رواية عرف صعيدي الفصل الثلاثون 30 بقلم تسنيم المرشدي
رواية عرف صعيدي الجزء الثلاثون
رواية عرف صعيدي البارت الثلاثون
رواية عرف صعيدي الحلقة الثلاثون
( النهاية )
______________________________________
_ ظهر ضيف بعروسه داخل سرُادِف النساء فهللن النسوة بالمباركات ومنهن إستقبلوهم بالزغاريد وأخريات بالتصفيقات الحارة
_ رفع ضيف يده للأعلى ثم وضعها على صدره ممتناً لهم، تابع سيره إلى حيث مجلس العروسين، كانت صفاء لا تقدر على رفع بصرها في أعين النسوة خشية أن تتلقى إتهامات منهما
_ الخوف لا غيره مسيطر على خلاياها مانعاً أي شعور سعادة من التسلل داخلها، لا تعلم كيفية مجراة ما يحدث دون أن تعطي للأمر أكثر من حجمه
_ تعمد ضيف عدم تركها وهي على تلك الحالة حتى وإن تأخر على ضيوفه من الرجال فما يهمه هو حبيبته ولن يذهب قبل أن يبخر حالتها المريبة التي بدت عليها منذ حضورهم
_ نهض عن مقعده ثم أشار إلى منظمة الحفل وأمرها بنبرته الجهورية:-
رجصينا يا ست
_ لبت الفتاة أمره وبدأت الحفل بأولى الأغنيات الشعبية التي تتردد في الحفلات ( الصعيدي دايماً ريس )
_ أرسل ضيف طلباً بإستعارة أحد العصيان من سرُادِق الرجال فأتاه على الفور، مد يده إلى عروسه الهادئة التي تفاجئت بتصرفه ورفضت البتة:-
لاه مش هجوم
_ لم يكترث لرفضها المستمر وأجبرها على الوقوف بيده وبدأ يرقص معها مع حثه إليها المستمر على مشاركته الرقصة، كانت تشعر بالخجل الشديد فلم تفعل كهذا من قبل ناهيك عن تلك الأعين المصوبة عليهم في إنتظار رقصتها معه لكن كيف أمام ذاك الحشد الكبير من النسوة؟
_ فوجئت صفاء بالتشجيع التي حثها على مشاركته الرقصة من قِبل الحضور، حماسهم إزداد أضعافاً فشعرت أنها مضطرة على فعلها
_ تقوس ثغرها بإبتسامة خجولة وبدأت تتمايل على نغمات الأغنية، تشكلت إبتسامة سعيدة على ثغر ضيف حين رآها تخضع لطلبه أخيراً
_ كان ينوع من حركاته معها فتارة يحبسها بينه وبين عصاه وتارة يدور حولها بفرحة عارمة لا تسع قلبه، الكثير من الجهد قد بذله ضيف حتى ينجح في تبخر حالة صفاء الجامدة وها قد نجح وبجدارة..
_ توقف عن الرقص حين إنتهت الأغنية، تعمد سحبها إلى حضنه برفق فظهرت للجميع تصرف عفوي لم يرتب له لكنه في الحقيقة مُرتب له جيداً حتى يبخر ثوب خجلها التي ترتديه
_ ضبط من أنفاسه اللاهثة ثم إستأذن ليغادر إلى ضيوفه هامساً في أذنها:-
همشي أني عشان الخلج اللي جاية تباركلي ديي
_ أماءت له بقبول ثم انحنى هو عليها وطبع قُبلة عذبة توسطت جبينا، تعمد إطالتها حتى يثبت مدي حبه لها للجميع.
_ انسحب من المكان وتركها منشغلة مع أقاربها وأصدقائها المقربين بينما عاد إلى والده ووقف معه يرحب بالحضور، بعد مدة ليست بقصيرة جاء مصطفى برفقة والده وبعضاً من رجال الغفر
_ إقترب مصطفى من ضيف وعينيه يتوعدان إليه، مد يده له فصافحه الآخر بحفاوة:-
نورت يا أبو هلال
_ غمز له مصطفى وبهدوء أردف:-
بوس يدي يا كلب
_ رفع ضيف شفاه العليا بتهكم ثم نفض يد مصطفى بعيداً عنه مستنكراً طلبه:-
أبوس مين يا أبو عمو أتخبلت إياك؟
_ دني منه مصطفى وهمس بقرب أذنه بنبرة ماكرة:-
هتبوس ولا أفضحك وأجول إنك تميت جوازتك
_ تراجع ضيف للخلف ورمقه بأعين جاحظة، حرك مصطفى رأسه مؤكداً ما أردفه وواصل إسترساله:-
بالدليل كماني يا إبن عمي
_ رفع مصطفى يده مرة أخرى وبهدوء أمره:-
هتبوس ولا..
_ أخذ مصطفى مراده قبل أن يتم تهديده، إلتوى ثغره بإبتسامة عريضة بعدما شعر بحرارة القُبلة التي توسطت يده، ربت على ذراعه برضاء عن فعلته مردداً:-
عفارم عليك ياولِد الحمايدي يلا إستجبل ضيوفك على ما أفكرلك في حاجة تانية
_ أبدى ضيف رفضه معترضاً:-
لاه معتش هتشوف مني حاجة لو إتشجلبت
_ قهقه مصطفى عالياً ساخراً منه وبثقة أردف:-
هنشوف..
_ تركه وولج بقرب المعازيم ورحب بهم بحفاوة شديدة، بينما وقف ضيف يتابع ما يفعله وهو على علم بعقله الذي يشبه الحجر لا يلين إطلاقاً وحتماً لن يتراجع قبل أن يفعل كل ما في وسعه حتى يندمه على اليوم الذي وُلد فيه..
_ مرت بعد الدقائق وبدأ العاملين في تقديم العصائر للمعازيم، نادى مصطفى بنبرته الرخيمة على صديقه الذي جاء على مضضٍ بالتأكيد هناك حيلة أخرى يريد فعلها
“نعم يا سي مصطفى رايد إيه المرة ديي”
_ هتف بهم متسائلاً فأجابه الآخر ببرود:-
جيبلي عصير وشربني
_ اتسعت حدقتي ضيف مذهولاً من وقاحته وصاح به غير مهتم لعواقب ما سيحدث:-
جرأتك مجوية جلبك إسم الله عليك، روح جول للي رايد تجوله ياعم متجرفيناش أني شاجتها؟ ديي مرتي
_ رُفع حاجبي مصطفى لتلك الثقة التي يحادثه بها ضيف، حرك رأسه مردداً:-
صفية هتفرح جوي بالخبر ديه، عن إذنك أروح أدور عليها
_ لحقه ضيف متوسلاً:-
لاه صفية لاه
_ توقف مصطفى وطالعه لبرهة في إنتظار تلبية أمره، تأفف ضيف بضجر وفي النهاية رضخ لطلبه وقال من بين أسنانه المتلاحمة:-
انت تؤمر
_ أولاه ظهره ثم أحضر له كوب عصير وعاد إليه، تفحص المكان من حوله أولاً قبل أن يرفع يده بالكوب ويساعده على الشرب، تعمد مصطفى إظهار مدي إستمتاعه بالوضع الذي هما عليه
_ أراد وضع بصمة تضيف للوضع مرحاً بسيط، أشار بيده لصديقه قائلاً بلا مبالاة:-
استنى
_ سحب هاتفه من جيبه وهاتف وردته لكي يطمئن على صحتها:-
عاملة إيه يا حبيبي
_ أجابته بنبرة متحشرجة تدل على نومها:-
زينة بس رايدة أنام كاني منمتش من سنة
_ وافقها الفكرة بقوله:-
نامي علي راحة راحتك وأني هبابة وهعاود
_ أنهى المكالمة وعاد لذلك الذي يرمقه بنظرات مشتعلة ثم أخرجه من شروده فيه حين أردف:-
بتبحلج فيا ليه؟ شربني بجيت العصير
_ أنهى ضيف تلك السخافة سريعاً ثم انسحب من أمامه وهو يتأفف بتزمجر، لم يمنع مصطفى ضحكته من الظهور وهو يتابع هرولته يظن أنه بإمكانه الهروب بركضه بعيداً عنه لكن هيهات لمصطفى لن يتركه وشأنه بتلك السهولة.
_ مر الحفل بسلامء حرص ضيف على إنهائه سريعاً لكي يغلق أي سخافات سيواجهها من مصطفى مرة أخرى، تفرق الجميع عائدين إلى ديارهم بما فيهم ضيف الذي اصطحب صفاء إلى منزلهم
_ وقفوا أمام الباب يودعون عائلاتهم، شعر ضيف بأن هناك ثمة أمراً في والده من خلف كلماته التي تخرج بصعوبة فسأله مستفسراً:-
مالك يا أبوي من وجت الفرح وأني حاسك تعبان؟
_ وضع الحاج حنفي يده على صدره وأخبره بما يشعر بنبرة ثقيلة:-
مخابرش بس صدري مجفول حاسس إني مش مظبط، سيبك أنت أني هبجي زين
_ لم يرضخ ضيف لتهوينه للأمر وأصر عليه بحديثه:-
لو تعبان نودوك المستوصف
_ تدخل مصطفى بقوله:-
أني موجود يا عمي تعالى نروح نطمنوا عليك
_ رفض حنفي ذهابه إلى أي مكان وحاول طمأنتهم على حالته:-
أني هبجي زين يولاد م…
_ توقف من تلقاء نفسه حين شعر بالوضع الذي يزداد سوءاً، تشوشت رؤياه كما ظهرت حبات العرق على وجهه بكثرة ولم يصمد كثيراً حتى سقط مغشي عليه..
_ صدرت صرخة قوية من قِبل صفاء التي كانت تتابع حوارهم على بعد مسافة بسيطة منهم، إنتبهن أميمة ومروة اللتان رفضن الترجل من السيارة ومشاركتهم آخر لحظات اليوم
_ ترجلن سريعاً وهرولن نحوه بخوف قد سيطر على قلوبهم، حاول ضيف إيفاقته لكن دوى جدوى، رفع بصره إلى مصطفى وأردف:-
ديي بينها غيبوبة سكر كيف ما عتاجيه على طول
_ نهض مصطفى حاسماً الأمر:-
جوم نودوه المستوصف
_ انسحبت صفاء من بينهم للداخل ثم عادت بسرعة قسوة وهتفت قائلة:-
أطلبوا الإسعاف وحد يجيب الحجنة ديي
_ نهرتها أميمة بعصبية بالغة:-
حجنة إيه اللي رايدة تديهالوا رايدة تموتي الراجل
_ لم تهتم صفاء لها وصوبت بصرها على ضيف الذي يتابع ما يحدث في صمت وحثته على التحرك:-
هات الحجنة ديي ضيف على لما الإسعاف يوصل
_ لم يتردد ضيف لحظة وأخذ منها الورقة فتدخل مصطفى بتلهف:-
تعالي ندخله جوا وهات الورجة أجيبها أني
_ أماء له ضيف بقبول وناوله الورقة ثم انحنى كليهما حاملين الحاج حنفي ودلفوا به للردهة، وضعوه على الأريكة برفق ثم تحرك مصطفى مبتعداً عنهم لكي يحضر الحقنة سريعاً بينما اقتربت صفاء من ضيف وربتت على ذراعه قائلة:-
هيبجي زين متخافش
_ اكتفي بإيماءة من رأسه وظل بجانب والده يتفقد نبضه من حين لآخر لحين وصول سيارة الإسعاف الذي قام بالإتصال بها على الفور
_ لم تستطيع أميمة الوقوف ومشاهدة تلك اللعينة تتلاعب بحياة زوجها وأبدت رفضها التام:-
بوك مهياخدش حُجن هيروح على المستوصف طوالي
_ تدخلت صفاء موجهة حديثها لزوجها:-
الحجنة مهمة يا ضيف
_ طالعها لبرهة قبل أن تواصل هي لتزيد من ثقته بها:-
صدجني مش هضره واصل
_ لم يعطي ردة فعل تدل على موافقته أو حتى رفضه، الأجواء كان مشحونة للغاية ولا تتحمل كلمات ستزيدها سوءاً..
_ عاد مصطفى بعدما طلب الحقنة المطلوبة فقامت صفاء بتحضيرها على الفور، لم يهدأ بال لأميمة وظلت تصيح عالياً مبدية رفضها لأخذ زوجها أى أدوية مجهولة المصدر خشية على حياته..
