روايات

رواية ظننتك قلبي الفصل الثالث 3 بقلم قوت القلوب

موقع كتابك في سطور

رواية ظننتك قلبي الفصل الثالث 3 بقلم قوت القلوب

رواية ظننتك قلبي الجزء الثالث

رواية ظننتك قلبي البارت الثالث

ظننتك قلبي
ظننتك قلبي

رواية ظننتك قلبي الحلقة الثالثة

(الهدوء الذى يسبق العاصفة)
منذ متى والسكون يعنى الراحة والهدوء ، فهناك سكون مقلق مخيف يمكن أن تبدل به الأحوال بلحظة …
بعد عودة “منار” من عيادتها إستمعت لصوت أنثوى مرح للغاية برفقة زوجها ، هذا الزوج الذى توجست من غضبه لإنتظاره الطويل ، لكن تلك القهقهات هي تدركها جيدًا لتندهش “منار” بتفاجئ قائله …
_ إنتِ …!!!
إلتفتت “غدير” تجاه والدة زوجها “عيسى” حينما سمعت صوتها عند عودتها …
تلاقت عيونهما المبتسمة فوجود “غدير” أزاح عن كاهلها توبيخ “خالد” الليلة …
نهضت “غدير” بإنتفاضة وحماس فهي شابة تتمتع بحيوية ورشاقة كالفراشات تحلق بأجنحتها بين القلوب ، تسرقها بضحكاتها الخلابة ومرحها الذى لا حدود له ..
فتاة جميلة ذات إبتسامة واسعة وأسنان بارزة قليلًا أكسبتها إبتسامة فريدة للغاية ، تتمتع بشعر كستنائي يميل للحمرة مموج بشكل يناسبها تمامًا ..
هتفت بسعادة فور رؤيتها لوالدة زوجها …
_ “منوووورة” … حمد الله على السلامة يا دكتورتنا .. كل ده تأخير … إيه مفيش وراكِ “دورا” (تقصد نفسها) تأكليها وتشربيها وتدلعيها ولا إيه !!! ..
_ أحلى “دورا” فى الدنيا (قالتها “منار” وهى تدنو من “غدير” لتهمس بأذنها بنبرة خفيضة للغاية) … كويس إنك جيتي قعدتي مع عمك “خالد” كان حيفتح لي محضر الجلسة …
تعالت ضحكة “غدير” المقهقهة ذات الشهقات المتقطعة تهتز لها كتفيها بقوة تبث السعادة وترسم الإبتسامة بمجرد رؤيتها تضحك فقط ، فكل ذرة بداخلها تضحك معها بضحكاتها التى لا تنقطع …
أردفت “غدير” وهى توسع مقلتيها عن آخرهما تعقب بمزاح …
_ دى عملية إنتحارية … لازم آخد العمولة بتاعتي ..
مدت “منار” كفها لتعبث بأصابعها بخصلات شعر “غدير” المموج تظهر إعجابها بروحها المرحة التى تدب بهم الحياة ، تمامًا كما تفعل بـ”عيسى” ، ضمتها “منار” بمحبة أم فكم تمنت أن يرزقها الله بفتاة لكن يشاء أن يرزقها بثلاثة ذكور ، لتجد بـ “غدير” تلك الفتاة التى طالما تمنت وجودها بحياتها ، كما عوضت “منار” زوجة إبنها بأم ثانية بعدما فقدت والدتها ، لم تكن علاقة “غدير” بـ “منار” تقف عند حد أم زوجها بل حقيقة إعتبرتها أمها ، تمامًا گبقية تلك العائلة التى إتخذتها عائلة لها فهي فتاة يتيمة الأبوين لا تملك سوى أخت واحدة هي كل عائلتها ..
تابع “خالد” لقائهم بإبتسامة إمتنان لوجود فتاة گ “غدير” بحياتهم الرتيبة ، فقد ملكت بقلبها النقي وبسمتها التى لا تفارق وجهها قلوب العائلة بأكملها ..
“غدير” هي إسم على مسمى ، فقد أصبحت شريان الحياة لهم جميعًا دون إستثناء ..
حملت “منار” حقيبتها وهي تأشر لـ “غدير” قبل أن تتجه لغرفتها قائله ..
_ حروح بقى أغير هدومي وأرجع نتعشا سوا …
شهقة قوية تبعتها نظرة إندهاشية من عيونها الواسعة برد فعل مبالغ فيه إعتادوه منها رغم أن الأمر لا يستحق هذا الإندهاش ، تبعته قائله بنبرتها القوية …
_ لاااااااااااا … أبدًا ولا ممكن بُدًا ، أنا حستنى “عيسى” أكله …. ااا … قصدى أكل معاه … بالهنا والشفا على قلوبكم من غيري ..
كانت تلك طريقتها مودعة حماها وحماتها قبل أن تغادر لتصعد لشقتها فقد أتمت مهمتها بمرافقة والد زوجها حتى لا يشعر بالملل حتى عودة “منار” ..
إستدارت “غدير” وهي تسحب الباب لتطل برأسها فقط قبل مغادرتها تلقى قُبلة بالهواء ثم أردفت بروحها العذبة …
_ تصبحوا على خير يا قطاقيط ، متعملوش شقاوة … هاااا ..
كما لو كان وداعها لهم بتلك الليلة تاركة أثر ضحكة يدخرونها لبعض الوقت بعد تركهم ، لتستمع لصوت ضحكاتهم أثناء إغلاقها للباب صاعدة نحو شقتها لإنتظار عودة “عيسى” من مكتب المحاماة خاصته ..
________________________________
البعض يرضى بالهدوء فقط لأنه قد أُنهك بزخم الحياة ، وبعضهم يرضى بالهدوء گأمر واقع لا بديل له ، لكن هناك هدوء مخيف ، هدوء الترقب المحطم للأعصاب ، إنه الهدوء الذى يسبق العاصفة …
إنقضت ليلة گغيرها من سائر الليالي ، وما الجديد بتلك الحياة البائسة الساكنة التى تعيش بها “عهد” ، فرغم إنتظارها لحلول الصباح إلا أن الصباح كان أملًا بحد ذاته ، فهى لا تتوق لشئ آخر ..
قبل موعد الطائرة بوقت كافٍ كانت “عهد” على أتم الإستعداد للتوجه للمطار لإستقلال طائرتها برفقة بقية البعثة الجيولوجية التى سترافقها ..
مجموعة جديدة كليًا عليها ، لكن ذلك لا يمثل لها أى نوع من الضغط أو التوتر ، فهي قادرة على التعامل مع أى عدد كان بفرض سيطرتها وقوة شخصيتها على المجموعة ..
دلفت لداخل المطار لتقوم بإجراءات السفر المعتادة لكنها لم تبالي بتلك العيون التى ترمقها من وقت لآخر بعدم تقبُل لمظهرها الجاد وملابسها الرجالية ونظراتها الحادة ..
لقد إعتادت على تلك الوجوه الرافضة لهيئتها حتى أنها أصبحت تتعمد تشدق رأسها للأعلى كما لو كانت تعيش بعالم بمفردها ، أنهت الإجراءات وجلست بإنتظار موعد الصعود للطائرة ..
لم تكن بمفردها تنتظر بصالة الإنتظار لكنها لم تندمج وسط تلك الأحاديث الثرثارة من حولها قبيل الصعود للطائرة ، تجاذب الجميع من حولها بموضوعات شتى لم تلفت إنتباه “عهد” بل شعرت بالنفور من هذا الإندماج الغريب ، فكيف لهم بهذا التواصل ولم يقضى على تعرفهم ببعضهم البعض ما يقل عن الساعة ..
رغم إلتزامها الصمت إلا أنها كانت تتطلع بمعظمهم من وقت لآخر بنفور من تفاهتهم فما الداعي لكل تلك الثرثرة التى لا تفيد ، فما يفعلونه ما هو إلا فكر سطحى ضحل للغاية ..
أُعلن بالتوجه لصعود الطائرة لتنهض بإستعداد خشن كحياتها لتحمل حقيبة ظهرها السوداء متخذه خطواتها الجدية نحو باب الخروج ..
أغمضت عيناها بسخط وهي تتأكد من الرقم المدون بتذكرة سفرها للتأكد أن هذا المقعد حقيقة هو ما يخصها لتغمغم بسخط فلم يكن ينقصها سوى أن تقضى رحلتها إلى جوار إثنان من المحبين فعلى ما يبدو أنهم زوجين حديثى العهد …
– شكلها رحلة ما بعلم بيها إلا ربنا … باينه من أولها ..
دفعت بحقيبتها بالمخزن العلوى لتلقى بجسدها فوق مقعدها تتمنى أن تتحلى بالهدوء فلا داعى لأن تجعل هذا الأمر يثير العاصفة بداخلها …
كتمثال شمعي خال من الحياة جلست مرغمة وقد تجسدت ملامح الإمتعاض والتقزز على ملامحها المكفهره فقد بدأت مرحلة الغزل بين هذان مغثيى النفس إلى جوارها فهي لا تتحمل مشاعر غرامهم الفياضة تلك ..
لجأت لتصرف واحد ، تصنع النوم ليمر الوقت حتى تحط الطائرة بسلام ، متحاملة تلك الساعات التى ستقضيها إلى جوارهم بهدوء نفس مرغمة على ذلك لتغمض عيناها مسندة رأسها للخلف بهدوء قاتل ..
_______________________________
بيت عائلة النجار …
ساعة صباحية كانت تتوقع بها “شجن” أن والدتها وأختها يغطان بنوم عميق حين تفاجئت بأختها “نغم” تجلس فوق فراشها متسائلة ..
_ “شجن” ..بقولك إيه … ما تسأليلى على شغل معاكِ … أى حاجة أطلع بيها بره البيت ده … أنا إتخنقت أوى …
خلعت “شجن” إسدالها بعد إتمام صلاة الضحى تزم شفتيها بإستياء من حال أختها أيضًا لتجلس إلى جوارها قائله ..
_ عارفه والله إللى إنتِ فيه … بس مش عارفه المستوصف فيه شغل إيه يناسبك … إنتِ خريجة آداب وقسم مكتبات كمان .. يعنى مش عارفه حينفع ولا لأ ..!!
أكملت “نغم” بترجى حتى لا تُصرف أختها النظر عن البحث ..
_أى حاجة والله .. المهم أطلع … عارفه ممكن فى الإستقبال أو فى أى حاجة …
أومأت “شجن” رأسها بخفة قائلة ..
_ فيه مكتبة كتب جنب المستوصف وأنا راجعة النهاردة حسأل لك لأني تقريبًا شوفت إعلان عايزين حد يشتغل ..
_ يا ريت يا “شجن” ، نفسي أطلع بره بيت النجار إللي حيجيب أجلنا ده ..
برغم أنها ليست مادة للسخرية فهي تقصد ذلك حرفيًا إلا أن “شجن” إبتسمت لحديث أختها …
إنتهت من تبديل ملابسها وحملت حقيبتها المعتادة لتستعد للمغادرة ، ذلك الأمر الذى يعتبر بمثابة عبور الحدود بين إحدى الدولتين …
سحبت باب الشقة من خلفها لتهبط الدرج بخطواتها الهادئة المعتادة رغم توجسها من ساكني تلك الشقة بالدور السابق ..
بلمحة من عينيها دفعت بالهواء الساكن برئتيها حين لاحظت أن باب شقة عمها “فخري” مازال مغلقًا لتلتف نحو الممر وقد تبقى درجات طابق واحد فقط وتصل إلى خارج البيت …
كـ بوق مزعج يخرج أصوات ضجيجة المنفره وصل لأسماعها صوت خشن قابض للنفس تدركه جيدًا ، صوت مستهزئ جعل قلبها يهوى بقدميها فيبدو أن هناك وصلة ستبدأ هي بغنى عنها اليوم …
رفعت “صباح” من صوتها الخشن تريد أن تُجمع المارة والجيران تتلذذ بتعنيف تلك الفتاة وإثارة ضيقها ..
_ على فين يا صايعه يا فلتانه ، عماله تتسحبي زي الحرامية … أيوة … ما إنتِ مالكيش كبير تخافي منه وتعملي له حساب !!!! ما إنتِ لو بتخافي من عمك وولي أمرك ونعمتك مكنتيش ولا إنتِ ولا أمك ولا أختك مشيتوا فى البطااااال …
كانت تتعمد التطاول وقذفهم بصفات وأفعال ليست بهم ، هي من تشوه صورتهم وسمعتهم على الدوام ، طريقتها السوقية وتطاولها أصبح شيء معتاد بين أهل الحي ، فبمجرد سماع صوت “صباح” يدركون جيدًا أن واحدة من بنات “زكيه” هي المقصودة وربما تقصد “زكيه” بذاتها …
وقفت “صباح” تتوسط خصرها يكفيها وهي تهتز بسخط تنتظر أى رد فعل من مناوشتها مع “شجن” فهي تستمتع بذلك للغاية …
أغمضت “شجن” عيناها وهي تضغط بقوة على شفتيها تحاول كظم غيظها من تلك السيدة سليطة اللسان المثيرة للأعصاب والمشاكل ، تذكرت توصية والدتها لها على الدوام بأن تتجنب تلك المرأة والرد عليها لتزيد من صك أسنانها كما لو أنها تصم أذانها عن تطاولها بهذا الصباح ..
تجاهلتها تمامًا لتستكمل خطواتها المغادرة مرة أخرى بعد توقفها كما لو أنها لم تستمع لشئ دون أن تلتفت إليها ، هذا التصرف الذى أثار حنق “صباح” وإشتعل الشرر بعيناها المخططتان بالكحل الأسود فكيف لم تكترث لها ولم تتكلف عناء الرد عليها لتزيد من صوتها الخشن بصراخ لا يحتمل وهي تعاود إتهامها بكذبة جديدة فمن تلك التى تُعامل (الست صباح) بهذا التجاهل واللامبالاة ، صراخ تريد به أن يصل لكل المارة ومن يستمع إليهم من الجيران دون مراعاة لأحد ..
_ إلحقواااا يا نااااس ، البت بتشتمني وتمشي …. بقى أنا .. أتشتم يا تربية **** يا بنت الـ*** …
ألفاظ يخجل المرء من سماعها تخرج من فم سيدة المفترض أنها تحتسب نفسها من أعلياء القوم ، لكن منذ متي يعلى القوم بأموالهم دون أخلاقهم …
ذلك السيل من السُباب والألفاظ النابية لم يكن بغريب عن مسامع “شجن” فهي معتادة على ذلك من هذه المرأة ، لكنها بكل مرة ترتجف كما لو أنها أول مرة تتعرض لهذه المناوشة من زوجة عمها …
توافد المارة بين مستمع ومشاهد وفضولي بدون أى تدخل وهذا ما أرادته “صباح” ، أن تسيئ من سمعتهم بالحي ، مع إستمرار “صباح” بالوصلة الصباحية ضاق ذرع “شجن” من التحمل والصمت لتلتف وقد لمعت عيناها ببريق غاضب مخيف وهي تتحرك بخطوات بطيئة بإتجاه “صباح” فليس كل هدوء مطلوب ، فهناك هدوء ما قبل العاصفة التى تطيح بما تراه أمامها …
غضب “شجن” وتحركها تجاهها كان أمر غريب لم يحدث من قبل فهي معتادة على إلقاء بكلماتها كالخناجر دون أن تجيب إحداهن ولو بهمسة مما جعل “صباح” تتخوف وتتراجع لبضع خطوات فى توجس من رد فعل غريب عليها …
قبل أن ترد “شجن” بأى صورة وجدت أمها “زكيه” تحول بينها وبين زوجة عمها تمنعها من أى تصرف غير محسوب لتدفعها برفق بالإتجاه المعاكس قائله …
_ روحي شغلك يا “شجن” ، روحي شغلك وإمشي من هنا …
لم تكن نبرة “زكيه” نبرة قوية مدافعة بل كانت متخوفة ضعيفة مهتزة للغاية تنم عن هشاشة موقفها وقوتها ، تطلعت “شجن” بوالدتها بنظرات معاتبة فإلى متى ستكون بهذا الضعف والخنوع ، إلى متى عليهم تقبل تطاول تلك المؤذية دون مواجهتها وإيقافها عند حدها لتهتف بتمرد من تقبل هذا الوضع المقيت …
_ يا ماما …!!!! إنتِ مش سامعة بتقول إيه ؟؟؟؟
بكفوف حانية دفعتها مرة أخرى للمغادرة تكرر ذات الكلمات بنظرات متوسلة حتى لا تتورط إبنتها مع تلك المتوحشة …
_ بقولك روحي ، روحي شغلك وإمشي …
ضغطت “شجن” شفتيها بأسنانها بقوة تكتم غيظها من سلبية أمها وتطاول “صباح” معًا لتستدير بقوة مغادرة البيت بحنق من تلك الحياة التى يعيشونها والتى لا تود “زكيه” الخروج منها مطلقًا …
مواجهة لم تكن تتمناها “زكيه” مطلقًا لكنها إضطرت إليها ، إستدارت ببطء وهي تلعن حظها لمجابهة “صباح” اليوم لكنها لم تكن لتترك إبنتها بمفردها تصارع تلك المؤذية ..
بمجرد غياب “شجن” عن المشهد إستعادت “صباح” ثقتها وغرورها وقوتها فهي الآن بمواجهة أضعفهم على الإطلاق ..
وقفت “زكيه” بإنحناء مطأطأة الرأس فكم كانت ضعيفة كـ يمامة مكسورة الجناح لا تقوى على الطيران ولا قوة لها بمصارعة الثيران ، إستغلت “صباح” ضعف “زكيه” وسلبيتها لترفع ذراعها السميك ضاربة به الجدار من خلفها لتصدر أساورها الذهبية رنين مفجع بنفس “زكيه” المهترئة لتطلق تلك المرة لسانها اللازع وتفاخرها بما تملكه من قوة تفتقر إليها “زكيه” ..
_ ده لو “فريد” ولا “مأمون” ولادي شموا خبر باللي إنتِ ولا بناتك بتعملوه حيدفنوكم تحت الأرض ، دول رجالة وميرضوش أبدًا بالمشي البطال بتاع بناتك …
بنفس مهتزة حاولت “زكيه” الدفاع عن بناتها الشرفاء والتى لا تنفك تلك الخبيثة بإطلاق تلك السمعة السيئة عليهن …
_ ليه كدة .. أنا بناتي زى الفل ، أشرف من الشرف … ما كفاية بقى يا “صباح” …
شهقت “صباح” بقوة من ذكرها لإسمها مجردًا من لقب يناسبه كما لو كانت “زكيه” إرتكبت جُرم ما ، لتعيد على مسمعها تفاخرها بأبنائها الذكور وإذلالها بإنجابها للفتيات …
_ جرى إيه يا إللي ما تتسمي ، هو أنا عدمت رجالتي ولا إيه !!! مفيش حاجة إسمها يا ( أم فريد) بتقوليلي إسمي حاف كدة … ليه … هو أنا إللي كانت خلفتي كلها بنات ..
قالتها لتكيد بها فلولا إنجابها للبنات فقط لكانت تملك إرثها من زوجها الراحل بدلاً من تحكم “فخري” و”صباح” بها فهي حتى الآن ليست مالكة لشقتها بمفردها فهم شركائها بها رغم عدم مطالبة أى منهم بتقسيم الإرث فبعد وفاة زوجها بقي الوضع على ما هو عليه بدلاً من إلقائهم بالشوارع فنصيبهم بالبيت لا يتعدى غرفة به إلا أن “زكيه” تحملت كل تلك الصعوبات والإهانات لأجل حق بناتها ..
سنوات طويلة تعاملت بها كمتسولة هي وبناتها يشحذون حقهم من أخو زوجها لما تلقاه من معاملة سيئة من زوجته “صباح” وإشعارهم بأنهم لا يرتقوا هي وبناتها بالإنتساب لعائلة النجار ..
بدفاع ضعيف عن بناتها إستكملت “زكيه” ..
_ ومالهم البنات … هو فيه زى خلفة البنات دول أحسن رزق فى الدنيا ..
ثم حاولت بشجاعة واهية إظهار مساوئ أبناء “صباح” خاصة “فريد” …
_ مش أحسن من ولاد بيهدلوا أهاليهم معاهم ..
شهقة قوية تبعتها عقصة لحاجبي “صباح” قبل أن تردف بوقاحة …
_ هم مين دول اللي مبهدلين أهاليهم … قصدك إيه يا **** إنتِ … لمي لسانك أحسن أقطعهولك وأفرج عليكِ إللي يسوى و إللي ميسواش ..
فرصة جيدة لتبطش بها فمن سيستطيع أن يخلصها من براثنها القوية ، أسقطت ذراعها ليلوح بالهواء متخذًا طريقه لوجنة “زكيه” الممتلئة التى تشع بالحمرة من تلقاء نفسها فمازال الزمن لم يترك بصماته عليها فهي مازالت تتحلى برونق وجمال يضيق بنفس “صباح” كلما رأتها …
تركت العنان لذراعها الثقيل سعيدة بإرسال صفعة قوية على وجهها لكن كفها توقف قبل أن يصل لوجه “زكيه” التى أغمضت عيناها لتلقى الصفعة التى لم تصل بعد …
لتفتح عيناها بعد لحظات بإندهاش لتوقف “صباح” لتتسع عيناها بتشدق ترافق نظرات الغيظ بأعين “صباح” تجاه من أمسك ذراعها بتلك القوة ليردعها عن التلذذ بصفعها ….
________________________________
بين السحب المتكاثفة بفصل الشتاء والسماء الصافية من فوقها إتخذت الطائرة طريقها بسكون وهدوء لبعض الوقت …
لم يمنع فصل الشتاء من هبوب بعض الرياح التى تزداد قوة ببعض المناطق عن غيرها مما يسبب بعض التقلبات الجوية المعتادة بالطبع خاصة برحلة طيران …
فكما تحلق الطائرة بهدوء لبعض الوقت تمر ببعض المطبات الهوائية بوقت آخر ومع وجود ربان محترف لا يؤثر ذلك على الرحلة مطلقًا …
مع بداية بعض المطبات الهوائية والتى لم ينشغل بها أى من الركاب سوى هذان الزوجان اللزجان بنظر “عهد” ، أخذت تلك العروس المدللة بالصراخ و التاؤه بشكل مبالغ فيه جعل “عهد” تطالعها بحاجب مرفوع وأنف معقوص تحدجها بنظرات متقززه صارمة للغاية وهي تطالب زوجها المغوار الذى يجلس إلى جوارها …
_ إلحقني يا روحي ، أنا خايفه أوى ..
أنهت عبارتها لتلتصق به برعونة إشمئزت لها “عهد” وهي تلقي برأسها الصغير كعقلها تمامًا فوق كتفه تحتمي به …
إنتهز هذا الفرخ المرتجف الفرصة لينتعش وينتفض كالثور ليحمي محبوبته كأسد مغوار لن يفلتها مهما حدث …
_ إمسكِ فيا يا نور عيني .. لا يمكن أسيبك أبدًا .. حتى لو كانت حياتي فداكِ يا روح قلبي من جوه …
ظلت تردد “عهد” جملة برأسها حتى لا تنفعل على هؤلاء مغثيي النفس قائله ( تماسكي يا “عهد” ، تماسكي ) ثم إلتفت تجاههم بإنفعال فهي لم تستطع تحمل هذا المزعجان لأكثر من ذلك فقد فاض الكيل منهما لتبدأ حديثها بحدة تصارخ بهم ..
_ بس بقي إنت وهي ، إيـــــــه … كفاية دلع ووجع بطن ..
صراخها كان أشبه بصافرة النجدة لينتبه كل الركاب نحوها خاصة بالطبع من خصتهم بإنفعالها ليطالعانها بإندهاش وقد تناسيا تمامًا أمر المطبات الهوائية …
أخذوا يتفحصونها بتفرس فمن تلك المتشبهة بالرجال (المسترجلة) كما يقولون التى تتهمهم بالميوعة ، قُلبت نظرات إندهاشهم لإستنكار حين هتف بها الشاب أولا …
_ مالك إنتِ ومالنا …؟؟!!!
لحقته عروسته التى تبدل تغنجها ودلالها لخشونة الأسطى عبده الميكانيكي بلحظة وهي تعقص أنفها بتقزز ..
_ جرى إيه يا وليه … ما تلمي نفسك … حاشرة نفسك بينا ليه يا وليه يا حشرية إنتِ …!!!!
إستشاطت “عهد” غضبًا من تطاول تلك القصيرة عليها لتنهض من مقعدها ليظهر طولها المميز لتحدجهما بنظراتها المعتادة القاسية ، تلك النظرات التى أربكتهما للحظات ثم هتفت بحدة منفعلة …
_ بقولكم إيه … أنا بقالي ساعتين مستحملة تلزيقكم ودلعكم إللي يوجع البطن ده … إتنيلوا أسكتوا شوية خلينا نرتاح لحد ما نوصل عالم تخنق …
لوت الزوجة فمها بإمتعاض وهي تطالع “عهد” من أعلى رأسها لأسفل قدميها بنفور ثم أجابت بإستنكار …
_ نعم نعم ….!!!!
ثم أومأت بقوة وهي تمصمص شفتيها بطريقة سوقية حين لاحظت عدم وجود محبس للزواج بكلا كفي “عهد” لتردف بإستهزاء …
_ عرفـــــــتك ، إنتِ غلاوية … غيرانه ومنكاده مني عشان جوزي بيحبني وبيدلعني … ( ثم أردفت بإشفاق يحمل تهكم ) ..محرومة يا عيني .. أكيد عانس من الدرجة الأولى ..!!!
كيف قلبت الأمر بلحظة ، لم أقحمت زواجها من عدمة بدلالهما مغثي النفس ، بدأ الجميع يقلب نظراته بين “عهد” وكفيها الخاويان كما لو أن وجود محبس للزواج شيء يزيدها مصداقية ويضعها بمرتبة أعلى …
قبل أن تطيح “عهد” بتلك المتطاولة أرضًا سمعت تعقيب الزوج الساخر حين وجد الطريق ممهدًا له …
_ وهو مين اللي يرضى يتجوز (غفير) …!!!
كلمة أطلقها لتتعالى الضحكات والسخرية من حولها ، أطلق حديثهم الساخر وتهكمهم السليط عليها ثورة الدماء بداخل عروقها لترفع ذراعيها لتضرب من تناله يداها بدون تحديد …
أوقفها تكاتف الركاب لإبعادها عنهم وقد ملأت أعينهم بنظرات مستنكرة لطريقتها الفظة وحدتها الغير مبررة …
تدخلت إحدى مضيفات الطيران ببسمة سخيفة لحل الأزمة تطلب منها مرافقتها إلى الخلف …
_ مفيش داعي يا آنسة ، إتفضلي معايا فيه كراسي فاضيه ورا ، حتقعدي براحتك خالص ، محدش هناك حيزعجك …
فى الأغلب كانت “عهد” سترفض هذا العرض المشين وتتمسك بمقعدها لكنها حين رأت تعاطف الجميع مع هذان الزوجان وتحديقهم بها كالمذنبة إضطرت لإتباعها والبقاء بهذا المقعد المنزوى بآخر الطائرة حتى نهاية الرحلة والتى قضتها تتطلع من النافذة تتابع السحاب الأبيض ربما يصفي ذلك نفسها المشحونة بدون داعي ..
بعد أن هدأت قليلاً أخذت “عهد” تلوم نفسها على تهورها ورد فعلها المبالغ به ..
_ وأنا مالي … أنفعل عليهم ليه …!!! ما هم أحرار … عرسان جداد وبيدلعوا على بعض … ولو إنهم قلبوا لي معدتي برومانسيتهم الأوفر دي الله يوجع بطنهم … بس أنا برضة مكنش المفروض أتدخل …
هكذا هي حياتها وحدة وحرمان ، لا تتلقي حتى كلمة حانية كتلك التى إستمعت إليها منذ قليل ، فحياتها قاسية قاتمة للغاية تخلو من كل بصيص من نور ، فكيف هو إحساس السعادة فهي لم تذقة من قبل ..
السعادة أمر نسبي تأتى فقط لمن يطلبها وينتظرها ، فكيف تسعد وهي لم تستعد لها ، كيف ستحلو حياتها وقلبها منهك بهذا الشكل ، أغمضت عيناها بإنهاك لتغفو هذه المرة بالفعل حتى وصول الطائرة …
________________________________
بيت النجار …
تلك المشادة الصباحية التى وقعت بين “صباح” و”زكيه” لم تنتهي بعد ، فكلتاهما وقفت متسعة الأعين تطالع بصدمة من قبض بكفه القوى على معصم “صباح” ليمنع كفها العريض من أن يطال وجه “زكيه” ..
طالعت “زكيه” صاحب هذه الفِعلة بإمتنان شديد فقد رحمها من ألم سيلحق بها ومهانة ستطالها بمشاهدة أهل الحي ..
بينما تطلعت “صباح” بأعين متقدة يكاد لهيبها يصل إليه ، لكنه رفع هامته بلا إكتراث لنظرات أمه التى كادت تلتهمه بغضبها وهي تهتف بحنق …
_ “مأمون” …!!!!!
إنه “مأمون فخري النجار” ولدها الأوسط ، شاب قمحي وسيم يتمتع بوجه مستدير و أعين سوداء كـ ليل ساهر بهما حزن دفين لكنها حادة قوية له شعر أسود ناعم ذو خصلات عشوائية تتساقط بعضها بدون ترتيب فوق جبهته لتعطيه سحر مميز ، يختلف تمامًا عن ملامح أخته “راوية” و أخيه “فريد” ، بل يشبه والده إلى حد كبير …
أهدل ذراع والدته الثقيل من يده القوية وهو يطالعها بنظرات حادة أرجفت عظامها ، فبرغم تسلطتها وقوتها إلا أنها لا تخشى سوى “مأمون” ، حتى زوجها وإبنها البكر لا تخشاهم بالمرة إلا هو …
أكمل “مأمون” تعليمه بخلاف أخته وأخيه ليصبح ذو سلطة منفصلة وذكاء متقد ، شب رافضًا لكل تلك الأوضاع المقلوبة بهذا البيت ليقف بمقابل كل تجاوز يقومون به ، يفكر بشكل مختلف ليصبح دومًا معارضًا لهم على طريقتهم الهمجية بالوصول لغايتهم …
هتف “مأمون” بوالدته بصوت هادئ رزين كطبعه ليخرج كلماته المستنكرة من بين أسنانه …
_ إدخلي جوه ، كفاية فضايح …
تهدج صدرها بقوة فرغم فِعلته التى هزت صورتها أمام تلك الضعيفة إلا أنها لم تقوى على الرفض لتلملم جلبابها المزركش لتدلف إلى الداخل وهي تغمغم بسخط وتدب الأرض بقوة …
تابعها “مأمون” وهي تبتعد ليزفر ببطء ليعود لهدوئه النفسي المعتاد وهو يطالع زوجة عمه قائلا ..
_ أسف يا مرات عمي ، إمسحيها فيا المرة دي …
إسلوبه الهادئ .. رُقية وتحضره و رقته أحيانًا كلها أسباب تبعث بنفس “زكيه” أنه ليس إبنًا لـ “صباح” ، فكيف من ترضى بهذا الظلم يكون إبنها بهذه المثالية ، كيف يخرج شاب مستقيم من بئر الخطايا الذى نشأ به ، طأطأت رأسها بإمتنان قائله …
_ تشكر يا إبني كتر خيرك …
_ على إيه بس ، إتفضلي إنتِ إطلعي …
إنتهت مشكلة اليوم لكن من يدرى ما ستفعله بالغد وغيره فقد إعتادت هي وبناتها على مثل هذه الإفتراءات …
هي تدرك جيدًا أن “صباح” لن تتركهم بحالهم خاصة بعد وفاة زوجها ومحاولة “فخري” للزواج منها بحُجة تربية بناتها ، فمنذ ذلك الحين والمشاكل لا تنتهي برغم رفضها له حتى لا تقحم نفسها بمشكلة مع “صباح” …
دلف “مأمون” لشقة والديه بوجه مكفهر ينم عن الغضب لما تفعله أمه بشكل متكرر …
_ إنتِ مش حتبطلي بقي اللي بتعمليه ده ..؟؟!!!! كل يوم مشاكل وفضايح بين الخلق …!!!
ضربت صدرها لتصدر أساورها رنينها المعتاد قائله ..
_ يا لهوى … هو إنت كمان حتقف في صفهم … مش كفاية عليا أبوك …!!!!
_ أبويا معاه حق على فكرة … دى مهما كانت مرات عمي ، ودول بنات عمي … وسمعتهم من سمعتنا …
ضيقت حاجبيها بغضب مستنكرة وصفهن بأنهن مثلهم …
_ هم مين اللي سمعتهم من سمعتنا … هم فين وإحنا فين … بقي عايز تقول إن الخدامة دي اللي عمك إتجوزها زيي أنا بنت الجزار على سن ورمح ، ولا زى أختك “راوية” بنت “فخري النجار” … !!
_ بطلي بقى طريقتك دى اللي مخليه “رواية” تفكر زيك وأهى قاعدة فى البيت محدش معبرها …
صكت أسنانها بغيظ فهي تدرك أن “راوية” قد كبرت بالعمر ولم يتقدم لخطبتها أحد بسبب حُسن بنات عمها اللاتي يتوافدن الخطاب عليهن كالنمل على العسل ، لهذا لن تتركهم يهنأن بزواج وإبنتها تعنس إلى جوارها …
قبل أن يتفوه “مأمون” بكلمة أخرى لحقته والدته وهي تولول لتشتت إنتباهه ويصمت عن إلقاء اللوم عليها …
_ يا ميلة بختك يا “صباح” .. ياللي محدش بينصفك من عيالك يا “صباح” … اه يا غلبانة ومحدش حاسس بيكِ …
بحاجب مرتفع ونظرات مندهشة طالعها “مأمون” متعجبًا من أمرها وقلبها للحقائق ، زم شفتيه بضيق ليتسائل منهيًا هذا اللقاء …
_ أبويا فين ، عديت عليه فى محل العطارة ملقتهوش ، عايز أسافر أجيب البضاعة ومش عايز أتأخر …
بلحظة أنهت نحيبها وهي تأشر تجاه غرفة النوم …
_ جوه .. إدخل له يا أخويا …
قالتها بإمتعاض لكنها لن تتركه دون أن تعكر صفوه كما أفسد متعتها بالتدخل بينها وبين “زكيه” …
_ كنت عايزة “ريهام” ضروري … لو كلمتها إبقى قولها …
لو كانت العيون تتحدث لكانت نظراته تلجمها بسوط من لهيب حين إستدار نحوها ليرمقها بصمت فهي والدته بالنهاية وهو يدرك جيدًا أن ما تفعله هو لتكدير صفوه لا أكثر …
تركها دالفًا لغرفة والده يلعن حظه بزواجه من “ريهام” التى مازالت بينهم المشاكل والقضايا معلقة بالمحاكم لكن قسوتها كانت بمنعه من رؤيته لأولاده اللذين حرم منهم ومن رؤيتهم بسببها …
________________________________
أصوات ضجيج تعلن هبوط الطائرة بمطار ( لوغانو) بسويسرا ، وقفت “عهد” تعدل سترتها السوداء ثم حملت حقيبة ظهرها إستعدادًا لمغادرة المطار ..
طبعها الصعب كان بعيدًا كل البعد عن الإجتماعية لكنها عليها مرافقة تلك البعثة الجيولوجية التى يجب عليها التواجد معها ..
بآلية شديدة تحركت لخارج المطار ومنها إلى الفندق مباشرة عبر تلك السيارة التى كانت بإنتظارهم …
لم تلتفت بأى من الإتجاهين بل كانت تنتظر بترقب وصولهم إلى الفندق بينما تابع بقية البعثة تلك الأجواء الباردة والسحب المتكاثفة والجبال الساحرة التى جذبت عيونهم جميعًا من خلال نوافذ السيارة ..
عندما توقفت السيارة لم تنتظر دعوة منهم بل ترجلت بخطواتها السريعة لتدلف إلى الداخل كما لو أنها تدرك المكان تمامًا وليست أول زيارة لها هنا …
خطواتها الثابتة الواثقة جعلت الجميع يتبعونها بصمت كما لو كانت قائد تلك المجموعة، فطبيعة البشرية هي الإنسياق خلف القائد القوى الذى يثبت حضوره بهيبته وشخصيته دون الحاجة لطلب أو شرح ..
بعملية شديدة لإدراكها للغة الفرنسية والإنجليزية كانت هي من تتعامل مع إدارة الفندق لإنهاء إجراءات التسكين بالغرف وتوزيعهم دون الرجوع إليهم بل قامت بذلك بالأمر المباشر وكان عليهم بالسمع والطاعة ..
ولطبعها الغير ودود بقيت “عهد” بغرفة منفصلة فهي لا تحب التواجد مع الغير …
مع صعودهم للغرف كاد اليوم على الإنتهاء ليقضي الجميع ليلته بهذا المكان الساحر وسط الطبيعة وجبالها الساحرة حتى حلول الصباح …
________________________________
رغم إختلاف المدن والناس من حولها إلا أن “عهد” لا تتغير ولا تتبدل بل تظل كما هي ، بوقتها المحدد المبكر للغاية إستيقظت “عهد” لتبدأ جولة اليوم الأول برفقة البعثة حيث ينساق خلفها بقية الجيولوجين لشخصيتها التى فرضت نفسها عليهم …
خرجت من الفندق وقد إرتدت العديد من الملابس الثقيلة والتى لم تظهر منها سوى وجهها فقط حين إرتدت سترة شتوية ثقيلة للغاية باللون الأسود أيضًا ووضعت فوق رأسها غطاء صوفي بذات اللون ولفت حول رقبتها وشاح غليظ لم يختلف عن بقية ملبسها …
وضعت حقيبتها الكبيرة خلف ظهرها بها كافة المعدات والأجهزة التى سوف تحتاجها لتوضح بإقتضاب لبقية البعثة خطة اليوم …
_ إحنا حنطلع من طريق الغابة عشان نبدأ من هناك .. أى سؤال أو إستفسار حنخليه لوقته … يلا … إتفضلوا ..
تحركوا نحو بداية طريق الغابة لتتوقف الحافلة التى يستقلونها ليتحدث سائقها بالإنجليزية …
_ هذا أقصى ما يمكننى الوصول إليه بالسيارة ، وعليكم الترجل من هنا …
أجابته “عهد” بإنجليزية طليقة …
_ حسنًا ، إنتظرنا هنا لحين عودتنا …
أخرجت جهازها اللوحي تتابع به خريطة الطريق والأحوال الجوية أيضًا لتبدأ متقدمة المجموعة والبقية من خلفها يتبعونها من طريق لآخر ومن ممهد لوعر وهم خلفها دون أى إعتراض أو تساؤل …
ساعات لم ينال أحدهم دقيقة واحدة للراحة حتى إنهكوا جميعًا لينادى أحدهم بـ”عهد” ملتمسًا بعض الراحة بصوت منهك القوى …
_ يا أستاذة … يا باشمهندسة … ممكن نريح شوية …؟!!!
إلتفتت بحدة تجاهه وهي ترمقه بنظرات مهينه تتهمه بالضعف لتصيح به بصوتها الناعم الغير ملائم لهيئتها الخشنة والتى حاولت إكسابه بعض الخشونة حتى لا تقل مهابتها …
_ نريح …!!! إحنا لحقنا .. إيه الرعونة دى .. !!!!
تحولت ملامح الشاب من الإنهاك للإنفعال …
_ يا ريت تتكلمي بإسلوب أحسن من كدة … كلنا تعبانين … مش ذنبنا إنك مش بتحسي …!!
كزت “عهد” على أسنانها بغيظ مردفة ..
_ النهاردة لازم نطلع الطريق الشرقي … ولو … ( ثم أكملت بتهكم) ريحناا … حنتعطل ومش حنلحق …
أشار الشاب نحو بقية المجموعة اللذين خارت قواهم ينحنون يلتقطون أنفاسهم اللاهثه بصعوبة حتى أن بعضهم سقط جاثيًا فوق ركبتيه لينهي حديثه بقرار ساخرًا منها …
_ الناس تعبت شوفي يا مدام ….
ثورة ألهبت مقلتيها لتحدجانه بغضب لا تدرى هل سببه رعونته وتراخيهم أم تلك الكلمة التى لقبها بها الآن (مدام) لتهتف بحدة منفعلة …
_ مدااااااام !!!! …. بقولك إيه … إحنا مش قاعدين على مسطبة بيتكم … أنا الأستاذة ( عهد مسعود المدبولي) … فاهم …
لمحت إرهاق المجموعة لتردف دون النظر إليهم …
_ راحة نص ساعة عشان نلحق نكمل …
إرتمى الأغلبية منهم أرضًا بذات اللحظة لتتجه هي بإتجاة شجرة عريضة مبتعدة عنهم لتجلس قليلاً ، شعرت بألم شديد بساقيها فقد تجولت لساعات بين طرق الغابة لتلوم نفسها على إرهاقها وهم معها فعلى ما يبدو أن هذا الشاب محق بالأمر …
بعد أن إنتهت فترة الراحة التى حددتها وقفت “عهد” تحثهم على إستكمال جولتهم ..
_ يلا نكمل …
رفع البعض أعينهم تجاه السماء التى إشتد قتامة سحابة وأعلنت الرياح ثورتها أخذت تسرى لها البرودة القاسية تنخز بالعظام ليهمهم الجميع بلا إستثناء ..
_ ما كفاية كدة النهاردة يا أستاذة “عهد” … الجو قلب … خلينا نكمل بكرة …
بضيق بالغ وتشبث شديد أجابتهم …
_ لأ طبعًا … إنتوا فاكرين إن إحنا فى مصر … إحنا فى سويسرا .. الجو كدة وحيفضل كدة … إيه نقعد فى بيوتنا بقى طالما مش قد الشغل …!!!!!
هكذا هي جافة صريحة لحد الوقاحة ، لا تلين ولا تُقدّر ، متزمته بشكل قاسي ، عنيدة لأبعد الحدود ، الدبلوماسية لا تعرف لها طريق ، لها من الكلمات اللازعة ما تترك له العنان قبل عقلها لتفسد كل علاقاتها بين الناس ..
برفض قاطع أصر بقية البعثة على عدم الإستمرار والعودة للفندق ..
_ لا مش حنكمل ونرجع الفندق …
بعصبية شديدة حملت حقيبتها منتفضة بقوة …
_ إن شا الله عنكم ما كملتم … أنا حكمل المهمة لوحدي … غوروا فى داهية … ناس خرعه .. ده إيه البخت ده …
ولجت لأحد الطرق الجبلية الوعرة وهي تحمل جهازها اللوحي تستكمل طريقها بعناد بينما عادت بقية المجموعة أدراجها نحو الفندق خاصة بعدما إشتدت الرياح وأظلمت السماء بشكل مخيف وأسقطت الأمطار بغزارة معلنًا هبوب العاصفة …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى