رواية صماء لا تعرف الغزل الفصل الأول 1 بقلم وسام الأشقر
رواية صماء لا تعرف الغزل البارت الأول
رواية صماء لا تعرف الغزل الجزء الأول
رواية صماء لا تعرف الغزل الحلقة الأولى
في غرفة مظلمة يحيط بها الظلام الذي يكاد أن يخترقه ضوء الشمس الحار من خلف الستائر البالية التي تدل علي قدمها وكثرة استعمالها، تظهر هذه الأشعة التي تكاد تنبعث من النافذة بخجل داخل غرفة صغيرة مكونة من خزانة ملابس صغيرة ومكتب صغير مُبعثر عليه بعض الكتب في جهة الباب، أما بجواره نجد سرير صغير يكاد يتحمل شخص واحد تدل معالمه علي قدمه وفوقه تنام انثي صغيرة الحجم نحيلة متوسطة القامة بيضاء البشرة ذات شعر بني طويل.
تململت هذه الفتاة في نومها بسبب شعورها بالانزعاج من اهتزاز عنيف تحت وسادتها فبدأت بفتح عينيها بصعوبة ليظهر من خلف أهدابها البنية عيون رمادية صافية، يقسم من يري هذه الملامح يقول أن هذه ملامح فتاة أجنبية وليست من أهل البلدة فمن في مكانها يجب أن يكون سعيدًا أنه يملك مثل هذه الملامح الهادئة لكثرة المعجبين بها ولكن للأسف أنها آخر شخص تتمنى أن يُعجب بها أحدًا بسبب ظروفها الخاصة.
قامت غزل من نومها لتمد يدها أسفل وسادتها لتجذب هاتفها المخصص على خاصية الاهتزاز دائمًا لتغلقه، فلولا هذه الخاصية ما افاقت ابدًا من نومها.. استقامت للتوجه إلى النافذة لتفتحها علي مصراعيها ليخترق ضوء الشمس الغرفة وتتطاير خصلات شعرها الذي بلون العسل الناعم علي وجهها، فتتجه للخروج لدخول دورة المياه وتصلي فرضها.
بعد الإنتهاء من فرضها توجهت لغرفه مجاوره لتفتح ضوئها لتُيقظ سيدة في أواخر عقدها الرابع ولكن ما يراها يجد امرأة نهشها الزمن وقسى عليها، قامت غزل بوضع يديها اليمنى علي كتفها لتوقظها.. مع الحركة الثانية، استجابت لتقول بحبور:
– صباح النور يا عيوني.
قالتها وبعيونها الكثير من الحب، لتبتسم غزل وتقوم بسحبها من يديها لتساعدها على الوقوف والتوجه للاغتسال.
– يابنتي انا هعرف اتحرك لوحدي انا لسه ما عجزتش.
قامت غزل بتحريك رأسها ورفع كتفيها برفض أن تتركها.. بعد فترة كانت غزل بالمطبخ الصغير تعد الإفطار المكون من فول وطعمية والعيش البلدي والجبن وشرعت في وضع الطعام علي المائدة وعندما بدأ الإفطار رأت ضوء أحمر من مصباح مخصص يضيئ وينطفئ، فأسرعت إلى باب المنزل لتنظر من عينه وتفتح الباب مسرعةً تقفز كالأطفال بسعادة عند رؤية الواقف أمامها..
– صباح الخير ياغزغز
عبست غزل وانعقد حاجباها من هذا التدليل السخيف فأشارت بيدها رافضة لهذا التدليل:
– خلاص خلاص ماتزعليش ياغزالي
ابتسمت غزل وحثته علي الدخول، فسمع صوت صفا يقول:
– تعالى يا محمد حماتك بتحبك زي مابيقولوا هنا.
– تسلمي يا خالتي والله، انا نزلت من فوق جري عشان متأخر.. بس مدام حلفتي اقعد اكل معاكم.
ابتسمت غزل و أسرعت بجلب ما يكفيهم من الخبز واندفعت تجلس بجواره وهي تأكل بسعادة وتشاهد محمد يأكل باستمتاع وينظر إليها بحب فشردت في أول مرة رأت فيها هذا الشاب، إنها لا تتذكر متي تحديدًا.. نعم.. لأنها نشأت على يديه، كانت صغيرة في سن خمس سنوات عندما أتت بها صفا لهذا الحي الشعبي، والسكن بهذه الشقة منخفضة الإيجار.. افاقت من شرودها علي صوت محمد وهو يقول:
– الحمد لله، ادعيلي يا خالتي انا رايح مقابلة شغل دلوقت في شركه كبيرة.. ادعي ان ربنا يوفقني فيها.
– ربنا معاك يا ابني ويكتبلك كل خير.
قالتها الخالة صفا بحبور فقد كانت تتمني محمد ابن لها أو زوج لغزل ولكن لا تأتي الرياح كما تشتهي السفن.
استقام محمد وربت علي رأس غزل واقترب منها ولثم جبينها بقبلة تحمل فيها كل معاني الأمان والحماية، قال محمد وهو يتجه جهة الباب:
– مش محتاجين حاجه وانا راجع.
اجابته الحاجة صفا:
– تسلم يابني ربنا يوفقك.
قفزت غزل واتجهت جهة رزنامة ورقية وكتبت بها:
– ربنا يوفقك ويكتبلك كل اللي بتتمناه، هفضل ادعيلك.. انا آه مش قادره أتكلم بس ربنا سامع صوت قلبي.. آه متنساش، هستني منك رساله تطمني عملت ايه.
– حاضر يا احلى غزل في الدنيا.
____________________
في مكان آخر بفيلا صغيرة مكونة من طابقين ولكنها ليست شديدة الاتساع، نجد بالطابق السفلي به واسع يتكون من عدة حُجرات.. حُجرة مكتب يمين المدخل، وبالداخل حجرة الاستقبال يسارًا يليها حجرة الطعام وحجرة الطهي بالقرب من الدرج.
اما بالدور العلوي نجد اربع حجرات حجرة لفتاه عشرينية تشع حيوية يغلب عليها اللون الوردي، اما الحجرة الثانية لرجل كبير بالسن في العقد الخامس من عمره، والحجرة الثالثة لشاب في أوائل العقد الثالث، والرابعة مغلقة دائمًا لا تُفتح إلا لتنظيفها فقط.
يصدح صوت رجولي خشن يزعج من بالبيت، أنه يوسف نجيب الشافعي.. عصبي المزاج، كثير الشك في من حوله، غير اجتماعي إلا مع من يعرفهم فقط.. حذر جدًا لا يسمح بان يُعبث بأشيائه، شعره اسود ناعم.. ذو لحية خفيفة وعيون بنية صقرية يظهر العبث فيهما.
– انتِ يا زفته، انتِ ياهانم.
قالها يوسف وهو خارج من حجرته مندفعًا.
– ايه في ايه علي الصبح.
قالتها ملك بارتباك من صوته.
– انا قولتلك كام مرة ما تخديش حاجه من عندي؟
– حاجة إيه اللي بتتكلم عنها!
– استهبلي بقى.. مافيش غيرك دخل وأخد أقلام الفحم بتوعي من جوه.
قالها بغيظ شديد
– أنت بتهرج يا يوسف؟ كل الدوشة دي عشان قلم مش لاقيه.
– آه دا علي اساس انك متعرفيش أنهم مجموعة اقلام؟ اتفضلي هاتيهم بسرعة.
– والله يا يو…
قبل أن تكمل وجدت الخدامة تقطع حديثهم وتمد يديها له بالأقلام وبعض الأوراق الخاصة، نظر لها يوسف بتعجب كأنه يسألها ما هذا.. أجابته هناء مسرعة:
– حضرتك جيت امبارح متأخر وسبتهم في المكتب وانا بنضف لقيتهم وحضرتك محرّج علينا ما ندخلش اوضة حضرتك إلا لما تصحي.. ابتلع يوسف ريقه بتوتر من هذا الموقف فهو دائمًا سريع الانفعال والظن بالآخرين أجلى صوته وقال:
– معلش يا ملك جت فيكي المرة دي.
– وماله ياجينيرال ما انت اخويا برده ولازم استحمل رخامتك.
– ملك.
قالها بانفعال واضح
– خلاص، خلاص يا جنيرال.
ضحك الاثنان علي هذا اللقب الذي دائمً ما تطلقه عليه دون ملل.
في الشارع الشعبي الذي تسكن به غزل.. يوجد أمام المنزل مقهى حديث فيما يسمي (كافييه) بعد موت صاحب المقهى المعلم ناصر وتركه لابنه الوحيد عامر خريج كليه الطب.. فعامر شاب ثلاثيني يتميز بجسده الرياضي والذي يظهر دائمًا أسفل قمصانه القطنية علي سراويل الجينز، فمن يراه ينجذب لملامحه الشرقية.. أقام عامر ببعض التعديلات ليكون مكون من طابقين، السفلي يقدم طلبات الزبائن مثلما كان يحدث قديمًا مع الفرق في الديكورات العصرية، والعلوي به شاشه عرض وخاص اكثر للشباب ويحتوي علي ألعاب الحديثة مثل البلاي استشن وألعاب الجيم فهذا المقهى كل ما يملكه بعد موت المعلم ناصر، وهذا باب رزقه الوحيد بعد أن تخلي عن تخصصه.. نجد شاب جالس بداخل هذا المقهى يتابع العمال بعينيه ويراقبهم بعين صقر.. ولكن باله ليس معهم، وإنما مع من سلبت عقله وقلبه، منذ نعومة أظافرها وهي تجذبه بطريقة غريبة.. حاول كثيرًا إبعادها عن محيط تفكيره ولكنها تقفز له في احلامه وكوابيسه تستنجد به مما يؤذيها.. الغريب انه يسمع صوتها بالكابوس وصراخها مع انه لم يستمع لها مرة واحدة في حياته.
يدفع عمره كله ليسمع صوتها.. أحيانًا يتخيل اذا كان ناعم مثلها ام به بحة؟ ام غليظ؟ يكاد ان يجزم انه ناعم مثلها.. آفاق من شروده على صبي صغير يسمي سيد وهو يمد يده بمبلغ تم دفعه أحد الزبائن بعد أخذ مشروبه تنهد وقال :
– يارب قرب البعيد.
___________________
في منزل الخالة صفا انشغلت غزل بإعداد وجبة الغداء وأصرت أن تحضّر بعض المخبوزات الساخنة المشهورة بوطنها الأصلي الذي كتب عليها من وهي طفلة ذات الخمس سنوات تركه وترك عائلتها هروبًا من تبعات الحروب والخراب الذي حل ببلدها، فتنهدت بحزن.. دائمًا يأتي أمام رؤيتها خيال طفلة اخرى كثيرة الشبه بها تقفز معاها وتجري في فناء منزل بسيط لا تتذكر لمن هذا المنزل ولكنها تتذكر وجه جميل كثير الشبه بها.. دائمًا تتذكر امرأة تخرج من الباب وتصيح بهم للدخول لتناول الطعام بلهجتها الخاصة بوطنهم، فاقت من شرودها علي إضاءة حمراء تبلغها بأنه يوجد من يريدها، اتجهت الي حجرة خالتها صفا امها الثانية، وجدتها نائمة وفِي يديها بعض الصور كالعادة تستعيد ذكرياتها، ثم توجهت إلى الباب بعد التأكد من الطارق من العين السحرية ووجدت سيد يبتسم لها ويرفع يده يحيها سلام عسكري، ابتسمت له وكررت ما فعله.. فمد يده بكيس صغير. عقدت حاجبها متسائلة عن ما بالكيس فقال لها سيد انه (بُن) محوج مخصوص من الاستاذ عامر من المقهى كما طلبته من قبل، فتذكرت غزل انها طلبت من قبل من محمد أن يشتري لها بن مخصوص لها فمن المؤكد انه من أبلغ عامر.
