رواية ظننتك قلبي الفصل الخامس 5 بقلم قوت القلوب
رواية ظننتك قلبي الجزء الخامس
رواية ظننتك قلبي البارت الخامس
رواية ظننتك قلبي الحلقة الخامسة
«عيون حاقدة ..»
قلوب متشابهة تنقسم من قالب واحد ، لا تحمل ضغينة ولا خبث ، فقط قلوب نقية ..
لكن لكل قلب قسمة وحظ فهل كل نقى شقى ، يعاني بأوجاع لا يعلمها إلا هو ونصفه الآخر .
ليس بالضرورة أن يكون النصف الثاني غريب بل ربما هو شق القمر بنصفيه …
حي قديم عتيق للغاية لا يشبه تلك المدينة الحديثة الأبنية ، بل كان له ما يميزه ويكسبه طابع فريد للغاية ، طابع حميم قريب للقلب ..
يدرك سكان الحي بعضهم البعض بشكل متقارب كبقية العائلة ، يعلمون أفراحهم وأوجاعهم ، يتشاطرون قسمتهم بكلا وجهى الحياة دون كلل أو سأم …
ربما هذا ما طمئن قلب قطعة الشيكولاتة الفريدة “غدير” على أختها الصغرى “مودة” بالبقاء بشقة والديهما بهذا الحي بمفردها بعد زواجها منذ بضعة أشهر ، كذلك ففى البيت المجاور يقطن خالها “منير” وزوجته وأولاده والذى يسأل بصفة دورية على “مودة” كما كان يفعل من قبل فهاتان الفتاتان أصبحتا من مسؤوليته بعد وفاة أخته ومن قبلها زوجها …
فتاتان يتيمتان لا يملكان من حطام الدنيا سوى بعضهما البعض وشقة والديهما بعد رحيلهما ، كتب للكبرى “غدير” الزواج من هذا المحامي البارع “عيسى” إبن المستشار المعروف “خالد دويدار” لتستقر حياتها وسط عائلة راقية محبة ، بينما بقيت “مودة” تستكمل دراستها الجامعية بكلية الزراعة بسنتها النهائية لكنها فى النهاية وحيدة طوال الوقت تعمل بمتجر لبيع مستحضرات التجميل بالصباح ، لكنها تنتظر زيارة أختها نصف القمر خاصتها من وقت لآخر بتلهف وشوق …
صعدت “غدير” بخطواتها المتعجلة الدرج للحاق بأختها “مودة” والتى تأخرت عنها كثيرًا اليوم …
بخفة ورشاقة حتى بطرقات أظافرها عبر الزجاج المعشق لباب الشقة بعد دقها لجرس الباب تحث “مودة” على فتح الباب بطريقتها المبهجة …
كانت “مودة” أسرع إستجابة لدقات أختها المميزة لتقفز فرحة تفتح الباب بهتاف شيق وروح مرحة كمن شقت لنصفين هي أيضًا …
_ “دورااااا” … وحشتيني …
أحاطتها “غدير” بذراعيها تحتضنها بمحبة وهي تطبق فوق ظهرها بقوة تتمايل يمينًا ويسارًا إشتياقًا لها كمن غابت عنها لسنوات لتنقشع شفتيها منفرجة بإبتسامة عريضة أظهرت أسنانها العريضة الغير منتظمة ببسمة جذابة مميزة للغاية …
_ “مودتي” وحشاني يا بطتي …
_ يا سلاااام ، وبتقولي شعر كمان …
_ طبعًا يا بنتي ، ده أنا عليا جمل …
رقيقة ناعمة بيضاء تتمتع بملامح وعذوبة كالأطفال ، كل ما بها دقيق ومنمق مريح للعين والنفس هي تلك العذبة “مودة” ، ذات شعر ناعم أسود اللون وعيون تماثلها بها بريق ينم عن الشقاوة وخفة الظل تمامًا كأختها الكبرى ، ملامح مختلفة قليلًا عن “غدير” إلا أن من يراهم يدرك بذات اللحظة أنهما أختين نصفان لقمر واحد ، حتى أصواتهما تتشابة لحد كبير كما تتطابق ضحكتهما المقهقهة التى تهتز لها جسدهم بالكامل بحيوية ولطافة …
رفعت “مودة” حاجبيها متصنعة الإستياء وهي تمط شفتيها بطريقة طفولية تكور بها شفتيها كحبات الكريز الزاهية …
_ إيه التأخير ده كله ، ده بكره قرب ييجي !!!
_ وهو أنا أقدر برضة ، ما إنتِ عارفه عقبال ما صحيت وعديت على طنط “منار” وعمو “خالد” …
حركت “مودة” كتفيها تراقصهما بتفهم وهي تتشبث بكامل جسدها بذراع أختها قائله …
_ مش مهم ، هي غرامة وحتدفعيها …
_ اوك ..( ثم همست “غدير” بتهكم ) .. هي الغرامة دى فيها طبيخ ؟!!
إستقامت “مودة” وهي تعدد بأصابعها البيضاء القصيرة دون توقف …
_ دى فيها طبيخ وحلويات وعصير وهدوم و …
أسرعت “غدير” تكتم فم أختها بكفها تمنعها عن الإسترسال لأكثر من ذلك ..
_ خلاص خلاص ، إنتِ فاكره إيه لقيتيني فى الشارع .. إتجرى قدامى على المطبخ لما نشوف الورطة دى …
تقدمت “مودة” بخطوة أولا ثم إستدارت نصف إستدارة تجاه أختها قائله ..
_ مش حتنازل عن صينية مكرونة بالبشاميل ، فاهمة ..
تصنعت “غدير” الضيق من طريقة أختها تهربًا من صنع الطعام فهي رغم حداثة زواجها إلا أن كلاهما لا تجيدان الطبخ بالمرة فهما لم تتعلمانه بشكل جيد وتتهرب كل منهما عن صنعه بشتى الطرق …
فهمتها أختها على الفور لتهتف بكشفها لطريقتها المتهربة …
_ ااااه ، إنتِ حتعملي لي زعلانة وحركات ملهاش لازمة بقى ، قومي يا ماما على المطبخ ، عايزة مكروووووونه …
_ لالاللاااااا ، أنا مرضاش بالمعاملة المهينه دى أبدًا ، أنا مروحه …
_ إيه إيه ، إيه إيه ( ثم أشارت “مودة” تجاه المطبخ ) … قدامي على المطبخ إعمليلي المكرونة الأول وبعدين روحي ..
غمغمت “غدير” بسخط مازح بصوت مسموع …
_ عَلَقة ، خفاااش ، مش حتسيبيني إلا بالطبل البلدي أنا عارفة ..
رفعت “مودة” حاجباها بإستنكار …
_ بقى كدة .. طييب ..
زجتها “مودة” من ظهرها لتركض “غدير” تجاه المطبخ بسرعة ثم لحقتها “مود” لتستكملا يومهما يصنعان الطعام ويتناولانه سويًا ويقضيان الوقت حتى المساء …
________________________________
شركة بيكو للأدوية …
أشار “رؤوف” بإصبعه السبابة يصمت رفيقه عن الحديث حين ضغط بوضع الهاتف فوق أذنه لسماعه صوت بداية المحادثة حين إتصل للتو بخطيبته “نيرة” التى وصله صوتها الرنان المستاء كالعادة …
_ ألو ، إنتَ لسه فاكر ترن عليا يا “رؤوف”..؟؟؟ ده أنا بقالي ساعتين من ساعة ما قلت لك كلمني !!!!
بحلاوة حديثه العذب الذى يسرق به القلوب أجابها وهو ينهض خارجًا من مكتبه …
_ يا روح قلبي حقك عليا ، أنا بس إنشغلت فى إستلام طلبية دواء مرتجع طلعت روحي ، بس برضة أنا غلطان ، حد يبقى فى حياته قمر الليالي ويدور على إللي يشغله عنه ، سامحيني يا روحي …
بتراجع عن حدتها ككل مرة يستطيع أن يمتص غضبها أجابته “نيره” …
_ طيب ، كلتني بكلمتين زى كل مرة ( ثم أردفت محذره ) .. بس ده مش معناه إنك ضحكت عليا ، أنا معدياها بمزاجي خد بالك …
_ طبعًا يا عيوني إنتِ ، هو أنا أقدر ، بقولك إيه عشان بس ورايا شغل كتير ويمكن معرفش أكلمك بقية اليوم …
بعصبية إعتاد عليها أجابته ..
_ يعني إيه بقى ؟؟! مش حتعرف تقابلني النهاردة كمان نروح نشوف معرض الموبيليا ؟!!
_ غصب عني ، نخليها يوم السبت ، تمام …
_ طب بكره طيب ، ليه نستنى ليوم السبت ، هو إنت وراك إيه بكره أهم مننا ؟!!!
أجابها مذكرًا إياها بما أوصته به والدته قبل مغادرته اليوم …
_ بلاش بكرة ولا إنتِ نسيتي عزومة بابا وماما ، أنا بكلمك عشان أأكد عليكِ إنك حتتغدي معانا بكرة ، إنتِ عارفة ماما بتحضر لعزومة يوم الجمعة دى بقالها إسبوعين …
زمت “نيره” شفتيها بتقبل قبل أن تهدأ حدة حديثها قائله …
_ خلاص طيب ، عشان طنط “منار” وعمو “خالد” مش أكتر ، إنما إنت لأ …
_ وأهون عليكِ برضه ، ده أنا “أوفة” حبيب “نيرو” …
_ طيب ، سماح المرة دى ، وعمومًا كدة كدة حشوفك بكرة ونتفاهم …
بحديثه المعسول رغم إتقانه له إلا أنه مازال مصطنعًا …
_ نتفاهم إيه بس ، ده أنا تحت أمرك من غير ما تطلبي يا قلب قلبي ..
_ طيب ، باى ..
_ سلام يا قلبي …
أنهى مكالمته ليعود لداخل مكتبه ناظرًا نحو تلك العُلب التى وضعت فوق مكتبه منذ قليل …
_ بلاش يا “حمدى” مش عاوز شيل الأكل ده ، أنا بخاف من الأكل إللي معرفهوش ؟!!
أجابه رفيقه الذى جلس طويلاً بإنتظاره لتناول الطعام برفقته بوقتهم المستقطع خلال اليوم …
_ يا دكتورنا متخافش ، نظيفة جدًا ، هى دى أول مرة أجربهم !!! ده الفطاير والبيتزا عندهم رقم واحد ، متقلقش …
– معلش يا حبيبي سامحني المرة دى ، أنا معايا الأكل بتاعي ، بألف هنا على قلبك إنت ..
– طيب إللي تشوفه ، أنا بس قلت تجربه ده حلو جدا ونظيف والله ..
– المرة الجاية يا حبيب قلبي.
تفهم صديقه رفضه لتناول الطعام فهو موسوس للغاية من تناول الطعام خارج المنزل ليتناول طعامه برفقة “رؤوف” الذى أخرج طعامه الخاص به من حقيبته قبل إستئناف عملهم الطويل بنشاط وقوة ، فهو رغم شعوره بالجوع إلا أنه يتخوف دائمًا من مصادر الطعام مجهولة المصدر كما علمته والدته منذ صغره …
________________________________
مكتب طه قدري …
أخذ يطرق بأصابعه السمراء فوق سطح المكتب وهو يفكر بسبب يجعله يذهب لـ”نظمى” رئيسه بالعمل لمعرفة ما جديد “عهد” بعد سفرها ..
لكنه لم يجد فكرة مناسبة لذلك ليبقى محدثًا نفسه بضيق ..
_ وأخرتها حفضل قاعد مش عارف أى حاجة كدة ، لازم ألاقى صِرفة أعرف بيها كل التفاصيل ، ما هو أنا مش أطرش فى الزفة …
ليضم شفتيه بقوة طالبًا أحد مساعديه لإستكشاف الأمر دون أن يظهر تدخله فيما لا يعنيه …
_ ألو ، مساء الخير يا “سامح” ، بقولك إيه ، ما تشوف لي آخر تطورات “عهد” إيه من غير ما حد يحس ….
رغم توجسه من رد فعل “نظمى” إلا أنه يجب أن يعرف كل شئ وبدون تأخير …
________________________________
عطارة النجار …
محل تجاري كبير ذائع الصيت عُلقت أعلاه لافتة كبري كتب عليها إسم “عطارة النجار” تلك الحَسنة الوحيدة التى تلقاها “فخري” من زيجته بإبنة “الجزار” فقد أغدقت عليه بمالها ليكون صاحب هذا المتجر الذى أدره بالمال والغنى ، لكن هذا المتجر أصبح الملاذ والمهرب الوحيد ليبقى بعيدًا عن مسببته …
حياة رتيبة لا يملك بها أى مصدر للسعادة يدفع بها ثمنًا لحلمه الطامع ببعض المال بقية عمره ليبقى هو والندم حليفان ..
أخذ “فخري” يتابع بعيناه زائرى المحل من هنا وهناك يتعامل معهم العاملون تحت إمرته هو وولده “مأمون” الذى غاب اليوم لسفره لإستلام بعض شحنات العطارة التى قد إستوردها من الهند …
بينما تقدم “فريد” تجاه والده وهو يتلفت بمقلتيه لهذا وذاك كمن يحسب بداخله المكسب وراء تلك الزبائن بنفس جشعة ، لحق بوالده الذى جلس خلف المكتب دون إندهاش لرؤيته فهو يلحق به بكل مكان ليس حبًا به بل طمعًا بما يملك ..
ضحكة ساخرة أخفاها “فخري” وهو يرى صورة مصغرة من “صباح” بهذا الولد الذى يختلف عن “مأمون” كليًا وهذا ما جعله يُبعده عنه ويترك له بعض الأعمال الفرعية حتى لا يرى شبح خيالها الذى يهرب منه بالبيت بالمحل أيضًا …
_ إزيك يا حاج … ده إيه العظمة دى ..
قالها “فريد” ببسمة عريض وترحيب حار …
_ أهلا يا “فريد” …
جلس “فريد” بالمقعد المقابل لوالده ليبدأ بما قد حفظه عن ظهر قلب وقد لقنته به زوجته “حنين” هذا الصباح ليبدأ بملامة معاتبة ..
_ أنا واخد على خاطري منك يا حاج …
_ خير يا “فريد” ليه بس ؟؟! … ( قالها “فخري” منتظرًا ما يخبئه إبنه فى جعبته فهو أدرك بفراسة ما قد أتى به اليوم ) .
_ بقى يا حاج أبقى إبنك الكبير وسايب كل الحِمل على “مأمون” بس ، وأنا رحت فين ؟؟!!! ، مش المفروض ترمي حمولك عليا … ( ثم إستطرد بإشفاق على والده بصورة ماكرة يتصنع المحبة) .. ده لحم كتافي من خيرك يا حاج ونفسي أشيل الحِمل عنك …
ود “فخري” لو يخرج ضحكته الساخرة من سذاجة ولده الذى يستخف بذكائه وقدرته على الظن بأنه سيخدعه بكلماته الملقنة من زوجته الخبيثة …
_ ومين اللي قال إنك مش شايل عني .. ( قالها “فخري” يجاريه بحديثه مُعظمًا من دوره بالعمل معه ) … ده شغل المخازن هو أصل الشغل ولولا إني معتمد عليك كان زمان الناس أكلوني يا إبني ، وخد بالك ده هو ده الأصل عشان كدة أنا حطيتك هناك …
بطريقة والده المرواغة التى إكتسبها من عمله بالسوق أثبط محاولته بالتمكن من المحل وترك المخزن ليفسد بذكائه الأمر كافة …
_ زي ما تشوف يا حاج ، أنا بس كان نفسي اريحك وأريح “مأمون” وأشيل الحمل التقيل عن كتافك …
_ عارف يا إبني هو أنا ليا غيركم ..
حديث مشتت وضيق إستحوذ على ملامح “فريد” فقد توقف عقله عن إيجاد طريقة أخرى لإقناع والده ليلازم الصمت فقد إنتهت الوصلة التى حفظها من زوجته “حنين” برفض والده ..
لم يجد سوى الإحباط مرافقًا له فإضطر “فريد” على العودة للمخازن وعليه التفكير بأمر آخر يجعله يتولى زمام تجارة المحل بدلاً من “مأمون” الذى سيطر على كل ما يخص تجارتهم ومالهم فى الفترة الأخيرة …
________________________________
المستوصف ..
أى حياة حتى لو كانت مُثقلةٌ مُتعِبة هي بالتأكيد أفضل من حياتها ببيت النجار ، خلعت “شجن” معطف الممرضات الخاص بها معلنة نهاية يوم عمل مرهق بهذا المستوصف الصغير الذى وجدت به فرصة سيئة للعمل بمجهود كبير وراتب ضئيل لكنه يظل أفضل من بقائها ببيت العائلة دون عمل …
سترضى بهذا القليل حتى تصل يومًا لغايتها ، هكذا منت نفسها وهي تستعد للمغادرة فقد أنهت عملها ليومها الأول …
حملت حقيبتها لتعود للبيت سائرة على الأقدام فقد إختارت هذا المستوصف القريب حتى لا تضطر لدفع نصف راتبها الضئيل كأجرة للركوب لعمل بعيد …
ألقت نظرة متعمقة بتلك المكتبة التى مازالت تفتح أبوابها للعامة قائلة لنفسها ..
_ شكلِك ليكِ نصيب يا بت يا “نغم” أسألك على شغل ، المكتبة لسه فاتحة أهي …
تقدمت “شجن” لتصعد الدرج البسيط الذى يتقدم المكتبة لتدلف نحو الداخل تبحث عن أحدهم لتسأله …
وقف شاب هادئ الملامح ذو وجه محدب ممتلئ الوجنتين ذو لحية خفيفة نابته أظهرت لون عيناه العسليتان وشعره القصير مزيج مريح للعين برغم صمته وإنشغاله بترتيب بعض الكتب دون الإنتباه لـ”شجن” التى دلفت للتو …
رغم ما تشعر به “شجن” من ضخامة إلى جوار أختها “نغم” إلا أن كلتاهما ضئيلتا الحجم إلى جانب هذا الشاب العريض الكتفين طويل القامة نوعًا بالنسبة لـ”شجن” التى وقفت خلف تلك الطاولة المستطيلة الطويلة تنتظر أن ينتبه لها هذا الشاب …
تحمحمت قليلاً قبل أن تبدأ حديثها …
_ إحم ، السلام عليكم …
رفع الشاب عيناه تجاه تلك الزائرة التى حدق إليها لبعض الوقت مضيقًا عيناه كمن تذكر شيئًا أو يحاول التعرف على تلك الدخيلة التى إقتحمت هدوء المكان للتو ..
رفع هامته وهو يرسم بسمة خفيفة جافة ..
_ وعليكم السلام ، تحت أمرك …
_ لو سمحت كنت عايزة أسأل لو محتاجين حد يشتغل معاكم هنا فى المكتبة ، أنا أختى خريجة أداب مكتبات وبتدور على شغل …
قالتها كلها بعبارة واحدة فلا طاقة لها بالسؤال والحديث بعد يوم مُنهِك لتنتظر إجابة هذا المتشدق بعيناه تفاجئًا لوهلة وهو يتفكر قليلاً ثم أردف بهدوء رافقها بسمة شفتاه الجانبية …
_ خريجة مكتبات ، طب تمام ، خليها تيجى يوم السبت نشوف ، ممكن يكون فيه شغل مناسب ، بلاش بكرة عشان إحنا بنقفل الجمعة …
تفاجئت “شجن” بتلك السهولة لتتمتم بصوت خفيض للغاية …
_ شكلها متسهلة يا بت يا “نغم” … ( لتعلى من صوتها بإمتنان) .. عمومًا شكرًا ، حخليها تيجي السبت ، أقولها تيجي لمين بقى ؟!!
