رواية عابثة باسم الأدب الفصل الأول 1 بقلم سارة أسامة نيل
رواية عابثة باسم الأدب الجزء الأول
رواية عابثة باسم الأدب البارت الأول
رواية عابثة باسم الأدب الحلقة الأولى
وسط دُجنة الليل الظلماء، واضاءة غرفتها الخافتة تجلس بدفترها الذي به بعض الإشارات وبعض الملاحظات التي لا يفهمها سواها وأمامها حاسوبها المحمول المُضيء على أحد برامج الكتابة، تكتب الفصل المقرر نزوله هذه الليلة وخلف الشاشات ينتظرها الكثير مِمن ضلوا طرقهم وأغوتهم الشياطين وعلى رأسهم تلك التي تكتب أسفل اسم مستعار والمشتهرة به في عالمها الأسود، مجهولة الهوية لدى الجميع لكنها تناست أنها معلومة عند الله وبين يديه!
هذا الفصل من القصة الذي كان مليء بالأشياء القذرة والوصف البذيء والجرأة الزائدة عن الحد بل التي تفوق جميع الحدود، تناست أن الله مُطلع عليها وشاهدٌ على كل حرفٍ كتبته يداها.
تلك المشاهد المُخجلة التي اعتمدتها من الإباحيات ليسهل عليها وصفها بدقة..
ابتسمت عندما انتهت ثم قامت برفعه باسمها المستعار “بنت الليل” وهنا تتلهف فئة معينة من الأشخاص بالسهر خلف شاشات الهواتف لقراءة ما صنعته يدها من فسق وفجور لتكون هذه الموهبة التي حباها الله بها شاهدة لها لا عليها، رصيد من الآثام والذنوب في الحياة والممات، لكن ماذا إن كانت من الأساس لا تشعر بمدى فداحة ما تقترفه وتبرر لذاتها العديد من المبررات أنها تقدم شيئًا مفيدًا والتحدث عن حالات مرضية لا ينتبه لها الكثير، تحدث نفسها أنها تقوم بالتوعية، نعم فقد زين لها الشيطان أعمالها..
وكيف تأتي الحُرمة من مجرد كتابات وأوصاف وكلمات ؟!
هكذا كان تساؤلها الساخر!!
وتمددت فوق فراشها ذاهبة في نومٍ عميق سعيدة بتلك الشهرة التي حققتها في مجال الكتابة تحت اسمها المستعار “عاشقة الليل”
✲ ✲ ✲ ✲
مع شروق الشمس وظهور الخيط الأول للإشراق أغلق مصحفه بتنهيدة مريحة بعدما انتهى من قراءة سورة البقرة بعد صلاة الفجر.
خرج يجلس في شرفة غرفته يشتم رائحة الصباح ليهمس بامتنان:-
-الحمد لله على فرصة يوم جديد يارب، اللهم لك الحمد، يارب ارزقني السداد والتوفيق ويسرلي كل عسير واستعملني ولا تستبدل بي، اللهم ارزقني حُسن الظن بك وصدق التوكل عليك..
وأخذ في ترديد أذكار الصباح حتى انتهى، تسللت لأنفه رائحة الفلافل النفاذة، ابتسم بسعادة وخرج من الغرفة نحو وجهته حيث المطبخ، هتف مبتسمًا باتساع:-
-صباح الطعمية على الناس الحلوة على الصبح دي..
التفتت له وهي تقطع حبات الطماطم مبتسمة بحنان قائلة:-
-صباح الخيرات على حبيب قلب أمه من جوا، تقبل الله يا حارثة أوعي تكون نسيتني من دعواتك.
اقترب منها يُقبل رأسها بحنان ثم اتجه نحو الموقد يقوم بتقليب حبات الفلافل بالزيت الساخن وهتف بمرح:-
-هو أنا أقدر بردوه يا ست الكل يا ست روحية دا أنتِ الأساس، بس أوعي بس تكوني نستيني أنا، أنا عارف إن سي جاسر وسي خالد سارقين عقلك وقلبك وحلوين وبعيون ملونة لكن أنا غلبان واسمراني..
هتفت روحية بعتاب:-
-أخص عليك يا حارثة وهي في أم بتفرق بين أولادها وعلشان كمان أبيض وأسمر، أنتوا كلكم في عيني واحد يا حبيبي، ويشهد ربنا إن مش بنسى حد فيكم في دعائي ولساني مش بيبطل يا ابني والله.
أخرج حبات الفلافل بالأطباق وأردف بمرح وهو يقبل رأسها:-
-أنا عارف إن خاطف قلبك وعقلك يا رورا من غير ما تقولي، أنا بضحك معاكِ، وهما في بالنا كلنا علشان مسافرين وفي غربة لكن أنا قاعد أهو قدامك وبتشوفيني صبح وليل، ومهما كان بردوه أنا حاجة تانية مش ابنك الكبير ولا أيه يا أم حارثة.
ضحكت بسعادة رغم الحزن المُبطن المرقوش على ملامحها ثم قالت:-
-شوفوا بقى علشان سي حارثة بقى أشهر من النار على العلم هيتغر بقاا ومحدش هيعرف يكلمه، متعرفش أنا طايره من الفرحة قد أيه يا حارثة، أنت تستاهل كل خير لأنك تعبت يا حبيب أمك وشقيت كتير..
رتب الأطباق فوق الطاولة الصغيرة التي تتوسط المطبخ وجلس وهو يُجلسها ثم قال:-
-الحمد لله بفضل الله وتوفيقه وبفضل دعائك يا أمي، مشروع حياتي إللي تعبت عليه نجح الحمد لله وشركتي الخاصة بقت معروفة في الوسط وربنا يبارك يارب، بس المهم رضاكِ يا أمي…
وصمت ثم قال بمرارة:-
-وبايا يرضى عني ويفرح ليا، أنا بحاول بكل الطرق أكسب رضاه بس مش عارف ليه من ناحيتي جامد كدا وناشف في معاملته معايا، والموضوع زاد بعد الثانوية لما ربنا مكتبش أجيب المجموع إللي كان منتظره، بس أنا دلوقتي يا أمي كبرت وبقيت راجل عندي تلاتين سنة وبقى ليا شغلي الخاص الحمد لله واشتغلت على نفسي كتير وبفضل الله حققت نجاح كبير ولسه مكمل، بس هو من قبل موضوع الثانوية وهو جامد معايا بس زاد بعد النتيجة.
تنهدت روحية بشجن فهي السبب بتلك الفجوة الكبيرة التي بين زوجها وولدها الأكبر، تصنعت عدم الاهتمام وقالت بمزاح:-
-أنت إللي حساس أووي يا أستاذ حارثة، هو أبوك طريقته كدا في التعامل مع الكل، وأديك بتشوف معاملته معايا ووشه مش بيضحك، ربنا يهديه يارب..
هو لم يعد طفل لتُلهيه بتلك الكلمات لإبعاد هذا الحديث من عقله، فطريقة تعامل والده مع شقيقيه خالد وجاسر تختلف تمامًا وكأنه شخصٌ آخر، ابتسم بألم وقال بلامبالاة وهو يشرع بتناول إفطاره:-
-عندك حق .. أنا شكلي بقيت حساس زيادة عن اللزوم، المهم مش هتصحيه علشان يفطر وعلشان ميتأخرش على شغله.
تنهدت بثقل قبل أن تقول بضجر:-
-طول الليل قاعد ماسك التلفون معرفش بيعمل أيه، معرفش بيقرأ روايات ولا أيه، هو دا بقاا سِنه يا ابني .. وكالعادة مش هينزل شغله وبقينا متقلين عليك في المصاريف يا ابني وشقاك كله ضايع في البيت..
توقف عن قضم الشطيرة وأردف بعتاب لين:-
-أيه الكلام ده يا أمي هو أنا واحد غريب ولا أيه، مش دا بيتي وأنا واحد منه، مفيش فرق وكل إللي ملكي ملككم دا خيركم يا أمي..
-ربنا يبارك فيك يا حارثة ويرضى عنك ويوسع رزقك كمان وكمان، أيوا بقا بقينا رجال أعمال قد الدنيا..
ضحك وامتزج ضحكهم بمرح قبل أن يهرع لإرتداء ملابسه ويهبط من منزله لينغمس في عالم الأعمال الذي اقتحمه بعد كدّ وكفاح استمر ثلاثة عشرة عامًا..
✲ ✲ ✲ ✲
دلفت للجامعة بخطى متكاسلة بطيئة وبالكاد تفتح أعينها جبرًا، تفاجأت بالكثير من زملائها في نفس العام يجلسون بالخارج ملتفين جالسين على إستراحة خارج مبنى الكلية..
ذهبت نحوهم بينما أصواتهم ولغطهم مختلط محتدين النبرة، هتفت متسائلة بتعجب:-
-صباح الخير .. أمال ليه مش المدرج يا بنات ومالكم في أيه على الصبح..
التفتت إليها أحد أصدقائها تقول بنبرة ممتعضة حادة:-
-سالي بترشح رواية قذرة لكاتبة قذرة للبنات، لواحدة جبانة متخفية ورا اسم “بنت الليل” وماشية بتنشر سمومها وسط البنات ربنا ينتقم منها دمرت بنات كتير وبسببها سحبتهم لطريق كله وحل وإللي بيدخله مش سهل يخرج منه..
واتجهت رغد بحديثها لسالي تقول:-
-وأنتِ كمان يا سالي ابعدي عن قراءة الروايات إللي من النوع ده، الموضوع بعد كدا بيبقى إدمان وبيجر على طرق تانية غاويطة أووي، وحرام ترشحي رواية زي دي للبنات وتشيلي وزرهم، ليه تفتحوا دماغ بنات صغيرة لسه في بداية عمرهم للقذارة دي، والبنات دلوقتي في في جميع الأعمار بقوا معاهم موبايلات، في هجوم على الكاتبة دي على السوشيال ميديا فظيع، على الرغم إن بيقولوا سردها ولغتها جميلة وقوية وافكار رواياتها في البداية بتبقى كويسه بس بعد كدا بتتصدمي من القذارة إللي فيها ودي الطريقة إللي بتسحب بيها الضحايا للفخ إللي صعب الخروج منه..
هي بدل ما تستخدم موهبتها تفيد الناس بيها وتكون شاهدة ليها مش عليها، بتكتب مشاهد إباحية منحطة ومش مراعية أنها بكدا بتدمر بنات وتخرب بيوت، أنتوا يا بنات لو شوفتوا التعليقات إللي على رواياتها حقيقي هتتحسروا على الحالة إللي بقينا فيها، أنا بقالي أسبوع في حالة إكتئاب وقافلة على تفسي بعيط..
تسائلت إحدى الفتيات باستياء:-
-طب وأيه يخلي البنات تدخل طريق زي ده ويوصلوا للدرجة دي يا رغد..
هتفت رغد بنفس الحدة:-
-الحاجات البسيطة إللي بنقول عليها عادي، الروايات العادية إللي فيها مشاهد عادية وهي مش عادية بردوه بس هي بالنسبة لهم عادي بس بتحرك المشاعر وبتفتح العقل وبتخلي البنات تطرق وتتسحب للروايات التانية دي من غير ما تحس وفي إللي بيدخلها للإستكشاف ومش بيخرج منها .. مش بيقولك النار من صغائر، هكذا الموضوع ده بيبدأ بحاحة بسيطة وينتهي بالكارثة دي..
حقيقي إللي بتكتب دي أيًّا كان عمرها لا عندها ضمير ولا خوف من رب العالمين، أنا لما شوفت كلام الناس عليها واسكرينات ببعض التعليقات على الرواية حقيقي اتصدمت صدمة عمري..
يا بنات لما تقرأوا وحابين قراءة الروايات اختاروا الأعمال إللي فيها تشويق وحماس وبرغم من كدا فيها استفادة وخالية من أي حاجة خادشة للحياء، يعني تكونوا استمتعوا بالقراءة وفي نفس الوقت استفادتوا ومش ضيعتوا وقت..
كانت تقف بجانبهم شاردة بعيدًا عنهم فالتفتت إليها رغد تقول لها بمرح:-
-أيه يا دُر سرحتي بعيد فين … تعرفي يا بت يا دُر أحسن حاجة فيكِ أنك مش لكِ في القراءة ولا موال الروايات دي .. بس بردوه هتشتركي معانا في أننا ننهي على بنت الليل دي ونعمل حملة ضدها نخليها تبطل كتابة خالص ونعمل توعية للبنات الصغير وحتى الستات الكبيرة بردوه والأمهات علشان ياخدوا بالهم من بناتهم ونلفت أنظارهم؛ لأن مجرد ما الأم بتعرف مثلًا إن بنتها بتقرأ يا حبيبتي بتفكر أنها كدا في أمان وبعيدة عن أي ضرر وتبقى فخورة أن بنتها قارئة .. ميعرفوش إن قراءة الروايات بقت كارثة وفي نفوس مريضة كتير حتى الواحد مكسوف يطلق عليها لفظ قراءة والله حتى حروف العربية إللي كُتبت بيها خسارة، لازم نعمل حملة ضدها يا بنات لغاية ما نخليها تنسحب من الكتابة تمامًا، يا ترى مين الشخصية الحقيقة إللي كتبت القذرات دي..
إن الله حليم ستار وربنا يهديها وتلحق تفوق على نفسها قبل فوات الأوان…
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية عابثة باسم الأدب)