أخذت من سيد البن وأشارت له بان ينتظر قليلًا، دخلت مسرعة وعادت بيديها صحنان مليئتان بالمعجنات الساخنة الطيبة التي تذهب العقل كما تعلمتها من أمها صفا، وقدمت صحن لسيد وأشارت له أنه له، اما الصحن الاخر للأستاذ عامر وكتبت ورقة له لكي يفهم، فشكرها وذهب مسرعًا سعيد بهذه الوجبة الساخنة الذي من الصعب أكلها إلا بمحلات خاصة تقدم أكلات شعبيه لأهل بلدها.
_______________
في المساء ظلت جالسة علي سريرها تنظر بهذا الكتاب المكتوب باللغة الفرنسية، نعم فهي رغم ظروفها إلا أنها لم تستسلم لإعاقتها التي لم تولد بها، فهي كانت طفلة مفعمة بالحيوية تسمع وتتكلم مثل باقي الأطفال بسنها وكانت أمها صفا تهتم بتعليمها اللغات الإنجليزية والفرنسية منذ الصغر، رغم عدم التحاقها بالمدرسة في هذا السن بسبب الحروب والمناوشات وخوف امها الشديد من شيء أصبحت تعلمه الآن، هذه هي وسيلتها الوحيدة لمحاربة مللها اليومي، فمن الصعب أن تبحث عن عمل بإعاقتها.. من سيقبل بعمل بكماء يكاد تستطيع السمع؟ انها لا تعترض علي قدرها وإنما هي سعيدة انها لا تستمع لصوت المنافقين، بل تستمع لقلوب من حولها.. قلوب طيبة لا تعرف الخبث، افاقت من شرودها علي اهتزاز جوالها لتعرف المتصل قبل أن ترى اسمه.. ثم وصلها رسالة:
محمد: نمتي ؟
غزل: ………
محمد: مش بتردي ليه؟ أنا عارف انك زعلانه بس والله غصب عني مبعتلكيش بعد ما خلصت.
غزل: ……
محمد: كده يا غزل اهون عليكي انام زعلان؟ طيب مش هتسألي عملت ايه في الوظيفة.
غزل: عملت ايه؟
محمد: ………
عزل: محمد؟
بعد لحظات رأت رسالته
محمد: افتحي انا بره.
قفزت غزل مسرعة بمنامتها الطفولية القصيرة فوق ركبتها لتفتح الباب لمحمد، وعندما رآها بهذا الشكل اندفع داخل الشقة ليغلق الباب بعنف ويصيح بوجهها:
– أنتِ ازاي تفتحي الباب بالشكل ده؟ افرضي حد طالع أو نازل شافك كده.
كانت غزل تنظر لشفتاه وهو يتحدث، لتفهم ما يقول وتعرف سبب غضبه وثورته وعندما احست انه على وشك ضربها حبست الدموع بعينيها وشعرت بخوفٍ شديد جعل جسدها ينتفض بدون سبب.
زفر زفرة ساخنة تنم عن غضبه المشتعل وقال بهدوء مفتعل:
– خلاص يا غزل حقك عليا.
شاهدت شفتاه وفهمت ما يقول، هذه هي طريقتها لتعرف ما يقوله من يتحدث معاها بعد سماع الأذن، التي خربت وتحتاج تصليح ولكن لا يوجد مال لإصلاحها حاليًا.
جذبها من يديها وجلس علي اقرب أريكة بصالونهم القديم، وجلست بالقرب منه مطاطة الرأس فرفع وجهها بيديه وقال لها:
– مش هتسأليني عملت ايه؟ طيب ياستي أحب أبشرك انهم وافقوا عليا واتقبلت في الوظيفة وعلى وعدي أول فلوس تجيلي اجبلك اللي تطلبيه.
هزت رأسها بالرفض وكتبت له أنها لا تريد إلا سعادته وتوفيقه، ثم هبت واقفه تصفق بيديها وتجري إلى المطبخ، ثم عادت وبيدها صحن مملوء بالمعجنات المشهورة بوطنها وعصير لتحتفل معه بطريقتها البسيطة لحصوله علي الوظيفة.. فمد يده التقط قطعة وهو يبتسم لها ابتسامه مهزوزة متحسرًا علي حالها، كيف لهذا الجمال وهذه البراءة تفني بسبب إعاقة.
______________
في قصر الشافعي وبالأخص بحجرة يوسف الشافعي، يستيقظ على رنين هاتفه فيلقي بوسادته أرضًا ويستقيم بجزعه ليلتقط الهاتف ويجيب بصوت ناعس، ليقفز من فوق السرير عندما يأتيه صوت غليظ من الجهة الأخرى:
– انت لسه نايم لحد دلوقت؟ طبعًا ماهي طابونه.. وأنا ممسك الشركة لشوية عيال.
– يا عمي والله انا نايم متأخر عش…
قاطعه قائلًا:
– عشان ايه يا محترم؟ انت مش هتبطل هلس بقى.. على العموم بسرعه تلبس وتكون في الشركة أنا في الطريق، لو صلت قبلك أنت عارف هيجرالك ايه، ومش هتقدر تضحك عليا زي كل مره يا بشمهندس يوسف.
– حاضر يا عمي حاضر.
أغلق الخط ومسك شعر رأسه، فهو يريد ضرب أحدهم اليوم..
“ماشي يا عمي منا مقدرش أقول غير كده اما اشوف يا نج نج ”
وابتسم وتحرك لدورة المياه الملحقة بالغرفة.
______________
في منزل الريس صابر
تجلس امرأة في العقد الخمسين ويديها يملأها الذهب الذي يرن كلما حركت يديها عند حديثها، ولكن هذه المرأة ذو ملامح طيبه تنم عن نشأتها البسيطة، كل حياتها زوجها رحمة الله عليه وابنها عامر الذي يبلغ ٣٢عامًا.
أملها في الدنيا أن تزوجه فتاة مناسبه له لتصونه وترعاه ولكنها تتعجب منه كلما ذكرت له أمر الزواج يراوغ من الحديث ويقول عبارته الشهيرة ان الله لم يأذن بعد، ولكنها تشعر بميله اتجاه فتاه بعينيها ورغم أنها تحب هذه الفتاه إلا انها كانت تتمني لابنها افضل فتاة، ولا يكون بيها عيب ولكنها لن تفاتحه وتواجهه بشكوكها حتي لا تفتح أبواب لا تريد فتحها مطلقًا، وبالنسبة لغزل فتتمني لها الخير كله وأن يأتي لها نصيبها ولكن ليس ابنها.
في حجرة عامر يجلس أمام مكتبه شارد في هذا الصحن المملوء بالمعجنات صنع يديها وبيده اليمني ورقة كتب عليها اسمه بخط يديها لتعلم سيد أن هذا الصحن خاصته، ما هذا الجمال والروعة هل اسمه بهذه الروعة والإبداع؟ كان أول مره يشعر أن لأسمه رونق خاص أول مرة يشعر بجمال حروف اسمه.
” آه” صدرت منه هذه الكلمة من صدره تنم علي مدي الألم الذي يشعر به، يعلم انه صعب الوصول لها بسبب ظروفها، لما لا يحاول مجرد محاولة؟ لعلها تستجيب وتريحه من عذابه، ولكن اذا حاول ووافق هل أمه ستوافق؟
يعلم أن غزل لا يعيبها شيء وأن إعاقتها ليست بيدها، انه قدرها ولكن أمه هل تتقبلها زوجه لابنها ليريح قلبه؟
______________
في الصباح لاحظت غزل المصباح يضئ فأسرعت لتفتح الباب لتستقبل محمد بابتسامه هادئة فقال لها:
– أنا مش لوحدي انا معايا ضيف تقيل شوية.