“أبوي هياخد الحجنة، خلصنا”
_ هتف بهم ضيف فحسم الأمر ولم يستطيع أحدهم الإعتراض بعد حديثه، أعطته صفاء الحقنة سريعاً أثناء وصول سيارة الإسعاف فور خروج سِنها الرفيع من بدنه
_ هرولت أميمة إلى الخارج لإستقبال المسعفين لكي ينقذوا زوجها مما فعلته تلك التعيسة:-
إلحجوا جوزي الله لا يسيئكم جاطع النفس
_ رد عليها أحد المسعفين بعملية:-
طب وسعي يا ست عشان نعرفوا نشوفوا شغلنا
_ تنحت أميمة جانباً ولم تكف عن النواح:-
اللي هناك ديي إديته حجنة مخابراش تطلع إيه بالله عليكم غيتوه
_ حملوه على الناقلة ثم إلتفتت أحدهم حيث تقف صفاء وسألها بجدية:-
إديتله حجنة إيه؟
_ بعملية أجابته صفاء:-
Glucagon..
_ حرك رأسه بتفهم ثم تابع خروجه إلى سيارة الإسعاف، بدأ الحاج حنفي في إستعادة وعيه تدريجياً فأنتبه له أحد المسعفين وأخبر عائلته:-
الحاج فاج بالسلامة
_ تمتمت أميمة شاكرة ربها:-
الحمد لله الحمدلله
_ وجه الآخر حديثه إلى صفاء قائلاً:-
زين إنك اتصرفتي وإديته الحجنة
_ تحولت الأنظار على صفاء التي تلونت وجنتيها بالحُمرة خجلاً من نظراتهم المعلقة عليها، أولاتهم ظهرها وعادت للداخل سريعاً، تبعتها صفية تخفف من عليها بالتأكيد هي حزينة من خلف كلمات أميمة الغليظة..
_ وجه ضيف بصره على والدته مستاءً منها:-
مش واجب تعتذري لها ياما وتشكريها؟!
_ إمتعضت أميمة وفضلت الصمت عن تقديم اعتذار لتلك الفتاة، إقترب ضيف برفقة مصطفى من باب السيارة لكي يطمئنوا على والده وهما يقومان بعمل الفحوصات اللازمة له حتى يتأكدوا من إعتدال معدل السكر في الدم
_ إستأذن مصطفى بعد أن اطمئن على صحة الحاج حنفي وغادر بينما ساعد ضيف والده على الترجل من السيارة وسأله بإهتمام:-
تحب ترتاح جوا هباب يا أبوي؟
_ حرك رأسه رافضاً وأوضح ما يدور في نيته:-
لاه بس رايد أشوف صفاء
_ تعجب ضيف من طلبه للوهلة الأولى ثم شعر بأن الأمر منطقي فعلي الجميع تقديم شكر خاص لها بعد تصرفها النبيل معه، عادوا إلى الداخل ولم يطيل ضيف البحث عنها فكانت برفقة والدتها في الردهة..
_ حمحم الحاج وبنبرة تميل إلى الندم قدم إمتنانه لها:-
تسلمي يابتي أنتِ السبب إني أجف على رجلي تاني
_ نهضت عن مقعدها وفركت أصابعها بخجل معانق للإرتباك الواضح وردت عليه دون تكلف:-
على إيه يا عمي أني عملت واجبي
_ أعاد حنفي تكرار شكره لها بينما تفاجئ الجميع بما وقع على مسامعهم:-
“أني اسفة على جلة ذوجي بس كنت خايفة عليه، متشكرة على اللي عملتيه وياه”
_ تشكلت بسمة عريضة على شفتي ضيف بعد إعتذار والدته ونبرتها النادمة ناهيك عن إمتنانها لها في تقديم شكر خاص لما فعلته من أجل والده، تنهد براحة وقد شعر بأن ما حدث فقط ليوطد العلاقات بينهم لقوله تعالى:
( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ…)
_ لم تطيل صفاء الأمر وبإحترام وود قالت:-
أني مجدرة خوفك، ربنا يبارك في عمره
_ آمن الجميع على دعائها ومن ثم إنسحبوا واحد تلو الآخر حتى بات المنزل خالياً إلا من كليهما، توجه ضيف إليها بعدما تأكد من مغادرة الجميع وبعد رفض والده لتوصليهما إلى المنزل
_ أسبل بعينيه في تلك البندقيتين التي تأسره أسراً، تقوس ثغره بسمة عذبة زادت من وسامته ثم همس لها بنبرة ولهانة عشقاً:-
بحبك يا أجمل واحدة شوفتها في حياتي
_ بادلته إبتسامة رقيقة ولم تتردد في أخذ عناق يبدل من صفوها، شعرت بالسكينة ما إن إستندت برأسها على صدره، شعور مختلف أن تجد ثمرة صبرك في النهاية بعد العيش مع صراع الخوف أسفل سقف واحد، ها هو قد حُطِم وشُيد مكانه سقف السكينة والطمأنينة…
______________________________________
فى اليوم التالى، إستيظ طاهر مبكراً لكي يقوم بزيارة إلى والدته بعدما طلب من المحامي تصريحاً له بفعل ذلك
_ إصطحب صباح معه في ذلك المشوار لربما تكون المرة الأخيرة لـ لقائهم، جلسوا في إنتظار حضروها، مرت خمس دقائق ثم ظهر طيفها برفقة العسكري الذي حرر عنها الأصفاد وغادر للوقوف إلى الخارج لحين النداء عليه
_ إقتربت صباح منها أولاً وعانقتها دون جهد وتفكير متمتمة بشوق حار:-
إتوحشتك ياما
“إنتِ مين؟”
سؤالها سبب صاعقة قوية لأذهانهم، تراجعت صباح قليلاً معلنة عن هويتها باستغراب:-
أني صباح ياما، بتك نستيني ولا إيه؟
_ إبتسمت ثريا بحنين، مدت أناملها وتحسست وجه صباح وهي تجيبها:-
أنتِ بجا صباح جالولي عنك كاتير
_ قطبت صباح جبينها في غرابة من أمر والدتها المريب، وزعت أنظارها بينها وبين طاهر ثم سالتها بإهتمام:-
هما مين اللي جالولك؟
_ لم تعقب ثريا على سؤالها وظلت تبتسم كالبلهاء، إلتفت صباح ونظرت إلى حيث يقف طاهر وبنبرة تهدد بالبكاء سألته:-
هي مالها يا طاهر؟
_ أدلف بخطاه منهن ثم ربتت على ذراع شقيقته مأزراً إياها، حمحم بخشونة ووجه حديثه إلى والدته:-
إنتِ زينة ياما؟
_ طالعته ثريا لبرهة ثم مالت على صباح وهمست لها متسائلة:-
مين الجدع ديه؟
_ لم تستطع صباح الصمود لأكثر من ذلك وجهشت باكية أمام تصرفات ثريا المريبة، إلتفتت إلى شقيقها وسألته بنبرة غير مفهومة من بين بكائها المرير:-
هي بتعمل إكده ليه؟
_ عانقها طاهر وظل مثبتاً نظريه على والدته بشفقة كبيرة لتغير أحوالها فجاءة، بادلته ثريا نظرات مشفقة على بكاء صباح وسألته بنبرة رقيقة:-
هي بتبكي ليه أني زعلتها في حاجة؟
_ جاء دور طاهر في الإنهيار، تبخر ثوب تماسكه فور إنتهاء سؤالها، سقط منه شلال من العبرات لم يتوقف بسهولة، جذب والدته إلى حضنه وضمهم بكل ما أوتي من قوة..
_ تمنى لو بإستطاعته إعادة الوقت ومنع ما حدث قبل حدوثه، تمني لو سلم السلاح في التوقيت الذي عثر عليه فيه، ود لو يخبئهم داخله ولا يسمح بإفتراقهم نهائياً..
_ طُرف الباب فإبتعد طاهر عنهم وسمح للطارق بالدخول فإذا به رئيس المباحث يقول:-
معلاش بس الزيارة إنتهت
_ عانقوا ثريا مرة أخرى ثم عاد كلاً منهم من حيث جاء لكن بشعور مرهق تماماً، لقد تبدل صفوهم وضعفت أنفسهم، فضلوا العودة سيراً على الأقدام لربما يشعروا بالتحسن عند وصولهم..
_ لكنهم إكتشفوا بأنها طريقة فاشلة، فالسير يتسبب في ألم القدمين ولا يساعد على تقليل الحزن ولو بذرة، حتماً من إبتدع ذلك ما هو إلا محتال كبير ..
_ توقف طاهر عن الدخول وأمر شقيقته بنبرة لينة:-
إدخلي إنتِ أني معاود طوالي
_ لم تعارضه فهي ليست في مزاج سوي يسمح لها بالنقاش، ولجت للمنزل بينما توجه طاهر إلى منزل عمه، وقف أمامه وقرع رنينه ثم إنتظر لحين فتحه
_ بعد قليل، فتحت له السيدة سنية ورحبت به بقولها:-
كيف حالك يا طاهر
_ أماء لها برضاء:-
زين يا مرت عمي، كنت جاية أبلغك إن صباح كتب كتابها النهاردة على محمود صاحبي ياريت تاجي وتجفي معاها صباح محتاجة للي يجف جنبها
_ قبلت سنية دعوته وبسعادة غامرة أردفت بحب:-
ألف مبروك ربنا يتمم لها على الخير يارب، أكيد هاجي إن شاءالله
_ رسم طاهر بسمة لم تتعدي شفاه وبمزاج غير سوي هتف:-
تسلمي يا مرت عمي هستناكي على أخر النهار إكده متتأخريش
_ بإختصار رددت:-
إن شاء الله يا ولدي
_ رمقها طاهر لوقت بعد تلقيبها بذلك، على الرغم من أنها لم تكن المرة الأولى لأن تناديه بولدها إلا أنه شعر بقيمتها الثمينة التي لا تقدر بمال، ضبط من حالته المزاجية ثم تحرك سريعاً مبتعداً عنها قبل أن يبكي كالطفل الذي فقد والدته ويريد العودة إليها
_ ولج إلى منزله ثم إلى غرفته ومنها إلى حضن مروة الملجئ الوحيد الذي بات يلقي همومه وأحزانه فيه ويعود من جديد بنفسٍ راضية بفضله.
______________________________________
_ تسلل صوته إلى عقلها الباطن فجذبها من عالمها إلى عالمه قائلاً:-
صباح الخير يا ورد جومي عشان تفطري
_ فتحت عينيها بثقل وحركتها إلى حيث مصدر الصوت، إلتوت شفتيها بإبتسامة عذبة حين رأته يحمل صنية الطعام
_ أعتدلت من نومها ملقية التحية عليه بحنجرتها المبحوحة:-
صباح الخير يا جرنوبي
_ صعق مصطفى من تلقيبها له، عقد ما بين حاحبيه بشدة وردد ما قالته للتو:-
جرنوبك!
_ قهقهت ورد وأوضحت له سبب تسميتها له بذلك الإسم الغريب:-
دلوك بجت البنتة على الفيس عتنادي حبيبها بـكتكوتي فأني حبيت أناديك كيفهم بس يكون مختلف عنيهم ومن إهنه وجاي أسمك جرنوبي
_ رد عليها مصطفى وهو يضع الصنية بجوارها على الفراش:-
ربنا يعينك يا ورد على المهلبية اللي في راسك ديي
_ قطبت جبينها متصعنة الزعل، إقترب هو منها قائلاً بمرح:-
لاه ميهونش عليا زعل أم هلال واصل
_ تعجبت ورد من تريديه لإسم “هلال” منذ معرفته بخبر حملها، التفت برأسها إليه وسألته مستفسرة:-
انت جاعد تجول هلال هلال ما يمكن تاجي بت؟
_ أسرع مصطفى في رفض ما قالته:-
إن شاء الله ياجي هلال متجاطعيش إنتِ بس
_ حركت رأسها مستنكرة ظنه الذي من المحتمل أن يخيب، تنهدت وذكرته بأنها تحمل في رحمها إثنين:-
أنت عتتحدت كأنه واحد ناسي إنهم توم
_ وضح لها أمنيته التي يطلبها من الله:-
ياجي هلال والتاني أو التانية ياجوا على كيفهم بس أمنيتي إني أسمي هلال على إسم الغالي
_ ربتت ورد على كتفه بحنو ودعت له بتحقيق أمنيته:-
ربنا ينولك اللي بتتمناه يا جرنوبي
_ نتبه مصطفى لذاك المسمى التي إعتادته وأبدي تذمره منه:-
بطلي تجولي الإسم اللي عيستفزني ديه
_ حركت رأسها رافضة التوقف عن قوله، وضعت يدها علة بطنها وتحسستها ثم أردفت بميوعة:-
هلال رايدني أجولك إكده
_ فغر مصطفى فاهه فلقد حولت الأمر تلقائياً لنقطة لن يرضي تغيرها بعد الأن، حرك رأسه مستنكراً دهائها وهتف مستاءً:-
يكرم جرنوبي لاجل عيون سي هلال
_ جحظت عيني ورد بذهول فأسرع مصطفى في تعديل ما قاله قبل أن تقيم الحد عليه:-
ولاجل عيون أم هلال
_ غمز إليها ثم أشار بيده على الطعام:-
من إهنه وجاي الوكل هيكون إهنه مفيهش خروج برا الأوضة ديي جبل ما تتمي التلت شهور الأولانين
_ لم تعقب برفض بل هي في أشد الحاجة إلى الراحة وخصيصاً النوم الذي يراودها بكثرة وبالكاد تفتح جفنيها أمامه، شرع كليهما في الطعام مع تعمد مصطفى إطعامها من حين لآخر كلما شعر بضعف شهيتها منهمرين ببعض بالأحاديث التي تناولوا أطرافها من آن لآخر…
_ إنتهوا من الطعام ثم تلقت ورد مكالمة هاتفية، سعدت كثيراً بها وأجابت على الفور:-
لو تعرفي إتوحشتك كد إيه يا أسما
_ بنبرة ملهوفة ردت عليها أسماء إبنة خالها:-
وأنا كمان يا ورد والله، عرفت اللي حصلك من عمتو وإتصلت أطمن عليكي وأقولك إنى لبست الشبكة في البيت كده مع بعضنا من غير حفلة
_ هللت ورد في سعادة بالغة:-
ألف مبروك يا حبيبتي معلاش بجا إحنا السبب في العطلة اللي حصلت ديي
_ بحرج شديد تحدثت الأخرى:-
عطلة إيه بس انتِ لو تعرفي حالتي كانت إزاي وأنا عارفة إني كنت السبب في اللي حصل، مش عايزين نفتكر بجد الأيام دي المهم طمنيني عليكي
_ طمأنتها ورد على صحتها:-
الحمدلله زينة أحسن كاتير
_ نظرت إلى مصطفى القاطن بجوراها وواصلت بنبرة مُتيمة:-
وكفاية إن مصطفى جاري
_ تفاجئ مصطفى بردها ولم يتردد في جذبها إلى حضنه فاستندت هي على صدره وأوصدت جفينها شاعرة بعودة سلامها النفسي من جديد ..
_ إنتبهت على رد إبنه خالها مردفة بحب:-
ربنا يخليكم لبعض يا ورد وصحيح ألف مبروك علي baby’s
_ بإمتنان أجابتها:-
الله يبارك فيكي يارب
_ ناولت أسماء هاتفها إلى والدها ومن ثم والدتها وشقيقتها الصغرى لكي يطمئنوا على حالة ورد ويباركون لها على خبر حملها ..
______________________________________
_ بعد غروب الشمس مباشرةً تجمع محمود برفقة شقيقاته الثلاثه وأزواجهن وكذلك أولادهن، حضر المأذون بعد وصولهم بدقائق معدودة..
_ إنضمت إليهم السيدة سنية وتعمدت الجلوس إلى جوار صباح لربما تحتاج إلى شيئ ما فتلبيه بصدر رحب
_ بدأ المأذون يلقي خُطبَة عن فضل الزواج وما عليه من حقوق وواجبات لكِلتي الطرفين، كان يصغي محمود بإهتمام واضح عكس صباح التي كانت منهمرة بين أفكارها ولا يصل إلى آذانها أي كلمة مما تُقال في الوسط
_ أنهى المأذون خُطبته وكذلك جهز الأوراق اللازمة لإمضاء العروسين عليهم لكي تكتمل القسيمة، بدأ يردد المتعارف عليه في مثل تلك المناسبة ومحمود وطاهر يرددان كلماته خلفه ثم تمم على الزواج بقوله:-
“بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير إن شاء الله”
_ تعالت زغاريد شقيقات محمود بفرحة، فهو شقيقهم الوحيد ولابد من إظهار السعادة لتلك المناسبة الجميلة، إهتممن به كثيراً فأسبقت السيدة سنية في المباركة لصباح بسعادة بالغة، تعجبت صباح من تلك الفرحة الواضحة فهي وإبنتها لم يروا منها سوى كل سوء وفي النهاية قابلتها بود وحب لا تستحقهما..
_ إنتهي اليوم على خير بعد أخذ التهنيئات والمباركات، إستأذن الجميع في المغادرة وباتت صباح وحيدة في غرفتها تعيد ما حدث قبل قليل متسائلة في نفسها، ماذا لو كانت تسرعت؟ ماذا إن كان هذا قرار متهور ستحصد ثماره في المستقبل؟
_ ماذا لو كان محمود من فصيلة عديم النخوة ضيف ولم يتقي الله فيها؟ لكنها رأت سعادته اليوم، إستشفت رضاه التام عن زيجته منها من خلف نظراته التي لم ترفع من عليها قط
_ للمرة الأولى تشعر بأنها ضائعة ولا تقدر على فعل شيئ، فقدت زمام الأمور ولم تعد تستطيع النجاح فى التحكم في أقل الأمور بساطة..
_ طردت مخاوفها من رأسها بهروبها إلى تحضير ما ستحتاجه معها فى سفرها داعية الله بأن ينظر إليها برحمته لا بتصرفاتها…
______________________________________
_ بعد مرور عدة أيام، وصلت الطائرة إلى دولة الكويت في تمام الساعة الثامنة صباحاً ومنها إلى المنزل الذي يقطن به محمود
_ أوصد الباب خلفه ومازال عقله يعمل على الإستيعاب لقد حقق حلمه لطالما تأكد من عدم الوصول إليه بشتي الطرق لتدخل الظروف في حياتهم
_ إستدار إليها فرأها تطالع المكان من حولها بتفحص، لم يكن يليق بمنزل عروس لكنه ليس سيئ، حمحم محمود ليجذب إنتباهها وأردف بخجل بائن:-
المكان مش من جيمتك خابر بس إن شاء الله نفرشوه على ذوجنا بعد إكده
_ قيمة!!، أهي قيمة وهناك من يخبرها بذلك؟ قهقهت صباح داخلها على تلك الداعبة التي لم تصدقها، ردت عليه بعد فترة بنبرة جامدة:-
لاه المكان زين
“عشان شيفاه بعيونك”
_ أردفهم بنبرة غريبة وكأنه مُتيم في حبها، نفضت أفكارها بعيداً عن رأسها فمن أين سيحبها حباً في الله؟
_ تفاجئت بيده تحتضن أناملها ثم سار بها بقرب أريكته المستطيلة، جلس وحثها على الجلوس إلى جانبه، لم يعلم محمود بأي حديث يبدأ فالكلمات هربت منه وتخبط بين أفكاره..
_ حاول التحلي بالهدوء لكي يرتب أفكاره بعناية، مر وقت ليس بطويل بدأ حديثه بحرج:-
خابر إن الوضع غريب عليكي، يعني مسبجش لينا حديت جبل إكده وبين ليلة وضحاها بعدتي عن أهلك وناسك وبجيتي مرتي ومعايا في دار واحدة، يمكن تخافي مني وأني هكون مجدر خوفك بس رايدك تتوكدي إني لا يمكن أاذيكي واصل، أني راجل أعرف ربنا وبتجي ربنا في خلجه ما بالك باللي دج الجلب ليها؟
_ تفاجئت صباح بأخر ما تفوهه، أكان ذلك بمثابة تصريح لحبه لها؟ أم أن حاجتها إلى الإهتمام والحب من يشعروها بذلك؟
_ أمسك يدها للمرة الثانية لكن بقوة أكبر وواصل إسترساله بنبرة أشد رقة وتلهف:-
كنت كل ما أشوفك أحس بمشاعر غريبة جوي، حاجات محستش بيها جبل إكده ومكنتش خابر ديي معناتها إيه، بس كنت بفرح جوي لما أشوفك أو تجمعنا الصدفة
_ نكس رأسه في خجل وتابع تحت نظراتها المذهولة عليه:-
كنت حابب اللي بحسه جدامك بس مكنش في يدي حاجة أعملها كنت ضايع ومفيهش شغلانة تسندني وكنت بفكر في السفر وفعلاً سافرت وفي المرة اللي نزلت فيها أول حد حبيت أشوفه كان أنتِ، كنت بتحجج بأي حجة عشان أجابل طاهر عنديكم في الدار يمكن ألمحك
_ رفع بصره في عينيها فاستشف الدهشة التي تشع منهما وحين لم يقابل رفض واصل ما لم ينهيه:-
لما علمت أنك إتخطبتي حسيت بنار جايدة جواتي، متحملتش لدرجة إني كنت بصلي وأدعي أن يوحصل أيتها حاجة تفشكل الجوازة ديي ويوم ما حوصل اللي حوصل حسيت إن ربنا إستجاب لدعايا ويومها اتحدتت مع طاهر جبل ما يفوت الأوان تاني
_ الذهول لا غيره كان مسيطر على عقل صباح، لا تستوعب حقاً أنها مرغوبة ومِن مَن؟ من رجل!!
هناك سؤال كان يتردد في عقلها ولم تستطع إخماد فضولها بالصمت وسألته مستفسرة بخجل:-
حتى بعد اللي سمعته؟
_ أسرع في إجابته عليها بصوته الأجش:-
هتصدجي لو جولتلك مفرجش معايا، مخابرش بس كلنا بنغلط، وغلطك كان وجت وأني مش موجود في حياتك والغلط الأكبر كان على الراجل اللي المفروض كان يوفي بوعده، تعرفي إني مشايفهوش راجل من أساسه!، الوعد دين يتسدد وخصوصاً إنه راجل صعيدي والصعايدة معندهمش جلة الأصل ديي، سيبك من كل اللي فات خلينا في اللي جاي، أني طلبتك تكوني حلالي ورايد أكمل بجية عمري جارك، موافجة تكوني شريكة حياتي نعيشوها بحلوها ومُرها؟
_ هل ترك لها القرار؟ لا تعلم ما عليها فعله، للمرة الأولي تفشل في أخذ قرار جدي بهذا الشكل، دوماً
كان لديها قرارات قاطعة لكل شيئ ماذا عن الأن؟
بالتأكيد لن ترفض، في النهاية هي بحاجة إلى من تستند إليه، من يعوض الماضي، من يداوي الآلام ويضمد الأحزان وإن كان محمود ذلك الشخص فيا مرحباً به زوجا وحبيباً لها..
_ إبتلعت ريقها ثم أماءت له بقبول متمتمة:-
موافجة
_ دقت أسارير محمود من فرط الحماس المتدفق في الأدرينالين خاصته، تناول يدها وطبع قُبلة رقيقة داخل كفها، رفع بصره عليها وصرح بمشاعره دون خجل:-
بحبك
______________________________________
_ صباحاً، إستقيظ طاهر على رنين هاتفه، فرك عينه وهو يتثائب بثقل، تناول الهاتف وإنتفض من مكانه بهلفة ما أن قرأ إسم المحامي المدون على شاشته
_ أجابه متلهفاً لسماع ما سيخبره به:-
إيوة يا أستاذ فهمي
_ قلقت مروة على نبرته المرتفعة، نهضت ووقفت إلى جواره في إنتظار معرفة هوية المتصل بفضول شديد من خلف لهفة طاهر في سرعة إجابته عليه
_ إرتخت ملامح طاهر فجاءة كما أوصد عينيه وأخرج زفيراً بتمهل، أعاد فتح عينيه ثم أجاب على المحامي:-
متشكر جوي يا أستاذ فهمي
_ أنهى المكالمة ثم وجه بصره مباشرةً على مروة التي كانت تتابع تصرفاته المبهمة بغرابة، وقبل أن تسأله عن حقيقة ما يحدث فاجئها طاهر بحمله لها، تشبتث في عنقه من هول المفاجأة
_ دوت ضحكاتها في الغرفة فشاركها طاهر الضحك بسعادة بالغة لا يسعها قلبه من فرطها، أنزلها فسألته بعفوية:-
ربنا يزيد من فرحك يا حبيبي بس إيه اللي حوصل لكل ديه؟
_ رفع طاهر رأسه للأعلى وهتف عالياً بخلاص:-
أووف
_ أعاد النظر إليها ورد عليها بنبرة عنفوانية مختلفة مليئة بالحيوية:-
أمي خدت مؤبد بدل إعدام
_ لم يحب طاهر مواجهة عيني مروة التي حتماً سيري فيهما الشفقة على وضعه، إخترق حضنها بدون إستئذان فأحاطته بذراعيها مشاركة إياه اللحظة السعيدة على الرغم من شعورها القوي بالشفقة تجاهه، فالتخفيف في الحكم ليس هين أيضاً لكنه أهون من حكم الإعدام..
_ تراجع طاهر للخلف وتحسس وجهها بنعومة، طالعها لبرهة حامداً الله على وجودها في حياته فكانت خير عوضاً له، إلتوي ثغره ببسمة عذبة وأخرج تنهيدة حارة قبل أن يبوح لها بما يخفيه داخله:-
بحبك يا مروة
_ خفق قلبها وبات أسيراً لتصريحه لها، إنه صرح بحبه وأخيراً، تكاد تجزم بأن قلبها يكاد يخترق جسدها من شدة تدفق الدماء المتسببة إطلاق نبضاته بتلك الصورة العنيفة..
_ لم يتردد ثانية وانحنى على شفتيها يتذوق شهدهم لطالما أفتقد إليهم في الأوانِ الأخيرة، سمح لنفسه بالتمتع فيما يحل له، تحولت قُبلاته الرقيقة إلى حارة مليئة بالرغبة التي إستشفتها مروة
_ تمكن منها طاهر بسهولة فلم تعارضه هي على الرغم من خجلها التي تتخبط بينه، كذلك طاهر الذي حاول مقاومة خجله وتوتره فلم يسبق لهما وأن خاض كليهما تلك التجربة الخاصة من بعد يوم زفافهم والتي ستكون في عين الإعتبار مرته الأولى معها، برقة مبالغة تعامل معها حتى حلق كليهما معاً في سماء دنياهم الخاصة..
______________________________________
بعد مرور عام وثمانية أشهر،
_ في حديقة السرايا التى زُينت بالبالونات المترابطة منتجين رسومات رائعة، الأنوار تضئ داخلها وخارجها
_ يصدر صوت قهقهة الأطفال الذين يمرحون ويتسابقون في المكان، كذلك ترتفع أصوات الكِبار بسبب الأعداد الهائلة من الحضور
داخل السرايا، تمسك بيد صغيرها الذي يتعلم سير خطواته الأولى اليوم، دندنت بفرحة عارمة:-
تاتا خطي العتبة، تاتا حبة حبة، يلا يا حلو يلا خطوة خطوة يلا، يلا يا حلو خطوة بخطوة تمشي وتبجى كابير وشاب ملوش مثيل
_ سحبت يدها برفق شديد لكي لا يسقط ثم صفقت بسعادة حين نجح في الوقوف بمفرده مهللة:-
شاطر يا صاصا
_ ذعر الصغير من تصفيقاتها وخر واقعاً، قهقهت عالياً وهي تردد:-
كفاية عليك إكده النهاردة، يلا عشان نلبسوك خلجاتك وننزل نطفي شمع أحلى مصطفى وأحلى هلال
“إحنا خلصنا جبلكم”
هتف بهم مصطفى وهو يلوح بيد صغيره بإنتصار، بينما ساعدت ورد الصغير على إرتداء بقية ثيابه سريعاً ثم أعدلت من وقفتها وقالت:-
وإحنا بردك خلصنا
_ ترجل مصطفى وهو يحمل صغيره هلال بين ذراعيه، كذلك رافقته ورد حاملة التؤام الآخر مصطفى وخرجوا إلى الحديقة لكي يبدأوا مراسم عيد الميلاد..
_ وقف الجميع حول المائدة البيضاوية الضخمة، وبدأوا في الغناء معاً، إنتهوا من الأغنية ثم أطفئ مصطفى الشمعة نيابةً عن هلال وكذلك فعلت ورد ثم إنشغلوا في الترحيب بضيوفهم وإستلام الهدايا منهم ..
“كل سنة وهما طيبين يا ورد”
_ هتف بهم صوت مبهم لكن ليس غريب على أذانها، إستدارت بجسدها لكي تعلم هوية الصوت فتفاجئت بها أمامها، بملامح جامدة رددت:-
صباح!
_ تقوس ثغر الأخرى بإبتسامة لم تعهدها ورد من قبل، إزدادت ضحكات صباح على منظر ورد المذهول والأقرب للوصف المصدوم فمعها كل الحق لم تكن يوماً علاقتهما ودية لكي تستقبلها ورد بغير ذلك الوجه
_ إقتربت صباح بخطاها منها ثم عانقتها بحب وأردفت معتذرة:-
أني أسفة جوي يا ورد على أي أذى كنت السبب فيه، أني ندمانة على كل اللي عملته معاكي ومع غيرك ومع نفسي وياريت نتفتحوا صفحة بيضة ونبدأ من أول وجديد
_ تراجعت صباح للخلف لكي تستشف ردة فعلها التي طالت، فالتحول المفاجئ ليس هين على عقل ورد إستيعابه لكن قلبها دوماً يفوز أمام عقلها
_ تقوس ثغرها ببسمة عريضة ورحبت بها بحفاوة:-
نبدأوا صفحة جديدة يا بت عمي ..
_ دقت طبول السعادة قلب صباح فهي على أولي خطواتها فى تصليح ما سبق وتسببت فيه، دنت منها ورد هامسة بفضول أنثوي:-
ربنا مرزكيش بحاجة؟
_ إرتخت ملامح صباح وأجابتها بحزن:-
لاه لسه، بس إن جيتي للحج إكده أحسن، أني لساتني بتعافى حياتي الجديمة رايدة أكون أم وجت ما أكون جاهزة عشان مظلمهمش معايا وأبجي حنينة كيفك إكده
_ ربتت ورد علي كتفها بشفقة ورددت داعية:-
ربنا يعوضك خير يا حبيبتي ويرزجك الذرية الصالحة
_ أمنت صباح على دعائها ثم استأذنت للمغادرة فهي قد وصلت للتو من المطار ولم تري شقيقها إلى الأن خشية أن تفوت الحفل ..
_ حضر ضيف بمفرده حاملاً للهدايا وتوجه نحو مصطفى مباشرةً، وبمزاح صاح:-
كل سنة وهما طيبين يا أبو العيال شوف أني زعلان إن إسمي متسماش بس مش خسارة فيهم الهدايا
_ لكزه مصطفى بقوة في كتفه وأجابه بحنق:-
يا أخي أنت هتعجل ميتي ده أنت بجيت أب يا خوفي يطلع عجلها كيفك إكده تبجي البلد عليها العوض
_ قلب ضيف عينيه ورفع طرف شفاه العليا للأعلى مجيباً إياه بتهكم:-
بس إبجي بعد عيالك دول عنيها وإن جيتني في يوم تجولي رايد أطلب يدها هنجولولك معندناش بنتة للجواز
_ إنفجر مصطفى ضاحكاً وأردف من بين ضحكاته:-
يعني يوم ما يجولوا يا جواز ميلاجوش غير الإسم المايع ديه “أسيل”
_ أوصد ضيف عينيه كما حرك رأسه مستنكراً وبتجهم قال:-
متفكرنيش بالإسم ديه كله من الجوية اللي مشت حديتها عليا ويا هو يا مليش صالح بالبت شوفت الجبروت؟!
_ إزدادت ضحكات مصطفى عليه وبنبرة ساخرة هتف:-
مش صغيرة هي على اللي بتعمله فيك ديه؟
_ أخرج ضيف تنهيدة حارة قبل أن يردف:-
هنعملوا إيه بجا مبجدرش أزعلها
_ إنضمت إليهم ورد ورحبت بوجود ضيف ثم سألته بإهتمام:-
كيفها صفاء دلوك والنونة الصغيرة كيفها؟
_ طمأنها ضيفه عليهم بقوله:-
بخير الحمد لله وصفاء بتعتذر إنها معرفتش تاجي إنتِ خابرة لساتها نفسة
_ تفهمت ورد الأمر وتحدثت دون تكلف:-
خابرة، ربنا يطمنا عليهم
_ غادر ضيف وترك لهم المساحة لكي يعودوا إلى ضيوفهم ليرحبوا بهم، بعد مدة جائت رحاب “مساعدة ورد في تربية الأطفال” مهرولة وقالت بنبرة لاهثة:-
محمولك مبطلش رن من وجت ما نزلتي
_ أخذته منها وشكرتها ثم عادت هي إلى الداخل بينما أجابت ورد على المكالمة الدولية بسعادة مرسومة على تقاسيمها وأيضاً واضحة في نبرتها:-
مصر نورت يا أسما
_ سعدت الأخرى بالتغزل فيها وردت عليها ممتنة:-
تسلميلي يا حبيبي
Happy birthday للقطاقيط
_ بحب شديد ردت عليها:-
تسلمي يا أسما عجبال ما نشيلوا عدلك يارب
_ بسعادة في لجهة أسماء أعلنت عن المفاجأة وهي تضع إختبار الحمل أمام كاميرا الهاتف:-
قريب إن شاء الله
_ صرخت ورد في سعادة بالغة:-
ربنا يتمم لك على خير يا أسما أنتِ تستاهلي كل خير
_ أنهت أسماء المكالمة حارصة على عدم الإطالة فلدى ورد ضيوف لابد من الترحيب بهم، كانت الأجواء مشحونة بطاقة إيجابية جميلة، الجميع في حالة سعادة بالصغيرين اللذان أضافا للسرايا والعائلة بهجة فريدة من نوعها فكانوا خير عوض لخليل ونادرة عن فقدانهم لفلذة كبدهم الصغير
_ كذلك هم من كانوا السبب في عدم رحيل السيدة سنية من البلدة مرة أخرى، فلم تعد تستطيع الإبتعاد عنهما مطلقاً ولم يكونوا بمفردهم الذين بدلوا أحوالها هناك أيضاً “حمزة” الإبن البكري لطاهر فكانت تلعب دور الجدة معه تعويضاً لعدم وجود ثريا…
_ إنتهى الحفل على خير، عادت ورد إلى الغرفة بعد أن تأكدت من غفو الصغار، نفخت براحة وتمتمت:-
أخيراً ناموا، مخابراش كنت هعمل إيه من غير رحاب بجد العيال صعبين جوي ربنا يهديهم
_ آمن مصطفى على دعائها قائلاً:-
آمين، يلا نامي بجا عشان كلها ساعتين ونصحوا عايزين نلحجوا الشروج من أوله
_ أماءت له بقبول ثم توسطت صدره وفي ثوانِ قليلة قد غابت عن الوعي دون جهد في المحاولة فصغارها يستنزفون طاقتها طيلة اليوم إلى أن تعيد شحن طاقتها بالنوم إستعداداً لبدأ يوم جديد معهم..
______________________________________
_ بدأ الفجر في البزوغ فصدح رنين المنبه الذي يضبطه مصطفى كل ليلة جمعة، أستيقظ إثره وقام بإيقاظ ورد هي الأخري
_ بدلوا ثيابهم إلى أخرى أكثر راحة ثم ترجلوا إلى الطابق السفلي ومنه إلى الخارج، إستقلوا في السيارة ثم تحرك بها مصطفى إلى المكان المقصود كما إعتادوا في الأوانِ الأخيرة
_ صف السيارة أمام طوالة الخيل وترجل منها أولاً ثم تبعته ورد، رحب بهم الحارس قائلاً:-
صباح الخير يا باشمنهدز
_ أجابه مختصراً:-
صباح النور
_ كاد أن يتابع خطاه للداخل لكنه توقف وسأله مستفسراً:-
اللي طلبته وصل؟
_ بعملية رد عليه:-
إيوة يا باشمهندز من بدري
_ كتفى مصطفى بإيماءة من رأسه ثم تابع خطاه للداخل برفقة ورد، وقفوا أمام طوالة الخيل فتفاجئت ورد بوجود جواد جديد من بينهم، عقدت ما بين حاجبيها بغرابة فلم تراه من قبل وتسائلت عنه بفضول:-
ديه وصل ميتي؟
_ غمز إليها مصطفى وأجابها بنبرته الرخيمة التي تعشقها:-
ديي بجا ورد ضيفتنا الجديدة رحبي بيها لساتها واصلة حالاً
_ فوجئت ورد بما قاله ورددت بعدم تصديق:-
واه، ورد!
_ أماء لها مؤكداً فهرولت إلى الجواد وظلت تتحسسه بأناملها ثم أردفت بحماس شديد:-
يلا نجربوها..
_ أشار إليها بيده بفعل ما تريد فلم يعد يقلق بشأن ركوبها للخيل فهي باتت بارعة في إمتطائه، أسرعت ورد في إمتطاء الجواد في أقل من الثانية ثم إمتطى مصطفى هو الآخر مُهرة وسار الإثنين بجيادهم إلى جوار بعضهما البعض
_ غمز مصطفى إليها بمرح وسألها مستفسراً:-
جاهزة؟
_ أتقنت من مسكها بلجام الجواد وأجابته بثقة:-
جاهزة
_ أمرا كليهما جيادهم بالركض بسرعة فائقة، رفعت ورد إحدى ذراعيها للأعلى وصرخت بأعلى حنجرة لديها شاعرة بتلك الراحة التي إجتاحتها فور إرتطام الهواء في وجهها وكأنه يعيد شحن طاقتها من جديد
_ إقترب منها بعد أن أبطئ من سرعة جواده وكذلك هي، مد يده إليها فاستشفت ما يريده ولبت طلبه على الرحب، إحتضنت يده بيدها وبسلاسة وخفة إستطاعت أن تمتطي مُهرة، حاوطته بذراعيها وإستندت برأسها على ظهره موصدة كلتي عينيها مستأنسة به
_ كان هذا الوضع المحبب لقلبها متمنية وقوف الوقت في تلك اللحظة وتظل كهذا إلي الأبد.
تمت
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عرف صعيدي)