رواية ظننتك قلبي الفصل العاشر 10 بقلم قوت القلوب
رواية ظننتك قلبي الجزء العاشر
رواية ظننتك قلبي البارت العاشر
رواية ظننتك قلبي الحلقة العاشرة
« القائمة السوداء …»
الحقيقة قد تؤلمنا لكن إدراكها لا يسمح لنا بالبقاء مغفلين طويلًا ، قائمة سوداء هي التى أحتل دومًا صدارتها .
فأنا محط كل الإتهامات والظنون ، أنا السيئة بكل الروايات ، لا يلتمس لي أحد الأعذار مهما حدث ، أنا التي لا يُقدر أسبابي فأنا دائمًا موضع الشك ..
طالما تمنيت أن أكون بمقدمة قائمة أخرى ، أن أكون بصدارة الإهتمام وليس الإتهام ، لكنه القدر .. لا يسوق لي سوى أسوأ ما فيه ، هل سيحين اليوم الذى تتغير به أقداري وأحيا حياة سعيدة …
****
سواد أعظم ومحاولة قتل وتحفز شرس ، هكذا كان “معتصم” يقف بمقدمة الكوخ يستمع لصرير شئ ما يلوح بالهواء من حولة ليتفادى الضربة الأولى التى جعلته متيقنًا أن هناك من يحاول قتله والترصد به …
إلتف بجسده بمرونة وقوة ليقف بإستعداد للدفاع عن نفسه تجاه هذا المجهول ، لكن صوت الصرير الذى يلوح بالهواء جاء مسرعًا هذه المرة مستغلًا إنعدام الرؤية ليهوى بإتجاه رأس “معتصم” دون معرفة من أين يتلقى الضربة …
صوت لابد وأن يتبعه فقدان للإحساس لكن ما حدث كان مغاير تمامًا فهو مازال يعى كل ما حوله ، بل إنه لا يشعر بالضربة أو بالألم ، لقد حال شئ آخر مجهول دون تلقى تلك الضربة المباغتة ..
إنعدم صوت الصرير و تعالى صوت إصطدام شئ صلب بالأرضية ، فيبدو أن أحدهم إعترض سلاح المترصد ليسقط من يده أرضًا ، هناك من ساعده وأنقذ حياته من هذا الغدر …
بقفزة رشيقة أسرع “معتصم” تجاه زر الإضاءة لينقشع السواد وتقطع أضواء المصابيح الظلام لتتسع حدقتاه ذهولًا وهو يرى “كاتينا” تقف بمواجهة “عهد” تهتف بها بحدة وإنفعال …
– ماذا تريدين منا …؟!!! يكفى إيذاء لنا …إننا لم نفعل معك شيئًا …
ضيق “معتصم” جبهته بقوة وهو يطالع بأعين ثاقبة إنفعال “كاتينا” و حِدتها مع “عهد” التى كانت تقف بثبات وشموخ دون أن يهتز لها شعرة ، وقعت عيناه على سكين كبير ملقى أرضًا بينهما ، فبالتأكيد هذا السكين الذى كانت تحمله وحاولت به قتله …
عيناه الصامتتان الثاقبتان كانا يحملان الكثير من الحديث دون التفوه به ، برغم تلك النظرة الغامضة الغير مفهومة التى تعتلى مقلتيه حين يخص “عهد” بها ..
ترك الحديث لـ”كاتينا” التى إنهارت قواها وعلى بكائها المرتجف بتخوف شديد مما حدث ، هوت بصورة مباغته بجسدها الضئيل فوق صدر “معتصم” المتيبس والذى علق عيناه بـ”عهد” فقط ، بنشيج مرتجف تحدثت “كاتينا” …
– تلك المتوحشة كادت أن تقتلك حبيبي ..لقد دفعتها بقوة لتبتعد عنك .. ( رفعت وجهها تجاه “معتصم” المتيبس الذى لم يتخذ أى رد فعل تجاه كلاهما ثم إستطردت ) … أرجوك “ماوصي” .. إجعلها تتركنا وترحل …
ظل على وضعه مثبتًا عيناه الغامضتان تجاه تلك الشامخة بشكل لا يصدق ، قوية بشكل مخيف ، حاول أن يستشف هل حاولت حقًا قتله لكن تعبير وجهها المتحجر لم يظهر ذلك كما كانت بالأيام السابقة ، فبعد أن كان يستطيع النفاذ لداخلها وإدراك ما حقيقتها التى تخفيها أصبحت صعبة جدًا اليوم ، كما لو أنها تبدلت تمامًا …
أخذت “كاتينا” تحثه على التصرف معها فهذا ليس وقت الصمت ..
– “ماوصي” … لقد فعلت ذلك بالتأكيد لأنك فضلتني عليها … وأنك طلبت منها الرحيل … إنها مريضة متوهمة بلا شك … كيف تجرؤ على فعل ذلك … كيف تحاول إيذائنا …؟!!
هل ينطق الحجر ..؟؟؟ هكذا كانت “عهد” قوية بغرور لا متناهي ، لم تدافع عن نفسها ولم تقر به أيضًا بل تعاملت مع الأمر كأنه واضح ولن ترهق نفسها بعناء التوضيح ..
حديث دفين داخل عيناها الناعستان لكنه حديث غامض غير مفهوم لـ”معتصم” ، و بعض صمت طويل أجابت بكلمتين فقط ..
– لا … لم يحدث …
تفوهت بها لتزيد حيرة “معتصم” لتجول بعيناه نظرات شك لكن هذا لا ينفى أن أحدهم حاول قتله و الترصد به في الظلام وقد كتب له عمر جديد ..
إنتفضت “كاتينا” تعتدل بوقفتها وهى تمسح عيناها الدامعتان وأنفها المتوهج لتواجه “عهد” بتعجب من إنكار “عهد” لما فعلته …
– هل أنتِ مجنونة ..؟!! كيف تنكرين ذلك أمام عيناي ..!!! لا يوجد سوانا هنا … كيف تكذبين …؟!! إنكِ لست طبيعية بالمرة …
كل الأدلة تشير لأمر واحد منطقي وحقيقي ، أنها حاولت قتله ليخرج وقتها “معتصم” عن صمته بعد تفكر بالأمر …
– من الواضح إنكِ تنكرين الأمر لكن ليس هناك غيرنا لتكذبي عليه … لابد أن عقلك مريضًا … لقد حاولتِ قتلي …!!! لهذا أطلب منكِ رجاءً إرحلي من هنا …
علت ضحكة تهكمية غريبة صدرت من “عهد” لتقلب شفتيها بإستهزاء منهما قائله بسخرية …
– أنا عقلي يوزن بلد … ده إنتوا فى الكنافة … شوفوا نفسكوا الأول …
تطلع بخفة نحو “كاتينا” ليعيد بصره تجاه “عهد” محاولًا إظهار ضيقه وعدم تحمله لتصرفاتها …
أظهر “معتصم” إمتعاضًا لرد “عهد” المتعجرف قائلًا …
– لا داعي لهذا الجنون … وجودك أصبح غير مرغوب به … رجاء إرحلي … والآن …
أومأت “كاتينا” بحماس تشير نحو الخارج …
– نعم … غادري المكان … أخرجي من حياتنا …
تطلعت نحوهم “عهد” بإستنكار شديد وعدم تقبل لطلبهما لتتراجع بخطوات واثقة نحو الأريكة ثم جلست بأريحية تثير حنق متابعيها بدون إكتراث لهم لتضع ساقها الطويل فوق الآخر بغرور مردفة …
– أنا قاعدة هنا … ومش حروح فى حته …
صدح صوت الرعد ينهي تلك الحالة الغريبة فرغمًا عنهم عليهم تقبل بقائها حتى إنتهاء العاصفة ليهتف “معتصم” من بين أسنانه …
– معاكِ لحد الصبح وتكوني مشيتِ من هنا … ساعتها الجو يكون إتحسن … فهمتِ …
تطلعت به “عهد” بنظرة تحدى بجولة جديدة ترى من سيكون بها فائز ، إضطرت “كاتينا” لتقبل وجود “عهد” على مضض حتى الصباح كما أخبرها “معتصم” …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مازال المساء طويلًا ولم تنتهي الليلة بعد ، بوسط المدينة حيث تزدحم بسكانها وصل “رؤوف” للتو لإصطحاب “نيره” من أمام متجرها الخاص ببيع مستحضرات التجميل حيث إنتظرته ليهتف بحديثه المنمق …
– مساء الجمال على أحلى بنت فى مصر ..
رفعت “نيره” حاجبيها بإستياء وهي تشيح بوجهها الممتعض عن “رؤوف” قائلة …
– فى مصر بس …؟!!!
دلالهُ لها هو غاية بحد ذاته بالنسبة لها ، شعورها بأنها محط الإهتمام والدلال والإغداق بكل ما هو غالي ونفيس لأجل إرضائها شعور لذيذ تتوق دائمًا للإحساس به …
كلما قل إهتمام “رؤوف” بها بأى حال إفتعلت “نيره” أمر ما ليعود ليسترضيها ويحاول تملقها وإكسابها شعور بالأهمية بحياته …
تصنعها الضيق من مجاملته لها جعلته على الفور يحاول كسب ودها ورسم السعادة على محياها ليهتف بنعومة أرادت بالفعل الوصول إليها …
– هو حبيبي زعلان ولا إيه … ده أنا مع أجمل بنت فى الكون كله … بس الكون بيضلم لما بيزعل …
إبتسمت “نيره” بغرور بعد أن سعدت بتملقه لها ليعاود “رؤوف” قائلًا …
– أيوه كدة خلى الدنيا تنور … يلا بينا …
حركت رأسها بخفة مجيبة إياه …
– يلا … وخلى عربيتى هنا جنب الإستور(المحل) ونرجع ناخدها لما نخلص لفتنا …
– اللي يشوفه القمر …
إلتف “رؤوف” تجاه مقعد السائق ليحرك السيارة بعدما إتخذت “نيره” المقعد المجاور له ليتجها نحو بعض معارض الأثاث لإختيار المناسب منها …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيت محفوظ الأسمر …
أنت كل أشيائي التى أحبها ، وأنت أيضًا نقطة ضعفي وسبب إنهزامي …
هكذا نظرت “وعد” لطفلها “زين” وهو يشب بأطراف أصابع قدميه يحاول الوصول لقنينة العصير التى وضعت فوق طاولة المطبخ …
كم كان مزيج ساحر بين ملامحها اللطيفة وبين هيئة والده “عاطف” حتى أنه يحمل لون عيناه العسليتان …
حاول بكل جهده الوصول لمبتغاه لكنه فشل بالنهاية ليتحول ببصره نحو والدته لمساعدته بالحصول على بعض من العصير الذى يحبه …
– عاوز عصير من ده يا ماما …
طلب بمنتهى اللطافة والأدب جعلها تلتف نحو الخلف تناظر أولًا قنينة العصير الأحمر لتدنو ببسمة ضعيفة لتحملها بين يديها تضع بعضًا منها بالكوب البلاستيكي المغطى الخاص بـ “زين” …
تناول الكوب من بين يديها ليستمتع بإرتشافه فهو يعشق عصير الفراولة ، بينما ظلت “وعد” تحملق بلون العصير الأحمر ، عصير الفراولة المحبب لنفسها ولإبنها لتتذكر عصير آخر مختلف تمامًا …
فلاش باك ..
﴿ كعائلة ثرية لا يهمها فيم ينفقن أموالهم فقط يهتموا بأن ما يطلبونه يجدونه ، خاصة هذا الأناني الذى إعتاد على الحصول على مبتغاه بأى شكل وصورة ، لا يهمه كيف يحصل عليه بل كان من النرجسية ليطغى بغرور للحصول على ما يريد بأى وقت وبأى شكل …
كان نهارًا عاديًا للغاية حين إستفاق “عاطف” من نومه بنعاس وتكاسل ليعبث بخصلات شعره الثائرة يشعر بالراحة والإستمتاع لإسترخائه لفترة من الزمن بعد نوم طويل مستغرق بالأحلام …
راحة ونشوة لابد وأن يتبعها ما يكمل به تلك الحالة من السعادة الخيالية التى رسمها لنفسه …
طلب مناديًا “وعد” ليستكمل حالته النفسية المنتعشة …
– “وعد” … يا “وعد” … هاتيلي عصير الكيوي بتاعي …
تقدمت “وعد” تجاه باب الغرفة تناظر هذا المتكاسل وهو يتمطء بسعادة وقد علت بسمة بلهاء فوق ثغره ، حالة لم تمر أمامها من شهور عديدة فـ “عاطف” هادئ البال ومبتسم …
أقبلت ببسمة منها لعلها تجد سبيل للتفاهم وكم تتمناه وتتوق لأن تعود حياتها للإستقرار والهناء …
– شكلك رايق النهارده …
تلكع “عاطف” وهو يتملل بفراشه لا يود النهوض من نومته ليجيبها من موضعه …
– الصراحة اه … وماليش مزاج أتعكنن أنا بقولك أهو …
جلست إلى جواره تحدثه بنبرتها الهادئة الناعمة التى تميزها …
– أنا ولا أحب العكننة ولا عايزه أشوفها .. وإنت متأكد إني مش نكدية أبدًا …
رفع رأسه ناظرًا نحو وجهها المستدير بتمعن كمن غاب عنها لزمن طويل ، فملامحها تغيرت قليلًا وأصبح وجهها أكثر إستدارة زاده جمال وظهر لون عيناها الخضرواتين بسحر فاتن ليحدثها بمحبة إشتاقت لها منذ زمن بعيد …
– إنتِ إحلويني كدة ليه …؟؟! فيكِ حاجة متغيره …
نظرت لنفسها بتعجب قبل أن تجيبه مستنكرة تلك الملاحظة الغريبة …
– متغيره … متغيره إزاى .. أنا زى ما أنا …
ثم حاولت أن تبدأ بمعاتبته فكم حياة تبدأ بعتاب قلوب محبة ، أمل جديد يشرق بحياتها الرمادية ، لا تصل للسواد أو للبياض فيها ، تلك المنطقة العالقة بالمنتصف تمامًا كاللون الرمادي …
– مش يمكن إنت اللي مش واخد بالك مني … بقالنا فترة يا “عاطف” بعيد عن بعض أوى …
زم شفتيه العريضتان بحنق وهو يعتدل مردفًا بإختناق …
– بدأنا النكد … ما قلت لك بلاش نكد أنا مزاجي رايق النهارده وماليش نفس أتعكنن …
بعيون محبة ونظرة عتاب دنت إلى جواره مستطردة بهدوء صوتها الحنون …
– هو عشان بقولك إننا بقالنا فترة بعيد عن بعض يبقى بنكد عليك … يا “عاطف” أنا نفسي نرجع زى زمان … فاكر … فاكر كنت بتحبني إزاى … ولا خلاص … دلوقتِ الحب ده راح …
رفع كفيه يدفع بهما خصلات شعره العشوائية بإمتعاض من توالى عتاب “وعد” وإظهاره بأنه مقصر تجاهها ، ألا عليها أن ترضى بقبوله بها ، ذلك الإحساس بأنه أكثر مما تستحق …
– يووه … أيوة … راح … معدش فيه حب ولا بطيخ … إحمدي ربنا إني إتجوزتك … وبقيتي حرم “عاطف الأسمر” أغني شاب فى المنطقة كلها … “عاطف” اللي أول ما يتسمع إسمه الحته كلها تقف على رجل وبنات أحلى وأجمل منك بكتير يتمنوا لي الرضا أرضى …
لو كان فقط إحتواها بكلمة حنونة لكانت ألقت الدنيا تحت قدميه ولم تهتم لأى مشاكل سببها أهله ، لما شعرت بأنها كزهرة وسط الرمال الجافة ، ربما لو كان أقل أنانية مما هو فيه لكانت أحبته وفضلته حتى على نفسها …
غصة علقت بقلبها مرة أخرى من نرجسيته وتعاليه وحبه لذاته الذى لا ينتهي ، ضمت شفتيها بحنق تبتلع بقية كلماتها المعاتبة فحتى العتاب هو لا أهل له …
طالعته بنظرة يملؤها اللوم والإتهام بالأنانية ، لكن ماذا تفعل التلميحات مع قلب ثقيل الفهم والإحساس ، صمتها المتألم كان راحة وصفاء له ليعود مستمتعًا بالصمت والهدوء لكن غلفه بطلباته المستفزة …
– هاتي لي عصير الكيوي بتاعي … وإنزلي عند ماما هاتيلي الفطار بتاعي هنا .. ماليش مزاج أفطر معاهم تحت … أنا مش رايح المعرض النهارده …
شهقت “وعد” بتخوف قائله …
– فطار إيه اللي حنزل أجيبه … مامتك مش حترضى تديني الأكل أبدًا … دى حتفتكر إني حاكله أنا لوحدي هنا … أو يمكن تفتكر إننا حنعزل عنهم … لا يا “عاطف” بلاش …
نهض بعصبية وهو يزيح الغطاء عن جسده متمتمًا بغيظ فقد حاولت حتى نجحت فى إفساد لحظته السعيدة الهانئة بتذمرها وطريقتها التى تخرجه دومًا عن شعوره …
– إرتحتي يا “وعد” … أنا خلاص قمت أهو ومزاجي إتعكر … يا رب تكوني مبسوطه … دى العيشه معاكِ بقت تقصف العمر … أنا عارف إنك فى يوم حتجيبي أجلي بهمومك اللي مبتخلصش دى …
بإندهاش لما قلبه من حقيقة للتو فبدلًا من أن يشعر بمدى الذل الذى تشعر به بأقل طلب لحق صغير من حقوقها وهو تناول الطعام برفقة زوجها بحرية أو حتى تناول الطعام بشقتها بوجه عام لتحكم والدته ووالده بأن كل شئ هم يسمحون به أو يرفضونه ، كل ما يخص حياتها لابد وأن يخضع لأهل زوجها وعليها السمع والطاعة فتلك الحياة ببيت العائلة …
بلحظة أصبحت هي المخطئة والتى تثقله بهمومها وحزنها وطبعها النكد كما يرى ، كيف إستطاع قلب الحقيقة بهذه الطريقة …
لم تجد سوى كلماتها الضعيفة تدفع به ظلمه لها قائله …
– أنا يا “عاطف” … أنا همومي مبتخلصش …
دفعها من كتفها بقوة فلم يعد يود رؤيتها أمامه قائلًا بجفاء …
– غوري هاتي لى العصير … وعلى الله تجيبي لي الفراولة دى … مبحبهاش … أقولك .. أنا مش حجيبها تانى فى البيت ومن هنا ورايح هو عصير الكيوي وبس …
ضحكت بتهكم ثم أردفت بضيق …
– حتى الحاجة الوحيدة اللي بيحبها “زين” وبتجيبهاله مخصوص مش حتجيبها تانى … !!!
– اه … هو كدة واللي عندك إعمليه … مش عاجبه عصير الكيوي ميشربش خالص …
أنهى عبارته ليصفق باب المرحاض من خلفه تاركًا إياها تتابعه بعينان متسعتان من الإندهاش من جموده الذى يزداد يومًا بعد يوم ، ليمر وقت طويل حينها فقط أتي الرد برأسها بعد إنتهاء الأمر تمامًا فياليت الردود المتأخرة تدرى بأى وقت تتجلى فقد أهدرت حقوق لتأخرها …
لم تجد سوى نفسها بعد وقت طويل لتردف …
– إبنك يا “عاطف” مش شبهك … إبنك عمره ما حب اللي إنت بتحبه … ولا يمكن أجبره يكون نسخة منك … “زين” لازم يكون حد تاني لكن مش “عاطف” …﴾
عادت لواقعها وهي تضع قنينة العصير بالبراد الذى إمتلأ بعصير الفراولة فقط ولم يتواجد به زجاجة واحدة من هذا الكيوي بعد الآن …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوم عمل طويل يكفي إرهاقه المتكرر ، يتوق المرء لنهاية دوامه ليتخذ طريق عودته حيث الراحة والإسترخاء بعكس “رؤوف” الذى بدأ إرهاق من نوع آخر بعد مقابلته لـ”نيره” لبحثهم عن أثاث مناسب لشقتهم …
بنفس طيبة كان ليتحمل هذا الإرهاق لكن “نيره” كانت تتمتع بذوق مختلف صعبة الإرضاء فقد بائت جولتهم منذ ساعات بالفشل فلم يتحصلا على غرفة واحد ترضي ذوق “نيره” الصعب …
بأعين زائغة مرهقة وقف “رؤوف” بأحد زوايا معرض الأثاث يدفع بعيناه الناعسة للبقاء متيقظًا فهو يبدأ يومه منذ الصباح الباكر ويغلبه النعاس مبكرًا أيضًا …
إستدارت نحوه “نيره” وهي تحدجه بنظرة حادة أثناء حديثها مع أحد الموظفين بهذا المعرض لتهتف به بإنفعال …
– إنت واقف هناك وسايبني أختار لوحدي … أوووف …
تحرك “رؤوف” يجر ساقيه المتعبتان ينقل بصره بين الموظف تارة وبين “نيره” المنفعلة تارة أخرى ، حاول رسم بسمة على شفتيه لكنها خرجت مرهقة متكلفة للغاية ، إحساس متعاظم بالتعب لم تقدره “نيره” بينما شعر به الموظف لما وجده من شخصية “نيره” المتطلبة فهي بالتأكيد شخصية مُرهقة بالتعامل معها …
حاول “رؤوف” السيطرة على إنفعالها بحنانه المعتاد …
– يا روح قلبي أنا سايبك تختاري اللي تحبيه … دى مملكتك إنتِ … وإنتِ لازم تكوني مبسوطة وسعيدة فيها ..
عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي تجيبه ببعض التحكم وفرض الرأى …
– ولو …. لازم تكون معايا … أنا مش حقعد فيها لوحدي …!!! أينعم أنا ذوقي حلو … بس لازم تكون معايا …
حرك رأسه بخفة منصاعًا لها فهي معها بعض الحق بذلك لينصت لما سيعرضه عليهم الموظف حين إستكمل موضحًا …
– وعندنا كمان أوض النوم المودرن دي زى ما حضرتك شايفه كدة …
ألقت “نيره” نظرة سريعة بنوع من التقزز نحو الجانب الذى أشار إليه لترفع كتفها وتهدله بعدم تقبل وقد إمتعض وجهها بنفور قائله …
– لأ … مش قد كدة … شوف … أنا عاوزة شكل معين … حاجة كدة واو … مش أى حاجة والسلام … لو عندكم كتالوجات أحب أشوفها وممكن أقولكم على تصميم معين تصمموهولي وبالألوان إللي أطلبها …
– تحت أمرك يا فندم … أجيب لحضرتك كتالوجات بالتصميمات المتاحة …
تركهم الموظف ليعود بعد قليل حاملًا بعض الكتيبات التى تحمل تصميمات لغرف عديدة ، أخذت “نيره” تقلب بين صفحاتهم بتملل وهى تطالع الصور لتلك التصميمات لتمتعض برفض لما تراه قائله ..
– لا لا … مفيش فيهم حاجة عجباني … كلهم ذوقهم وحش أوى … ( ثم إلتفتت نحو “رؤوف” الذى أصابه الملل والإرهاق يحلم باللحظة التى يعود بها لفراشه ليغط بنوم يتتوق إليه بالفعل حين وجهت له “نيره” حديثها ) .. يلا يا “رؤوف” نشوف مكان تاني … مش عاجبني حاجة هنا …
حلقت مقلتيه بتشتت وهو يردف بهمس منهك القوى …
– مش قادر يا “نيرو” … كفاية كدة النهارده … إحنا لسه حنروح مكان تاني …؟!!
نفخت “نيره” بضجر من تصرفات “رؤوف” التى تسبب لها الضيق لتهتف به بإنفعال دون إكتراث لوجود الموظفين من حولهم …
– مش معقول كدة …!! كل يوم تأجيل تأجيل … هو إنت مينفعش تكمل حاجة كويس لحد الآخر … كل حاجة لازم تبوظها وتخليها دمها تقيل …!!!
وضعه كفه بدهشة فوق صدره متسائلًا بتعجب وإنزعاج ..
– أنا يا “نيرو” … أنا …؟!!!!!
حملقت بقوة تجاهه وهي تستكمل بذات الحدة كما لو تعنف طفلها الصغير …
– أيوة إنت … إنت كدة على طول … مفيش وقت إلا ولازم تزعلني فيه …
سحب “رؤوف” نفسًا عميقًا مطولًا قبل أن يزفره دفعة واحدة محاولًا التروى قبل أن يجيبها ليتغاضى عن حدتها ويحاول إرضائها حتى إن كان ذلك على حساب راحته وإرهاقه الذى تمكن منه ..
– خلاص حبيبي … زى ما تحبي … يلا نكمل … ولا تزعلي …
هو ليس بعديم الشخصية بل هو يؤثر ألا يسبب لها الضيق بمواقف يمكنه أن يتغاضى عنها أو يتحمل لأجلها ولأجل إسعادها فهي عروس ومن حقها بعض الدلال بإختيار ما تحب حتى لو على حساب نفسه ، ليتخذا طريقهما مستكملان مرورهم بالمعارض بحثًا عما تحبه “نيره” ويرضيها …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مكتب عيسى للمحاماة …
تفاجئ “عيسى” بحضور والده لمكتبه ليرحب به بحفاوة شديدة وقد إتسعت بسمته حين نهض من مقعده لتحيته .
رسخ “خالد” بأبنائه جميعًا أخلاق عالية ومحبة برغم شخصيتهم القوية ، كنز تأصل بنفوسهم هو محصلة عمر طويل من العمل والأخلاق والإلتزام ، ربما لم يورثهم المال لكنه على الأقل يشعر بالرضا لما بثه بنفوسهم من تربية صالحة وأخلاق عالية …
رغم تبدل خصلات شعر “خالد” للونها الأبيض المخلوط ببعض الشعيرات السمراء التى مازالت تحتفظ برونقها بعد إلا أن له مهابة مرجفة خاصة بنفوس أبنائه لم يكنون له إحترامًا وهيبة وقوة ، تلك الرجفة التى أصابت “عيسى” بحضور والده ليهتف ..
– بابا …!! أهلًا يا بابا … إتفضل …
دلف “خالد” بخطواته الرزينة لداخل المكتب قائلًا …
– أنا قلت أعدى عليك نروَّح سوا … مش خلصت شغلك ولا لسه …؟!!
أشار “عيسى” نحو أحد المقاعد الجلدية بتأدب وتوقير لوالده أولًا ..
– إتفضل أقعد الأول … أنا باقي لي حاجة بسيطة أوى ونروح على طول ..
أومأ “خالد” بتفهم ليجلس متفحصًا أرجاء المكتب بعيناه المتجولتان متطلعًا نحو المكتب وترتيبه المنظم للغاية يشبه “عيسى” تمامًا …
– حلو ترتيبك الجديد للمكتب …
إثناء والده عليه لهو بمثابة شهادة تقدير ذات قيمة عالية ليسعد “عيسى”بذلك مردفًا ..
– حسيت إن كدة أفضل والملفات أوضح بالنسبة لي …
ثم تطرق لسؤاله عمن تشغل قلبه وعقله ينبوع حياته …
– “غدير” نزلت لكم يا بابا … أحسن أنا قلقان عليها أوي ؟؟؟
– لا متقلقش .. والدتك طلعت لها قبل ما أنزل … وكمان عملت لها الحجازية اللي بتحبها …
إطمئن بالًا ليهتف بنوع من المزاح …
– طالما فيها حجازية يبقى كدة “غدير” حتبقى تمام التمام …
دلفت “سندس” تقطع حديثهم بإبتسامة أظهرت شفتيها العريضتان متحدثه بنبرة ودوده للغاية وهى تميل بصينية وقد وضع عليها فنجانين من القهوة ..
– إتفضل قهوتك يا سيادة المستشار …
لم تلقى “سندس” الترحيب المرجو من طريقتها الودوده وتقديمها للقهوة بنفسها ، بل لاقت ضيق وإقتضاب بوجه هذا المُسبب للإضطراب بنفسها …
– قهوة …!!!! أنا مطلبتش قهوة يا … أستاذتنا …
رمقها “عيسى” بضيق ثم سألها بنبرة حادة …
– إنتِ جايبه القهوة بنفسك يا أستاذة …؟؟؟
وأصر “عيسى” على نطق كلمة (أستاذة) بتلك الحدة للإلتزام بحدود عملها بالمكتب ثم إستكمل متسائلًا …
– لو كنا عاوزين قهوة كنا طلبناها من عم “شاكر” …!!
إبتلعت ريقها بإضطراب وهى تملس على شفتيها الجافتين بطرف لسانها ترطبه قليلًا قبل أن تردف بتوتر …
– وهو يعني سيادة المستشار أى حد …
أمسك “خالد” بالفنجان الذى تقدمه نحوه لينهي هذا الوضع الغير مستساغ بالنسبة إليه فيما تقدمت بخطوات قليلة لتناول “عيسى” فنجانه حين إستمر بالتطلع نحوها بذات النظرة الغاضبة ثم هتف بحدة …
– شكرًا … مش عاوز …
إستقامت “سندس” وهى تلملم نفسها المهتزه بفعل كلاهما والذى كادت أن تظهر تملقها الزائد لوالد “عيسى” لتتراجع نحو مكتبها بالخارج بنفس مضطربة كمن يحاول سرقة ما ليس له وأمسك بالجرم المشهود …
وضع “خالد” فنجانه جانبيًا محدثًا “عيسى” بذات الغموض …
– شاطرة أستاذة “سندس” .. مش كدة …؟!!
تساؤل يحمل عدة معانٍ أراد بها “خالد” معرفة سبب عملها بمكتب “عيسى” منذ فترة طويلة ، ولم هي بالخصوص وليس غيرها ، خشية أن يكون الأمر يتعدى مساعدة له بالمكتب ويكون هناك علاقة لا يعلمها بين كلاهما …
رفع “عيسى” رأسه تجاه والده ليجيبه بنفس الذكاء الذى ورثه منه بصورة تلقائية ألقت الإطمئنان بقلب “خالد” حين أجابه بهدوء وحزم …
– “سندس” محامية شاطرة .. وذكية جدًا … وده رغم عيوبها … إلا إن ده اللي مخليها مستمرة معايا …
لم يكتفي بذلك السبب للإيضاح فطبيعته المتسائلة كقاضي جعلته يبحث دومًا عن اليقين ، كما أن إعتبارهم “غدير” إبنة لهم جعله يتحرى الأمر كما لو كان بهذه اللحظة والدها هي وليس “عيسى” …
– يعني شغلها ده مفيش غيرها يقدر يعمله …؟؟!! (ثم إستكمل بذكاء) …أصل إنت عارف البنات مش لازم تتأخر بالليل كدة !!
تلقائية “عيسى” وثبات نبرته بالإجابة كانت بمثابة دليل على صدقه كما يرى والده ..
– هي مشتكتش قبل كدة …ويمكن يكون فيه طبعًا حد شاطر زيها لكن للأسف أنا لحد دلوقتِ مقابلتهوش عشان يساعدني هنا فى المكتب …
لثقته بوضوح وإستقامة ولده بدل “خالد” سياق الحديث لآخر فيكفي أسئلة بهذا الأمر حتى لا يأخذ أكثر من حده ..
– أنا لسه جاي من شركة عسرانكو للإستيراد والتصدير .. عرضوا عليا شغل معاهم كمستشار قانوني .. والصراحة لقيتهم شركة كويسة والفرصة مناسبة جدًا ليا …
بإنبهار متفاجئ بما يخبره به والده إستطرد “عيسى” …
– بجد … دى فرصة كويسة جدا يا بابا .. مبروك …
بإيمائة خفيفة إستقبل “خالد” تهنئة “عيسى” له ليردف بنبرة حازمة …
– طب مش يلا بينا ولا إيه … كدة الوقت إتأخر …
– أكيد … أنا خلاص كفاية كدة النهارده …
أغلق “عيسى” الملفات ليضعها بدرج مكتبه أولًا قبل أن ينهض مغادرًا برفقة والده ليعودا إلى البيت لتناول وجبة عشاء لطيفة برفقة “منار” و”غدير” التى شعرت بالإمتنان لوجودهم حولها وتعويض ما فقدته من دفء أسرى فكم هي محظوظة إلي جوارهم …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكوخ …
بين أمواج من الأفكار وصمت لاح في الأفق تشتت دون يقين هل ما أحسست به هو شعور بالسعادة أم هروب من عقلي لتجنب الوحدة والحزن …
تنهدت “عهد” وهي ترى ما آلت إليه الأمور وبقيت جالسة بالبهو وحيدة ، فوق تلك الأريكة التى تتوسط الأرجاء جلست محاولة البقاء واعية فلن تترك نفسها تسقط فى راحة النوم ، عليها أن تبقى سواء مخيرة أم مسيرة …
عبثت بهاتفها لبعض الوقت وهى تسترق النظر بين الحين والآخر تجاه غرفة المكتب الخاصة بـ”معتصم” حيث جلس هو و “كاتينا” يتجنبونها حتى يحل الصباح …
كانت أشبه بالرقيب عليهما ، وجودها خارج غرفة المكتب جعلهما حبيسان الداخل حتى الحديث قد قطع تمامًا فهي لم تسمع أصواتهم منذ مشادتهم وطلب “معتصم” منها الرحيل وجلوسها بعناد ترفض ذلك …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجبة عشاء أخرى منهكة القوى قام بها “رؤوف” برفقة “نيره” بعد تجول دام لساعات للبحث عن واقع ملائم لخيال “نيره” بأثاث بيتهم الجديد …
إنتهى بهم المطاف بأحد المطاعم لتناول الطعام كما أصرت “نيره” فـ”رؤوف” من النوع المتخوف من تناول أى طعام خارج البيت لشعوره بعدم نظافته وأنه لابد أن يكون ملوث …
وسوسة تشعره بعدم الإرتياح لكنه مجبر الآن حتى لا تظن “نيره” أنه بخيل كما تنعته دائمًا فهو موضع خلاف آخر بينهما …
قلبت “نيره” نظرها بإنزعاج من تأفف “رؤوف” من طعامه لتنهره بحدة …
– ما تاكل كويس يا “رؤوف” … ولا الأكل مش عاجبك برضه …؟!!
– هاه … لا أبدًا باكل أهو يا “نيرو” … إنتِ عارفه مش بحب الأكل بره البيت أوى …
تذكرت “نيره” عزيمة والديه لتكز بأسنانها بغيظ مردفه بسخط ..
– أاااه … قول كدة بقى … بتحب أكل البيت … ومياصة الناس اللي فى البيت …!!!
هز رأسه بدون فهم لمقصدها مردفًا بتساؤل …
– قصدك إيه …؟!!
رفعت حاجبيها وهى توضح بإستياء …
– قصدى الست “غدير” وأختها دى اللي إسمها “مودة” …
لم يدرك ما الرابط بين تناولهم العشاء وبين زوجة أخيه وأختها لتسائل بعدم فهم ..
– مالهم بس … دخلتيهم فى العشا ويومنا ليه …؟!!
هتفت وهى تدنو برقبتها للأمام وقد ظهرت أسنانها بإنفعال من بين شفتيها لتخرج كلماتها نبرة غاضبة مشحونة النفس بغيظ شديد منه ومنهن …
– ليه …؟!! أقولك ليه … لأنك واحد عينك زايغه .. وهم كمان … بيحشروا نفسهم كأنهم بيفهموا اللي محدش بيفهمه …
تذكر هجوم “نيره” على “غدير” ومن قبلها “مودة” بالأمس ليضطر بإسلوبه اللطيف إمتصاص غضب “نيره” وغرورها لشعورها بأنها لابد وأن تكون الافضل فهو لن يتحمل مشكلة جديدة منها ليردف بلطافة ..
– سيبك منهم يا قلبي … هو فيه زيك إنتِ ما شاء الله عليكِ … عبقرية … عارفه كل حاجة … مش شايفه ذوقك فى العفش عامل إزاى … ( ثم أكمل مغيرًا مجرى الحديث بذكاء ) … دى الشقة حتبقى تحفة فنية … حاجة كدة مجاش ولا قبلها ولا بعدها …
تملق ذوقها الراقى جعلها تتراجع عن حدتها لتشعر بالزهو من نفسها وذوقها مردفة بغباء حيث إنساقت خلف ما أرادها التوجه إليه …
– بجد عجبك ذوقي …؟!
– تحفة …
قالها وهو يعيد جذعه للخلف فقد وصل لما يوده وإنتهت مشكلة كانت على وشك البدء …
أردفت “نيره” بغرور وتباهي …
– عشان تعرف إن “نيرو” مش أى حد ولسه لما تشوف الفرش كمان حتبقى الشقة واو … مش زى شقة أخوك “عيسى” …
بهت من إنتباهه بأنه مازال أمامه شوط طويل للغاية بإختيار ما تتحدث عنه لتأثيث الشقة ليكتفى بإيمائة مشتته وبسمة مصطنعة تخفى هذا العناء الذى ينتظره مع “نيره” صعبة المراس ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليل طويل يسير بطريقه ليتبعه بداية يوم جديد ، يوم روتيني على البعض ، يترقبه آخر كمن ينتظر حلول الصباح بنفس متشوقه …
مكتب طه قدرى …
بوجه قلق وملامح مكفهرة أخذ “طه” يتحرك بعشوائية وهو يستدير بجسده النحيل نحو أحدهم يخرج ما به من ضيق بوجهه دفعة واحدة …
– يعنى إيه يا “سامح” … يعنى إيه مش عارف … أنا لازم أعرف كل التفاصيل …
أجابه رفيقه بتملل من تكرار طلبه الصعب للغاية …
– آخر المعلومات اللي عرفتها إنها وقت العاصفة إنفصلت عن المجموعة والإتصالات صعبة من وقتها … ومش عارف حاجة غير كدة …
مال “طه” قليلًا وهو يشير بذراعه كاملًا بإتجاه الباب قبل أن يكز بأسنانه بحنق …
– ما هو اللي أصر إنها تطلع … شغلانة زى دى أنا قلت إنها متنفعهاش … أعمل إيه دلوقتِ …؟!
مسح وجهه المنفعل محاولًا التحلي ببعض الهدوء والروية بالتفكير ليستطرد بعد أن زفر بعض الهواء الذى أثقل رئتيه …
– تقب وتغطس تجيب لي كل التفاصيل عنها .. أنا مش حفضل قاعد هنا ومش عارف حاجة … فاهم .. كل حاجة لازم أعرفها …
أومئ “سامح” بتفهم ليجيبه بعملية …
– أنا حعمل اللي أقدر عليه … بس أنا رأيي تريح نفسك فى الحكاية دى …
برفض قاطع أجابه “طه” …
– لأ … لا يمكن أبدًا … مش هو إختارها تسافر … ومسمعش كلام حد فينا … يبقى لازم أكون عارف باللي بيحصل خطوة بخطوة ….
زم “سامح” شفتيه بإمتعاض من إصرار “طه” على تعقب “عهد” بتلك الصورة دون علم رئيسهم “نظمى” ليردف بتملل …
– ماشى … حاضر …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكوخ …
نعاس يغلب عيناه القاتمتين دون السماح له بالتملك منه ، هكذا قضى “معتصم” ليلة طويلة للغاية بغرفة مكتبه خاصة وقد شاركته بها “كاتينا” لمَ أظهرته من تخوف من “عهد” لتبقى نائمة فوق أحد المقاعد بينما بقى هو ساهرًا متعبًا لم يغمض له جفن …
بأعين مرهقة إنتظر إستيقاظ “كاتينا” لتحضر له بعضًا من مشروب القهوة لتساعده على البقاء صحوًا وتزيل من بعض ألم رأسه الذى حل به …
فتحت “كاتينا” عيناها الناعستان لتقع زرقاوتيها على “معتصم” الذى مازال يعبث بحاسوبه ، تمللت بنومتها لتستند محاولة الإعتدال من تلك النومة السيئة فوق المقعد لتردف بنبرة ناعسة ناعمة للغاية لولا قدرته على التحكم بنفسه القوية وأخلاقه التى لا تسمح له بالإنحراف أو التدني عن طريق الإستقامة لكان فاه بنعومتها التى لا تقاوم …
– صباح الخير “ماوصي” .. هل مازالت متيقظًا منذ الأمس …؟!!
أجفل جفناه لوهلة بإرهاق وهو يجيبها بإيمائة خفيفة من رأسه ..
– نعم … هل يمكنك صنع لي بعضًا من القهوة فرأسي يؤلمني للغاية …
وقفت ببطء وهي تمطئ جسدها النحيل قائلة …
– بالطبع “ماوصي” … لا عليك إنه أمر بسيط للغاية …
أوقفها “معتصم” بسؤال قلق ..
– “كاتى” … هل تظنين أن بقائنا هنا مع “عهد” أصبح آمنً …؟؟
إلتفتت إليه “كاتينا” بوجه قلق لتتفكر قليلًا قبل أن تجيبه وهى تقلب شفتيها بعدم إدراك ..
– لا أدرى … لكنها ليست إنسانة متزنة بالتأكيد وعلينا الحرص منها قدر الإمكان لقد كادت تقتلك بالأمس …
زم “معتصم” شفاهه بخفة وهو يوضح لها المأزق الذى يحيط بهما …
– أعلم ذلك … لكن إلى أين يمكننا الذهاب … إن الطرق مقطوعة والجبال تحيط بنا من كل الإتجاهات … إن الأمر متأزم للغاية … حتى أننى لا أجد حلًا للأمر …
تنهدت “كاتينا” بتشتت ولاذت بالصمت لبرهة قبل أن تجيب حيرته …
– حقيقة لا أعلم … لكن بالتأكيد سنجد مخرجًا … سأصنع القهوة أولًا ثم أعود إليك …
خرجت “كاتينا” من غرفة المكتب متجهة نحو ركن المطبخ لتحضير القهوة لكنها مرت أولاً من أمام “عهد” التى مازالت مستيقظة هي أيضًا منذ الأمس فيبدو أن النوم زائر بعيد لم يصاحبهم بالأمس …
نظرات نارية حاقدة بين كلتاهما لترمق “كاتينا” بحدة تخص “عهد” بنظراتها المتقززة بينما أعلت “عهد” من هامتها ، تنظر بإحتقار لتلك الضئيلة …
قطة شرسة تماسكت رغمًا عنها عن الإنفلات والإنقضاض على تلك الشقراء لكنها لن تكون بهذا الضعف ويجب عليها التحلى بالحكمة والتصرف بعقلانية حتى لا تُفسد الأمر كافة …
لكن الأمر لم يخلو من تلك النظرات التهديدية من عيناها القويتين ، مع حركة “كاتينا” لإعداد القهوة شعرت “عهد” بثقل يجذب جفناها بقوة لتغمض عيناها بدون إرادتها بين غفوة وإستيقاظ …
نوم متقطع وأعين زائغة ذلك ما تحصلت عليه ببقائها هنا بالبهو …
أفاقت “عهد” بعد مرور بعض الوقت لتشعر بألم قوى يجتاح رأسها إثر غفوتها الغير مريحة ، ضغطت جفناها بقوة تجبرهما على الإتساع ومحاولة التركيز لكنها كانت مرهقة مشتتة للغاية …
نهضت متجهة نحو ركن المطبخ لتتخطى تلك الحالة بإحتسائها لفنجان من القهوة التى حضرتها “كاتينا” منذ قليل ، فيبدو أنها غفت حين أنهت تحضيرها …
وقفت بذهن مضطرب وبدون تركيز تتجول بعيناها الزائغتان بتشتت ثم إتجهت نحو أحد الأركان تناظر أحد الأرفف والذى وضعت عليه قارورات الأدوية وبعض العلب المختلفة لتحاول التقليب بينهم لإختيار أحدهم فلابد أن بهم علاج لهذا الصداع …
سحبت قارورة صغيرة وقد دون عليها (منوم قوى للغاية) ،( قرص واحد منه كفيل للتسبب بالنوم العميق لكن إن زادت الجرعة فهو مميت بالتأكيد )…
أخرجت محتوى العلبة وهى تناظر ما براحتها من أقراص بأعين متسعة وبريق مندهش فقد أدركت للتو ما عليها فعله …
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)