رفعت حاجبها باندهاش لتجده يجذب من وراء ظهره فتاة عابسة تفرك بيدها وملامحها غاضبة في نفس عمرها.
قال:
– انتوا هتفضلوا زيّ العيال لحد امتى.. مش هتكبروا بقى؟
– انا كبيرة على فكرة، أنا عندي عشرين سنه “قالتها تقى بكبرياء فهزت غزل رأسها بيأس ورفعت عينيها لأعلي وجذبتها لأحضانها وهي تلاعب وجنتيها التي تشتهر بها تقى وتميزها.
– مدت غزل يدها لتصافح تقى لتزيل الخلاف فتقى من صفاتها غيورة جدًا على اخيها محمد، وتغير أكثر عندما تراه يهتم بغزل أكثر منها، ويرعاها أكثر منها.. فقال ليقطع مزاحهم:
– بقول ايه رأيكم ننزل ناكل آيس كريم؟
انتبهت غزل لكلمه ايس كريم علي شفتاه فقفزت بسعادة، أنها تعشق الحلوى والأيس كريم ككل الأطفال لا.. لا ككل الفتيات، بعد ساعه كان الثلاثة ينظرون إلى البحر أمامهم ويأكلون بمتعه كبيرة.. قاطع استمتاعها يد علي كتفها لتنتبه لما يقول قال محمد:
– ابقي أديني سماعة الأذن يا غزل ما تنسيش، انا عرفت مكان ممكن يصلحها هي تقريبًا ممكن تحتاج بطارية بس.
هزت رأسها بالموافقة، مر الوقت بينهم وهي تضحك علي مزاح محمد وتقى، كانت تتمنى أن تنطق وتمازحهم، وأن تستمع لصوتها.. انها تتذكر أن كان لها ضحكة رنانة تتميز بها كأنغام الموسيقى، قطع تأملها بائع الفريسكا يسير علي الجهة الأخرى من الطريق، فهي منذ فتره تشتهيها.. قفزت من مكانها لتعبر الطريق وقامت بمراقبه الطريق وأثناء مرورها شعرت بسقوط سلسال رقبتها.. الذي لم يفارقها منذ الصغر فانحنت لتأخذه ولم تستمع إلى أبواق السيارة ولا صوت فراملها الذي اصدر صريرًا جعل كل من بالمكان ينتبه حتى محمد وتقى.. نزل سائق السيارة بغضب ليقول:
– أنتِ مجنونة؟ ازاي تقفي في نص الشارع كده! ايه البلاوي دي.
لم تلتفت إليه فظن أنها تعانده، فاتجه إليها بغضب وجدها تنظر أسفل قدمها تبحث عن شيء ولا تجيبه، فأمسكها من ذراعها ليجبرها للانتباه وهو يصرخ بوجهها فانتفضت مذعورة وبدأ جسدها في الارتعاش وعينها تهتزان من الرعب، لا تعلم ماذا فعلت حتي يمسكها هذا الرجل! قطع تفكيرها يد امتدت لجذبها بقوة تنم عن غضب كامن لتجد محمد يقربها له ويعنف سائق السيارة وللحظة فهمت انها تسببت في مشكلة بسبب تسرعها فنظرت لهم ووجدت محمد يصيح بوجه السائق وامسكه من مقدمه قميصه دفاعًا عنها ولكن ملامح هذا السائق الشاب ونظراته إليها لم تريحها فابتلعت ريقها بصعوبة بسبب التوتر فكان يسلط نظره عليها من رأسها لقدميها كأنه يقيمها، وعلى وجهه ابتسامة ساخرة، حاول الناس الفك بينهم وأنتهي الأمر أن السائق ذهب لوجهته بعد أن القى نظرة أخيرة عليها.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صماء لا تعرف الغزل)