روايات

رواية ظننتك قلبي الفصل السادس 6 بقلم قوت القلوب

موقع كتابك في سطور

رواية ظننتك قلبي الفصل السادس 6 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الجزء السادس

رواية ظننتك قلبي البارت السادس

ظننتك قلبي
ظننتك قلبي

رواية ظننتك قلبي الحلقة السادسة

«عزيمة غذاء»
شعور يبقى بداخلي فقط لا يجب عليه التحرر ، شعور يجب أن يستوطن القلب ، والقلب فقط لا يمكنه الظهور ، فليكتب عليه الموت بداخل تلك الضلوع بإرادتي فأنا من أسيطر عليه ، فهذا قلبي أنا …
لكن إن توجب عليه الظهور فلتذكرني بأنه لا يمكن !!!
هدوء عم أرجاء غرفة “عهد” الجديدة بهذا الكوخ بعد أن دلفت إليها منذ قليل تاركة “معتصم” و “كاتينا” يقضيان سهرتهما الطويلة لتتقدم بخطوات متباطئة بملامح مختلفة ، ليست تلك “عهد” التى تعتادها ، بل هي “عهد” تظهر بوحدتها فقط ، طفلة تتمنى من يمد لها يدًا حانية ، نعم لديها قلب وشعور وإحساس لا تظهرهم إلا لنفسها فقط …
زفرت نفسًا مطولاً قبل أن تتقدم تجاه المرآة تنظر لنفسها بإنعكاس صورتها وملامحها الجامدة المقتضبة ، لحظات من التردد قبل أن ترفع كفها تجاه عُقدة شعرها لتسحبها نازعة إياها لينفلت خصلات شعرها الناعمة كسيل من موج أسود يغطي جنبات وجهها المستدير …
لحظة تغيرت بها ملامحها لأنثي جميلة فاتنة للغاية ، أظهر شعرها المنسدل عيناها الناعستان قليلًا وأحاط وجنتيها مبرزًا حمرتهما الطبيعية ..
تمعنت بملامحها الناعمة التى تخفيها خلف هذا القناع المُهلك ببعض من الإعجاب بنفسها وأنها أنثى مثلها مثل تلك الشقراء ، رفعت جفناها بحركة ناعمة مدللة تشعر بخيلاء من جمالها البارز المختلف بلحظة نعومة مسروقة من حياتها القاحلة …
سرعان ما أدركت تصرفاتها المتمايعة لتنهر نفسها بقوة ..
_ إيه إللي إنتِ بتهببيه فى نفسك ده !!!!
ثم أخذت تلوم نفسها على ما تفعله وما أصابها به هذا الغريب …
_ حيكون مين ده إللي يأثر فيكِ للدرجة دى عشان تتغيري بالشكل ده عشانه … إنتِ إتجننتي يا “عهد” …
إبتلعت ريقها وهي تسخر من نفسها التى تحدثها وتلومها وربما تغضب وتنفعل عليها …
_ لا … ده أنا إتجننت رسمي ، بكلم نفسي ، من يوم واحد شفته فيه بقيت أكلم نفسي …
حركت رأسها نفيًا بقوة تستعيد جمودها الذى تعرفه جيدًا …
_ لا يمكن ، ولا هو ولا غيره يكون السبب إني أتغير ، أنا برضه “عهد مسعود” ولا يمكن أتغير أبدًا عشان أى حد … كفاية عليه البت الصفرا إللي تحت … اه .. أنا هنا فى شغل وبس …
زمجرت بقوة وهي تلقى بنفسها فوق الفراش تتمالك نفسها التى كادت تميل بهذا المنحدر الذى ترفضه وبشدة ، فلن تترك لمشاعرها أن تسوقها بل يجب أن تكون هي المتحكمه بها وليس العكس …
سحبت غطائها لتتدثر به جيدًا سرعان ما غطت بنوم عميق فهي مرهقة للغاية دون أن تدرى …
________________________________
بيت النجار ، شقة “زكيه” ..
بعد إنتظار مقلق لـ”زكيه” و”نغم” بالشرفة وهم ينتظران عودة “شجن” من عملها بالمستوصف ، خاصة عند ملاحظة “زكيه” لوقوف “راوية” بشرفتهم بالدور السفلي جعل قلبها يتخبط خوفًا من أن تُبلغ “صباح” وتعاد مشادة الصباح مرة ثانية ، لكن هذه المرة “مأمون” ليس هنا ليخلصهم من أمه سوداء القلب …

تهدج صدر “زكيه” بتخوف وهي تهمس بأذن “نغم” …
_ “راوية” واقفة فى البلكونة هي كمان ، يا رب ما تقول لأمها …
أسقطت “نغم” رأسها تتطلع بعيناها الواسعتان اللتان يظهران من أسفل غرتها المتدلية فوق عينيها بنعومة ثم رفعت وجهها تجاه أمها بإمتعاض …
_ واقفة فعلًا ، ربنا يستر منها ومن أمها …
مصمصت “زكيه” شفتيها وهي تردف بإمتنان …
_ كتر خيره “مأمون” إبن عمك ، لولاه كان زمان أمه بهدلتني الصبح …
برودة سارت بجسدها للحظة وقد زاغت عيناها تتجول بين واجهات المحلات أمامها ثم أردفت بتشتت …
_ أه والله ، كتر خيره …
ضيقت أمها حاجبيها بقوة وهي تنظر بنفس الإتجاه الذى تنظر به إبنتها بتعجب …
_ بتبصي على إيه …؟!
إضطربت “نغم” وهي تنكر بحثها بأعينها الواسعة …
_ لا ولا حاجة ، بشوف “شجن” جت ولا إيه … ( ثم إنتبهت لقدوم “شجن” لتصرف إنتباه والدتها عن توترها ) … “شجن” جات أهي ، حروح أفتح لها الباب …
دلفت “نغم” إلى الداخل بتعجل تستقبل أختها التى عادت للتو ، لحقتها “زكيه” بعدما إرتاح قلبها بعدم إبلاغ “راوية” لأمها بعودة “شجن” لا تدرى هل “رواية” لم تنتبه لها أم أنها لم تلحق بإخبار “صباح” لكن بالنهاية فقد مر الأمر بسلام وعادت “شجن” للبيت ..
_ حمد الله على السلامة يا حبيبتي … تعالي ، تعالي …
بنهاية يوم عادي بحياة غيرهن إلا أن روتين الحياة العادية وهدوئها يمر بحياتهم بصعوبة للغاية خاصة بوجود زوجة عمها التى تلاحقهم بكل الأوقات …
جلس ثلاثتهن يتناولن الطعام لتزف “شجن” خبر فرصة عمل لأختها كمن إقتنص لها فرصة لا يمكن تكرارها …
_ لا وإيه ، من بكرة أنا و”نغم” حنشتغل يمكن ربنا يتوب علينا ونطلع بره بيت العيلة بقى …
بوجه قلق من رغبة إبنتها جلست “زكيه” ملتزمة الصمت لكن بداخلها رفض لما تتمناه إبنتها فلن تترك حقهم ببيت النجار لتهنأ به “صباح” فهو كل ما يملكونه من حطام تلك الدنيا ، بينما علت وجه “نغم” إبتسامة سعادة لحصولها على فرصة عمل أخيرًا …
_ المهم إني حشتغل وبعدها نبقى نشوف قصة البيت وقعدتنا ده …
تنهدت “شجن” بتحسر …
_ طيب …
________________________________
كعجلة تدور فى الهواء تستنفذ طاقة عظيمة لكنها بالنهاية تدور فى الهواء ويضيع جهدها سدى ، تمامًا كتلك المعادلات الرياضية التى بالنهاية محصلتها صفر …
فإلى متى ستنفذ الطاقات فى هواء يتطاير مع الريح دون جدوى ، إلى متى سأظل أتحمل ما لا أريده فقط لفكرة وضعتها بمخيلتى أن أخشى من الخسارة …
وهل نفسى لا تعتد خسارتها من أولوياتي بعد ؟؟؟
ها هى ساهرة بإرادتها تناظر الساعة التى تخطت الثالثة صباحًا ، لا تشعر بالنعاس ولا الإرهاق ليس كمثل هذا اليوم الذى كانت تشعر برغبة قوية النعاس ، أرادت لو أن لها الإختيار بموعد نومها وإستيقاظها كما هي الآن لكن وقتها كانت مجبرة على السهر برغم رغبتها الملحة بالخلود للنوم وتناول قسط من الراحة …

(فلاش باك)
﴿ضغطت “وعد” عيناها بقوة قبل أن تفتح جفناها المرهقان تحاول إستعادة بعض النشاط والبقاء متيقظة قدر الإمكان رغم تخطى الساعة الثالثة صباحًا ، تنهدت ببطء فقد أعياها هذا السهر خاصة وهي تستيقظ مبكرًا للغاية مع ولدها “زين” الذى أصبح يستيقظ مبكرًا للغاية بالآونة الأخيرة …
كم كانت تود لو تغفو قليلاً ويكون لها الحرية في ذلك ، لكنها تشعر بأنها مقيدة بكل تصرفاتها حتى بوقت راحتها ونومها فهي رهن إشارة بيت العائلة …
عادت لتجلس بمقعدها بغرفة المعيشة الكبيرة بشقة والدى زوجها “عاطف” بهدوء تحاول تجنب أى نوع من المشاكل خاصة بوجود أخت “عاطف” الكبرى “عتاب” ، تلك المرأة التى شارفت على عامها الثالث والأربعين والتى تحظى بمعاملة خاصة بهذا البيت كونها مطلقة تعيش ببيت والديها بحرية تتحكم بكل شئ به حتى بها أيضًا …
_ هاتي يا ماما الريموت إللي جنبك ده …
نطقت بها “عتاب” لتتولى أيضًا فرض رأيها على الجالسين لمتابعة ما تهواه هي فقط …
“عتاب الأسمر” سيدة أربعينية نحيلة الجسم لها وجه محدب طويل وشفتان غالبًا ما تميلان بإمتعاض لكل ما يدور حولها فهي لا تستحسن شئ بالمرة ، متسلطة كارهة للجميع برغم إظهارها لإهتمامها بكل ما يخصهم جميعًا كما لو كانت كبيرة تلك العائلة تعشق فرض السيطرة والشعور بالقوة …)
مدت أمها “قسمت الجويلي” يدها بالريموت كنترول تجاه إبنتها قائلة …
_ أهو يا “عتاب” ، ما تخلي الفيلم ، ده حلو والله …
رفعت “عتاب” ساقيها لتعقدهما أسفلها بنظرات متحكمة …
_ لأ ، بايخ ، حشوف لكم فيلم حلو …
لاحت نظرات إشفاق من أعين “وعد” تجاه ولدها الوحيد “زين” والذى تمدد أرضًا تغلُب عيناه النعاس وهو يلعب برفقة بنات “عتاب” الثلاث لتهتف به تنبه البقية لما توده لكنها كانت توجه حديثها لولدها بقصد إيصال طلبها بطريقة غير مباشر لوالدة زوجها ..
_ قوم يا حبيبي ننام فوق ، شكلك تعبان خالص …
زمت “عتاب” أولاً فمها بإمتعاض من طريقة “وعد” الحانية وطلبها المرفوض رفضًا تامًا …
_ هو إيه إللي قوم ننام فوق ؟!!! مش لما أبوه وجده وعمه يرجعوا من المعرض ويتعشوا سوا ؟!!! إنتِ حتعملي لك نظام لوحدك ولا إيه ؟!!
(ثم إستدارت تجاه والدتها تحفزها على الرد ).. ولا إيه يا ماما ؟؟؟ (ثم عادت تشير تجاه بناتها المستغرقات باللعب ) … ما هم بيلعبوا وزى الفل ، بلاش سهوكتك الزيادة عن اللزوم دى ، دة ولد مينفعش تربيه بمياعتك دى !!!!
لحقتها “قسمت” تستكمل إستهجان طريقة “وعد” كما فعلت إبنتها …
_ متخليش الواد يتعود على كدة ، لازم يطلع راجل ناشف زى أبوه ، وبعدين إزاى ينام وأبوه لسه مشافهوش ، ده طول اليوم بره …
قلبت “وعد” خضراوتيها بين كلتاهما وبين ولدها الذى سقط نائمًا دون إكتراث لما تقولانه فهو طفل لا يتحكم بما يريده الجميع بل بشعوره بالإرهاق والتعب فقط ..
لتنهض حاملة إياه فوق كتفها ممتثلة لطلبهم دون مجادلة …
_ طب هو نام ، خليه على السرير فى أوضة الأطفال جوه لحد ما يرجعوا …
أشرت لها “قسمت” بالإيجاب لتميل “عتاب” على أذن أمها بعد أن دلفت “وعد” تضع ولدها بالفراش حتى عودة والده ..
_ هي مش حتبطل سهوكتها دى ، بتغيظني يا ماما ، دى واكله عقل “عاطف” مش بعيد تخليه يخرج عن طوعنا كلنا وإنتِ فاهمه …
رفعت “قسمت” حاجبيها وأهدلتهما بمكر ..
_ طب إستني عليا ، إما خليت ليلتها سوداء على دماغها النهاردة ، قال تطلع تنام قال ، وإحنا فين هنا لما الهانم تطلع تنام وتسيبنا كلنا قاعدين نِخَدّم على جوزها عشان يتعشى … ( ثم توعدت لها بأعين متحجرة وبريق قاسي ) .. صبرك عليا يا بت “عايدة” …
وضعت “وعد” إبنها بالفراش ودثرته جيدًا متذكره حديث أختها “عهد” الذى تؤنبها به بكل لقاء بينهم لرضاها بحياتها الباهته مع عائلة محفوظ لتردف بتحسر …
_ غصب عنى يا “عهد” ، أمال أسيب بيتى وجوزى وأرجع للوحدة تانى ، ولا يطلع عليا لقب مطلقة طول عمرى ….
سأمت من الإنتظار لكنها مجبرة فهذه حياتها ببيت عائلة زوجها وعليها التأقلم على ذلك ، لم يمر وقت طويل حتى أُعلن عودة كبير العائلة برفقة ولديه بعد إغلاق المعرض وإنتهاء يوم عملهم بالتأكيد …
خرجت “وعد” من الغرفة لإستقبال زوجها ووالده وأخيه ، تقدمهم ببضع خطوات الحاج “محفوظ الأسمر” والد زوجها والذى دلف ملقيًا التحية أولاً …
_ سلامُ عليكم …
ترددت أصداء التحية ردًا عليه فيم بدأت “عتاب” بطريقتها المتملكة …
_ وعليكم السلام يا بابا ، إتأخرتوا يعني النهارده ..؟؟؟
جلس الحاج “محفوظ” يلتقط أنفاسه ويستمد بعض الراحة …
_ “محب” كان بيجيب بضاعة وإستنيناه لحد ما العمال حطوها فى المخزن …
نظرت “عتاب” نحو أخيها “محب” تود لو تستطلع كل التفاصيل عن العمل وتلك البضائع التى إبتاعها اليوم …
_ هي البضاعة كانت كتير أوى كدة يا “محب” …؟!!
إبتسم “محب” وهو يطالعها بصمت للحظات طالت وهي تحدق بعيناها السوداوتين بملامحه الوسيمة لوجهه الدائرى ولحيته الخفيفة التى زادت من إشراقة وجهه الهادئ بخلاف ملامحها القاسية ، إنتظرت بشغف مغلف بفضول أن ينطق موضحًا لكنه إكتفى بتلك الإبتسامة التى جعلتها تموج من داخلها بغيظ من طبعه الكتوم الذى يتخذه كلما سألته عن أى شئ …
“محب الأسمر” هو الأخ الأصغر لتلك العائلة شخص هادئ للغاية محدد لأهدافه وأعماله دون التطرق لأى مواضيع جانبيه تثير الجدل من حوله ، كتوم للغاية وغامض بشكل مثير للأعصاب ، لا يوضح أى أمر بالمرة بل يترك الأمور على ما فُهمت عليه ، لا يكثر من الحديث أو إيضاح ما يفكر به ، له شخصية مختلفة مستقلة تمامًا ، لكنه رغم ذلك يعمل مع والده بالمعرض الخاص بقطع غيار السيارات مشاركة مع أخيه الأكبر “عاطف” …
صمت أثار حنق “عتاب” لتهتف به بضيق …
_ الله ، ما تقول يا “محب” هو سر …!!!!
غمز “محب” بعينه اليسرى قبل أن يجيبها وهو يدلف نحو داخل الشقة ..
_ لأ ، إسالي “عاطف” ، أنا داخل أغير هدومي لحد ما تحضروا العشا …
زمت فمها جانبيًا وهي تردف بتملل …
_ طب يا أخويا ، خد بالك “وعد” دخلت تنيم “زين” على السرير جوه فى أوضة العيال …
رفع حاجباه وأه‍دلهما بإدراك دون الرد ليستكمل طريقه نحو غرفته ليتقابل مع “وعد” التى خرجت للتو لإستقبالهم …
_ إزيك يا “محب” …( قالتها وهي تعبر من جواره نحو الخارج دون حتى إنتظار رده الذى لم يكن سوى إيمائه خفيفه لم تنظر حتى “وعد” إليها )
خرجت “وعد” لملاقاة “عاطف” الذى كان يجلس إلى جوار والدته لتحاول شق إبتسامة مرهقة فوق شفتيها ..
_ حمد الله على السلامة يا “عاطف” …
عقص “عاطف” أنفه مظهرًا استيائه فيبدو أن والدته لم تتروى ببث سُمها فتلقته فور دخوله على الفور ، ليُظهر “عاطف” أمامها أنه رجل ذو خشونة يفرض سيطرته على زوجته أمام الملأ ليطالعها بداية الأمر بإزدراء ثم بدأ سلسة إهاناته المعتادة ..
_ لا والله ، لسه فاكره يا *** **** تيجي تشوفي جوزك …!!!
تهدج صدرها بقوة إثر سُبابه دون داعي فقط ليرضي والدته التى إعتلى ثغرها تلك البسمة الشامته ، هي لا تقبل الإهانة ولم تعتادها بحياتها ، لم عليها أن تتقبل هذا الإسلوب المهين الذى يتعامل به معها بعدما تزوجا ، لم يكن هذا طبعه الذى أحبته ، لقد كان لطيفًا ذو خلق ، ماذا حدث ليظهر هذا الوجه المقيت المغثى لروحها …
رغمًا عنها ولحساسيتها الزائدة إختنق صوتها بشدة وغامت خضراوتيها بدموع حاربت ألا تخرج الآن لكنها أبت الإنصياع لها …
_ فيه إيه يا “عاطف” بس ، ده أنا يا دوب نيمت “يوسف” …
إستقام “عاطف” ليظهر طوله إلى جوارها متشدقًا برأسه ليظهرها أدنى من أن تصل إليه ويجعلها ترفع من رأسها بصورة ملحوظة ليستكمل بزمجرة …
_ وهو ده وقته تنيميه ، هو أنا مش جاى عشان نقعد سوا … ( حدجها بمقلتيه الحادتين ببريق مخيف جعلها تنكمش أكثر من رد فعله المنفعل ) ، ولااااا لازم تمشي إللي في دماغك …!!!!
رفعت كتفيها للأعلى بقلة حيلة …
_ هو نام ، مش أنا إللي نيمته ، أعمل إيه ، ده طفل أربع سنين يعنى …
قبض زندها بقوة تخللت أصابعه الطويلة بداخله وهو يكز بأسنانه بغضب …
_ مش بمزاجك ، ولا بمزاجه على فكره ، غوري يا *** ***** صحيه …
يبدو أن لسانه إعتاد على تلك الشتائم والسباب بدون داعي لكن أذنيها لم تعتادها بعد لتخفض عيناها بتيهه منكسرة من إنفعاله وسُبابه خاصة أمامهم جميعًا لتضطر للإنسحاب لداخل الغرفة لتحضر “زين” وتهرب من تلك العيون السعيدة بمشاهدتها وهي تُعَنَف من إبنهم الفارض لقوته أمامهم …
إشرأب بعنقه بخيلاء وهو يعود لمقعده بعد تحرير “وعد” من بين يديه يلقى بنظرة تجاه والدته تفيد بـ (أرأيتي فأنا رجل قوى وأستطيع كسر أنفها ) ثم علت ثغره بسمة إنتصار وتلذذ قابلتها ما تماثلها بثغر “قسمت” و “عتاب” …
خرجت “وعد” حاملة “زين” الذى كان مستاءًا للغاية فهو لم يستغرق بالنوم لحقهم “محب” الذى دار بعيناه بوجه الجميع يحاول فهم ما حدث والسبب به لكنه لن يتدخل بين “عاطف” و “وعد” حتى لا تطاله كلمة غير مسؤولة من أخيه الأكبر بعدم التدخل بينهم ، تناول الجميع طعامه ليصعد “عاطف” و “وعد” و”زين” شقتهم بينما خلد البقية للنوم ..
رغم خطأه بطريقته الفظة لإرضاء والدته وأخته إلا أنه لم يحبذ أن يتطاول عليها بتلك الطريقة لكنه لن يعترف بخطئه أو يعتذر منها فهو بالنهاية “عاطف الأسمر” الذى تسعي كل بنات حواء لإرضاءه وعليها هي أيضًا البحث عما يرضيه ، هكذا قالها لنفسه لينهي الليلة بكبر نفس وضيق غير مبرر رغم محبته لها …﴾
كم تمنت لو أن تلك الليلة إنتهت بكلمة أسف حانية لكان الأمر تبدل تمامًا ، لكانت تغاضت عن تطاولة وإهانته لها ، لكانت أحبته ، صدع بداخل نفسها كان سببه “عاطف” ولم تستطع ترميمه أو تخطيه فقد بدأ بهدم أول حجر بعلاقتهما سويًا دون أن يدرى …
________________________________
ليل عاصف طويل لم يخلو من أصوات الرعد وتلك الومضات التى لم تتوقف من أنوار البرق الذى يدب بقلب “عهد” المرتجف فهي لا تخشى سوى أصوات الرعد كصرخات ينتفض لها جسدها .
لم يحميها من تلك الأجواء سوى وجودها بهذا الكوخ ، وبساعات الصباح الباكر إستيقظت “عهد” بموعدها دون تلكؤ أو تأخير تمامًا كما لو أن هناك منبه طبيعي يدق برأسها …
لملمت شعرها الحريرى بقسوة حتى لا تضايقها خصلاته التى تنفلت من وقت لآخر لكنها مازالت ترتدى الكنزة الرمادية الخاصة بـ”كاتينا” منذ الأمس .
هبطت الدرج تقلب أرجائه بمقلتيها الساخطتان من هذا الهدوء الذى يعم أرجاء الكوخ فيبدو أن أصحابه كالوطاويط ينامون نهارًا ويستيقظون فى الليل فيا لهم من كسالي لتغمغم بنبرة خفيضة …
_ أتاريهم بيقولوا لبعض صباح الخير العصر ، ناس مغيبه …
قالتها ترفض حياتهم ورعونتهم كما لو أنها عُينت وصية عليهم وعلى تصرفاتهم وليست ضيفة بهذا المكان …
رغم أن حياتها لا تختلف عن هذا الهدوء الذى يحيطها الآن إلا أن كسلهم إستفز روحها من داخلها خاصة هذا الرجل ، أطاحت بتلك الأفكار جانبًا لتتجه نحو زاوية الطبخ محدثه نفسها …
_ وهو أنا حفضل لحد ما يقوموا جعانة كدة ، مش كفاية القرف اللي أكلهولي إمبارح ، لا أنا حشوف حاجة أكلها …
إتجهت نحو تلك الزاوية التى صممت كمطبخ مفتوح لتلقي نظرة تفحصيه داخل المبرد كما لو كانت تملك المكان وليست ضيفة به ..
شعور بالرضا دق بداخلها حين وجدت بعض المعلبات ومنهم علب الفول الذى اشتاقت له لتسحب إحداها وتبدأ بصنع إفطار مصري أصيل من عدة أصناف تعوض به نفسها عن تلك الوجبه السيئة التى تناولتها بالأمس أنهتها بصنع مشروب الشاي بالنعناع الذى لا تستغنى عنه ببداية يومها …
وضعت الأطباق فوق الطاولة وقد أعدت وجبتها الشهية لكن ينقصها فقط الخبز ، عادت للمبرد تبحث عنه فهي لا تعلم أين يحتفظان به ..
صوت أرجف قلبها قبل جسدها لتلتفت بأعين متسعه وهي تزدرد ريقها الذى جف للحظة وهي تطالع صاحبه الذى وقف من خلفها ..
_ العيش فوق ، ومتنسيش تعملي حسابي ..
