رواية ظننتك قلبي الفصل الثامن 8 بقلم قوت القلوب
رواية ظننتك قلبي الجزء الثامن
رواية ظننتك قلبي البارت الثامن
رواية ظننتك قلبي الحلقة الثامنة
« إنها مريضة …!!! »
خيال أم حقيقة تلك حياة أتوهم بها أنني سعيدة ، لكنني لا أدري هل أنا بالفعل أحيا وأستحق تلك الحياة ، أم أنني بالوهم أعيش .
طال الحديث عن كوني لست طبيعية ، مريضة متوهمة أعيش بالخيال ، لكني لا أدرك هل أنا أتوهم أم أن هذا هو الواقع بعينه وأن ما أمر به حقيقي وليس أوهام بعقلي ، فليخبرني أحدهم أنني على صواب لأحيا تلك الحياة التى كنت أترقبها .
لكن ما أعرفه جيدًا أنه قد واتتني الفرصة للحياة وسوف أقتنصها ، سوف أحظى بما حلمت به وكان مجرد حلم بخيالي ..
لن أضيع تلك الفرصة من يدى ، لن أتنازل عنها مهما كلفني الأمر ..
****
لاح الصباح وأشرقت الشمس معلنة بدء يوم جديد ، حتى بوسط تلك الغيوم السوداء الكثيفة والتى أخفت هذه الإشراقة الزاهية لضوء الشمس ، سواد يحجب هذه الإنتعاشة كنفوس مبهمة تضل طريقها …
إستيقظت “كاتينا” بحماس لإعداد كعكة عيد ميلاد “معتصم” فاليوم يوم ميلاده وعليها تحضيرها كمفاجئة له ، لكن أولًا عليها إنتظار “عهد” حتى تساعدها بإشغال “معتصم” كما إتفقتا بالأمس …
إدعت “عهد” النعاس لتهبط للدور السفلي كما لو أنها قد إستيقظت للتو لتدنو من “كاتينا” بأعين ناعسة وتثاؤب مصطنع قائله …
– صباح الخير …
غمزت لها “كاتينا” بخفة تذكرها بإتفاقهما قبل أن تردف ..
– صباح الخير “أهد” … هل أنتِ مستعدة …؟!!
– بالطبع ..
قالتها “عهد” بقوة فهي بالفعل مستعدة لقضاء اليوم مع “معتصم” ..
وقع خطوات ثالثهما جعلتهما ينتبهان لقدومه فى حين بدأ هو يقلب قاتمتيه بينهما متسائلًا بشك …
– ما بكما …؟!!
– لا شيء”ماوصي” … مجرد حديث فتيات ..
هكذا أجابته “كاتينا” ليجلس هو بغروره المعتاد يرفع شاشة حاسوبه ليتطلع بشاشته وهو يعقب …
– لا أشعر بالإرتياح لقربكما معًا …
أشارت “كاتينا” لـ “عهد” برأسها وحركة عيناها لتبدأ خطتها لتقابلها “عهد” بإيمائة تفهم لتدنو هى من المقعد المجاور لأريكته المحببة تبدأ حديثها الذى ستشغل به “معتصم” عن “كاتينا” …
– لم تقول ذلك ؟! .. نحن لا نفعل شيئًا …
برغم سماعه لنبرة صوتها تجيبه إلا أنه تصنع عدم الإهتمام وظل على وضعه منشغلًا بشاشة حاسوبه …
جلست “عهد” وهى تتمعن بهذا الرجل الغامض المثير لأعصابها وأفكارها منذ حضورها ، إرتدائه أيضًا لهذا اللون الأبيض الناصع أظهر لونه الخمرى الساحر وأبرز عيناه القاتمتان البراقتان بنظرتهما الحادة المميزة ، هو لا يبدو عليه السهولة بل هو شخص صعب المراس معقد الفهم ، ليس واضحًا كغيره ، إستطاع أن يلعب بأفكارها ويجذب عقلها بحضوره المميز …
عدم إهتمامه لوجودها أو إظهاره لهذا كان سببًا بتفجير الفضول من داخلها للإقتراب أكثر من هذا الغامض ..
باغتته بسؤال بطريقتها التى جذبته بقوة من أعماقة ، ذلك الإسلوب المستفز الذى يجعله متأهبًا للرد حتى لو كان رافضًا للتحدث بالمرة …
– إلا قولي … إنت بقى بتشتغل ولا عواطلي معاه قرشين …؟؟!
رفع حادتيه تجاهها كإجابه لسؤالها المستفز حين رمقها بقوة وهو يجيبها بحده وصرامة أرجفتها قليلًا …
– ده مش ظرف … دى وقاحة …؟!!