قالتها لتحاول معرفة هوية هذا الشخص الذى وافق على عمل لأختها ليجيبها مُعرفًا بنفسه بذات الرزانة والهدوء …
_ “بحر” … إسمى “بحر” صاحب المكتبة …
بإيمائة خفيفة وهى تقلب بمقلتيها بداخل المكتبة الكبيرة التى تحتوى على العديد من الكتب تخفى إندهاشها لإمتلاك هذا الشاب للمكتبة كاملة فقد ظنت أنه مجرد عامل بها فعمره لم يتجاوز الثلاثون بعد لتردف بالنهاية …
_ تشرفنا ، السبت الصبح إن شاء الله حتكون أختى “نغم النجار” عند حضرتك … سلامو عليكوا …
_ وعليكم السلام …
أنهت جولتها القصيرة بسؤالها عن العمل لتعود للبيت فقد لاح النوم والإرهاق بها وحان وقت الراحة بعودتها …
________________________________
ماذا لو إختفت المتضادات وأصبح الإنسجام وفاق ، لكن كيف يتجاذب قطبي المغناطيس فمن شأنهما أن يتنافرا …
لكل طرف قوة وغرور طغت بإكتساح على بقية صفاتهم ليبقى فقط المغالاه فى القوة وإثبات الأحقية والصمود …
هبطت “عهد” درجات السلم الخشبي للكوخ لاحقة بالشقراء “كاتينا” وهي تتطلع بتمعن بهذا الوجه الذى يتفحصها بدوره دون إثناء لمقلتاه البراقتان عنها …
بها شئ من الغموض والقوة ما أثار هذا الذى لا يحركه ساكنًا ، رغم إستيضاح ملامحها الناعمة التى أخفتها من قبل خلف ملابسها السوداء وطريقتها الجافة ولسانها اللاذع إلا أن بعيناها العسليتان لمعة إخترقت شئ بداخله لا يدرى ما هو بعد …
لم يكن “معتصم” يسترق النظر بل كان يحدق بقوة يحاول إكتشاف تلك الغريبة التى إقتحمت حياته وخلوته مع صديقته دون سابق إنذار …
شعرها أسود كـ ليل لم يخاله القمر بشرتها ناعمة رغم صلابة تعبيراتها أنفها دقيق ذات وجنتان عريضتان مثيرتان للغاية ، تقدمت نحوه بهدوء لم تنحي هي نظرها كذلك عنه لتتحول نظرات الإستكشاف بين كلاهما لحرب ضارية كأشد المتنافسين دون بدء لأى تحدي أو مسابقة …
فقط نفوسهم جعلتهم ينظر كلاهما للآخر بندية كمن بُدأ الحرب بينهم للتو وعلى كل منهم إثبات قوته وشراسته للآخر …
حرب نظرات لم تعلم “كاتينا” عنها شيئًا وهي تتقدم “عهد” قبل أن تجلس بالمقعد الجلدي أولاً ثم تطلب من “عهد” الجلوس …
_ تفضلي “آهد” …
بحركة فمها الممتعضة تمتمت “عهد” أثناء جلوسها ..
_ هده لما تهدك يا بعيده …
رفع “معتصم” حاجبه مستنكرًا لذاعة لسانها التى لا تكف عنها مطلقًا …
_ هو إنتِ لسانك ده إيه ، مبرد …!!!
عقصت أنفها بتقزز غير مبالية بنقده لكلماتها قبل أن تجيبه بنوع من الشراسة …
_ حد كلمك ؟! أنا بكلم “كاتينا” …
_ ده على أساس هي فاهمة إنتِ بتقولي إيه …؟!!
قالها متهكمًا لا يرضى بأن يتقبل طريقتها المستفزة لتتحول “عهد” بإبتسامة صفراء تجاه “كاتينا” قائله …
_ سعيدة للغاية بوجودي معك “كاتينا”…
( ثم إلتفت نحو “معتصم” ساخرة ) … ها حلو كدة يا …”ماوصي” ..( قالتها بإستهزاء من الأسم الذى تطلقه عليه “كاتينا” ) …
شخصية متفرده تستفزه بوجودها وكلماتها التى لا تتناسب مع نبرة صوتها العذبة ، كيف يكون المرء نقيض نفسه ، كيف لها أن تكون ناعمة وجافة ، رقيقة ووقحة ، كيف هناك فتاة إستثنائية مثلها بالكون …
زفر بتملل وهو ينحي عيناه عنها ليرتاح صدره المضطرب من وجودها المستفز ليقطع صوت “كاتينا” الناعم تلك الأجواء المشحونة بين كلاهما بسؤالها لـ”عهد” …
_ كيف أتيتِ إلى هنا “آهد” …؟!!
بتذمر من نطق إسمها بتلك الطريقة …
_ يا دي “آهد” “آهد” مش حنخلص …
أعاد “معتصم” جزعه للخلف وهو يضع ساقه الطويلة فوق مثيلتها ثم لمس بسبابته ذقنه النابتة بطريقة خلابة للغاية كادت تفوه بها “عهد” لوسامته الخشنة ذات التعمق الرجولي الفريد ثم أطلق سخريته منها لتتناسى ما تراه من وسامته ليحل الغيظ مكانها …
_ معلش أعذريها ، أصلها بنت وبتدلع ، هم أصل البنات كدة طريقتهم ناعمة …
بالعادة لا تتأثر بتلك الأراء والإنتقادات التى توجه لها وسخرية البعض من خشونتها وجفائها ، لكن لسخريته الآن مذاق مختلف ، سخرية أثارت ضيقها وحنقها بصورة قوية ، لتجعلها تدافع عن نفسها وأنها أيضًا أنثى كمثيلاتها ويمكنها أن تكون بتلك النعومة لتستطرد حديثها ببعض اللين …
_ لقد كنت برفقة البعثة الجيولوجية لدراسة طبيعة المنطقة هنا ..( لكن سرعان ما عادت لخشونتها بإضطراب فمن هذا الذى سيخرج الأنثى من داخلها ، فلا أحد يستحق ذلك ) … لكن الطقس فرق بيننا ولم أستطع الوصول إليهم ، هذا كل شيء …
أومأت “كاتينا” بتفهم لتستكمل حديثها مع “عهد” أثناء تحضير الأطباق لتناول الطعام …
_ هل أنتِ خبيرة بالتربة وهكذا …؟!!
أسئلة سطحيه جاوبتها “عهد” بإقتضاب مستكملة مجرى الحديث برفقة مستضيفتها لا أكثر بينما إلتزم “معتصم” الصمت بدون تدخل مما أثار بعض الإرتباك لدى “عهد” على صمته منذ بداية حديثها مع “كاتينا” متسائلة من داخلها على سبب تراجعه عن هجومه وإلتزامه الصمت بهذه الصورة ..
هل قامت بشئ ضايقة ليتجنبها ، أم هذا طبعه ؟؟! لتسارع بنهر نفسها عن الإنسياق خلف نظرة إعجاب أو إنتظار تعلق ولو بالهجوم منه ( فيه إيه يا “عهد” ، يطلع مين يعني إللي تهتمي إنه يكلمك ولا ينتبه لك !!! فوقي لنفسك ..)
قالتها رغم إستراقها للنظر إليه من وقت لآخر تتأكد بأنه يستمع وينصت لحديثها مع “كاتينا” ، بينما إنشغل هو بتناول طعامه الذى وضعته “كاتينا” أمامه متصنعًا عدم الإهتمام ..
إرتجافات عكسية بداخل نفس واحدة ، لحظة تريد ما ترفض ولحظة ترفض ما تريد ، متناقضة مترددة ، بل مشتته ..
إختبار قوى وضعت به لم تكن أبدًا تتجهز له ، لقد إعتادت على حياتها القاحلة التى لا يُجذب بها إنتباهها لأى شئ لم فجأة أصبحت مهتمة بأن تسترق هذا الإهتمام ، وممن ؟!! من هذا الرافض لوجودها والذى يراها متوحشة متطفلة بينهم …
دقائق بين تفكير ورفض وتردد و ملامة لنفسها قطع سبيل هذا التشتت سؤال واحد تراود لذهنها ، لماذا هما هنا سويًا ؟!! وماذا يقرب لتلك الشقراء ليسكنا هنا بمفردهما ؟!!
حاولت التحلي بنفس الثبات وهي تسأل “كاتينا” لإستنباط مدى قربهما من بعضهما البعض …
_ آسفة حقًا على إزعاجكم ، فأنتِ وزوجك بالطبع لم تريدا مشاركة وقتكما مع غريبة هنا ؟!!
قالتها تتطلع لإجابة تريح فضولها الذى أثير بدون داعي لمعرفة وجه صلتهم ببعض البعض كما لو كانت تناست كل ما بحياتها وأصبح هو إهتمامها رغم أنها لم تعرفه سوى منذ بضعة ساعات …
قبل أن تجيب “كاتينا” أطلقت أولاً ضحكتها الرقيقة التى إشمئزت منها “عهد” لكنها أخفت ذلك خلف إبتسامتها المزيفة ، ثم أجابتها وهي تنظر تجاه “معتصم” المدعي الإنشغال بوله …
_ إننا لسنا زوجين ، نحن صديقان فقط ، جئنا برحلة وإستأجرنا هذا الكوخ لقضاء عطلتنا ، للتقرب أكثر من بعضنا البعض ، ثم سنعود بعدها للمدينة ، أليس كذلك يا عزيزي ؟!!
بدورها إلتفت “عهد” تتأكد مما تقول تلك المقززة بالنسبة إليها ، تشدقت بإهتمام أخفته على الفور قبل أن يلاحظه “معتصم” الذى مال ثغره ببسمة خفيه سرعان ما أخفاها فقد عادت الكُرة إلى ملعبه مرة أخرى لإستفزاز تلك الوقحة …
رغم أن تلك ليست طريقة تعامله مع “كاتينا” إلا أنه رفع مقلتيه اللامعتان بوله تجاه الشقراء التى كانت تطالعه بنظرات متيمة تكاد تتقافز القلوب من حولها ، ليجاريها أيضًا بإستفزاز لمشاعر تلك المترقبة كما لو كانت هي المقصودة من حديثه وليس صديقته …
بسمة أشرقت عن جاذبية تطيح بقلوبهن لتظهر وسامته بشكل طاغي زادها بنبرة حانية من صوته الشجي أطاحت ما تبقى من تماسك بقلب “عهد” حديث الرجفة الذى لم يعتاد على التعامل بالمشاعر والأحاسيس …
_ نعم حبيبتي ، نحن بعطلة جميلة معًا لم يفسدها علينا سوى … زائرة العاصفة …
نالتها نظرة بنهاية حديثه يترقب بها ردة فعلها حين تهدج صدرها بإنفعال وهي تكز على أسنانها بغيظ ساحبة طبقها لتناول هذا الطعام الذى قد حضرته “كاتينا” لتفرغ به إضطرابها وإستفزازه لها …
إبتسم “معتصم” بخفة وهو يطالع ضيقها الذى لاح بقوة على قسماتها ، ليسند جذعه للخلف بغرور مستمتعًا بتلذذ بضربته الجديدة فيبدو أن تلك العُطلة ستكون ممتعة للغاية منذ الآن فصاعدًا …
لم تنتبه “كاتينا” لكل تلك الضربات التى يسددها كل منهما للآخر وإكتفت بتناول الطعام والتفكير بعطلتها مع “معتصم” بمنتهى السطحية …
إنقلبت ملامح “عهد” بإمتعاض وهى تلوك الطعام بفمها فمذاقه سيئ للغاية لتغمغم بصوت يكاد يُسمع ..
_ عالم ملزقة وأكلكوا وحش ، إيه القرف اللي بتاكلوه ده ، ناقصة قرفكم هي ، جاتكوا وجع البطن …
إعتقدت أن كلاهما لم ينتبه لما تتمتم به ما بين لقمة و الأخرى بينما بالكاد إستطاع “معتصم” إجبار نفسه على عدم إطلاق ضحكته على نفورها وإمتعاضها من مذاق الطعام الذى يدرك مدى سوئه ، فـ”كاتينا” ليست طباخة ماهرة وهو لا يدري شئ عن الطعام وإعداده ليتحمل مُكرهًا تناول هذا الطعام …
لكنه مع ذلك إستمتع للغاية بتلك الوجبة وهو يشاهد ملامح الإمتعاض بوجه “عهد” التى سرعان ما توقفت عن تناول الطعام مدعية الإنتهاء منه …
_ شكرًا ( قالتها على مضض رغم تقوس شفتيها بإستياء من هذا الطعم الغير مستساغ ، ثم أردفت) … سأذهب للنوم …
بدون إنتظار أو حتى تحية للمساء فيكفيهم ما صبرت له طوال هذا اليوم بتحمل البقاء لطيفة قدر الإمكان صعدت نحو الغرفة العلوية تاركة “معتصم” و “كاتينا” يقضيان سهرتهما التى مازالت لم تبدأ بعد …
لم تلاحظ تلك العيون التى تابعتها حتى إختفت أعلى السلم ليترك بسمته بأريحية على محياه دون سبب واضح لكنها بالتأكيد لها يد بذلك …
________________________________
بذات المساء وقد غطى ستار الليل الأسود لتبدأ ليلة شتوية جديدة ، ليلة مازالت بأولها خاصة لتلك المعتادة للسهر …
إرتشفت “غدير” رشفة بإستمتاع من كوب الشاي بالنعناع كما تحب وهي تغمض عيناها تميل برأسها الصغير لتتمايل معه خصل شعرها الكستنائي المموج …
_ يا سلام عليكِ يا بت يا “دورا” ، ده أنا عليا كوباية شاي ولا أجدعها قهوجي …
لحقتها “مودة” بإرتشافها من كوبها تشاركها نفس الإستمتاع بنفس راضية قنوعة كأختها تمامًا فكلتاهما لا تتمنى أكثر مما هما به مجرد وجودهم سويًا يكفي …
_ والله في دى عندك حق ، كوباية الشاي بتاعتك عظمة …
_ أمال يعني خالو “منير” مجاش النهاردة يطمن عليكِ ؟!!
سؤال عفوي من “غدير” لاحظت له تكدير صفو ملامح “مودة” الناعمة لتجيبها أختها برفع كتفيها للأعلى ثم أهدلتهما وهى تقلب شفتيها ببعض الضيق …
_ ولا أعرف ، بس إيه الجديد يعني !!!
_ ليه ؟!! هو مش المفروض بيعدي عليكِ كل يوم زى ما كان بيعدي علينا زمان قبل ما أتجوز ؟!!
لم تشأ “مودة” أن تسبب ضيق لـ”غدير” وتخبرها أنه قد يمر عليها الأسبوع كاملاً دون أن يدري أحد عنها شيئًا وأن خالهما “منير” لا يمر بها كما كان بالسابق ، لتكتفي بإختلاق أعذار دون الإقتناع بها حتى لا تسبب قلق “غدير” عليها …
_ أصله مشغول شوية فى الشغل وساعات بيسافر ، لكن وهو هنا بيعدي عليا على طول …
ببعض الطمأنينة أومأت “غدير” برأسها لتغير مجرى حديثها وهي تحرك حاجبيها لأعلى وأسفل بشقاوة …
_ طب سيبك من خالك وعياله ومراته دلوقت ، أنا إفتكرت إنى أقولك حاجة مهمة ، حذري فزري هي إيه ؟!!
_ إيه ؟!!
قالتها “مودة” بقلة صبر ، لتقتضب “غدير” بطرافة معقبة …
_ ما تفكري وتشغلي الرز بلبن اللي جوه دماغك ده …
فلطحت “مودة” شفتيها وهى تعيد جذعها للخلف ممدة ساقيها القصيرتان بتعجرف مازح …
_ مش عايزة أتعب أفكارى ، قولي على طول …
_ بايخه … طيب أمري لله ، إنتِ بكره معزومة عن الداكتوووورة حماتي ، هي أصرت تيجي عزومة الجمعة بتاعة العيلة …
تهدج صدر “مودة” بقوة لتعتدل بسعادة تجلت بشكل ملحوظ على ملامحها البريئة …
_ قولي والله ، أنا معزومة عند حماتك ، وحقضي اليوم معاكم هناك …
أشفقت “غدير” على حال أختها ووحدتها ، ألهذه الدرجة تشعر بالوحدة حتى تسعد بدعوة لتناول الطعام برفقة أهل زوجها …
_ اه يا بطتي ، حتقضي معانا اليوم كله …
زمت “مودة” فمها الصغير بسعادة ليتراقص قلبها فرحًا لتلك الزيارة التى لم تكن متوقعة إطلاقًا ، لترتشف بقية كوبها تخفي به إضطرابها وتوترها بسبب تلك الدعوة ، بينما إستعدت “غدير” للمغادرة فعليها العودة قبل عودة “عيسى” من مكتب المحاماة خاصته …
________________________________
مكتب عيسى للمحاماة …
بعد نهاية يوم عمل بدأ منذ الصباح الباكر بالمحكمة يتابع “عيسى” عمله بمكتبه الخاص حتى المساء بروتين يومي إعتاد عليه منذ سنوات ..
أوشك اليوم على الإنتهاء وهو يستكمل الإطلاع على أوراق إحدى القضايا التى وكل حديثًا للترافع عن صاحبها بتركيز شديد وجدية تامة …
هكذا هو “عيسى” شاب مستقيم جاد يتمتع بقوة وحزم جعل جميع من يتعاملوا معه يكنون له كل توقير و إحترام رغم صغر سنه بمجال المحاماة والترافع بالمحاكم …
بذكائه وقدرته الفائقة على إيجاد الثغرات بالقضايا إستطاع إظهار إسمه الخاص وذاع صيته بحقل المحكمة بعيدًا عن صيت والده أو أحد من أخوته فقط أعلى إسم (عيسى دويدار) …
بدون إنتباه سوى لما يقرأه فقط جلس بهدوء شديد خلف مكتبه يدون بعض النقاط بأحد الأوراق الخاصة بالملاحظات ، لم ينتبه لتلك العيون المترقبة خارج المكتب تنتظر أى لفته منه …
جلست “سندس” المساعدة بمكتب “عيسى” بهيام تستنشق عطره الذى دغدغ أنفها بوله تسارعت له ضربات قلبها لو ألقى إليها بكلمة لوقعت صريعة هذا الـ”عيسى” دون مبالغة لتستند بكفها فوق وجهها المستطيل الممتلئ لتظهر ملامحها بوجه مستطيل وأنف مستدير وعينان واسعتان باللون البني الداكن وشفتان عريضان للغاية …
تشدقت بآذانها تنتظر فقط دعوة منه إليها لأى مناقشة تسعدها بتواجدها إلى قربه ، هل يمكن أن يميل القلب من طرف واحد ، أم أنه يميل إليها أيضًا دون إظهار ذلك ، لكن كل هذا لا يهم فيكفيها عذوبة هذا الإحساس الذى يجعل قلبها ينبض و يشعر بالحياة …
-أستاذة سندس …
صدح صوته الشجى ينادى بإسمها ليتراقص له قلبها طربًا حين خرجت حروف إسمها من بين شفتيه لتهيم به تذوب عشقًا بهذا الرجل الذى لا مثيل له قائلة لنفسها …
_ ما بلاش أستاذة دى … (ثم أجابته تلبى ندائه على الفور) .. أيوة يا أستاذ “عيسى” …
وقفت تتلمس تنورتها وكنزتها أولاً تطمئن على مظهرها قبل الولوج إليه تبعتها بترتيب لخصلات شعرها البنية بأطراف أصابعها قائلة بهمس …
_( جيالك يا روحي) ..
تقدمت نحو داخل مكتب “عيسى” لتطرق الباب أولاً لكن خاب ظنها حين أجابها دون أن يرفع نظره تجاهها ..
_ إتفضلي يا أستاذة …
زمت شفتيها بإستياء فقد ضاع تأنقها اليوم سدى فهو لم ينظر حتى الآن إليها فقد إختارت اليوم تلك الملابس الضيقة التى تبرز جسدها المكتنز ربما تلفت نظرة ولو لمرة واحدة لكن كل ذلك يضيع كدخان فى مهب الريح ككل مرة …
لكن ذلك لن يثنيها عن المحاولة مرة تلو المرة فهي أحق به من تلك الـ”غدير” ، حتى لو تقاسمته معها فهي لن ترفض ذلك مطلقًا ، فقط يأشر لها بالموافقة وستسارع هى بمشاركتها إياه …
حاولت الترقق من نبرة صوتها قائلة …
_ أمرك يا أستاذ “عيسى” ..
_ عايزك تحضرى لى العريضة دى قبل ما أمشي عشان أراجعها ، ويا ريت ميكونش فيها أخطاء زى إللي فاتت …
قالها دون رفع نظرة نحوها لتحاول جذبة بذات النبرة الناعمة …
_ أكيد حاضر …
ثم مالت بجذعها للأمام قليلاً قائلة …
_ تؤمر بحاجة تانية …؟!
شعر بالميوعة بتصرفاتها ليرفع وجهه المتجهم تجاهها يرمقها بنظرة لاذعة محدجًا إياها بقوة قبل أن يردف بحدة ..
_ يا ريت نتعدل شوية …
طريقته الحادة جعلتها تضطرب لتعتدل بوقفتها وهي تؤمئ بالإيجاب …
_ تمام … بعد إذنك ..
كلمات مقتضبة ونظرات لاذعة هي ما تتلقاها منه لكنها تعشقها وتطلب منها المزيد فهي رغم ذلك يخصها بها وحدها فقد تملكها هذا الحاد حتى بجموده …
________________________________
أخبار سعيدة ستنهى بها الليلة بعدما تزف لأختها خبر تحصلها على عمل لها بالمكتبة لتدلف إلى داخل الحي متخذه خطواتها الفرحة تجاه بيت النجار فـ”شجن” سعيدة للغاية بهذا الخبر الذى ستزفه لأختها وأمها فربما يكون ذلك حافز لإنتقالهم من هذا البيت قريبًا ويتخلصوا من زوجه عمها وأبنائها …
بزاوية مظلمة للغاية وقفت “روايه” تحدق بعيناها السوداوتين اللامعتين بتلك القادمة تجاه البيت دون الإنتباه لها ، تطالع بعيون حاقدة تلك البسمة على وجه إبنته عمها التى يبدو أنها تشعر بالسعادة بعكسها هى التى لا تتلقى سوى الضيق فقط …
لو كانت لنظراتها أيدي لكانت تمتد الآن لعنق إبنة عمها تشفي غيظها منها ومن أختها وأمها بعد …
لم تترك عينا “راوية” متابعتها لـ”شجن” حتى دلفت للتو لداخل البيت لترفع عيناها للأعلى وقد زاغت بتشتت لأفكارها التى لا يعلمها سواها ..
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)