إستقامت بصمت تناظره وقد علت قاتمتيه عن نظرة مبهمة غير مفهومة بالنسبة لها ، نظرة كمن يستكشف ما بداخلها بإختراق لكل حصونها وهي عاجزة عن ردها إنتهت بجلوسه بمقعد حول الطاولة وهو يطالع الأطباق بتلذذ …
_ الواحد وحشه الأكل المصري وطبق الفول …
إرتشف رشفة من كوب الشاي خاصتها ثم أغمض عيناه بإستمتاع لمذاقها الطيب ، تعالت ضربات قلبها بقوة وما تعجبت له هو تلك الإبتسامة التى حاولت تشق طريقها فوق ثغرها لتنتبه لنفسها وتستعيد تماسكها وخشونتها مرة أخرى لتخرجه من تلك الحالة الهائمة بإستمتاع تناوله لطعامها وإحتساء كوب الشاي خاصتها لتهتف به بضراوة …
_ حاسب حاسب ، ده فطاري يا أخ إنت … أنا جعااانة …
أخرجته خشونتها من حالة التلذذ الذى كان يهيم بها ليفتح جفناه ممتعضًا بتهكم …
_ طوبة بتتكلم ، ده بيتي ده إللي إنتِ مبرطعه فيه …
قالها بإستفزاز ليحث ثورتها على الخروج فكم كان مستمتعًا بالأمس من إثارة أعصابها وحنقها ..
بإقتضاب لوجهها وعقص أنفها أجابته بإستهزاء …
_ حدفع لك تمنه يا أخويا ، وروح خلي العصفورة بتاعتك تعمل لك عك من بتاعها تاكلوا ، ربنا يوجع بطنكم زى ما وجعتوا بطني …
أجابها وقد قُلبت ملامحه بتذكره لطعام “كاتينا” سئ المذاق ..
_ الله يسامحك يا “كاتينا” …( ثم تطلع نحوها بطرف عيناه ليكمل بإثاره غيظها ) … أكلها وحش بس هي زى القمر …
بإيمائه تمثيليه توحي بالتقزز وهي تشمئز بأنفها وتخرج طرف لسانها عقبت “عهد”…
_ خليها تنفعك …
قالتها وهي تسحب الأطباق لجانبها تحرمه من تذوق طعامها ، بينما شعر “معتصم” بشئ يدغدغ مشاعره تجاه تلك الوقحة التى تطلق الكلمات كطلقات الرصاص ، طريقة جافه لكنها جذبت إنتباهه بقوة ، غريبة قوية فريدة من نوعها ، لم ينكر أنه إنجذب إليها دون سيطرة منه على نفسه لكنه أخفى ذلك خلف قناع النفور وهو ينحى بعيناه بالإتجاه المقابل ..
أعاد وجهه تجاهها متحدثًا بقوة يعقد معها إتفاق بإسلوب إسترق إنتباهها وكيانها معه …
_ حنتفق إتفاق ، الأكل ده بتاعي ، وإنتِ إللي عملتيه نبقى خالصين ، واحدة بواحدة، ناكل سوا ونرتاح شوية من أكل “كاتينا” بس المهم ميبقاش فيه أكل مشطشط ، لأن أنا بتعب منه …
طريقته أعجبتها للغاية لتزم فمها ببعض الإنتصار وهي تومئ بالموافقة قبل أن تدفع بالأطباق مرة أخرى لمنتصف الطاولة قائله …
_ موافقه …
مشاكسة لطيفة إنتهت بتناول الطعام ، رغم إجتياح هذا الاضطراب الغريب كليًا عليها إلا أنها حاولت أن يكون كل همها هو تناول الطعام ، بينما إنهمك “معتصم” بتناوله بشهية فقد ذكره مذاق هذا الطعام بما كانت تعده والدته “منار” فهي طباخة ماهرة رغم كونها طبيبة ذائعة الصيت أيضًا ..
رغم هذا الصمت وبعد تناول الوجبة إختفى “معتصم” تمامًا عن مرآى “عهد” فيبدو أنه خلد للنوم مرة أخرى …
بنظافتها المثالية أعادت “عهد” كل شئ لموضعة تمامًا قبل أن تحمل ملابسها التى جفت لتعود لغرفتها لتبديلها فهي لا تشعر بالإرتياح بغير ملابسها لتعود للونها الذى يطابق شخصيتها ، اللون الأسود …
________________________________
بيت عائلة دويدار ..
عرف الكرم بأهله ما بال أهل الكرماء ، لم تكن تلك العزيمة مجرد طعام يصنف بأشهى أطباقه لكنها المحبة التى تولد بهذا القرب …
لم يكذب من قال أن العيش والملح وثاق القلوب ، وهذا ما تفعله “منار” وزوجها ، فقدر المستطاع يجب أن يتجمع أبنائها وزوجاتهم بالمستقبل بوليمة تقربهم منهم ويشعرون بها بحميمية العائلة ….
تلك الحميمية التى ينقصها “معتصم” الغائب بعمله عنهم …
إستيقظت منذ ساعات تحضر بتلك الأصناف الشهية من الطعام لأجل عزيمة غذاء اليوم ، دفء وروائح شهية مختلطة زجت بأنف “خالد” الذى وقف بباب المطبخ مقتضب الوجه مشفقًا على تلك التى أفنت وقتها بداخله …
_ لزومه إيه ده كله ، بتتعبى نفسك على الفاضي يا “منار” ، طب كنتِ أجلتي العزومة دى لما ترجع “أم مجدي” …
رغم إرهاقها إلا أنها إبتسمت مجيبة إياه بمحبة أم متفانية ..
_ يا سلام ، ما نتجمعش عشان “أم مجدي” ، وبعدين أنا مبسوطة وإحنا متجمعين النهاردة ، عقبال ما يرجع “معتصم” هو كمان ويتلم معانا …
ضحك “خالد” لتلك المفارقة ..
_ “معتصم” !!! هو إبنك ده بقينا نشوفه ، ده شغله واخد وقته كله ، ده غير إنه رافض موضوع الجواز ده ، يعنى عمره ما حييجي ويتجمع معانا ومعاه مراته ولا خطيبته …
_ “معتصم” شخصية متعبة ، ومش أى واحدة تعجبه … المهم ، محدش من الولاد جه ؟!
أشار “خالد” تجاه الخارج قائلاً …
_ رؤوف هنا كدة كدة ، بس لسه ولا “عيسى” ولا “غدير” نزلوا ، ولا حتى “نيره” جت …
_ متنساش كمان “مودة” أخت “غدير” أنا قلت لها تيجى …
رغم طبعة القاسي إلا أنه إستحسن تلك الفكرة قائلاً …
_ كويس إنك عزمتيها ، البنت دى بتصعب عليا أوى ، عيشتها لوحدها كدة تصعب عليكِ …
_ صدقت والله ، من يوم جواز “عيسى” و”غدير” وهي لوحدها خالص …
دق جرس الباب بصورة مزعجة للعديد من المرات المتتالية لكنهم لم يتضايقوا بالمرة فتلك الدقات تُعرف صاحبتها بالتأكيد …
_ دى أكيد “غدير” ..
نظر “خالد” تجاه باب المطبخ قبل أن يخرج مؤكدًا ذلك …
_ طبعًا هي ، زمان “رؤوف” فتح لها …
دلفت “غدير” بجلبتها المحببة …
_ إيه الروايح إللي تفتح النفس دي ، أموت أنا …
عقبت “منار” بعفوية …
_ بعد الشر عنك … تعالي يا “دورا” أحسن أنا تعبت من بدرى …
قضبت “غدير” حاجبيها بتصنع للضيق …
_ ما هو إنتِ نشيطة أوى زيادة عن اللزوم بصراحة ، حد يصحى الفجر يطبخ يا دكتورتنا ، ده كلام …
_ بطلي غلبة وخدى البطاطس قشريها …
أوسعت “غدير” من حدقتيها وهى تمد كفيها تعجبًا …
_ بطاطس إيه !!! إحنا متفقناش على كدة ( ثم إستدارت تجاه “خالد” بإندهاش) .. إلحق يا عمووو ، المدام عايزاني أقشر البطاطس ، أنا جايه آكل ، أملا كرشي بنجاح … إنتوا بتستغلوني ولا إيه …
رغم مزاحها إلا أن “خالد” طلب من “منار” ألا تتعب “غدير” بمساعدتها …
_ خلاص يا “منار” ، بلاش تتعبي “غدير” …
عادت “غدير” بإندهاشها تجاهه ممازحة إياه …
_ إيه يا سيادة المستشار ، حتوقعني مع حماتى ولا إيه ، خلاص نقشر والأمر لله وأهو كله بثوابه …
رفعت وجهها تجاه “منار” و”خالد” المبتسمان من طريقتها التى لا يتخيلوا يومهم بدونها لتجلس خلف الطاولة تقشر حبات البطاطس قائله …
_ صوروني بقي فيديو عشان أنزله على النت وأقول حماتى مصحياني من النجمة عشان أقشر لها البطاطس …
قهقهات عالية صدحت بالمطبخ من طرافتها وخفة ظلها لتتعجب من ضحكتهم كما لو أنها تتحدث بجدية …
خرج “خالد” ليعود لغرفة المعيشة يتصفح أحد كتبه حتى ينتهوا من تحضير الطعام …
دلف “خالد” لغرفة المعيشة مستمعًا لنهاية مكالمة “رؤوف” مع “نيره” ..
_ نازلك حالاً يا “نيرو” ، إركني بس عربيتك وأنا حالاً يا قلبي حتلاقيني قصادك ..
فهم “رؤوف” نظرات والده التى تتهمه بالضعف ليردف بتعجل …
_ حبيبي وحبيب الكل ، حنزل أجيب “نيره” من تحت ، دقايق وراجع لك …
رفع “خالد” حاجباه بإستنكار لحديث ولده اللين مع الجميع فيما تركه “رؤوف” راكضًا ليستقبل “نيره” التى وصلت للتو …
صفت “نيره” سيارتها الصغيرة لتلاحظ من خلف نظارتها الشمسية “رؤوف” الذى وصل لإستقبالها ، نشوة إعترت نفسها وهي تلمح إبتسامته الواسعة وتلهفه لها ..
شعور بنوع من الغبطة والخيلاء لهذا الإهتمام الذى يخصها به ، ترجلت بهدوء من سيارتها لتجده يرحب بها بحديثه المعسول الذى يتصف به ..
_ نورك غطى على نور الشمس يا نور حياتي …
_ ده واضح إن المزاج عالي النهاردة ؟!!!
(قالتها “نيره” ببعض التهكم تستحثه على المزيد )
_ لازم يبقى عالي ، مش حنقضى اليوم كله مع بعض النهاردة …
تلك فرصة لن تتركها لتؤكد عليه محذرة …
_ أنا عديتها النهاردة ، بس بكرة لازم نروح معرض الموبيليا تمام …
أشار إليها باسطًا كفه نحو مدخل البناية وهو ينحني بطريقة تمثيلية إستعراضية …
_ تحت أمر مولاتي ، إتفضلي بقي …
تقدمته بخطواتها الرنانة إثر دق كعب حذائها العالِ كما لو كانت تسير على السجادة الحمراء بزهو سببه حبيبها الذى يضعها بمكانة خاصة عالية للغاية …
فور صعودها إلى شقة والديه همس لها “رؤوف” منبهًا إياها …
_ ماما و”غدير” في المطبخ ، تحبي تروحي لهم ولا تقعدي معايا أنا وبابا شوية …
رغم إمتعاضها لمساعدة والدته التى لا تحبذها لكنها قررت المرور بها بدلا من بقائها مع والد “رؤوف” فهو جاد للغاية وتشعر بالحرج من حديثها معه …
_ طيب نسلم عليهم وبعد كدة أقعد معاك ومع عمو “خالد” …
_ حبيبي إنتِ …
وقف “رؤوف” بباب المطبخ منبهًا والدته بحضور “نيره” …
_ ماما ، “نيره” جت …
إلتفتت “منار” نحو خطيبة ولدها بإبتسامة واسعة لترحب بها بحفاوة …
_ “نيرو” حبيبتي ، منورة طبعًا ( قبلتها بسلام حميمي ثم إلتفتت نحو “رؤوف” معاتبة) … كدة برضة تجيبها على المطبخ كدة ، كنت ناديني وأنا آجي أسلم عليها …
أجابتها “نيره” بدبلوماسية …
_ أنا إللي قلت له يا طنط ، وأهو أساعدكم شوية …
_ جميلة إنتِ يا “نيرو” ، إحنا خلاص قربنا نخلص ، متتعبيش نفسك …
_ أهو أقعد معاكم شوية …
_ لو كدة تنورينا …
أشارت لها “منار” بالجلوس على المقعد المجاور لـ”غدير” التى وقفت لتحية “نيره” منذ أن دلفت للمطبخ الكبير ، دنت “نيره” تحيي “غدير” التى تقبلت تحيتها بروحها الطيبة وهي تأشر لها بمشاركتها بالجلوس معهم …
_ تعالي يا “نيرو” ، المطبخ يساع من الحبايب ألف …
ثم بدأت بمزاحها المعتاد وتجاذب أطراف الحديث من هنا وهناك ، لم تكن “نيره” قادرة على مواكبة كل تلك الموضوعات التى تتطرق إليها “غدير” فكانت تكتفي ببعض الردود البسيطة أو إبتسامات وتعجبات من حين لآخر حتى دق هاتف “غدير” برقم “مودة” تخبرها بقدومها لتنهض “غدير” قائله …
_ حروح أجيب “مودة” وجايه على طول ، معلش بقي البنت مكسوفة تدخل لوحدها …
أومأت لها “منار” بالتفهم لتستكمل حديثها مع “نيره” وهي تنتهي من اللمسات الأخيرة للطعام …
لحظات وقد عادت “غدير” بصحبة “مودة” للمطبخ وبعد تحية خفيفة من “مودة” التى تشعر بالحرج إكتفت بجلوسها على آخر مقعد حول الطاولة فيما وقفت “غدير” تشاهد تذوق “نيره” لشئ ما …
قضبت “نيره” ملامحها قليلاً وهي تنظر لـ “منار” كخبيرة بالتذوق قائله …
_ محتاج ملح يا طنط …
_ متأكدة ، أنا خايفة أزود له ، بس شوفوا ذوقكم إنتوا اللي حتاكلوا …
_ اه طبعًا ، باين خالص …
أشارت “منار” تجاه “غدير” قائله …
_ تعالي إنتِ كمان يا “دورا” ، أنا قلت لـ “نيره” تدوق الخضار تشوف الملح ، شوفي كدة إنتِ كمان عاوز ملح ، إنتِ عارفة إحنا بناكل بملح قليل عشان الضغط ، شوفوا إنتوا محتاج زيادة ولا إيه ؟!!.