قالها يؤدبها عن طريقتها الوقحة لتبتلع ريقها بإضطراب وهى تشرأب بعنقها بشموخ فلن تتركه يهنأ بإحساسه بالتغلب عليها أو فرض قوة سيطرته الحادة ، فهي ليست سهلة السيطرة ، بادلته نظراتها المتعالية تتحدى صرامته …
عاد بجذعه للخلف بأريحية ثم رفع ذراعه يسنده على حافة الأريكة متشدقًا بحاجبه الذى يحلق بثقة وغرور فوق عينه اليمنى ، كادت تلاحظ بسمة عيناه القويتين وهو يناظرها لوهلة قبل أن يمط شفتيه الممتلئتان بجاذبية يثير أعصاب تلك المترقبة ليستطرد قائلًا …
– عمومًا أنا حجاوبك … أنا خبير تقنيات وتكنولوجيا … يعنى كل شغلي على الكمبيوتر … بصمم برامج وبشغلها … يعنى حاجات زى كدة …
حركت رأسها بخفة متفهمة طبيعة عمله المعقدة والتى أظهرها للوهلة الأولى بأنها أمر يسير للغاية ، بطبعها الجاد العملي عادت لنفسها الأولى المعتدة بنفسها وهي تحاوره بلباقة وثقافة أذهلته بشكل ملحوظ ، فقد تبدلت من أنثى متحفزة مستفزة غريبة الأطوار لأخرى تتكلم بقوة وإدراك وإلمام بتفاصيل دقيقة للغاية ، أنثى أخرى لفتت إنتباهه بداخلها ، أنثى لم يتعامل معها من قبل .. الأنثى الذكية اللماحة ، إستكملت حديثها بعد عدة نقاط بسؤال …
– أعتقد إن شغلك ده لازم يكون فيه إنترنت قوى … صح ..؟!! كمان شبكة الإنترنت عندكم هنا ضعيفة أوى عشان العاصفة …
– لأ .. مش شرط … فيه برامج بصممها وده مش محتاج إنترنت فى البداية ، لكن طبعًا ححتاجه بعد كدة .. و عمومًا الجو مش كدة طول الوقت … وأكيد حيتحسن بسرعة …
أسئلة متوالية وحديث شيق تناسوا به وجود “كاتينا” ، حتى أنهم إستغرقوا وقت طويل للغاية دون الإنتباه إليها …
شعرت “كاتينا” بإحساس غريب يجتاحها ، إحساس بالضيق من تجاوبهم وحديثهم الطويل دون حتى الإلتفات نحوها ، أهو شعور بالغيرة ؟؟!
أهذا هو “معتصم” قليل الكلام والإبتسام معها ، أيتحدث طوال هذا الوقت مع “عهد” بلغتهم الغريبة وبهذا الحماس أيضًا …
رغم ضيقها من حديثهم معًا وتذكرها بأنها هى من طلبت ذلك من “عهد” أكملت “كاتينا” صنعها للكعكة وهى تسترق النظر إليهم من وقت لآخر بضيق بالغ …
نظرات نافذه غامضة للغاية كان “معتصم” يخص “عهد” بها ، نظرات لم تفهم “عهد” معناها مطلقًا كمن يود قول شئ ما أو يخفي شئ ما ، فيا له من شخص مربك لعقلها محير لنفسها ، تود أن تخترقه لتتفهم طبيعته كما يستطيع هو أن يستشف ما بداخلها بغائرتيه بسهولة …
سواد عيناه عميق للغاية ، كسرداب مظلم لا تدرك نهايته أو حتى ترى موضع قدميك ، لا يظهر منه إلا ما يوده فقط ، لكنه مع ذلك يأسرك بداخله ويدفعك للتوغل بأعماقه ، به غموض ساحر ، غموض ممتع شتت ثباتها بحديثه وكلماته ونظراته المبهمة …
غير مفهوم وغير واضح لكنه ساحر آخاذ طاغى بحضور لم تعتاده ، نادر حقًا هذا الياقوت الأسود …
إستكمل “معتصم” حديثه قائلًا …
– أنا مصمم برامج صعب جدًا حد يعملها …
– ده غرور بقى …
ضحك “معتصم” بخفه ليعلو بريق جذاب بملامحه الآسرة ، كيف يضيئ الياقوت لتسحر عيناها بمجرد ضحكة رسمها فوق شفتيه ، دقات قلبها الصغير جعلت نظراتها تزيغ بالفراغ حتى لا تهيم به وتخسر سيطرتها على نفسها ، أجابها بصوته الرخيم …
– لا مش غرور .. ده ثقة فى شغلي … تعالي معايا المكتب وأنا أوريكِ حاجة منهم …
قالها “معتصم” بدعوة منه لمشاركته غرفة مكتبه الخاصة ليستقيم واقفًا دون الرجوع لـ”عهد” أو إنتظار لموافقتها ، قالها كأمر واقع واجب النفاذ ، إستكمل بقوة قائلًا لـ “كاتينا” …
– نحن بغرفة مكتبي يا “كاتي” … ربما تنضمين إلينا بعد إنتهائك من صنع الطعام …
أومأت “كاتينا” بخفة وهي تطالع تحرك كلاهما تجاه غرفة المكتب فحتى “عهد” إنصاعت بسهولة لأمره لترافقه بتقبل شديد ، تابعت “كاتينا” بحنق لوجه “عهد” وعيناها اللاتى لم تنحى عن “معتصم” ليدب بقلبها توجس وحيد ، فهي إمرأة وتدرك تمامًا كيف تكون نظرة إعجاب إمرأة أخرى …
قضبت “كاتينا” ملامحها بقوة فقد رأت بـ”عهد” أمر ليس برئ بالمرة ، بل هي ماكرة طامعة بما هو ليس بحقها ، إنها تطمع بـ “معتصم” ، إنها ليست طبيعية .. إنها بالتأكيد مريضة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شقة عيسى دويدار …
أرفق على روحى التى تعلقت بك ، وأعطف على قلب أنت تسكنه ، فدونك الحياة لا أبغي بقائها ولا للقلب دقات تطمئنه …
شهقات مرتفعة يدركها جيدًا كانت سببًا في إنتفاضة “عيسى” مذعورًا تجاه غرفة المعيشة ، بقلب متألم وأنفاس متلاحقة جثى فوق إحدى ركبتيه ليجاور تلك المتعثرة بأنفاسها بتخوف ، فكيف يشعر هو بألم لم يدب بصدره بل بصدرها هي …!!
هي الهواء والمتنفس له ، يؤلمه حقًا رؤية آلامها ، ضيق عظيم حين يشاهدها فقط بتلك الحالة التى تصيبها ، ليت كل الأوجاع تصيبه هو ولا يصيبها مكروه ..
بصعوبة بالغة أخذت “غدير” تسحب بعض الهواء الذى إنغلقت لها رئتيها بقوة ، حتى نسمات الهواء إستحالت عليها ، ضاق صدرها وإمتقع لونها للون الأزرق وهي تصدر صوت إستغاثة تطلب بعض الهواء بصوت متحشرج …
– إلحقني … يا “عيسى” …
حاوطها “عيسى” بذراعه من خلف ظهرها وهو يطالعها بأعين متخوفة ..
– إيه يا “غدير” .. حاولي ترفعي راسك لفوق …
لم تقدر على إجابته لتكتفي بتحريك رأسها نافية ، تلك الحالة التى تتكرر معها كثيرًا لأزمتها التنفسية لإصابتها بمرض الربو ، تلك الأزمات التى تعلو بها شهقاتها المتحشرجة وشعورها بألم بصدرها وسعال قوى لا تقدر على تحمله ، ألم تمنى “عيسى” أن يحمله بدلًا منها لكن للأسف فإن ذلك خارج عن إرادته …
تركها برفق ليستقيم بسرعة متجهًا نحو أحد الأدراج ليخرج منها جهاز التنفس الخاص بـ”غدير” ثم وضع به أحد الأقراص وهو يركض عائدًا لها ، جثى مرة أخرى إلى جوارها يسندها بذراعه وهو يضع الجهاز فوق أنفها الدقيق …
تعلقت عيناها المتعبتان به فكم هى محظوظة بوجوده إلى جوارها ، نظراته القلقة زادت من عشقها له ، بينما أخذ “عيسى” يطالع عبوس وجهها الذى لا يعتاد عليه ، يريد رؤية إبتسامتها السعيدة تشق وجهها من جديد لتضئ حياته كما تفعل ..
بدأ سعالها يتضائل حدته حتى وجهها بدأ بالراحة قليلًا ، إنها مريضة وعليها التأقلم على ذلك ، ألم متكرر لا يسعها سوى تناول علاجها فقط ..
هي كالقمر ليس بكاملًا طيلة الوقت ، إنتظام تنفسها جعل جسد “عيسى” يشعر بالراحة والإسترخاء قليلًا ليعتدل بجلسته إلى جوارها ليجذبها نحوه لتستكين برأسها المتعب فوق كتفه ثم تنهد براحة فقد أقلقته للغاية …
– خوفتيني عليكِ … بخاف أوى ساعة ما بتجيلك الأزمة دى …
بوجه مرهق وأعين مغمضة أجابته بإستكانة وهى تهدأ بداخل أحضانه فهو علاجها الوحيد ، قد يظن البعض أن راحتها بالدواء لكن “عيسى” هو علاجها الذى لا تريد الإكتفاء منه ، أجابته بهمس …
– طالما خدتني فى حضنك خلاص حبقي كدة كويسة أوى …
نظر نحو أدوات النظافة التى تعم غرفة المعيشة ثم أردف بنبرة ملومة …
– ممكن تبطلي شغل النظافة ده وتهدى شوية … وتأجلى كل حاجة لما تيجى “أم مجدى” تعملها وخلاص زى ما إتفقنا …!!!
كطفلة مخطئة تدرى أنها قد أخطأت طأطأت “غدير” رأسها مبررة ..
– البيت كان متبهدل وعايز ألحق أخلص بسرعة عشان عاوزة أنزل أروح لـ”مودة” أطمن عليها بعد عزومة إمبارح …
إتسعت عيناه بذهول وهو يبتعد عنها قليلًا ينهرها عن إهمالها لصحتها بهذه الصورة …
– تروحي فين ..!! إنتِ مش نازلة من البيت النهاردة … ولا حتنزلي ولا حتكملي نظافة … ( ثم أكمل بنبرة عاشقة قلقة) … أنا مش مستغني عنك …
ظهرت بسمتها المميزة والتى إنفرجت عن أسنانها العريضة لتردف بسعادة رغم إعيائها …
– خايف عليا يا بطوطي …؟!!
رغم إستنكاره لدلالها له بتلك الكلمة إلا أنه أكمل بجدية وصدق …
– طبعًا خايف عليكِ … ( تنهد صدره بوله مستكملًا بتأثر) .. “غدير” إنتِ لو جرى لك حاجة أنا ممكن أموت .. إنتِ الهواء والمياه بالنسبة لي .. من غيرك مقدرش أعيش …
لتخفيف وطأة أزمتها ومرضها على قلبه القلق أجابته بمزاح رغم إعيائها وسعالها الذى لم يكف بعد …
– مياه مسمومة بعيد عنك … بس فقرى .. مش كنت شربت لك عصير أحسن لك … قال مياه قال …فين السكر والعسل … فين الحلويات والشرباتات … تقولى فى الآخر مياه …
إبتسم وهو يضغط بكفه فوق رأسها يعيدها لداخل أحضانه معقبًا ببعض الراحة لعودتها لطبيعتها ولو بمقدار قليل ..
– إنتِ إللي خليتي لحياتي طعم وسكر … المهم وجودك مش مهم إنتِ إيه …
سألته بفضول عن بقائه اليوم بالبيت ولم يخرج للعمل كعادته ..
– إنت مرحتش المحكمة ليه النهاردة … ولا خلاص حتقضيها شغل من منازلهم …؟!!
– معنديش حاجة مهمة النهاردة … حبقى أروح المكتب وخلاص …
– الحمد لله إنك كنت هنا النهاردة وإلا مكنتش عارفة حيجرى لي إيه لو كنت لوحدي …
– فعلا .. الحمد لله إنها جت على قد كدة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيت محفوظ الأسمر …
تحركت “وعد” بخطوات متخبطة تتملل من الوقت الطويل الذى تقضيه بهذا المكان لكنها مضطرة لذلك ، حاولت قضاء بعض الوقت بالترتيب ربما تمر الساعات الثقيلة عليها فقد سأمت بقائها بمفردها هنا …
دلفت نحو غرفة نومها لتفتح الخزانة الكبيرة ترتب الملابس المصفوفة بعناية بداخلها ، أمر لا أهمية له لكنها لا تدرى ماذا تفعل الآن …
وقعت عيناها على العلبة الصدفية الموضوعة برف الخزانة لتلقطها بين كفيها لتحملها برفق وتخوف بذات الوقت فتلك العلبة تخص “عاطف” …
جلست بطرف الفراش واضعة العلبة أمامها وهى تدفع بأصابعها المضطربة نحو غطائها لتكشف عن محتواها …
مجرد ما فتحت الغطاء تهدج صدرها بإرتجاف رغم أنها لا تحتوي على شئ يسبب لها ذلك فهى علبة عادية تمامًا ، فبها بعض الأوراق المطوية وساعتين وبعض الخواتم الفضية التى تخص “عاطف” فهو من محبي إرتداء الخواتم الفضية ذات الأشكال المميزة …
تذكرت أحد الخواتم التى كان يرتديها “عاطف” بأحد الأيام ، ذلك الخاتم المميز المصنوع خصيصًا له ، فهو خاتم ليس إعتياديًا فبه مجسم لشكل نحلة بارزة على مقدمته ، خاتم فريد لم ترى مثله من قبل …
أخذت تبحث عن هذا الخاتم لكنها لم تجده ، لكنها تذكرت أول يوم إرتداه به “عاطف” …
﴿ فلاش باك ﴾
نظرت “عتاب” نحو بناتها الثلاث بسخط وهى تغمغم تحدث نفسها …
– إيه العيشة اللي تخنق دى … نقوم من النوم عشان نأكل ونرجع ننام … اوووف …
هتفت ببناتها بحدة وعدم تقبل لوجودهن ..
– بس إنتى وهى وطوا صوتكوا جبتوا لى صداع …
هدأت أصواتهن خوفًا من عصبية أمهن لكنها بقيت تتطلع نحوهم فهؤلاء هم نتيجة زيجتيها الأولى والثانية ، لم تحظى بفرصة للسعادة مطلقًا ، بل كل ما تحصلت عليه هو ثلاث فتيات معلقات برقبتها دون أب يسأل ويهتم …
– يا ميلة بختى أنا .. كل الناس عايشة ومتهنية فى بيوتها … وأنا الوحيدة اللي مرمية بتلات بنات … إلا ما فيه واحد من اللي اتجوزتهم بيسأل عليا ولا عليهم …
تزوجت “عتاب” زوجها الأول والذى كان بعمر والدها يعمل كتاجر سيارات ذائع الصيت والغنى أيضًا ، كانت طامعة بحياة رغدة ، لكنها لم تجد منه سوى قصر اليد والشح الشديد وخوفه من أبنائه اللذين كانوا يعترضون زواجه بهذا العمر ، تملصت على الفور من تلك الزيجة التى لم تجد بها مرادها لتتفاجئ بصدمة حملها بإبنتها الكبرى “هنا” لينتهى زواجها بولادة إبنتها مع راتب شهرى ضئيل للغاية …
طموحها لحصولها على حياة مرفهة لم يكتفي عند هذا الحد لتزج نفسها بتجربة ثانية وزواج جديد من ذات الوسط الذى يعمل به والدها وإخوانها بالتجارة ، خمس سنوات قضتها كزوجة ثانية لرجل مطلق رزقت منه بإبنتيها (سما وتقى) ، كان مختلفًا بعطائه لكنه كان سليط اللسان لاذع الطباع ، زاد الأمر وجود أبنائه من زواجه الأول بعدما ألقت طليقته حملها عليه ولم تستطع “عتاب” بطبعها الأناني المتسلط تحمل مسؤولية هؤلاء الأولاد لتحصل على طلاقها الثاني ..
توجب عليها العودة لبيت والديها تحمل عبء ثلاث فتيات ونفس سيئة ، منذ عودتها لهذا البيت أخذت تتعامل وكأنها صاحبة البيت لها الأمر والطاعة الذى يجب أن يسرى على الجميع …
لم يقف قبالها سوى تسلط والدها والسلطة التى يمنحها لأخيها “عاطف” ذو الشخصية النرجسية المحبة لنفسه والبحث عن أفضل صورة تظهره بالقوة ورجاحة العقل …
برغم قدرته المالية التى تصل لحد الثراء إلا أن “محفوظ” لم يتخلي عن طبعه السوقي وتسلطه على عائلته وإجبارهم جميعًا على السير وفق ما يحب ليتبعوا فكره وعمله ، ببنطال بني وقميص مخطط من الصوف وقف “محفوظ” يُحدث “عتاب” بنبرة خشنة تتسم بالجفاء …
– شوفي أمك فين يا “عتاب” عايز أفطر … إحنا مستعجلين النهارده …
مطت “عتاب” شفتيها بإستياء متسائلة ..
– وهي أمي لوحدها ولا إيه … ؟؟!! أمال فين “وعد” هانم ؟!! مش دى اللي بتنام بدري وتصحى بدرى ؟!!!
قالتها بسخرية وهي تثير حنق والدها على زوجة أخيها كما تفعل دومًا ، ليجيبها والدها بلا مبالاة من حديث النساء هذا فهذا أمر لا يهمه …
– أنا عاوز أفطر … متدخلنيش فى كلام الحريم ده … قومي يلا …
دبت “عتاب” قدميها بالأرض بقوة وهي تدلف نحو المطبخ لتجد والدتها تحضر الطعام بمفردها لتبدأ وصلة جديدة بشحن النفس …
– صباح الخير يا ماما … أمال فين الست “وعد” ، مش المفروض تصحى تفطر حماها وحماتها ولا هي مش زى بقية الخلق ؟!!!
وضعت “قسمت” بعض الأطباق على عجالة …
– رجلها إتلوت من شوية وراحت أوضة التليفزيون مع “عاطف” … خليني بقى أخلص الفطار أحسن أبوكِ على آخره …
ضاق صدر “عتاب” بإهتمام “عاطف” بـ”وعد” لتبث سُمها بحديثها الحاد كالشفرات المسننة …
– نعم …!!! وهي محتاجاه ممرض ولا إيه …؟!! هي فاكرة نفسها مين بنت “عايدة” … وهو “عاطف” حيشتغل لها دلدول ؟!!! مش يشكم مراته اللي جايه تتدلع علينا … ( ثم زادتها بقنبلتها التى فجرتها بنفس أمها ) … لأ وإيه بكره تدخل فى دماغه وتقوله تعزل لوحدها .. ما هي مش لاقيه حد يلمها …!!!
إلتفت “قسمت” بأعين تتقد بشرر تاركة ما بيدها قائله …
– تعزل …؟!!!! أهو ده اللي ناقص .. طول عمرنا فى بيوت عيلة .. معندناش حد يعزل … لو مش عاجبها الحال تقعد فوق ولا ليها أكل ولا مصاريف …
راحة شعرت بها “عتاب” فاليوم أيضًا لن يمر مرور الكرام وستنال تلك السعيدة الهانئة ما يعكر صفو يومها بعد حديثها هذا …
لم تكتفي بهذا القدر بل إتجهت صوب الغرفة الخاصة بمشاهدة التلفاز لتختلس النظر لما يفعلانه بالداخل …
تقدم “عاطف” حاملًا عُلبة مستطيلة للإسعافات الأولية وقد لمع بريق خاتمة الفضي ذو النحلة بأعين “وعد” المتأوهه بألم …
– مدى رجلك يا “وعد” … أنا جبت لك الرباط الضاغط أهو …
قضبت ملامحها بألم وهى تدفع بساقها قليلًا نحو الأمام …
– بالراحة بالله عليك يا “عاطف” أحسن مش قادرة أحطها على الأرض …
– معلش … معلش … إستحملي … أنا حربطهالك أهو … عشان تلحقي تقومي تحضري الفطار مع ماما و”عتاب” …
رغم ألمها الشديد إلا أن وقع ما يخبرها به ألمه أشد ، أتسعت عيناها الخضرواتين بإندهاش …
– أحضر الفطار … !!! هو ده كل اللي يهمك … ؟!! إني أحضر الفطار ….
رغم شعوره بالتألم لرؤيتها متوجعه بهذه الصورة إلا أنه يرفض فكرة الإهتمام والحنان حتى لا يظهر كالضعيف أمامهم خاصة وهما بشقة والديهما …
– جرى إيه يا “وعد” الأمر بسيط يعنى … بلاش تكبريها …
غصة دومًا أصبحت تتعلق بقلبها فصدماتها المتتالية من جفائه و ردود أفعاله أصبحت لا تمر على قلبها الحالم مرور الكرام ، يومًا بعد يوم يزداد قساوة وتحجر ، كل يوم يخطو خطوة بطريق البعاد …
لو كان بالذكاء الكافي لكان فهم من نظراتها الجوفاء له بأن قلبها ترك يده وبدأ يتخذ طريقًا مجهولًا لا تدرك بدايته ولا نهايته …
حملقت به لبعض الوقت بتلك النظرة الخاوية تتسائل بداخلها هل هذا هو من إخترته لبقية حياتي لأبقى معه ؟؟! إنه أصبح أسوأ إختياراتي على الإطلاق …
وجدت نفسها تنكس عيناها الدامعتان بعيدًا عنه لتسقط على “زين” الذى يتشبث بجلبابها خوفًا عليها حين رأى تألمها …
بسمة رضا شقت حزنها فلولدها قلب رقيق كقلبها ، لا يشبه قلب والده المتحجر ، إنه عوضها عن حرمانها من الحنان والراحة …
نهض “عاطف” من جلسته بعدما أنهك لوضع تلك اللفافة حول قدم “وعد” ليشعرها بأنه قد فعل لها جميلًا لا ينسي ، أردف يمن عليها بمساعدته لها …
– شايفه … أنا ربطت رجلك أهو … عشان تعرفي إن أنا زوج مفيش زيه فى الدنيا أبدًا …
ضحكة خفيفة تهكمية حلت فوق شفتيها وهى تمسح دمعتها المتعلقة بأهدابها قائلة …
– إنت حتقولي … ده مفيش زيك فى الدنيا ..!!!
