رواية ظلمات الفصل الثالث 3 بقلم رانيا الخولي
رواية ظلمات البارت الثالث
رواية ظلمات الجزء الثالث
رواية ظلمات الحلقة الثالثة
لم ينتظر سيارة الإسعاف بل حملها بين يديه وأسرع بوضعها داخل السيارة، وانطلق بها حتى وصل إلى أقرب مشفى
ليسرع بحملها وولج بها للداخل وهو يصيح أن ينجدها أحد.
تجمع الجميع حوله وقاموا بأخذها الى غرفة الطوارئ، وارتمى هو على أحد المقاعد وهو يدعوا ربه أن ينجيها،
جاءت إليه إحدى الممرضات تخبره أنهم يريدونه عند الإستقبال كي يدون البيانات الخاصة بالحالة، وبعد انتهائه اتصل على حسين يخبره بما حدث وطلب منه الذهاب لأهلها حتى يخبرهم بما حدث، وبالفعل لم يمضِ دقائق معدودة حتى وجد أخويها يسرعون إليه، فقال أحدهم:
_ خير ايه اللى حصل؟ اختى مالها؟
رد جود بهدوء رغم ما بداخله من رعب
_ متقلقوش خير أن شاء الله، هى كانت بتعدى الطريق ومأخدتش بالها من العربية
وقال الآخر
_ هو أنت اللي جبتها المستشفى؟
اومأ له جود بصمت، فقال له شقيقها بامتنان:
_ متشكر جدًا لحضرتك.
وقال الآخر بجمود:
_ محدش طلع من جوه يعرفنا في إيه.
قال جود باقتضاب:
_ لأ، لسه محدش طلع.
اومأ له وقال الآخر:
_ خليك أنت هنا يا محمد لحد ما اروح الإستقبال أشوف المطلوب وآجي.
_ أنا عملت كل حاجة ملتهم البيانات وعملت كل حاجة.
قالها جود بجمود ليندهش أخيها قائلًا:
_ وأنت عرفت اسمها ازاي؟
رد جود ببساطة:
_ كان معايا حد يعرفها وهو اللي اتصل بيكم.
قال محمد وهو ينظر إليه نظرات ثاقبه
_ أنت تعرف حسين؟
اومأ جود
_ آه شريكي في الشغل.
كانت نظرات أخيها مصوبة ناحيته وكأنه يستشف صدق كلامه حتى قاطعهم خروج الطبيب من عندها وهو يقول بإرهاق:
_فين والدها.
أسرع إليه الجميع ما عدا هو لكنه سمع أخيها يقول:
_ أنا أخوها، خير يا دكتور.
قال الطبيب:
_ هي الخبطة كانت شديدة أوي بس الحمد لله نجت بأعجوبة، هي عندها كسر في الضلوع وتاني في ذراعها وشوية كدمات بسيطة، ونحمد ربنا إنها جات على اد كده.
********”
لم يستطيع جواد البقاء أكثر من ذلك كي لا يشك أحد بأمره واستأذن منهم بعد أن رأها تخرج من غرفة الجراحه وخرج من المشفى وقد شعر بالهموم تتراكم حوله، ذهب إلى حسين الذي انتظره في المقهى وجلس بجواره قائلًا:
_ إيه الأخبار؟
أغمض جود عينيه بإرهاق وقال:
_ الحمد لله تقدر تقول جات سليمة.
_ واللي حصل ده كان صدفة ولا ميعاد؟
عقد جود حاجبيه بعدم فهم وقال
_ هو ايه؟
رد حسين بمغزى
_ وجودك فى المكان ده وقت الحادثه؟
زفر جود بتعب وقال:
_ مكنش صدفة ولا ميعاد.
عقد حسين حاجبيه بعدم فهم وقال:
_ فزورة دي ولا إيه؟
هز جود كتفيه وقال:
_ لا مش فزورة تقدر تقول كدة كان وداع مؤقت.
هز حسين رأسه بضجر وقال:
_ استغفر الله العظيم، أنت هتتكلم زي الناس ولا اسيبك وامشي.
جاء النادل ليطلب كلًا منهم قهوته وبعد انصرافه قص عليه جود كل شيء منذ أن اصتطدمت بسيارته حتى فراقهم الآن دون الدخول في التفاصيل وبعد الانتهاء.
_ هي دي كل الحكاية.
ساد الصمت بينهم وقد تصلبت ملامح حسين وكأنه نادم على شيء، وقال جود:
_ ساكت ليه؟
زم حسين فمه قبل أن يقول:
_ جود أنا لما كلمتك عنها مكنتش أقصد حب وارتباط، أنا كان قصدي تخرج من اللي أنت فيه، يعني تتسلى شوية وخلاص إنما جواز لأ.
اومأ جود بحزن وقال:
_ أنا كمان كنت واخد الموضوع تسلية بس معرفش إيه اللي بيحصلي لما بشوفها واسمع صوتها، بحس إن حاجة جوايا بتشدني ليها لحد ما لقيت نفسي واقع لشوشتي زي ما بيقولوا.
لاحظ جود شروده فقال:
_ حسين أنت روحت فين؟
التفت إليه حسين:
_ ها… لا أبدا معاك، بس أنت ناوي تعمل إيه؟
تلاعب جود بالكوب وقال:
_ مش عارف، أهم حاجة إني أطمن عليها الأول وبعدين أفكر، أنا سايبها وماشي غصب عني عشان ميعاد الدكتور بتاع نور وبعد ما أطمن عليها هرجع على طول.
*******
وفي اليوم التالي تفاجئ جود باسمها يزين هاتفه فأسرع بالرد:
_ إيمان عاملة إيه دلوقت؟
ردت إيمان بصوت مجهد:
_ أنا الحمد لله كويسة، أنا بتصل عشان أشكرك على اللي عملته معايا، لما محمد أخويا قالي أن في شاب هو اللي خدني في عربيته وجابني المستشفى قولت أكيد أنت.
ساد الصمت قليلاً وكلاً غارقاً فى تفكيرة وقلقه على الاخر
هى تخشى فراق لا محال منه سواءً كان عاجلاً أم آجلا، لا تريد سوى البقاء مع هذا الرجل الذى تشعر معه لأول مره بتلك المشاعر التى ظلت تبحث عنها فى اى رجل تقابله، لكنها لم تجده مع أحد سواه
وأما هو فقد أكدت له فعلتها بصدق مشاعرها
تجاهه
ليضع كلتاهما فى مقارنه يعلم جيداً من الرابح بها، بين امرأتين ، إحداهما تهتم وأخرى لا تبالى
_ إيه اللي خلاكى عملتي كده.
سألها جود رغم أنه يعلم الاجابه جيدًا ، لكنه أراد أن يسمعها منها فأتسعت ابتسامته عندما ردت إيمان بصوت مجهد:
_ الموت وفراقك واحد، ولما أنت اخترت الفراق مكنش ادامى غير الموت.
دق قلبه كالطبول وهو يسمع اعترافها بكل ذلك العشق تجاهه، فقال بصدق لامس مشاعرها:
_ أنا كمان يا إيمان بحبك وصعب عليا أكمل من غيرك بس الظروف واقفة ضدي، ومرض نور تقدري تقولي كده كسرني وخلاني مش عارف أعمل إيه.
_ لو طلبت مني استناك هستناك العمر كله.
_ أنا حاليًا مش عارف هعمل إيه، بس كل اللي أعرفه إني مقدرش أعيش من غيرك، أنا هقعد معاها النهاردة وإن شاء الله هلاقي حل لوضعي معاها..
************
وقفت ياسمين في الشرفة تنتظر مجيئه وتفكر فيما يخص حياتهم، هو يرفض البقاء معها ولا تلومه على ذلك، هي وحدها الملامة، استيقظت من غفوتها لكن للاسف متأخرة، كم نصحها والدها بالحفاظ على زوجها، كم نبهها الجميع حولها بأخطاءها لكنها كانت ترفضها وألقت بكلام الجميع عرض الحائط،
تتذكر كلمات خالها لوالدتها عندما أخبرته بما حدث.
“صدقينى يا صفاء أنا لو مكان جود كان زماني طلقت بنتك ورمتها من زمان”
نزلت العبرات من عينيها ندمًا على أفعالها وقالت بألم:
_ يا ريت الزمن يرجع بيا عشان أصحح اللي عملته ده، سامحني يا جود سامحني.
انتبهت على صوت صغيرتها تخبرها بمجيئه، فأسرعت بتبديل ملابسها وخرجت إليه لتجده جالسًا مع والدها
فتقدمت منهم لتجلس بجوار والدها الذي قال:
_ أنا هسيبكم تتكلموا مع بعض وشوفوا هتعملوا إيه.
بعد خروج والدها نظرت ياسمين إليه لتجده يشيح بوجهه بعيدًا عنها، أخفضت عينيها بخزي منه وقالت:
_ أنا عارفة إنك مش طايق تبص في وشي، بس المرة دي غير أي مرة، أنا فعلا ندم…….
قاطعها جود بحدة:
_ أنا مش جاي أسمع ندمك، أنا جاي أشوف طلباتك لأن رجوع تاني مش هيحصل
أغمضت ياسمين عينيها بألم من قسوة كلماته
لتذوق هى من نفس الكأس الذى تجرعه من قبل على يدها، وخاصةً عندما أردف
_ وعشان تخرجى من اى امل فى رجوعنا لبعض، أنا هتجوز.
رمشت بعينيها مرات متتاليه تحاول استيعاب ما قاله، لتشعر بغصه مؤلمه فى حلقها جعلتها تنظر إليه بذهول وتقول بصدمه
_ إيه؟
رد جود بعناد:
_ أيوة هتجوز ، أنا بعرفك بس عشان متبنيش أمل على الفاضي، إحنا خلاص كل اللي بنا انتهى لحد كده أنتِ بالنسبالي غلطة مش ممكن تتكرر تاني،
يا ريت نخرج من حياة بعض بشكل حضاري لأن رجوع تاني مش هيحصل.
أغمضت ياسمين عينيها وقد شعرت بنصل حاد يخترق قلبها، وقالت بألم:
_ وولادك؟
اعتدل جود فى جلسته وهو ينظر إليها ليقول ببرود قاتل
_ وأنا جاي عشان كدة، أنا مش عايز أحرمك من الولاد وفي نفس الوقت أنا مش هآمن عليهم معاكي، أنا فكرت في حل لو يناسبك تمام، مش هيناسبك يبقى انتى اللى اخترتى.
اهتزت نظراتها فى وجل وقالت
_ إيه هو؟
_ تفضلي على ذمتي.
صمت قليلاً متلاعباً باعصابها كما كانت تفعل معه من قبل، ليرى بريق امل ارتسمى داخل مقلتيها وتابع
_ بس هيكون عشان الولاد لا اكتر ولا اقل . وتقعدي في شقة ماما، انتي عارفة أمير كلها شهور ويتجوز وماما هتكون لوحدها في الشقة، هتقعدي معاها عشان أكون مطمن عليهم، كده يا إما
عاد بظهره للوراء ليخرج تنهيده قويه من صدره ويتابع
_ ياإما كل واحد مننا يروح لحاله وبردوا هتسيبهم.
لم تصدق ياسمين ما تسمعه، محال أن يكون هذا جود الذي كان يسامح من ابتسامه أو كلمة بسيطة، هل أوصلته بأفعالها إلى تلك الدرجة؟
فقالت بدون وعي:
_ على قد ما شوفت منك حنان على قد ما بشوف منك قسوة.
نظر إليها مطولًا ليجد حقًا نظرة انكسار لم يراها من قبل داخل مقلتيها، لا ينكر أنه أحبها بكل جوارحه لكنها ولدت بداخله جفاف ناحيتها مهما روته من حبها لن يكفيه ولن يشبعه:
_ انتي اللي وصلتي نفسك لكده ف متلوميش إلا نفسك.
نهض جود وقال:
_ أنا هسيبك تفكري وهستنى ردك.
وبعد خروجه دخل والديها كي يعرفوا ما توصلوا إليهم فقصت عليهم ما حدث
لينفعل والدها قائلًا:
_ دا باين عليه اتجنن، عايز يتجوز ويعيش حياته وبنتي تربيلوا الولاد؟ مستحيل، انتي لازم تطلقي منه وتسيبيلوا العيال.
_ بس أنا موافقة.
قالتها ياسمين بلهجة حادة نسبيًا، فنظر لها والدها بصدمة وقال:
_ انتي بتقولي إيه؟ انتي اتجننتي.
ردت بإصرار:
_ لا أنا عقلت ولازم أصلح اللي عملته زمان، هدخل في منافسة معها بس هتكون منافسة شريفة لحد ما أرجع جوزي لحضني من تاني.
صاح بها والدها:
_ إن عملتي كدة لا انتي بنتي ولا اعرفك.
تساقطت عبراتها بحزن عميق وقالت برجاء وهي تقبل يده:
_ صدقني يا بابا أنا استاهل اللي حصلي، أنا اللي خليت جوزي عمل كده ولازم أتحمل، أنا مقدرش أعيش من غير ولادي، وبنتي دلوقت محتجاني أكتر من الأول، مقدرش أبعد عنهم وهما في اكتر وقت محتجني فيه.
نظر والدها إليها بسخريه لاذعه وقال
_ مش دول ولادك اللي كنتي بتسبيهم في كل مكان شوية عشان تخرجي براحتك؟ دلوقت حسيتي بيهم.
اومأت لهم بحزن وقالت:
_ للأسف حسيت بيهم بس متأخر ولازم أصلح اللي عملته زمان، أرجوك يا بابا سيبني.
صاحت والدتها:
_ ولو بابا وافق أنا مستحيل أوافق أن بنتي تكون ليها ضرة أبدًا.
ردت ياسمين بإصرار:
_ أنا صاحبة الشأن وموافقة، يبقى محدش يتدخل.
قالت والدتها:
_ يعني إيه؟
_ يعني أنا من بكرة هرجع بيت حماتي وهتعامل مع الوضع اللي حطيت نفسي فيه.
**********
وبالفعل عادت ياسمين إلى منزل فاتن وأقامت معها، وفي تلك الفترة كان جواد يعيش في شقتهم ويذهب بين الحين والآخر يطمئن على والدته والأولاد
وهو يحاول قدر الإمكان تجنب وجود ياسمين التي لاحظ عليها الجميع أنها تغيرت كثيرًا عن ذي قبل وأصبحت تهتم بأولادها ولا تخرج إلا للضرورة، وعندما يشعر الاولاد بالضجر تذهب بهم مع حماتها إلى أحد الحدائق ثم تعود إلى المنزل.
تحسنت صحة إيمان وعاد هو إلى عمله وعادت اللقاءات بينهم، ثم تقدم لخطبتها فرحب به الجميع ما عدا سعد الذي رفض أن تأخذ رجل من أولاده
حتى جلست معه وشرحت له ما حدث
وبالفعل تزوجها واستقر معها في مدينتهم مدة إقامته بها، ولم يأثر ذلك على علاقته بأولاده فقد خصص لهم يومين من كل أسبوع يقضيه معهم
وخاصة عندما لاحظ على ياسمين شحوبها وانطفاءها، فشعر بوغزة في قلبه وأنه حقًا ظلمها وفرض عليها وضعًا لن يقبله أحد، كما أنها قاطعت والديها كي لا تتخلى عن أولادها، وفي يوم أثناء جلوسه مع الأولاد قالت والدته:
_ جود الوضع اللي أنت حاطت مراتك فيه دة مش عاجبني ولا عاجب حد خالص ده اسمه ظلم.
زفر جود بضجر وقال:
_ في إيه بس يا أمي؟
قالت والدته بحده من ظلم لن تقبلها على ابنتها
_ أنت مبتعدلش يا ابني وكده يوم القيامة هتبقى بشق مائل، قولتلك أن ياسمين اتغيرت مبقتش زي الأول
دي حتى مبقتش بتخليني أساعدها فى حاجة خالص بتقولى لازم تتعود على المسؤولية، وواخده بالها من ولادك واتحدت أهلها عشانك كفاية كده بقى.
أغمض عينيه بضيق وقال
_ هى اتكلمت معاكي في حاجة؟
_ من غير ما تتكلم أنا شايفه بعيني، مدام سيبتها على ذمتك يبقى لازم تتقي الله فيها، هي لسة مراتك وأم ولادك.
التزم الصمت وكلمات والدته أثرت به كثيرًاوشعر بأنه حقًا تمادى معها، فقال لوالدته:
_ هفكر في الموضوع دة، بس المهم إيمان دلوقت عايزة تحضر فرح أمير، وأظن ده حقها.
قالت سامية بحيرة:
_ مش عارفة أقولك إيه، بس لازم استأذن ياسمين الأول.
_ لا سيبي ياسمين أنا هقولها.
فرحت والدته بذلك التجاوب وأسرعت تنادي على ياسمين التي خرجت من غرفتها قائلة:
_ نعم يا ماما.
قالت سامية بسعادة:
_ غيري هدومك بسرعة لحد ما أعمل فنجان قهوة لجود وادخلي انتي قدميه.
عقدت حاجبيها بعدم فهم وقالت:
_ بس انتي عارفة أن جود مش بيكلمني.
_ هيكلمك بس اسمعي الكلام من سكات.
وبالفعل قامت ياسمين بارتداء فستان قصير الأكمام وردي اللون، وأخذت القهوة من سامية ودلفت إليه تضع القهوة على الطاولة أمامه، وقالت بارتباك:
_ ماما بتقول إنك عايزني في موضوع.
أشار لها جود بالجلوس لتجلس أمامه وفور رؤيتها شعر بحنين جارف إليها
فقد أصبحت مثلما أرادها دائمًا لكن للأسف تغيير متأخر.
_ ياسمين أنا كنت عايز استئذنك في حاجة.
هزت رأسها ليتابع:
_ إيمان هتيجي عشان تحضر فرح أمير
عايزها تبات هنا ماشي، عايزها في شقتك ماشي، بس هما يومين بالكتير وهنرجع على طول.
نظرت إليه ياسمين بعتاب وقد خاب أملها عندما ظنت أنه يريد العودة إليها لكنها تحاملت على نفسها وقالت:
_ اللي تشوفه ده بيتك وأنت حر فيه
وبعدين هي من حقها أنها تحضر فرح أمير دا مهما كان أخو جوزها ولازم تحضر.
حقًا تغيرت لو كانت ياسمين القديمة لقلبت الدنيا رأسًا على عقب ولم يكن ليمر ذلك الأمر مرور الكرام، فاشتدت به تلك الوخزة عندما لاحظ نظرات الانكسار التى أصبحت ملازمه لعينيها، وكأنها ورده ذابه تساقطت أوراقها لتسقط دون هوادة
فقال:
_ انتي عاملة إيه؟
رفعت نظرها إليه بعدم استيعاب من تبدل حاله وقالت:
_ أنا…أنا؟ كويسة.
أومأ لها بتفاهم ثم قال:
_ محتاجة حاجة؟
أرادت أن تخبره بأنها لا تحتاج سواه، وأن يسامحها على ما بدر منها من قبل لكنها أبت اظهار ضعفها واذلالها أكثر من ذلك
فقالت:
_ لأ مش محتاجة حاجة، والفلوس اللي بتبعتها بتكفي وزيادة واللي بيفضل بشيله للولاد مع ماما.
ابتسم بتهكم في داخله، فهل هذه ياسمين التي لم تكن تكتفي من النقود يومًا؟، قال:
_ لو احتاجتي أي حاجه كلميني.
تراقصت الفراشات داخل قلبها وقد ظهر الأمل حتى لو لم يكن واضحًا.
_ أكيد.
********
عاد جود إلى إيمان التي استقبلته بسعادة عندما أخبرها بموافقة ياسمين على بقائها في شقة والدته وقالت بسعادة:
_ أنا مش مصدقة إنها وافقت.
قال جود بشرود:
_ لا ياسمين اتغيرت كتير عن الأول، لدرجة أنها بقت واحدة تانية.
لاحظت ايمان شروده منذ عودته تلك المرة وشعرت برجفة تنتابها وقالت:
_ أنا ليه حساك متغير المرة دي، حنيت؟
نظر إليها جود بتفهم وقال:
_ إيمان متنسيش أنها مراتي وليها حقوق عليا زي ما ليكي.
أكد كلامه ظنها وقالت:
_ وكانت فين الحقوق دي الفترة اللي فاتت وأنت بتقولي أنها مستحيل ترجع حياتك تاني.
تهرب بعينيه منها وقال:
_ قولتلك أنها اتغيرت، ومش عايز اسألها كتير ملهاش لزمه
اومأت له بصمت وقالت بصدق:
_ جود أنت عارف كويس أنا بحبك اد إيه، وإني مستعدة أقف أدام الدنيا كلها عشانك بس أنا مش هقدر أتحمل رجوعك ليها.
زفر جود بضيق شديد وقال:
_ أنا مش بتكلم في رجوع، دي حاجة لسة بدرى أوي عليها، بس أنا بقول هي لسه مراتي وليها حقوق مش اكتر
ويا ريت نقفل على الموضوع ده أنا جاي تعبان وعايز ارتاح.
************
مرت الأيام وجاء يوم زفاف أمير
كانت السعادة مرتسمة على كل الوجوه
لكن القلوب لا يعلم بها إلا الله، نظرت ياسمين بقلب ممزق إلى زوجها وامرأة غيرها تقف بجواره، شعرت بخنجر حاد يمزق احشاءها وخاصة عندما وجدتها تلاعب ابنها وهو على كتف أبيه، انسحبت بهدوء إلى أحد الأركان كي لا يرى أحدها دموعها التى تساقطت بحزن وندم على ضياع من كان بين يديها وتركته حتى سرى من بين أناملها وأصبح شيئًا بعيد المنال.
أما هو فقد أخذ يختلس النظر إليها بين الحين والآخر وهو يراها لأول مره بذلك الحجاب الذي جعلها كالاميرة بين كل الموجودين وعندما لاحظ اختفاءها أخذ يبحث عنها بعينيه المتلهفه لرؤيتها، حتى وجدها تجلس بعيدًا عن الجميع، وأثناء توجهه إليها وجد حسين وأشرف صديقهم يدلفون إلى القاعة، فاضطر للذهاب إليهم كي يرحب بهم ثم يعود إليها.
قال أشرف بمزاح وهو يسلم عليه:
_ ازيك ياكبير، ياللى نستنا للمره التانيه، بس الواحد عمل بأصله وجه من غير دعوه.
ضحك جود وقال
_ ميبقاش قلبك اسود، انا والله كنت مشغول فى الفترة اللي فات دى وكان غصب عنى.
_ طيب والجوازه التانيه بردوا كنت مشغول؟
ازدادت ضحك جود ليقول بمرح:
_ معلش بقى خليها في التالتة.
ضحك حسين وقال:
_ هو أنت قادر على اتنين لما تقدر على التالتة.
توجه جود بنظره إليها وقال:
_ عندك حق.
التفت إليهم قائلًا:
_ تعالوا الأول سلموا على العريس.
ذهبوا معه إلى أمير فلاحظوا صدمة أشرف وتسمره مكانه عند رؤيته لإيمان بجوار أمير فقال:
_ ايه اللي جاب البنت دي هنا؟
وكزه حسين في ذراعه ليتألم اشرف ويندهش من فعلته قائلاً بتوبيخ:
_ إيه يا عم بتزق ليه؟ أنا بسأل على البنت اللي واقفة جنب أمير.
اندهش جود من كلامه وقال:
_ أنت تعرفها؟
أكد اشرف قائلًا:
_ أيوة طبعًا أعرفها، دي أحلى بنت شمال ممكن تقابلها في حياتك.
خفق قلب جود بصدمة وشعر بأن الأرض تلتف به وخاصة عندما سمعه يوبخ حسين قائلًا:
_ في إيه يا عم عمال تخبط فيا ليه؟
بقولكم إيه أنا حنيت لقديمي هروح اكلمها وآخد ميعاد.
جذبه حسين من ذراعه وقال بحدة:
_ ما تهدى يا عم أنت، يالا روح أحسن يالا .
حاول أشرف التحدث لكن حسين منعه بأن كتم فمه وأخذه للخارج، وفور خروجهم من القاعة صاح به أشرف:
_ إيه يا عم في إيه؟
رد حسين بغضب:
_ إيه علاقتك بيها؟
رد اشرف ببساطة:
_ بقولك واحدة شمال مع واحد كان شمال هتكون إيه علاقتهم.
أغمض حسين عينيه بصدمة وقال:
_ يعنى …..
أكد له اشرف
_ اه هي دي، يعني…
امسكه حسين من تلابيبه وقال بغضب:
_ وليه مقولتليش؟
نزع اشرف يد حسين بعيدًا عنه وقال:
_ هو إيه اللي بيحصل بالظبط البنت دي هنا بتعمل إيه؟
صاح به حسين:
_ البنت دي تبقى مرات جود.
اتسعت عينيه ذهولًا من كلماته وقال بصدمة:
_ أنت بتقول إيه؟
_ بقول الحقيقة أن البنت دي تبقى مرات جود.
هز أشرف رأسه بعدم استيعاب وقال بصدمه:
_ مش ممكن، ازاي قدرت تخدعه بالشكل دة.
ازاح حسين من أمامه وهم بالولوج لكن حسين منعه قائلا:
_ أنت رايح فين؟
صاح به أشرف:
_ رايح أعرف جواد حقيقتها، وأقوله هو اتجوز مين بالظبط دي مسبتش راجل إلا أما عملت علاقة معاه لازم أقوله.
منعه حسين قائلًا:
_ استنى بس الكلام دة مينفعش هنا.
_ سيبه يا حسين.
التفت الاثنين إلى صوت جود الذي شحب وجهه رغم تظاهره بالقوة وقال:
_ تعالوا برة.
نظر أشرف إلى حسين الذي قال من بين أسنانه:
_ يا رتني ما كنت قولتلك تيجي.
وقف جود موليًا ظهره لهم وهو يقول:
_ عرفتها إزاي؟ وامتى؟ وإيه اللي كان بينكم؟
ازدرد أشرف ريقه بصعوبة ونظر إلى حسين الذي اشاح بوجهه بعيدًا عنه ثم قال:
_ أنا… أنا كنت بسمع يعني أنها بنت مش ….
حمحم بإحراج وتابع:
_ مش تمام يعني ….. ولما روحتلها في المحل بتاع أختها اللي بتشتغل فيه …
أغمض جود عينيه بألم عند تلك النقطة حتى تابع أشرف:
_ و… واشتغلتها… يعني، وهي عادي و……
صاح به جود:
_ انطق.
تابع اشرف:
_ وأنت أكيد عارف الباقي، أقصد يعني … إنك عارف إنها …مش بنت.
أخرج تنهيدة عميقة من صدره وقال:
_ وموضوع القضية والاغت.صاب.
_ مش عارف الصراحة هي قالتلي أنه كان اغتصاب، بس في ناس يقولوا إنها فعلا كانت بتحبه وهربت معاه ولما راحت عنده البيت واتفجأت أنه متجوز قررت تسيبه، بس هو مسبهاش واغتص..بها، الحقيقة فين الله أعلم.
وجه جود كلامه إلى حسين:
_ وأنت يا حسين إيه اللي تعرفه عنها؟
رد حسين بصدق:
_ أنا والله معرفش حاجة، أنت عارف مليش في الشمال، أنا كل اللي أعرفه إنها يعني ممكن تتكلم مع شاب عادي أكتر من كده لأ، ولما فتحتني في جوازك منها خوفت أقولك، بس والله ما كنت أعرف حاجة من اللي بيقولها أشرف.
قال أشرف بتأكيد:
_ فعلا حسين مكنش يعرف حاجة، أنت عارفه ملوش في الحاجات دي.
قال جود بإقتضاب:
_ تقدر تثبتلي الكلام ده؟
رد اشرف:
_ اه طبعًا، عايزني أعمل إيه وأنا أعمله.
رد جود بغضب:
_ هقولك.
عاد جود إلى الحفل ليجد ياسمين كما تركها، ذهب إليها ليجد عبراتها التي تحاول إخفاءها عن الجميع تتدفق بغزارة على وجنتيها، فجلس بجوارها مقبلًا جبينها بحب تحت صدمتها من فعلته وقال:
_ متعيطيش يا ياسمين أنا عارف إننا قسينا على بعض اوى بس أكيد اللي حصل ده كان درس كبير لينا إحنا الاتنين.
نظرت إليه بحيرة ليكمل هو:
_ متستغربيش هتعرفي كل حاچة في وقتها، واعملي حسابك إنك هتنامي في حضني الليلادي.
رمشتت بعينيها تحاول استيعاب ما يقوله، فاكتفى بابتسامة يملؤها الحب وتركها ليقف مع أخيه.
اقتربت منه إيمان وهي تقول بدلال:
_ ممكن أعرف سيبتني ورحت فين؟
رد عليها جود بهدوء رغم النيران المشتعلة بداخله وقال:
_ كنت مع ياسمين، وعلى فكرة أنا هبات عندها الليلادي.
اختفت الابتسامة عن وجهها لكنها تعلم جيدا أنها أحق به منها، هي زوجته الأولى وأم أولاده، أما هي فمجرد حطام لا تليق بمثله، ولولا عشقها له لابتعدت عنه وتركته لها.
فقالت بصدق:
_ عادي يا حبيبي هي مهما كان مراتك وأم ولادك وهي أحق بيك.
هز رأسه موافقًا على كلامها وقال:
_ تمام تقدري تنامي في اوضة أمير.
اومأت ايمان بصمت مطبق لا تستطيع البوح بشئ أو الاعتراض.
وبعد انتهاء الحفل وذهاب أمير مع زوجته عادوا جميعًا إلى شقة والدته، وفور دخوله نظر إليها قائلًا:
_ انتي أكيد تعبانه اتفضلي نامي في اوضة أمير وانا هنام عند ياسمين، تصبحى على خير.
اومأت في صمت واتجهت إلى الغرفة وأغلقت الباب خلفها بألم، ثم ارتمت على الفراش تبكي بانهيار، لقد شعرت بتلك النيران لمجرد ليلة سيقضيها مع زوجته
فما ستكون حالته إذا علم بحقيقتها.
لكنها تابت إلى الله منذ أن أحبته ولم تنظر لغيره منذ ذلك الحين، انتشلها من تفكيرها صوت هاتفها فنظرت له فوجدته رقم غير مدون، لم تجيبه ووضعته بإهمال على المنضدة وعندما عاود الإتصال مرة أخرى ردت عليه لتتفاجئ بصوت أشرف يقول:
_ إزيك يا إيمي وحشتيني.
انقبض قلبها خوفًا من الآتي وهمت أن تغلق الهاتف لكنه قال:
_ أوعي تقفلي لو قفلتي هقول لجوزك على كل حاجة.
ازدادت انقباضة قلبها وقالت بخوف:
_ أنت عايز إيه؟ وتعرف جوزي منين أصلاً؟
ضحك اشرف بسخرية وقال:
_ يا بنتي أنا وجوزك أصحاب وشركة من زمان وأنا اللي بعتهم شغل ….. عشان مراتي لما عرفت علاقتي بيكي هددتني بالطلاق وعشان كدة رجعت وخليت جود يروح مكاني وحظك المنيل بقى أنه خلاني أحضر فرح أخوه واشوفك معاه.
قالت إيمان برجاء:
_ أرجوك يا أشرف أنا بحب جود ومقدرش أعيش من غيره، أنا ربنا هداني من يوم معرفته فبلاش تأذيني.
صاح بها أشرف بغضب:
_ الأذية انتي اللي جبتيها لجود لما ضحكتي عليه واوهمتيه بقضية الاغت….صاب دي، وكلنا عارفين كويس إنك هربتي معاه بمزاجك ولولا إنك لقتيه متجوز كنتي كملتي معاه عادي،
وفي الآخر اتهمتيه بخطفك وسجنتيه بعد ما لفيتي حوالين المحامي بتاعه وخليتيه وقف في صفك.
صرخت به:
_ مش حقيقي.
أكد اشرف قائلاً
_ لا حقيقي ومتتماديش في الكدب لأنك عملتي زي اللي كدب كدبة وصدقها، ابعدي عن جواد أحسنلك.
ردت إيمان ببكاء:
_ بحبه مقدرش.
تفاجئت بجود واقفا في الغرفة ينظر إليها بازدراء، فألقت الهاتف من يدها وقالت:
_ جود …. جود.. متصدقوش دا بيقول كده بس عشان ….. عشان…..
قاطعها جود قائلًا باشمئزاز:
_ ششششش ولا كلمة زيادة، بلاش تتكلمي لأني مش طايق حتى أسمع صوتك.
قالت برجاء:
_ جود اسمعني.
صاح بها بغضب هادر:
_ قولتلك اخرسي، واحده زيك كده المفروض تخفس نفسها في الأرض.
ازداد انهيارها لتسرع إليه كى تقبل يده وتقول برجاء
_ أرجوك ياجود اسمعنى انا بحبك، وحسيت أن وجودك فى حياتى بداية توبتى.
اعتبرنى رابعه العدويه فى بداية حياتها وفى الاخر ربنا قبل توبتها وب….
قاطعها جود قائلاً باشمئزاز
_ متقرنيش نفسك برابعه العدوية، لأنها مكدبتش ولا استغفلت حد، وتابت بجد من قلبها وعشان كده ربنا قبل توبتها
انما انتى كدبتى واستغفلتينى، وخلتينى اربط أسمى بواحده***** زيك
لكن أنا هعمل بأصلي معاكي للنهاية، في عربية تحت مستنياكي هترجعك ……
وبعد كدة قسمًا بالله لو لمحتك ادامي لنسفك من على وش الدنيا.
ثم أشار لها ناحية الباب وقال:
_ اطلعي برة.
أغمضت إيمان عينيها بضياع وخرجت من المنزل وهي تبكي دماً من عينيها
لا تلومه هو محق، هي التي لم تحافظ على عرضها من البداية فلتتحمل نتيجة خطئها……
تمت
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظلمات)