رواية ضروب العشق الفصل السابع 7 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق الجزء السابع
رواية ضروب العشق البارت السابع
رواية ضروب العشق الحلقة السابعة
تتخيل !! .. حتمًا هذا ينبع من خيالها المريض به ، هل طلبها للزواج للتو ؟! .. من سابع المستحيلات أن تخرج منه هذه الكلمات أو أنه يفكر في الزواج منها بكامل ارادته ، أتحلم أم ماذا !!؟ ، ليقرصها أحد لتتأكد بأنها في الواقع وليس حلمًا ! .
لم تكن هي وحدها المصدومة فكذلك أمه وأبيها الذي لجمت الدهشة السنتهم ، فساد الصمت بينهم للحظات وهم يحدقون به فاغرين فمهم بذهول ، حتى اخترق هو فقاعة الصمت المريب بينهم وغمغم متصنعًا الأسف والضيق :
_ أنا آسف ياعمي .. عارف إن كان لازم افاتحك إنت وعلاء الأول في الموضوع ده ، بس أنا محبتش اخد الخطوة دي غير وأنا متأكد من رأى يسر في الأول هي مقالتش موافقة بس ردها شجعني إني افاتحك
كانت هدى تتطلع لابنها بصدمة فهي تعرف أنه لا يحب ابنة عمه مطلقًا من أين جاء بعرض الزواج المفاجئ هذا دون أن يفاتحها هي أو من أشقائه في الأمر ، أما طاهر فاستجمع نفسه وعاد لطبيعته هاتفًا بجدية وريبة :
_ وإنت فجأة كدا طلبت في دماغك الجواز ؟!
أجابه نافيًا غي نبرة خشنة وصلبة :
_ لا طبعًا أنا ليا فترة بفكر في الموضوع ومخدتش خطوة غير لما اتأكدت إني هكون قدها ، وأنا عارف إني مش هلاقي أفضل من يسر زوجة ليا بعد إذن حضرتك أكيد
لازالت يسر على وضعها نظرها معلق عليه ، لا تستوعب ما يدخل من أذنها لعقلها الذي يرفض تصديق كل هذا الهراء ، ولا ترفع نظرها عنه فقط تحملق به كالصنم حين يضعوه أمام الشخص فتكون عيناه مباشرة على ما أمامه ، حتى أنها لم تسمع اسمها الذي نطق به أبيها إلا حين هزها بخفة في ذراعها لتنتفض وتنظر له هاتفة في تلعثم وتوتر غير واعية لما تقوله :
_ موافقة .. أقصد أيـ..وة حسـ..ن فاتحني من يومين في الموضوع وأنا قولتله يكلمك إنت وعلاء الأول ومدتهوش رد
نقل نظره بينهم ثم سألها في جدية :
_ يعني هو ده الموضوع اللي كنتي عاوزة تقوليلي عليه
قالت وقد زاد تلعثمها وارتباكها فقد كانت الكلمات تأتي لشفتيها وتخرج مبعثرة :
_ آااه .. قصدي لا حاجة تاني بس خلاص هبقى اقولك بعدين
حاول منع ابتسامته الماكرة من الانطلاق حيث اخفي وجهه وهو يحك ذقنه شبه النامية ، بينما هي فطلبت منهم الأذن واستقامت مسرعة نحو المطبخ لتشرب بعض الماء قبل أن تسقط مغشية عليها ، فيهتف طاهر مبتسمًا بحب وحنو :
_ وهو أنا هلاقي لبنتي مين احسن منك ، ده إنت ابن الغالي ياحسن .. بس اصبر كام يوم وهديك الرد النهائي بإذن الله
_ براحتك ياعمي أنا مش مستعجل
ثم انزل هاتفه تحت الطاولة وقام بتشغيل نغمة رنينه وهب واقفًا وهو يستأذن بعد أن وضع الهاتف على أذنه متصنعًا أنه يحادث أحد ، وانتظر حتى اندمج هو وأمه في الحديث وتسلل دون أن يشعروا به إلى المطبخ حيث هي وتحرك على اطراف أصابعه من حتى وقف خلفها مباشرة فالتفت هي بعفوية غير متوقعة وجوده فانتفضت واقفة وفتحت فمها على وشك إصدار صرخة من أثر فزعها ولكنه اسرع وكتم على فمها مشيرًا بسبابته على فمه بمعنى ” لا تصدري أي صوت ” فهدأت ضربات قلبها سريعًا وارتخى جسدها المنتصب بسبب الخضة لتجده يهمس مبتسمًا بلؤم ونظرة تحمل في طياتها الوعيد والانتقام :
_ مش كنتي بتعملي ده كله عشان رفضتك وعشان هتموتي وتتجوزيني واديني هتجوزك أهو ، ويوسفني إني أقولك إن إنتي اللي هتطلبي الطلاق مني بعد الجواز وهوريكي العذاب الوان وأشكال
تكره اقترابه منها الذي يضعف قوتها ويجعلها مسلوبة الإرادة ، هذا الحمق يعتقد بأنه انتصر عليها وهو لا يعلم أن الانتقام لكرامتها التي بعثرها لما يبدأ بعد ! ، يعتقد أن الزواج ستكون نتيجته في صالحه وسيخرج من حربه معها بانتصاره مفتخرًا ولكنه للأسف لا يدري أنه سيخرج بهزيمة نكراء وستسلبه هي كل شيء ، ففي كل مرة يسهين بها يندم .. والآن هي في أقصى درجات سعادتها فلقد اعطاها فرصة على طبق من ذهب ولن ترفضها ، و ستحقق كل أهدافها بفضل غبائه !! .
***
كانت تتحدث إليه في عنف وعصبية شديدة نتيجة لنقضه لاتفاقهم :
_ يعني إيه لغاية دلوقتي معملتش اللي متفقين عليه !! ، امال أنا مدياك فلوس ليه !
أجابها ضاحكًا بسخرية وهو يشاطرها انفعالها :
_ عشان تاخدي الواد اللي عينك عليه ياقطة واهو معاكي .. ثم إن إنتي اللي ضحكتي عليا ومقولتيش إن البت دي تبع كرم العمايري ومكان ما تروح بيكون معاها ولولا إني شوفته في المستشفى ولحقت نفسي قبل ما يشوفني كان زماني دلوقتي مع الأموات
_ وإيه يعني كرم إنت مالك بيه وتعرفه منين ؟!
غمغم في شراسة :
_ اعرفه عز المعرفة وهو لو عتر فيا هو واخواته مش هيخلوني عايش يوم زيادة
قطبت حاجبيها وهتفت بحيرة من أمره وسرعان ما تحولت لصدمة :
_ ليه إنت عملتلهم إيه ، لتكون إنت اللي … يانهار ابوك أسود !!
_ بقولك إيه يابت إنتي اطلعي من نفوخي أنا عملتلك اللي إنتي عاوزه والبت دي تبعي أنا وأنا اللي افكر هعمل فيها إيه وامتى وإزاي ، ولو كلمتيني تاني مش هيحصلك طيب وعارفة لو جبتي سيرة لكرم عليا مش هتردد لحظة في إني اخلي نهايتك زي نهايتها وإنتي فهماني أنا قصدي على مين !
اغلقت الخط فورًا في وجهه وهي تنتفض من الخوف وقد فضلت الابتعاد عن هذا الرجل المريب تمامًا ، فهو الآن ليس في حاجة لتوصية فيبدو أنه ينوي بتلك ” الشفق ” الحمقاء الشر وستشفي هي غليلها منها بلا ادني تعب وسيقوم هو بكل شيء !! …
***
..شهر !! .. تركض الأيام كسيارات سباق وتمر حتى دون أن يشعروا بها ، والمواعيد تقترب ومنهم من يخشي من هذه السرعة التي تمر بها الأيام ويتوسل الأيام أن تتمهل قليلًا خشية من أن يجد نفسه أمام المحتوم والذي لا مفر منه ، ومنهم من يتوسلها لتسرع أكثر فلقد طال انتظاره وهو يتحرق شوقًا لينل ما تطوق نفسه له من شهر أو سنوات ، والبعض الآخر تمر عليه الأيام كسابقيها لا تختلف كثيرًا ، وروتينها لم يتغير فقط يستيقظ وينام على نفس أحواله المملة والتي تقتله بالبطيء !!! .
فقد واجه حسن الاستنكار والاستهجان من جميع أخوته بعدما عرفوا برغبته في الزواج من ابنة عمه ، ليس حقدًا ونقمًا عليها ولكن سخرية من أنه فكر بالزواج ومن أكثر امرأة لا يطيقها !! ، وحاولت هدى محاولات فاشلة أن تجعله يتراجع ولكن بلا فائدة وقد حَصَلَ هو على الموافقة من عمه وتجهزوا جميعًا لحفل الزفاف ، وكان بينهم من يحسب الأيام بالساعات والدقائق من فرط تشوقه لقدوم هذا اليوم وبالطبع هي غنية من التعريف ، تتجهز لزواجها وسعيدة كأنها عروس حظيت بالزواج من الرجل الذي سقط في عشقها من الوهلة الأولى وليس مجرد زواج سيكون تحقيق لرغباته الشيطانية والانتقامية منها وحرب ستخوضها هي معه لتنتصر في النهاية وترفع شعارها على قلبه .
أما زين فلقد اتفقوا مؤخرًا أن يكون عقد قرآنهم في نفس ليلة زواج أخيه بعد أن وافق الجميع وحتى ملاذ ! ، فخطبتهم دامت لشهر وكان هو كل يومين يحادثها بالرسائل كالعادة يطمئن عليها ، وفكرت هي في البداية ألف مرة في إنهاء هذه الخطبة ولكن هناك قوى خفية تمنعها لا تعرف ماهي ، وداهمها شعور يخبرها بأن ربما هذه العلاقة تنجح أن اعطتها الفرصة كما اخبرتها صظيقتها ، وقررت أن تمنح نفسها فرصة ثانية لتنعم بالعشق مجددًا فلقد أحست في قرارة نفسها أنها ربما تقع في عشقه إن تزوجته ، حتى وإن كانت حتى الآن لا يوجد أي مشاعر تجاهه ، فهي متأكدة بأن هذه المشاعر ستوجد مع الوقت ، وما عليها سوى أن تدعه يعشقها وأن تثق برجل مجددًا وتتركه يستحوذ على مفاتيح قلبها حتى يفتحه حيثما شاء !! .
كرم لا يزال حتى الآن يتردد عليهم يوميًا ، ويشفق على تلك المسكينة التي وضعها النفسي يزداد سوءًا كلما ترى وضع والدتها الذي لا يتحسن وفقط يسوء أكثر مع الوقت ! ، وكان يطلب من شقيقته أن تأخذها ويخرجوا للتسوق أو التنزه مع بعضهم لعلها تخرج من حالتها المزاجية الكئيبة ، وكانت” رفيف ” من أشد المرحبين بهذه الفكرة فهي أحبت ” شفق ” كثيرًا وأحستها كأخت لها خصوصًا مع تقارب سنهم الذي لا يتخطي السنة ، وفي ذلك الشهر تقاربت علاقتهم كثيرًا واصبحوا أصدقاء ، والمتضرر الأكبر من كل هذا كانت شفق ! ، ومعاناتها تزداد يوم بعد يوم والنقطة الصغيرة في قلبها تجاه ذلك ” الكرم ” تنمو كل يوم أكثر من سابقه ، تخشي أن يستحوذها بالكامل ولا يكون لها ضوءًا حتى للخروج فيتم الحكم عليها بالسجن الأبدي في ظلام عشقه المستحيل ، وتكون قد أثبتت لنفسها وللجميع أن قلبها لا يختار من العشق إلا أصعبه !!! ….
أنه معاده كل يوم والباب يدق في الوقت المحدد كما اعتادت عليه منذ ما يقارب الشهرين ، فوضعت حجابها على شعرها ولفته بانتظام ثم خرجت وفتحت فقطبت حاجبيها باستغراب وهي ترى ” رفيف ” تقف أمامها وترتدي رداء يناسب السهرات والحفلات المسائية ، كانت رائعة وفائقة الجمال به .
_ رفيف !!
دخلت رفيف واغلقت الباب وهي تقول بعجلة من أمرها :
_ يلا يلا ادخلي البسي عشان هتاجي معايا وهتحضري فرح حسن وكتب كتاب زين وخلاص كتب الكتاب بعد العشاء يعني يدوب تلحقي تلبسي وده مش اختياري في أوامر صدرت بكدا !
قالت آخر كلماتها غامزة بلؤم ، فزداد تعجبها وقد اصابتها الدهشة من دخولها عليها المفاجئ وهي تطلب منها حضور عرس اخويها
، لا لم يكن طلب بل أمر كما قالت ، حيث تشدقت بعدم فهم :
_ أوامر إيه دي ؟!
قالت رفيف باسمة بنظرات ماكرة :
_ كرم هو اللي جابني وقالي اطلع اقولك تلبسي عشان تاجي معانا ومستنينا تحت بالعربية يلا بقى
تجمدت الدماء في عروقها وتسارعت انفاسها تلقائيًا ، حين قالت بأنه هو الذي يرغب في حضورها ، ولكنها لملمت أشلاءها التي بعثرت بمجرد نطق اسمه أمامها وهتفت متلعثمة في توتر :
_ لا فرح إيه يارفيف أنا معملتش حسابي ، ثم إني مقلعتش الأسود لغاية دلوقتي على سيف الله يرحمه
_ ياستي وهو حد قالك اقلعيه ولا اتزيني وحطي مكياج والبسي فستان ، تعالي بهدومك السودا احنا عايزينك تحضري معانا عشان تفكي شوية وتفرفشي
تنفست الصعداء بعدم حيلة ثم اتجهت نحو غرفة والدتها لتأخذ الأذن منها وترى رأيها هل توافق أم لا ، فتجدها تبتسم لها باتساع وتومىء لها برأسها بالموافقة ثم تشير إلي ملابسها السوداء بمعنى أن تبدلها بملابس تناسب سنها ، فرفضت هي في البداية ولكن حين شعرت بانزعاج أمها فانصاعت لأوامرها وذهبت لتستعد وتلبس شيء مناسب ، أما رفيف فقد جالست المرأة المريضة وأخذت تتحدث معها عبر كتباتها التي تكتبها على الورقة فلم تستعد صوتها حتى الآن . كتبت لها على ملاحظة صغيرة عبارة ” كرم ليه مطلعش معاكي ” أجابتها رفيف مبتسمة في حنو :
_ هو قالي إنه هيطلعلك بعد الفرح لما يجيب شفق البيت
ابتسمت ودونت على الورقة كالآتي ” تعرفي هو اللي مصبرني على اللي أنا فيه ، واللي مخليني كويسة إنه بيجيني كل يوم يطمن عليا ، بمجرد ما اشوفه بحس إن سيف قدامي وهو اللي مصبرني على فراقه ”
قرأت ما دونته وادمعت عيناها بتأثر و وشفقة على هذه المرأة التي شقيت ألم فراق وحيدها وعزيز قلبها وقلبها ينزف الدماء كل يوم على فراقه وتحاول إيجاده في أخيها وتلهم نفسها الصبر بتخيله مكان عزيزها ، فاقتربت وطبعت قبلة على جبهتها مغمغمة في نبرة تغلبها البكاء :
_ وكرم والله بيحبك جدًا وبيعتبرك أمه التانية ومش بيقدر يتأخر عليكي يوم واحد من غير ما يجيلك
حضنت كفها بين ثنايا كفها ورتبت عليه بحنو ثم عادت تكتب من جديد بابتسامة متسعة ومشرقة ” مبروك لحسن وزين ، عقبالك ” هتفت رفيف وهي تبادلها نفس فسمات وجهها المشرقة :
_ آمين أنا وشفق يارب
ارتدت رداء بسيط من الألوان الغامقة ولفت حجابها ببساطة أيضًا فوق شعرها دون أن تضع أي مساحيق جمال ، ثم توجهت نحو نافذتها ونظرت منها فتجده يقف مستندًا على السيارة وينظر لساعة يده متفقدًا الوقت ثم رفع نظره للأعلى فتراجعت هي للخلف فورًا بفزع وامسكت بهاتفها تجري اتصال بجارتهم المقربة التي تقارب أمها في السن تطلب منها أن ترافق والدتها قليلًا حتى تعود من الزفاف ففعلت هي على الفور وبعد دقائق أتت لهم ، فودعت شفق أمها وذهبت بصحبة رفيف وصعدت بالمقعد الخلفي في السيارة بينما استقلت الأخت بجانب أخيها في الأمام !! …
***
ردهة طويلة والبساط الأحمر على الأرض من بداية الردهة لنهايتها ، وكانوا قد تأخروا على عقد القرآن والجميع ينتظرهم حتى يبدأو فسبقها كرم ورفيف للداخل التي كانت تتلفت برأسها لها طالبة منها الإسراع وبقيت هي تسير بهدوء وتتلفت حولها تحدق في هذه الردهة الفخمة والملوكية ، إن كانت هذه الردهة فما حال الباقي .. لحقت بهم ثم وقفت بعيدًا تشاهد مراسم عقد القرآن لكل من حسن وزين والذي ما إن انتهى ارتفعت نبرة المأذون وهو يقول ” بارك الله لكم وبارك عليكم وجميع بينكم في خير ” فانطلقت التهئنات من الجميع ، وكانت هي تتابع ما يحدث بابتسامة بسيطة حتى وجدت رفيف تسحبها معها وجلسوا جميعهم على طاولة واحدة .
وضع حسن كلتا يديه حول خصرها وهي بدورها لفت ذراعيها حول عنقه يرقصون على الحان اغنية قامت رفيف باختيارها وتطالعه يسر بابتسامة متسعة بها شيء من الثقة ليتلفت هو حوله ثم يقترب من أذنها ويهمس ساخرًا :
_ افرحي واضحكي براحتك عشان لما نخلص من الفرح المستفز ده ونروح البيت معتقدش إني هشوف الابتسامة دي على وشك تاني
لم تؤثر بها كلماته التهديدية والشرانية بل بالعكس زادتها حماس وزادت ابتسامتها اتساعًا وهي تجيبه بدورها في أذنه هامسة بثقة تامة :
_ متقدرش تعمل حاجة ، وأنا بقول منستعجلش ونشوف النتيجة هتكون في صالح مين في النهاية
رأت عيناه التي تحولت إلى جمرة نيران وقسمات وجهه الملتهبة وحمراء كالدم وهو يصر على أسنانه فتوقعت ما يدور في ذهنه وما يود فعله بها بهذه اللحظة لتعود وتهمس مجددًا في أذنه ببرود أثار براكينه التي على وشك الانفجار :
_ ابتسم يابيبي عشان الناس مينفعش كدا !!
شعرت بقبضته على خصرها تشتد ويضغط عليها بعنف لتشتد عضلات جسدها وتصدر شهقة خافتة متألمة ، ثم يقترب هو ويهتف متوعدًا لها بنظرة مخيفة :
_ وحياة أمي يا يسر لاوريكي اللي ميقدرش يعمل حاجة ده بس نوصل البيت
***
الآن الخطر أشد بعد إن أصبحت زوجته ، تحاول توقع فعله إن عرف بمخططها الدنىء للزواج منه الذي لا يحقق سوى مصالحها الشخصية الأنانية ، كيف ياترى سيتقبل الأمر هل سيسامحها ويتغاطي عن الأمر أم أنه هو الذي سينهي كل شيء بينهم ويطلقها .. ولكنها تقسم له ألف مرة أنها حاولت مرارًا وتكرارًا أن تبتعد ولا تعرف ما الذي يمنعها من محادثته إلى أن انتهى بها المطاف زوجة له ، عليها واجبات ولها حقوق ومن أول واجباتها الأخلاص له ، ولكن كيف وهي حتى الآن لم تتخلص وتتمكن من نزع ذلك العشق المدنس من قلبها . أما هو فكان في ذروة سعادته يشعر بقلبه يتراقص فرحًا فهي لا تدري ما مدى الفوضى التي صنعتها بداخله منذ أول لقاء بينهم وفي شهر واحد بعثرته أكثر واسقطته في وحل عميق والآن فقط أعادت ترتيب قلبه الفوضوي حين باتت زوجة له ، وهذا يعني لا حدود في المعاملة ، لا حذر ، لا خوف من ارتكاب ذنوب ، لا حرج في معانقتها وامطارها بوابل من كلمات العشق وستكون حلاله في كل شيء ، ولكن للأسف فمازالت حتى الآن بعض الحدود قائمة إلى حين زفافهم ودخولها منزله وهنا تنقشع كل الحواجز وتزول جميع الحدود ! .
لاحظ شرودها لدرجة أنها لم تلاحظ توقف السيارة ووصولهم فهتف متساءلًا برفق :
_ ملاذ إنتي كويسة ؟!
انتفضت على أثر صوته والتفتت له فورًا راسمة ابتسامة رقيقة على شفتيها ليكمل هو ببساطة :
_ يلا وصلنا انزلي
اماءت لها بالإيجاب وفتحت الباب ثم ترجلت ورفعت نظرها لأعلى تتطلع لمبنى الشركة الضخم ثم التفتت له برأسها مغمغمة في استغراب :
_ إنت ليه جايبني الشركة
احتضن كفها الرقيق بين كفه هاتفًا في مشاكسة جميلة :
_ قولتلك مفاجأة .. يلا
قاومت الشعور الغريب الذي راودها بمجرد لمسته ليدها وسارت معه ناحية الباب بدون أن تلفظ ببنت شفة ، فرأت ابتسامة الحراس على الباب الرئيسي بمجرد رؤيته وسارعوا في فتح الباب لهم وقادت هي خطواتها معه للداخل ثم استقلوا بالمصعد الكهربائي ووصلوا للطابق الأخير ومازالت مستمرة في السير معه وهي تتلفت حولها في خوف من الظلام الذي يعم أركان الشركة بأكملها ولا تستطيع حتى رؤية كل شيء بوضوح فغمغمت في نظرات مرتعدة :
_ زين المكان ضلمة أوي أنا بخاف من الضلمة .. إنت جايبني هنا ليه ؟
ترك كفها ولف ذراعه حول كتفيها ضامًا إياها لصدره ، كنوع من بث الإطمئنان لنفسها الخائفة وإخبارها من خلاله أنه معها ، فلعنت نفسها بأنها تفوهت بهذه الكلمات ووضعت نفسها في هذا الوضع المحرج وأكملت السير معه بصمت حتى توقفوا أمام باب إحدى الغرف وابتعد هو عنها ثم أخرج المفاتيح الخاصة به من جيبه ووضع المفتاح المخصص لهذا الباب ثم لفه عدة مرات وبعدها انفتح ودخل هو أولًا ثم هي خلفه فتلفتت حولها تحاول رؤية أي شيء ولكن الظلام كان أشدة من أن يساعدها على الرؤية ، وحين لم تشعر به بجوارها تلفتت حولها بارتعاد حتى سكنت روحها المرتعدة لما انفتح الضوء وتجولت بنظرها في أرجاء الغرفة التي هي عبارة عن مكتبة صغيرة جميع حوائطها ممتلئة بالكتب ، فتحركت هي نحو أحدهم تتلمسها بابتسامة منذهلة ثم استدارت حول نفسها تحدق في كل هذه الكتب بانبهار ، ولكن صوته الدافىء من خلفها جعلها تلتفت له فورًا وتستمع لما يقوله وابتسامتها لا تزال على شفتيها :
_ أنا عرفت من إسلام إنك من عشاق القراءة والكتب فقولت أجيبك تشوفي ده وتعرفي إنك مش لوحدك اللي مجنونة كتب ، والأوضة اللي في بيتنا اللي قولتلك محدش يفتحها لما تروحوا هناك إنتي ومامتك وأهلك دي ناوي أعملها زي دي بس نخلص من الحجات الأهم الأول وبعدين إنتي تعمليها على ذوقك وتختاري الوانها والخشب وكل حاجة
فغرت شفتيها وعيناها بصدمة ، ورمشت عدة مرات بعدم تصديق ثم خرج صوتها المنذهل فورأى عيناها التي تضحك بدلًا عن شفتيها :
_ بتتكلم جد هتبقى عندنا اوضة في البيت زي دي ؟
كان صمته وابتسامته إجابة توكد لها سؤالها فوضعت كفها على فمها تكتم ضحكتها التي انطلقت من فرط سعادتها بما أخبرها به للتو ، وبعد ثواني تهتف من بين ضحكاتها بعفوية لما تتحدث بها معه من قبل :
_ إنت كدا هتلاقيني معتكفة في الأوضة دي اليوم كله !!
أجابها مشاكسًا بنظرة اربكتها كثيرًا :
_ هعتكف معاكي !
تلاشت ابتسامتها تدريجيًا من نظرته وحاولت الفرار منه عن طريق تجولها في جميع أركان الغرفة تتفحص كل الأرفف ، المقسمة بانتظام إلى قسم يحوي كتب الدين والسيرة النبوية وإلى قسم الفلسفة وعلم النفس وإلى قسم العلوم البيئية المختلفة وغيره كثيرًا من الأقسام ، ولكنها توقفت حين رأت القسم الذي يضم كتب باللغة الإنجليزية فالتفتت له برأسها وقالت باسمة :
_ وبتقرى English كمان !!
ضحك بخفة وأردف بخفوت يسرد لها قصة هذه الغرفة :
_ مكنتش بحب آجي الشركة هنا أبدًا كان عندي حاولي عشرين سنة وأنا من صغرى بحب الكتب فبابا الله يرحمه عشان يحببني في الشغل وإني آجي هنا عملي المكتبة دي ومن وقتها وأنا مبقتش اتأخر على الشركة يوم واحد ولغاية دلوقتي بخلص الشغل في المكتب وباجي أقعد هنا وأحيانًا برجع البيت بعد الفجر بكون ماخد الليل كله هنا ولما بيأذن الفجر بروح اصلي في الجامع وبعدين برجع البيت ، ومش عايز أصدمك وأقولك إني قريت الكتب دي كلها أكتر من تلات مرات يعني حافظها
اتسع بؤبؤ عيناها بذهول ولكنها ابتسمت بإعجاب وتوجهت نحو الأريكة الصغيرة وجلست عليها هاتفة بتساءل وجدية :
_ طيب والوقت اللي كنت بتقضية في قراية الكتب دي مكنش بيخليك تقصر في فروضك ولا حق ربنا عليك بما إني أعرف إنك ماشاء الله عليك ملتزم في كل حاجة
أصدر تنهيدة حارة ثم اقترب وجلس بجوارها مجيبًا بهدوء :
_ لا بالعكس أنا كنت بفضل الوقت اللي باخده هنا وأغلب الساعات اللي بقعدها هنا مش بكون بقرأ الكتب لا بستغل الوقت لإن زي ما قولتي إنا مش بحب أقصر في حق ربنا عليا وكنت دايمًا بقرأ القرآن أو بسبح وبقول أذكار يعني أغلب الوقت اللي بقضيه هنا بيكون للعبادة وفي نفس الوقت بخصص وقت محدد للكتب بس عشر سنين كتار أوي وكافيين جدًا إنهم يخلوني أحلص ده كله وأعيد قرايته من أول وجديد حتى لو مكنتش بستغل كل وقت فراغي في القراية ، كل ما في الموضوع إني برتاح في القعدة هنا جدًا
ذلك الرجل كلما تتحدث معه تنكشف شيء في شخصيته يجعلها تتمسك به ويثبت العكس لعقلها الذي يصرخ بها باستمرار أنها أخطأت حين سمحت لهذه العلاقة بالاستمرار ، وفي كل مرة يعلو شأنه لديها ويكبر في نظرها أكثر وهذه المشاعر لا تزعجها بل بالعكس تسعدها لأنها تعطيها الأمل في ما توده وهو أن يحل عشقه هو محل العشق الذي بات يخنقها ولا تتحمله نفسها .
عادت لواقعها واستندت بذراعها على حافة الأريكة المرتفعة وكفها مكانه على وجنتها قائلة وهي متشبعة بحرارة الحديث معه محاولة التصرف بطبيعية وإقناع عقلها وقلبها بأنها تحبه !! :
_ وطبعًا مش محتاجة تفكير إن اكتر رف محبب لقلبك هو رف كتب الدين والسيرة
ضحك لطريقتها الجديدة في التحدث وتشدق مؤكدًا ما قالته :
_ أكيد أهو ده بقى بذات أنا حافظه زي اسمي بظبط من كتر ما قريته كذا مرة
عم الصمت بينهم للحظات وهي تعود وتعلق نظرها على الكتب لتسمع صوته المترقب والرخيم يقول :
_ منتظمة في الصلاة ياملاذ؟
استقر نظرها عليه ولكن سرعان ما اجفلته وقالت بضيق وحياء :
_ مش أوي أحيانًا بقطع وحاولت كذا مرة انتظم بس باخد فترة زي شهرين أو أكتر وبرجع أقطع تاني ومش عارفة أعمل إيه ؟!
أخذت نفسًا عميقًا ثم أخرجه زفيرًا متمهلًا وهتف برفق به شيء من الحزم :
_ غالبًا ده بيبقى بسبب إن إنتي متعودتيش على الصلاة من صغرك فبتلاقي صعوبة في الالتزام لكن أكتر حاجة تخلي قلبك يجري على الصلاة جرى إن الله سبحانه وتعالى بينادي عليكي ويقولك يلا تعالي ، حي على الصلاة يعني يلا جري على الصلاة ، الفلاح اللي هو فلاح الدنيا والآخرة ، ووقت ما تسمعي حي على الفلاح دي تجري على الصلاة فهل يصح أو يحق أو يجوز إن الله عز وجل بينادي عليكي ومتروحلوش ، وعايزة تعرفي تعملي إيه تسيبي اللي في إيدك أول ما تسمعي الآذان وتقومي فورًا تتوضى وتصلي ، سواء إي كانت الحاجة اللي بتعمليها مش هتكون أهم من لقاء ربنا والصلاة ومتقوليش لا خمس دقايق هخلص اللي بعمله واروح اصلى ، لا في لحظتها علطول ، فمينفعش إن ربنا سبحانه وتعالى يكون بينادي علينا واحنا ننشغل عنه بأي عرض من أعراض الدنيا ، دي دنيا يعني زايلة وحاجة ملناش دعوة بيها ، فحي على الصلاة دي يعني يلا على فلاح قلبك يلا على صلاحك يلا على الرزق وعلى الخير والبركة والهداية ، وعشان لما تطلبي حاجة من ربك يعطيهالك فمينفعش تكوني إنتي مش بتصلي وتقولي اعطيني يارب واديني ومعرفش إيه ، ده من عظم ومكانة الصلاة إنها مفرضتش في الأرض لا ده سيدنا جبريل طلع بالرسول صلى عليه وسلم فوق وفرضت فوق لقدسية وعلو مكانة الصلاة ، فإنتي خلي ضميرك يأنبك دايمًا وافتكري الكلام ده وأنا هعينك واشجعك متقلقيش ، أنا معنديش تهاون في النقطة دي بذات يعني لما نكون في البيت والآذان يأذن وأقولك يلا قومي عشان نصلي فورًا تقومي ومتقوليش إيدي مش فاضية
كانت تستمع لحديثه وهي تعاني في تفاصيله وتحملق به بشرود ، كيف له أن يكون بكل هذا الحسن واللطف ، ماذا فعلت هي ليرزقها الله بزوج مثله حتى وإن كانت لا تحبه .. ولكنها الآن فقط أدركت هذا ” الزين ” لا يمكن أن يُرفض وستكون أحمق النساء إن ضيعته من بين يديها ، وستحاول جاهدة أن تحبه وهي متأكة بأنها لن تعاني كثيرًا في محاولات عشقه فبالفعل هي بدأت تعجب بشخصيته الفريدة ! .
همست في صوت رقيق ونظرة ممتنة لاهتمامه ولكل نصائحه التي ستعمل بها بالتأكيد :
_ حاضر متقلقش مش هقولك كدا ، واوعدك إن شاء الله هنتظم وهعمل زي ما قولتلي بظبط
أرسل لها ابتسامة محبة ونظرة غرامية ثم التهم المسافة التي بينهم في الأريكة حتى أصبح ملاصقًا لها واقترب منها طابعًا قبلة ناعمة على وجنتها مغمغمًا في عاطفة :
_ ربنا يهديكي ياحبيبتي ويجعلك من مُقيمي الصلاة
تجمد جسدها وانكمشت عضلاته هو ووجهها ، وسرت رعشة في جميع أنحاء جسدها أثر ملامسة شفتيه لبشرتها ولحيته الكثيفة كان لها دور بالتأكيد فيما أصابها الآن ، ثم رأته يبتعد سنتي مترات لا تحسب ويثبت نظره على شفتيها المزينة بأحمر شفاه فابتلعت ريقها بصعوبة وتوتر حين توقعت ما سيفعله ، وشعرت بانحباس انفاسها في صدرها وجفاف حلقها ، ولم تهدأ فوضتها إلا عندما رأت عيناه تنطلق منها نظرات صارمة ويهمس في حدة محاولًا تزينها بابتسامة متصنعة :
_ وحاجة تاني كمان معنديش تهاون فيها المكياج .. الروج ده في بيتك ولجوزك بس أنا محبتش اتكلم لما شوفتك بيه في الفرح وسكت عشان أول مرة بس مش عاوز اشوفه تاني ، اولًا حرام ولما اسمحلك تطلعي بيه عشان اللي رايح واللي جاي يبص على شفايفك ابقى مش راجل ثانيًا أنا بغير جدًا وغيرتي وحشة وبغير على أهل بيتي وحتى رفيف ممنوع عليها منعًا باتًا إنها تحط مكياج
ثم أخرج منديلًا من جيبه وتولى مهمة إزالته عن شفتيها برفق وهو يكمل بنبرة أقل حدة :
_ جيبي كل أشكال وألوان المكياج اللي تحبيها بس تحطيها ليا أنا بس وفي بيتك ، ومفيش مانع لو حطيتي حاجة بسيطة في الفرح بما إنه هيكون منفصل والرجالة وحدهم والستات وحدهم ، وبعدين إنتي حلوة وحدك ياحبيبتي مش محتاجة تحطي الحجات دي عشان تحلوي اكتر !
خافت قليلًا من نبرته ونظرته العجيبة وتأكدت بأنه لا يكذب حين قال إن غيرته سيئة فمن الواضح أنه يشتعل من الغيرة ويحاول تمالك أعصابه أمامها ، سحبت من يده المنديل بهدوء وأكملت مسحه هي دون أن تجيبه فقط تخطف إليه نظرات مرتعدة بعد أن أتضح لها أنه لديه غضب مدمر وهي بالطبع لا تريد رؤيته في يوم من الأيام على الأقل إلى حين تتمكن من حبه ، كان يتابعها بصمت حتى انتهت والقت المنديل في صندوق القمامة الصغير بجانب الأريكة ونظرت لها متمتمة في توتر واضح :
_ يلا نرجع الفرح عشان منتأخرش عليهم
أماء لها بالموافقة ثم هب واقفًا وسبقته هي للخارج فأغلق الضوء وقفل الباب بالمفتاح ثم لحق بها ، واقترب من رأسها طابعًا قبلة حانية عليها وكأنه يعتذر بطريقة غير مباشرة عن طريقته الحادة واللاإرادية معها منذ قليل ولف ذراعه حول خصرها يسيران معًا في الطريق المؤدي للباب الرئيسي ، فلم ترفع هي نظرها له بتاتًا ووانشغلت بعقلها الذي يهتف ساخرًا بشيء من الانفعال ” أرأيتِ أخبرتكِ أنه لا يصلح لك فإنتِ لا تحبين السيطرة ويبدو أنه ذو ميول تسلطية ! ، كيف ستتحملي تحكماته التسلطية هذه ؟!! ” ولكنها رفضت هذه الأفكار بعنف وأبت الاستماع لكلمات عقلها المريض الذي يحاول تخريب كل شيء جميل ، وحين افاقت وجدت نفسها أمام السيارة ويفتح لها الباب فاستقلت بها ثم التف هو وأخذ مكانه المخصص للقيادة بجوارها !! …..
***
اقترب الحفل من نهايته وقد قاربت الساعة على الحادية عشر …
لم تتحرك من على الطاولة بجوار هدى وكانت عيناها معلقة عليه تتابعه وهو يقف مع رجل خمسيني ويتحدث معه بجدية تامة وملامح وجهه حازمة بشدة ولكن لا يهمها كل هذا ، هي مكتفية بالنظر إليه فقط وتأمله .. كم يبدو اليوم جذابًا وكله وقار وشموخ بملابسه التي تزيده فخامة .. حيث كان يرتدي بنطال من اللون الأسود يعلوه قميص أبيض اللون وفوقهم سترته الجليدية الطويلة من إحدى درجات اللون البني ( الكافيه ) ، ويضعها على كتفيه دون أن يغلغل ذراعيه داخل الأذرع الخاصة بالسترة مما أعطته لمسة رجولية مذهلة ، كان عقلها يصرخ بها محاولًا إيقاظها من أحلامها الوهمية التي لا صحة لها في الواقع ولن تجلب لها سوى المتاعب ، هذا الرجل هو آخر رجل في الكون قد يكون من نصيبها أو أن تحظى بعشقه لها ، لهذا يجب عليها التوقف عن عشقه قبل أن تكون سببًا في دمار نفسيًا لها !! .
حاولت إزاحة نظرها عنه ولكنها لا تستطيع وفجأة وجدته يلتفت برأسه ناحية طاولتهم بحركة عفوية منه فوقعت عيناه على التي تتأمله بهيام ، لتشهق هي بزعر وتشيح بوجهها بعيدًا مغمغمة لنفسها في اغتياظ منها :
_ شافني .. شافني ، غبية .. أنا غبية !!
أخذت تخطف إليه نظرات خلسة تتأكد هل ما زال ينظر ناحيتها أم لا فوجدته عاد يكمل حديثه مع هذا الرجل لتتنفس بارتياح وهي تقسم بأنها لن تنظر له مجددًا أبدًا إلى حين رحيلها الذي لابد أن يكون الآن قبل أن تقع في موقف أكثر إحراجًا ، انضمت لها رفيف وهي تهتف باسمة :
_ هاا إيه رأيك أنا اعتقد إنك فكيتي شوية
نظرت لها وتمتمت برقة :
_ آهاا فعلًا طلعت شوية من الطاقة السلبية اللي جوايا ، ميرسى يارفيف جدًا إنك فكرتي فيا وجبتيني
نقلت رفيف نظرها لأخيها وهتفت في صوت منخفض بأذنها به شيء من الخبث ويحمل تلميحات فهمتها جيدًا :
_ بس دي مش فكرتي !! ، يعني الشخص اللي المفروض تشكريه مش أنا !
نظرت بدورها إلى مكان استقرار نظراتها ثم عادت لها وقالت بإحراج امتزج بخنقها البسيط :
_ ممكن تبطلي تلمحياتك دي عشان أنا فهماكي ، كرم زي سيف الله يرحمه بالنسبالي يعني اخويا
رفعت حاجبها باستنكار على كذبها الساذج وأصدرت ضحكة مرتفعة ثم عادت تهمس في أذنها بنبرة أكثر لؤمًا :
_ لا والله وهو أخوكي برضوا هتفضلي تتأملي فيه ومتشليش عينك من عليه ، إنتي مفضوحة أوي على فكرة !
ضمت عيناها بتوتر واضطراب وفورًا تخلت عن محاولاتها الفاشلة لإقناعها بأنها ليست معجبة به وقالت بعفوية واضطراب :
_ بجد !! ، يعني ممكن يكون لاحظ أو حس ؟!
قالت مندهشة وهي تضحك بتلقائية :
_ كرم مين ده اللي يلاحظ !! ، عارفة لو كان حسن أو زين كنت أقولك كانوا زمانهم كشفوكي مش زمان عشان دول مش ساهلين لكن كرم ده خايب اراهنك إن كان شك للحظة أصلًا ، انتي احمدي ربك إنه بيتكلم معاكي طبيعي من غير ما يتوتر دي معجزة في حد ذاتها .. بس تعرفي أنا عذراكي إنتي عندك حق هو اخويا يتحب فعلًا
رمقتها شزرًا باغتياظ وغمغمت محاولة إخفاء خجلها :
_ أنا عايزة امشي الوقت اتأخر !
_ حاضر هروح اندهولك
قالتها بمشاكسة وهي تهم بالقيام ولكنها قبضت على ذراعها هاتفة بصرامة :
_ لا متروحيش مش عاوزاه يوصلني أنا همشي وحدي
تركت رفيف مزاحها جانبًا وأجابتها بقوة جادة :
_ أولًا مش هيرضى يسيبك تمشي وحدك ، ثانيًا الساعة 11 يعني الوقت متأخر
هل لا تهتم بكل هذا فقط لا تريد أن تكون معه فقربها منه يبعثرها ويشتت ذهنها ويزيد من ترسيخه في قلبها ، وهي ترفض شعور استسلامها له على الرغم ما أنها تعرف أن هذا العشق لن يجدي بنفع عليها ، ولكنها تركتها تذهب لتخبره واستقامت فورًا تتسلل إلى الخارج دون أن يروها محاولة الهرب منه وأن تستقل بأي سيارة أجرة قبل أن يأتي خلفها ، ولكنها تسمرت واقفة في نصف الردهة الطويلة والحمراء المؤدية للشارع الرئيسي حين سمعت صوته المرتفع نسيبًا ينده عليها :
_ شـــفــــــق !!!
فتأففت بيأس وأخذت نفسًا عميقًا لتحبسه لثانية في صدرها وتخرجه زفيرًا متمهلًا ، وتجاهد في لملمة قلبها الذي تبعثر بمجرد سماعها لصوته ، وأخيرًا التفتت له مغلوبة على أمرها لتجده أمامها مباشرة ويردف متساءلًا :
_ رايحة فين ؟
رسمت ابتسامة مزيفة وخلفها كانت تخفي قناع هزيمتها للمرة الألف في الفرار منه ، فيخرج صوتها رقيقًا كهيئتها الضئيلة والصغيرة :
_ مش رايحة مكان كنت هستناك عند العربية لغاية ما تاجي
_ اممم طيب يلا
سارت معه نحو السيارة الخاصة به واستقلت بالمقعد الأمامي بجواره واستقل هو بمقعده ثم انطلق بها يشق الطرقات ، وهي تتابع الطريق بسكون تام مستندة برأسها على زجاج السيارة ، اتاها صوته الهادئ يسألها باهتمام :
_ شوفتيه تاني أو كلمك ؟!
تمتمت بنفي وهي لا تزال على نفس وضعيتها :
_ تؤتؤ .. من ساعة الحادثة ومشفتهوش تاني والمفروض إني اطمن وافرح بس قلقانة اكتر
ثم اعتدلت في جلستها وطالعته مغمغمة في ثبات وحرارة :
_ فاكر صحبتي اللي كانت معايا في المستشفى
_ آه فاكرها ليه ؟!
قالت بتوجس وقلق :
_ إنت أكيد عرفت طبعًا إنه كان مستنينا في الشارع لغاية ما نطلع ، فهي شافتك لما وصلت وقالتلي إنه أول ما شافك كأنه شاف عفريت واتنفض واستخبي بسرعة قبل ما تشوفه وبتقولي إنه خوفه كان غريب
كان مركز نظره على الطريق وقد كان قلقها بالنسبة له مبالغ فيه قليلًا ولا داعي لكل هذا الخوف حيث أجابها مبتسمًا في عدم اقتناع :
_ طبيعي ياشفق يخاف ماهو عارف أكيد أنا مين وإني دايمًا معاكي وإني بحاول اوصله
تأففت بضجر من تصرفه على أنها طفلة وتخشي من أي شيء وغمغمت في نبرة مستاءة وهي تنتصب في جلستها وتعتدل لتكون مواجهة له تمامًا :
_ كرم افهمني أنا قصدي غير كدا ، خوفه مش طبيعي هو عارفك ودي حاجة احنا مختلفناش فيها بس هو كمان عارف إنك أكيد متعرفهوش شكلًا وإلا كان هيخاف كدا ليه أوي ، تصرفه بيوحي بحاجة واحدة وهي إنه عارف إنك لو لمحته بس هتعرفه فورًا وهو يعرفك كويس ، والصراحة أنا خوفي زاد أوي وبذات بعد ما شكيت إنه ممكن يكون …….
توقفت عن الكلمات ولم تتمكن من البوح له بما يدور في ذهنها منذ شهر كامل وهي تعاني من رعبها أن يكون ماتظنه صحيح ، فإن كان هو بالفعل لن يلحقها من الأذي بقدر ما قد يلحقه هو ، ومن جهة أخرى تخشي أن تكون نهايتها مشابهة لها بالأخص بعدما اتضحت رغباته القذرة بها !! ، أما هو فكلامها قد أيقظ عاصفة القلق الكامنة بداخله وبدت له كلماتها مقنعة جدًا ولكن توقفها في النهاية أثار فضوله بشدة حيث هتف في ترقب وحزم :
_ شاكة في أيه ؟!
اشاحت بوجهها عنه وعادت لجلستها الطبيعية تنظر للطريق أمامها هاتفة في تصنع عدم المبالاة بالأمر ونبرة صوت قوية وجديدة تمامًا :
_ لا متركزش حاجة تافهة أساسًا ومش مقنعة ، بس أنا مش عاوزاك تتدخل في الموضوع ده تاني لو سمحت ، ملكش دعوة وأنا هتصرف وحدي لإنه ممكن يأذيك
استعجب من نبرتها وطريقتها مما جعل الشك في أنها تخفي أمرًا خطرًا عنه ينمو ويسقتر في أعماقه أكثر ، وأخذ يفكر ما الذي قد تخفيه عنه ولكن كان شكها أبعد من أن يتمكن هو من توقعه .
حاول تمالك أعصابه فهي لا تكف عن طلب الشيء الذي لا يمكنه تنفيذه لها وغمغم في صوت أجشَّ :
_ شفق احنا اتكلمنا في الموضوع ده كذا مرة وقولتلك إني مش هقدر اتصرف كأني معرفش حاجة وهقولهالك تاني إنتي أمانة وأخوكي موصيني عليكم ولو إنتي شيفاني من النوع اللي بيخون الأمانة فأنا عندي استعداد اسيبك تتصرفي وحدك زي ما بتقولي ، ثم إني مش فاهم إيه سبب خوفك ده !!!
تمكن هو من تمالك أعصابه ولكنها فشلت حيث صاحت مندفعة من فرط خوفها عليه فهذا الأحمق سيؤدي بنفسه للهلاك وهو لا يشعر .. وهي لن تسمح بأن تكون سببًا في أي أذى يصيبه :
_ بقولك هيأذيك أنا متأكدة مش عايز تفهم ليه ! وبذات بعد ما عرف إنك تعرفني ومعايا ولو كان اللي في دماغي صح فأنا مش هسمحلك تتدخل في أي حاجة تخص الموضوع ده تاني نهائي لإنه كدا هيبقى بنسبة 100% بيخططلك عشان يبعدك عن طريقه !!
أصدر زفيرًا حارًا ، وهو حقًا لا يفهم ماتحاول تلميحه بكلماتها الغامضة هذه ، ولكن انفعالها المفاجئ جعله يتأكد من أنها تعاني من الضغط العصبي والنفسي منذ فترة ، فقرر أن يتعامل معها بلطف ورقة كما اعتادت منه حيث أوقف السيارة جانبًا وغمغم مبتسمًا برزانة :
_ طيب وأنا سامعك أهو قوليلي إيه اللي في دماغك عشان نعرف نتكلم بدل ما إنتي متعصبة كدا
أدركت فداحة الخطأ الذي ارتكبته للتو بانفعالها الغير لائق عليه فمهما كانت معاناتها وضغطها العصبي وخوفها عليه ، لا يشفعوا لها حين تتحدث إليه بهذه الطريقة وبالأخص حين تقابل منه هذا الرد اللطيف والجميل مثله تمامًا ، وضعت كفها على وجهها مغمغمة في إحراج شديد منه :
_ أنا آسفة ياكرم انفعلت غصب عني والله بس أنا اعصابي تعبانة جدًا الأيام دي ، ممكن نقفل على السيرة دي دلوقتي ارجوك وتوصلني البيت لإني تعبانة وعايزة أنام
تفهم رغبتها في عدم التحدث و العودة للمنزل ، فعاد يحرك محرك السيارة وينطلق بها متمتمًا في خفوت مازحًا ليحاول تلطيف الأجواء المشحونة بالطاقة السلبية :
_ ماشي بس أنا رأي إنه أي كان اللي في دماغك فهو أكيد ميستهلش كل القلق والتعب العصبي ده ، ولا يستاهل قلقك عليا كمان .. يعني ميغركيش الوش البرئ ده لإن وراه بلاوي !
حاولت قدر الإمكان منع ابتسامتها ولكنها فشلت بعدما فهمت ما يقصده من آخر جملة ، وأن قلقها عليها ليس في محله وإنه يخفي خلف رقته ولطافته وحسن معاملته مع الجميع أشياء لا يتوقعها أحد منه ، أي أن لا قلق عليه فهو يحسن التصرف في هذه المواقف .. ولكن مهما حاول أقناعها بأنه يخفي شخصية مرعبة في داخله لن تصدق ، فكيف لكتلة اللطافة والرقة هذه أن تكون في وجه الشر والانتقام ، وهي تشك إن كان يستطيع أذية نملة من الأساس !! ، ولكن لا مانع في المثل الشهير ( اتق شر الحليم إذا غضب ) !! ……..
***
انتهى الحفل وعاد الجميع لمنزله وكانت يسر في غرفتها بمنزلها الجديد ( منزل زوجها ! ) ، كان يقسم لها في الزفاف إن حين ذهباهم للمنزل ستنال من عقابه ما تستحقه وهي حقًا تتساءل بسخرية عن عقابه هذا أين ذهب ، فلقد أتوا للمنزل منذ ما يقارب النصف وهي دخلت الغرفة ولم تسمع له صوت حتى ، ولا تعرف أنام أم ماذا يفعل ؟ ولكن ما تثق به أنه فقط يقول كلمات ولا يمكنه التنفيذ !! .
ثم بدأت في خلع الفستان عنها وارتدت منامة قطنية قصيرة وكانت على وشك أن ترتدي فوقها رداء منزلي طويل فهي لا تأمن شر هذا الفاسق ، و لا تود أن تكون أول ليلة بينهم على هذا النحو فلديها خطط لهذه الليلة يجب أن لا تفسد أبدًا . انتفضت واقفة بزعر حين وجدته يقتحم الغرفة عليها ويدخل ثم يغلق الباب بالمفتاح لتتراجع هي للخلف وتلتقط أقرب شيء لها وهو الروب المنزلي وتلفه حولها محاولة ستر أجزاء جسدها العارية وتهتف بخوف كان حقيقي هذه المرة :
_ بتعمل إيه !؟
التفت لها وقال بنظرات شرانية ونبرة تحمل كل معاني الغل والانتقام لأفعالها معه ، وكانت نظراته كصياد صبر كثيرًا حتى ظفر أخيرًا بفريسته بين قبضتيه ولن ينقذها منه أحد :
_ هوريكي اللي ميقدرش يعمل حاجة ده !
هل سيحاول تعذيبها وضربها أم أنه سيستغل فرصة زواجهم ويحاول كسرها وقهرها بالنيل منها رغمًا عنها ، كلها تساؤلات تدور في حلقة ذهنها ولا تجد لها أجابة سوى أنها في مأزق حقيقي الآن ويجب أن تتصرف قبل أن تجعله يحصل على مايريد !! .
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ضروب العشق)