أشار لها بحركة رأسها ليدعوها للخروج من الغرفة …
– يلا نطلع عشان نفطر … وتساعدي ماما و “عتاب” …
ضغطت متحاملة ألم قدمها وهي تعرج بقوة تتبعه حين خرج أولاً رافعًا من هامته ليظهر بخيلاء وعنجهية فارغة قدرته على إجبارها على إنصياعها لأمره مهما تحججت وتألمت …
فور شعور “عتاب” بتجهزهم للخروج من الغرفة أسرعت مبتعدة حتى لا يلاحظون إختلاسها النظر لهما لتسرع تجاه والدتها التى أُثلج صدرها برؤية “عاطف” ومن خلفه “وعد” تنصاع لأمره مكرهه لتبدأ بمساعدتهم رغم تألمها …
كان التساؤل الوحيد حين هتف “محب” بإقتضاب …
– هو فيه إيه …؟!! مالك يا “وعد” …؟!!
تلقائيًا رفعت “وعد” نظراتها تلوم بها “عاطف” قبل أن تردف بإنهزام …
– مفيش حاجة …
لحقها “عاطف” ببرود ممزوجًا بالغرور ..
– هو إحنا حنقضيها مالك ومالكيش … يلا يا أخويا نفطر ورانا شغل …
إلتفوا جميعًا حول الطاولة لتناول الطعام ليتجهوا نحو تجارتهم بينما بقيت “عتاب” و”قسمت” يسخران من “وعد” بشماته لما قام به “عاطف” ..
– عشان تعملي لنا فيها بنت السفير … أهو هو ده مقامك يا بنت “مسعود” سيد الرجالة !!!!
أنهت “عتاب” عبارتها بتهكم وهي تطالع “وعد” بنظراتها الوقحة تستمتع برؤية دموعها التى حاولت إخفائها لكن رغمًا عنها لا تتوقف …﴾
عادت “وعد” لواقعها متمنية بأنها لم تخطو قدمها يومًا هذا البيت ولم ترض بزوجها من “عاطف” ، تنهدت بصمت على حالها الذى بالطبع تراه أفضل من أن تحمل لقب مطلقة وتصبح مثل “عتاب” …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكوخ …
دلف “معتصم” أولًا لغرفة مكتبه والتى تخطوها “عهد” لأول مرة ، غرفة مرتبة أنيقة بها مكتبة صغيرة ومكتب خشبي مميز موضوع عليه حاسوب آخر خاص بـ”معتصم” ، وضع حاسوبه الذى يحمله إلى جوار قرينه ثم إستدار نحوها بنوع من التحدي الذى لاح بعيناه القاتمتان قائلًا …
– بتعرفي تلعبي شطرنج …؟!!
نبرة تحدى ورفعة واثقة من حاجبه الأيمن كان تعبيره وهو يحدق بمقلتيه بداخل خاصتيها التى جعلتها تتشدق برقبتها بغرور تقبل تحديه ومنافسته لتجيبه بقوة …
– طبعًا … ده لعبتي ..
مال بجذعه للأمام وهو يستند على مكتبه بكفيه بحركة جذابة للغاية ليناظرها بتحدى وقد لاحت بسمة طفيفة فوق ثغره …
– حنشوف …
أخرج علبة مطعمة بالصدف واضعًا إياها فوق طاولة خشبية صغيرة تتقدم المكتب ليردف بذات النبرة …
– يا أنا … يا إنتِ .. بس خدي بالك … أنا مبتغلبش …
قالها بغرور وثقة أثارت تلك المتحفزه لتهتف به بمواجهة وتحدي ملوحة بذراعها فى الهواء…
– يبقي إنت متعرفنيش … مش “عهد مسعود” إللي تتغلب … وسع كدة … أنا بلعب بالأبيض …
بأعين مندهشة تطلع بتلك المتوهجة القوية ليردف بتعجب …
– كمان … !!!! ده إيه الثقة دى ..؟!!
– هو أنا كدة … مش زى أى حد … يلا … وريني اللي عندك …
إستفزت كل كيانه بتحديها وغرابتها المتفرده ، إستحوذت على كامل إنتباهه وهو الذى لا يلفت إنتباهه أحد ، جلس “معتصم” على المقعد المقابل لها قائلًا ببسمة خفيفة …
– ماشى … لما نشوف …
جلست بمقابله لتبدأ بوضع القطع كل بمكانها بحرفيه شديدة لتبدأ أولى جوالاتهم وتنافسهم الشرس ، فكلا منهما متمكن من تلك اللعبة ويتمتع كلاهما بذكاء متقد ظهر بكل خطوة وحركة خلال هذا التنافس …
زاغت عينا “عهد” وهي تبحث بين القطع عن حركة ذكية تهزمه بها لترفع ذراعها دون إنتباه تحل عقدة شعرها الأسود المعقوص بقوة لينسدل بنعومة على جانبى وجنتيها بصورة ساحرة ، خللت أصابعها بحركة لا إرادية بداخل خصلاتها تتمعن بالتفكير باللعبة بتركيز شديد ثم لململت شعرها مرة أخرى بعشوائية ، قامت بهذا بعفوية دون الإنتباه لما تفعله بينما إسترقت حركاتها إنتباه “معتصم” الذى هام بحركتها دون قصد ..
لحظات إسترق بها النظر إليها وهى تتحرك بعفويه وتركيز شديد دون الإنتباه له وهو يحدق بها يتأمل حركاتها وتفاصيلها التى دبت له ضربات قلبه بإنتفاضة غريبة غير مفهومة تجتاحه لأول مرة ..
أصابته بتشتت لم ينتابه من قبل لدرجة تناسى ما يفعله بحضورها ، أخرجته من واقعه ليتفحص بأعين مسحورة ملامحها الناعمة وتركيزها الشديد باللعبة ، نشوة رائعة أصابت قلبه المضطرب حتى عندما مدت أصابعها الطويلة لتمسك بالقطعة تحركها بخطوة جديدة بلوح الشطرنج وقد رسمت على ثغرها تلك البسمة الشقية السعيدة ، وجد نفسه لا إراديًا يبتسم معها لرؤيته لبسمة حقيقية لاحث بشفتيها دون وعى منها …
إنتبه لنفسه ليزيح سحرها الذى غلبه للحظات ليعيد تركيزه المشتت للعبة ليبدأ بحركة مضادة …
ظن أن اللعب معها ما هو إلا فوز سهل سيكون ذريعة لهجوم لذيذ آخر عليها ، لكنها كانت ند قوى ، كادت أن تتغلب عليه للعديد من المرات ، حتى إنتهت تلك اللعبة بوقوف شاه كل منهما بمقابل الآخر لتعلن النهاية بالتعادل فإما سيفوزان معًا أو سيخسران معًا …
– مكنتش أعرف إنك ذكية كدة …
– وإنت فاجئتني بصراحة …
بفضول لمعرفة المزيد عن تلك الغريبة سألها بذكاء …
– بتعرفي تلعبي ألعاب تانية …
– يمكن … بس معنديش وقت كتير …
قالتها بإقتضاب خشية أن يفهم أنها وحيدة لا تجد رفيق يؤنسها لتتبادل معه الألعاب والأحاديث …
صمت قليلًا وهو يناظرها بتلك النظرة المبهمة الغامضة التى تراها دومًا بعيناه ، نظرات ثاقبة تقتحم روحها وتستشف ما تخبئه بداخلها داخل أسوارها المغلقة …
قلب مغلق أسواره على ما فيه فقد تأذيت أكثر مما أستحق ، ليته يظل صامدًا على ثباته وقوته ، ليته يبقى وحيدًا لا يأبه لتلك الثورات التى تطرق أسواره ، فلتظل بعيدًا عن خاصتى ، فقلبي معتاد وحدته …
سيل من النظرات الصامته لم تدرك بعد مقصدها لكنها تربكها للغاية ، هي من ظنت أن لا مثيل لها بقوتها وثباتها ، أتى هذا الياقوت ليطيح به بنظرة عين …
نظرات أبلغ من كلمات ظلت واصله بين كلاهما حتى قطعها صوت “كاتينا” الناعم يقتحم إسترسالها ، تقدمت “كاتينا” تحمل قالب الكعكة بين يديها وهى تقلب عيناها بينهما بفضول شديد وغيره قاتلة ، تود معرفة ماذا يفعلون طيلة هذا الوقت بمفردهما …
تطلعت نحو “عهد” بنظرات ساخطة لم تعطى لها “عهد” بالًا مطلقًا ، بينما صاح “معتصم” بتفاجئ …
– اوووة … أهذه لي ..؟! شكرًا لكِ عزيزتي لقد تذكرتي يوم ميلادي …
ضيق شديد لاح بملامح “عهد” لإهتمام “معتصم” وسعادته بما فعلته “كاتينا” لكنها تذكرت ما فعلته ليلة الأمس وأن مفاجئتها ستُفسد بالتأكيد لتهتف بسعادة مصطنعة …
– إنها رائعة … سأحضر الأطباق حالًا لتناولها …
خرجت “عهد” من غرفة المكتب متجهة نحو ركن المطبخ لتحضر الأطباق فيما تابعت “كاتينا” خروجها لتضع الكعكة عن يدها فوق الطاولة وهى تشير تجاه الخارج بيدها فقد غلبتها غيرتها وضيقها من “عهد” لتتحدث بنبرة حادة للغاية لم يعتادها “معتصم” …
– إنني لا أشعر بالإرتياح لتلك الفتاة …
– لم يا عزيزتي …؟!! إنها لم تفعل شيئًا ..
بتوتر شديد وإنفعال ملحوظ إستطردت “كاتينا” …
– إنها غير طبيعية … إنها بالتأكيد مريضة أو شئ من هذا القبيل … ألم ترى كيف تنظر إليك ..؟!!
قضب حاجباه متسائلًا دون إدراك لمقصدها …
– ماذا تقصدين …؟!!
زفرت بضيق وهى تستكمل بإنفعال فهذه المتطفلة التى تحاول التوغل بنفس “معتصم” عربية مثله وربما تستطيع التقرب إليه أكثر منها …
– إنها تكن لك مشاعر … إنها منجذبة إليك …
إستقام بقامته مندهشًا مما تقوله ليشعر ببعض النشوة بداخله ، أيسعد لهذا الأمر حقًا ، ثم إنتبه لأمر ما جعله يتفكر مرة أخرى أن الأمر ليس كما يبدو ، كما أن كونه صديق لـ “كاتينا” فيجب أن يكون رد فعله مختلفًا تمامًا ليجيبها بغرور مشتتًا لإنتباهها …
– ومن لا ينجذب لـ “معتصم دويدار” … إهدأى يا عزيزتي … لا شئ مما تظنينه مطلقًا … إطمئني …
زمت “كاتينا” شفاهها بضيق فهو لا يفهم غيرتها وتطفل “عهد” وتوغلها بينهم بأقل من يومين فقط مكثتهم معهم …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجين أفكاري وحياتي القاحلة ، وسأظل أحيا بسجني طالما لم يفهمني أحد ، فهل سيعطيني أحدهم العذر يومًا ويفهم مقصدى …
الكوخ …
حملت “عهد” الأطباق بعجالة تتمنى رؤية وجه “معتصم” عندما يدرك أن “كاتينا” قد حضرت له هذه الكعكة ، فلابد أن هذا الإحتفال سيفسد تمامًا كما خططت له بالأمس …
– لقد أحضرت الأطباق … هيا لنتناول هذا الكعك الشهي ..
لم تنتظر “عهد” تقطيع “كاتينا” للكعكة لتبدأ هي بتقسيم القطع ووضعها بالأطباق بينما أخفت “كاتينا” إمتعاضها من “عهد” فقد شعرت بأنها أخطات حين سمحت لها بالبقاء فيبدو أنها تفسد كل شيء …
حمل “معتصم” طبقه ليبدأ بوضع أول قطعة بفمه وسط ترقب أعين “عهد” تتوق لرؤية وجهه الآن وهي تجاهد ظهور تلك الإبتسامة فوق ثغرها ضاغطة بأسنانها فوق شفتيها بقوة لتمنعها من الظهور …
إمتقع لون “معتصم” للون الأحمر بقوة وبدأ بسعال مخيف جعلها تنتفض من جلستها قائله بقلق ..
– مالك …؟!!
إحساس قوى بإلتهاب حلقه ولسانه وشفتيه زادهم ضيق تنفسه هذا لا يعني سوى أمر وحيد ، أنه قد تناول الفلفل الحار (الشطة) ذلك المسحوق الذى يؤذيه بقوة ، أسرعت “عهد” تناوله كوب الماء ليرتشف منه قليلاً يهدئ من هذا الإحساس المميت …
فور هدوئه قليلاً إنفعل بحدة موجهًا حديثه لـ”كاتينا” …
– أهذا مقلب أم ماذا تقصدين …؟!!
إتسعت عينا “كاتينا” بذهول قائله ..
– ألم تعجبك …؟!!
– تعجبني …!!!! ( قالها مستنكرًا ليزداد حدة وإنفعال قائلاً ..) .. إنها سيئة للغاية … إنها ممتلئة بالفلفل الحار … هل تنوين قتلي ..؟!! أنتِ تعلمين جيدًا أنني أمرض عندما أتناوله …
تهدجت أنفاسها بقوة وهي تدافع عن نفسها ..
– بالطبع لا … لم أفعل ذلك … لقد صنعتها كما تحب فقط …
إستدارت نحو “عهد” الصامته والتى كانت تطالع “معتصم” بأعين قلقه من تحسسه الزائد للفلفل الحار لتهتف “كاتينا” بإتهام لها …
– إن الأمر لم يخرج عن تلك الفتاة … إنها لابد وأن تكون هي من فعلت ذلك لتفسد المفاجأة…
ثم إستدارت بكامل جسدها تحدثها بإنفعال شديد …
– أنتِ … أنتِ من فعلتها … لا غيرك ..!!
إتهام “كاتينا” لـ”عهد” حول إنتباه “معتصم” لها وأخذ يطالع ثباتها الشديد وهدوئها المثير حين تشدقت برأسها بثقة ثم أعلت من هامتها دون تأثر ليظهر طول قامتها وضئآلة “كاتينا” أمامها ليثيره ردها الهادئ …
– لا … لم أفعل شيئًا …
تقدمت “كاتينا” بإنفعال لتقف بمجابهة “عهد” قائله بذات الحدة …
– لا … إنتِ من فعلها … أنتِ من تريدين إفساد مفاجئتي … لقد رأيتك … لقد رأيتك كيف تنظرين إليه … كيف تنجذبين له … رأيت إهتمامك به وإعجابك بـ”ماوصي” …
ثم رفعت رأسها تهددها بوجه مقتضب للغاية …
– لا تنسين نفسك … إنكِ مجرد زائرة غريبة غير مرغوب بها … “ماوصي” لي وحدي وليس لأحد غيري …
إتهامها لها على الملأ بإهتمامها بـ”معتصم” وإنجذابها نحوه حطم كبريائها وبعثر من كرامتها وإظهار ما فعلته للحصول على إهتمامه ، أثارت حنقها بما تفوهت به أمامه لتتسع عسليتيها ببريق فلن يمر الأمر بسهولة وتربح تلك الضئيلة …
شعور يطيح بها لأول مرة ، أن يتهمها أحدهم بالإنجذاب لرجل ، شعور لم يمر بها من قبل ، حتى وإن كان لا أصل له لكنها شعرت بالإهانة والحنق ، يجب أن تدافع عن نفسها وتثبت أن لا شئ يؤثر بها ، لكن كيف وسوف تفسد كل ما فعلته …
لن تتركها تظهر بمظهر البريئة التى لم تفعل شيئًا ، لن تتركها تتهمها بهذه الفظاعة حتى لو كانت تبحث من داخلها عن فرصة للحياة ، إحساس يجب أن يبقى ويظل بداخلها فقط …
يجب أن تظهر ما عليها إظهاره فقط ، يجب أن تستكمل ما بدأته …
لمعت عيناها ببريق هجوم ضاري على الشقراء فلن تتركها تفلت بهذا التطاول والإتهام ، لكنها بذات الوقت لن تضيع ما قامت به بالأمس لتهتف بنبرة صارخه إهتزت لها “كاتينا” …
– أنتِ أيتها الوضيعة تقولين لي هذا الكلام …
( ثم أكملت بما أطلق الذهول بعيني “معتصم” و”كاتينا” معًا فعليها قول ذلك ) …
– من تكونين لتفرضي عليه من يختار … لم تتحكمين به وفرض نفسك عليه …!!!
فاه “معتصم” بذهول لإعتراف “عهد” بما فعلته وأن “كاتينا” كانت على حق ، أمعنى ذلك أنها منجذبة إليه …
حدق بـ”عهد” لفترة مذهولًا غير مصدقًا لما سمعته أُذناه قبل أن يجيب عما تفوهت به …
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)