روايات

رواية ضروب العشق الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق الفصل الثاني والأربعون 42 بقلم ندى محمود توفيق

رواية ضروب العشق البارت الثاني والأربعون

رواية ضروب العشق الجزء الثاني والأربعون

ضروب العشق
ضروب العشق

رواية ضروب العشق الحلقة الثانية والأربعون

كانت تتصنت على باب الغرفة من الخارج عندما سمعت زوجها يبدأ حديثه وهو يسرد لهم كل شيء كالآتي .
_ أنا مش مكنتش بحب يسر زي ما قولت لما طلبت إيدها من حضرتك ، كنت ماخد الموضوع لعبة وعايز اتسلي .. معترف بأخطائي وإني مكنتش راجل ولا قد الكلمة والامانة اللي سلمتهالي ياعمي ، لإني عاملتها وحش كتير وهي كانت بتستحمل معاملتي بسبب حبها ليا وأنا كنت للأسف غبي وحقير ومأدركتش قيمة ده إلا لما لقيتها هتضيع من بين إيدي .. كنت ناوي اطلقها واتفقنا على الطلاق خلاص بس حصل مرة واحدة موضوع الحمل اللي قلب الموازين .. مش هدافع عن نفسي ولا عن موقفي في اللي عملته معاها لما مديت إيدي عليها و طلبت منها تنزل الطفل لأني مدرك غلطي كله ، ولما هي قالتلي إنها نزلته وكدبت عليا أنا قبلها كنت تراجعت وندمت على اللي قولته واللي عملته ، بس كان يفيد بإيه بقى لأن لحظتها أنا كنت خسرتها هي وابني وحاولت زي ماشوفتوا ارجعها واخليها تسامحني موافقتش نهائي ، ولما فضلت وراها وحاولت اثبتلها ندمي قدرت ارجعها ليا تاني .
سكت للحظات قصيرة من الوقت ثم استكمل حديثه بصوت به بحة حزينة :
_ كان لازم اقول الحقيقة لإني مكنتش هقدر ابص في عينك ياعمي إنت وعلاء أكتر من كدا وأنا بكدب عليكم ، كل اللي عايز اقوله دلوقتي إني عرفت قيمة مراتي وبحبها ومش مستعد ابعدها عني تاني أبدًا هي وابني .. أنا آسف ياعمي سامحني
ادمعت عيناها بمشاعر العشق المتيم به بعدما سمعت كلماته ، القى اللوم كله على نفسه ولم يظهر سوءها ! .. لم يخبرهم عن تهديدها له بصوره وتسجيلاته .. لم يخبرهم عن ابتزازها له الذي دفعه للزواج منها حتى ينتقم ، تحمل الذنب كل وحده ! ، بالرغم من أنها مذنبة ومخطئة مثله تمامًا ! .
عم الصمت بالغرفة ولم تسمع أي صوت يصدر ، إلا وبلحظة سمعت صوت صفعة قوية فشهقت بهلع بعدما توقعت الذي حدث واندفعت للداخل إليهم فورًا فوجدت أبيها يقف أمام حسن ، وكما توقعت فقد صفعه بكل عنف وغضب ثم بدأ بالصياح المخيف :
_ بقى هي دي التربية اللي ربهالك محمد .. اسلمك بنتي وامنك عليها وإنت تخون الأمانة وتعمل فيها كدا ، تعرف أنا دلوقتي بس ندمت إني مطلقتهاش منك
كان ساكنًا تمامًا يجفل نظره أرضًا حتى وجد علاء يجذبه من تلابيب قميصه صائحًا بعصبية :
_ دايمًا كنت شاهد على كل قذاراتك ، بس متوقعتش إنها توصل بيك لاختي
لا يزال صامتًا لا يجيب فقط يحدق بالأسفل بخزي ومرارة ، لم يتمالك علاء نفسه فوجه له لكمة عنيفة كادت أن تطيح به أرضًا .. هرولت يسر ووقفت حاجز بينهم تصيح بشجاعتها المألوفة :
_ علاء اهدى .. حسن معملش ليا حاجة أنا اللي غلطانة من البداية لما …..
انتصب في وقفته وقبض على ذراعها ضاغطًا عليه يحدقها بعيناه التحذيرية من أن تتحدث ثم تحرك للأمام وقال بخشونة :
_ أنا مدرك غلطي ياعلاء ومش بنكره بس أنا دلوقتي ندمت والله
علاء وهو يدفعه في كتفه بعنف ويصرخ به :
_ يعني إيه كنت عايز تتسلي هاااا .. وفوق ده كله مديت إيدك عليها ، واحنا منعرفش با ولا حاجة من اللي بيحصل ده
تدخلت للمرة الثانية وهي تصيح بأخيها مستاءة :
_ أنا مشتكيتش لحد من حاجة .. استحملت كل ده عشان خاطر أنا عايزة كدا ولو كنت عايزة اطلق كنت اطلقت من زمان ، كفاية إني عارفة دلوقتي أنه بيحبني وميهمنيش أي حاجة تاني
غرس أصابعه بين لحم ذراعها يهدر بأنفعال وصوت مرعب :
_ يعني إيه ميهمكيش أي حاجة .. إزاي سمحتي لنفسك إنه يعمل معاكي كدا ومقولتيش لحد فينا ، سمحتيله يهينك ويزلك وأحنا موجودين .. ليه ملكيش أهل يايسر
تملك الضجر من حسن الذي عيناه استقرت على قبضة علاء وهو يمسك بذراعها في عنف هكذا ، فازاح يده عنها بهدوء مريب مع صوته وهو يتمتم :
_ علاء _ إنت متتكلمش معايا نهائي فاهم ولا لا .. ياصا..حبي ، كفاية إني سايبك واقف قصادي سليم كدا
التقطت أذنيه كلمة ” صاحبي ” ببطء مميت ، حيث كان يقولها بسخرية وخزي ونظرات كلها سخط وبغض .. المته نبرة صوته وتلك النظرات أكثر من أي شيء ، ليتحدث أخيرًا طاهر بعد برهة طويلة من الصمت بأعين ثاقبة كالصقر وصوت غليظ به لهجة آمرة :
_ عـــــلاء خلاص سيب اختك أنا هتصرف معاها بعدين بطريقتي ، لكن بعد اللي سمعته من البيه واللي حصل بينهم واللي عمله مع بنتي وأنا واثق إن في تفاصيل تاني انيل من اللي عرفتها دي دلوقتي ولسا منعرفهاش ، لا يمكن امنلك على بنتي تاني ياحسن .. اخويا لما مات وساب ولاده أنا اعتبرتهم ولادي بالظبط وأنت وكرم وزين زيكم زي علاء بنسبالي ، ولما جيت سيادتك واعترفتلي ووقفت قدامي زي الرجالة وطلبت إيد بنتي فرحت وسلمتها ليك وأنا مطمن ومغمض عيني من غير ما افكر حتى بس للأسف كسرتلي الامانة اللي امنتك عليها .. ودلوقتي أنا اللي هخليك تطلقها
لم يندهشوا من جملته الأخيرة حيث توقعوا أنه سيفعل ذلك ، وعلى عكسها هي التي لم تجهز نفسها لمواجهة هذه اللحظة هو كان يعرف جيدًا بمذا سيجيب وبكل ثبات وثقة حيث غمغم بصوت رجولي حازم :
_ أنا آسف ياعمي .. أنا جيت واعترفت بكل حاجة عشان اريح ضميري بس مش اكتر ، لكن مستحيل افرط في مراتي بس ماصدقت إنها رجعتلي .. ومستحيل أطلقها ولا هسمح لحاجة تبعدني عنها
ثم شبك كفه بكفها يحسها على السير معه ، لكن عيناها كانت معلقة على أبيها وأخوها فملست على ظهر كفه بلطف وهمست بصوت بالكاد سمعه هو :
_ اسبقني على العربية ياحسن وأنا هاجي وراك
القى نظرة أخيرة عليهم قبل أن يترك يدها وينطلق إلى خارج المنزل بأكمله ، أما يسر فاقتربت من أبيها وعانقته بقوة متمتمة بصوت مبحوح ويغلبه البكاء :
_ آسفة إني خبيت عنكم ومقولتلكمش .. بس صدقني أنا دلوقتي مبسوطة اكتر من أي وقت كنت فيه في حياتي يابابا ، ومرتاحة مع حسن .. مش عايزة ابعد عنه بعد ما أخيرًا حياتنا استقرت وهو حبني ، أنا عارفة أن إنت عايز مصلحتي وخايف عليا بس حسن مستحيل يأذيني نفسيًا تاني صدقني .. هو بيحبني بجد وأنا معنديش شك في ده ، ارجوك بلاش تزيد المشاكل بينا ولو عايز سعادتي بجد سيبني أعيش بالطريقة اللي أحبها ومع الشخص اللي عايزاه
كان طاهر كالصنم يستمع لحديثها دون أن يجيب عليها ، لا يدري أيتبع حدثه الذي بات لا يثق بابن أخيه بتاتًا أم يتبع قلبه الذي يلين لابنته وتوسلاتها وهي تقسم أنه يحبها وهي تعيش حياة سعيدة ومستقرة معه ؟ .. بينما علاء فجلس على أحد المقاعد وبقى يحدق بشقيقته وهو يكاد ينفجر من الغيظ والعصبية ولكنه يتمالك أعصابه حتى لا يتضرر أحد سواء نفسيًا أو جسديًا ! .
ابتعدت عن أبيها وانتظرت أن تجد منه إجابة ولكن إجابته كانت واحدة وهو الصمت فزمت شفتيها بيأس وقالت بعبوس:
_ أنا همشي
ثم استدارت وانصرفت إلى خارج المنزل بأكمله حتي وصلت إلى سيارته وفتحت باب المقعد المجاور له ثم استقلت به واعتلى وجهها قسمات البؤس والخنق ليقول هو بخفوت ونبرة شبه عادية :
_ لو حابة تقعدي يومين هنا عند اهلك يايسر وتحاولي تصالحيهم معنديش مشكلة روحي
هزت رأسها بالنفي في وجه مهموم ثم رسمت الابتسامة العاشقة على شفتيها باللحظة التالية فورًا والتفت بجسدها تعتدل ناحيته جيدًا لتمسك بكفه تحتصنه بين كفيها الناعمتين وتهمس بهيام وحب :
_ تؤتؤ هاجي معاك .. مش هسيبك وحدك
رفع كفه الذي تحتضنه وادار جهة كفها ناحية شفتيه حتى يلثمه بقبلات ناعمة ويهمهم :
_ بحبك أوي
ارتمت عليه تعانقه بحميمية هامسة بجانب أذنه في فحيح أنوثي مثير :
_ وأنا بعشقك
***
في تمام الساعة التاسعة صباحًا ، تقف في المطبخ وتقوم بتحضير الفطار .. ترتدي منامة منزلية قصيرة تظهر منحياتها الجميلة وتثبت شعرها للأعلى بدبوس .
خرج هو من غرفته مستندًا على عكاز .. اليوم الأول له منذ الذي حدث يقف على قدمه ، وجد صعوبة بالبداية في استخدام العكاز ولكنه يسير بكل هدوء وبطء شديد حتى لا يضغط على قدميه .
تسلل من خلفها بحرص دون أن تشعر به وهو يراها تتمايل يمينًا ويسارًا على الحان أغنية تتندنها بنفسها .. وقف خلفها تمامًا ثم لف ذراعه حول خصرها وانحنى على رقبتها يلثمها بحب ، فانتفضت واقفة وشهقت بفزع قبل أن تستدير ناحيته وتحدجه بصدمة ، تفحصته بنظرها من أعلاه لأسفله مدهوشة ثم هتفت بحزم وغضب :
_ كرم إنت مصمم يعني تتعب نفسك وتتعبني معاك ، مينفعش تستخدم العكاز دلوقتي خالص وإنت شوفت كلام الدكتور .. قال ممكن يحصل مضاعفات لو ضغطت على العروق
التقط شهقيًا طويلًا وأخرجه زفيرًا متهملًا بنفاذ صبر ، ثم تمتم بصوت دافيء :
_ أنا كويس ياشفق متقلقيش ومش بضغط على نفسي .. دول هما خطوتين من الأوضة للمطبخ ، حرام عليكي والله مش قادر استحمل قعدة السرير
اشفقت عليه ولانت نظراتها إلى الحنو ثم ارتفعت لمستواه تخطف قبلة من وجنته متمتمة :
_ عارفة وحاسة بيك والله .. بس معلش استحمل شوية كمان ، أنا خايفة عليك ياحبيبي ، خايفة وضعك يسوء تاني بعد ما صدقنا إنه اتحسن كتير الحمدلله
ابتسم لها بصفاء وغمغم مداعبًا إياها :
_ حاضر ياشفق هرجع الأوضة ، تؤمري بحاجة تاني ؟!
ضحكت بصمت ثم التصقت به ولفت ذراعيها حول رقبته ، تنحنى برأسها عليه تمطره بوابل من قبلاتها المثيرة على كل وجهه هامسة بغنج:
_ وهو أنا هعوز إيه اكتر من أن جوزي حبيبي يكون بخير وزي الفل .. ده هو حياتي كلها ومن غيره ميبقاش لها طعم و…
حبس أنفاسه لثواني بعد أحس بأنها ايقظت لهيب رغبته بها الذي يخمده منذ حادثته بسبب وضعه ، اغمض عيناه وأجابها وهو يزفر بحرارة :
_ ابعدي ياشفق عني عشان أنا بجد فاضلي لحظة وهعمل حجات أنا مش مسئول عنها
لم تكترث لتحذيره الصريح واكملت تدللها عليه وهي تسأل بأنوثة ماكرة :
_ حجات زي إيه ؟
رفع حاجبه وتمتم بابتسامة واسعة :
_ مابلاش !
ظلت كما هي تحدجه بالامبالاة فشهقت عندما دفعها بخفها فارتدت للخلف لتلتصق بالمطبخ ، حدجته بدهشة وهتفت بجدية هذه المرة :
_ لا أنت شكلك مش طبيعي فعلًا !
أجابها بلؤم وهو بتقدم إليها ببطء :
_ ما أنا حذرتك وقولتلك بلاش مسمعتيش الكلام
انحنت بنصف جسدها العلوي للخلف وهي تضحك عندما رأته يهل عليها بهيئته الضخمة مقارنة بقامتها الضئيلة ، وهتفت من بين ضحكها :
_ لا بقولك إيه أنا مش عايزة جنان !!
لا زالت الابتسامة الخبيثة في عيناه التي توضح مراده المنحرف ، وصلت هي إلى اقصى انحنائها للخلف وهي تطالعه بوجه يضحك تحاول توقع ماينوي فعله ، ففهمت عندما رأتها ينحنى برأسه ناحيتها ، لكن رنين الباب أفسد لحظاتهم حيث ابتسمت هي ببلاهة وهي تشير بيدها على الخارج :
_ الباب بيرن !
تقوس وجهه بالسخط وهو يجيبها مغتاظ :
_ مش عايزين حد ومش فاضيين ، خليه يرن
اتسعت ابتسامتها البلهاء وهي تستكمل محاولة كتم ضحكتها :
_ دي أكيد مامتك أصلها اتصلت بيا قبل ما تصحى وقالتلي إنها جاية تشوفك وتطمن عليك
_ اووووووف
قالها وهو يزأر من بين أسنانه بخنق فضحكت هي وطبعت قبلة على جانب ثغره كنوع من التثبيت هامسة برقة :
_ معلش ياحبيبي تتعوض ولا يهمك
ثم اندفعت إلى الخارج مسرعة حتى تذهب وتفتح لهدى المنتظرة على الباب .. أما هو فتمتم باختناق وقرف :
_ تتعوض !! ، وأنا اعمل بيها بعدين أنا عايزها دلوقتي .. هي بتاجي في لحظتها كدا ، هقول إيه بس ربنا يسامحك يا أمي
***
فتحت ميار عيناها تدريجيًا ، النعاس يغلبها بسبب بقائها مستيقظة لوقت متأخر بالأمس تنتظره وتحاول الاتصال به ولكنه لا يجيب على اتصالاته .. فبقت مستيقظة إلى مايقارب الثانية بعد منتصف الليل وبالأخير استسلمت لسلطانها .
تململت بالفراش يمينًا ويسارًا لتجد نفسها بمفردها في الفراش تحسست بيدها على الفراش جيدًا ، لكنه ليس موجود ففتحت عيناها دفعة واحدة وقطبت حاجبيها بذهول ، انتصبت جالسة بمكانها وصاحت منادية عليه :
_ عــــــلاء !!!
وثبت من فراشها واقفة واتجهت للحمام ، طرقت ثلاث طرقات على أمل أن يكون بالداخل ، فتحت الباب بأكمله لكن لا أثر له .. اندفعت إلى خارج غرفتها تبحث عنه ببقية المنزل ، وكانت نتيجة بحثها أنه ليس موجود ، استشاطت بينران الغضب .. فقد تغاضت عن تجاهله لاتصالها بالأمس ولكن ليس إلى الحد الذي يتركها تقضي الليل بمفردها في المنزل وحتى الآن لم يأتي ! .
عادت إلى غرفتها والتقطت هاتفها تجري اتصال به وهي تتوعد له بأنها ستفرغ كل سخطها به .. أجاب عليها بصوت عاديًا :
_ أيوة ياميار
صاحت مستاءة ومنفعلة :
_ يعني الليل كله امبارح برن عليك ومش بترد عليا وفي الأخر متجيش البيت كمان وتسيبني ابات وحدي !!
بكامل هدوءه غمغم ولكن صوته واضح عليه الضيق :
_ أنا جيت إمبارح ياميار .. مش معقول هسيبك في البيت وحدك يعني ! ، جيت متأخر بس وكنتي نايمة وطلعت الصبح بدري قبل ما تصحي عشان كان معايا اجتماع الساعة 8
_ ومصحتنيش ليه ياعلاء .. أنا قلقت عليك لما لقيتك مش بترد عليا !
تنهد الصعداء وأجابها بخفوت غريب :
_ أنا كويس ، مكنش ليا نفس بس اتكلم امبارح بسبب المشاكل اللي حصلت .. لما آجي هبقى احكيلك
هدأت عاصفتها تمامًا وذاب سخطها لتجيبه برزانة :
_ ماشي .. أنت كنت عايزة اروح عند مامتك هتكلم معاها شوية
_ تتكلمي معاها في إيه ؟
_ يعني مش حابة يكون في كره بينا ياعلاء هحاول اصلح سوء التفاهم اللي حاصل بينا
علاء بإيجاب دون ان يبدي أي اعتراض :
_ طيب ياميار وانا هخلص شغلي وهاجي وراكي
انزلت الهاتف من على أذنها بعدما انهت المكالمة معه ، عقلها مشغول به فنبرة صوته كان واضح عليها الحزن والخنق ، ياترى ما الذي حدث وماهي المشكلة التي جعلته بهذا السوء ؟!
***
كان يقف أمام المرآة يستعد للخروج والذهاب للعمل ، تسللت هي من خلفه وعانقته هامسة بحب :
_ أنا حضرت الفطار مش هتفطر معايا ولا إيه ؟!
تنهد الصعداء واستدار لها بجسده يجيبها بابتسامة متصنعة :
_ مش جعان يايسر لما اجوع هفطر في الشركة هناك
لمست نبرة الهم والأسى في صوته فاصدرت تنهيدة حارة ثم عادت ترسم البهجة على وجهها من جديد تترجاه بلطافة :
_ افطر حاجة صغيرة وبعدين امشي ، مش عايزة افطر وحدي ياحسن .. عشان خاطري
اطال النظر في معالم وجهها ونظراتها فلم يتمكن من المقاومة وهتف مغلوبًا على أمره :
_ طيب يايسر
تعلقت به في عناق قوي ثم ابتعدت برأسها فقط لتكون مقابلة لوجهه مباشرة وتهمس بملامح بدأ اليأس يعتليها :
_ ممكن متضايقش نفسك بسبب اللي حصل .. إنت عارف إن بابا وعلاء بيحبوك أوي وأنا واثقة إنهم لما يهدوا كل حاجة هتتحل
هز رأسه ينفي ماقالته ويتمتم بنبرة مريرة :
_ مفيش حاجة هتتحل .. أخوكي وأبوكي أنا خسرتهم يايسر خلاص ، بس أهم حاجة بنسبالي دلوقتي هي إنك معايا وبعد كدا مفيش حاجة تاني تهمني
ظهرت في عيناها نظرات الحنو والعاطفة ثم رفعت كفها وملست على وجنته مغمغمة بضيق :
_ إنت ليه مخلتنيش أقولهم إني أنا الغلطانة والسبب في كل اللي حصل ده من البداية لما هددتك بالصور والتسجيلات ، يمكن مكنش الوضع بينكم هيوصل للنقطة دي !
تمتم بصوت رخيم ومشبع بحرارة العشق :
_ إنتي نقذتيني من اللي كنت فيه باللي عملتيه ولما خلتيني اتجوزك ، كنت هفضل غارق في القذارة اللي كنت فيها يايسر ، وعشان أنا حمار ومتخلف مش بعيد كنت اضعف لرحمة تاني لما رجعت وحاولت تعتذرلي بس إنتي نقذتيني منها للمرة التانية كمان
ضحكت بأعين دامعة بعدما سمعت نعته لنفسه بـ ( الحمار ) ، وزاد لمعان عيناها بالدموع بعدما استرسل حديثه بمشاعر اقوى من السابقة :
_ لو كنتي غلطتي في حاجة فهتكوني لما خبيتي علينا حملك .. لكن في وجه نظري أنتي مغلطتيش في حاجة تاني ، كل الغلط عليا لأن كل اللي عملته معاكي ملوش تفسير غير إني كنت واحد قذر فعلًا ، وأكيد مكنتش هسمح أقول لعمي وعلاء على موضوع الصور والتسجيلات واخلي علاقتكم تسوء أكتر ، هما طبيعي زعلانين منك بسبب الحمل وإنك خبيتي عليهم كل حاجة عملتها معاكي ، فمش حابب أكون سبب في حدوث فجوة بينكم
انهمرت دموعها حارة على وجنتيها وهي تطالعه بغرام .. ذلك الأحمق لم يخبرها من قبل أنه بكل هذا الجمال والحنان ، هي الآن ليست نادمة على أي شيء فعلته لكي تحصل عليه ، حتى ولو كان بطرق خاطئة فلو عاد بها الزمن لكانت فعلته مرة أخرى دون تردد .
ارتمت بين ذراعيه تهتف من بين بكائها :
_ بحبك أوي ، أنا دلوقتي بس ادركت قيمة اللي عملته عشان احصل عليك ومش ندمانة ولا هعمري اندم
تمتم مشاكسًا إياها حتى يمحو الجو المشحون بالكآبة :
_ والله يايسر بخاف على نفسي منك أحيانًا ، إنتي أول ست تثبتيلي إن كيدهن عظيم فعلًا
نجح في رسم الابتسامة على وجهها فابتعدت عنه وقالت بعبوس مزيف وطريقة كوميدية :
_ اخص عليك ياسنسن ده .. ده أنا غلبانة ولطيفة أوي ، عملت إيه أنا غير أني بعت للحيوانة رحمة واحد عشان يلهيها وتبعد عنك وهددتك بصورك وتسجيلاتك إني هفضحك قدام العيلة كلها ولما اتجوزنا كنت ممشياك على العجين متغلطبهوش ومش بتقدر تقف قصادي ولما حاولت رحمة ترجعلك تاني كشفتها وخليتك تعرف حقيقتها القذرة عشان اكرهك فيها اكتر وبعدين خبيت عنك وفهمتك إني سقطت وخليتك تعيش فترة كلها حزن وكآبة في بعدك عني وتعذيب ضميرك ، وكل ده عشان انتقم منك بس !
انطلقت منه ضحكة رجولية متأججة ليهتف بدهشة :
_ لا فعلًا معملتيش حاجة .. ده إنتي بريئة أوي ياحبيبتي
يسر بنظرات تطلق قلوب حمراء :
_ بس قصاد كدا ورغم كل اللي عملته متقدرش تنكر إني بحبك وبعشقك
انحنى إليها يطبع قبلة قوية على وجنتها وهو يهمس بصدق :
_ وأنا كمان بعشقك ياحياتي .. ربنا يخليكي ليا
_ ويخليك ليا كمان
***
اليوم هو معاد طائرتهم ، بالقدر الذي سعيدة به لعودة اخيها وأبيها إلا أن كلما تتذكر الذي عرفته يتعكر مزاجها ، وتفكر بأي طريقة ستواجهه .. ولوهلة احست بأنها لا تريد رؤيته على الأقل إلى أن تهدأ نفسها الثائرة من ناحيته ، فهي تشعر أنه استغفلهم جميعًا بإخفائه حقيقة كهذه عنهم .
صك سمعها صوت رنين الباب فاستقامت واقفة وغادرت غرفتها فورًا ، بالتأكيد أنهم قد وصلوا ، سبقتها أمها عندما فتحت لهم لتستقبل أبنها بسعادة غامرة وهي تراه يقف على قدماه دون عكازه ، عانقته لوقت طويل وادمعت عيناها من الفرحة ليبعدها عنها ويهمس بابتسامة ساحرة :
_ خلاص ياماما !
_ فرحانة ياحبيبي ومش مصدقة نفسي من الفرحة
اقتربت ملاذ من أبيها تعانقه مرحبة به ، ثم فعلت المثل مع أخيها وهي تهتف بفىحة غامرة لا تقل عن أمها :
_ حمدلله على سلامتك ياحبيبي .. أخيرًا الف حمد وشكر
تجولت أمها بنظرها بينهم بعدما رحبت بزوجها وسألت بحيرة :
_ أمال زين فين ؟!
هتف فراج بنبرة عادية :
_ قال إنه معاه شغل هناك وهيخلصه وياجي ورانا !
تقوست معالم ملاذ بشبه دهشة لتجيب باستغراب وشيء من الأستياء :
_ شغل إيه ده اللي معاه هناك ؟!!!
فراج برزانة :
_ ابقي اتصلي بيه يابنتي وافهمي منه كويس .. هو مقالناش حاجة
نقلت نظرها بقلق بينهم جميعًا ، بعدما حدثها قلبها بأن يوجد شيئًا ليس طبيعيًا ، لكنها دعوت ربها بأن يخيب ظنها ويكون عمل بالفعل وسينهيه ويعود ! .
***
_ عامل إيه يابني طمني عليك ؟
ابتسم لها بحنو ورفع كفها لفمه يلثمه متمتمًا :
_ الحمدلله بخير ياماما .. وحشتيني أوي والله ، ليه مجبتيش رفيف معاكي ؟!
أجابت هدى :
_ في المطعم مقدرتش تاجي بس قالتلي هتبقى تاجي وتشوفك
تحركت شفق نحوهم وهي تحمل صينية فوقها ثلاث كاسات من العصير ، انحنت على هدى أولًا تقول بوجه بشوش :
_ اتفضلي ياطنط
_ تعبتي نفسك والله يابنتي هو أنا غريبة !
اجابت وهي تحرك الصينية باتجاه كرم ليلتقط كأسه :
_ تعبك راحة بعدين إنتي مجتيش البيت عندنا من وقت ما اتجوزنا غير مرة واحدة ، وطالما جيتي بقى يبقى مش هتمشي غير لما تاخدي اليوم كله معانا النهردا
تحدث كرم بمرح مشاكسًا زوجته :
_ ايوة ياماما اقعدي واعمليلي الكفتة بتاعتك عشان وحشتني أوي وأهو كمان تعلمي شفق بالمر لاحسن مبتعرفش تعملها
رمقته وهي ترفع حاجبها بعدما فهمت حركته وأن يتعمد اغاظتها فقالت بعذوبة حتى لا تنوله مراده :
_ وماله وهو أنا اطول لما اتعلم من طنط حبيبتي
رمقت هدى ابنها وقالت مستنكرة ما قاله :
_دي مراتك عليها أكل يجنن وانا شاهدة على كدا .. إنت بس اللي ناكر للجميل
شفق بعفوية وصفاء :
_ تعالي ياطنط عايزة افرجك على حاجة في المطبخ وأخد رأيك فيها
استقامت هدى وسبقتها على المطبخ لتهم هي باللحاق بها لكنها توقفت ورجعت بخطواتها للخلف نتحني عليه وتهمس بنظرات مشتعلة من الغيظ :
_ بقى أنا أكلي وحش ! .. طيب إيه رأيك عقاب ليك هتنام من غير عشا النهردا ياكرم ومش هيمني بتاخد علاج وتعبان ولا غيره
كركر بصوت عالي فحدجته بقرف مغتاظة واستدارت تلحق بهدى إلى المطبخ ! .
***
تحركت باتجاه الباب في خطوات سريعة بعدما استمعت إلى رنينه ولوهلة ظنت الطارق ابنتها ، لكن دهشت بميار أمامها .. لوت فمها باقتضاب وافسحت لها الطريق تهتف بمضض :
_ إيه نسيتي حاجة وجاية تاخديها ولا إيه .. ما أنتي خلاص بقى ضحكتي على ابني واخدتيه مني ومبقيش يسمعلي كلمة
دخلت ميار ثم اغلقت الباب وتمتمت بخفوت :
_ أنا جاية اتكلم معاكي يامرات عمي .. ممكن ؟
طالعتها من اعلاها لأسفلها بنظرة دقيقة ثم استدارت واتجهت إلى الاريكة وجلست مثبته نظرها عليها تحدقها باعين ثاقبة كالصقر تنتظرها أن تنضم لها حتى تقول ماترغب في التحدث فيه معها .. أخذت ميار نفس عميق ثم تحركت نحوها وجلست بجوارها هامسة بشجن :
_ أنا مش عايزة تكوني بتكرهيني كدا .. صدقيني أنا مش وحشة زي ما أنتي شيفاني او متخيلاني ، وأبدًا مكنش في نيتي أخد علاء منك أو ابعده عنك .. عارفة إنك مضايقة بسبب إنه ساب البيت بس أنا مقولتلهوش حاجة والله هو وحده اللي قالي هنقعد في البيت هناك ومش هنرجع
صاحت بها مستاءة ومندفعة :
_ وهو قال كدا ليه ! .. ماهو عشان إنتي أثرتي عليه ومبقيش مستحمل مني كلمة
اطرقت رأسها أرضًا للحظات طويلة تتمالك نفسها التي تنغزها لتبكي ، ثم رفعت وجهها لها مرة أخرى وتمتمت بانكسار :
_ أنا اتحرمت من ماما من أنا وصغيرة ، ومكنش معايا غير نينا كانت هي الأم بنسبالي ودلوقتي الحمدلله علاقتنا أنا وهي رجعت زي الأول فمش حابة يكون في الكره ده بينا أنا وإنتي كمان .. ونفسي تسمحيلي أكون بنتك التانية وتكوني ليا أم لأني محتاجة ده بجد .. محتاجة للنصيحة والسند ، عارفة إنك بتكرهي تصرفات كتير فيا وفي حجات كتير مش عجباكي فيا سواء طريقتي أو كلامي أو غيره ، بس أنا معنديش مشكلة أنك تعتبريني بنتك وتنصحيني وتفهميني الغلط من الصح ، صدقيني هفرح أوي وهنفذ كل نصايحك .. يا.. ماما
شعرت بغصة مريرة في حلقها وتجمعت العبرات في مقلتيها ، اشفقت عليها وذاب الثليج عن قلبها تجاهها .. وشعرت بأنها ظلمتها حقًا عندما لم تسمح لها بإثبات طينتها الجيدة ، فهي نجحت أخيرًا في ضمها لصفها بهذا الكلام وبالاخص بعدما قالت ” ماما ” ! .
مدت كفها وملست على ذراعها بحنو ولطف تجيبها بصوت مبحوح وابتسامة مداعبة :
_ تمام طالما إنتي اللي عايزاني اعتبرك زي بنتي يبقى تستحملي بقى ، بس متندميش بعدين
تهللت أسارير ميار وشعرت بفرحة غامرة بعدما نجحت في مهمتها وتمكنت من إذابة الثليج بينهم ، فهتفت بسعادة ووجه مشرق :
_ اطمني مستحيل أندم
فردت لها ذراعيها تحسها على الانضمام لصدرها فغعلت ميار على الفور بفرحة ، اغلقت زوجة عمها ذراعيها حولها وبيدها تملس على ظهرها بحنان ! .
***
دخلت ملاذ إلى غرفتها واغلقت الباب عليها ثم امسكت بهاتفها واجرت اتصال به ، فقلبها يأكلها من القلق والخوف عليه لا تعرف لماذا !! .
وضعت الهاتف على أذنها تنتظر أن تسمع صوت الرنين ولكن اعطاها ان الهاتف خارج نطاق الخدمة ففغرت عيناها بدهشة وتضاعف خوفها ! ، لكنها هدأت نفسها بأنه قد يكون بسبب الشبكة وعادت تتصل من جديد ولكن كانت النتيجة كسابقها ، فانزلت الهاتف من على أذنها وبقت تحدق بشاشته بارتيعاد وقد ذهب لون وجهها وأصّفر لونه !! ……

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ضروب العشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى