رواية عرف صعيدي الفصل الأول 1 بقلم تسنيم المرشدي
رواية عرف صعيدي الجزء الأول
رواية عرف صعيدي البارت الأول
رواية عرف صعيدي الحلقة الأولى
( إمتناع )
______________________________________
هل تسمعني؟ هل تكترث لأمري؟
أنا هنا أحتاجك وبشدة، لقد خُلقت من ضلعك،
فأنا المغلوبة على أمري أناديك من ثنايا قلبي،
مُد يدك لتخرجني من تلك البقعة التي إنحدرت داخلها
أصبحت شريك حياتي إذاً فلتحقق لي أهدافي،
لطالما حلمت بالحرية أنت كنت ملجئ الوحيد
ها أنا أمامك الأن فهل سنغدوا سوياً إن أمنت لي حقوقي؟
***
_ صدحت أصوات الزغاريد عالياً في أرجاء السرايا، تعالت هتافات الشباب وازدادت المباركات مهللين بسعادة
_ يتوسط أدراج سُلم السرايا شاب في مقتبل العشرين من عمره يرتدي جلباب صعيدي ناصع البياض يعلوه عباءة سوداء، يلوح بيده إلى أقاربه وأصدقائه وباليد الأخرى يحتضن يد عروسه المصُون التي ترتدي فستان زفافها الأبيض لا يظهر منها أي أنش حتى وجهها مغطى بوشاح أبيض
_ إقترب منه أخيه بإبتسامة هامساً في أذنه:-
بجولك إيه اطلع انت على أوضتك العالم ديي مهتمشيش واصل طول ما انت واجف لهم اكده
_ أماء له الآخر موافقاً إياه على إقتراحه، ثم استدار وأولى ظهره للجميع وانطلق على عُشه الجديد مرفرفاً بجناحته إلي حياته الزوجية التي ستبدأ للتو فور غلقه لباب غرفتهم
_ تنفس الصعداء حينما وصل إلى غرفته، لم يعد هناك المزيد وأخيراً سيمتع نظريه برؤية عروسه لطلاما تمنى رؤيتها بفروغ صبر
_ خلع عبائته ووضعها أعلى الأريكة المجاورة له وأقترب بخطاه نحو تلك الهادئة التي لا يصدر منها أي صوت، تقوس ثغره بإبتسامة حماسية لأنه لم يعد يستطيع الإنتظار، رفع يده وأزاح ذلك الوشاح ليُفأجئ بزرقاوتاها تحملق به
_ إتسع ثغره بإبتسامة عريضة حينما وقع بصره علي شفتيها الوردية المنتفخة وردد مبدي إعجابه بجمال خلقتها:-
‘بيضاء تكحلت سلبت النظر، وخديها الوردي سبحان الذي خلج’
_ لم يصدر منها أي ردة فعل إلى الأن، حسناً ربما منعها حيائها ، رفع يده وتحسس وجهها الناعم بأنامله قائلاً:-
طلعتي كيف الجمر أحلى ما توقعت كماني، يابختي بيكي
_ تفاجئ بنفورها منه وتراجعها للخلف رافعة سبابتها في وجهه معنفة إياه:-
إياك تفكر تجرب مني وإلا هموت نفسي وأجيب لك مصيبة
_ إتسعت مقلتيه بصدمة جلية تشكلت على تقاسيمه من خلف تحذيراتها، حاول أن يتحلي بالصبر معللاً سبب ذعرها:-
متخافيشي أنا لا يمكن أمسك بسوء، أكيد طبعاً إنتِ كيف البنتة خايفة في ليلة زي ديي بس أني مبخوفش صدجيني
_ إقترب منها محاولاً طمئنتها لكنها تراجعت بخطوات أسرع حتى لا يصل إليها محذرة إياه:-
جولتلك متجرِبش مني، خليك عِندك يا “هلال”
_ كز الآخر على أسنانه بغضب بدي على ملامحه وإندفع فيها عندما لم يتحمل تحذيراتها التي ليست في أوقاتها الأن:-
بجولك إيه النهاردة دخلتنا مستوعبة إنتِ يعني ايه؟ بكفياكي عاد الخبل اللي في مخك ديه وإهدي إكده عشان مطربجش حيطان الأوضة ديي عليكي
_ صُعق “هلال” حينما رآها تسحب سكين من داخل فستانها، رفعته في وجهه ورددت بما يدور في عقلها:-
أني اتچوزتك عشان تچيبلي حجي من عمي، معلوم انت ابن العمدة ويدك طايلة وهتعرِف ترچع لي ورثي من نن عنيه
_ ضرب “هلال” كفه على الآخر بذهول شديد، ليس بحين يسمح فيه سماع تلك الترهات الأن، أعاد تكرار محاولته معها مراراً عليطى أمل أن تستمع له:-
استهدي بالله يا ورد، ورث إيه بس في ليلة كيف الليلة ديي، النهاردة فرحنا يعني أني العريس وإنتِ العروسة وديي بداية علاجتنا يا نمشوها علي كيفنا ونتبسموا لما نفتكروها بعدين يا هتكون ليلة مطينة بطين مهتنسيهاش عمرك كلاته
_ لم تهتز خصلة من “ورد” بل ثبتت أقدامها بالأرض ولم ترفع يدها من أمامه لكي يكون حصن منيع يمنعه من الإقتراب منها
_ أصدر ”هلال” صوتاً بتذمجر:-
يا صبر أيوب، إعجلي يابت الناس وفوتي الليلة على خير
_ هزت “ورد” رأسها برفض وأجابته بإصرار:-
مههداشي جبل ما تاخدلي ورثي اللي عمي نهبوا مني وعيجول أنه مهيورثش بِنِتة
_ أزفر الآخر أنفاسه بضجر واضح وأردف بإندفاع :-
أنا مليش صالح عاد بعمك يا ورد انتوا أهل وتصطفلوا مع بعضيكم اني مهدخلش بيناتكم
_ رمقته “ورد” شزراً محاولة التقليل من شأنه:-
وأني اللي جولت ضل راجل ولا ضل..
_ سخرت منه مقهقهة وتابعت حديثها مضيفة:-
ديي الحيطة طلعت ليها جيمة عنيك
_ ألقى “هلال” بحديثه مختصراً:-
يعني ديه أخر حديت عندك يا بت الناس؟
_ أماءت له مؤكدة سؤاله:-
رجوعك لورثي جصاد جربك مني!
_ حرك “هلال” رأسه يميناً ويساراً لاستيعابه حقيقة الأمر الأن، انسحب خارج الغرفة معلناً نهاية الحديث معها ، توقفت قدميه حينما سمع نداء والدته:-
أباه! إيه اللي مخرجك في وجت كيف ديه يا ولدي وليه لساتك مبدلتش خلجاتك؟
_ أخذ “هلال” شهيقاً وأخرجه ببطئ لأنه لم يرتب لتلك المواجهة، نظر إليها محاولاً الهروب من نظراتها التي حتماً سيدلي بما يخفيه في جوفه أمامها
_ عقدت الأخرى ما بين حاجبيها مستفسرة:-
بتفكر عاد هتجولي إيه؟ ما تنطج يواد إيه اللي مخرجك في ساعة كيف ديي؟
_ لم يكن أمامه سوي المواجهة لكن حتماً ليست المواجهة الحقيقة بل المزيفة، شكل إبتسامة على ثغره حتي يطمئنها وأجابها قائلاً:-
مفيش ياست الكل أني نازل أجيب مُية لأن مفيش في الأوضة
_ صوبت عينيها عليه بعدم اقتناع فهي بذاتها من تممت على الطعام والشراب قبل دخولهما الغرفة، مالت برأسها للجانب مرددة بنبرتها الحادة التي يخشاها الجميع:-
بجى مفيش مُية في أوضتك؟ كانك بتستخفلني يا هلال أني بنفسي اللي متممة علي وكلك وشربك جبل ما تدخلوا الاوضة يبجي كيف؟
_ وقف أمامها مطأطأ الرأس، بدي كأنه أبله يبحث عن كلمات ليقنعها بها، فتح فاهه ليبدأ بالحديث الذي لا يعرف له سبيل فأنقذته هي بحديثها:-
بكفياك تفكير عاد وأخرتها مش لاجي حچة تجولها روح شوف انت رايح فين بس متعوجش
_ كلماتها كانت بمثابة طوق نجاته الذي تشبث بهم وفر هارباً من أمامها، بينما نظرت الأخرى علي باب غرفته مرددة:-
عملتي في الواد إيه خلتيه يطفش من أول دجيجة
_ ضربت الأرض بتلك العصا التي تناولتها من زوجها عند عودتهم للغرفة ثم تحركت عائدة إلى غرفتها، وما أن أغلقت الباب خلفها حتى أتاها سؤاله:-
ماله هلال يا نادرة خارج في ساعة كيف ديي ليه ؟
_ إقتربت منه بخطى ثابتة، تركت عصاه الخاصة بجوار الفراش وأجابته وهي تستلقي بجانبه:-
مخابراش بس أني مش همرر الموضوع إكده عادي لازم أعرفوا عملت فيه إيه بنت سنية ووعاك يا خليل توجفني أني مش مچوزاه عشان يتسحب في نصاص الليالي كيف الحرامية ليلة دخلته
_ إستنكر “خليل” حديثها وحرك رأسه بإيماءات تدل علي رفضه التام لتدخلها بينهم وحذرها قائلاً:-
إوعاكِ انتي تدخلي بيناتهم انتي جوزتيه وخلصنا ملكيش صالح عاد بلي يوحصل
_ رمقته بنظرات حادة رافضة ما يؤمرها به وأردفت بهجوم:-
لاه يا خليل لاه أني چوزته صغير عشان يتهني بشبابه مع بت صغيرة وميعملش كيف خوه اللي عنده تشجه بخنجر ولا تجيبله سيرة الچواز، أني اللي وافجت عليها من بين بنتة البلد كلاتهم بعد ما أنت عرفتني عليها يبجي تدلع وتهنن ولدي متخلهوش يهرب منيها ليلة دخلتهم، أني من الصبح بدري هدج بابهم وأطلب المراد، جبهولي كان بيها لجيت في لوع الله في سماه لكون فضحاها في البلد كلاتها
_ ضرب “خليل” كفه على الأخر بغضب شديد قد تملك منه وهدر بها شزراً:-
الله الوكيل لو عملتي أي حاجة تضايج البت لأكون أني بنفسي اللي واجف جصادك البت لساتها صغيرة ويمكن خايفة وانتي داريه صوح ولدك وعمايله أكيد خافت منيه
_ هدرت به متذمرة غير متقبلة إلقائه للحديث عن فلذة كبدها وصغيرها:-
أبني معيخاوفش يا خليل هو عفوي ومش كل اللي يجدر عفويته ديي وهي طلاما وافجت تبجي كنة لعيلة الجبلاوي تبجي تطاطي راسها لابني وإلا أني مش هسكت لها واصل
_ رمقها “خليل” بنظرات مشتعلة وهو يومئ برأسه في حالة ذهول شديد من حديثها الذي فاجئه، هو على دراية تامة عن أولوية حبها لوالديها لكن لم يدري انها بتلك العقلية الصغيرة تجاه من يقف أمام أولادها، لم يكن ليغلق ذلك الحوار قبل أن يضع النقاط على الأحرف وأردف بنبرة متحشرجة:-
يا ولية إهمدي، بوها موصيني عليها جبل ما يموت يبجي نعاملوها بالجسوة دي؟ فين إحترام الوصية ولا نسيتي تجاليدنا يا نادرة عشان خاطر عيون سي هلال!
_ تأففت السيدة “نادرة” بصوت مرتفع مبدية تذمرها كما رفعت إحدي حاجبها بتهكم لحديثه الذي ليس له أساس من الصحة معارضة إياه:-
وصاك كيف بالله عليك وهو كان حتة عامل في أرضك لا فيه جرابة بينا ولا بيناتكم أي حديت سابج؟
_ أجابها وهو يعيد بذاكرته أخر حوار دار بينهم:-
الله يرحمه أخر أيامه كان على طول تعبان ومش جادر يصلب طوله كيف العجوز مع أنه مش كابير في العمر، لاحظت تغيره وسألته إيه اللي غير أحوالك يا صابر رد جالي أنه المرض اللي ما يتسمي ديه اتملك منيه وملوش علاچ ويدوبك أيام جليلة وعمره ينتهي، هو موصانيش مباشر بس حديته كله كان بيستنچد بحد يغيته من أخوه وعمايله، جعد كيف الحريم يولول على حال بته ومرته من بعده، كانه بيقولي خليهم أمانة عنديك يابا خليل وعشان إكده أني طلبت نجوزها لهلال لما لجيتك بدوري له على عروسة
_ قلبت “نادرة” عينيها بعدم إعجاب ورددت مستهتره أهمية حديثه:-
ميهمنيش، كل اللي يهمني عيالي وبس
_ أوصد “خليل” عينيه بنفاذ صبر وأردف بنبرة يريد بها الخلاص من ذلك الحوار العقيم الذي لا فائدة منه :-
أنا عارفك لما تجفلي مخك، جفلة ولا السد العالي لايمكن يتفتح إلا في معاده
_ أولاها ظهره وأغمض عينيه في محاولة منه على النعاس قبل أن تشتعل مشادة قوية بينهم هاتفاً بحنق:-
أهاه وأدي نومة
_ رمقته بغيظ عارم مرسوم علي تقاسميها مستاءة منه:-
نام ياخويا نام
_ أدارت ظهرها هي الأخري له متمتمة بإصرار علي ما نوت فعله:-
بكرة هيظهر المتسخبي
_ أخذت تزفر أنفاسها ببطئ شديد وكانت تلك طريقتها لتنعم بالنوم الهادئ بكل سهولة
***
عقد ما بين حاجبيه متعجباً من وقوف أخيه في ردهة السرايا في تلك الأثناء، لم يتردد في النزول إليه حتماً هناك تفسير منطقي لوجوده خارج غرفته في تلك الليلة المباركة التي ينتظرها العريس بفروغ صبر
‘مالك يا خوي واجف الساعة ديي برا الدار ليه ؟’
_ أردفهم متسائلاً بقلق معانق للإهتمام، أغمض “هلال ” عينيه بضيق فتلك هي ليلته الأولي مع عروسه بالله ماذا يفعل الأن في تلك الردهة التي تطبق علي صدره رغم اتساع مساحتها، أخذ يلهو بحديثه لكي يبعد أخيه عن سؤاله:-
لساك صاحي! غريبة ده أنت بتنام من العشية
ً_ ضيق مقلتيه علي أخيه عندما استشف هروبه من سؤاله، إحترم خصوصيته في عدم إخباره بحقيقة الأمر وأجابه موضحاً:-
بكرة إجازة حلاوة فرحتنا بيك
_ أماء “هلال” رأسه متفهماً وهتف وهو ينوي الرحيل:-
أه جولتلي، طيب تصبح علي خير ياخوي
_ تركه واقفاً بمفرده وعاد للداخل وهو يرمق الطابق العلوي بسودتاه، لا يعي كيفية مواجهة تلك الفتاة العنيدة، شهيق وزفير فعل هو ثم صعد للأعلي غير مستعد لخلق أي حوار بينهما بعد أن منعته من خوض تجربته الأولي معها
_ ولج داخل غرفته متعمد عدم النظر إليها، لكنه فوجئ بعدم وجودها في الغرفة، ازدادت نبضات قلبه خوفاً خشية هروبها فالذي عاشه منذ قليل لن يكون بعيداً لمحاولاتها في الهرب
_ بحث عنها في أرجاء الغرفة ولم يكن أمامه سوي الدخول والبحث عنها في المرحاض ، تنهد ببعض الراحة عندما وجد بابه مغلق من الداخل، إذاً هي من أوصدته، لا يهم الأهم الأن أنها لم تهرب وتفتح أبواب جهنم في وجهه
_ خلع عبائته ومن ثم جلبابه واكتفي ببنطاله الابيض وصدريته الخاصة بالجلباب، استلقي على الفراش واضع ذراعيه أسفل رأسه محملقاً في سقف الغرفة عله يصل إلى فكرة ما تقربه من ذات الزرقاوتين
_ في الخارج
‘محتاچ حاجة يا مصطفي يا ولدي’
_ أردفهم شيخ الغفر متسائلاً بإهتمام ممزوج بالقلق لأنه يعلم جيداً موعد نومه المبكر، استدار إليه “مصطفي” مشكلاً إبتسامة علي ثغره وأجابه:-
لاه يا عسران متشكر أني مش محتاچ حاچة هطلع أنام تصبح علي خير
_ عاد إلى غرفته وأستلقي على فراشه غير أبِه لأي شئ فالغد إجازة من العمل ولن يستيقظ باكراً كعادته
***
سبحان من أشرقت الشمس بقدرته وملئت الأرض بنورها ودفئها، زقزقت العصافير فوق الأشجار معلنة عن نهار أخر يحمل للجميع أقدار جديدة
_ صدح صوتها في أرجاء السرايا تأمر خادمتها لتسرع من حركتها:-
همي يابت يا صفية نطلعوا الفطور وهو سخن إكده
_ خرجت “صفية” من المطبخ حاملة صنية الطعام الذي لا تدري أين بدايتها من نهايتها ملبية أمرها:-
جيت أهو ياستي
_ صعدت “نادرة” درجتين من السُلم قبل أن يناديها زوجها فتوفقت ونظرت إليه في انتظار سماع ما يريده، وقف “خليل” أمام السُلم من الأسفل ورفع نظره نحوها متابعاً حديثه بحدة:-
إنتِ بردك هتعملي اللي على كيفك وتصحيهم، ياست انتي إختشي وحسي على دمك، همليهم لحالهم يصحوا إبراحتهم
_أضاقت مقليتها عليه بغيظ عارم رافضة لحديثه وهتفت مبررة تصرفاتها الغير منطقية:-
أني هوصلهم الوكل وننزلوا طوالي
_ أولاته ظهرها ما إن أنهت جملتها لكي تمنع أي إعتراض ستواجهه منه، وقفت أمام باب الغرفة ولم تتردد في الطرق عليه، كانت تقف كمن يقف علي جمر متقد، لا تطيق الإنتظار تريد الدخول ومعرفة ما حدث ليلة أمس، هل سارت علي النهج المعروف أم هناك أمراً تجهله؟
_ استيقظ “هلال” علي طرقات الباب، مال برأسه إلي الجانبين مصدراً صوت طقطقة عنقه، نهض من مكانه وتوجه إلى الباب مباشرةً، تفاجئ بوجود والدته وخلفها تقف “صفية” حاملة للطعام
_ تعالت الزغاريد في المكان من قِبل “صفية” عندما رأت هلال مهللة بسعادة:-
صباحية مباركة يا عريس
_ لوهلة إستوعب “هلال” فداحة ما اقترفه، فهو لم ينتبه لثيابه الذي بات عليها كما أن الأخري لم تبرح المرحاض منذ البارحة يا لها من ورطة قد أوقع نفسه بها، رمقته “نادرة” بتفحص وأمرت صفية “قائلة”:-
دخلي الوكل يا صفية چوا وهملينا لحالنا
_ أماءت لها بقبول وفعلت ما أمرتها به وهمت بمغادرة الغرفة سريعاً، انتظر “هلال” مغادرة والدته لكنه تفاجئ بعينيها ترمقان الغرفة بتفحص، حمحم ليجذب انتباهها هاتفاً:-
صباح الخير ياما
_ ثبتت أنظارها عليه مُشكلة إبتسامة متهكمة علي ثغرها وأجابته بفتور:-
صباح الخير يا ولدي، فينها عروستك مش ظاهرة ليه؟
_ ابتلع “هلال” لعابه وهرب من نظراتها الثاقبة بدخوله الغرفة ثم قال:-
في الحمام ياما لساتها داخلة وانتوا عتخبطوا مخابرش هتخرج ميتي
_ رفعت “نادرة” إحدى حاجبيها متمتمة بعدم إقتناع:-
ااه جولتلي، لا إبراحتها خالص ديي عروسة بردك ومن حجها تدلع
_ مدت يدها أمامه منتظرة إعطائها المراد التي جائت من أجله، ظهوره سيحدد أسلوب المعاملة مع تلك العروس، هز “هلال” رأسه بعدم فهم عندما نظر إلى يدها الممدودة إليه مستفسراً:-
محتاچة حاچة ياما؟
_ رمقته بطرف عينيها مستاءة من سذاجته، سحبت نفساً وحدثته في أذنه، رُسمت الدهشة تلقائياً على ملامح “هلال” لسماعه تلك الترهات والأدهي أنه لم يخطر على باله قط إذاً ما العمل الأن ؟
_ حاول أن يلهيها ويبعدها عن طلبها بإندفاعه ورفضه للأمر:-
إيه اللي عتطلبيه ديه ياما؟!
_ شهقت “نادرة” بصوت عالٍ ضاربة صدرها بيدها وهدرت به شزراً :-
وااه كانك متعرِفش أعرافنا وتجاليدنا إياك؟ أومال لو مكنتش معجون بتربية البلد ديي كنت هتعملوا ايه؟ نادي على عروستك وانا أطلبو منيها بنفسي طلاما مستحي تطلبه إنت
_ أسرع “هلال” في الرد عليها رافضاً لتلك التقاليد والأعراف المهينة:-
ياما بلاها الطلب دييه البت هتستحي منيكي
_ رمقته “نادرة” لثوانٍ ثم توجهت نحو المرحاض لكي تنهي تلك المسألة بذاتها، ركض خلفها “هلال” يحاول منعها مما تريد الوصول إليه لكن هيهات لإصرار “نادرة” فهي لن تتراجع قبل أن تري المراد رؤيته..
_ تفاجئ كليهما بفتح باب المرحاض وظهور “ورد” من خلفه، تراجع “هلال” للخلف وهو يشير إليها بنظراته التي تحثها على عدم التحدث وإخبار والدته بحقيقة الأمر
_ لم تكترث “ورد” لنظراته ووجهت بصرها الي نادرة مُشكلة إبتسامة ودودة على شفتيها قائلة بلطافة:-
صباح الخير يا ست نادرة
_ بادلتها “نادرة” إبتسامة متهكمة فهي لم تعد تستطيع تحمل تلك السخافات بعد، كانت ستطالبها بما طالبت به هلال لكن ورد فاجئتها بتلك المنشفة الملطخة بالدماء
_ لم تكن “نادرة” من تفاجئت بمفردها بل تفاجئ “هلال” هو الآخر بل وصعق، لمن تعود تلك الدماء إذا لم يحدث بينهما شئ؟!
_ ظل عقله في الذهاب والإياب لعله يصل إلى فكرة جذرية حول تصرف “ورد” لكنه فشل ولم يستطع الوصول إلى أي فكرة
_ اتسع ثغر “نادرة” بإبتسامة عريضة تدل على رضاها الكامل عن العروس الجديدة، أخذت منها المنشفة ودلفت خارج الغرفة مهللة بالزغاريد التي جمعت كل من في السرايا إثرها متسائلين عما يحدث حتى تزغرد سيدة السرايا بذاتها
_ هبطت “نادرة” أمرة شيخ الغفر بحماس شديد:-
أضربوا نار يا شيخ الغفر، سمعوا أهل البلد كلاتهم أن المراد خلاص حوصل
_ أماء لها شيخ الغفر بقبول مردداً:-
أمرك ياستي الحاچة
_ دلف خارج السرايا مهللاً بنبرة مرتفعة حتى يسمعه جميع الرجال المحاوطين للسرايا:-
أضرب نار يا وِلد منك ليه
_ إرتفعت أصوات النيران في الخارج ليبلغوا أهل القرية بإتمام زيجة “هلال” من عروسه، وقفت “نادرة” في منتصف السرايا تتمايل وتتغنج بسعادة واضحة للجميع، كما لم تتوقف الزغاريد منذ هطول السيدة “نادرة” من الأعلى بأمر منها ..
_ وقف “هلال” في شرفة غرفته يطالع ما يحدث باستنكار شديد داخله، فكل ما يحدث ماهو إلا أكذوبة إفتعلتها تلك الفتاة، سحب نفساً داخله وأزفره وهو يعود بأدراجه إليها، وقف أمامها يطالعها بإسيتاء لتصرفها وسألها بنبرة مندفعة:-
ممكن أعرف اتصرفتي كيف؟ طلع منين الدم ديه؟
_ رمقته “ورد” بأعين تتلالأ فيهم العبرات التي تتهدد بالسقوط، إبتعدت عنه وجلست أعلى الفراش ممددة ساقها اليسري أمامها ثم سحبت ثوبها القطني إلى الأعلي حيث تفاجئ “هلال” ببقعة الدماء التي تتوسط منشفة محاوطة فخذها
_ جهشت في البكاء بألم شديد شعرت به ما أن أزاحت المنشفة من عليها، شهق “هلال” بصدمة عندما رأي عُمق الجرح التي إفتعلته هي، ركض نحوها معنفاً إياها:-
ليه إكده يابنت الحلال ليه تعملي في نفسك إكده
_ أجابته من بين بكائها بنبرة متحشرجة:-
كنت رايدني اأعملوا إيه وأمك عتسألك فين المراد؟
_ حرك رأسه مستنكراً تصرفها الأرعن وهتف عالياً :-
وليه يوحصل كل ديه من أساسه ليه تمنعي نفسك عني ده أني چوزك حلالك ليه تمنعي اللي ربنا أمر بيه ونوصله للوضع اللي وجعنا فيه دييه
_ ضغطت ورد أعلى جرحها ربما تشعر بالقليل من الراحة وأردفت موضحة سبب امتناعها عنه:-
عايزاك تردلي حجي لاول وبعدها تاخد عمري كلاته مش هرفضك بس أنت رچعهولي أحب على يدك
_ نهض من مكانه غير آبِه لهرائتها التي ليست في محلها الآن وردد بأمر:-
جومي نروحوا المستوصف جرحك عايزله خياطة
_ رمقته “ورد” بملامح تعكس مدي الألم التي تشعر به قائلة:-
هنجولوا ليهم ايه؟ أكيد مهتخبرهمش الحجيجة
_ رد عليها “هلال” وهو يسحب جلبابه من على الأريكة:-
مش مهم إيه اللي هيتجال المهم نلحجوا المصيبة اللي إنتِ عملتيها ديي
_ أنهي ارتدائه سريعاً وعاد إليها، أحضر لها وشاحها وحرص على ألا يلمس جرحها وهو يساعدها في إرتدائها للثياب، تعلقت هي في ذراعه ودلف كليهما إلى الخارج
_ تعجبت “نادرة” من نزولهما وشعرت أن هناك ثمة أمراً عندما رأت ثيابهم التي تدل على خروجهم من السرايا، إقتربت منهم عاقدة حاجبيها متسائلة بحدة:-
على فين العزم؟ لساتكم عرسان ملكوش خروج
_ رد عليها “هلال” بنبرة غير قابلة للنقاش موضحاً:-
ورد بتنزف لازم نروحوا المستوصف حالاً، خلي عسران يجهز العربية بسرعة
_ لم تتحرك “نادرة” من مكانها بل نادت بصوت عالٍ:-
بت يا صفية إنتِ يا بت
_ جائتها تلهث بسبب ركضها فأمرتها قائلة:-
إطلعي خبري سيدك مصطفي ينزل طوالي، جوام يابت
_ تبادلا هلال وورد النظرات بينهما ثم تجرأ “هلال” وسأل والدته عن سبب منادتها لأخيه:-
عتنادي علي مصطفي ليه، أني هروح مع عسران
_ ضربت السيدة “نادرة” على صدرها مستاءة وهتفت بحنق:-
يادي الفاضيحة عسران إيه اللي ياجي معاكم في وضع كيف ديه، خوك سترك يا ولدي
_ تأفف “هلال” بتزمجر لا يطيق الإنتظار حتى يصل إلى المشفي لينقذ ما يمكن إنقاذه، كان ينفخ بنفاذ صبر حينما تضغط ورد على ذراعه بألم لا يمكنها البوح عنه، تحملت وتحملت إلى أن وصل أخيراً مصطفي يهرول بقلق قد إنتابه من خلف لهفة صفية في حديثها، مرر أنظاره بين الجميع وتسائل في قلق:-
في إيه ياما حوصل حاچة؟
_ هلال منع والدته من الهراء التي سوف تختلقه الأن وأجابه بنبرة تريد اللحاق بتلك المسكينة التي تتألم في صمت:-
هنروحوا المستوصف ورد بتنزف
_ رمقته “نادرة” شزراً ومن ثم هتفت ونظرها يتابع خروجهم من السرايا:-
ابجوا طمنوني يولاد
_ جهز “مصطفي” السيارة وقادها بسرعة عالية ما أن أستلقي أخيه وزوجته في الخلف، كان يظهر منها أنين مكتوم من حين لآخر حينما لا تستطيع تحمل الألم بينما كان يرتجف قلب “هلال” كلما تذكر عُمق جرحها ..
_ أوصد عينيه في محاولة منه على إلقاء تلك الذِكرة خارج عقله لكنه كان يفشل كلما شعر بألامها التي تحاول إخفائهم، وصلا إلى المشفى في وقت قياسي، ترجل ثلاثتهم وتحركوا بخطي سريعة داخل المشفي، نادي “هلال” بنبرة جهورية عند وصولهم إلى الإستقبال:-
داكتورة يا ناس يلي هنا داكتورة بسرعة الله لا يسيئكم
_ حاول “مصطفي” أن يهدئ من روع أخيه قائلاً:-
إعدي يا هلال الخلج عيتفرجوا علينا
_ لم يكترث الآخر لحديثه وضرب بيده على الحاجز الذي بينه وبين موظف الاستقبال معنفاً إياه بحنق:-
مستني إيه بجولك إطلب داكتورة تاجي إهنه
_ موظف الإستقبال أماء برأسه وسأله بعملية:-
داكتورة تخصص إيه يا فندم؟
_ رد عليه بنبرة ملهوفه:-
چراحة!!
_ حرك الموظف رأسه حينما فهم طلبه وأحضر له طبيبة جراحية، وقف “مصطفي” مستنداً على الحائط المقابل لتلك الغرفة التي أختفي خلف بابها هلال بمرافقة زوجته وطلب أخيه يتردد في عقله، علي قدر علمه بأنه فمن المفترض أن يطلب طبيبة نسائية وليست تخصص جراحة، حرك رأسه يميناً ويساراً يطرد كل أفكاره التي لا داعي لها، عدل من وقفته يتابع المارة في إنتظار خروج أخيه ..
***
_ داخل الغرفة، قامت الطبيبة بما يلزم فعله ثم نهضت متمنية لها الشفاء العاجل وغادرت الغرفة، نظر “هلال” لتلك الزرقاوتين التي ينسدل منهما الدموع معاتباً بلطف:-
إوعديني متتصرفيش من راسك تاني يا ورد أني مهتحملش يصيبك مكروه
_ رفعت نظرها عليه متمتمة بسؤال يتردد داخل عقلها:-
ليه مهتتحملش، لساتك شايفني إمبارح لحجت تحبني؟
_ عاتبها بنظراته ومن ثم جلس مقابلها وأوضح قائلاً:-
إنتِ مرتي يعني واجب عليا أخاف عليكي حتى لو كنتي رفضاني
_ أخفضت ورد رأسها كما أوصدت عينيها بتعب وأردفت بنبرة منهمكة:-
أني مش رفضاك أني رايدة حجي وبس
_ وضع “هلال” أصابعه على ذقنها رافعاً وجهها نحوه وأجابها مستاءً:-
وهو حجك مهيجيش إلا برفضك ليا؟
_ أماءت برأسها وهتفت مؤكدة حديثه:-
أيوة ، أنت وجت ما هتاخد غرضك من الچوازة ديي هتهمل الموضوع
_ تفاجئ الآخر من عقليتها المغلقة، ضرب كف على الآخر مستاءً وردد معارضاً تفكيرها الساذج:-
مخبولة في عجلك إياك، أني متچوز عشان واحدة تشاركيني حياتي وأشاركها حياتها بمشاكلها بكل بلاويها تجومي تجولي إكده أنا بجول تجفلي الخشم ديه أحسن
_ إنتفض من مكانه بذهن مشغول بحديثها الذي أثر فيه وسبب له الضيق، هتف وبصره بعيداً عنها لا يريد رؤيتها الأن:-
هطلعوا أجيب العلاج والضمادات ديي عشان مناچيش إهنه تاني متخرجيش برا الأوضة
_ أماءت له بالموافقة فأسرع هو الى الخارج دون أن ينظر خلفه، إقترب منه “مصطفي” ما أن وقع بصره عليه وسأله باهتمام:-
إيه الاخبار يا خوي؟
_ تنهد “هلال” بضجر بائن على تقاسيمه وأجابه مختصراً:-
خير إن شاء الله
_ صمت لبرهة ثم أضاف:-
هجيب العلاج ديه وأعاود طوالي
_ رفض “مصطفي” الوقوف بمفرده وصمم أن يرافقه إلى حيث يذهب، لم يستطيع أن يكتم ذلك الحديث الذي يود الإفصاح عنه وسأله بحدة:-
ليه توصلها للحالة ديي غشيم إياك؟
_ توقف “هلال” فجاءة ومال برأسه للجانب غير مصدق ما تفوه به أخيه للتو، لوهلة كان سيفصح عن حقيقة الأمر لكنه تراجع في أخر لحظة وأردف بجمود:-
أديك جولتها، غشيم!
_ أنهي “هلال” جملته وتابع سيره حيث ”أجزخانة” المشفى، عاد إلى ورد بعد دقائق معدودة وغادر ثلاثتهم المشفى عائدين إلى السرايا، أسندت “ورد” رأسها على نافذة السيارة تتمني مرور تلك الأزمات التي لا تنتهي أبدا منذ وفاة والدها بينما لم يبعد “هلال” نظره عنها على الرغم من أنه لم يستطيع رؤيتها بوضوح بسب ذلك الوشاح الذي يغطيها بالكامل إلا أنه يكتفي بسكونها التي تعيشه الآن ..
***
_ أوقف “مصطفي” سيارته أمام باب السرايا، ترجل هلال وفتح الباب المجاور لورد كما ساعدها على النزول، دخلا إلى السرايا وتفاجئ بحضور جميع عائلة ورد
_ نظر إليها نظرة مطولة إستشف عدم قبولها لتلك الزيارة حينما لم تخطوا خطوة واحدة إلى الداخل بعد أن رأتهم، هرولت السيدة “سنية” إلى إبنتها بقلق عارم مرسوم على ملامحها وسألتها بنبرة تهدد بالبكاء:-
مالك يابتي فيكي إيه انطجي؟
_ حاول “هلال” طمئنتها بحديثه:-
متجلجيش يا خالة هي كويسة
_ إنحني عليها هامساً:-
ياريت نتكلموا فوج بعيد عن العيون اللي هتطلع علينا ديي
_ أومات سنية بقبول ومن ثم توقفت جانباً لتسمح لهم بالمرور، اقتربت منها بنظرات متشفية مُشكلة إبتسامة عريضة على شفتيها الغليظة، إنحنت بقرب أذنها وهمست:-
مش كد الجواز بتتجوزي ليه؟
_ قلبت “ورد” عينيها بضيق شديد لتلك البغيضة التي لا تروق لها وأجابتها بنبرة صارمة:-
أنتِ اللي مش كده يا بنت عمي مش أني والدليل إني واجفة في سراية إبن العمدة اللي هو نفسيه چوزي وأنتِ لساتك في بيت بوكي ولا أنتِ اتعميتي يا صباح؟
_ رمقتها بنظرات مشتعلة ودت لو تحرقها وتنفيها من على الأرض عامة لعل حينذاك تشعر ببعض الراحة، مرت “ورد” من جانبها متعمدة خبطها في كتفها بإزدراء
_ تحدث عمها متسائلاً بإهتمام زائف:-
أخبارك ايه يابتي إن شالله تكوني بخير
_ رمقته “ورد” بكُره شديد وأختصرت حديثها معه:-
بخير
_ هللت زوجة عمها متصنعة الخوف:-
جلبنا وجع في رجلينا أول ما الست نادرة خبرتنا أنكم في المستوصف حمد لله علي سلامتك يا حبيبتي
_ ردت عليها “ورد” بنبرة جامدة:-
أني بخير بس محتاچة أرتاح وهبجي زي الفل عن إذنكم
_ هتفت بهم معلنة إنتهاء الحوار بينهم ومن ثم صعدت الأدراج سريعاً على الرغم من الألم التي شعرت به بسبب حركتها العفوية التي أثرت على جرحها إلا أنها لم تبالي، فقط تريد الهروب من الجميع وأخيراً أستلقت على الفراش بعدما ألقت بوشاحها بعيداً
_ أخرجت تنهيدة متعبة كما أوصدت عينيها تستكين بعض الوقت لعل ألم جرحها يهدأ قليلاً، لم تفرح طويلاً فطرقات الباب لم تتركها وشأنها، أعتدلت في جلستها سامحة للطارق بالدخول قائلة:-
أدخل
_ ظهرت والدتها من خلف الباب بملامح حزينة، أغلقت الباب وأقتربت بخطاها منها، لم تستطع سؤالها عن ما حدث فقط هي تحمل ذاتها ما حدث لها فهي من أجبرتها على الزواج منه
_ تنهدت بصوت عالٍ ظاهرة مدي ندمها، أستشفت ورد ما خلف تلك التنهيدة وحاولت طمئنتها:-
متخافيش ياما أنا زينة نحمدوا ربنا
_ ترقرقت العبرات في عيناي السيدة “سنية” ولم تكف عن إيلام ذاتها:-
أني السبب، أني اللي فضلت وراكي عشان توافجي عليه وأدي أخرتها وداكي المستوصف من تاني يوم مني لله على اللي عملته فيكي سامحيني يابتي
_ أستنكرت ورد حديثها ومعاتبتها المستمرة، رفضت سماع المزيد من كلماتها التي ينفطر قلبها ألماً إثرها مرددة:-
ياما هو ملوش ذنب هلال حنين جوي واحد غيره مكنش عاملني بالحنية ديي بعد ما رفضت أنه يجرب مني
_ توقفت “سنية” عن النواح وصوبت بصرها على ورد متسائلة بعدم استعياب:-
كيف يعني مجربش منك؟
_ شهيق وزفير فعلت “ورد” لكي تواصل الحديث رغم إرهاقها البادي على ملامحها وكذلك نبرتها التي خرجت متحشرجة:-
أني جولتله يرجع لي ورثي اللي عمي ناهبوا جصاد جُربه مني
_ ضربت “سنية” على صدرها غير مصدقة ما أخبرتها به “ورد” للتو، حملقت بها لبرهة ثم أردفت معاتبة:-
أني خليتك توافجي عليه عشان تخلصي من ظلم عمك وجرف مرته وبته لكن بلي بتعمليه دييه كانك بتقولي للجرف اتوحشتك وكلها أيام وعاود لك تاني، يابتي طلاما الواد حنين حابي عليه بكفيانا ظلم وجهرة وحجنا عند اللي خلجنا لو مخدنهوش في الدنيا هناخده في الأخرة
_ حركت “ورد” رأسها برفض شديد وصاحت بحنق:-
أني مهرتاحش واصل إلا لما أطمن على أرضي إنها رجعت لي وأطمِن أبويا في تُربته وأجوله خلفت اللي يرد لك حجك يا بوي حتي لو كان تمنه حياتي
_ هدرت بها “سنية” شزراً:-
يابتي بلاش تفكيرك اللي هيودي في داهية دييه الله لا يسيئك ركزي في حياتك مع چوزك ومتمنعيش نفسك منيه حرام يابتي الملايكة تلعنك لما ترفضي تعطيه حجوجه إرجعي لعجلك يا ورد وعيشي حياتك يابتي وهملي كل اللي فات ورا ضهرك
_ تأففت “ورد” لأنها لم تقتنع بحديث والدتها وأصرت على إتمام ما بدأته هاتفة بعناد:-
والله لأجلعهم من عنيه التنين هو والعجربة مرته اللي ماشي على كيفها كانه نسي أنه راچل له هيبته وكلمته
_ لم تعرف السيدة “سنية” للحديث سبيل بعدما حاولت تحذيرها بشتي الطرق وبائت محاولاتها بالفشل الذريع، كادت أن تهم بالمغادرة لكنها تراجعت وسألتها مستفسرة:-
على إكده كنتي في المستوصف بتعملي إييه؟
_ رفعت ورد نظرها على والدتها وأجابتها بفتور:-
متشغليش عجلك انتي ياما
_ إستأذنت “سنية” بعدما أصرت ورد بعدم إخبارها بالحقيقة وغادرت الغرفة سريعاً لكي يعود هلال إلى جانب زوجته لعله ينجح فيما فشلت هي فيه، لا تعلم أن هلال يحاول هو الآخر من الجهة الأخري حتى يرضيها وتسمح له في بدأ حياة جديدة معها..
_ طلب “هلال” من “حمدان” عم ورد أن يحادثه على إنفراد، لبي حمدان طلبه وخرج خلفه بخطى ثابتة، أخذ هلال نفساً عميقاً حتى يستطيع فتح الحوار معه بسهولة، حمحم وإبتلع ريقه في محاولة منه أن يخرج مافي جوفه لكنه يقابل صعوبة في الحديث كلما حاول التحدث وكأن الكلمات انحشرت داخله..
_ قهقه “حمدان” عالياً على إرتباكه الواضح وردد ساخراً:-
إيه يا عريس رايد تجول إيه وصعب عليك بالشكل ديه؟
_ تقوس ثغر “هلال” إلى الجانب مشكلاً إبتسامة خجولة، لا مفر من الحديث في ذلك الموضوع الذي أخذ عليطى نفسه عهداً بأن يتممه من أجل ذات الزرقاوتين، لم يطيل أكثر وألقي بحديثه في الوسط:-
ورد طالبة ورثها من أبوها وموكلاني أتحدت معاك
_ تفاجئ هلال بقهقه “حمدان” التي إرتفع صداها في الأرجاء، توقع منه أن يثور مثلاً أو يستنكر حديثه في ذلك الأمر العائلي وفي النهاية سيكون أفضل من ضحكاته المبهمة التي لا معني لها
_ توقف “حمدان” عن الضحك فجاءةً وسحب من جيب جلبابه سلاحه الخاص وصوبه في وجه “هلال” الذي هربت الدماء من وجهه خوفاً من تهور الأخر
_ ضغط “حمدان” على زناد المسدس هاتفاً من بين أسنانه المتلاحمة:-
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عرف صعيدي)