رواية ضروب العشق الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم ندى محمود توفيق
رواية ضروب العشق الجزء الثالث والثلاثون
رواية ضروب العشق البارت الثالث والثلاثون
رواية ضروب العشق الحلقة الثالثة والثلاثون
وقف مندهشًا يحدق بذلك الغريب الذي يحتضن زوجته بين ذراعيه ويحاول افاقتها وهي لم تكن ترتدي نقابها ، فغليت دماء الغضب في عروقه وكاد أن يتحول لوحش كاسر ولكن وضعها وهي فاقدة للوعى كان أهم الآن ليقلق حياله ، فهرول راكضًا إليها وجذبها من بين ذراعيه يهز وجهها بلطف هاتفًا :
_ مــلاذ
حملها واتجه بها إلى داخل المنزل لكي يخفيها عن أعين ذلك الغريب الذي لا يعرفه .. شهقت الأم بزعر عندما رأت ابنتها وهي متغيبة عن الواقع وبين ذراعين زوجها ، ودلته فورًا على غرفتها ليضعها بها فاسرع ودخل وهي كانت خلفه مباشرة .
وضعها على الفراش بحذر وعاد يهز رأسها من جديد يهتف بصوت قوي بعض الشيء :
_ ملاذ .. ملاذ ردي عليا إنتي سمعاني
التفّت أمها من الجهة الأخرى وأخذت تحاول افاقتها أيضًا بينما هو فامسك بكوب الماء الذي وجده بجانب الفراش ونثر على وجهها برفق ثم مد ابهامه وسبابته إلى عصبة أنفها العلوية وجعل يفركها بلطف لكي تفيق وبالفعل بعد لحظات قصيرة فتحت عيناها تدريجيًا .. سمعت صوت والدتها أولًا وهي تقول بفزع :
_ إنتي كويسة ياحبيبتي ؟
اعتدلت قليلًا في نومتها وهمست بصوت ضعيف :
_ كويسة ياماما الحمدلله
تمتم أبيها بقلق واهتمام :
_ قومي يابنتي نوديكي لدكتور يلا
_ لا يابابا مش مستاهلة أنا كويسة والله متقلقوش
كان زين في وسط كل هذا هادئًا بشكل مريب وكأنه ينتظر اللحظة لكي يفرغ كل جموحه .. سمعته يهمس بترقب ونظرات اربكتها :
_ هو إيه اللي حصل معاكي ؟
تجاهلت نظرته المريبة وقالت ببساطة :
_ أنا كنت طالعة استناك برا ودوخت مرة واحدة معرفش ليه !
هبت الأم واقفة وقالت :
_ أنا هروح اعملك عصير تشربيه عشان تقدري حتى تقفي على رجلك
ولم تنتظر ردها بالرفض أو الموافقة حيث اندفعت إلى الخارج وكذلك أبيها ، فوجدها تهم بالقيام وهي تهتف :
_ هقوم اقعد مع طنط أحلام برا واسلم على أيمن
كان يحارب بكل ما لديه من هدوء لكي يبقى ساكنًا ولا ينفجر بها ، ونتيجة لكبحه لغضبه ظهرت في عيناه نظرات مرعبة وخرج صوته صلبًا وغريبًا :
_ متتحركيش من مكانك فاهمة ولا لا .. أنا رايح اقعد شوية مع عمي فراج وبعدين هنمشي ويارب ياملاذ رجلك تعتب برا عتبة الأوضة
انكمشت في نفسها بارتيعاد من ملامحه وطريقته المخيفة ، وتتساءل بداخلها مالذي اغضبه فقد كان طبيعيًا في الهاتف عندما حدثته .. وقف وقال قبل أن ينصرف :
_ ولما نوصل بيتنا هنتكلم عن خروجك برا من غير نقاب
لم يخرج صوتها وبقت ساكنة حتى انصرافه ، فستعادت اللحظات الأخيرة قبل فقدانها الوعي وتذكرت بأنها رأت أيمن يترجل من سيارته ولا تتذكر شيء بعد ذلك ! .
ضربت على رأسها لاعنة سذاجتها وتوقعت تمامًا الذي حدث ولماذا هو يستشيط سخطًا بهذا الشكل ، ولكنها لم تكن تقصد شيء عندما خرجت بدون نقابها ، كانت تنتظره هو واعتقدت بأنه سيصل أولًا !! …
***
انتهى عرض الاوبرا وكانوا في طريقهم للمنزل باعتقادها ولكنها وجدت السيارة تقف أمام مكان مرتفع وشبه مظلم وفي الأسفل الماء ، فنظرت له باستغراب وقالت :
_ إنت جايبنا هنا ليه ؟!
حسن بخفوت :
_ لو ناسية احنا متفقين إننا هنتكلم
_ وهنتكلم هنا يعني ؟!!!
هز رأسه بالإيجاب ثم فتح الباب ونزل ففعلت هي كذلك ، رأته يتحرك باتجاه الهضبة المرتفعة ويجلس على الأرض فتحركت نحوه ووقفت خلفه هاتفة بمضض :
_ إنت ملقيتش مكان غير ده نتكلم فيه يعني !!
_ أنا حابب يكون مكان هادي وبعيد عن الناس .. اقعدى يلا
قال جملته الأخيرة وهو يشير بيده على الأرض بجواره ، فتأففت بنفاذ صبر وجلست بجواره تعلق نظرها على الماء أمامها والنسيم البارد يلفح صفحة وجهها ، ظلوا صامتين لدقائق هي تنتظر منه أن يتحدث وهو لا يعرف بماذا يبدأ ، فتخترق هي فقاعة الصمت القاتلة وتهمس بثبات دون النظر إليه :
_ غيرت رأيك ليه بخصوص الطفل بعد ماكنت مش عايزه ! .. وعايزة الحقيقة ياحسن طالما إنت عايز نتكلم بيقى هنتكلم بصراحة وعلى المكشوف
غمغم دون تردد وبصدق :
_ الحقيقة إني خوفت عليكي .. قلبي مطاوعنيش اخليكي تدخلي عملية خطيرة زي دي ، وللحظة حسيت إني حبيت الطفل ده وإني مستنيه ، في الآخر ده ابني .. تصرفي واللي عملته معاكي ملوش مبرر غير إنه غباء مني ، بس للأسف ندمت بعد فوات الآوان
ابتسمت بمرارة وهدرت تجيبه بقوة :
_ مكنش غباء .. كان كره إنت مكنتش متخيل أن هياجي طفل ويربطك بيا وإنت أساسًا بتحاول تتخلص مني وعايز تطلقني ، مكنتش عايز يكون في أي رابط بينا يخلينا مع بعض حتى لو انفصلنا ، هي دي الحقيقة ياحسن مش كدا ولا لا ومتكذبش وتقول غلط !
لا يستطيع انكار ما قالته بالفعل هذا هو أول شيء فكر به عندما اخبرته بخبر حملها .. ولكنه حينها لم يكن يدرك قيمتها كان أحمق ومتهور ، لم يعترف لنفسه ويفهم أنه يحبها بشدة والآن هو نادم أشد الندم !! .
حسن بخزي من نفسه يؤكد كلامها :
_ صح !
اتسعت ابتسامتها الحزينة أكثر وقالت ساخرة :
_يبقى متقولش إنه غباء .. قول إني كنت بكرهك ومش عايزك
مسح على وجهه متأففًا بيأس وبدأ الحديث بهدوء تام يسرد لها كل شيء من بدايته :
_ أنا عمري ماكرهتك يمكن كنت مش طايقك ومش عايزك فعلًا بس محسيتش تجاهك بكره أبدًا ، أنا كنت شايف إننا مش مناسبين لبعض وإني مش هقدر اكمل حياتي معاكي ، استخففت بحبك ليا ومشاعرك تجاهي ومأدركتش قيمة الحب ده إلا بعد ماخسرته .. ندمان جدًا ونفسي الزمن يرجع بيا عشان امنعك ماتنزلي الطفل ، أحيانًا بحس إنه الطفل ده ربنا بعته فرصة ليا ولينا عشان يقربنا من بعض وأنا بدل ما استغلها ضيعتها بغبائي ، وبفكر دلوقاي وبقول ياترى الفرصة دي هتجيني تاني ولا لا
استمعت إلى حديثه عن طفلهم وتخيلت ردة فعله إذا عرف بأنها اخفت عنه الحقيقة ومازالت محتفظة بطفلهم ، كيف ستكون ياترى ؟! .. استرسل حديثه ينظر لها بأسف وأسى :
_لما طلبتي الطلاق رغم كل حاجة مكنتش قادر اطلقك ، ولما روحت البيت عند عمي عشان اتكلم معاكي ، وسمعت كلامك وطريقتك كرهت نفسي ونطقتها من غير وعي .. حسيت إني مش هقدر اغصبك على حاجة إنتي مش عايزاها اكتر من كدا وكفاية اللي عملته معاكي ، بس بعد كدا عشت في عذاب بعيد عنك ، كنت بروح البيت وبحسه ناقص وجودك يايسر وبشوفه زي البيوت المهجورة ، ورغم كل ده كنت لسا بعاند لغاية ماجه راسل .. كل اللي اقدر أقوله إني خوفت ياخدك مني ومكنتش هستحمل اشوفك مع راجل غيري ، ورديتك لعصمتي لما جيتلك المستشفى في اليوم اللي ميار حاولت تنتحر فيه .. في اللحظة اللي حضنتك فيها بعدها علطول رديتك
دهشها بكلماته الأخيرة وهتفت بذهول :
_ وليه مقولتش طول الفترة دي إنك رديتني ؟!!!
_ كنت متوقع ردة فعلك إنها هتكون صعبة ومش هتقبلي ، ففكرت إني احاول اصلح ولو جزء بسيط من علاقتنا الأول وبعدين اقولك بس بعدها إنتي سافرتي وأنا سافرت وراكي كمان فكان لازم تعرفي واقولك
غامت عيناها بالدموع الحارقة وهي تستمع لحديثه ، كم كانت تود سماع كلمة واحدة يشعرها من خلالها أنه يريدها ويحاول من أجلهم ولكنه سمم سمعها دومًا بكلمات قاسية ،
والآن بعد أن دمر الخيط الرفيع الذي كان يربطهم وكانت هي المتمسكة به وتحافظ عليه ، يترجاها والندم يقتله ويروى لها عن رغبته بها وأنه لا يريد ابتعادها عنه ولن يسمح بأن يأخذها رجل غيره !! .
استقامت واقفة وقالت بصوت مبحوح وموجوع :
_ ياريتك قولت كلامك ده قبل ماتتدمر كل حاجة بينا ، أنا كنت بتمنى اسمع الكلام ده منك بس يفيد بإيه دلوقتي معدش له لزمة
التفتت وسارت عائدة إلى السيارة ليثب هو واقفًا ويلحق بها ركضًا فيجذبها من ذراعها بلطف ويرغمها على الوقوف هامسًا بتوسل وهو يقسم ويقطع الوعود الصادقة لها :
_ اوعدك إني هصلح كل اللي دمرته ، بقسم بالله أن مفيش حاجة من اللي حصلت هتتكرر تاني وهتشوفي شخص مختلف .. أنا من إيدك دي لإيدك دي وكل اللي هتطلبيه أنا مستعد انفذه بدون تفكير ، ومش هطلب منك تسامحيني بس كل اللي عايزه إنك تتراجعي عن الطلاق وتديني فرصة أخيرة واوعدك مش هتندمي
حدجته بصمت لبرهة ، تفكر بإمعان فقلبها مازال يلح عليها بأن توافق وتعطيه الفرصة الأخيرة ، يترجاها بأن لا تتجاهل شوقها له ورغبتها به ، وهناك جانب آخر منها يخشي أن يكسرها للمرة الثانية فبقت بين شقى الاختيار .. تخشي أن تختاره فتندم وأيضًا تخشي أن ترفض فتخسر فرصتها الأخيرة في أن تعيش معه الحياة التي دومًا تمنتها !! .
سحبت ذراعها من قبضته ببطء وهمت بالاستدارة لولا صوته وهو يسألها بترقب :
_ هااا موافقة ولا لا ؟
_ هفكر
قالتها بحزم واكملت سيرها نحو السيارة لتستقل بالمقعد الخلفي فيلحق هو بها ويبتسم باتساع بعدما قوى الأمل بداخله أنها وأخيرًا بدأت تلين قليلًا !! ………..
***
ترجلا من السيارة وحملت هي بعض الأكياس والبعض الآخر حمله هو ، وساروا باتجاه المنزل فقالت هي ضاحكة بمشاكسة تقلده :
_ قولتلك مش هروح ياميار !! .. وفي الآخر روحت برضوا غصب عنك
طالعها مستنكرًا بخنق ليجيبها مغتاظًا :
_ أنا وافقت بس عشان أنا اللي قايل مفيش خروج لوحدك ورفيف مش هتروح معاكي وكمان يسر مش موجودة
قهقهت بخفة وأجابت ساخرة بعدم تصديق :
_ أيوة أيوة فعلًا مصدقاك.. خلاص بقى ياعلاء إنت مش طايقني عشان اجبرتك تروح معايا ، عرفنا إني بهدلتك في اللف بس أهو مرة من نفسي ياجدع
مالت شفتيه للجانب قليلًا وتصنع عدم الاكتراث لها ثم انزل الأكياس على الأرض وأخرج المفاتيح ليهم بوضعها في القفل ولكن أمه سبقته وفتحت الباب بعنف .. تحدقهم بأعين مشتعلة من الغيظ وبالأخص لميار التي رأت في عيني زوجة عمها نظرات نارية كلها نقم ففهمت سببها دون داعي لشرح .
رمقتها ميار بنظرة قوية ثم انحنت على الأرض وحملت جميع الأكياس لتقول بثبات موجهة حديثها لعلاء :
_ أنا طالعة فوق
عبرت من جانبها وقبل أن تخطو خطوة أخرى قبضت الأم على ذراعها تقول بصوت يحمل الشر :
_ استني أنا عايزاكي إنتي
نقلت ميار نظرها بين علاء الذي يتابعهم باستغراب وبين الممسكة بذراعها وتحدجها بأعينها الحاقدة .. ثم سحبت ذراعها بهدوء وهي تقول ببرود بعدما فهمت الذي ستقوله جيدًا :
_ معلش أنا تعبانة يامرات عمي هريح شوية وابقى انزلك
عادت تجذبها من ذراعها مجددًا وتقول بسخط صائحة :
_ وأنا قولت دلوقتي ياميار .. لأني لازم افكرك بحجمك شكلك كدا نسيتي نفسك
تدخل علاء وأبعد أمه عنها هاتفًا بغلظة صوته الرجولي :
_ في إيه ياماما ؟!!
_ هتكلم معاها شوية ياعلاء وهي عارفة كويس أنا هتكلم في إيه
رمق ميار الواقفة بثقة تامة وعدم مبالاة ولا تنظر لهم حتى ليهدر بلهجة آمر وخشنة :
_ اطلعي فوق
لم تتفوه ببنت شفة وامتثلت للأوامر بدون أي اعتراض حيث استدارت وصعدت الدرج متجهة لغرفتهم بالأعلى ولكنها عند آخر درجات الدرج في الأعلى تخفت ووقفت تستمع لما ستقوله أمه .
صاحت الأم بعصبية :
_ لتكون غيرت رأيك خلاص ومش هتطلقها !!
عضن حاجبيه متعجبًا وغمغم بطبيعية :
_ وإيه مناسبة الكلام ده دلوقتي
_ عشان شايفة حضرتك اخدت عليها ونسيت اللي عملته ورايح تشتري معاها هدومها وجايين بتضحكوا وتهزروا
علاء بتوضيح وهو لا يزال هادئًا :
_ ماما أنا طلعت معاها لإني مبثقش أخليها تخرج وحدها فاضطريت اطلع معاها
صرخت أمه بانفعال هادر :
_ دي حرباية وبتتلون بمية لون وهتلف عليك زي الحية وتخدعك وتخليك تحبها وأنا عارفة ده كويس ، وعشان كدا أنا بقولك من دلوقتي ياعلاء مش هسمح أبدًا إنك تكمل مع واحدة زيها بقية حياتك .. أنا مربتش ابني وتعبت فيه عشان تاجي في الآخر وتاخده بنت الله اعلم عملت إيه بظبط ومع مين
امسك بكفها وطبع قبلة على ظاهره هامسًا بدفء :
_ اهدي ياست الكل .. تغيري مع ميار ليه اسبابه بس مش اللي في دماغك وإني حبيتها والكلام الفارغ ده ، ومتقلقيش أنا أكيد مش هكمل معاها وقريب أوي هبدأ في اجراءات الطلاق
لجمت الدهشة ميار بعد أنا استمعت لآخر جمله .. فقد ظنت أنه بدأ ينجذب لها كما انجذبت هي أيضًا له ونمت مشاعر الحب بداخلها تجاهه ، ولكنه يتحدث الآن عن طلاق قريب وما إلى شابه وحتى أنه لم يحاول الدفاع عنها أمام أمه عندما أشارت بكلماتها على أنها فتاة ساقطة وقامت بعلاقات مختلفة مع الرجال !! .
فرت دمعتين حارقتين من عيناها فجففتهم وقالت بأعين شيطانية ومتوعدة :
_ أنا استحملت اهانات الكل ليا واتهامهم ليا بذنب معملتهوش ، بس خلاص كفاية طالما هي بقت بالشكل ده .. يبقى مش هسمح لحد يدوس عليا أكتر من كدا ، ومن هنا ورايح هتشوفوا ميار الحرباية بجد بقي
***
داخل منزل زين العمايري …..
دخلت هي الغرفة أولًا وهمت بغلق الباب لكي تبدل ملابسها ولكنه اعاق غلقه ودخل يهتف بصرامة مريبة :
_ أظن أنا قولت لما نرجع البيت هنتكلم
ملاذ بحيرة من عصبيته الغريبة :
_ زين أنا أكيد مكنتش قاصدة اطلع من غير نقابي يعني .. ليه العصبية دي كلها !!
صاح بصوت جهوري نفضها بأرضها :
_ سببها إني جيت لقيت مراتي في حضن راجل معرفهوش وبيتأمل فيها وهي مغمى عليها ، وسيادتها طالعة تستنيني برا من غير نقاب
تمتمت محاولة تهدئته برفق :
_ أيمن مش كدا إنت أكيد تهيأ ليك ، أنا وهو متربين مع بعض وهو مش بيشوفني غير اخت ليه
اخطأت في التوضيح والشرح وبدل من أن تهدأ من ثورته ، هيجتها أكثر فوجدته يصرخ بوجه تراه للوهلة به :
_ مفيش حاجة اسمها اخوات ياهانم .. ده راجل اجنبي عنك وسواء كنتي متجوزة أو لا يبقى تحطي حدودك معاه ، إنتي عارفة إني معنديش تهاون في المواضيع دي وقولتلك قبل كدا أنا راجل دمي حامي ، يوم الخطوبة كان موجود وفضلتي تضحكي وتهزري معاه وعديتها عشان مكنتش اقدر اقولك تعملي إيه ومتعمليش إيه مع إني اتعصبت جدًا وقتها ، والنهردا رغم إنك عارفة إنه جاي في الطريق زي ماعرفت عندكم طلعتي من غير نقاب برضوا .. ونبهت عليكي متخرجيش من الأوضة برضوا خرجتي عشان تسلمي عليه هو ومامته قبل مايمشوا وكأن كلامي ملوش أي ستين لزمة
انفعلت هي الأخرى وهتفت بنبرة شبه مرتفعة :
_ كنت فاكرة إنك هتوصل قبله وطلعت عشان كدا ولولا إني اغمي عليا كنت هدخل علطول طبعًا .. ونيتي مش إني اكسر كلمتك بس أنا خلصت لبس وجهزت وطلعت على اساس إننا هنمشي ومينفعش مسلمش عليهم وكل اللي قولته إني قولتله مع السلامة من غير سلام ولا أي حاجة .. أنا مش فاهمة دي غيرة ولا إيه بظبط ، بعدين بدل ما تسألني وتطمن عليا بعد اللي حصلي بتزعقلي وحتى مهنش عليك تقولي لو تعبانة اوديكي للدكتور
اقترب منها بأعين ثاقبة كالصقر وحمراء كالدم من فرط سخطه ، ليخرج صوته مخيفًا ومنذرًا :
_ صوتك ميعلاش على جوزك يامدام يامحترمة وخصوصًا لما تكوني غلطانة
ثبتت نظرها في عيناه بقوة وقالت بعناد :
_ أنا مش غلطانة يازين !
كور قبضة يده وضغط عليه بعنف يجاهد في تمالك انفعالاته ليهتف ببعض الدهشة من عنادها وعدم اعترافها بخطأها :
_ مش غلطانة !!! .. يعني عايزة تقولي إن أنا اللي غلطان !
_ أنا مقولتش كدا بس شايفة إنك مزودها أوي الصراحة
ابتسم ساخرًا وقد احس بأنه سيفقد زمام نفسه فصاح محذرًا إياها بلهجة لا تحمل المزح ولا التهاون ونبرة رجولية مرعبة :
_ تمام .. من هنا ورايح الكلمة اللي هقولها تتسمع بالحرف ياملاذ وأنا بحذرك أهو لأول مرة متختبريش صبري كتير وإلا صدقيني عندي استعداد اخليكي تشوفي زين اللي كنتي متوقعة تشوفيه يوم الفرح
ثم تركها وانصرف ، فبقيت هي في صدمتها من الذي تفوه به .. ” هل كان يتحدث بجدية أم هذا من تأثير الغضب الذي جعله يتكلم بدون وعي !! .. وماذا يقصد بآخر جمله ؟! ” ، في لحظة ذهول احست بأنها ترى خطيبها السابق وليس زوجها وحبيبها !!! .
***
مع اشراقة شمس يوم جديد داخل منزل كرم العمايري ……
ضوء بسيط من أشعة الشمس متسلل من خلال الشرفة وهو يعلق نظره عليه .. يده تعبث بشعرها في رقة وعقله مشغول بالتفكير ! .
سبحان القدر الذي أخذ منه قطعة من قلبه فجأة ووضع مكانها قطعة أخرى ليعوض الفراغ الذي خلفته تلك القطعة .. لا يزال حتى الآن كلما يتذكر أروى لا يصدق أنها لم تعد موجودة بعالمنا ! .
اعتقد بأن قلبه لن تتربع على عرشه امرأة سواها ولن يأتي بعدها ، ولكن القطعة التي ارسلها الله له فريدة في كل شيء ، دخلت في الفراغ واملته ، عوضته عن الحزن والعذاب الذي ذاقه منذ رحيل زوجته ، كانت تمامًا كربيع يمحو صقيع الشتاء عن قلبه ويعيد البهجة والسعادة عليه ، نجحت في أن تحتل مقصورة قلبه ليعترف وبكل صراحة أنه عشقها .
ليلة أمس أصبحت زوجته فعليًا وليس بمجرد القول ، يستطيع أن يصفها بأنها أجمل ليلة في حياته على الاطلاق .. كيف كانت ناعمة ورقيقة وهي بين ذراعيه ، لا شيء على الاطلاق يضاهي ابتسامة بريئة منها مع همسة رومانسية في أذنه تقر فيها بحقيقة عشقها النقي له ! .
انحنى إليها وطبع قبلة دافئة على ذقنها ثم وجنتها ومن ثم عصبة أنفها وأخيرًا جبهتها ، يقصد بأن يجعل قبلته قوية قليلٌا لكي يوقظها وبالفعل فتحت عيناها ببطء فرأت ابتسامته الساحرية التي تعشقها ونظرات غرامية ، لتصعد الحمرة لوجنتيها وتعتدل بعض الشيء في نومتها هامسة باستحياء :
_ صباح الخير
عاد يخطف قبلته الثانية من وجنتها متمتمًا بهيام وغزل :
_ صباح العسل ياجميل
اعتدلت جالسة في الفراش وارجعت خصلات شعرها خلف أذنها مغمغمة بخجل :
_ هي الساعة الكام ؟!
مد ذراعه وجذبها إليه يهمس بمكر :
_ وإنتي عايزة تعرفي الساعة ليه !!
حاولت الهرب من محاصرته لها بذراعيه وتمتمت باضطراب :
_ أنا هقوم احضر الفطار
_ ومين قالك إني جعان !
مازالت خجلة منه وستحتاج بعض الوقت لتعتاد على الوضع المختلف ، لكنه لا يفهم ذلك وهي تريد الفرار منه بأي شكل فلمعت في ذهنها فكرة واطلقت صرخة بسيطة تقول بتألم وهي تبعد يده الملتفة حول خصرها :
_ براحة ياكرم !
ابعد ذراعيه عنها وهو يرفع حاجبه مستنكرًا توجعها المزيف ، استغلت هي الفرصة ووثبت من الفراش وقبل أن تفر راكضة منه قبض على رسغها وجذبها فارتدت علي الفراش للخلف ووجدته يهتف بحدة مزيفة يضمر خلفها مزاحه وابتسامته :
_ ماتهدي يابت واثبتي .. تعبتيني معاكي
انطلقت منها ضحكة انوثية متأججة على طريقته الغريبة ومدت كفها تضعه على وجنته قائلة بضحك ومشاكسة رقيقة :
_ لا مليش حق معقول اعصب الكوكو بتاعي
بضحكة وقطعة لطافة على كلمتين منها تحول فورًا واتمحت معالم الحدة لتخرج ابتسامته وهو يجيبها بخبث :
_ اهاا فعلًا أنا متعصب جدًا ولو مسمعتيش الكلام هتعصب اكتر
استمرت في ضحكها وقالت بعفوية :
_ وهو أنا اعترضت على حاجة أساسًا
هب واقفًا واتجه إلى باب الغرفة ثم اغلقه بالمفتاح ووضعه في جيب بنطاله وعاد يجذب هواتفهم ويغلقها تمامًا ففغرت فمها وقالت بدهشة امتزجت ببعض الحياء وهي تضحك :
_ لا كرم بلاش الحركات دي .. إنت حتى الفون بتاعك قفلته !!
انحني إليها وهو واقف ليهمس أمام عيناها مباشرة بنظرات تلمع بوميض العشق :
_ ومفيش فون هيتفتح لمدة يومين ، أنا مش عايز أي مصدر ازعاج وحابب استجم مع اميرتي ونقضي وقت لطيف لوحدينا بعيد عن الناس .. ممكن؟
اماءت له عدة مرات في أعين لامعة بدموع السعادة وابتسامة عاشقة فيثب هو فوق الفراش ويتمدد على ظهره ليحدق في السقف بسكون حتى تمددت بجواره ومدت يدها تعبث بخصلات شعره وتمرر اناملها بين خصلاته .
تحدث هو بهدوء ونبرة خائفة :
_ إنتي كنتي بتقوليلي إنك خايفة اسيبك زي سيف ومامتك بس في الواقع إن أنا اللي خايف اخسرك .. متبعديش عني ياشفق
وضعت خجلها جانبًا وتصرفت كما تقودها مشاعرها المتيمة به حيث انحنت إلى جبهته وقبلته هامسة بنعومة وحنو :
_ أنا دايمًا جمبك ياحبيبي ومستحيل ابعد عنك
التقط كفها وقبَّل باطنه بكامل اللطف والحب ثم رمقها بنظرات تتحدث عن الذي يخفيه في ثنايا قلبه ، ابتسم ببساطة وسرعان ما اعتدل واصبح نصف ممدد علي الفراش يهل عليها بجسده وهي النائمة على ظهرها ، قرب وجهه وداعبها في انفها بانفه يهمس بحب ومداعبة :
_ عايز بنتين وولدين ويكونوا شبهك
هتفت ضاحكة برقة واستغراب :
_ كلهم !!!
هز رأسه بالإيجاب فاجابت هي بنفي ومرح :
_ لا أنا عايزاهم يكونوا في حنيتك وجمالك وطيبتك عشان أنا مش مكفياني نسخة واحدة من الكوكو الصراحة
قهقه بصوت مرتفع وهتف باسمًا بلؤم :
_ طيب يلا بينا عشان ندخل على المستوي التاني ونجيب النسخ المصغرة دي
لحظات رومانسية وغرامية يسرقونها من الوقت ولن تكون الأخيرة مطلقًا ! …….
***
تحركت ريماس باتجاه أخيها حتى توقفت أمامه وقالت بشجاعة :
_ أنا سمعتك إنت وبابا بتتكلموا على حاجة هتعملوها في كرم
جاسر بخشونة :
_ حاجة متخصكيش ياريماس ومتدخليش في اللي ملكيش فيه
صاحت به غاضبة :
_ لا تخصني .. أنا مش فاهمة إيه اللي بتعملوه ده إنت وبابا ما تسيبوها في حالها كفاية
ابتسم جاسر ساخرًا واجابها بعدم مبالاة ونظرات كلها شر :
_ إيه الحب اللي ظهر عليكي فجأة كدا !! .. ثم إننا مش هنأذيها بالعكس أنا عايز شفق ومش قادر استنى اللحظة اللي تكون فيها معايا يعني اطمني عليها .. احنا بس هنقرص ودن ابن العمايري اللي فارد ريشه علينا وبيتحدانا
لن يفهموا ولن يقتنعوا حتى أنهم لن يتراجعوا عن افعالهم الشنيعة ، وقررت أن تأخذ الأمر لصالحها حيث اظهرت رضاها عن الذي سيفعلوه وقالت بفضول حقيقي :
_ تمام ياجاسر براحتكم .. ممكن بقى اعرف هتعملوا إيه معاه
سار مبتعدًا عنها وهو يقول غير مكترثًا وبغلظة صوته الرجولي :
_ لا مش ممكن وخليكي برا المواضيع دي ياريماس احسلك
تأففت بخنق وضربت الأرض بكعب حذائها في غيظ وهناك صوت يلح عليها في نفسها يقول بلا توقف ” لا تسكتي عن هذه المهزلة !! ” ……
***
ساعات من التفكير .. اعطيه فرصة أخيرة .. أم لا ؟ .. وماذا سيحدث إذا اعطيته ؟ فأنا لم أعد تلك الساذجة التي تنجر خلف قلبها كالحمقاء .. يريد فرصة ولديه الاستعداد لفعل أي شيء حتى ارضى عنه .. لماذا لا استغل الموقف واتلذذ به على راحتي ؟ .. وإذا كان هو يريدني فليثبت لي هذا ! .
حديث طويل تخوضه مع نفسها منذ الأمس على هذا النحو تفكر وتفكر ماذا ستفعل معه ، وبما إنها قررت مسامحته أخيرًا يجب أن لا تجعله يحصل عليها بسهولة ، سيجعلها تصدق أنه حقًا يستحق ذلك الطفل الذي تحمله في احشائها ! .
كانت بالمطبخ تقوم بتحضير الأفطار لها فصك سمعها صوت رنين الباب ، تنهدت بقوة وغسلت يديها ثم اتجهت نحوه وهي تعرف جيدًا أنه هو ، امسكت بالمقبض وفتحت لتجده يحمل بيده اكياس بها طعام وخضار وهتف هو بنبرة عادية :
_ اشتريت ليكي شوية طلبات عشان متحتاجيش حاجة وتنزلي تجبيها
لوت فمها بامتعاض مصطنع ثم افسحت له الطريق حتى يدخل ويضعهم في المطبخ وبمجرد ما أن دخل وهي استدارت لتغلق الباب ابتسمت ولكن اخفت ابتسامتها فورًة ولحقت به إلى المطبخ ثم همست بنبرة عادية دون أي تعبيرات وجه :
_ شكرًا
مالت شفتيه لليسار بحب وقال :
_ أنا هروح اغسل إيدي في الحمام
اماءت بالإيجاب وذهب هو إلى الحمام ، غرفة نومها أمام الحمام وهي قامت بشراء بعض الملابس لطفلها وتركتهم على الفراش بالتأكيد سيراهم .. فغرت عيناها وفمها بصدمة وهرولت راكضة خلفه هاتفة :
_ حسن
توقف على أثر صوتها واقتربت تقف أمامه مباشرة لتخفي الغرفة عن انظاره مغمغمة بتلعثم :
_ إنت ليه جبت الطلبات دي ؟
تعجب سؤالها الذي هو اخبرها عن اجابته عند الباب فقال بحيرة :
_ ما أنا قولتلك يايسر عشان متبقيش محتاجة حاجة ويبقى عندك في البيت فمتنزليش تشتري بنفسك
_ آهااا طيب
ظلت متصلبة أمامه تتابعه حتى رأته دخل الحمام وتأكدت بأنه لم يرى شيئًا ، فاسرعت للغرفة ولملمت الملابس والقت بهم بعشوائية في الخزانة ثم خرجت واغلقت الباب خلفها وهي تتنفس الصعداء بارتياح .
خرج من الحمام بعد أن جفف يديه في المنشفة وذهب لها مجددًا بالمطبخ ليقف بجوارها ويقول مبتسمًا بترقب :
_ فكرتي في كلامنا امبارح ولا لا ؟
يسر بصوت قوي دون أن تنظر له وهي منشغلة بتقطيع الطماطم :
_ موافقة
تهللت اساريره واختفي انفطاء عينه ليحل محله البهجة والفرحة .. هدر بمشاكسة :
_ كنت متأكد إنك لسا بتحبيني ومش هتقدري تعاندي كتير
رفعت السكين في وجهه وهي ملطخة بالطماطم وهتفت بضجر وحدة :
_ أنا مقولتش إني مسمحاك أنا قولت موافقة اتراجع عن الطلاق ومؤقتًا يعني حط مية خط تحت مؤقتًا دي عشان الحماسة متخدكش معايا وتنسي نفسك
كتم ضحكته وأجابها بخضوع تام لها ونبرة مرحة ومغرمة :
_ وماله أهو احسن من بلاش يامزتي ، نزلي بس السكينة دي عشان الشيطان شاطر
حركت حواجبها بصرامة ووسعت مقلتيها وهي تقول بلهجة آمرة :
_ اطلع برا ياحسن
تجاهل جملتها الآمرة وقال يكمل مرحه :
_ طيب ومش ناوية تحني وتخليني اقعد معاكي في الشقة هنا !!
عادت ترفع السكين مجددًا وهذه المرة قربتها من وجهها كثيرًا حيث قالت بتحذير وغيظ :
_ قولت اطلع برا وامشي يلا
_ ماشي طالع خلاص
قالها متأففًة باختناق واستدار ليبتعد ويغادر المنزل بأكمله فتضحك هي وتقول بمكر ووعيد له :
_ بعينك ! .. ده إنت اللي شوفته كوم واللي هعمله فيك دلوقتي كوم تاني
***
داخل منزل طاهر العمايري ……..
كانت ميار تقف بالمطبخ وتقوم بتحضير كوب قهوة صباحي لها وبينما هي منشغلة في تحضيره وجدت زوجة عمها تقبض على ذراعها وتجذبها إليها هاتفة بنبرة صوت منخفضة حتى لا تصل لأذن ابنها وزوجها بالخارج مع نظرات منذرة كلها نقم :
_ بقولك إيه ياميار عدي إيامك معانا على خير ومتحاوليش تتقربي من ابني لإني مش هسمحلك تخدعيه بكذبك
_ بس أنا مكذبتش في حاجة إنتوا ظلمتوني كلكم ومش عايزين تصدقوا الحقيقة
ضغطت على لحمها بعنف وهي تصر على اسنانها مغتاظة وتهتف بإهانة واضحة لها :
_ انهو حقيقة .. إن الصور كذب ولا إنك لسا بنت ومحدش لمسك ، أنا مستحيل اخليكي تدمري حياة ابني سامعة ولا لا
استشاطت ميار سخطًا ولم تكن تود أن تنشب سجار بينهم الآن أو تفعل حركة ماكرة ولكن بما قالته أثارت بركانها الخامد ، وهتفت بصوت مرتفع عمدًا لكي يسمعوا ويأتوا :
_ ومين قالك إني عايزاه ابنك ده أصلًا ، اشبعي بيه بعيد عني
صاحت الأخرى بعصبية بعدما سمعت نبرتها العالية :
_ لا وكمان ليكي عين وبتعلي صوتك عليا .. إنتي فعلًا متربتيش وعايزة تتربي من أول وجديد
ابتسمت ميار في داخلها من انفعالها وقد احست بأن خطتها تسير كما يجب حيث استكملت في مهمة استفزازها أكثر و قالت بلؤم دفين :
_ لا أنا متربية كويس أوي والدليل إني ساكتة على اللي بتعمليه معايا ومقولتش حاجة لا لعمي ولا لعلاء
اشتعلت كجمرة نيران متوهجة وفقدت السيطرة على نفسها فرفعت يدها في الهواء بينما ميار فتفادت بوجهها للجانب الآخر مغمضة عيناها وبداخلها تدعي أن لا تفشل خطتها وبالفعل سمعت صوت علاء وهو يقول بحدة :
_ ماما بتعملي إيه ؟!!
فتحت عيناها وهي تخفي ابتسامة شيطانية ودت لو اطلقتها على ثغرها ، رمقت زوجة عمها بخبث ونظرة نارية دون أن يلاحظ علاء ، لتشتعل الأخرى أكثر في غضبها وتصيح بابنها الذي يمسك بكفها الذي كادت أن تهوي به على وجنتها :
_ دي عايزة تربية ، لو شفتها بتكلمني وبتبص إزاي ياعلاء !
ترك كف أمه وزغر ميار بنظرة مخيفة ليراها مجفلة نظرها أرضًا بانسكار ، بدا له حقيقي ولكنه في الواقع مزيف .. هدأت ثورته بعدما رأى وضعها وقال بنبرة حازمة :
_ اطلعي فوق ياميار
لم تتفوه ببنت شفه واتبعت الأوامر بدون نقاش حيث سارت للخارج وهي تبتسم بمكر وسمعته يلوم امه ببعض الانزعاج :
_ مهما كان اللي عملته مينفعش اللي عملتيه ياماما برضوا .. بالله عليكي أنا مش ناقص ، لو عايزة تريحني بجد بلاش تعاندي إنتي وهي مع بعض ابوس ايدك وبلاش مشاكل
لم تتحدث أمه وبقت تطالعه بذهول أنه بدل من أن يلوم زوجته ويغضب عليها ، يلقي اللوم عليها هي ويراها مخطئة في فعلتها .
ابتعد علاء عنها وغادر المطبخ بأكمله تاركًا إياها تترنح من فرط غيظها ونقمها على تلك الحربائة !! ……..
***
تابعته وهو يستعد للخروج ويقف أمام المرآة يهندم ملابسه ويسرح شعره بالفرشاة الرجالية ، لا يهتم لها وكأنها غير موجودة .. يعاقبها كالعادة بعقاب قاسي على خطأها ، واقسي عقاب بالنسبة لها هو تجاهلها ، ولكنها لم تخطأ ولم تكن تقصد الخروج عمدًا بدون نقابها أو خروجها لتسلم عليه لم يكن عمدًا فقد ظنت أنهم ذهبوا ولا يوجد بالمنزل سواه ! .
هو ينظر لخطأها ولا يلتفت لطريقته الذي حدثها بها بالأمس وتهديده بأنه سيريها شخص سيء لم تراه من قبل !! .. لسانها يأكلها أكل لكي تتحدث فالصمت وهي مغتاظة ليس من صفاتها ، وأن سكتت ستنفجر من غيظها .
قالت بمرارة وخنق :
_ طبعًا أنا بس اللي بغلط لكن حضرتك مش بتغلط أبدًا
التفت لها برأسه ورمقها بصمت وقوة ثم اعاد رأسه لوضعها الطبيعي وتجاهلها ، استفزها أكثر واسترسلت حديثها باستياء ملحوظ هذه المرة :
_ سيادتك تزعق وتبهدلني وأنا هسكت وكل ليه بسبب غيرتك اللي ملهاش مبرر إنك تكلمني بالطريقة دي .. ثم إن إيه قصدك بـ هتخليني اشوف زين اللي كنت متوقعة اشوفه يوم الفرح ؟!!!
مسح على وجهه متأففًا وسمعت تمتمه بكلامات غير مفهومة ، توقعت أنه يستغفر ربه كالعادة .. استدار بكامل جسده لها وقال بجموح يكتمه عنها :
_ طريقتي !! ، وهي طريقتك اللي كلمتيني بيها كانت صح ؟!!
استشاطت ووثبت واقفة من فراشها تقف بمواجهته وتقول بتحدي وضجر :
_ أنا انفعلت بسبب عصبيتك عليا ، ما أنت مشوفتش نفسك كنت بتزعق إزاي فيا
_ ماهو لو مكنتيش نرفزتيني مكنش ده هيحصل
ضحكت ساخرة وقالت بسخط وملامح متقرفة :
_ لا والله !! .. إنت اللي كنت بتدور على حاجة عشان تتعصب عليها فمتقولش إن أنا اللي عصبتك
كاد أن ينفعل مجددًا فابتعد عنها لينصرف ولكنها اعترت طريقه عاقدة ذراعيها في خصرها وتهدر بعناد طفولي :
_ متطلعش من البيت
رفع حاجبه اليسار بصرامة وقال مستنكرًا ما قالته :
_ نعم !!!
عادت تؤكد عليه ما تفوهت به بشموخ :
_ زي ما سمعت أنا عايزة اخرج النهردا
انطلقت على ثغره ضحكة مغلوبة واجابها بغطرسة :
_ وبعد اللي بتعمليه واللي حصل امبارح أنا المفروض اوافق مثلًا
قوست وجهها بملامح طفل سمج وقالت ببرود :
_ ده حاجة وده حاجة متربطش الأمور ببعضها
كتم ضحكة متأججة كانت ستصدر على طريقتها وقال ببرود مماثل لها قبل أن يتركها وينصرف :
_ لا مش موافق
صرت على أسنانها باغتياظ وصاحت عليه ليسمعها من الخارج :
_ ماشي يازين براحتك على الآخر
ارتدي حذائه وضحك بخفة ثم فتح الباب وغادر المنزل بأكمله تاركًا إياها تتوعد له ……
***
_ أيوة تمام حط دي هنا .. بس كدا كويس أوي
قالتها رفيف التي كانت تتحدث مع أحد العمال ويضعوا اللمسات الأخيرة قبل الافتتاح الذي سيكون بعد أيام قليلة .
وصل إسلام وحدجها من بعيد مبتسمًا ثم اقترب نحوها وقال بعذوبة :
_ ماشاء الله عليكي يابشمهندسة
التفتت بجسدها اتجاهه وهتفت باشراقة وجه جميلة :
_ ياااه لا بجد مش مصدقة اننا خلاص خلصنا وهنفتتحه بعد كام يوم
إسلام بابتسامة رائعة ونبرة ذات معنى :
_ خلاص بقى بقيتي فاهمة كل حاجة ماشاء الله ومش محتجاني
هدرت بنفي ونبرة مؤدبة :
_ لا إزاي ده لولاك والله مكنتش هعرف اعمل حاجة .. ساعدتني جدًا والشراكة طلعت مفيدة يعني
قهقه ببساطة ثم قال بأعين تنضج بالإعجاب :
_ طيب أنا جايب فطار معايا وبمناسبة انتهاء التجهيزات عازمك على الفطار معايا
رفيف بحياء جميل ورفض محترم :
_ شكرًا بس حقيقي أنا مش جعانة دلوقتي
_ مفيش اعتراض يارفيف يلا
قالها بلهجة شبه آمرة لا تقبل الجدال ، لتصدر هي زفيرًا حارًا بعدم حيلة وتنضم له شبه مجبرة بسبب اصراره .. فمنذ أن سمعت حديثه في الهاتف وهي تحاول تجنبه وتتوتر منه بشدة ولكنه يتعمد التحدث معها وكأنه يعرف بأنها سمعت وتخجل منه !! ، ويعقد قراره النهائي بأنه لن ينتظر أكثر من ذلك وسيتحدث مع زين في طلب يدها للزواج ! ……….
***
الساعة تخطت التاسعة مساءًا وكانت الجدة تجلس بالحديقة تتنسم بالهواء الطلق .. وبينما هي شاردة الذهن بحفيدتها التي اشتاقت لها أكثر من أي شيء آخر ، تود الذهاب إليها والاطمئنان عليها ولكن داخلها يمنعها وسخطها عليها يقف حاجزًا بين شوقها .
رأت علاء يقترب منها بعد أن توقفت سيارته بالمكان المخصص داخل الحديقة ، فابتسمت بصفاء وعند وقوفه أمامها انحني إليها وعانقته عناق حار بحنو متشدقة :
_ عامل إيه ياولا كدا ولا تسأل عليا طول الفترة دي
التقط علاء كفها وقبل ظاهره هامسًا بنبرة مهذبة :
_ غصب عني والله ياجدتي كلنا مشغولين الفترة دي في الشغل ومش بلحق خالص
اشارت له بيدها على نصف الأريكة الفارغة هاتفة بدفء :
_ طيب اقعد هنده على رفيف اخليها تعملك حاجة تشربها
_ اشرب إيه بس هو أنا غريب ياجدتي .. بعدين أنا جاي اتكلم معاكي في موضوع تاني ومهم
انتفض قلبها فزعًا وظنت بأن مكروه أصاب حفيدتها فأجابته بزعر وقلق :
_ ميار عملت حاجة في نفسها تاني ؟
_ لا لا هي كويسة متقلقيش
هدأت نفسها وارتاحت قليلًا ثم انتبهت له جيدًا بآذان صاغية حتى تستمع إلى ما يريد إخبارها به بتركيز ……….
***
التقطت شفق هاتفها الذي يعطي رنينًا صاخبًا .. نظرت لشاشته وقرأت اسم المتصل فعقدت حاجبيها بحيرة امتزجت بالخنق والقت بالهاتف على الأريكة بجوارها متجاهلة الاتصال ولكنه لم يتوقف عن الرنين ، بالآخير اجابت عليها بمضض هاتفة :
_ ايوة ياريماس خير
ريماس بنبرة مزعورة :
_ شفق هو كرم موجود في البيت ولا طلع ؟
_ مش موجود .. إنتي عايزة إيه ؟
اشتد شعور القلق بداخل الأخرى فأبيها وأخيها وضعوا المكيدة وجهزوها له .. هتفت في اهتمام وهلع :
_ طيب اتصلي بيه وخليه ميركبش عربيته لاني سمعت بابا وجاسر بيقولوا إنهم عملوا حاجة في عربيته .. بس معرفتش إي هي الحاجة دي
شهقت شفق مفزوعة ووثبت واقفة تجيب عليها بصوت مرعوب :
_ عملوا إيه ؟! ..صدقيني ياريماس لو كرم حصله مش هرحم اخوكي وابوكي
انزلت الهاتف من على أذنها وضغطت على الشاشة لتنهي الاتصال وبيد مرتشعة قامت بالاتصال به .. رنين .. رنين .. بلا رد !! ، مرة وأثنين وثلاثة وهي تحاول الوصول له ولا يجيب .. فخرج همسها المتوسل وقد ادمعت عيناها :
_ رد ابوس إيدك ياكرم .. رد ، يارب احميه ويكون بخير
على الجانب الآخر توقف هو بسيارته أمام ” كمين للشرطة ” وانحنى الضابط عليه من نافذة السيارة يهتف بجدية :
_ البطاقة
مد يده له بالطاقة الشخصية كما طلب وجاب بنظره بين الكل فقد كانت المكان مزدحم والشرطة أكثر من العادة ، نظر للضابط وقال بتساءل :
_ هو في حاجة حصلت هنا ولا إيه ؟!
_ أهاا في عملية سرقة كبيرة وأي عربية بتعدي بتتفتش
أماء له بالإيجاب في تفهم وانتظر بمكانه حتى ينتهوا من تفتشيهم ومهمتم ، ولكنه سمع صوت العسكري الذي قام بتفشيش حقيبة السيارة الخلفية يصيح مناديًا على أحد الضباط ، نزل كرم من سيارته وإذا بالصدمة تلجمه بأرضه وهو يرى العسكري يحمل بيده اكياس ممنوعات كانت مخفية في السيارة !!! ……….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ضروب العشق)