روايات

رواية ضروب العشق الفصل الرابع عشر 14 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق الفصل الرابع عشر 14 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق الجزء الرابع عشر

رواية ضروب العشق البارت الرابع عشر

ضروب العشق
ضروب العشق

رواية ضروب العشق الحلقة الرابعة عشر

توقفت السيارة بمكان اشبه بصحراء خالية من البشر ويوجد بها مبنى مهجور غير مكتمل البناء ، تطلع كرم بالمبنى بإمعان وعادت لذهنه كل لحظة في ذلك اليوم .. عندما وصلت الشرطة وصديقه وكان هو معهم ووجدوها في ذلك المكان ودمائها حولها تملأ الأرض وكانت شبه جافة من المدة التي أخدتها مختفية ولم يعثروا عليها . واليوم ذلك الوغد موجود بنفس المكان ليكون ثأره وانتقامه منه أفضل انتقام وسيتعمد أن يسلبه روحه بنفس القطعة التي وجدوا فيها جثتها .
نزل من السيارة وهتف محدثًا الذي بجواره :
_ خليك هنا يامسعد
أجابه الآخر رافضًا :
_ لا هاجي معاك مش هسيبك وحدك
رمقه بحدة وغمغم بنبرة لا تقبل النقاش :
_ قولتلك خليك هنا !!
ثم قاد خطواته نحو ذلك المبني وكان قد اقترب من الباب ليدخل فيراه صديق ذلك الوغد الموجود بالأعلى معه ةيهتف مفزوعًا :
_ كرم العمايري هنا
وثب الآخر واقفًا وقال مرتعدًا وقد ظهرت علامات الرهبة على وجهه وقال مسرعًا :
_ طيب يلا بينا نمشي بسرعة قبل ما يلاقينا
ثم اسرعوا وغادروا البناية من باب آخر وهم يركضوا نحو سيارتهم القديمة ولسوء حظهم أنهم شعر بخطوات قدمهم فأسرع راكضًا خلفهم ولمحه وهو يركض بعيدًا ليستقل بالسيارة ، وبدون تردد أخرج سلاحه وصوبه نحوه ليصيب قدمه حتى يعوق حركته ويستطيع الإمساك به ولكن الطلقة اصابت كتفه فاستكمل هو ركضه متألما وممسكًا بذراعه المصاب حتى استقل بالسيارة مع صديقة وانطلقوا .. أما مسعد فترجل من السيارة في هلع فور سماعه لصوت إطلاق النيران وركض نحو مصدر الصوت من خلف البناية وهتف محدثًا كرم بدهشة عندما رأى السلاح في يده :
_ إنت اللي ضربت النار !!!
قال في أعين نارية ومتوعدة لذلك الوغد :
_ فلت مني المرة دي كمان بس مش هيفضل يهرب كتيير كدا ، مسيره هيوقع تحت إيدي
***
كانت تجلس على طاولة الطعام الفارغة وتحملق في اللاشيء بشرود وأشعة الشمس الذهبية تتسللت من النافذة لتعطي لمعة ساحرة لوجهها الأبيض والنقي وكذلك شعرها الكستنائي .
عيناها متجمعة بها الدموع الحارقة ولا تعرف كيف استسلمت له بالأمس ، كيف سمحت لنفسها بأن تكون بهذه السذاجة .. هي تريده وبشدة وتريد أن تعيش معه كأي زوجين طبيعية ولكن ليس بهذه الطريقة ، هي حتى الآن تحاول إيجاد تفسير لفعلتها الغبية و أجابة لسؤالها أنها كيف وقعت أسيرة للمساته ونظراته بكل هذه السهولة ، هذه ليست طبيعتها الشرسة والقوية والصامدة .. ولوهلة تمنت لو أن بإمكانها استعادة الأمس لردعه بعنف ومنعه من ما فعله وهي شاركته فيه بسذاجة لا تقل عنه !! .
وجدته يخرج من غرفته بعد أن ارتدي ملابسه لكي يذهب للعمل وقبل أن يرحل وقف وهتف في قسوة وجفاء مع نظرات نارية وغاضبة للدرجة التي جعلت من عيناه حمراء كالدم :
_ اللي حصل إمبارح ده انسيه نهائي واعتبريه محصلش فاهمة ولا لا ، أنا مكنتش في وعي وإنتي استغليتي الفرصة دي
ولم يمهلها اللحظة لتجيب عليه حيث اندفع للخارج وهو يتوهج كالنيران الملتهبة ، أما هي فسقطت دموعها فورًا بدون إنذار وهي تفغر شفتيها بصدمة مما قاله ” استغليتي الفرصة !!! ” هل هي من استغلت فرصة أنه ليس بوعيه ليحدث ما حدث بينهم ، لقد حاولت منعه ولكنه أذاب ما تبقى من صمودها أمامه بكلماته ونظراته وهمساته ولمساته ، هل اصبحت هي المخطئة الوحيدة الآن .. اخطأت لأنها تعشقه ولا تستطيع مقاومته ، ربما هي أخطأت فعلًا لأنها سمحت لهذا العشق أن يكون سبب في خطأ لا يمكن إصلاحه ولكن هذا لا يمنع أنه هو المخطأ الأكبر .. هو المستغل .. هو الذي استغل حبها وضعفها أمامه لينجح في السيطرة عليها وينل ما أراد في تلك اللحظة والآن يُلقي اللوم عليها !! …..
***
ارتفع آذان الظهر في المآذن ثم بدأت خطبة الجمعة في المساجد وكان هو في غرفته يرتدي عبائته البيضاء بعد أن توضأ ليذهب إلى المسجد ويؤدي صلاة الجمعة وبينما هو متجه نحو الباب لينصرف اوقفته هي متسائلة :
_ رايح تصلي الجمعة في المسجد
غمغم بنبرة عادية في إيجاب :
_ ايوة عايزة حاجة ؟
هتفت تطلب منه بتهذيب مبتسمة :
_ طيب ممكن تاخدني معاك اصلي في مسجد الستات
_ طيب يلا روحي اتوضي والبسي بسرعة عشان الحق الخطبة قبل ما تخلص
أماءت فورًا بسعادة واندفعت نحو غرفتها لتتوضأ وترتدي ملابسها وبعد عشر دقائق بالضبط خرجت له وانصرفا واستغرق الطريق خمس دقائق حتى وصلا إلى أحد المساجد الكبيرة فذهبت هي للجزء الخاص بالنساء وهو ذهب للرجال بعد أن أخبرها بأنه سينتظرها بعد الصلاة أمام السيارة ، وبعد انتهاء الصلاة خرجت واتجهت نحو سيارته فوجدته كما أخبرها ، وعندما وقعت عيناه عليها فتح باب السيارة واستقل بمقعده .. اتخذت هي مقعدها بجواره ثم رفعت النقاب عن وجهها لتتنفس بعض الهواء النقى وتهتف باسمة :
_ تقبل الله
أجابها بخفوت :
_ منا ومنكم إن شاء الله
ثم انطلق بالسيارة يخترق بها الطرقات وبعد مرور دقيقة هتفت هي بتردد ملحوظ وحياء :
_ إيه رأيك نتغدى برا النهردا يازين ، نفسي أخرج جدا ، من وقت لما اخدتني في اليخت قبل الفرح مخرجتش تاني
كان يثبت نظره على الطريق ولم ينظر لها بتاتًا وفقط اكتفى بقوله الجاف والحازم :
_ في يوم تاني إن شاء الله ياملاذ مش النهردا
زمت شفتيها بيأس وخنق من نبرته القاسية وأنه لم يكلف نفسه لينظر لها ، فاشاحت بوجهها للجانب الآخر تتابع الطريق من النافذة ، فهي لم تستاء من رفضه للذهاب بل استاءت من طريقته وعنده الذي باتت لا تعرف إلى متى سيستمر ، وقد رغبت بالذهاب فقط من أجل أن تحظى بمزيد من الوقت معه وتحاول من خلاله إذابة بعض الثلج المتراكم على قلبه .
لاحظ هو ضيقها وحزنها من رفضه فتنفس الصعداء بعدم حيلة ولم يرد أن يكسر برغبتها ونفسها وكان رد فعله الطبيعي هو أنه قال :
_ عايزة تروحي فين ؟
تهللت أساريرها في لمح البصر وزُين وجهها بابتسامة جذابة لتجيبه بحماس جلى :
_ أي مكان .. ودينا مكان على زوقك إنت !
رمقها بنظرة مطولة صامتًا ثم أشاح بنظره وعاد ليثبته على الطريق وهو يتخذ بالسيارة طريق لمكان سيقضوا فيه وجبة الغذاء أو بالأحرى باقية اليوم ! .
***
فتحت باب السيارة ونزلت وعيناها معلقة على ذلك المنزل الذي أشبه بقصر قي ضخامته واتساعه ، ولكنه منزل ذو طراز قديم ويبدو إن الزمن قد ترك آثاره عليه حيث لونه بهت ، ومن ينظر له من الخارج يظنه مسكون بالأشباح .. وبينما هي تتأمل جماله الكلاسيكي رأته يتجه ناحية الباب فلحقت به مسرعة وفتح هو الباب بالمفتاح ثم دخل أولًا ومن بعده هي ، كان المنزل من الداخل أكثر فخامة وجمالًا حوائطه سليمة تمامًا من أي خدش ويوجد نجفة في الأعلى ضخمة ولكنها نظيفة كأنها تنظف كل يوم ! ، والأثاث مُغطى بقماش أبيض اللون فاتجهت نحوه ورفعت القماش لتنكشف أمامها تحفة الأثاث الذي لا يبدو أبدًا أنه صناعة مصرية ، فسمعت صوته وهو يهتف بهدوء :
_ ده قصر عيلة العمايري .. البيت ده احنا عشنا فيه طفولتنا كلها ولما نقلنا لبيتنا اللي عايشين فيه دلوقتي أنا كان عندي عشرين سنة ، كنا عايشين مع جدي الله يرحمه وجدتي اللي هي مسافرة دلوقتي في المانيا ، كنا كلنا في دلع وعيشة ملوكي ، اللي بنطلبه بيجيلنا في لحظتها من غير تعب وكان جدي مبيرفضش طلب لحد فينا سواء احنا أو ولاد عمي طاهر اللي هما علاء ويسر والدلع ده تسبب في مشاكل كتير علينا وظهرت أثاره عليا وعلى حسن ، بس تقدري تقولي إن أنا ربنا هداني وحسن فضل طايش زي ماهو ، وبابا بعد ماحس إن مينفعش يعيش هنا ولازم يستقر لوحده هو وأولاده في بيت عشان يقدر يتحكم فيهم بعد ما شاف اللي حصلي وبقى شبه فاقد السيطرة على حسن رغم إنه أصغر مني بأربع سنين ، اخدنا واشترى بيت لينا وعشنا وحدنا والكلام ده طبعًا بعد ما جدى اتوفى وجدتي اضايقت جدًا إن ازاي محمد يسيب بيت ابوه وبيتهمهم إنهم السبب في اللي حصل ليا لأنها بتحبني جدًا وبتعزني أوي ولما عرض عليها بابا وحاول يقنعها إنها تاجي تعيش معانا رفضت وقالت إنها هترجع المانيا تعيش مع عمي اللي هو اتوفى بعد جدى بسنتين وكان معاه بنت عندها 18 سنة بتدرس هناك فجدتي فضلت معاها لغاية ما كملت تعليمها وبعدها اشتغلت ولغاية الآن جدتي عندها ومش بتاجلينا هي وبنت عمي دي غير زيارات صغيرة وبيمشوا تاني
اقتربت منه ووقفت أمامه وركزت نظرها عليه هاتفة بترقب لإجابته بريبة شديد :
_ ربنا هداك !!! .. وبعد اللي حصلك !! ، ممكن أعرف إيه اللي حصل معاك ؟!
أجابها بخشونة وهو يتجه ناحية الدرج :
_ الأفضل إنك متسأليش لإن الإجابة مش هتعجبك ، وبعدين أنا جايبك هنا عشان افرجك على البيت واهو نتغدى في مكان مختلف زي ما كنتي حابة مش نحكي في القديم
لم تعلق كثيرًا وقررت أنها ستحاول أن تعرف فيما بعد ما يخفيه عنها ، واتبعته شبه راكضة حيث وجدته صعد لآخر الدرج ثم اتجه نحو الغرف وفتح واحدة واحدة يريها إياهم وأحدهم كانت ” لكرم ” والأخرى ” لحسن ” وهذه ” لأبوه وأمه ” وتلك الغرفة تخص ” جدي وجدتي ” حتى وصل أخيرًا عند غرفته وفتح الباب فتسبقه هي بالدخول وتتطلع في أجزاء الغرفة التي كانت عبارة عن فراش عريض يتسع لثلاث أشخاص وخزانة متوسطة من اللون الأبيض مثل لون الحوائط وحمام داخلي لونه بنى اللون مع لمعة مذهلة ، أما هو فقد استدعت ذاكرته كل ما مر به داخل هذه الغرفة ، التي شهدت على حبسه بين حوائطها الأربعة لشهور دون أن يدخل له سوى أبيه وأمه وكرم ، بقى لشهورًا حبيسًا غرفته لا يري الشارع عندما اُكتشف أمره وأنه كان يتعاطى مواد مخدرة فحاول أبويه أن يردعاه ويعالجاه عن طريق منعه من الخروج حتى لا يلتقى بأصدقاء السوء الذين افسدوه ولكن الأمر لم يجدي نفعًا حيث كانت حالته تسوء كلما يمر عليه الوقت وكان يخرج ليلًا متسللًا من الشرفة دون أن يشعر به أحد ويعود قبل استيقاظهم ، حتى جاء اليوم المشؤوم الذي فقد فيه صديقه بسببه هو .. فقرر أن يضع الحد لما هو فيه وطلب من أبيه أن يدخله مصحة ليعالج كما يجب أن يتم وبالفعل عاني أشد سنة مرت عليه في حياته .
نظرت عيناه على جانب الفراش ولاحظ الكسر البسيط فيه لتعصف بذهنه ذكرى أخرى تعود ليوم معرفة أبيه وأمه بأفعاله فتلقى الضرب العنيف من أبيه والتوبيخ والإهانة وكانت أمه تحاول منع أبيه عنه الذي كان كجمرة النيران المتوهجة وتدَّخل كرم محاولًا أيضًا تهدئة الأمر ونجح في تهدئة أبيه وأخرجه وتركه هو مع أمه تحاول مواساته وتلومه بعتاب وبكاء على فعلته .
اخترقت فقاعة ذكرياته المؤلمة بصوتها وهي تقول بإعجاب :
_ اوضتك جميلة أوي
أحس بأنه سيختنق أن بقى للحظة أخرى داخل هذه الغرفة فهتف بثبات مزيف :
_ طيب كفاية بقى ويلا تعالي عشان الأكل على وصول
ولم ينتظر إجابتها حيث اندفع للخارج يتنفس بعض الهواء النقى عن هواء هذه الغرفة المُخنق أما هي فتلفتت حولها بخوف من ذلك المكان المريب ولحقت به مسرعة لتجده قد وصل للأسفل ورفع أحد الأقمشة عن مقعد من المقاعد وجلس عليه يتنفس الصعداء بخنق ، وقد شعر للتو أنه أخطأ عندما اختار المكان وهو يعلم أنه لديه ذكريات مؤلمة لا يريد حتى تذكرها وقبل أن تقترب منه وتسأله عن سبب تغيره المفاجئ ، ارتفع صوت رنين هاتفه فأجاب وقد كان الطعام فخرج ليستلمه وعاد لها بعد دقائق فأخذته من يده وسألته عن مكان المطبخ فدلها عليه بإشارة يده وذهبت هي لتضع الطعام في الصحون أما هو فنزع سترته عنه ورفع القماش عن الأريكة الكبيرة ليتسطح بجسده عليها مغمضًا عيناه في محاولة بائسة لاستبعاد هذه الذكريات عن ذهنه ، كانت تنقل الصحون من المطبخ على طاولة الطعام بعد إن قامت بمسحها من أي اتربة فوقها وكانت مثبتة تركيزها عليه باستغراب من أمره ، حتى انتهت فهتفت في هدوء :
_ زين !!
فتح عيناه واعتدل جالسًا ثم اتجه للحمام ليغسل وجهه ويديه و عاد لها ، جلس بجانبها على الطاولة وبدأ في تناول طعامه ، فخشيت هي أن تسأله فيجيب عليه بغلظة وفكرت في أن تمهد للأمر بطريقة مختلفة حيث سألت في ابتسامة عذبة :
_ بس البيت باين عليه أن حد بينضفه علطول
_ آه ، عمي حسين اللي برا بيجيب علطول ناس تنظف كل اسبوع عشان لو حد فينا جه فجأة زي كدا يكون البيت نضيف
التزمت الصمت للحظات ثم عادت تسأل من جديد بنبرة بها شيء من الحيرة :
_ بس إنت ليه جبتني هنا ومروحناش مطعم أو أي مكان تاني ؟!
غمغم بصلابة دون أن يرفع نظره لها وهو منشغل بطعامه :
_ هنا أفضل في المطعم مش هتاخدي راحتك عشان النقاب واللي رايح وجاي قدامك مش هينفع تاكلي ، وأهو جبتك مكان جديد وجبتلك أكل المطعم لغاية عندك
حدجته بحنو وهمست بامتنان صادق بعد أن مدت يده لتضعها على كفه :
_ شكرًا إنك مكسفتنيش ومكسرتش بنفسي لما طلبت منك نتغدى برا
نظر ليدها التي على كفه ثم رفع نظره لها بنظرات ثاقبة وسحب كفه ببطء من أسفل يدها بعد أن أبدى على وجهه علامات الضيق وقال باقتضاب :
_ العفو !
ضمت كفها وارجعته للخلف بقليل من الاستحياء بعد أن فهمت نفوره من لمستها له وجاهدت بالظهور بطبيعية أمامه وأكملت طعامها وداخلها يحترق من الألم والحرقة ، تجنبت النظر له بتاتًا حتى لا تفقد زمام التحكم في نفسها التي تغزها بقوة لتبكي ولكنها تقاوم بصلابة !! .
***
كانت الساعة قاربت على العاشرة مساءًا عندما قرر كرم أن يذهب لوالدته ويضع حدًا لكل شيء بعد أن شك بأنها تعرف مكان ” شفق ” ولا تخبره ، بالأخص بعد أن نفذت وعدها وقطعت الحديث معه نهائي وهاهي نجحت فيما سعت من أجله ! .
طرق على الباب عدة طرقات خفيفة هاتفًا :
_ ماما إنتي صاحية ؟
اتاه صوتها وهي تجيبه بقوة :
_ ادخل ياكرم
فتح الباب ودخل ثم أغلق الباب خلفه مجددًا فوجدها تمسك كتاب القرآن الكريم بيدها وجالسة على الفراش ليتنهد بعمق ويقترب ليجلس بجوارها على الفراش متمتمًا في نظرات ثابتة :
_ ماما إنتي عارفة مكان شفق مش كدا ؟
أطالت النظر في وجهه ثم اشاحت بنظرها وقالت بكذب :
_ لا معرفش
قال متوسلًا إياها في نفاذ صبر :
_ ياماما ابوس إيدك قوليلي هي فين ومتتعبنيش أنا فيا اللي مكفيني ، ومش هستحمل البنت تحصلها حاجة بسببي ، قوليلي مكانها خليني اروح واجيبها
أبت الرد عليه وتجنبت النظر في وجهه كدليل على رفضها لطلبه ، ليأخذ هو نفسًا عميقًا قبل أن يلفظ بهذه الكلمات من بين شفتيه في عدم حيلة :
_ لو كنتي بتعملي ده كله عشان اوافق على اللي إنتي عايزاه ، فأنا بقولك أهو أنا موافق اتجوزها
لمعت عيناها بمجرد سماعها لكلمة ” موافق ” وطالعته بدهشة ممزوجة بالسعادة والابتسامة العريضة وسرعان ما هتفت بفرحة غامرة :
_ بجد موافق ياكرم !!
_ أيوة موافق قوليلي بقى هي قاعدة فين
قالها بإيجاز كالذي لا يريد أن يطيل في هذا الحديث لتبتسم هي وتهتف بهدوء :
_ في البيت اللي في اكتوبر
_ وهي إيه اللي وداها هناك ؟!!
تنهدت بحرارة ثم بدأت تسرد له كل شيء :
_ هي كانت بتتكلم معايا في اليوم اللي مشيت فيه وبتقولي إنها عايزة ترجع بيتهم فأنا قولتلها لو هي مش مرتاحة هنا تروح تقعد هناك في الشقة وهتكون في آمان وخليت ابن الحج حسين يحرص شقتها ويخلي باله منها
فغر عيناه على آخرهم وهتف شبه منفعلًا :
_ ابن الحج حسين إيه يا أمي ! .. ده لو آخر واحد مأمنهوش على حاجة وإنت رايحة تأمنيه على بنت
_ وفيه إيه الولد محترم ومؤدب والله وعمري ما شوفت منه حاجة وحشة !!
مسح على وجهه مستغفرًا ربه من فرط اغتياظه الداخلي وتمتم :
_ طيب وتلفونها مقفول ليه ؟!
ابتلعت ريقها بتوتر وتحدثت بتردد :
_ أنا طلعت الخط بتاعها وشلته وهي افتكرت إنه ضاع فجبتلها واحد جديد
قال بابتسامة ساخرة :
_ وطبعًا ده كله عشان معرفش أوصلها وتجبريني أوافق .. والله ما عارف أقول إيه ، ربنا يصبرني !
ثم هب واقفًا وهم بالمغادرة لولا صوتها وهي تقول بتوتر أشد :
_ هي فاهمة إنك مسافر لشغل فلما تروحلها قولها إنك رجعت من السفر ، أنا قولتلها إنك مسافر عشان متقولش هو ليه متصلش حتى يسأل عليا
هز رأسه مغلوبًا على أمره غير مصدقًا لأفعالها التي كلها مكر هذه ، وانصرف ليلحق بتلك المسكينة قبل أن تتعرض للأذى على يد أي أحد !!! …….
***
كانت عيناها معلقة على ساعة الحائط وقد قاربت الساعة أن تدق الحادية عشر قبل منتصف الليل ومن المفترض أنه عاد للمنزل للآن كعادته ، هل هي بلا قيمة لهذه الدرجة بالنسبة له ، لدرجة أن عاد للمنزل ولم يجدها فيه ولم يحاول الوصول لها أو الاتصال بها حتى ليعرف أين ذهبت !! .
بعد ماحدث بينهم بالأمس لم تراه إلا مرة واحدة في الصباح قبل أن يغادر عندما حملها الذنب فيما حدث بينهم والذي لا يرضى كلاهما ولم يرغبوا في أن يحدث حتى ، وعندما ذهبت للعمل بعدها وعندما حان وقت الذهاب ذهبت لمكتبه لانهم اعتادوا العودة معًا إلى المنزل بعد أنتهاء العمل ، لتخبرها السكرتيرة بأنه ذهب منذ نصف ساعة فتكتم شرارات نيرانها في الأعماق وتسير منكسرة لا تدري إلى أين تذهب بعد أن قررت عدم العودة لمنزلها ، فيتنهي بها المطاف أمام منزل أبيها لتستقبلها أمها وكذلك أبيها بترحيب حار وتخبرهم بأنها ستقضى معهم يومان بعدما كذبت وقالت بأن زوجها ذهب لرحلة خاصة بالعمل ستسغرق يومان ! .
وأخيرًا انتبه أن لديه زوجة وغير موجودة بالمنزل ( هكذا قالت لنفسها حينما سمعت صوت رنين هاتفها ورأت المتصل هو ) ولكنها تجاهلته ولم تجيب عليه ليس عنادًا كالعادة ولكن لأنها لا ترغب في التحدث معه حتى ، وللوهلة الأولى في حياتها تشعر بأنها لا تريد رؤيته أو سماع صوته ، استمرت اتصالاته .. اتصالًا تلو الآخر وهو يصر على الاتصال حتى تجيب عليه ولكنها وضعت الهاتف في الوضع الصامت والقتها على الفراش ثم تدثرت بالغطاء مغمضة عيناها وترغمها على النوم حتى تهرب من خلاله لعالم الأحلام الذي قد يكون أجمل من واقعها الأليم ! .
توقف الهاتف عن الرنين وانطفأت إضاءته وبعد مرور ما يقارب العشر دقائق شعرت بأحدهم يهزها بلطف وللحظة خدعها عقلها بأنه هو وجاء لكي يأخذها لمنزلهم ولكن كانت أمها حيث تقف أمامها وتمد يدها لها بالهاتف هامسة في صوت خافت :
_ يسر ! .. خُدى كلمي حسن
اعتدلت في جلستها وهي تزفر بخنق ثم التقطت الهاتف من يدها ووضعته على أذنها ثم انتظرت حتى انصرفت أمها لتجيب عليه بمضض :
_ عايز إيه ؟!
اتاها صوته الجهوري وهو يصرخ بها :
_ هو إيه اللي عايز إيه !!! ، مبترديش على الزفت التلفون ليه !؟
قالت ببرود تام وثبات متصنع :
_ مليش نفس أرد ، أو بالأحرى مش عايزة اسمع صوتك ياحسن
أجابها في صوت أجش لا يحمل أي رفق أو رحمة وباستنكار ادمي قلبها على أثره :
_ إيه يعني كرهتيني خلاص !! ، لو كنت أعرف إن اللي حصل إمبارح هيعمل كدا كنت عملته من زمان عشان اخلص منك
كادت أن تنزل الهاتف من على أذنها لتنهي هذه المكالمة السخيفة والمثيرة للأعصاب لولا سؤاله الذي كان بدافع الفضوا فقط وليس الاهتمام :
_ هتقعدي لإمتى عند أهلك ؟
اكتفت بكلمة واحدة قبل أن تنهي الاتصال دون انتظار رده :
_ معرفش
أثارت جموحه عندما أنهت المكالمة فورًا دون أن تجيب عليه إجابة واضحة ، وود لو ذهب لمنزل عمه الآن وجذبها من خصلات شعرها ليلقنها الدرس على اسلوبها المستفز وعلى خروجها دون إذنه وتجاهل اتصالاته عمدًا !! …..
***
أجابت شفق على الهاتف بعد رأت الرقم المجهول نتيجة لخط الاتصال الجديد الذي اعطتها إياه “هدى ” والدة كرم .
خرج صوتها جادًا وهي تجيب على المتصل المجهول :
_ الو مين ؟!
أشرق وجهها ولمعت عيناها بسعادة ، ورفرف قلبها كطائر أطلق حرًا في السماء ، عندما سمعت صوته الذي لم تسمعه منذ ثلاث أيام :
_ أنا كرم ياشفق ، عاملة إيه ؟
اجابته برقة وابتسامة لا تفارق شفتيها :
_ الحمدلله كويسة إنت رجعت من السفر ؟!
تشدق يجيبها على الكذبة التي اخترعتها أمه ويكملها هو بصوته المختنق :
_ رجعت أيوة ، أنا في الطريق جايلك دلوقتي
ثم انهى معها الاتصال فتطلعت هي في الهاتف بدهشة وتردد في ذهنها ” قادم الآن ” فوثبت واقفة وبدلت ملابسها سريعًا ولفت حجابها على شعرها وخرجت للصالون ترتب كل شيء بنظام ، ثم وقفت أمام النافذة تتابع الطريق بانتظاره .. ولا تستطيع منع نفسها عن الظهور بهذه اللهفة تجاهه وقلبها هو الذي يقودها لفعل هذا الأفعال التي ستندم عليها إن لاحظ هو هذا ، ولكن ماذا عساها أن تفعل فقد اعتادت عليه واعتادت أن تراه يوميًا وإن أتى يوم ولم تراه فيه يحدثها بالهاتف فتستمع لصوته ولكن في وضعها هذا لم تراه ولم تحدثه منذ ثلاثة أيام ، تشعر بأن قلبها سيقفز من موضعه ليحلق له من فرط اشتياقها له .
وأخيرًا بعد دقائق طويلة رأت سيارته تستقر أمام المنزل وينزل منها فترتفع ابتسامتها إلى شفتيها وتكاد تصل لأذنيها ، أما هو بالخارج فقد وصل إلى الباب ووجد ابن الحج حسين كما اخبرته أمه ، ليهب الآخر واقفًا احترامًا له ، ليطالعه كرم بنظرات قوية وقال بغلظة صوت :
_ روح يا أشرف خلاص ملوش لزمة قعدتك
أجابه الآخر شبه معترضًا بأدب :
_ بس ياكرم بيه الست هدى قالتلي احرص …..
أردف كرم مقاطعًا إياه بحزم ونظرة لا تليق بطبيعته اللطيفة أبدًا :
_ وأنا بقولك روح ، اعتقد الكلام واضح !
_ واضح .. عن أذنك يابيه
ثم استدار وانصرف ليظل معلقًا نظره عليه حتى توارى عن ناظريه ، فطالما يبغض هذا الشاب لسبب غير معلوم وفوق هذا أمه تأمنه على فتاة وحيدة بالمنزل ، تأفف بنفاذ صبر ثم طرق على الباب لتنتفض التي كانت تقف خلف الباب من الداخل تستمع لحديثه مع ذلك الشاب الذي لم تراه سوى مرات قليلة طوال الثلاث أيام ، تراجعت خطوتين للخلف ودقات قلبها بدأت تدق بصوت عنيف يصل لأذنها وارتبكت بشدة ، ولكنها أخذت شهيقًا طويل وحبسته لثانية ثم أخرجته زفيرًا متهملًا وتعهدت بأنها ستتمالك نفسها وستتظاهر بطبيعية أمامه ولكنها بمجرد ما فتحت الباب ورأته أمامها افترت شفتيها عن ابتسامة واسعة وسرعان ماخنثت وعدها مع نفسها ، أما هو فطالعها معاتبًا برقة مألوفة وغمغم بنفاذ صبر :
_ وبعدين معاكي ياشفق !!
لم تعلق وقد فهمت مقصده بأنه لا يرغب في بقائها هنا ويعاتبها على عندها الدائم ، وفقط اكتفت بابتسامتها وهي تقول بلطف :
_ حمدلله على السلامة
كان هو قد بدأ في نزع حذائه ولكنه رفع نظرها لها بعدما سمع ماقالته واخفض نظره تاني متمتمًا بخنق من هذه الكذبة الذي يُجبر على استكمالها :
_ الله يسلمك
انتهي من نزع حذائه ودخل وفور دخوله هتف في جدية وقد اختفت نبرة الرقة في صوته :
_ اللي كان واقف بيحرص البيت ده ضايقك أو عملك حاجة ؟!
قالت فورًا نافية :
_ لا خالص هو أساسًا كان قاعد برا بس ومكنتش بشوفه غير مرة في اليوم لما بيجيب الطلبات وباخدها منه من على الباب وبقفل بالمفتاح بعد كدا
هم بأن يسأل عن ذلك الحيوان هل حاول أذيتها أو وصل لمكانها أم لا ولكنها توقعت سؤاله فهتفت قبل أن يسأل :
_ مفيش حاجة اطمن أنا كويسة الحمدلله
عادت ابتسامته التي تذيب قلبها وهو يجيبها بلطف من جديد :
_ الحمدلله ، يلا روحي البسي ولمي هدومك عشان هترجعي تاني معايا
اصدرت تنهيدة حارة وتمتمت في اعتراض بسيط :
_ كرم أنا مرتاحة هنا اكتر صدقني ومحدش عارف مكاني ، سيبني على راحتي ارجوك
توجه وجلس على أحد المقاعد ليقول برزانة عقل وصوت رخيم :
_ وأنا عايز أسيبك على راحتك والله ، بس مش قادر وبالأخص بعد اللي حصل إمبارح
اقتربت وجلست على المقعد المقابل له بمسافة بعيدة تقريبًا وهمست بحيرة شديدة وقلق :
_ حصل إيه ؟!
_ عرفت مكانه إمبارح ورحت وكان نفس المكان اللي حصل فيه جريمة القتل ، وكان قاعد هناك هو وواحد صاحبه ولما شافوني هربوا وأنا ضربته بالنار في دراعه قبل ما يركب العربية ويهرب فممكن يحاول يوصلك بأي شكل عشان ينتقم مني ، عشان كدا لازم تكوني قدام عيني طول الوقت
فغرت شفتيها بصدمة وهي لا تستوعب أنه كان على وشك أن يقتله بالفعل ، ثم اردفت بغضب بسيط :
_ ضربته بالنار إزاي ياكرم !! ، ولو كانت جات الطلقة في مكان غير دراعه وكان مات كنت دلوقتي هتبقى في السجن بسبب القذر ده
غمغم بتمنى وأعين متقدة كلها سخط :
_ يارتيها كانت جات في مكان تاني ومات على الأقل كان زمانك هتلاقيني دلوقتي مبسوط آخر انبساط
اشاحت بوجهها عنه تخفي ملامح وجهها المغتاظة من تهورها بالرغم من رقته ولطافته مع الكل وبالأخص معها لكنها يثبت لها دومًا بأن لديه جانب مظلم في شخصيته لا يرحم إن تطلب الأمر ! ، عادت بنظرها له من جديد عندما وجدته يهتف بخفوت وكأنه يقول الكلمات بصعوبة :
_ يلا قومي البسي عشان لما نروح ماما ورهف هيفهموكي السبب التاني اللي خلاني آجي أخدك !
أطالت النظر في وجهه بريبة حقيقية للحظات ثم هبت واقفة واتجهت لغرفتها لترتدي ملابسها وتستعد والتساؤلات تتناطح في عقلها ” ماهو السبب الثاني ولما بدا عليه التوتر البسيط وهو يتحدث عنه ؟! ” ، ولم يهدأ عقلها لثانية واحدة وكانت طوال الطريق صامتة تتابع الطريق والفضول ينهشها نهش وتتساءل ” ترى ماهو السبب ؟! ” … !!!
***
كان زين في غرفته كعادته يقضي الشطر الثاني من الليل وهو يقرأ في كتاب القرآن الكريم ويرتل آياته بصوت عذب ، وبينما هو يثبت كل تركيزه في كتاب الله .. رفع نظره عنه فور انفتاح الباب ودخولها ودموعها تملًا وجنتيها والعبارات سابحة في عيناها وتسقط بغزارة على وجهها ، فتمتم بصوت خفيض وهو يغلق المصحف ” صدق الله العظيم ” ، وأصابته الريبة والقلق بشأن بكائها المفاجئ هذا ثم هب واقفًا واقترب ناحيتها وهو يهمس بتعجب ونظرات مرتعدة :
_ مالك ؟!!!
مدت يدها وجففت دموعها بظاهر كفها ولكنها لا تزال تنهمر بغزارة لتنتابه الشكوك السيئة بأن مكروه قد أصاب أحدهم أو أصابها هي ، واقترب منها أكثر حتى وضع كفه على ذراعها اليسار هاتفًا :
_ في إيه ياملاذ مالك ؟!
ارتمت داخل أحضانه وهي تهمس بصوت مرتعش وجسد لاحظ ارتجافته :
_ حلمت بكابوس وحش علطول بيجيلي
ضيق عيناه وهو يستمع لكلامها وفور انتهائها أصدر هو تنهيدة طويلة بارتياح وابعدها عنه برفق متشدقًا بنظرة معاتبة :
_ يعني كل العياط ده عشان كابوس ياشيخة حرام عليكي وأنا اللي افتكرت إن في حاجة لقدر الله حصلتلك ولا حصلت لحد
رفعت عيناها الدامعة له وقالت بخفوت :
_ دايمًا بحلم بالجاسوم وكان بيجيلي من أنا وفي الثانوي ولغاية دلوقتي بيجيلي وكل ما بيجيلي بخاف أوي وبفضل أعيط زي كدا .. عارفه ؟
هز رأسه بالإيجاب وغمغم في حنو :
_ أيوة عارفه .. تعالي واحكيلي بيجيلك إزاي عشان يخليكي خايفة كدا وبتعيطي بالشكل ده
جذبها من كفها بلطف وأجلسها على الفراش ثم جلس بجوارها لتقول هي بهدوء :
_ بحس نفسي متكتفة في السرير ومش بقدر أتحرك ولا أتكلم وببقى عايزة أفوق مبعرفش وبحس كأني بغرق وكل ما بقاومه بيزيد أكتر مش بفوق منه غير لما افضل أقول اعوذ بالله من الشيطان الرجيم وبصحى مخضوضة مش قادرة أخد نفسي ، وأنا بطبيعتي أساسًا خوافة فمبالك لما أحلم بكابوس زي ده وغالبًا بسمع أصوات مرعبة وأحيانًا بشوف خيالات والنهردا شوفت أيد مخيفة ماسكة في إيدي ومكتفاها وصوت حواليا بيضحك وأصوات كتير متداخلة ومرعبة ، ولما بفوق منه وبعد كدا بنام تاني بيجيلي تاني يعني ممكن يجيلي أربع أو خمس مرات ورا بعض وفي كل مرة بصحى مخضوضة
لم يكن يتوقع بأنها تخاف لهذه الدرجة المفرطة حيث كانت تتحدث وعلى وجهها علامات الإرتيعاد والرعب ، فسرعان ما أشفق عليها ومد يده يملس على شعرها بحنو يشعرها بالقليل من الآمان والاطمئنان :
_ طيب اهدى ، أنا سمعت إنه بيبقى صعب فعلًا واللي أعرفه والله أعلم إن العلماء بيقولوا إنه بيبقى بسبب الضغوط والحالة النفسية والتوتر والمشايخ بيقولوا إنه من الشيطان ، فإنتي التزمي بأذكار الصباح والمساء والحمدلله إنتي ملتزمة في الصلاة يعني فبإذن الله مش هيجيلك تاني
تطلعت إليه بنظرات مستعطفة ومتوسلة فخرج صوتها به شيء من الرجاء :
_ ممكن تخليني أنام معاك النهردا لإني خايفة ما أنام وحدي ويجيلي تاني !
أخفى ابتسامته بصعوبة وتمتم في دفء :
_ نامي ياملاذ السرير قدامك كله أهو
ترددت قليلًا قبل أن تسأل سؤالها القادم وهيمن عليها الصمت للحظات قبل أن تستجمع شجاعتها وتسأل باضطراب :
_ هتنام جمبي ؟
رفع حاجبه وهو يبتسم بلؤم لسؤالها المتوقع وكذلك الإجابة المتوقعة التي ترغب في سماعها ، فلم يحرمها مما ترغب فيه حيث تمتم بنظرات ثابتة :
_ اممممم !!!
كتمت سعادتها في الأعماق واكتفت بالإماءة الصغيرة ثم تمدد بجسدها على الفراش وتدثرت بالغطاء ، لينهض هو ويجلب هاتفه ثم يقوم بتشغليه على سورة البقرة ويضعه على المنضدة الصغيرة بجانب الفراش ويهتف في نظرات حانية لا تشهدها منه كثيرًا بسبب إضطراب علاقتهم :
_ اقري المعوذتين وآية الكرسي قبل ماتنامي وأهو شغلت سورة البقرة جمبك
ابتسمت له بحب وهي توميء بالموافقة وطرحت سؤالها الثالث عندما وجدته يتجه نحو باب الغرفة :
_ رايح فين ؟!
التفت لها برأسه وغمغم باسمًا :
_ رايح اشرب ياملاذ وراجع ، نامي ملكيش دعوة بيا أنا ممكن منامش دلوقتي
هزت رأسها بالموافقة وأغمضت عيناها محاولة النوم من جديد ، أما هو فعاد بعد ثلاث دقائق وجلس يكمل القرآءة حتى ينهي ورده اليومي وبعد مايقارب النصف ساعة انتهى واتجه نحو الفراش ليتسطح بجوارها على الجهة المقابلة لوجهها يحدق فيها بإمعان شديد ليلتقط كفها الناعم ويطبع قبلة رقيقة على ظاهره ويقترب برأسه ناحيتها يخطف قبلة سريعة من جانب ثغرها خشية من أن تستيقظ نتيجة للمساته ، ثم يرجع برأسه لوضعها الطبيعي ويغمض عيناه متهربًا عن طريق النوم من الأفكار المنحرفة التي تعصف برأسه الآن !!! …….
***
مع إشراقة شمس يوم جديد يحمل الكثير من المفاجآت للبعض ……..
سمحت شفق للطارق بالدخول وهي تقوم بتسريح شعرها ، لتدخل رفيف وعلى وجهها ابتسامة مشرقة كصباح اليوم هاتفة :
_ صباح الخير
أجابتها الأخرى بابتسامة عذبة ونقية :
_ صباح النور
كانت رفيف في اقصى درجات الحماس والتشوق حيث جذبت المقعد الآخر وجلست بجوارها متمتمة بابتسامة أصبحت أكثر اتساعًا :
_ يلا جهزيلي نفسك كدا وخدي نفس عميق عشان تستقبلي اللي هتسمعيه دلوقتي
تركت مابيدها وركزت كل انتباهها عليها وهمست بريبة وفضول وهي كلها آذان صاغية لما ستقول :
_ في إيه قولي يارفيف متقلقنيش ؟!
هتفت الأخرى في صوت منخفض ونظرات بها لمعة ماكرة :
_ كرم عايز يتجوزك !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ضروب العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى