روايات

رواية عرف صعيدي الفصل الثاني عشر 12 بقلم تسنيم المرشدي

رواية عرف صعيدي الفصل الثاني عشر 12 بقلم تسنيم المرشدي

رواية عرف صعيدي الجزء الثاني عشر

رواية عرف صعيدي البارت الثاني عشر

رواية عرف صعيدي
رواية عرف صعيدي

رواية عرف صعيدي الحلقة الثانية عشر

( إعتراف )
______________________________________
”تصبحي على خير يا ورد”
_ هذا ما همس به مصطفى بجانب أذنها، أي خير يتمناه لها بعد أن أنهى بجملته أي سُبل للوصول إليها، تراجعت للخلف قليلاً لكي تري ملامحه جيداً وتشتشف ما إن كان يمازحها أم يحادثها بجدية
_ أولاها مصطفى ظهره سريعاً فلن يقدر على مواجهة زرقاوتاها التي تعاتبه في صمت، أسرعت ورد بمسك ذراعه قبل أن يفر هارباً منها كما يفعل دوماً ثم توقفت أمامه فقطعت كل السُبل له في الخروج وأردفت متسائلة:-
كانك لسه معتبرني مرت خوك إياك!
_ انتظرت إجابته بفروغ صبر، نبضاتها تتحدث عن توجسها من سماع إجابته التي يمكن بأن لا ترضيها، ازدردت ريقها وهي تتابع حدتيه التي يطالعها بهما بوجه بارد يعكس نوياه السيئة اتجاها
_ بملامح جامدة أجابها بتجهم:-
عمري ما شوفتك غير مرت أخوي يا ورد رايدك تفهمي أكده عشان متصعبيش الأمور بيناتنا..
_ تلقت صفعة صادمة بحديثه الذي لم يرأف بمشاعرها وهو يدلي به بكل برود، ارتخت قبضتها عن ذراعه فلم يتردد عن مغادرة الغرفة التي شُيدت بناء جدران سجنها بعدما هدمت ورد بعضاً منه على أملاً قد تبخر مع خروج كلمات مصطفى من فمه..
_ تعجبت من حزنها لرفضه لها على الرغم من أنها لم تكن المرة الأولى، وضعت راحة يدها اليمني أعلى يسار صدرها وأخرجت زفيراً بطيئاً وهي تتسائل في نفسها ماذا يحدث هنا؟
_ لما كل ذلك الحزن التي تبدد داخله، يخفق قلبها ألماً وليس نبضاً، أمعقول أنها أحبته بتلك السرعة؟ كيف وهي لم تري سوى الرفض والنبذ الدائم منه!

 

 

_ تراجعت للخلف وهي على نفس وضعها حتى وصلت إلى الفراش التي اعتلته وظلت منكسة الرأس تتخبط بين عدة ذكريات تراودها لعقل الحجر ذاك، من بين الذكريات كانت إحداهما يوم زفافهم حين انسحبت من بين المعازيم بعدما كَثُرت وقاحتهم في الهمزات واللمازات ووقفت في إحدى نوافذ السرايا التي تطل على حديقتها ومنها رأته يرقص بعصاه بثباتٍ وثقة عمياء، تذكُر جيداً تلك الإبتسامة التي رُسمت على محياها رغماً عنها لاستيعاب عقلها أن تلك الجاذبية والوسامة الطاغية ستكون لها في النهاية، عجرفته التي يُعرف بها هي من نالت إعجابها وجذبتها إليه.
_ انتقلت إلى الذكري التالية في نفس اللحظة حين لمحتها أحد النساء وألقت عليها كلمة غير مفهومة لكنها استشفت سوء نيتها من خلف نظراتها، أرادت الهروب من السرايا بأكملها لكن أين المفر؟
_ حسناً ستختبئ برهة من الوقت في المبطخ بالتأكيد لن تزعجها إحداهن هناك، سارت بخطى مهرولة قاصدة المطبخ وهناك تلقت مفاجأة من العيار الثقيل وهو وجود مصطفى في تلك الأثناء، كانت المرة الأولى لها أن تقف أمامه بالحالة التي كانت عليها فشعرت بالارتباك يسيطر على خلاياها بسبب ذلك الوضع المُريب وخصيصاً أنه لم يخفض بصره من عليها وكأن لنظراته معانٍ يود الإفصاح عنها..
_ تبخرت أحلامها الوردية مع إصدار حكمه بعدما صعدا كليهما معاً ذاهبين إلى عُشهم الجديد بأنه لن يضعها في اعتبار الزوجة وهي ليست سوى زوجة أخيه!!
_ عادت من شردوها على زقزقة العصافير التي ترى طيفها يحلق عالياً في السماء من خلف باب الشرفة، نهضت وتوجهت إليها وأغلقت بابها ثم ألقت نظرة على خزانتها وفكرة واحدة تتردد في عقلها مابين التنفيذ والإقلاع عنها ..
______________________________________
_ على الجانب الآخر أزفر مصطفى أنفاسه بإرتياح ما أن نجح في هروبه من أمامها قبل أن يقع في براثين جمالها، توجه إلى غرفته وعقله مشوش تماماً فهو يلوم ضعف رغبته أمامها وفي الوقت نفسه يتمني لو لم يتذكر هلال في تلك اللحظة وواصل ما بدأه..
_ لا يتركه هلال وشأنه كلما شعر بالسكينة تجاهها يظهر هلال ويخرب سكينته بحضوره للأفكار السوداوية داخل عقل مصطفى كأنه يُذكره بأمتلاكه لها أولاً!!
_ قطعت حبال شروده بصوتها الجهوري الذي دوى في الأرجاء:-
خارج من عنديها في وجت متأخر ليه يا مصطفى؟ ضعفت جدامها؟ نجحت في خطفك يا ابن الجبلاوي!!
_ أوصد عينيه لثوانٍ قبل أن يستدير إليها ويقول بهدوء ما قبل العاصفة:-
لاحظي إنك بتجللي مني ياما في كل مرة تتحدتي معايا عنيها!
_ إلتوت شفتيها للجانب بتهكم وأردفت ساخرة:-
على أساس بلي بتعمله ديه مش بتجلل من نفسك يا مصطفى! دخولك وخروجك عنديها وفي الآخر تاجي تاكل بعجلي حلاوة وتجولي برضي أبوي، شايفني مخبولة إياك؟
_ فرك ذقنه بعصبية وإرتباك فهو وقع في حيرة من أمره لا يدري بأي حُجة سيخبرها بها تلك المرة، فضل الصمت عن حديثه الذي لن يجدي نفعاً فنادرة لن ينطلي عليها هرائاته مطلقاً.
”مش لاجي حاجة تتحجج بيها المرة ديي؟ زين عشان متصغرش في عين أمك اكتر من أكده”

 

 

_ هتفت بهم بندم شديد لتربيتها التي تجني ثمارها الفاسدة، أولاته ظهرها وعادت إلى غرفتها مهمومة حزينة، تتحسر على كلتي أبنائها فالصغير تأكله الدود أسفل التراب والبكري تمرد على أوامرها ويفعل عكس ما تريده دون خجل ولا حياء.
_ ”اااه” مكلومة بقلبٍ يعتصر حزناً على فلذات أكبادها التي لم تذق للنوم طعم من أجلهم وفي نهاية المطاف لم تجد التعويض التي كانت تنتظره ويرضيها، قلق خليل على صوت نحيبها فأعدل من وضعه ثم أضاء المصباح من جانبه والتفت إليها في قلق:-
في إيه يا نادرة عتبكي ليه؟
_ مسحت عبراتها براحة يدها وأجابته بصوت متحشرج:-
بفتكر دم ولدي اللي راح هدر ولا أنت ولا ولدك بتوصلوا لحاچة واصل، يا تري مستريح في جبرك يا ولدي ولا عتنازع على روحك اللي منعرفش مين السبب في جتلها، يا حسرتي عليك يا ولدي وعلى شبابك.
_ لم تتوقف عن النواح والندب متعمدة عدم ذكر مصطفى وقربه من ورد فهي على دراية تامة بأن خليل يريد أن تسير علاقتهم على يُمرام بينما أخرج الآخر تنيهدة مكلومة فلقد دعست على وتر حساس للغاية، يشعر بانعدام رجولته وبعدم استحقاقه للقب الأبوة لعدم عثوره عليطى قاتل ولده بعد مضي تلك المدة الطويلة.
_ لم يعقب على حديثها فلا يوجد للرد سبيل في تلك اللحظة كما هرب النوم من عينيه فقرر النهوض ومغادرة الغرفة وعدم مواجهة إيلام نادرة الموجه له بينما لم تتوقف هي عن العويل متحسرة على حالها.
_ في غرفة مصطفى، لم يترك المجال لأفكار ما قبل النوم أن تحضر وتشتت عقله فبدنه بحاجة إلى الراحة لكي يقف صامداً أمام العقبات التي لا تتركه وشأنه.
______________________________________
_ ارتفع ذلك الرنين المزعج الذي يكره سماعه فهو يقطع عليه أجمل مراحل يومه، مع رنينه المتكرر استيقظ بعدما فشل في استعادة سلامه الداخلي والنوم مرةً أخرى، مد يده إلى جواره وأغلقه على مضضٍ.
_ استمع إلي مأذان المساجد وهي تصدح عالياً معلنة عن بداية خطبة الجمعة، انتفض من مكانه وهم بدخول مرحاض غرفته وتوضأ سريعاً ثم انسحب للخارج وبدل جلبابه بأخر أبيض اللون ثم أسرع للخارج بخطى مهرولة لكي يلحق الصلاة قبل بِدأها.
_ قابل والده على باب السرايا فرافقه إلى المسجد لكنه شعر بأن هناك خطبً ما فتقاسيمه جامدة وأسلوبه فظ على الرغم من أنه لم يرد سوى التحية لكنه استشف ضيقه بسهوله فهو جدير بأحوال والده، عزم على سؤاله لكن بعد أدائهما للصلاة التي على وشك البدأ
_ أديا الصلاة في جماعة وانتهوا من التسليم على بعض أهالي البلدة ثم خرج كليهما من المسجد ولم يصبر مصطفيى أكثر فسأله ما أن ابتعدا أقدام عن المسجد:-
مالك يا بوي كانك مهموم حوصل حاچة؟
_ أخرج الاخير تنهيدة مهمومة وصلت إلى أذان مصطفى التي أكدت حدسه بوجود مصيبة كبيرة وأعاد سؤاله متوجساً خيفة:-
خير يا أبوي شكل الموضوع كابير
_ توقف خليل عن السير ونظر إلى مكانٍ ما وعبراته تتلألأ في عينيه مهددة بالنزول لكنه تماسك قدر المستطاع، صوب مصطفى بصره على الجهة التي ينظر إليها والده فإذا به مكان الحادث يظهر من على مقربة منهم، أصدر هو الآخر تنيهدة موجوعة وهي يعيد مشهد هلال وهو ينازع الألم إلى أن سرقه الموت منهم.
_ أنتبه على صوت والده المتحشرج:-
خوك مات أهنكه وإحنا واجفين محلك سر معارفنيش نرجعوله حجه، أني مستاهلش أكون بوه مستاهلش اكون أي حاچة واصل!!
_ كلماته كانت كالذي يطعن في صدره بخنجر ذو سن حاد، لم يكن أمامه سوى مواسته فإنهما لا يمتلكَ سوي مأزرة بعضهما البعض إلى أن يجد جديد في قضية قاتل هلال، اقترب منه مصطفى وربت على ظهره مواسياً إياه:-
هون على حالك يا بوي إن معطرناش عليه اليوم هنعطر عليه بكرة

 

 

_ حرك خليل رأسه بقلة حيلة ثم سارا معاً عائدين إلي السرايا، قرع مصطفى الجرس ففتحت له صفاء بعبوس، انقضت عليه ما إن رأته أمامها كأنها كانت في انتظاره حيث قالت متلهفة:-
إلحج يا سي مصطفى ورد رايدة تهمل السرايا وأني مجدراش أمنعها.
_ قطب مصطفى جبينه بغرابة ووجه بصره على تلك المتمردة التي تقف ممسكة بحقيبتها حاسمة أمرها على المغادرة، اقترب بخطاه منها متسائلاً في حيرة من أمرها:-
واخدة شنطتك وعلى فين أكده من غير إذني؟
_ قلبت عينيها كما إلتوى ثغرها للجانب بتهكم ورددت ساخرة:-
بعد عني الله يرضيك أني منجصاش مجلسة على المسا
_ استشاط مصطفى غضباً من أسلوبها الساخر وصاح بإنفعال:-
مين اللي عيتمجلس على مين دلوك؟ واظبطي أكده وأنتِ عتتحدتي معايا
_ تأففت ورد متذمرة وهتفت بنفاذ صبر:-
ماشي يا سيدي بعد عني بجا خليني أمشي
_ تدخل العمدة في تلك الأثناء بسؤاله حين رآي إصرارها علي المغادرة ناهيك عن لهجتها المريبة التي تحادث بها مصطفى:-
مالك بس يابتي إيه اللي حوصل عاد عشان تهملي السرايا، يعني هو يتعدل أنتِ تتمردي!
_ أوصدت ورد عينيها لبرهة في محاولة استعادة سلامها النفسي فلابد من محادثة حماها بذوق وأدب، ازفرت أنفاسها ثم رفعت رأسها بعزة نفس و أجابته بثبات:-
معاودة دار أبوي أني جوزي مات الله يرحمه وجعدتي إهنه ملهاش عازة
_ فغر خليل فاهه بصدمة من وراء حديثها، لم يستوعب عقله ما قالته بسهولة، حل الصمت لوقت قبل أن يواصل خليل حديثه محاولاً إيفاقتها:-
واللي جدامك ديه يابتي معيجبكش ولا إيه، كيف يعني ممعتبرهوش چوزك؟
_ شدت ورد بقبضتها على حقيبتها وبعبوس ونبرة باردة أردفت:-
هو اللي ممعتبرنيش مرته وجالها كاتير وأني مهجدرش على العيشة اللي مش عيشة ديي، وكيف ماهو مراضيش بيا أني كماني مرضيهوش في حياتي بكفياني جلة جيمة من وجت ما عتبت السجن ديه.
_ رمقها خليل بذهولٍ لتسميتها للمنزل بالسجن، استشفت هي سكوته المذهول وتابعت موضحة بنبرة قوية:-
إيوة يا عمدة السرايا ديي سجن بالنسبة لي معارفاش اتحرر منه ولا عارفاش الإفراج هيبجي ميتي، دخلته وأني جوايا أمل مات واندفن مع موت هلال، جعدت بين أربع جدران مههملهمش واصل لما كانوا بيضيجوا كل يوم عليا اكتر عن اليوم اللي جبليه، جطعت الوكل والشرب والكلام وجضيت شهور العدة وأني بجسد هزيل وروح ميتة، الأمل اتتجدد تاني وجولت خلاص حكم الإفراج صدر وهيتنفذ جومت جيت أنت يا عمدة وأجبرتني أعاود من تاني لسجني جولت وماله هانت بردك، وبعدها فاجئتنا بطلب يدي للمحروس ولدك اللي جولت أكيد ده عوض ربنا ليا ورضيت وجدران السجن اتهدمت وأتبني مكانها جدران جاديدة رسمت عليها صورة ولدك اللي اختفت أول ما رماني وجالي أنه مشايفنيش غير مرت خوه، بدأت أول حيطة تجع وست نادرة بتتشفي فيا من ورا عملة ولدها، والحيطة التانية انهدمت لما أمي سافرت وبجيت لحالي وباجي الحيطان اتهدموا جبل اليوم لما ولدك رفضني تاني.
_ صمتت ورد وقهقت بتهكم وأضافت ساخرة:-
أو تالت ورابع ممتذكراش
_ رفعت بصرها عليهم وشدت علي قبضتها الصغيرة حول حقيبتها وأردفت بتحدٍ:-
معتش حدايا حديت أجوله عن اذنكم..

 

 

_ تقدمت نحو مصطفى فكان الأقرب إليها ومرت بجواره دون أن تلتفت له لكنه أبي ذهابها وأوقفها برجعوه للخلف وشكل أمامها حاجزاً يمنعها من إكمال طريقها للخارج، حاول سحب حقيبتها من بين قبضتها لكنها شدت عليها بكل ما أوتيت من قوة لكي لا يأخذها، رفعت زرقاوتيها في سودوتاه وهتفت بحنق:-
سيبني لحالي وروح لحالك بجا مش ديه اللي أنتِ رايده وأني هريحك مني وهرتاح منيك بردك!
_ بقوته التي فرضها على قوتها الضعيفة نجح في إلتقاط الحقيبة من بين يدها وألقاها بعيداً وقال بأمر موجهاً حديثه إلى صفاء:-
رجعيها الاوضة تاني
_ أماءت له صفاء بطاعة بينما أسرعت ورد لتستعيد حقيبتها لكنه شد على ذراعها حتى يمنعها من الوصول إليها، انحنى عليها وهمس لها بجمود:-
همي جدامي رايد اتحدت معاكي
_ أعادت النظر إليه باحتقار ورددت معنفة إياه بتجهم:-
مريداش اسمع منيك حاچة واصل بكفياك اللي جولته واللي حسستني بيه
_ حسناً لن تليق الحُسنة معها ولن تجدي نفعاً مع عنادها في تلك الأثناء، فرض مصطفى قوته عليها للمرة الثانية وانحنى عليها وقام بحملها لتتفاجئ هي بتصرفه المتهور ولم تكف عن ضرب الهواء بقدميها مرددة:-
نزلني، بجولك نزلني
_ لم يكترث لها واستدار بجسده متوجهاً نحو باب السرايا فصرخت هي بحياء:-
رايح بيا على فين علي حالتي ديي جدام الخلج، نزلني يا مصطفى
_ تفاجئت ورد بحدتي رجال الغفر يرمقانها وهم يتبسمون على حالها، تباً لذلك العنيد الذي لا يكترث لمظهرها أمام الجميع، لم يكن أمامها سوى تخبئة ذاتها من أعين المتطفلين بسكونها داخل صدر مصطفى، أخفت وجهها في كتفه وتابعت إيلامه:-
منك لله يا مصطفي على حطتي في الوضع ديه..
_ لم يعقب على قولها بل ترك نفسه يستمتع لذلك الوضع المحبب لقلبه، سكونها بين ذراعيه كان بمثابة سلاح قوي ضعفت قوته أمامه، لقد ظن لوهلة أنه يشعر بصدى قوة نبضاتها داخل صدره.
_ تبخرت مشاعره الجميلة لوضعها في مقعد السيارة الأمامي، أغلق الباب ومن ثم أكد توصيده بضغطه على زر ما في مفتاح سيارته، التف هو للجانب واستقل خلف مقوده ثم دعس بقدمه على المحرك وتحرك مبتعداً عن السرايا.
_ لم تكف هي عن الأسئلة منذ إجباره لها بركوب السيارة:-
جولي إحنا رايحين على فين، انطج ورد عليا متسبنيش أكلم في روحي أكده
_ لم يرد عليها فهو لا يعلم ماهي وجهته، يسير بالسيارة على أمل يرادوه مكانٍ ما يذهبان إليه، بعد مدة صف سيارته أمام مكانه الخاص الذي يأتيه كل يوم جمعة من كل أسبوع وكذلك الأوقات التي لا تساعه الأماكن فيها فهذا المكان يربت على قلبه بحنان ولا يسمح بمغادرته قبل امتصاص كل همومه وتحولها إلى سلام داخلي يساعده على الاستمرارية.
_ ترجل من السيارة وتوجه إلى تلك العنيدة التي رأى فيها عناده الذي يشبهها تماماً، فتح لها الباب وأردف بهدوء:-
انزلي..
_ نفخت ورد متذمرة وعقدت ذراعيها بتمرد:-
منزلاش جبل ما أعرف احنا فين وليه؟
_ تأفف مصطفى بصوت مسموع فلقد بلغ ذروة تحمله على سخافتها التي لا تنتهي وصاح عالياً:-
انزلي لاول وأنتِ تعرفي جايين إهنه ليه
_ رمقته بطرف عينيها ثم عاودت النظر أمامها بعناد طاغي عليها، حرك مصطفى رأسه بعدة إيماءات وهو يكز عليى أسنانه بعصبية ثم انحنى بجسده عليها قاصداً حملها فأسرعت هي بالصراخ في وجهه قائلة:-
هنزل لحالي بعد عني
_ رفع مصطفى بصره عليها وهو داخل السياره فاستشفت هي غضبه من تقاسيمه التي تهدد بالانفجار بها، ازدردت ريقها خوفاً من حدتيه التي يطالعها بهما وحاولت الفرار منه بقولها:-
رايدة أنزل هتفضل تبحلج لي كاتير؟

 

 

_ بهدوءٍ أخرج مصطفى نفسه من السيارة وأولاها ظهره وتقدم للأمام دون أن يلتفت ومع شعوره بترجلها من السيارة ضغط على زر في مفتاحه أوصد به السيارة بالكامل للأمان وواصل سيره في صمت.
_ سارت خلفه وهي تتفحص المكان بزرقاوتاها جيداً متعجبة من وجودها في طوالة الخيل، وصلت للداخل ووقفت تتابع مصطفى وهو يملس بنعومة على أحد الخيول السوداء ذات اللمعة المضيئة والشعر الكثيف الذي يتطاير مع نسمات الهواء.
_ تابعت ما يفعله باهتمام واضح فعلى ما يبدو أنه عاشق للخيل وتلك هي خاصته فاهتمامه بها زائد عن بقية الخيول، تنهدت بصوت عالٍ لكي تجذب انتباهه وأردفت بتهكم:-
جايين إهنه عشان توكل حصانك؟
_ لم يلتفت إليها مصطفيى بتلك السرعة التي توقعتها بل تابع اطعام الخيل في هدوء وما أن انتهى من اطعامه بالكامل سار نحو بئر يتوسط الطوالة وغسل يديه جيداً ثم عاد إليها
_ أحضر لها مقعداً خشبي قديم لكنه أفضل حال مما أحضره لذاته، أعتلى مقعده ثم أمرها بالجلوس قائلاً:-
اجعدي.
_ لم ترضي أسلوبه الأمر لها فأعاد مصطفيى حديثه مازحاً:-
جعمزي يابه
_ استشاطت ورد غيظا من بروده ولم تلبي أمره، أوصد مصطفى عينيه لثوانٍ قبل أن يردف بنفاذ صبر:-
أباه عليكي من ميتي وأنتِ بتعندي ويايا إكده؟
_ رفعت ورد إحدى حاجبيها وأجابته بلهجة سريعة حادة :-
ممتحملنيش ساعة وأني شوفت منيك اللي أكتر من أكده!
_ نظر مصطفى في الفراغ جواره وهو يحك مؤخرة رأسه بعصبية فلقد نفذ صبره ولم يعد لديه ذرة تحمل لسخافة أخرى ستصدرها هي، شعر بتحركها فأعاد النظر إليها فاذا جلست وأخيراً حمداً لله
_ جلست أعلى المقعد وانتظرت بِدأُه للحديث، بعد برهة لم يطيل عنها بدأ حديثه بنبرة هادئة لا تشبهه:-
أني خابر زين أنك متستاهليش كل اللي بيصدر مني وأنك ضحية في العلاقة ديي بس أني كمان ضحية كيفك تمام، أبوي أجبرني على جوزاتي منك وأني مرايدش
_ تفاجئت ورد بحديثه الذي أحاطها بسور خجل شديد، صاحت معارضة حديثه بإزدراء:-
وانت لساك صغير عاد عشان تتجبر على حاجة كيف ديي؟
_ سحب شهيقاً وأخرجه بتمهل وقال متوسلاً:-
اسمعيني للآخر ومتجاطعنيش تاني
_ هدأت ورد من روعها سامحه له بمواصلة ما يريد قوله فتابع هو ما يدور في عقله:-
أني كيف أي شاب رايد واحدة على كيفي أني اللي اختارها اكون شايفها وراضي بها شكلاً وموضوعاً، مش أي واحدة والسلام ومتتكشفش عليا غير ليلة دخلتي عليها كيف البطيخ اللي بنتفاجئ بيه بعد ما نكون اشترناه ومينفعش نعاوده تاني، أني كنت رافض عُرف عيلتنا لحد ما أبوي جبرني على الجوازة اللي معارفش لدلوك ليه أجبرني، أسبابه كانت وضيعة متتصدجش جالي إنك أمانة أخوي ميعريفش إن بلي جاله ديه بني حاجز بيني وبينك حتى لو كان فيه أمل أني أرضي بالجوازة!،
بجيت شايف هلال جدامي مطرح ما أشوفك، وجت ما الحرب اللي جواتي تبتدي تهدي هبابة حديت أبوي يتردد جوا مخي والجيامة تجوم والحرب تبتدي من تاني
_ حمحم مصطفى ليتخلص من تجمع البلغم في حلقه لكي يواصل حديثه دون عائق:-
كل حاجة تشعلل جوايا وناري مهتهداش واصل كل ما افتكر إني مكنتش رايد جوازتي تتم بالشكل ديه، أجل حجوجي كنت اختارت اللي عحبها وأكمل معاها بجيت عمري، كنت اختارت واحدة اتخجلت لمصطفى الجبلاوي ملمسهاش راجل غيري، جلبها ممالش لغير جلبي، كل دول اتبخروا مع جبر أبوي للجوازة ، رايدة مني أعاملك كيف؟
_ مالت ورد للأمام قليلاً بعد أن صغت إلى كلماته بعناية، وضعت كلتى يديها أمام وجهها في محاولة بائسة في البكاء لكن تلك أيضاً فشلت بها ولم تجدر بفعلها كسابق أيامها

 

 

_ أين البكاء الذي كانت تتسابق عبراته في النزول، أين المفر التي تلجئ إليه الأن؟ فصدرها يطبق على رئتيها ويحشر أنفاسها بداخلها ولا يود الإقلاع عنها لتسعيد روعها المضطرب
_ أزاحت يديها عن وجهها ورمقته لبعض الوقت وأردفت بنبرة محتقنة:-
اني مخنوجة جوي معرفاش حتى أطلع البكا يهدى من خنجتي ديي
_ وضعت يدها اليُمني على صدرها الأيسر ورددت بأنفاس لاهثة:-
إهنه واجعني جوي، صدري هيطبق عليا معارفاش اتنفس زين
_ نهض مصطفى من مقعده واقترب منها، مد لها يدها فرفعت بصرها عليه بغرابة من أمره متسائلة في فضول:-
في إيه؟
_ بثباتٍ قال:-
تعالي معايا
_ طالعت سودتاه لثوانٍ قبل أن تمد له يدها، شعور قوي داخلها حثها على الرحيل معه دون سؤاله عن وجهتهم، سارت بجواره وعلقت عينيها على يدها التي اختفت تماماً بين قبضتيه الغليظة، شعور السكون قد أحست به حينها لا علم لها من أين أتى تحديداً لكنها ليست مزعوجة من الأمر.
_ اقترب بها مصطفى من جواده الحبيب، رفع يدها برفق لألى تتأذى ورد منه لكونها دخيلة لا يعرفها جواده وملس بيدها على ظهره بنعومه، لم ترفض ورد ما يفعله بل كانت ساكنة وراضخة لما يفعله إلى أن وضع يدها على وجه الحصان فنفرت هي متوجسة خيفة منه وازدادت رعباً حين صغت إلى صهيل الحصان مع رفعه لأقدامه الأمامية
_ حاول مصطفى تهدئة روع الجواد وطمئنته بوجوده، ثم مد ذراعه باتجاه ورد وأردف بلطف:-
تعالي متخافيش
_ أماءت له برفض تام موضحة سبب خوفها:-
لاه أني خايفة منيه
_ ردد ببعض الكلمات التي تطمأنها منه:-
مُهرة طيبة ومعتأذيش بس هي مش واخدة على حد غيري عشان إكده كنت بمشي يدك عليها عشان تعرفك بس لما أنتِ خوفتي منيها هي خافت منك وعِملت اللي عملته
_ أحبت ورد التحدث معه أكثر فلم تحظى بحوارٍ ثمين معه هكذا من قبل، تنهدت وأردفت متسائلة:-
شكلك بتحب الخيل!
_ رد عليها مصطفى تلقائياً دون تفكير:-
دول عشجي وخصوصاً مُهره لأنها من أحسن سُلالات الخيول من سلالة مورجان والسلالة ديي كيف ما أنتِ شايفة أكده جميلة وجسمها متناسق وعنديها بِنية جوية وضخمة
_ أعاد مصطفى مد يده لها ما أن انتهى من حديثه محاولاً طمئنتها:-
تعالي وملسي عليها براحة وهي مش هتأذيكي، متخافيش أني موجود

 

 

_ لن تنكر أن وجوده بث فيها الطمأنينة وسكنت قلبها، توجهت نحوه وأمسكت في يده فرجف جسدها بقوة استشفها مصطفى، أوقفها أمام الحصان ووقف خلفها حتى يعتادها الجواد، رفع ذراعها ووضعه على مُهرة بحذر ثم سحب يده ما أن شعر باعتياد ورد على الحصان دون خوف لكنه لم يبتعد عنها بل ظل واقفاً ملاصقاً لظهرها ليمنع حدوث أي خطر قد يصيبها.
_ اعتادت ورد على ملامسه الجواد حتى شعرت بالراحة في ذلك لكنها شعرت بالذعر ما أن ابتعد عنها مصطفى الذي أسرع بتوضيح سبب ابتعاده:-
متخافيش أني هجيب له وكل
_ أحضر له بعض الأطعمة الخاصة به وعاد إلى ورد ليطعموه معاً، شعر مصطفى بصدا تنهيدتها التي خرجت لتوها فسألها باهتمام:-
مالك عاد؟
_ أجابته بشعور من الإختناق مختصرة:-
رايدة أصرخ بعلو حسي يمكن أرتاح
”غالي والطلب راخيص”
_ هتف بهم مصطفى فافترضت أنه يسخر منها، التفتت له وهي ترفع وشاحها عن وجهها لكي توبخه لكن سودتاه قد لمعي ما أن تقابلا مع زرقاوتاها فانعقد لسانها ولم تعرف للحديث سبيل.
_ صمت قد حل بينهما لم يتجرأ أحدهم على قطعه فاللحظة فريدة من نوعها وخلقت منها مشاعر جديدة داخلهما.
_ ابتعد عنها مصطفى ثم فتح الباب لجواده وأخرجه من طواله ومد له يدها مردفاً:-
تعالي
_ عقدت ما بين حاجبيها بغرابة وصاحت متسائلة:-
أجي فين؟
_ أجابها بنبرته الرخيمة:-
هنركبوا الحصان
_ اتسعت حدقتي ورد بذهول ورددت برفض تام:-
لاه لاه
_ ترك مصطفى جواده وتوجه إليها، أمسك بيدها وأردف ببعض الكلمات مشجعاً إياها ولكي يطمئنها أيضاً:-
تجربة مهتندميش عليها واصل وأني معاكي متخافيشي
_ ابتلعت ريقها وهي ترى وميض عينيه اللامع منتظراً ثقتها فيه بفروغ صبر، مدت يدها لتملئ أناملها فراغ يده وكأنها خلقت هي لتملئ تلك الفراغات، سارت بجواره إلى الحصان ثم تأكد من مُتن الرِكاب وهي حلقة من حديد جهتها السفلى مفلطحة معلقة بالسرج يضع فيها الفارس قدميه لكي يظل مثبتاً وهو يمتطي جواده، أشار لها مصطفى على الِركاب حين تأكد من متانته:-
حطي رجلك إهنه واطلعي
_ فعلت هي ما قاله لكنها لم تثبت قدمها جيداً فانزلقت من على الرِكاب وكادت أن ترتطم بالأرض إلا أن لقفها مصطفى بذراعه قبل أن تلمس الأرض، أعادها بحركة سريعة إليه فباتت هي أسيرة ذراعيه
_ انتبه مصطفى على ضحكاتها التي صدرت من أسفل وشاحها، انعقد حاجبيه عفوياً على ضحكاتها المبهمة وسألها بنبرة متحشرجة:-

 

 

بتضحكي على إيه؟
_ تراجعت للخلف وهي تجيبه من بين ضحكاتها:-
ديي علامة أني منفعش أركب أحصنه يدوب اتفرج عليهم من باعيد
_ حرك رأسه رافضاً ما يدور حول كلماتها مردداً بإصرار:-
لاه هتركبيه يلا حاولي تاني بس ثبتي رجلك كويس على الرِكاب وامسكي في الحزام اللي فوج وأنتِ هتعرفي تطلعي
_ أخرجت ورد زفيراً مرهقاً ثم أعادت تكرار فعلتها إلى أن نجحت بعد المرة الثالثة، ظهرت ابتسامة لم تتعدي شفتي مصطفى حين امتطت ظهر الجواد أخيراً ولم يأخذ ركوبه ثوانٍ حتى امتطاه هو الآخر.
_ أمسك باللجام الجلدي بقوة وقبل أن يسير به أكد عليها:-
امسكي فيا زين
_ حاوطته ورد بذراعها جيداً ومالت برأسها على ظهره محتمية فيه من تلك التجربة الجديدة التي تخشاها
_ شهيقاً وزفيراً فعل مصطفى فتلك المرة الأولى لمشاركته أحدهم الركوب على الخيل، لكن ليست كأي شخص أنها ورد من تحتضنه بقوة وتحتمي به.
_ أمر جواده بالسير هادئاً ثم بدأ الخيل في الركض ببطئ ثم متوسط وأخيراً بسرعة فائقة خشتها ورد وشدت من تمسكها في مصطفى خوفاً من سرعته المفاجئة، مال مصطفى برأسه للجانب وهتف عالياً:-
جت لك الفرصة صرخي وطلعي كل اللي جواكي
_ قطبت ورد جبينها متعجبة منه فهي ظنت أنه يسخر منها لم يكن في مخيلتها أنه جدي في تلك المسألة، ابتعدت عنه قليلاً لكنها مازالت محاوطة إياه بذراعيها، تفحصت المكان من حولها، شعرت بالراحة لخلوه ثم أوصدت جفنيها وبأعلى نبرةٍ تمتلكها حنجرتها صرخت وصرخت
لم تكف عن الصراخ لمدة طالت ما يقرب العشر دقائق إلى أن فقدت صوتها بالكامل وباتت حنجرتها هزيلة لا تقدر على التحدث بقوتها السابقة.
_ أوقف مصطفي الخيل وترجل منه ثم ساعد ورد على الترجل، أعاد مُهرة إلى منزلها وعاد بأدراجه إلى ورد وسألها في فضول:-
ها بجيتي زينة ولا لساتك كيف ما كنتي؟
_ حركت رأسها بإيماءة خفيفة وأجابته بنبرة خافتة ضعيفة:-
بجيت أحسن كاتير ارتحت جوي
_ فوجئ مصطفى ببحة صوتها التي يستطيع بالكاد سماعها، حرك رأسه باستنكار وأردف معاتباً بلُطف:-
أني جولت لك صرخي بس مش للدرجة دي صوتك اختفي خالص
_ سحبت ورد بعض النسمات العليلة الذي شعرت بدفئهم وعادت ببصرها عليه متسائلة:-
لساك معتبرني مرت خوك؟
_ رمش مصطفى بأهدابه مرات تليها مرات أخرى يفكر فيما يجيبه عليها وبنبرة رخيمة قال:-
لساتك رايدة تهملي السرايا؟
_ أخفضت رأسها في حيرة من أمرها فإجابته عليها هي من ستحدد بقائها أم ذهابها لكنه دوماً يتركها تتخبط بين أفكارها اللعينة التي لا تأتي بفكرةٍ في آخرهم، جذب مصطفي انتباهها بقوله:-
لو جولت لك متهمليش السرايا هتمشي بردك؟
_ علقت بصرها على سودتاه بامتنان لـ لُطفه الذي حل به تعقيدات أفكارها، أخرجت تنهيدة ولازالت مثبتة زرقاوتيها عليه وبرقة وحياء تحدثت:-
لاه مهمشيش!!

 

 

_ إلتوى ثغره ببسمة سعيدة لقرارها التي أخذته من أجل خاطره على الرغم من رفضها للبقاء في السرايا معهم، مد لها يده للمرة التي لا تعلم كم اليوم لتحتضن هي يده بدون تفكير ثم عادا بأدراجهم إلى السيارة التي أوصلتهم بعد مدة ليست بطويلة إلى السرايا.
_ ولجوا للداخل وهم متشابكين الأيدي، تعمد مصطفى دخولهم بهذا المظهر الذي يليق بأزواج جُدد، قابلتهم السيدة نادرة على باب السيارة وبيدها حقيبة ورد التي تناولتها من صفاء من أجل المغادرة التي لم تتم وألقتها في وجه ورد التي صعقت من فعلتها كذلك مصطفى لم يكن أقل منها صدمة!
_ بجبروتٍ وقامة شامخة هدرت بها شزراً:-
لو عندك كرامة مع اني أشك غوري من إهنه ومتوريناش خلجتك ديي تاني!!
_ تتلقى صفعات متتالية تنسدل على قلبها التي ينفطر ألماً بسبب كلماتها المؤذية، سحبت يدها من بين قبضتي مصطفى وانحنت على حقيبتها لَقِفتها ثم أولاتهم ظهرها تريد المغادرة، إلى هنا ويكفي إلى هذا الحد.
_ لحق بها مصطفى بترديده لكلماتها التي قالتها قبل عدة دقائق:-
أنتِ جولتي مهتمشيش..
_ برزت عروق السيدة نادرة واستشاطت غيظاً من تمسكه بها وصاحت به بإنفعال:-
هملها تمشي من إهنه وتعاود مطرح ما جت
_ شد مصطفى على يد ورد وأجبرها على الإلتفاف والوقوف إلى جواره وأفصح بكل ثبات وشموخ:-
ورد مرتي ومطرحي هو مطرحها وكيف ما أكون تكون هي ولو هي مشت صدجيني همشي جبلها!!
_ اتسعت مقلتي نادرة بصدمة ممتزجة بالذهول الشديد فلم يستوعب عقلها ما أفصح به ولدها، لقد وقف أمامها يصرح بأنها زوجته لطالما خشيت حدوث ذلك، ها هي تتجسد مخاوفها وتخرج للنور بدون وجه حق، لن ترضخ لهذا الوضع الذي تأباه كل جوارحها، ستنهي تلك السخافة حالاً لكن أين يذهب بها ذلك الغبي.
_ تحرك مصطفى برفقة ورد مبتعداً عنها وصعدا سوياً إلى الطابق العلوي قبل أن تردف بقية الحديث، تأججت النيران داخل قلبها وهي تراه يرافقها إلى غرفتها التي باتت فيها وحيدة لمدة، لم تستطع السيطرة على غضبها الذي كان من نصيب خادماتها.
_ أوصد مصطفى الباب بقدمه وسار بورد نحو الفراش ثم أجلسها على طرفه وجلس إلى جوارها، انهارت قوة ورد تماماً وضعفت نفسها فلم يعد للتماسك مجال الأن، جهشت بالبكاء الشديد وكلمات نادرة لا تقتلع من عقلها.
_ لم يتحمل مصطفى بكائها الذي مزق قلبه إلى أشلاء، فعلي ما يبدو أنها أسرت قلبه وتمكنت من عقله فألمه الذي يشعر به بمثابة دليل قاطع أنها تربعت على عرش قلبه!!
_ حاوط ظهرها بذراعه وضمها بهدوءٍ إلى صدره وكأن الوقت يمشي بالتصوير البطيء، شد على ظهرها بقوة لتستكين أكثر بين أضلعه، شهقاتها التي يتردد صداها بقرب قلبه تزيد من ضيقه، لم يستطع التحمل لأكثر وأردف بتوسل:-
بكفياكي بُكا عاد يا ورد
_ رفع رأسها بسبابته لينظر إلى زرقاوتيها التي انطفئ وميضهم من كثرة عبرات عينيها التي تهبط بغزاره وهمس بتريث:-
مرت مصطفى خليل الجبلاوي متبكيش واصل، اوعديني أن مفيش دمعة تنزل من عنيكي طول ما أني عايش علي وش الدنيا.
_ مسحت ورد بأناملها أنفها وأردفت بتلعثم:-
ديه وعد كابير جوي أني مهجدرش أوعدك بيه
_ سحب نفساً عميقاً وأصر على أخذ وعده منها:-
لاه رايد منك الوعد وتكوني كده، وأني طول مافيا النفس مهسمحش لأيتها حاچة تبكيكي
_ تقوس ثغرها بتهكم ورددت ساخرة:-
كان الحديت ديه كابير جوي، فيه حاجات مش بيدنا نعملوها!
_ رمقها بطرف عينيه وهتف مستاءً:-
يبجي متعرفيش مين هو مصطفى عاد، أني كلمتي واحدة عمري ما خالفت حديتي واصل، يلا إوعديني وخليكي واثقة فيا هبابة أنتِ متجوزة مصطفى الجبلاوي يا ورد
_ سألته للتأكيد بنبرةِ رقيقة:-
اعتبرتني مرتك صوح؟

 

 

_ سمح ليده في التسلل خلف أذنها حيث مرر أنامله عليها بنعومة بالغة، مالت ورد بحنان على قبضته التي سببت لجسدها القشعريرة، أوصدت عينيها تستمتع بتلك اللحظ الثمينة لربما لن تتكرر مرة أخري
_ دنى منها مصطفى وأسند جبينه على جبينها وأجاب على سؤالها بثبات:-
اعتبرتك مرتي من أول لحظة شوفتك فيها يا ورد من جبل ما أعرف ان اللي شوفتها في المطبخ ديي نفسها انتي!!
_ اتضح لورد مدى رومانسيته التي لم تتخيله عليها قط ، حسناً ربما يجدر عليها الإعتراف لكونها مازالت تحتفظ بعذريتها..
_ نهضت مبتعدة عنه، فركت أصابع يدها بإرتباك وتوتر فهي في أكثر الأوقات صعوبة، ماذا إن لم يسعد بذلك الخبر؟ ماذا إن كانت ردة فعله عكس توقعاتها ؟ لكنه من أخبرها بتمنيه لملكيته لامرأة خلقت فقط من أجله !!
_ حسمت أمرها على الإعتراف بما تخفيه عنه، استدارت إليه ونظرت إليه لبرهة قبل أن تردف:-
مصطفى أني……
تخيلوا رد مصطف هيكون إيه؟

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عرف صعيدي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى