روايات

رواية ضروب العشق الفصل العشرون 20 بقلم ندى محمود توفيق

موقع كتابك في سطور

رواية ضروب العشق الفصل العشرون 20 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق الجزء العشرون

رواية ضروب العشق البارت العشرون

ضروب العشق
ضروب العشق

رواية ضروب العشق الحلقة العشرون

وبعد وقت طويل من محاولات الوصول لها أخيرًا جاءته رسالة منها مدونة بها ( أنا في المستشفى ياحسن وداخلة العمليات هجهض الطفل ) ، حدق برسالتها في ذهول لدقيقة كاملة وسرعان ما اجرى بها اتصال وهو يثب واقفًا ويقول بنفس مضطربة :
_ ردي .. ردي
انزل الهاتف من على أذنه وهو يمسح على جبهته بعنف هاتفًا في اغتياظ وقلق :
_ غبي !! .. أنا إيه اللي عملته ده
اندفع نحو غرفته وفي ظرف دقيقتين ارتدي ملابسه وغادر المنزل مهرولًا ليحاول اللحاق بها قبل أن يفت الآوان ، وحرك محرك سيارته وانطلق به وهو يفكر بأي مستشفى ستكون !! ، فهي حتى أنها لم تقل له في أي مستشفى موجودة ، ولكنه سيجرب الذهاب لأحد المستشفيات مستمعًا لصوته الداخلي الذي يقول بأنها ربما تكون هناك ! ، وضع هاتفه أمامه ولا يتوقف عن محاولات الاتصال بها وعندما يأس فكر بأن يجرب آخر محاولة لعلها تنجح حيث ارسل لها تسجيل صوتي يقول فيه بصوت جاد به شيء من الخوف ” يسر متدخليش العملية أنا غيرت رأى خلاص عايزه الولد ، ردي عليا بقى ابوس ايدك وقوليلي إنتي فين أنا في الطريق ” .
وصلتها الرسالة فقامت بتشغيل التسجيل وسمعته واعادته أكثر من مرة وعيناها تذرف الدموع بحرقة وألم ، وعلى شفتيها ابتسامة مريرة وهي تتحدث في قرارة نفسها ” ليتك تراجعت عن كل شيء قبل فات الآوان ، اهنئك على انتصارك الساحق علي ”
***
قضي النهار كله يبحث في كل مستشفى من الممكن أن تذهب إليها ولكن لا وجود لها في أي مكان ، أحس بأنه سيفقد عقله وهو يفكر ويتساءل ماذا فعلت هل اجهضته أم لا ؟! ، وماذا حدث لها لما لا تجيب علي ؟ ، كلما تمر الدقائق يزداد خوفه ورعبه وتتناطح الأفكار السيئة في عقله حول إصابتها بمكروه وهي تجهض ! .
أوقف السيارة جانبًا وهو يتأفف بعدم حيلة وملامح وجهه تقوست بعبوس شديد هامسًا لنفسه في نبرة مختلفة :
_ روحتي فين بس يايسر
ارجع رأسه للوراء على المقعد وأغمض عيناه بإرهاق بعد ذلك اليوم الطويل والشاق من البحث عنها ، وإذا به يسمع صوت رسالة لهاتفه فانتفض جالسًا بعدما توقع أنها هي وبالفعل كانت هي وارسلت له رسالة صوتية ففتحها ليسمع صوتها الغريب والمبحوح وهو تقول بقوتها المعهودة ” أنا عندى واحدة صحبتي تعبانة ومش هقدر آجي ، متتعبش نفسك وتتصل بيا عشان مش هرد عليك وهقفل التلفون ، بكرا الصبح هرجع البيت .. وبخصوص الولد فأحب أقولك اتأخرت أنا نزلته خلاص ” ، اتسع بؤبؤي عيناه بذهول وهو يستمع لآخر جملة قالتها ” نزلته !! ” ما معنى اجهضدته !!! ، لماذا فعلت هذا ليتها استمعت له للمرة الأخيرة قبل أن تذهب وعرفت بأنه تراجع .
بدا عى وجهه علامات الحزن والألم وهو يقول بصوت به شيء من الشجن :
_ ليه كدا .. ليييه !
حاول الاتصال بها على أمل ان تجيب ولكنها اغلقته فور ارسال رسالتها ، ليتنهد بيأس ويستدر بسيارته ليعود للمنزل ، وسينتظر عودتها في الصباح ، فهو ليس أمامه حل سوى هذا الآن ! .
عاد للمنزل بعد دقائق طويلة وبدل ملابسه ثم تسطح على الفراش وهو يحملق في السقف بسكون وأسى .
ندم !! ، أجل ندم أشد الندم لأنه طلب منها إجهاضه ليته لم يفعل كل هذا معها بالأمس ، فبعد تفكير عميق أحس بأنه قد يكون شيئًا جميلًا أن يكون لديه طفل بغض النظر عن من هي أمه ولكنه سيظل طفله ، وحين تراجع وقرر إخبارها كان الآوان قد فات ، والقطر حمل معه طفله وذهب بعيدًا دون رجعة ! .
حاول النوم ولكن عيناه أبت أن تذيقه الراحة وكان يخطف دقائق صغيرة من النوم ويستيقظ مجددًا حتى اصبحت الساعة 9 صباحًا فهب واقفًا من فراشه واتجه للحمام ليأخذ حمامًا باردًا ودقائق قليلة سمع صوت باب المنزل يفتح فأغلق صنبور الماء فورًا وارتدي بنطاله على عجالة وخرج من الحمام متجهًا نحو الباب ليجدها تنزع حذائها عنها وغير مكترثة له بتاتًا فيهتف في انفعال حقيقي ممزوج بالاهتمام :
_ اليوم كله إمبارح برن عليكي ومش بتردي ! .. صحبتك مين دي اللي تاخدي الليلة عندها !! ، وبعدين إنتي إزاي تروحي تنزلي الطفل وحدك من غير ما تقوليلي إنك رايحة !
وكأنه نكرة لم تعيره اهتمام انتهت من نزع حذائها وقادت خطواتها نحو غرفتها بصعوبة من فرط تعبها ليندفع خلفها ويجذبها من ذراعها صائحًا بها في استياء :
_ أنا بكلمك ردي عليا ، نزلتيه ليه من غير ماتقوليلي !
وكأن عقرب لدغتها حين مسك بذراعها لتدفع يده عنها بعنف صارخة به في أعين بها نظرات عجيبه لم يراها من قبل :
_ متلمسنيش فاهم ولا لا
ثم اكملت سيرها نحو غرفتها وهي تهتف بازدراء وألم دفين :
_ عملت اللي طلبته مني مش إنت اللي قولتلى أنزله ، لو نسيت افكرك باللي عملته امبارح لما قولتلك مش هنزله ولما قولتلي لو منزلتهوش هسقطك أنا ، اديني ريحتك خالص منه وهريحك مني كمان
هتف في عصبية وعنف :
_ وأنا غيرت رأي وكنت عايزه
وصلت لغرفتها وفتحت الباب ثم دخلت والتفتت له هامسة في وجه محتقن بالدماء ونبرة لا تحمل أي لطف أو حب :
_ لا ما أنا بصراحة فكرت ولقيت إني مستحيل أقبل إن ابني يكون ابوه واحد زيك فاقتنعت برأيك وإن الإجهاض افضل حل فنزلته
كانت تتصنع الثبات والقوة أمامه وهي تتشوق للحظة التي ستنفرد بها مع نفسها لتدخل في نوبة بكائها العنيفة التي لم تتوقف من الأمس ، أما هو فقد نجحت في اسكاته تمامًا بما قالته واحس بالخزي من نفسه حقًا ولكن تحولت قسمات وجهه إلى استغراب وهو يراها تفتح الخزانة وتخرج حقيبة الملابس وتبدأ في وضع ملابسها بها فيهتف في ريبة حقيقية :
_ رايحة فين
أجابت بكامل الجفاء :
_ راجعة بيت أهلي وقبل ما امشي هتطلقني عشان يبقى كل حاجة انتهت ومفيش مجال للعودة تاني
طلاق !!! ، هل حقًا هي التي تطلب منه الطلاق ! ، وماذا عن جنون عشقها له هل اصبحت تبغضه الآن ! .. استغرق لحظات وهو يتطلع لها مدهوشًا حتى تحدث بحيرة :
_ اطلقك ! ، هو احنا مش متفقين إننا هنطلق بس لما يعدي فترة طويلة شوية على جوازنا
تركت الملابس من يدها بعنف واقتربت منه صائحة بسخط :
_ أنا متفقتش على حاجة زي كدا أبدًا معاك ، ودلوقتي بقولك طلقني ياحسن لأن أنا اللي مبقتش طيقاك خلاص مش إنت ، أنا عايزاك ترمي عليا يمين الطلاق دلوقتي
” أنا أحلم ، بالتأكيد هذا حلم فهذه ليست يسر أبدًا ” كان يهمس لنفسه هكذا وهو يتطلع لها مصدومًا من انفعالها وما تطلبه بجدية تامة لا تحمل مزح مطلقًا ، ولوهلة أحس بأنه لا يستطيع نطقها وأن يقول لها ” إنتِ طالق ” فهيمن السكوت بينهم لثوانٍ حتى قال بابتسامة تحمل عدم الاستيعاب لما يحدث :
_ طيب رجعي هدومك في الدولاب واهدى الأول وريحي لإنك باين عليكي تعبانة وبعدين نبقى نتكلم ، أنا برأي متطلبيش حاجة ممكن تندمي عليها بعدين
بادلته الابتسامة ولكنها كانت ابتسامة مستهزئة وكلها نقم حيث قالت بانفطار قلب :
_ الحاجة الوحيدة اللي ندمانة عليها وهفضل اندم عليها طول حياتي إني حبيتك واتجوزتك وسمحتلك تلمسني
تلقت الرد منه بالصمت دون أن يتفوه ببنت شفة فعادت مجددًا لحقيبتها ووضعت آخر القطع ثم اغلقتها وانزلتها على الأرض بحرص شديد وبطء بسبب الامها وتعبها ثم امسكت بذراعها وسحبتها خلفها ووقفت أمامه هاتفة بشموخ :
_ طلقني !
أخذ يتطلع إليها بصدمة وهو لا يصدقة نظراتها ونبرتها المختلفة التي لا تثبت له سوى شيء واحد وهو أنها اصبحت تبغضه بالفعل ! ، احس بكف يدها الذي يضرب على كتفه وهي تصرخ بأعين دامعة :
_ بقولك طلقني إنت مبتفهمش ، مبقتش عايزاك خلاص ولا طيقاك
اتاها صوته الرجولي الغليظ وهو يهز رأسه بالنفي مغمغمًا :
_ مش هطلقك يايسر
احست بأنها ستفقد زمام دموعها وستتحول أمامه إلى الحقيقة التي تحاول اخفائها عنه وهي أنها اضعف مما يظن ، ففضلت أن تذهب الآن بسرعة وقالت قبل أن تستدير وترحل :
_ هتطلقني ياحسن وإلا هرفع عليك قضية وسعتها هتطلقني بالقانون غصب عنك ، أنا دلوقتي همشي لإني مش قادرة اشوفك قدامي اكتر من كدا وهستني ورقة طلاقي تجيني فاهم
ثم استدارت وانصرفت وهي تقاوم الآمها التي تمنعها من المشي بطبيعية وبمجرد ما أن رآها سائق السيارة ترجل وحمل منها الحقيبة ووضعها في السيارة بالخلف واستقلت هي بالمقعد الخلفي وتحركت بها السيارة وهي تعلق نظرها على المنزل بألم يمزق قلبها ودموعها تنهمر على وجنتيها فهذه ستكون المرة الأخيرة ولن تدخله مجددًا !! ……..
***
كانت على الفراش تحدق به وهو يستعد للخروج ويسرح شعره بعناية شديدة ثم التقط عطره الرجولي ونثره على ملابسه لتفوح رائحته النفاذة في الغرفة بأكملها فتبتسم هي بغرام ، وعصف بذهنها شيئًا مهما فوثبت واقفة وهرولت لتقف بجواره هامسة برقة مبالغ فيها قليلًا :
_ كرم !
حدقها باستغراب وغمغم بنبرة خافتة :
_ نعم ياشفق !
تحركت ببطء لتقف أمامه وتهمس بنبرة لطيفة :
_ هطلب منك طلب بس متتعصبش please !
رفع حاجبيه والقى عليها نظرة فهمت من خلالها أن يطلب منها الاسترسال في الحديث ، فأخذت نفسًا عميقًا وغمغمت بتوتر :
_ صحبتي نهلة اللي شوفتني معاها في المستشفى يوم لما عملت الحادث ، خطوبتها بعد يومين وهتزعل أوي لو مرحتش
تحولت نظرته من الهدوء إلى الحزم واشاح بوجهه عنها متصنعًا الانشغال بتهذيب ملابسه كنوع من الرفض القاطع فعادت تكمل بسرعة محاولة إنقاذ الموقف :
_ لا أنا مش هروح وحدي .. أنا عايزاك تروح معايا
_ بس أنا مش فاضي اليومين دول ياشفق !!
لفت ذراعيها خلف ظهرها ورسمت لوحة الوجه الحزين على وجهها وشفتيها تقوست لأسفل ونظرت له بعينان كلها استعطاف كطفل صغيرة هامسة بتوسل :
_ ارجوووووك .. ارجوك !
أثرته نظرتها البريئة والرقيقة ليظل للحظات يحدق بها بسكون وهو يحاول أن يرفض للمرة الثانية ولكن قلبه لا يستطيع كسر نفسها المتحمسة لحفل خطبة صديقتها ، فتنهد بعدم حيلة وهتف محاولًا عدم إظهار تأثيرها عليه :
_ طيب خلاص بس هنروح متأخر شوية وهناخد نص ساعة بس عشان معايا شغل كتير
قفزت بطفولية وخطفت قبلة سريعة من وجنته هاتفة بفخر واعتزاز :
_ أنا ليا طرقي برضوا في الاقناع
_ لا ده عشان أنا قلبي طيب وعلى نياتي بس
قالها مبتسمًا ببشاشة لتضحك هي ببساطة ثم تنظر لملابسه وتقول بعدم إعجاب :
_ على فكرة الجاكت ده مش لايق
القى على نفسه نظرة تفحصية في المرآة وهتف مندهشًا :
_ بجد !
ابتعدت واتجهت نحو الخزانة لتفتحها وتبدأ في البحث عن سترة مناسبة يرتديها وتكون ملائمة على ملابسه ، حتى عثرت على سترة سوداء اللون وليست طويلة وعادت له وقالت في نعومة :
_ دي حلوة والأسود عليك بيبقى رهيب
تطلع إلى السترة بتفكير ثم لنفسه في المرآة ففكر بأن لا مانع من التجربة وهم بأن ينزع سترته الذي يرتديها ولكنها اوقفته ومدت يدها تنزعها عنه برفق وتنظر له بابتسامة عاطفية ، ولم يتمكن هو من مجابهة شعوره بالخطر حين اقتربت منه ولكنه تصرف بثبات وتركها تفعل به كما تحب ، حيث نزعت عنه السترة والبسته السوداء وهي تهندم له قميصه من الداخل ولياقته ولمساتها على قميصه وصدره زادت من الأمر سوءًا له ، ثم ابتعدت لتتركه ينظر لنفسه في المرآة فيبتسم بإعجاب ويقول :
_ لا تصدقي دي أحلى فعلًا
كانت تتعمد لمسه حتى تستمتع بمشاهدة توتره وكيف ستكون ردة فعله ولكنه تمالك نفسه اليوم وحتمًا بأحد الأيام لن يتمكن من السيطرة على اضطرابه منها ، بينما هو فلم يجد الرد منها وفقط رأى ابتسامتها على شفتيها وهي تحدق به فقال محاولًا إنهاء ذلك الوضع :
_ أنا همشي عشان متأخرش ، عايزة حاجة ؟
هزت رأسها بالنفي وهي تجيبه بهدوء :
_ عايزة سلامتك
***
منظر طبيعي مذهل ، حيث كانت السماء زرقاء ومزينة بقطع سحاب متفرقة تأخذ اشكالًا مختلفة وأشعة الشمس الدافئة تملأ كل مكان ، وتنعكس على صفحة وجهها القمحاوية فتعطيها لمسة انوثية مغرية مع لون عيناها الزرقاء التي تلمع مع الأشعة الذهبية فتمنحها مزيجًا مذهلًا .
كانت جالسة في الحديقة وتترك لجسدها حرية الاستمتاع بأشعة الشمس غير منتبهة له وهو يقف في شرفة غرفتهم بالأعلى ويتأمل جمالها ، وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة ، تسحره عيناها أكثر من أي شيء وتجذبه إليها كالمغناطيس .. هو لم يعد قادر على مقاومة سحرها ، لم يعد قادرًا عن حجب رغباته بها .. ومع ذلك مازال يقاوم وحتمًا لن يصمد كثيرًا أمامها !! .
رفعت نظرها بتلقائية فالتقت عيناها بعيناه لتبادله ابتسامته ولكن كانت ابتسامة مرتبكة من نظرته لها وهبت واقفة هي حين سمعته يهتف :
_ تعالي
تحركت ودخلت المنزل وصعدت الدرج متجاهلة نظرات الجدة العدوانية لها حتى وصلت لغرفتهم وفتحت الباب ثم دخلت وأغلقته خلفها ببطء هامسة :
_ نعم !
قال بنبرة طبيعية تمامًا ليس بها أي شيء من الحدة أو الغلظة :
_ قاعدة تحت ليه ؟!
رغم أن نبرته كانت عادية إلا أن توترها لم يذهب بعد حيث أجابته بخفوت :
_ إنت كنت نايم وأنا صحيت بدري النهردا ومليت من القعدة وحدي فنزلت أقعد في الشمس شوية !
سار باتجاهها حتى وقف أمامها مباشرة وهتف بابتسامة سلبت عقلها وبنبرة كانت حانية أكثر ما كانت آمرة :
_ طيب ياملاذ من هنا ورايح لما أكون نايم متتحركيش من جمبي يعني اصحى الاقيكي جمبي ! ، ولما تنزلي تحت تاني تلبسي نقابك عشان ممكن حد يدخل فجأة .. تمام ؟!
هزت رأسها بالموافقة وهي تحملق به بدهشة من مايقوله ، وقد تحول توترها إلي ريبة حقيقية وحيرة من أمره بينما هو فحين تلقى الرد منها بإماءة رأسها بالموافقة فالتفت بجسده كاملًا وهم بأنه يبتعد عنها ولكنه التفت لها برأسه وهتف بلطف :
_ أنا هاخد شاور سريع ، ممكن تجهزيلي هدومي لغاية ما اطلع عشان مستعجل
أماءت له للمرة الثانية كالمتغيبة وهمست بصوت يكاد لا يسمع :
_ حاضر
انتظرته حتى دخل الحمام وأغلق الباب لتهمس لنفسها بذهول :
_ هو ماله !!!
لما يتصرف معها اليوم بلطف زائد قليلًا وحنو .. ذكرها به بعدما عقدوا قرآنهم واصطحبها معه لمرتين ليقضوا بعض الوقت معًا وكان لطيفًا هكذا وحنون و رمانسي ، والآن لا تنكر سعادتها لأنها رأت ذلك الجانب منه مجددًا بعدما فقدت الأمل في أن تحظى به مرة أخرى حتى ولو سامحها .
تحركت نحو الخزانة وبدأت في أخراج ملابسه وتجهيزها له كما طلب منها وبعد دقائق قليلة رأته يخرج ونصفه العلوي عاريًا وفقط يرتدي بنطال منزلي أسود ، فاشاحت بنظرها وتصنعت الانشغال بأي شيء حتى لا تنظر له ولكن عيناها أبت الخضوع حيث كانت تنحرف وتختلس النظر إليه خلسة فلاحظت الندبة التي في ظهره ، ولم تكن ندبة عادية أو بسيطة بل كانت غريبة حيث أثارت فضولها فاعتدلت في وقفتها وظلت تحدق به وتحركت قدماها دون إشارة نحوه ووقفت خلفه ثم مدت أصابعها تضعهم على تلك الندبة وهي تهتف باستغراب :
_ إيه دي يازين ؟!!
لمستها تركت أثرًا سلبيًا في نفسه الرجولية التي يحاول حجمها عنها فالتفت له وقال بصوت رخيم :
_ عملت حادث قبل كدا
_ حادث !!!
قالتها بدهشة ليكمل هو بمرارة :
_ كنت أنا وبابا ومسافرين لشغل وأنا اللي كنت بسوق وكنت سايق بسرعة عشان نوصل اسرع والصراحة مش فاكر كويس إذا كان أنا اللي مخدتش بالي ولا العربية دي هي اللي ظهرت في وشي فجأة بس بعد الحادث ده بابا اتوفى وأنا كنت بين الحيا والموت لأن العربية مكنش فيها حاجة سليمة واللي خبطنا فيها كانت عربية نقل كبيرة ، بس أنا كان لسا ليا عمر ونجوت بصعوبة و أخدت سنة مبتحركش بعديها وبمشي على كرسي متحرك ومع العلاج الحمدلله رجعت امشي تاني وفضلت الندبة دي في ضهري عشان تفكرني دايمًا باللي حصل ، وكل ما بشوفها أحيانًا بياجي الشيطان في وداني ويقولي إنت السبب بس بستغفر ربنا وبقول ده قضاء وقدر
ثم سكت لثانية واستكمل مبتسمًا :
_ تعددت الأسباب والموت واحد !
كانت نظراتها متأثرة ومشفقة عليه وحين انتهى ابتسمت له بحب وحنو ثم مدت يدها تضعها على وجنته هامسة بنبرة ناعمة :
_ بظبط إنت ملكش ذنب ده نصيب وهو كان عمره انتهى على كدا ولو مكنش اتوفى بالسبب ده كان هيموت بأي سبب تاني وبرضوا كان هيموت في نفس اللحظة والدقيقة اللي كتبهاله ربنا .. ربنا يرحمه
هز رأسه بالإيجاب يوافقها على ما قالته وما يقوله لنفسه دومًا كلما يتذكر والده أو صديقه و يستغفر ربه مرارًا وتكرارًا ليخرج ذلك الشيطان اللعين من عقله ، وجدها تعانقه وتلف ذراعيها خلف عنقه ليمد هو كفه ويمرره على ظهرها برفق مبتسمًا وبعد لحظات ابعدت رأسها عن كتفه ونظرت له بابتسامة اذابت على آثارها كل ما كان يحاول بنائه طوال الفترة السابقة وكانت عيناها وابتسامتها سببًا في خروجه عن كهفه الذي اعتكف به قرابة الشهرين وهو يجاهد في كبت رغبته بها ، فوجد نفسه بدون وعي يقترب منها وكان على وشك أن يسرق معها لحظاتهم الغرامية الأولى ولكن عكر لحظتهم طرق الباب وسماعه لصوت والدته وهي تهتف :
_ زين .. زين ياحبيبي
ارجع رأسه للوراء محاولًا تمالك نفسه المغتاظة من قدوم والدته في اللحظة الخطأ وهتف :
_ ايوة ياماما
_ يلا ياحبيبي تعالى إنت ومراتك عشان الفطار جاهز تحت وجدتك مستنياكم
_ حاضر يا ماما نازلين وراكي
لاحظت ملاذ غيظه فكتمت ابتسامتها وابتعدت عنه فورًا بعد أن انتابها الخجل وهمست باستحياء :
_ أنا هسبقك على تحت وإنت البس وتعالى
لم يجيبها واكتفى بنظرته المتقدة ومسح على وجهه متأففًا بعدما انصرفت ، وبدأ في ارتداء ملابسه وهو يتحسر على حظه السيء !! …..
***
في تمام الساعة التاسعة مساءًا …..
فتح كرم الباب ودخل ثم اغلقه خلفه وكانت اضواء المنزل كلها مغلقة وكأنه فارغ فعقد حاجبيه بتعجب ومد يده ليفتح المصباح ويضيء المنزل ، وبدأ في نزع حذائه عنه ثم قاد خطواته نحو غرفتهم ولم يجدها فاتجه وبحث في بقية الغرف وحين فتح غرفة مكتبه الخاصة وكان ضوء المصباح فيها هاديء من اللون الذهبي وكانت هي ممدة على الأريكة ومتكورة من فعل البرودة والغطاء يصل لنصف جسدها فقط وبرغم من ذلك كانت في ثبات عميق ليسمع صوت الهاتف البسيط بجانب الأريكة على المنضدة مصدرًا نغمة موسيقية هادئة ومريحة للأعصاب ، ثم رفع نظره وتطلع إلى صورته مع أخيها وفهم سبب نومها هنا ، يتنهد بعدم حيلة ومد يده يلتقط الهاتف ليغلقه ثم اقترب منها وانحنى بجزعة للأمام ولتنطلق على شفتيه ضحكة خفيفة حين رأى كفوف يدها الصغيرة وهي ترتدي فيهم قفازات ثقيلة تحميها من البرد وتلف حول رقبتها شال طويل ، فمد يده وازاح خصلات شعرها التي تخفي وجهها ثم رفع الغطاء عنها وانحني إليها أكثر ليحملها على ذراعه ويتحرك بها ناحية غرفتهم .. دفع الباب بقدمه ثم دخل وسار إلى الفراش ووضعها بحرص شديد .. امسك بيدها الناعمة ينزع عنها القفازات بلطف وسحب الشال من حول رقبتها في رفق وأخيرًا اتجه إلى قدميها لينزع عنها الشراب الشتوي ، هم بأن يسحب اللحاف الدافيء عليها ولكن وجدها تنتفض جالسة بفزع وهي تضم قدميها إليها بنظرات مرتعدة ليهمس هو مبتسمًا بنبرة دافئة ليطمئنها :
_ اهدى اهدي ده أنا !!
ادركت صورته جيدًا فتنهدت بارتياح وهي تضع كفها على صدرها الذي يصعد ويهبط بعنف واصدرت زفيرًا حارًا حين شعرت بانفاسها التي تضيق فعندما شعرت بلمساته ظنته ذلك الوغد ولذلك وثبت من نومها فزعة ، هتفت في أعين مرتعدة :
_ اتخضيت وافتكرتك هو لإن من ساعة اللي حصل في بيتنا لما دخل عليا بقيت اخاف ما انام وحدي والنهردا نومت غصب عني من غير ما أحس وكنت مستنياك بس مقدرتش اقاوم ونومت
هتف في هدوء وصوت رجولي :
_ ميقدرش يدخل أصلًا وميقدرش يتجرأ ويقربلك تاني ولو فكر وهوب ناحية البيت بس الحرس اللي برا هيمسكوه ويجبوه ليا علطول فاطمني ؛ لإن مفيش غيري هيدخل عليكي البيت هنا أساسًا
هزت رأسها بتفهم وهي تقابل كلامته بابتسامة باهتة ليمد يده على اللحاف ويرفعه على جسدها هاتفًا بمشاكسة :
_ الجو مش برد للدرجة دي على فكرة !
ضحكت وبادلته مشاكسته قائلة :
_ لا برد جدًا ده أنا كنت بتنفض من البرد قبل ما تاجي واوضة المكتب بتاعتك كانت دافية شوية فقعدت فيها وغلبني النوم
هب واقفًا ونزع سترته عنه هاتفًا بضحك :
_ لا وعلى إيه أنا اجبلك دفاية وتعيشي جمبها اليوم كله لأن شكلك من النوع اللي بيبرد أوي
_ جدًا فوق ما تتخيل ، أنا في بيتنا أحيانًا كنت بمشي وسطهم بالبطانية وكان سيف الله يرحمه يفضل يتريق عليا هو وماما !!
ابتسم لها بأسى عند ذكرها لشقيقها وصديقه الحميم ولكن اختفت ابتسامته حين رأى ملامح وجهها التي عبست بانكسار وحزن ليقترب منها مجددًا ويجلس بجوارها هامسًا في نبرة تنسدل كالحرير ناعمة :
_ شفق أنا معاكي ومش عايزك تحسي إنك وحدك أبدًا ، اعتبريني سيف ومامتك وكل حاجة أنا معنديش مانع
استقرت منها نظرة منطفئة عليه وقالت بصوت متحشرج :
_ أنا مش عارفة اوصفلك اللي بحسه كل ما افتكر أنهم خلاص مبقوش جمبي ولا معايا ولا هشوفهم تاني بس إنت أكيد حاسس بيا صح ؟!!
وضع كل شيء جانبًا وسمع لصوته الداخلي الذي يطلب منه أن يخفف عنها ويحتضنها لعله يهدأ من نيران قلبها الذي هو أكثر من يشعر بالآم الفراق ، فمد يده لرأسها وجذبها إليه لتدفن هي وجهها بين ثنايا رقبته وتسمع همسه المتألم :
_ صدقيني مش هتلاقي حد حاسس بيكي أكتر مني
انفجرت في البكاء الشديد وتشبثت بذراعيها حول رقبته بقوة ليسمع نبرتها المتقطعة وهي تهتف من بين بكائها :
_ وحشوني أوي ياكرم ، نفسي اشوف ماما واحضنها وسيف وحشني جدًا .. وحشني صوته وهزاره معايا
لمعت عيناه بالدموع هو الآخر ليجيبها في صوت به بحة بسيطة :
_ وأنا كمان وحشني أوي
اكملت نوبة بكائها وتركها تخرج كل ما في نفسها المكتظة باللآم وهي بين ذراعيه هامسًا في أذنها يسترسلها في البكاء :
_ عيطي !
ازدادت حدة بكائها وظل يملس على ظهرهها حتى احس بها هدأت قليلًا .. وبعد دقائق أبعدها عنه وتمتم بحنان دفين :
_ هاا حاسة نفسك أفضل ؟
جففت دموعها بعدما شعرت بأنها ازاحت ثقلًا من على قلبها حين بكت بقوة فهزت رأسها بالإيجاب ثم تطلعت له ورأت عيناه اللامعة بالدموع لتبغض نفسها وتلعن احزانها التي تسبب له الحزن أيضًا ، ووجدت نفسها لا تتحكم في دموعها مجددًا وتقول باعتذار وخنق وهي تبكي من جديد :
_ أنا آسفة ، عارفة إني نكدية وبنكد عليك كل شوية !!
رغم الأجواء الكئيبة التي صنعتها هي ولكنها نجحت أيضًا في اضحاكه حيث أجابها بضحكة بسيطة :
_ لا إله إلا الله .. افهم بس بتعيطي تاني ليه دلوقتي !؟
قالت باحتجاج على نفسها وضيق :
_ عشان أنا نكدية !!!
لم يتمكن من منع ضحكته المتأججة واجابها في رقة من بين ضحكاتها :
_ وهو أنا اشتكتلك وقولتلك إنتي نكدية وأنا مبحبش النكد !! ، قومي ياشفق بس اغسلي وشك وصلي العشاء لو مصلتهوش وهترتاحي .. قومي
نهضت من جانبه واتجهت للحمام بينما هو فضرب كف على كف ضاحكًا ، ثم استقام وبدأ في تبديل ملابسه !! ……
***
دخلت ملاذ المطبخ لتشرب وإذا بها تجد ميار تقف وتقوم بتحضير كوب قهوة فظنت أنها تحضره لنفسها .. تجاهلتها وفتحت الثلاجة لتخرج زجاجة المياه وتسكب في الكوب لتشربه كله حتى سمعته تسأل بلؤم :
_ زين موجود في مكتبه ياملاذ
التفتت لها بجسدها كاملًا وحدجتها باستحقار قائلة بقرف :
_ آه موجود خير
اكلمت ميار بنفس نبرتها المستفزة قاصدة إثارة غيرتها :
_ أصل أنا شوفته جاي من بدري من الشغل ومطلعش من Büro ( المكتب ) وقاعد بيشتغل فقولت أعمله فنجان قهوة
اشتلعت نيران الغيرة وتأججت حتى كادت أن تصل إلى السقف ، فاقتربت منها وهي تحاول تمالك أعصابها المتغاظة وهتفت جازة على أسنانها بقوة :
_ زين مش بيشرب القهوة ولو شربها مبيشربهاش غير من إيدي ، فأنا من رأي ياتكبيها ياتشربيها لأنه مش هيشربه
_ بس أنا واثقة إنها هتعجبه !
قالتها بثقة تامة ودلال أنوثي مستفز ففقدت ملاذ السيطرة على نفسها الملتهبة وجذبتها من ذراعها بعنف هاتفة في تحذير مخيف :
_ بقولك إيه يابت إنتي تبعدي عن زين بالذوق احسلك بدل ما والله العظيم اخليكي تندمي على اليوم اللي شوفتيني فيه فاهمة ولا لا
تطلعت إليها ميار بنظرات شيطانية غير مكترثة بتحذيرها المباشر لها ثم دفعتها بعيدًا عنها وامسكت بكوب القهوة الساخن وسكبته على يدها لتصرخ بأعلى صوت اوتيت به ، فيجتمع كل مافي المنزل على أثر صراخها وأولهم الجدة التي ركضت إليها فزعة وهي تهتف بهلع :
_ مالك ياميار ياحبيبتي حصل إيه ؟
ابتسمت ميار لجدتها بمكر ففهمت فورًا حيلتها ونظرت الجدة إلى ملاذ المتسمرة بأرضها تحدق بهؤلاء الشياطين في ذهول حتى تجمعوا الجميع وآخرهم زين وبمجرد دخوله صاحت الجدة بملاذ في غضب موجهة الكلام لزين في الأساس :
_تعالي شوف مراتك اللي بتقولي محدش يضايقها ، هي دي اللي اخترتهالوا ياهدى
هتفت هدى بتعجب وهي تنقل نظرها بين زوجة ابنها وميار التي سرعان ما انهمرت دموعها على وجنتيها :
_ حصل إيه ياماما طيب فهمينا
هتفت ميار من بين بكائها بصوت مرتجف :
_ أنا كنت بعمل قهوة لزين وهي شافتني وفضلت تزعق معايا وتقولي إنتي تعمليله قهوة ليه وإنتي مالك وكبتها عليا
كانت ملاذ غير مستوعبة ما يحدث ونظرها معلق على ميار وهي تبكي .. ولا تجد ما تقوله لتدافع عن نفسها حتى ، لحظات وجاءت رفيف بمرهم للحروق واعطته لجدتها وبدأت الجدة تضعه على ذراعها ثم رفعت الجدة نظرها إلى ملاذ وقالت بلهجة آمرة ومتشفية :
_ اعتذري منها !
نقلت ملاذ نظرها بينهم جميعهم في دهشة حتى استقر نظرها على زوجها وطالعته بنظرة ضعيفة تتوسله أن لا يصدق هذه التفاهات التي يقولونها ، وبالفعل هو لم يكن يصدق أي شيء ، وحين وجد الجدة تنظر له وكأنها تطلب منه أن يجعلها تعتذر فهتف بخشونة ونظرة قاتلة :
_ مراتي مغلطتش عشان تعتذر وأنا واثق إنها متعملش حاجة زي كدا ، والصراحة أنا معنديش دماغ للمواضيع التافهة دي و كفاية أوي لغاية كدا ياجدتي
ثم نظر لزوجته وقال بنبرة غليظة :
_ تعالي ورايا يلا عشان هنرجع بيتنا
ثم استدار ورحل فخرجت ابتسامتها تشق طريقها إلى شفتيها وكادت أن تصل ألى أذنها ، ثم عادت بنظرها إلى الجدة وحفيدتها ورمقتهم بلؤم وتشفي وهي تبتسم وانحنت ناحية ميار هامسة بنبرة شماتة :
_ ألف سلامة ياحبيبتي تعيشي وتاخدي غيرها
ثم ولتهم ظهرها ولحقت بزوجها بينما هدى ورفيف فتبادلوا النظرات بينهم وهم يحاولون كبت ابتسامتهم ، وكانت الجدة وميار يشتعلون من الغيظ !! ……….
دخلت ملاذ خلفه واغلقت الباب ثم وقفت أمامه وهتفت بسعادة غامرة :
_ شكرًا
لم يبتسم ولم يبدي أي نظرات لطيفة حيث قال بحزم :
_ حصل إيه ؟
فهمت أنه يريد الحقيقة التي لم يراها كاملة فهتفت في بساطة :
_ ولا حاجة أنا كنت نازلة اشرب ولقيتها بتعمل قهوة وهي اللي فتحت الكلام أنا فكراها بتعملها لنفسها ، سألتني زين موجود في المكتب فقولت ليها أيوة لقيتها بتقولي أصل أنا عاملة القهوة ليه أنا الصراحة اتغاظت منكرش فشديت معاها وقولتلها تبعد عنك بالذوق احسلها ، هو ده بس كل اللي قولته والله وفجأة لقيتها بعدين بتمسك القهوة وبتكبها على نفسها وبدأت المسرحية اللي شوفتها تحت دي وجدتك لما جات ميار ضحكتلها ففهمت وبقت تسايرها في اللي بتعمله
أماء رأسه بتفهم وقد هدأت نفسه الثائرة قليلًا وهدر :
_ طيب يلا لمي هدومك عشان نمشي
احاطت وجهه بكفيها وقالت في عشق جارف متوسلة :
_ حاضر بس ممكن متضايقش نفسك خلاص حصل اللي حصل وأنا مش مضايقة وكويس أوي إننا هنمشي لإني بقيت مش واخدة راحتي هنا أبدًا
تأفف بنفاذ صبر وهو مازال يحمل بعض الغضب في نفسه من أفعال جدته ، ولكنه اماء لها بنظرات هادئة وابعد كفيها عن وجهه ليتجه نحو الحمام تاركًا إياها تبتسم بانتصار وفرحة غامرة !! ……….
***
بعد مرور يومين جاء الأب الغائب منذ قرابة شهر واستقبله الجميع بسعادة وترحيب حار فيما عدا ابنته التي كانت تحاول الانخراط معهم في سعادتهم ولكن بلا فائدة !! …..
تعتكف في غرفتها منذ يومين وحالتها النفسية تزداد سوءًا كلما يمر الوقت ، تتجاهل اتصالاته المستمرة ومحاولاته للتحدث معها وترفض بشدة مكالمته أو رؤيته إلا حين يأتي بأوراق طلاقهم ، وجميع من في المنزل حاولوا فهم أي شيء وما الذي حدث بينهم ليصلهم لهذه المرحلة ولكن أمها أبت الضغط عليها بعدما رأت وضعها النفسي السيء بسبب فقدانها لطفلها ! .
فتح طاهر الباب ودخل ثم دخلت خلفه زوجته ليقترب هو ويجلس بجوار ابنته هامسًا بحنو :
_ احكيلي يايسر حصل إيه بينك وبين حسن
هتفت الأم بيأس :
_ أنا ليا يومين ياطاهر أنا وأخوها بنحاول نفهم منها إيه اللي حصل وهي مبتتكلمش
نظر لزوجته وهمس :
_ طيب سبينا وحدنا وأنا هتكلم معاها
تنهدت بنفاذ صبر واستدارت وغادرت تاركة إياهم بمفردهم ليمد طاهر يده ويملس على شعرها برفق هاتفًا في خفوت :
_ قوليلي ياحبيبتي .. قوليلي عملك إيه بس وأنا هربهولك ، مد إيده عليكي ؟!
عصفت بذاكرتها لحظة صفعه لها على وجهها بعنف فقط لأنها رفضت إجهاض الطفل ، لتنهمر دموعها على وجنتيها وترتمي داخل أحضان أبيها باكية بقوة فيهتف هو بصرامة وقلق :
_ يسر قولي في إيه متخلنيش أروح اتصرف مع حسن بطريقتي
ابتعدت عن أبيها وقررت اختراع كذبة جديدة ولكنها ستكون الأخيرة منذ أن تزوجته ، فهي تريد الانفصال عنه دون أي ازهاق لنفسها أكثر من ذلك ، وتريد الانفصال عنه في سلام حتى تتمكن من النظر لحياتها براحة .
غمغمت بصوت مبحوح :
_ احنا مكناش متفاهمين يابابا وحصلت كذا مشكلة بينا بس محبتش أقولكم واقلقكم وكنا ناوين نطلق بس لما عرفت إني حامل فكرت إن اتراجع واحاول اصلح علاقتنا عشان ابننا بس لما البيبي نزل قولت خلاص ملوش لازمة نحاول في حاجة ميئوس منها ، يعني إنا غلطت من البداية لما اتسرعت ووافقت لأني اكتشفت بعدين إن أنا وحسن مننفعش مع بعض
حدجها باستغراب وأكمل بخشونة :
_ مشاكل إيه اللي توصل بيكم للطلاق وتخليكي مصممة بالطريقة دي على الطلاق
جففت دموعها وقالت متصنعة القوة :
_ مشاكل كتير يابابا صدقني أنا مش قادرة احكيها أنا كل اللي عايزاه إني ارتاح دلوقتي ، وعايزة اطلق منه
لم يقتنع وشعر بأن مهما كانت مشاكلهم فهي بالتأكيد لن تصل لحد الطلاق ، فقال وقد عادت نبرته للطف والحنو :
_ يابنتي إن أبغض الحلال عند الله الطلاق ، متتسرعيش وفكري واهدي الأول وبعدين خدي قرارك النهائي .. هو النهردا كلمني وقالي ياعمي أنا بحاول اكلمها واعتذرلها وهي رافضة تكلمني وقالي إنه جه البيت هنا قبل ما آجي ومخلتهوش يدخل يشوفك ، يعني أي كان اللي حصل بينكم شكله ندمان وعايز يصلح غلطه وحسن أنا مربيه وعارفه كويس
قالت بإصرار وغضب بسيط :
_ لا إنت متعرفهوش يابابا .. وأنا مش هتراجع خليه يطلقني بالذوق يا إما هرفع عليه قضية بجد ، خلاص مفيش مجال للعودة كل حاجة انتهت
هدأها وتمتم بعدم حيلة موافقًا على طلبها :
_ حاضر ياحبيبتي طالما إنتي عايزة كدا ومش مبسوطة معاه ، أنا أهم حاجة بنسبالي راحتك وسعادتك ، هكلمه بكرا واخليه ياجي يطلقك
اشاحت بنظرها عن والدها وهي تحاول منع دموعها من السقوط مرة أخرى ، فبعد كل ما فعلته لتحظى به ولكي تحظى ولو بجزء بسيط من قلبه وحبه فشلت ونجح هو في تحطيمها لأشلاء وأطفاء نفسها المضيئة بنور العشق والأمل !! …….
***
ترجلت شفق من السيارة أمام حفل الخطبة وانتظرته حتى ترجل هو أيضًا والتف ناحيتها ثم سار بجوارها ليجدها تعقد ذراعها بذراعها لينظر له متعجبًا فتقول هي متحججة بالحذاء :
_ خايفة أقع عشان الكعب
ابتسم مغلوبًا على أمره ثم أبعد نظره عنها وسارا معًا حتى دخلا فانحنى هو على أذنها وهتفت بصوت مرتفع قليلًا حتى تسمعه بسبب الموسيقة الصاخبة :
_ أنا هروح اقعد وإنتي روحي سلَّمي على صحبتك وتعالي جمبي متقعديش بعيد عني
فهمت سبب تضيقه عليها لهذه الدرجة ولم تختنق منه بل قابلت أهتمامه بها بحب وأماءت له بالموافقة .. ثم اندفعت بين الحشود لتهنأ صديقتها على خطبتها وتعانقها فقد اشتاقت لها كثيرًا بينما هو فذهب وجلس على أحد الطاولات الصغيرة وعيناه معلقة عليها لا يزيحهم عنها للحظة واحدة من فرط قلقه وبعد لحظات وجدها تقترب ناحيته وجلست بجواره هاتفة في أذنه باسمة :
_ بتسلم عليك
قال بعدم فهم :
_ مين ؟
عادت تهتف بعبث :
_ نهلة ياكرم صحبتي
_ آه الله يسلمها
صمتوا لبرهة وهم يتابعوا الجميع بسكون حتى وجدها تقترب بمقعدها منه بشدة وتقرب شفتيها من أذنه وتبدأ تتحدث معه في مواضيع مختلفة حول المدعوين في الخطبة أو الخطبة بشكل عام وأغلبها كانت كوميدية يستمع لها ويكتفي بالابتسامة التي تتحول في بعض الأحيان لضحكة بسيطة وتبادله هي إياها ، حتى وجدها تهتف بجدية :
_ أنا هروح الحمام
غمغم باعتراض بسيط وضجر :
_ وبعدين ياشفق اثبتي جمبي أنا قايلك من قبل ما ناجي مش هتتحركي من جمبي
تمتمت في نعومة :
_ متخفش مش هتأخر
ثم هبت واقفة وابتعدت عنه حتى توارت عن انظاره بين حشود المدعوين للحفل ليتأفف بنفاذ صبر وينتظرها إلى ما يقارب الخمس دقائق وهو ينظر لساعة يده كل دقيقة وبدأ خوفه يسري في أعضائه عندما تخطت السبع دقائق ولم يعد يتحمل حين وصلت لعشر دقائق ولم تعد ، فهب واقفًا واتجه نحو الحمام ووجد فتاة صغيرة لم تتخطى العشرة سنوات تخرج من الحمام فأوقفها وسألها عنها ووصف لها ملابسها وهيئتها وهل رأتها في الحمام قبل أن تخرج أم لا فكانت أجابتها بالنفى ، لتتسارع نبضات قلبه وبدأ عقله في إفراز هرمون الادرينالين فتحول لقطعة من النيران الملتهبة واندفع يبحث عنها في كل مكان من الممكن أن تكون به في إطار الحفل ولكن لا أثر لها وكأنها تبخرت في الهواء !! ………

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ضروب العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى