشفت صفاء من عدم جرأته على إجابتها أن حدسها قد أصاب، شعرت بوخزة قوية في صدرها ولم تتمالك عبراتها التي سقطت رغماً عنها مرددة بتهكم:-
كنت مرافجنا اتنيناتنا!
_ إلتوى ثغرها للجانب مُشكلة إبتسامة على محياها تحولت إلى ضحكات ساخرة وتابعت مضيفة:-
ليك حج تطلب مني طلب كيف طلبك، ما أني الرخيصة اللي جبلت ترافجك وأنت اصلاً مرافج غيري، يا تري على أكده أني الأولى ولا هي مين اللي جاية على التانية؟
_ علم بأن الأمر لن يمرق على خير، فهناك الكثير من التبريرات والمعاتبة المصحوبة بالإيلام سيواجهها بعد، حاول تبرير وضعه أمامها فخرجت نبرته متلعثمة:-
متشبهيش علاقتي بيكي كيف علاقتي بيها، ديي كانت تسلية مش أكتر ملهاش مُسمي غير أكده حتى هي اللي كانت بتركض ورايا، عيبي الوحيد إني مصدتهاش، الجلالة خدتني مخابرش كنت بفكر في إيه وجتها بس اللي رايدك تعرفيه إني عمري ما حبيت غيرك، كلمة بحبك مخرجتش غير ليكي، جلبي مدجش إلا ما شاف عيونك، صدجيني يا صفاء أني…
_ قاطعته صفاء لاعنة سذاجتها التي استطاع من خلفها خدعاها بسهولة:-
أنت إيه يا ضيف؟ انت إيه ؟ أنت لعبت بيا كيف ما لعبت بيها تمام والمصيبة أنك لعبت بينا في وجت واحد، أنت استغفلتني يا ضيف، أكدت لي إني رخيصة ولا رخص التراب! أنت اندل واحد شوفته في حياتي، ياريتك تشوف أني شيفاك كيف دلوك هتتمنى الأرض تنشج وتبلعك، منك لله يا ضيف على كسرة جلبي اللي حاسة بيها ديي، وعلى كسرة نفسي وخاطري اللي هعيش بيهم طول عمري، بس أني اللي غبية أني اللي مسمعتش عجلي من لاول لما جالي يابت مفيش علاقات محرمة بتكمل وأني عاندت نفسي وصدجتك من خبلي.
_ انفجرت باكية حين تشتت عقلها وازدادت أفكارها اضطراباً وسوءاً وتخبطت بينهم، كالضائعة في صحراء جرداء لا تعلم يمينها من يسارها، أي طريق تسلك؟ أي وجهه سيكون سبيلها إلى بر الأمان، لا تدري فقط تشعر بالضياع دون غيره.
_ أمسك ضيف بذراعيها يحثها على التوقف وأردف بنبرة مختنقة متوسلاً إياها:-
والله غلطة مكنتش مش محسوبة
_ صرخت فيه صفاء هدراً:-
بعد يدك عني
_ أزاح يده من عليها متابعاً بكلماته التي يتمنى أن يؤثر بها عليها:-
أني ملعبتش بيكي يا صفاء، كان جدامك وأني بتجدم لعمك، يعني لو مش راجل صوح كيف ماشيفاني دلوك هتهرب منك وآخر حاجة هفكروا فيها الجواز بس أني من يوم ما عرفتك وأني مش بسعى لحاجة غير أكده، تعرفي إني اشتريت بيت من سبوع أكده وكنت ناوي أفاجئك بيه يوم ما اتجدم لك بس كل حاجة جت عكس اللي رتبت له، أني غلطت وبدفع تمن غلطتي ومستعد لأي حاجة إلا إني أخسرك وتبعدي عني، أني مكنتش ناوي أحكيلك عن صباح لأني مشيفهاش من أساسه بس هي شارطة عليا أني أطلب يدها لإما تإذي أختي، وأذتها فعلاً عشان توريني إنها مش بتاعت حديت لاه دي طلعت شيطان، عشان أكده فكرت في الجواز منك بالطريجة ديي
_ مال عليها وتابع بنبرة ولهانة:-
سامحيني على الغلطة اللي محسبتش عواقبها يا صفاء بس إوعاكي تهمليني
_ وضعت صفاء كلتى يديها أمام وجهها متمنية الإستيقاظ من ذلك الكابوس اللعين مردفة بتمنى:-
أكيد أني بحلم أكيد ديي مش حجيجة
_ أنتبه ضيف على رنين هاتفه وتفاجئ بتلك العقربة هي من تهاتفه، كاد أن يغلق عليها لكنه تريث حين راودته فكرة ما ربما تحسن من موقفه أمام صفاء، وضع سبابته أمام فمه يحثها على التوقف:-
ششش اسمعي
_ أجاب على المكالمة ودعس على زر مكبر الصوت فأتاه صوتها الذي يبغض سماعه:-
نسيت أجولك يا ضيف وأنت جاي تتجدم لي متنساش تجيب شكولاتة معاك عشان بحبها جوي
_ أغمض عينيه يكظم غضبه الذي يود الانفجار بها، سحب نفساً وبجمودٍ قاسِ أردف:-
أنتِ مصدجة إني جاي، ربنا يعينك على مخك الضِلم اللي مبيفهمش ديه
_ هنا صاحت به صباح منفعلة:-
أنت اللي مبتفهمش في الحديت أختك تحت يدي يعني روحك معايا يا ضيف، متختبرش صبري أني صبري له نهاية ونهايته مع نهاية ساعات النهار وسبج وجولتلك الليلة تكون في دارنا مع بوك تطلب يدي، اتجي شري يا ضيف عشان شري وحش جوي
_ أنهت صباح المكالمة فحاول ضيف أن يستشف أي شعور يطمئنه من وراء نظرات صفاء الجامدة لكنه فشل في فهم تعابيرها، أعاد وضع هاتفه في جيبه وهتف بقلة حيلة:-
سمعتي بودانك، عرفتي ليه طلبت منك نتجوز من غير ما حد يعرف!
_ مسحت صفاء عبراتها تحت نظرات ضيف المتوجسة خيفة من هدوئها المريب، فلم تكن كذلك قبل قليل، أهو نجح بتصرفه في توطيد علاقتهم ثانيةً أم ذلك هدوء الذي يسبق العاصفة؟
_ خرجت صفاء عن صمتها وأردفت بقسوة شديدة في لهجتها:-
الحل في كل ديه هو فراجنا، من لاول علاقتنا كانت غلط كبير وآن الأوان نصلحوه، من دلوك طُرجنا مختلفة يا ضيف ربنا يسعدك في حياتك الجاية.
_ أنهت جملتها وأولاته ظهرها لكنه أسرع بالوقوف أمامها يأبى قلبه فراقهم، كيف حكمت على علاقتهم بالفراق بتلك السهولة وكأن الذي بينهم بات بهاءاً منثورا، تشكل التهكم على تقاسيمه وحدثها بإزدراء:-
فراج إيه اللي بتجوليه عليه؟ بالسهولة ديي هتتخلي عني؟
_ أخفضت صفاء رأسها فلم تتحلى بالشجاعة في مواجهة عينيه وهي تودعه بكلماتها الأكثر نضجاً:- كل الطرج ليها نهاية وديي نهاية طريجنا يا ضيف
_ مرت بجواره دون إضافة المزيد وتركته واقفاً مذهولاً من حكمها الذي أتخذته بمفردها في علاقتهم، التفت ليتابع طيفها الذي يختفي من أمامه تدريجياً إلى أن بات خيالها سرابا
_ هل هذه نهاية المطاف؟ لكنه انتهى باكراً للغاية قبل حتى أن يحظي بلذة بدايته، يصغي ضيف لصدى أنفاسه المتهدجة ناهيك عن نبضاته التي شعر لوهلة باختراقهم لجسده من فرط قوتها.
_ حرك قدميه بصعوبة وعاد إلى منزله يجر أذيال خيبته خلفه، وقف قبالة والده الجالس على الأريكة يرتشف فنجان قهوته وأخرج ما يحتم عليه الواقع قوله:-
رايد أخطب صباح يا أبوي..
______________________________________
_ أنهت مروة طعام الغداء الذي أصرت على تناوله في تجمع عائلي، تبعها طاهر ليقوم بمساعدتها إن كانت بحاجة إلى ذلك فهو على دراية بألم ساقيها اليسرى التي لا تتحمل الضغط عليها.
_ غسل يديه بعدما انتهت هي من غسيل يديها ثم انضمت إليهم صباح بوجه بشوش يعكس ما تبطنه داخلها، لمحت مروة تلك الأرجوحة التي رأتها في الأمس من الشرفة وشعرت بإنجذاب قوي يدفعها إلى التوجه إليها.
_ دلفت للخارج ومن ثم سارت نحوها ولم تتردد في الجلوس أعلاها، أعادت لها الكثير من ذكريات الطفولة الجميلة، مشاعر بريئة قد اجتاحتها حينها، كم تمنت أن يدفعها أحدهم بقوة لتشعر بتحررها وعدم تقيديها كما في السابق.
_ لمحتها صباح من نافذة المطبخ وشعرت بالحقد يعصف بخلاياها حين رأتها تهرول إليها وعزمت بأن تخرب رونقها المزاجي، حمحمت ثم التفتت إلى حيث يقف طاهر الذي يطهي قهوته على نار هادئة وأردفت بخبث:-
مرتك بتتمرجح على مرجيحة حبيبة الجلب!
_ طالعها طاهر بملامح جامدة لم تستطع فهم ما يدور في عقله لكنها اكتفت بإخباره حتماً سينزعج من فعلتها و يرفض جلوسها عليها وحينها سينفطر قلب مروة حزناً وهذا تماماً ما سيعيد لصباح صفو رونقها.
_ كان قد أنتهى طاهر من طهي القهوة وسكبها في فنجانه الخاص وتوجه مباشرةً إلى الخارج بينما راقبت صباح تحركاته بفروغ صبر، وصل طاهر إلى مروة وسألها بنبرته المعهودة وهو يرتشف من القهوة قدراً:-
عجبتك؟
_ أجابته متلهفة:-
جوي
_ بهدوءاً أردف:-
أني اللي عاملها، تحبي أمرجحك؟
_ لمعت عيني مروة بوميض مختلف وردت عليه بحماس شديد:-
ياريت
_ ارتشف طاهر آخر ما تبقي من قهوته واقترب منها بخطى متريثة، وقف خلفها وحاوط الحبال المربوطة في فروع الشجرة بيديه وقام بدفعها بحذر فلم يشعر بخوفها فزاد من قوة دفعة فأطلقت مروة ضحكة عالية شاعرة بالسعادة تتغلغل إلى أعماق قلبها وهي تحلق كالطائر في السماء.
_ دقت طبول السعادة قلب طاهر حين شعر بأنه نجح في إدخال السرور على قلبها، فضميره لا يكف عن التأنيب حيالها ويشعر بظلمه لها وأنه جعلها ضحية زيجة ناتجة عن هروبه من ورد وحبها.
_ على جانب آخر، تشاهدهم كمن يقف على نيران متقدة تتآكلها الغيرة وهي تصغي لضحكات مروة فهذا مالم تتوقع حدوثه قط، لقد أرادت تعكير صفوهم ولكن في النهاية هي من تعكر صفوها، لكن لن تمرق الأمر قبل وضع بصمة داهية تعكر سعادتهم.
_ هرولت بخطاها إلى الخارج بوجه محتقن تغلي في عروقه الدماء، شكلت بسمة زائفة على محياها وهي تقترب منهم، انتظرت قليلاً لكي تجيد أداء الدور على أكمل وجه ثم هتفت بتلقائية مزيفة:-
زين أنك صلحتها لورد يا طاهر أديها مروة استنفعت بيها طلعت بتحبها كيف ورد تمام
_ تجهمت تعابير طاهر حين وقع على مسامعه سخافة حديث صباح ورمقها بنظرات مشتعلة فالمسألة لا تحتمل سيرة ورد مطلقاً فهي مشحونة من حروف إسمها بمفردها وجائت هي بكل سهولة أضافت وقوداً على النار فازداد لهيبها.
_ صدمت مروة من حديث صباح، ازدردت ريقها بصعوبة وسألتها بتوجس من سماع إجابتها:-
ديي مرجيحة ورد؟
_ لبست صباح ثوب التلقائية العابثة مجيبة إياها بتصنع مع إيماءة خفيفة من رأسها للتأكيد:-
إيوة طاهر اللي عملها زمان وأحنا بنتة صغيرين وكانت اتجطعت وهو بردك اللي صليحها السبوع اللي فات لما كانت ورد إهنه
_ بهدوءاً تام نهضت مروة من عليها محاولة إيجاد مبرراً للهرب من أمامهم، شعرت حينها بألم طفيف في بطنها فانتهزت الفرصة وقالت وهي ممسكة ببطنها:-
عن إذنكم بطني موتتني من الوجع محتاجة أرتاح
_ انصرفت من أمامهم في أقل من الثانيتين فأسرع طاهر بنهر صباح مغتاظاً من حماقتها التي افتعلتها:-
حمار بيتحدت!! كيف تجوليلها أنها بتاعت ورد وأني اللي عاملها ليها؟
_ حركت رأسها حين لم تأتي بتفسير واضح لتذمره مردده ببرود:-
وديي فيها ايه عاد؟ ورد بت عمك وأكيد ليك ذكريات ياما معاها فين المشكلة؟ أنت بس اللي حساس شويتين لأنك ممعتبرهاش بت عمك وبس لكن مروة مخابراش.
_ أنهت جملتها وعادت إلى المنزل بينما وقف طاهر يجمع شتات وجدانه متمتماً داخله:-
ديه لو مغلطتش جدامها جبل أكده بإسمها واكيد شاكة في حاجة لاه ده أكيد متوكدة!!
_ أوصد جفنيه بعصبية بالغة ثم عاد إلى المنزل يحاول استشفاف أي شعور تعيشه من خلف تقاسيمها، أدار مقبض باب غرفته وولج للداخل بعدما طرق عليه معلناً عن مجيئه، نظراته لم تُرفع من عليها، لاحظ تعقيدات وجهها التي ترسمها من آن لآخر وكأن هناك ما يؤلمها فعلياً وليست مبرراً للهرب كما أعتقد.
_ جلس أمامها ولم يتردد في سؤالها مهتماً لأمرها:-
كانك بتتوجعي من حاجة صوح؟
_ أماءت له بتأكيد ثم تشنجنت تعابيرها مرة أخرى وهي تردف بتعب:-
بطني بتتجطع..
_ انخلع قلب طاهر حين رأى آلامها الظاهر، نهض من جلسته مردداً بتوجس بالغ:-
جومي نروحوا المستوصف نطمنوا عليكي
_ تذكرت مروة ميعاداً ما، سحبت هاتفها من جانبها وطالعت تاريخ اليوم الذي أوضح لها حقيقة تقلصات بطنها، أعادت وضع الهاتف مكانه ورفعت بصرها على طاهر بحياء قد اجتاحها فكيف ستخبره بهذا؟
_ عضت على شفتيها السفلى بإرتباك حرِج واضطرت إلى إخباره بميعادها من كل شهر حين رأت إصراره على الذهاب إلى المشفى، أخفضت رأسها بخجل شديد فالأمر بات مخجلاً للغاية كما تلونت وجنتيها بالحُمرة نتيجة لنظراته التي لم ترفع بعد من عليها.
_ انتبهت مروة على سؤاله الحنون:-
وديي بتاخدي لها حاجة تخفف من وجعك ولا بتعملي معاها ايه؟
_ ردت عليه وهي منسكة الرأس فحيائها قد منعها من النظر إليه:-
بشرب جرفة ولو الوجع مخفش بملي ميه دافية في إزازة وأحطها على بطني بتهدي التشنجات ديي هبابه.
_ أخذ طاهر شهيقاً وأزفره بتهمل ثم دلف للخارج دون أن تعلم هي وجهته، هبط إلى المطبخ وبدأ في تحضير مشروب قرفة لها وعلى نار أخرى وضع إناء به بعض المياه ووقف ينتظر الإنتهاء من كليهما.
_ انضمت إليه ثريا وسألته بفضول أنثوي لعلها تساعده في شيئ ما إن كان بحاجة إليها:-
بتعمل ايه يا ولدي أساعدك في حاجة؟
_ اومأ لها طاهر بالرفض موضحاً:-
لاه ياما تسلمي، بعمل جرفة ومية دافية لمروة بطنها بتوجعها هبابة
_ استشفت ثريا ما وراء الأمر حين أخبرها بتحضيره للقرفة، إلتوى ثغرها ببسمة عريضة وربتت على ظهره بحب واضح:-
ربنا يجعلك حنين يا ولدي طول العمر
_ تنهدت بصوت مسموع وتابعت ما لم تكمله:-
اوعاكي يا ولدي تقسى على مرتك واصل ولا تمد يدك عليها وافتكر إن معاملتك مع مرتك هتتردلك في اختك، عزز منيها لأنها بت ناس وبنتة الناس يتعاملوا زين مش ناخدهم نبهدلهم معانا.
_ بادلها طاهر بابتسامة عذبة وهتف بنبرته الرخيمة وهو يسكب مشروب القرفه في كوب عميق:-
أكيد ياما متجلجيش
_ قام طاهر بملئ المياه في زجاجة صغيرة وقبل أن يغادر أوقفته والدته نادمة على ما فعلته به طيلة الأعوام الماضية:-
ياريتني ما وجفت في طريج سعادتك يا ولدي وجفلت كل الطرج جدامك إنك تاخد ورد بت عمك أني خابرة زين كيف بتح…
_ قاطعها طاهر مستاءً من ذكر إسمها المتكرر في أوقات ليست في محلها:-
ورد ماضي وراح لحاله ياما وإذا سمحتي بلاش سيرتها تاجي تاني إهنه عشان مروة متزعلش، مروة طيبة وربنا رضاني بيها معايزش يوحصل مشكلة من ورا سيرة ورد ديي
_ أماءت له بقبول لطلبه ودعت له بقلب سليم:-
ربنا يسعدك يا ولدي ويرزجك الذرية الصالحة
_ آمن طاهر على دعائها ثم استأذنها وعاد إلى غرفته، تفاجئت مروة بحمله لزجاجه المياه وبيده الأخرى كوباً، لم يكن هناك داعي للتخمين فرائحة القرفة النفاذة قد تسللت إلى داخل أنفها.
_ جلس بجوارها وناولها الزجاجة ثم وضع كوب القرفة أعلى الكومود مردداً:-
حطي المية على بطنك على لما الجرفة تبرد هبابة
_ دقت أسارير السعادة قلبها من فرط حنيته، تقوس ثغرها بإبتسامة ممتنة وأردفت شاكرة إياه:-
متشكرة جوي يا طاهر
_ عقد ما بين حاجبيه بغرابة وهتف متسائلاً بفضول ذكوري:-
بتتشكريني على ايه؟
_ عللت مروة سبب امتنانها:-
أنك اهتميت وجبت لي اللي يهون وجعي
_ حاول أن يزيل التكلف من بينهم بقوله:-
مفيهش حاجة أي راجل هيعمل أكده مع مرته
_ اماءت له نافية ما قاله موضحة حقيقة اعتقاده:-
لاه مش كل راجل حنين كيف حنيتك ديي على مرته، حنيتك حلوة جوي أني حبيتها
_ تفاجئ طاهر بتصريحها الذي لا يعلم أهذا بمثابة تصريح لشخصه أم فقط لصفته، لن ينكر أن في كلتى الحالتين ليس مزعوجاً لكن هناك شيئاً ما دخله يريد تصريح واضح منها على حبها له، هو في أشد الحاجة إلى ذلك.
_ ابتلع ريقه وهو يتخبط بين أفكاره التي تحثه على سؤالها وبين رفضه، فضوله قد تغلب عليه وسألها بإرتباك خجل:-
بتحبي حنيتي بس؟
_ سؤاله سبب لها الهياج في نبضاتها، هربت من نظره الذي ينتظر إجابتها وأخفضت بصرها في حياء، فركت أصابعها بتوتر بائن وهي تجمع شتات نفسها الذي تفرق، رفع طاهر وجهها بأنامله ليقابل عينيها مصراً على سماع إجابة واضحة منها.
_ عضت على شفتيها وبصعوبة بالغة قابلتها في إخراج الكلمات أخيراً أردفت بنبرة خافتة:-
وبحبك أنت كماني
_ ظهرت شبح إبتسامة على ثغر طاهر وشعر أنه يود أن يكافئ تلك الشفاه التي صرحت بحبها له، لم يتردد في التودد إليها حيث انحنى على شفتيها وانهال عليهم بقبلة رقيقة فوجئت بها مروة.
_ كانت تلك قُبلتهم الأولى، لم تحظي بها يوم زفافهم، كان أكثر نعومة ورقة سببت لها قشعريرة
قوية في ثائر بدنها، حاولت مسايرته رغم افتقارها إلى إتقان دورها، طالت قُبلته وكأنه يروي ظمأه، أخيراً ابتعد عنها حين شعر بالإكتفاء القليل وسألها باهتمام:-
بطنك عاملة إيه دلوك؟
_ أجابته بعكس ما تشعر به مختصرة فلا تريد إحزان قلبه الحنون:-
أحسن
_ لم تكون كذلك فلقد إزداد تشنج بطنها عن ذي قبل بسبب تصرفه المفاجئ، صغى كليهما إلى ندائات حمدان المتكررة على طاهر الذي توجه للخارج ملبياً ندائه بينما مروة خفق قلبها كأنها تعيش اللحظة ذاتها من جديد، أخرجتها تقلصات رحِمها من ذكراها الجميلة فالتقطت كوب القرفة وارتشفت منه القليل على أملاٍ أن يهدئ من ألامها.
______________________________________
_ عاد إلى السرايا بعد يوم شاق قضاه في عمله، أمرت السيدة نادرة بتحضير الغداء فور مجيئه، صعد هو إلى الأعلى يبدل ثيابه، استقبلته ورد بوجه عابس يعكس ما ورائه من مصيبة قد حدثت.
_ قطب جبينه بغرابة ولم يتردد في سؤالها قائلاً:-
مالك يا ورد حوصل حاجة؟
_ انفجرت به ورد بإنفعال:-
صاحبك ديه عديم الرجولة والنخوة بيتوعد مع بنتة الخلج ويلعب بيهم في وجت واحد أخدهم دوريات حضرته!
_ امتعض مصطفى لنبرتها التي تحادثه بها وبنفس انفعالها حدثها:-
وطي حسك وأنتِ بتتحدتي معايا وتجصدي مين بالحديت ديه؟
_ أصدرت ورد قهقه ساخرة مجيبة إياه بمضضٍ:-
كانك مخابرش مين؟ إحنا بس نجولوا عديم النخوة تتفهم على طول أنه ضيف
_ استشف مصطفى الأمر لكنه مزعوج من نبرتها المرتفعة التي تهاجمه بها ناهيك عن سبابها لصديقه، لم يرضى تصرفاتها الغبية التي بدت عليها ونهرها بعصبية شديدة:-
جولت لك وطي حسك، وحاسبي على حديتك عنيه، ثم تعالي إهنه أنتِ مالك بيه عاد؟
_ اتسعت مقلتيها تلقائياً مبدية ذهولها من سؤاله الساذج وأوضحت له سبب تدخلها في الأمر:-
أني مالي؟ صفاء اللي لعب بيها ديي تبجي صحبتي وزعلها يهمني، والتانية اللي اتسلى بيها بردك تبجي بت عمي يبجي أدخل ولا لاه؟
_ بعصبية فاقت الحدود دوى صوته في الغرفة:-
لاه متدخليش، بت عمك ديي أقذر من إنك تخلطي نفسك بيها، بتجولي بت عمي بعجرفة جوي وهي شمال مشيها بطال هتركض ورا الرجالة!
_ صعقت ورد لما يخبرها به، أبت تصديقه فمهما كان بينهن لن تصدق عنها افترائه الجرئ ونهرته معنفة:-
متجولش على بت عمي أكده واصل، صاحبك هو اللي خسيس و…
_ قطع مصطفى كلماتها بوضعه راحة يده على فمها محذرها:-
صدجيني يا ورد لو خشمك ديه كمل حديته لهزعلك بالجامد
_ سحب يده وهو يطالعها بنظرات مشتعلة وأضاف متابعاً بنبرة أهدى لكنها حازمة:-
وبعد أكده وجت ما أدخل من الباب ديه ملجيش بوزك الأبرم ديه لأيتها سبب، وتاني مرة حِسك ميعلاش عليا اللهم بلغت اللهم فاشهد
_ أولاها ظهره وأخذ جلباب أخر يبدل فيها عن التي باتت متسخة عليه، دخل للمرحاض وتنعم بإستحمام بارد لعله يهدئ من أعصابه المشدودة.
_ خرج في حالة مهندمة غير التي كان عليها، وضع من قنينة عطره الخاص الذي انتشر في الأرجاء سريعاً، تعمد عدم النظر إليها فهو غاضب وبشدة منها، لقد قام بتدليلها بكثرة ولم يحسب أنه يخطئ في حق نفسه بفعله ذلك.
_ طُرق الباب من قِبل أحدهم فتوجه مصطفى نحوه بقامة منتصبة ووجه متجهم، فتح الباب فإذا بها صفية أخبرته بانتهائها من تحضير الغداء، انصرفت فور علمها بنزوله خلفها، وقف مصطفى مولي ورد ظهره وحدثها دون أن يتلفت:-
جومي عشان نتغدى
_ عارضته ورد فأي طعام سيُهضم بعد مشادتهم أمام بعضهم والأحر أنه يحادثها وكأنه لا يوجد ثمة سوء تفاهم بينهم:-
مليش نفس للوكل
_ كز هو على أسنانه ثم ألقى بحديثه في الوسط بنبرة صارمة:-
أني نازل ألاجيكي ورايا طوالي ومتخلنيش أعيد حديتي مرتين
_ انسحب للخارج وأغلق الباب خلفه، هبط الأدراج بملل كبير، فلم يهبطه بمفرده منذ أن توطدت العلاقة بينه وبين ورد، أزفر أنفاسه بضجر بائن حين تذكر أسلوبها الفظ معه.
_ كان أول الجالسين على المائدة، انضمت إليه والدته متسائلة عن ورد باهتمام فلم يسبق له الجلوس بمفرده من دونها:-
فينها ورد منزلتش معاك ليه؟
_ أجابها وعينيه مثبتة على الطابق العلوي لعله يلمح طيفها:-
نازلة ورايا أهي ياما
_ حضر خليل هو الآخر وسأله عنها فأجابه بالحديث نفسه مثلما أجاب به على سؤال والدته، كان يهز قدميه بعصبية ناهيك عن الصوت الذي يصدره بأصابعه التي تنسدل على الطاولة واحدة تلو الأخر،
_ لاحظ كليهما توتر حالة مصطفى وإلتزما الصمت حتى لا يسببوا له الضيق إذا لاحظ انتباههم لحالته المتوترة، هذا يكفي إلى ذاك الحد انتفض مصطفى من مقعده وكاد أن يهم بالصعود إليها لكنه تريث حين رآها تهبط أدراج السُلم، عاد لمقعده من جديد بينما ألقت عليهم ورد التحية فأجابها خليل ونادرة في نفسٍ واحد، شاركتهن الطاولة التي لم يتناولن عليها سوى الطعام فقط دون حديث.
______________________________________
_ جهزت السيدة سنية حقيبتها وجميع مستلزمات سفرها، وتممت على المنزل جيداً قبل أن تغادر، ركبت عربة ‘التوكتوك’ التي أوصلتها إلى سرايا العمدة، ترجلت منها وحملت حقيبتها بيدها وتوجهت إلى الداخل.
_ قرعت رنين الجرس وانتظرت أمامه لحين استقبالها أحدهم، فتحت لها هويدا مرحبة بها بحفاوة:-
أهلا يا أم ورد اتفضلي
_ بادلتها سنية إبتسامة رقيقة ثم خطت بقدمها إلى الداخل، كانوا قد انتهوا لتوهم من تناولهم للطعام، قطبت ورد جبينها حين رأت والدتها ومعها حقيبة سفرها، هرولت إليها في قلق وسألتها مستفسرة:-
اهلا يا أما ايه الشنط ديي أنتِ مسافرة ولا ايه؟
_ أقبلت عليهم السيدة نادرة برفقة مصطفى وقالت:-
همليها تاخد نفسها لاول يا ورد
_ رحب بها خليل هاتفاً:-
كيف أحوالك يا أم ورد إن شالله تكوني بخير
_ أجابته ممتنة:-
بخير الحمد لله يا عمدة
_ رحبت بها السيدة نادرة وكذلك مصطفى ثم وجهت سنية بصرها على ورد التي لا تطيق الإنتظار لمعرفة سبب حملها لتلك الحقيبة:-
رايدة اتحدت وياكي يا ورد
_ أماءت لها بقبول واصطحبتها إلى الأعلى حيث غرفتها، جلسن على الأريكة وبدأت سنية في حديثها متلعثمة لا تدري من أين تبدأ تحديداً:-
أني معاودة لدار خالك النهاردة
_ عقدت حاجبيها بغرابة فهي على علم بمكوثها لآخر ايام الأسبوع فما الذي جد؟، أسرعت في سؤالها بحيرة:-
مش جولتي هتجعدي إهنه لآخر السبوع!
_ شهيقاً وزفيراً فعلت سنية لا تود إخبارها بما حدث لكنها مضطرة فلن ينطلي على ورد أي مبررات ستعلل بهم سبب ذهابها، فغرت فاها وبخذي واضح أردفت:-
حمدان الكلب اتهجم عليا لولا مرته اللي انقذتني من تحت يده
_ لم تريد ورد تصديق تفكيرها العقيم وحاولت التأكد أولاً:-
اتهجم عليكي كيف يعني، مد يده عليكي؟
_ أخفضت السيدة سنية رأسها وبخجل مصحوب بالتقزز عقبت:-
لاه، اتهجم عليا يا ورد افهمي..
_ أصدرت ورد شهقة قوية كتمتها بوضعها ليدها على فمها، جحظت عينيها بصدمة جلية انعكست على تعابيرها، بعد ثوانٍ عادت إلى صوابها وسألتها بخوف:-
أنتِ زينة طالك أذى منيه؟
_ حركت سنية رأسها نافية أسئلة ورد التي انتفضت من مقعدها متوعدة لذاك الدنئ أشر الوعيد:-
والله لأجطعه نثاير النجس ديه وأعرفه أن الله حج
_ أسرعت سنية في إيقافها عما تنوي فعله:-
لاه يا ورد لاه ديه بالذات مليكش صالح بيه واصل، لا ترمي له السلام ولا حتى تعاديه، ديه عقابه عند ربنا يابتي هو مُطلع وجادر يخسف بيه الأرض
_ أبت ورد الرضوخ لإستسلام والدتها فلن تتراجع قبل أن تلقنه درساً يظل بقية حياته يتذكر قساوته:-
أني لازم اخليه يركع تحت رجلك ويطلب السماح!
_ منعتها سنية من التهور صارخة بخوف:-
ديه جتال جُتلة بعدي عن طريجه
_ لحظة سكون عمت اختلطت فيها مشاعرهم المذهولة والنادمة، لم تكن تنوي السيدة سنية في البوح عن قتل حمدان لهلال، عادت إلى مقعدها وأخفضت رأسها واضعة كلتى يديها أعلى رأسها خافية معالم وجهها تماماً عن ورد.
_ وقفت ورد تردد تلقيب والدتها لحمدان بالقاتل، فمن قتله إذاً؟ دنت منها وبتوتر ألقت بسؤالها:-
حمدان جتل مين ياما؟
_ رفعت السيدة سنية رأسها محاولة نفي ما قالته:-
حمدان مجتلش حد يا ورد ديه من غيظي يابتي جولت أكده
_ جست ورد على ركبيتها أمام والدتها ولم تكترث لما تحاول نفيه وهتفت بحدة:-
جولي ياما مين اللي اتجتل
_ هربت سنية بنظرها بعيداً عنها ولم تدلي بالحقيقة، لا تريد أن يصيب حدسها تلك المرة، تريدها أن تنفي ظنونها التي سيطرت على تفكيرها بالكامل، شهيقاً وزفيراً فعلت ورد وهي تكاد تسمع صدى نبضاتها الذي يعلوا كلما ترسخت الحقيقة في عقلها.
”مفيش حد اتجتل غيره، هلال!، حمدان جتل هلال ياما؟”
_ شعرت سنية بثقل تريدهم من قِبل ورد، لم تفعل سوى اللطم على رأسها حين تذكرت حادثة هلال بصورة واضحة لطالما طردت تلك الذكرى اللعينة من عقلها كلما حاول شيطان أفكارها التلاعب بها من خلالها.
_ نهضت ورد من جلستها وألقت جسدها بإهمال على الأريكة بجوار والدتها في حالة صدمة مصحوبة بعدم التصديق لحدسها الذي أصاب تلك المرة وكأن عقلها شُل، هزت والدتها بعنف مرددة بقوة:-
جولي لاه ياما مش هو اللي عمل أكده، استحلفتك بالله تردي عليا تجولي الحجيجة
_ ظلت سنية تضرب رأسها من خلف المصيبة التي حلت عليها وهتفت نادبة:-
منك لله يا حمدان، الدنيا خربت من تحت راسك ربنا ينتجم منك.
_ توقف عقل ورد عن التفكير، أدركت حجم الكارثة التي تسببت فيها بغشوميتها، هي السبب في قتل هلال! هي المتسببة في إحزان عائلة كاملة على فراق فلذة كبدهم، هي من حرمت أم من رؤية صغيرها يعيش ريعان شبابه، المتسببة في كل شيئ حدث لتلك العائلة بحكمها الغبي الذي حكمت به علي هلال يوم زفافهم!!
_ حتماً ستُعاقب أشد العِقاب ما إن علم مصطفى بتلك الكارثة التي أشعلت هي فتيلها، لكن لا يهم إن عُقبت فهي تستحق ذلك، ولها مثل ما فعلت ولو بعد حين.
_ خرجت عن صمتها وهي تردد:-
يوحصل اللي يوحصل أني اللي جنيت على روحي
_ طالعتها السيدة سنية بطرف عينيها فلم تستشف ما ترمي إليه ورد وسألتها بتوجس:-
يعني إيه اللي بتجوليه ديه؟
_ انتفضت ورد من مقعدها حاسمة أمرها على عدم الصمت، فضميرها لا يسمح لها بالتكتم على الأمر يكفي ما تسببت فيه حتى وإن كلف الأمر طلاقه منها، فورد الأن في حالة لا يرثي لها من خلف فعلتها الدنيئة ولن تهدأ قبل أن تعاقب نفسها علي ما اقترفته في حق الجميع.
_ أسرعت سنية خلف ورد ناحية الباب ووقفت بينها وبينه مُشكلة حاجز وهي تحاول منعها بشتى الطرق:-
اعجلي يا ورد وبلاها غشومية هتخربي على نفسك يا ضنايا
_ جهشت ورد باكية بمرارة حارقة، لا تستطيع استيعاب أنها تسببت في فعل كبيرة من الكبائر الذي نهانا الله عن فعلها، حاولت تجميع الكلمات على لسانها وردت عليه بنبرة غير مفهومة:-
بعدي ياما مصطفى لازمن يعرِف
_ تدرك السيدة سنية حجم الألم الذي تعيشه إبنتها من خلف ما أخبرتها به فحتماً تُحمل ذلك الإثم لذاتها، لكنها لن تسمح لها بهدم عُشها الذي تبدلت أحواله لتوه وصرخت فيها هدراً:-
هتجوليله ايه هتجوليله عمي جتل خوك!! ديي فيها طلاجك وخراب ديارك يا ورد!
_ هدأن كلتاهن حين استمعن إلى إرتطام شيئ ما دوى في الخارج، اتسعت حدقتيهن بصدمة سيطرت على خلاياهم، حركت ورد قدميها إلى الأمام، تنحت والدتها للجانب سامحة بها بالمرور، وقفت ورد تلتقط أنفاسها ثم أدارت مقبض الباب بتهمل وكانت المفاجئة….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عرف صعيدي)