هبت “غدير” للتذوق رغم خبرتها القليلة بهذا الأمر لكنها متذوقة بارعة …
_ أشوووف …
تذوقت القليل لتهتف بحماسها …
_ ده فله ، شهد مكرر ، يا خرااابي مفيش زيه ، ولا غلطة يا “منوره” تسلم الإيد اللي طبخت والبوق اللي أكل …
تعليقها الساخر أطلق قهقة خفيفة من “منار” لتعقب ..
_ يا بكاشة …
ضمت “نيره” شفاهها بضيق وهي تطالع “غدير” بنفس مشحونة لما تتمتع به شخصيتها من سرعة الإنفعال …
_ يعني أنا كدابه … ؟؟! ولا مش بعرف أدوق ؟!!
إلتفت “غدير” تجاهها لتعقب بنفسها المرحة …
_ ده يمكن عشان إنتِ سكر ومن كتر الحلو حسيتي إنه عايز ملح ، بس إنتِ إللي سكر أصلا ..
(لم تدع مجالاً لضيق نفس “نيره” بعد تعليقها الأقرب للمدح لتكتفي بذلك دون داعي لأى ضيق من هذا الأمر البسيط )
إكتفوا جميعًا من وجودهم بالمطبخ ليخرجوا نحو غرفة المعيشة الكبيرة لمشاركة “رؤوف” و “خالد” حتي مجئ “عيسى” لتناول الطعام جميعًا …
________________________________
روسيا، الكوخ …
فاصل زمني طويل بين وقت تناول فطورها بالصباح ورؤيتها لأصحاب الكوخ مرة أخرى ، تمللت “عهد” من التجول بأرجاء الكوخ لمدة لا بأس بها وتصفحها لجهازها اللوحي لبعض الوقت ..
وأخيرًا أهلت “كاتينا” تتقدم نحوها كهولاء العارضات بخطوات رشيقة للغاية ، ترتدي منامة وردية ناعمة دبت الغيره لترجف كيانها فهل سيراها “معتصم” بتلك المنامة القصيرة التى تبرز ساقيها النحيلتين ..
إحساس نهرت نفسها عليه لكن سرعان ما عللت ذلك لنفسها بأن “كاتينا” ليست بزوجته ليراها بتلك الصورة الخليعة ، أرادت لو أن تنقض عليها كثور هائج تجرر تلك الشقراء تمسح بها أرضية الكوخ لحظة أن وقعت عيناها عليها ، لكنها تداركت نفسها وكظمت غيظها قائله بهمهمة ..
_ سحلية صحيح …
هزت “كاتينا” رأسها بعدم فهم لترد بظنها أن “عهد” تحييها تحية الصباح …
_ صباح الخير لكِ أيضًا عزيزتي …
رفعت “عهد” فوق ثغرها تلك البسمة المتكلفة قائلة بصوت مسموع …
_ لا وغبية ما شاء الله …
أومأت “كاتينا” كما لو كانت تفهم لغة “عهد” لتردف بحماقة …
_ أها … شكرًا …
أشارت “عهد” بإبتسامة تجاه الأريكة مستمتعة بغباء “كاتينا” وعدم فهمها ما تقول …
_ أقعدي يا أم سحلول … أقعدي …
جلست “كاتينا” لفهمها إشارة “عهد” رغم عدم إدراكها لما تقول ، رفعت “كاتينا” عيناها أولًا تجاه الدرج تتأكد بأن “معتصم” لم يأتي بعد لتعود تحدث “عهد” بنبرة هامسه وسط حماسها المفرط …
_ أود أن أخبرك شيئًا ما ، وأتمنى مساعدتك طالما ستبقين معنا لبعض الوقت …
برغم أن المساعدة ليست من طبعها إلا أن الفضول إعتراها لمعرفة ما تخبئه تلك الضئيلة بجعبتها لتردف بتعاون شديد ..
_ بالتأكيد ، سأساعدك بالطبع … لكن بما سأساعدك …؟!!
لملمت “كاتينا” إبتسامتها العريضة المتحمسة مستكملة ..
_ إن غدًا عيد ميلاد “ماوصي” وأود أن أحضر له مفاجأة …
غمغمت “عهد” بتهكم …
_( يا دي “ماوصي” …كأنك بتتكلمي عن فار مش راجل قد الحيطة … قال “ماوصي” قال …!!! )
هزت “كاتينا” رأسها بعدم فهم..
_ معذرة .. ماذا تقولين ؟!!
_ أقول يا لحظ “ماوصي” .. أكملي أكملي …
قالتها بإبتسامة تشنج لها وجهها فهي لم تعتاد أن تظل مبتسمة طوال هذا الوقت من قبل ..
إستطردت “كاتينا” …
_ سأصنع كعكة عيد ميلاد له وأود منكِ أن تشغلي “ماوصي” حتى تصبح مفاجأة ، هل يمكنكِ ذلك ؟!!
إبتسمت إبتسامة حقيقية تلك المرة وهي تردف بالعربية أولا …
_ أول مرة تقولي حاجة عليها القيمة …
ثم أجابتها بالإنجليزية حتى تفهمها …
_ على الرحب والسعة ، لا تشغلي بالك بهذا الأمر ، فقط دعيه لي ..
بإمتنان بالغ هزت “كاتينا” رأسها لقبول “عهد” مساعدتها بهذا الأمر ، إنتبهت كلاهما على وقع خطوات “معتصم” أعلى الدرج ليتابعاه حتى إقترابه منهم وهو يقول بتكاسل …
_ صباح الخير …
أجابته “كاتينا” بهيام …
_ صباح الخير “ماوصي” …
بينما أجابت “عهد” بغلظة …
_ هو إنت الصباح عندك كام مرة …!!
عقد أنفه وهو يتشدق بحاجبه الأيمن بإستنكار من تلك فظة الحديث …
_ عشرة ، ليكِ فيه .. ؟!!
ثم أكمل ساخرًا من ملابسها السوداء مقارنة بما ترتديه “كاتينا” الناعمة ..
_ خير يا حاج “فتحي” رايح عزا ولا إيه ؟!!!
إرتفع وجهها بصدمة لتعلو ملامحها الضيق والغضب من تطاولة لتجيبه بهجوم شرس كضبع قد إنقض على فريسته بشراسة …
_ ده إحترام يا أخويا ، ما إنت صحيح واخد على المهزقين …
ثم رمقت “كاتينا” بإزدراء تقصدها بحديثها ليستكمل هو مناوشته معها بإستمتاع …
_ أقله دي بنت يا حاج “فتحي” مالك إنتَ ومال البنات بس …
أثار حنقها بسخريته منها بشكل يفوق تحملها لتنهض بإنفعال تدب قدميها بالأرض بقوة أثاء صعودها الدرج متجهه نحو غرفتها …
من يظن أن الفولاذ طيع سيتبدل ويتلوى ، منذ متى تتغير الثوابت ، متى تهتز الجبال ، إنه ذلك البركان الذى إستطاع بسهولة إشعال ثورته ليتفتت هذا الفولاذ كسيل منصهر …
أو ربما لم تكن فولاذ فقط تتصنع التحلي به ومن داخلها هشة كورقة متخبطة برياح الشتاء العاتية …
أغلقت “عهد” الباب من خلفها بصفق قوى ليتعالى صدرها صعودًا وهبوطًا بإنفعال غاضب ، ثائرة من سخافته وتعليقاته التى لا تشبهها …
دلفت تدور حول نفسها بداخل الغرفة تغمغم بسخط …
_ أنا ؟!!!! أنا يقول عليا الحاج “فتحي” .. ؟!! ليه !! مشبهش يعني …؟!!
لمعت عيناها ببريق تحدي لا تدرى أنها بهذا تتغير وتتبدل لأجله ، هي التى لم تكترث ولم تبالي يومًا بمثل تلك التعليقات السخيفة ، لكنها الآن تريد أن تثبت له أنها مختلفة ، قادرة على أن تكون ما لا يمكنه تخيله ..
_ طيييب ، وربنا لأوريك مين هي “عهد مسعود” …
أسرعت نحو الخزانة حيث وضعت “كاتينا” لها بعضًا من ملابسها لتقلب بينهم بضجر فرغم كونها تريد إظهار أنها ليست رجلاً جافًا إلا أن تلك الملابس مازالت لا تناسبها …
بالنهاية أخرجت فستان قصير باللون الأبيض المموج باللون الأخضر والأصفر وهي تزم شفتيها ساخرة ..
_ فستان الأوزعة دي يا دوب ييجي عليا بلوزة …!!!
لتعتبر هذا الفستان بمثابة قطعة علوية فقط لتبحث عن بنطال يناسبه ، لم تبحث كثيرًا فقط وجدت بنطال من اللون الأبيض الضيق ربما يصلح لهذا الفستان ..
خلعت سترتها السوداء وتلك الكنزة التى تماثلها لترتدى هذا الفستان يعلو البنطال الضيق الذى وصل طوله لمنتصف ساقها الطويلة …
تطلعت بهيئتها الجديدة بالمرآة وهي تسحب عقدة شعرها الذى شعر بحريته أخيرًا مناسبًا بنعومة فوق كتفيها …
نظرت لوجهها الذى تبدلت ملامحة بلحظة لتظهر عيونها الناعسة المثيرة ووجنتها العريضة وجمالها المختفي خلف السواد لسنوات مضت …
أكسبها لون الفستان المبهج نعومة وإثارة من نوع خاص ، نوع لم يمر بها من قبل …
مالت تحدق بعيناها كما لو أنها تطالع صورة متحركة لشخص آخر ، فتاة جميلة لا تعرفها والغريب أنها تتمتع بأنوثة لم تكن تظن أنها تتمتع بها خاصة مع طول قامتها الممشوقة …
لأول مرة تبتسم لنفسها برضا وإعجاب عن هيئة أنثوية لها لتهمس بتحدى …
_ وريني بقى فين الحاج “فتحي” ..!!!
بتلك العبارة أنهت مهمتها بالغرفة لتخرج منها بغرور من نوع آخر تتوق لرؤية نظرته إليها الآن …
تعمدت إصدار صوت بقدميها أثناء هبوطها لتجذب إنتباههم نحوها وبالطبع نجحت بذلك …
سلطت عيناها عليه هو ، وهو فقط تود إقتناص تلك النظرة من عيناه حين إستدار ينظر بإتجاهها …
بخطوات بطيئة متعمدة تحركت فوق درجات السلم الخشبي تتلاقى عيونها الباحثة عن غائرتيه …
رفع “معتصم” عيناه بعد إلتفاته نحو الخلف بعدما إستمع لوقع أقدامها المعلنة عودتها بشغف للقاء جديد مع الوقحة …
لكن ما لم يحسب حسابه هو ما وقعت عيناه عليه الآن …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى