رواية صرخات أنثى الفصل السادس والعشرون 26 بقلم آية محمد رفعت
رواية صرخات أنثى الجزء السادس والعشرون
رواية صرخات أنثى البارت السادس والعشرون
رواية صرخات أنثى الحلقة السادسة والعشرون
نهض عن المقعد أخيرًا ليتجه بخطواته البطيئة حتى وقف قبالة “راكان” وجهًا لوجه، يشيعه الأخير بنظراتٍ حاقدة، بينما هو كان جامدًا التعابير، غامضًا بشكلٍ يرعب الأعين المحاطة به، حتى تلك العينين البندقتين التي تسترق النظر إليه من فوق كتف أخيها، تراه صارمًا لأول مرة بعدما اعتادت رؤية الابتسامة والمرح لا يفارقاه.
مد عمران ذراعيه للخلف ليحتضن جسد شمس حتى لا يصيبها أي ضرر من اندلاع تلك المعركة المخيفة، ابتدت من إشارة “راكان” لرجاله أمرهم:
_خلصوا عليه.
ابتسم “آدهم” بسمته المخيفة، ورفع ذراعيه للأعلى كأنه ينفض جاكيته الجلد، فهبط لكلا ذراعيه خنجرين صغيرين.
إلتحم معهم بمعركة دامية، جعلت علي وعمران يصعقان مما يرآه، كان يسدد خناجره بأماكن متفرقة بالجسد بسرعة جنونية، مخيفة، تجزع الدماء وتغرق الجسد ببركتها.
حاولت شمس أن ترى ما يحدث، فألتف لها عمران بجسده وضمها بصدره دامسًا رأسها على كتفه هامسًا بسخرية:
_متحاوليش تشوفي اللي بيحصل هتغيري رأيك في فارس أحلامك الشهم!!!
اندفع الرجال من حول “آدهم” ليشكلوا حلقة دائرية من حوله، فتخلى “علي” عن مكانه وأسرع بمساعدته، فأحاطه “آدهم” من الخلف صارخًا به:
_دكتور علي خد شمس وعمران وإخرج من هنا، أنا هقدر أتعامل معاهم.
نزع “علي” جاكيته ورفع يديه يستعد للمحاربة، قائلًا دون التطلع لمن يوليه ظهره:
_هنخرج مع بعض يا حضرة الظابط.
غرز “آدهم” خنجره بصدر أحد الرجال الذي يحاول الوصول بسكينه إليه، وقال وهو يلتهي بالمعركة بتركيزٍ وتمعن:
_من فضلك يا دكتور إسمع الكلام، هتتأذي!
واستغل تأوه الرجال من أمامه واستدار ليخطف نظرة سريعة لعلي، فتفاجئ به يلكم أحدهما بحرفية، ومن ثم يرفع جسده ليمر من فوق ظهره قاصدًا الضغط بكوع يده على ظهر خصمه بقوة جعلت غريمه ينازع حد الموت بعد سماع انكسار عظامه، حركة خبيرة لا تهدر الا من رجلٍ اعتاد ممارستها لسنواتٍ، فغر فاه “آدهم” بذهولٍ، وبات يتساءل عن كناية ذاك الرجل أمامه؟
احتدمت أطراف المعركة وباتت شرسة بقدرٍ مرعبٍ، مما دفع عمران لإبعاد شقيقته لخلف الأريكة وأسرع بالتدخل ليكون مجاورًا لأخيه ولآدهم.
نجحوا معًا بالقضاء على رجال “راكان” الذي بدى مذعورًا من قوتهم الغريبة، فنزع عن ملابسه ذاك السلاح وإتجه للأريكة التي تحتمي بها “شمس” ، جذبها من خصلات شعرها المنسدل خلفها بقوة جعلتها تصرخ بهلعٍ:
_علي! … عمران!
اتجهت ابصارهما إليها فصعقوا حينما وجدوا السلاح مصوب على رأسها، انتهى آدهم من تكبيل الرجال ونهض يقابل ما يراه باستعداد تأهل له مسبقًا.
اقترب “عمران” من “راكان” مشيرًا بيديه بهدوءٍ:
_راكان اللي بتعمله ده مفيش منه فايدة، خلاص إنت جرايمك كلها اتكشفت واللي بتعمله ده هيزود عقوبتك.
سحب خصلات شعرها للخلف ليرغمها على التراجع خلف خطواته، ليشير بسلاحه بعنفٍ:
_ارجع جنب أخوك بدل ما أخليك ترجع للموت تاني برجليك وإنت مصدقت نفدت منه.
واتجه بفوه السلاح للمكان الذي يقف به “آدهم” شامخًا لا يهتز له جفنًا حتى بعد أن أصبح السلاح مُصوب إليه، كان يعلم بأنه سيفعل ذلك ليضمن عدم كشف الملف للسلطات المصرية.
صدق حدثه حينما حرر “راكان” الزناد لتستقر الطلقة بكتف الاخير، فانحنى على ساقٍ واحدة وهو يضم كتفه بألمٍ.
تحررت صرخة شمس بجنونٍ وكسرة جعلت صوتها مبحوحًا:
_آدهـــــــــــــم!
ركض إليه “علي” ينحني قبالته، في محاولة لتفحص جرحه فانتبه لهمس الخافت ونظرات عينيه الماكرة:
_إبعد عمران.
هز رأسه بعدما تمعن بخطته الخبيثة بالقضاء على ذاك السليط، وبالرغم من خوفه الشديد على شقيقته الا أن ما رأه بعينيه من مهارة وقوة جعلته يثق بأن “آدهم” لن يسمح بأن يطولها أذى، فبدأ بتنفيذ تلك الخطة العاجلة، وجذب “عمران” مدعيًا خوفه الشديد عليه ليطوله رصاصه مثلما فعل مع آدهم، فقال:
_إرجع يا عمران.
وقف أمامه كالحصن المنيع الجاهز لاستقبال أي رصاص يخترقه قبل أن يصل لأخيه، وتراجع علي للخلف بعمران للشروع بتنفيذ مخطط آدهم الذي يدعي تألمه الشديد لأصابته، فمازال يضم صدره وينخفض برأسه للأرض بتعبٍ.
تطلع علي لراكان وأشار بيده بينما مازال يتراجع بعمران للخلف:
_اهدى يا راكان واللي إنت عايزه هنعملهولك، احسبها بالعقل، إنت كده هتخسر ومش هتستفاد أي شيء.
ضحك ساخرًا ومرر سلاحه على وجوههم جميعًا:
_المعركة بينا لسه مخلصتش يا دكتور، اختارتوا تقفوا في الجهة الغلط، وحظه بقى إني مطلوب حي.
انهمرت الدموع من عينيها، وكل ما يشغل عقلها ماذا أصابه؟ لم تفارقه نظراتها الباكية وهمسها الوحيد المعاكس للأجواء المتبادلة، تهمس باسمه بعدم استيعاب بما حدث إليه، ولم تبالي بفوه السلاح المصوب برأسها، إن أراد الله أن يفرقهما بموته فليفعل ذاك السفيه وليضغط على الزناد لتلحق به لمثواهما الأخير!
رفع آدهم رأسه ببطء ليواجه راكان بنظرةٍ قوية، واستقام بوقفته بهدوء وصوته الرزين يسترعى انتباهه:
_بس أنا معنديش تعليمات إنك ترجع مصر عايش يا راكان!
وأنهى جملته بخروج سلاحه وفي لمح البصر استقرت رصاصته بمنتصف جبين الأخر، سقط السلاح أرضًا من يده مصدرًا صوتًا صاخبًا ومن خلفه سقط جثمان راكان، بينما ترك دمائه تنبثق على فستان شمس الذي تلوث بتلك الدماء، فصرخت بذعرٍ وهي تتأمل كتفيها وصدرها.
جذبها آدهم بعيدًا قبل أن يترنح راكان بسقوطه من فوقها، والتقفها علي الذي يحاول جاهدًا ازالة الدماء عن فستانها حتى تهدأ من روعها.
جذب عمران المحارم الورقية المبللة التي يحتفظ بها بسيارته وأزال ما تمكن بفعله، فكان يزيح علي البقع الماسدة على ظهرها وعمران يزيح عن شعرها وجبينها بينما لا تكف هي عن الصراخ والانتفاض بين أيدهما، فقال علي:
_اهدي يا شمس، احمدي ربنا إنك كويسة وبخير.
بينما صاح عمران بوقاحة:
_كلب ويستاهل اللي جراله، ليها حق تقرف من دمه ال***
ضحك آدهم على سبه المضحك ومازالت يده الحاملة للسلاح تتكئ على كتفه المصاب، فاسترعى انتباه علي الذي ترك شمس لأخيها واتجه إليه قائلًا بقلقٍ:
_آدهم إنت لازم تروح المستشفى حالًا، جرحك بينزف.
هز رأسه نافيًا لاقتراحه الخطير:
_مركزي حساس مقدرش اعمل كده، هدخل في سين وجيم وإنت عارف يا دكتور.
ضيق حاجبيه بذهول:
_يعني أيه هتسيب نفسك لما تتصفى كده!!
إتجه إليهما عمران يقترح بعدما تلصص لحديثهما:
_الدكتورة ليلى ممكن تساعده تخصصها جراحة عامة وتقدر تعمل كده بسهولة.
وتابع قائلًا:
_هنأخد آدهم شقة سيف وأنا هطلب يوسف وأخليه يسبقنا هو وليلى هناك.
استحسن علي فكرة أخيه، وأشار له وهو يساند آدهم الذي بدأ بخسارة وعيه تدريجيًا:
_هات شمس وأنا هسند آدهم للعربية.
استدار تجاه شقيقته وقبل أن يخطو إليها خطوة واحدة وجدها تهرول تجاه آدهم، تمسك يده وتردد ببكاء انساقت إليه بانهيارٍ:
_آدهم!
فتح عينيه لها وبصعوبة أجبر لسانه الثقيل على النطق:
_أنا كويس.. متقلقيش.
رفع عمران أحد حاجبيه بسخطٍ، فجذب يدها التي تتمسك بيد آدهم وأجبرها على أن تخرج معه قائلًا وهو يقلد صوتها الانوثي:
_آه آدهم!! طب اعملي احترام لأخواتك الرجالة اللي واقفين، ولا خلاص الحب ولع في الدرة!
استعادت نوبة بكائها وهمست له بغضب:
_ده وقتك يا عمران، آدهم بيموت.
استدار للخلف ليضمن وجود مسافة بينه وبين علي الذي يساند آدهم بخطواته البطيئة واستدار مجددًا يخبرها:
_بعد اللي شوفناه جوه ده هيموت ازاي! ده لف على رجالة راكي شبه الخنفس وقذف الرعب في أوراكهم وأفخادهم، كنت فاكره ظابط محترم طلع سفاح المعادي!!!
ولف يده حول كتفها ليجبرها على الاقتراب من شفتيه الهامسة:
_رجعي نفسك يا بت، ده لو اتخانقتي معاه مش هنلحق نيجي نسلكك منه، هيقطعك ومش هنعترلك على قطعة واحدة ندفنك، فكك منه وبصي لقدام.
وعاد يتطلع للخلف ليتفحص جسد آدهم بنظرة دقيقة ثم عاد بنظره لشقيقته ليعود لهمسه:
_راجعي نفسك يا شمس الموضوع محتاج تفكير صدقيني!
منحته نظرة غاضبة، يراها تكاد تقتل من فرط بكائها وخوفها عليه بينما مازال هو يستكمل حديثه، تلصص عمران لنظرتها وقال وهو يغلق عينيه بشكلٍ أضحكها:
_أنا أدرى بمصلحتك يا بنت الحلال، إنتي اتربيني تربية آرستقراطية على ايد فريدة هانم، يعني الرقة والاحساس والمشاعر وكل شيء هادي، ده ياما عايز واحدة من السيرك تلاعبه بالخناجر وهو منشكح ومش همه الخنجر هيصيبه من إنهي اتجاه.
واستطرد وهو يلعق شفتيه بتوتر:
_أنا خايف على مستقبلك يا شمس، مش معقول بعد الفلوس اللي كعتها على تعليمك ألقيكي بالأخر بتتعلمي مسكت الخناجر!!
زفرت بتعبٍ وتوسلت له:
_عمران عشان خاطري أنا تعبانه ومش قادرة والله لكلامك، ده لا وقته ولا مكانه بقولك هموت من الرعب على آدهم، إنت أيه معندكش دم؟
ضحك ساخرًا وهو يصفق كف بالأخر:
_لا حول ولا قوة الا بالله، أقنعها ازاي دي بقى!! يا بنتي انا وأخوكِ الغلبان ده اللي يتخاف علينا من الخنفس اللي عايزة تتجوزيه ده.
وتابع وقد توقف عن الخطى حتى عاق الطريق لعلي وآدهم، فوقفوا يراقبون ما يحدث وقد صدمهما ما قاله بالاخص آدهم:
_طب بذمتك لو اتجوزتي واحد زي ده وجيتي في يوم تشتكي منه هنروحله نواجهه بمصايبه من أنهي اتجاه! هو إنتي مستبيعة ومش فارقلك عمري أنا وأخوكي الدكتور المحترم اللي رباكي ورباني.
ربعت يديها بخصرها وتراقصت بانفعالٍ:
_ليه يا حبيبي حد قالك إني هتجوز بلطجي، آدهم ظابط قد الدنيا كلها، وعمره في يوم ما هيجرحني بالعكس أنا لو هسلطه فهسلطه عليك عشان إنت تستحق بصراحة.
وضع يده بجيب بنطاله وقال وهو يلتقط هاتفه:
_ولا يقدر يعملي حاجة، لو هو شاطر بالخناجر فأنا شاطر بآسر قلوب الستات، هآسر قلب أمه وأقلبها ضده زي ما بنجح دايمًا.
تنحنح ذاك المنصدم من حديث عمران الذي ظنه عاقلًا بشخصيته الرزينة، وقال:
_والدتي للأسف متوفية يا عمران بس بابا موجود، ليك بردو في أسر قلوب الرجالة ولا سكتك حريم بس؟
اتجهت نظراتهما معًا للخلف ليجدوا علي تتصاعد نيرانه من عينيه تجاههما، فابتلع عمران ريقه بارتباك من نظرات أخيه وصاح ببراءة مصطنعة:
_واجب عليا كأخ إني أنصحها متأخذنيش بردو يا آدهم اللي عملته جوه من شوية لازم يتخاف منه ولا أيه؟
قهقه ضاحكًا ويده تضم جرحه بألمٍ، وهمس ساخطًا:
_لا في دي عندك حق، بس أنا عندي تعليق بسيط.
هز رأسه بمعنى صريح لاستماعه لما سيقول، فردد وهو يتحرك:
_أولًا أنا إسمي عمر مش آدهم كفايا أختك اللي بحاول أقنعها بإسمي الحقيقي إلى الآن ومش راكبة معاها، ثانيًا اللي حصل جوه ده إن دل على شيء يدل إني هصون أختك وهحميها من نسمة الهوا قبل ما ترمش على خدها، ويدل بردو إنك هيكونلك زوج أختك شرس لو إحتاجتله هتلاقيه وخصوصًا إن باين عليك بتاع مشاكل!
تمعن بالأمر بمنظورٍ عميق، وهمس إليه:
_شكلي هتثبت ولا أيه!
ردد علي من بين اصطكاك أسنانه بغيظٍ:
_على العربية يا عمران بدل ما أخليه يقتص من فخادك إنت كمان!
هز رأسه وإتجه بها للمقعد الخلفي، بينما صعد علي لمقعد القيادة بعدما وضع عمر لجواره، وتبقى الصمت بينهم السائد الا من صوت عمران الذي هاتف يوسف وأخبره بالتوجه لشقة سيف هو وزوجته لأمر ضرورًا.
******
جمع أيوب بعضًا من أغراضه الشخصية، ووضعها باحدى حقائبه الصغيرة، وجذب كتبه ومتعلقات جامعته، وحينما كان بطريق خروجه من غرفته عاد خطوتين للخلف يفتح أحد أدراجه وأخرج منه بعض الكتب الدينية والقرآن الكريم، ثم تعمد تركهم على سطح الطاولة لتبدو منظورة لها بوضوحٍ، والابتسامة الصغيرة تزين شفتيه.
جذب الحقيبة وغادر تاركًا شقته، فوجدها تجلس بالخارج بانتظاره، وتلك المرة لم تجرأ على مخالفة حديثه، فتبقت بالخارج مثلما أمرها.
أفاقت من شرودها على صوته الرجولي الثابت:
_لقد انتهيت، يمكنك الدخول والاسترخاء بالداخل.
هزت رأسها ونهضت تتجه بتعبٍ للباب، وقبل أن تدخل قالت برجاءٍ:
_أيوب فلتكن رجلًا شهمًا ولا تكن تلك إحدى محاولاتك للفرار مني، أرجوك أريد القصاص لأخي.
رفرف بأهدابه الطويلة بعدم استيعاب، ومنع تلك الابتسامة التي تزوره مجددًا، فحك أنفه يخفيها وتنحنح بخشونة:
_لا تقلقي، لست ذاك الجبان الذي يهرب من مواجهة مصيره، وإن كنت سأفعلها لما سمحت لكِ بالبقاء هنا ولما اتبعتك طوال تلك المدة.
ورفع يد الحقيبة يجرها قائلًا باقتضابٍ:
_سأغادر الآن وسأعود غدًا ببعض الطعام والأغراض التي ستحتاجينها..
وتركها وغادر ومازالت تراقبه باستغرابٍ ودهشة.
ولجت “آديرا” لشقته، فتمكنت من تفحصها بعناية، وجدتها شقة صغيرة للغاية بالكد تخفيه، كانت تتكون من غرفة نوم واحدة وحمامًا خاص ومطبخ صغير يطل على ردهة مطولة تحتوي على صالون وبعضًا من أغراضه.
كانت مرهقة بالدرجة التي جعلتها تتجه سريعًا لغرفة النوم لتنال قسطًا من الراحة، وما أن حررت بابها حتى أغلقت عينيها باستمتاعٍ حينما انعشتها تلك الرائحة الطبية التي تسللت لانفها وكأنه كان ينثر بغرفته معطرًا باهظًا، فلأول مرة تلتقط تلك الرائحة التي أرسلت لها شعور الطمأنينة والرائحة بشكلٍ غريبًا جعلها تتسلل خلفها لتستعلم عنها ولكنها وجدتها بالغرفة بأكملها..
تفحصت فراشه بعينيها، وتلك الخزانة الصغيرة، لامست خشب الطاولة بلفتة سريعة فجذب انتباهها بعض الكتب الدينية المكتوبة باللغة الانجليزية، استوقفها احدهم وكادت بقراءته ولكنها اندرجت لمفهومٍ جعلها تقتاد غضبًا، آن كاد أيوب عربيًا لما يحتفظ بكتبٍ انجليزية من المؤكد بأنه قد تركها لها عن عمد وربما كانت لأخيها من قبل، هل ذاك ما قام به استدراج أخيها؟
دفعتهم للخلف بضيقٍ وكادت أن تتوجه للفراش ولكنها توقفت حينما لمحت صورة محاطة للكومود بإطار زجاجي تضم أيوب وأخيها.
انحنت وحملت الصورة تتأملها بأعين باكية وأناملها تلامس وجه أخيها ببطءٍ وشوقٍ يمزقها، وأكثر ما ألمها بأنها كانت تراه مبتسمًا بشكل لم تراه بمثل تلك السعادة من قبل، مما دفعها للتفكير بحديث أيوب وخاصة بأفعاله وأقواله وبات ما فعله معها إلى الآن يختبئ خلف سؤالًا واحدًا ردده عقلها بقوة.
هل ما يغعله من كرمًا ولطفًا يندرج لخانة الإرهاب؟؟!
********
تسلل أحمد من جوارها وهو يتفحص الوقت، فارتدى بذلته وخرج يتسلل حتى لا يوقظها، لا يعلم بأنها مستيقظة وتدعي النوم حتى تهرب من وجعها القاتل، لم تعد تريد الانهيار أمام أحدٌ حتى هو شخصيًا.
فور أن اغلق الباب حتى استقامت بجلستها تفرغ ما كبت بداخلها، تضم جسدها الهزيل وتدعي العنان لدموعها..
وقف أحمد يطرق باب غرفة عمران، فارتدت مايسان اسدال صلاتها وخرجت إليه مرددة بدهشة:
_أنكل أحمد!
تنحنح بحرجٍ وهو يزدرد صوته:
_معلشي يا مايا لو قلقتك بالوقت ده.
أسرعت برفع الحرج عنه قائلة:
_أنا صاحية منمتش.. خير يا أنكل في حاجة ولا أيه؟
قال وقد تجلى الحزن على معالمه قبل نبرته الرخيمة:
_فريدة حاسس إنها مش تمام، وعندي اجتماع مهم ولازم أخرج وللاسف هتأخر، عايزك تخلي بالك منها لحد ما اخرج.
برقت بقلقٍ وتساءلت:
_مالها فريدة هانم!!!
لا يريد أن يخبر أحدٌ بما يحزنها، لذا قال:
_معرفش يمكن تحضيرات الحفلة سببتلها شوية ارهاق، المهم خلي بالك منها.
هزت رأسها في طاعة وأغلقت باب غرفتهما واتجهت سريعًا لغرفة أحمد.
*******
ولج للداخل يحمل أكياس الحلوى، وضعها على أقرب مقعدًا قابله وناداه بتلهفٍ:
_أيـــــــــوب!
اتجه سيف للداخل وتفحص الأريكة بنظرة حزينة، فهمس وهو يلهو بالمفاتيح:
_طلع حجر صوان، مفيش فايدة فيه!
وفجأة اتاه صوت جرس الباب، فإتجه ليرى من الطارق، اتسعت ابتسامته وعينيه تنخفض للحقيبة التي يحملها، وصاح بفرحة:
_هتطلع ابن اصول وهتقعد معايا؟
ولج أيوب للداخل وترك حقيبته وهو يستدير في مقابلته قائلًا باصرارٍ:
_لأ يا سيف، قولتلك اني مستحيل هقبل ليك بالأذى، أنا بس هقعد عندك كام يوم لحد ما ألقى سكن مناسب ليا أو يمكن ربنا يكرم وألقى شقة صغيرة بسعر مناسب زي اللي كنت قاعد فيها.
اتبعه سيف حتى جلس قبالته على المقعد، وتساءل بعدم فهم:
_وسبت شقتك ليه؟
تنحنح وهو يجاهد لخروج صوته ثابتًا:
_مسبتهاش، فيها حد يخصني.
عبث سيف بعينيه بنظرة جعلت الأخير يشعر وكأنه عاري أمامه:
_مين الحد ده يا أيوب؟
تهرب من حصار نظراته مدعيًا انشغاله بالهاتف الذي جذبه فجأة، مما دفع سيف لالتقاطه ودفعه على الطاولة بعنفٍ:
_إنت أكيد اتجننت يا أيوب، متقوليش إنك مقعد البنت اللي عايزة تقتلك جوه بيتك!!
التقط نفسًا مطولًا وأجابه:
_مكنش ينفع أسيبها تقعد في الشارع يعني يا سيف، دي مهما كان وصية محمد.
انفجر متعصبًا:
_ما تغور ما داهية يا أخي، دي يهودية وقاتلة يا أيوب إنت عايز تلبس نفسك مصيبة!! وبعدين أنا ليه حاسك كده مسلم ومرحب بأنها تموتك ما تموت نفسك وتخلص والعقوبة واحدة مش فارقة!
منحه نظرة قوية عميقة، اتبعها قوله:
_مين قالك إنها هتعمل كده!
رمش وملامحه تتشح بالسخرية:
_أمال بتجري وراك عشان سواد عيونك!
رد عليه ببسمة هادئة:
_الايد اللي ترتعش قدامك وهي في عز حرقتها واصرارها للانتقام مش هتعملها ونارها الوقت كل مادى بيسكنها وبيطفيها يا سيف.
أدلى بشفتيه بحيرةٍ:
_مش فاهمك أنت عايز توصل لأيه؟
أجابه بوضوحٍ والخبث يتراقص بين عينيه:
_سيف أديرا جواها شيء كويس أو بيحاول يكون كويس، هي حاليًا شايفاني الارهابي اللي قتل أخوها وأرغمه إنه يدخل الاسلام، وفي نفس الوقت بتشوف حقايق معاكسة لكل ده، طريقتي معاها من البداية لحد هنا بتنافي كل القذارة اللي زرعها عمها في دماغها عن المسلمين وعني أنا بالأخص، لو أنا قولتلها مباشرة بالكلام إني مش ارهابي مش هتسمعني لكن لما تشوف تصرفاتي معاها لحد اللحظة دي هتواجه عكس اللي اتقالها ومش بعيد كمان تتبع نفس طريق أخوها وتتوب على إيدي بإذن الله.
بدأ الأمر منطقيًا له الآن، فكما اعتاد عنه الرزانة والعقل وبما اكتشفه الآن فمازال يملك هذا العقل والتفكير، انتهى من صمته الطويل ولعق شفتيه مرددًا:
_بس ده هيكون خطر عليك يا أيوب، عمها مش هيسيبك في حالك واللي عمله في ابن أخوه اللي من دمه يخليك واثق أنك هتشوف مصير أسوء منه، بلاها كل ده يا صاحبي أبوك ممكن يروح فيها لو جرالك حاجة، إنت جتله بعد صبر وحرمان ٢٠سنة بلاش تعمل فيه وفي الحاجة رقية كده راجع نفسك.
ابتسم وهو يمنحه نظرة دافئة:
_الاعمار بيد الله وحده يا سيف وسبق وقولتلك قبل كده، اللي معاه ربنا قلبه مات!
تلاحقت البسمات على وجه سيف، وقال وهو يتمعن التطلع به:
_اسلوبك وكلامك دايمًا بيفكرني بعمران صاحب يوسف، أقسم بالله تؤامه يا أيوب.
تنهد بمللٍ:
_مفيش مرة أقابلك فيها الا وجبتلي فيها سيرة اللي اسمه عمران ده، يا أخي بقى عندي فضول أقابله بسبب رغيك عنه!
أتاه الرد مقبلًا ببشارة من يوسف الذي فتح باب المنزل وولج للداخل برفقة زوجته، فترك حقيبتها الطبية الصغيرة أرضًا وأسرع للصالون يردد بحفاوةٍ:
_أيوب مش معقول!
وضمه بحبٍ والاخير يبادله بضمة حنونة، فسأله يوسف بضيق:
_بقى كده متسألش علينا ولا خلاص بقى البشمهندس تقل علينا.
ابتسم وهو يجيبه:
_متقولش كده يا دكتور أنا بس الفترة اللي فاتت كنت مشغول شوية في حوار كده.
هتف سيف بنزقٍ:
_حوار اليهودي اللي هيتسبب في قتله قريب بإذن واحد أحد.
زجره أيوب بغضبٍ، وكاد بالحديث ولكن فور رؤيته لزوجة يوسف تقترب منهم حتى غضب بصره للأسفل عنها، تفحصت ليلى الردهة وتساءلت بنعاسٍ:
_هو فين عمران وصاحبه المصاب ده يا يوسف!
أسبل سيف بصدمة:
_مين اللي مصاب!!
رفع كتفيه بقلة حيلة:
_ولا أعرف أنا اتفاجئت بمكالمة منه بيقولي أجي هنا أنا وليلى عشان صديقه مصاب!
رد بحيرة من ذاك الأمر:
_طيب مودهوش مستشفى على طول ليه،على الأقل هناك رعاية كاملة عن البيت لو اصابته خطيرة!
جلس على الاريكة بانهاكٍ:
_ادينا قاعدين وهنشوف، بس تأكد إن عمران مورهوش غير المصايب.
وأشار بيده على زوجته:
_خد دكتورة ليلى تريح جوه لحد ما البيه يشرف ونشوف حكايته أيه؟ وبالمرة أشوف حكاية ايوب أيه، ها يا بشمهندس؟
أومأ سيف برأسه واتجه لزوجه أخيه يحمل عنها حقيبتها ويتبعها لأحد الغرف، فوضع الحقيبة بالداخل وأغلق الباب عليها.
بينما بالخارج.
قص أيوب بإيجازٍ ليوسف عما فعله، فتلألأت حدقتيه بفخرٍ واعتزاز بذاك الفتى، فانتهى من حديثه قائلًا:
_سيف مصمم أني غلطت يا دكتور يوسف وأنا مش شايف إني أذنب في شيء وحتى لو عمه مسبنيش أنا جاهز لأي غدر بس بعيد عن سيف.
وبحرجٍ قال:
_علشان كده أنا مش هطول هنا، يومين بس ألقى مكان بديل وآ..
قاطعه يوسف بغضب بعدما توارى له مغزى حديثه:
_متكملش يا أيوب، أنا من البداية كنت مصر إنك تفضل هنا مع سيف، وبعدين الكلام ده مهزش فيا شعرة ولو شايف بصحيح إن دكتور يوسف مش أهل كرم وابن اصول يعتمد عليه هتمشي، لو شايف العكس هتقعد مع سيف لاني مأمنش لأخويا مع حد غيرك يا أيوب، اعتبرني أخوك الكبير يا عم تفتكر أخوك هيقبل انك تسكن بره وهو عنده شقة!
كاد أيوب بأن يوضح له وجهة نظره والمخاطر الصارمة التي تنتظر مصيره البائس، ولكن قاطعه صوت رنين هاتفه، رفعه ليجد عمران يصيح به:
_انزل سند معايا أنا تحت.
فرك جبينه بارهاقٍ، وأشار لايوب:
_هنزل أشوف أخرة صبري ده وراجعالك تاني يا أيوب.
أشار له بتفهمٍ وجلس بانتظاره.
*****
وأخيرًا تمكن من اقناع علي باصطحاب شمس للمنزل لتأخر الوقت، وساند عمران آدهم للمصعد، فارتكن عليه هامسًا بتعبٍ:
_احنا رايحين فين يا عمران؟
حاوطه بذراعيه بقوةٍ، وأجابه بخوفٍ وهو يتفحص ملامحه التي بدأ العرق يتسلل لجبينه:
_متقلقش دي شقتي انا وأصدقائي، أمان متقلقش.
ابتسم ساخرًا وهو يميل على كتف عمران:
_إنت ليه محسسني إنك بتتستر على مجرم.
أحاطه عمران حينما تمايل للأمام، وأجابه بجدية تامة لاحظها بشخصيته الغامضة:
_إنت باللي عملته ده بطل يا آدهم، كفايا انك جبت رقبة الكلب ده، ده الجزاء المناسب ليه بعد خيانته لبلده ولناسه.
اتسعت بسمته وردد بخفوت مازح:
_اعتبر رأسه مهر أختك!
ضحك بصوته الرجولي وتحرك به بعدما توقف المصعد، وتفاجئ بعدم وجود يوسف، فدق الجرس فوجد قبالته شابًا غريبًا يراه لأول مرة.
أحكم عمران لف ذراعه حول آدهم المستسلم للاغماء بين اللحظة والاخرى، فردد بدهشة:
_أعتذر منك، لقد أخطأت الشقة بالتأكيد.
استكشف أيوب من ملامحه وبذاك المصاب بين ذراعيه بأنه هو، فأشار له متسائلًا:
_إنت عمران صح؟
تعجب من ذاك الشاب العربي، وأجابه باستغرابٍ:
_أيوه انا.. إنت مين؟
مال آدهم بين يديه فعاونه أيوب حينما انحنى تجاهه وسانده للداخل، مناديًا:
_سيف!
خرج سيف مهرولًا ومن خلفه ليلى، عاونوه الشباب معًا بالاسترخاء بغرفة جمال، وأسرعت ليلى بقص التيشرت الاسود الذي يرتديه آدهم أسفل جاكيته الاسود، لتتفحص اصابته فرددت بصدمة لمن يقف جوارها:
_عمران ده مضروب بالنار ولازم يتتقل المستشفى فورًا.
أجابها عمران وهو يتفحص آدهم الذي غلبه فقدان الوعي أخيرًا، وقال:
_اتصرفي يا دكتورة ليلى، آدهم ظابط من المخابرات المصرية ولو حد شم خبر إنت عارفة اللي هيحصل.
تفاجئ سيف وأيوب بما استمعوا إليه، بينما لم يعني الأمر ليلى كثيرًا، كانت تركز بما ستفعله لانقاذ مريضها مهما كلف الأمر، فحاولت جذب الاغراض المتاحة باستخدامها وتوفيرهة بالمنزل حتى تتخطى به مرحلة الخطر..
صعد يوسف بعدما تفحص انحاء العمارة والمصعد، فولج بمفتاحه الخاص وهرع للغرفة المجتمع بها الجميع، فاقترب يتفحص ما تفعله ليلى وقد شملت نظراته ما يحدث، فجذب عمران للخارج بغضب، وسدده للحائط وهو يردد بعدم تصديق:
_إنت جايبلنا مجرم مضروب بالنار لحد هنا يا عمران عايز تودينا وتودي نفسك في داهيه.
دفعه بعيدًا عنه وهو يصيح به:
_اهدى بروح أمك العملية مش ناقصه، أنا لسه خارج من عركة مخليني شايفك مصاص دماء قدامي، ريح يا دكتور في جنب ومتستفزنيش بدل ما أخرج الحركتين اللي ملحقتش أستعرض بيهم نفسي هناك وتطوح جنبه جوه.
دفعه للحائط مجددًا بعدما كاد بأن يتخطاه عائدًا للداخل:
_لسانك الوقح ده هقصهولك قريب إن شاء الله، بس الأول فهمني عركة أيه وحد أذاك؟
قالها وهو يتفحص جسده بعدما رأى بقع الدماء قابعة بقميصه، فقال بعدمت التقط نفسًا:
_أنا كويس ومتقلقش اللي جوه ده مش مجرم زي ما أنت فاكر، ده ظابط ويعتبر خطيب شمس أختي.
زوى حاجبيه بدهشة:
_وراكان المنذر أيه وضعه!
ضحك وهو يخبره:
_الله يرحمه بقى لا يجوز عليه سوى الرحمة.
ردد حائرًا:
_أنا مش فاهم أي حاجة منك!
قال وهو يبعده عنه بتعبٍ:
_بعدين يا يوسف أطمن عليه بس وهنقعد نحكي للصبح.
وقبل أن يدلف لباب الغرفة استدار يسأله:
_صحيح مين اللي فتحلي الباب من شوية ده؟
ابتسم وهو ينقل له الخبر الذي مل من سماعه:
_أيوب اللي فلقنا رأسك بيه أنا وسيف.
بادله الابتسامة وهتف:
_بجد، صاحب سيف صح.
هز رأسه مؤكدًا له، وولجوا معًا للداخل، فوجدوا ليلى قد سحبت الرصاصة من جسده بالفعل، بينما يقوم سيف بمساعدتها بتعقيمه، حتى أيوب تعاون معهما بمناولتها ما تحتاج إليه من الحقيبة على وجه السرعة حتى أتمت مهمتها ووضعت المحلول بيده ثم خرجت لعمران ويوسف بالخارج قائلة بارهاقٍ:
_الحمد لله كله الحالة شبه مستقرة، بس لازم يكوت تحت الملاحظة عشان لو لقدر الله حصل أي مضاعفات، فلازم أكون جنبه هنا لحد بكره الصبح.
هز يوسف رأسه بتفهمٍ وقال:
_خلاص مفيش مشكلة نخلينا هنا لبكره لحد ما نتطمن على وضعه..
وأشار لها بنظرة فهمت معناها:
_ادخلي انتي اوصتي ريحي يا ليلى وأنا شوية وجايلك.
انسحبت تاركة الصالون للشباب، فجلسوا جميعًا بالخارج، وكان عمران أول من تحدث:
_الحمد لله إنه كويس أنا كنت خايف يجراله حاجة معرفش أقف قدام أختي وأقولها أيه.
ابتسم أيوب وردد:
_ربنا يشفيه ويعافيه، بسيطة إن شاء الله.
منحه الاخير ابتسامة واسعة وصاح:
_أنا سعيد إني اتعرفت عليك يا أيوب، سيف ويوسف دايمًا في سيرتك.. ومن اللي سمعته شكلنا كده هنكون أصدقاء قريب
تطلع له سيف بريبة فأشار ليوسف الذي أسرع بلكز عمران هامسًا من بين اصطكاك أسنانه:
_بالمناسبة أيوب ابن الشيخ مهران، أبوه شيخ أزهري وهو شاب متدين ارجع عن أي هزار سفيه أبوس ايدك.
تألم لضغط يده ولكزه بقوة أكبر وهو يصرخ به بحنقٍ:
_في أيه يا عم؟ حد قالك إني ملحد!!
تهاوت الضحكات على وجه أيوب وخاصة حينما نهض عمران يحمل حقيبته ملابسه وأشار له بغمزة مشاكسة:
_تعالى يا أيوب هقعدك في أوضتي أنا، وبالمرة أتعرف عليك حلو بدل بكيزة وزغلول اللي قعدلنا على الواحدة دول!
تعالت ضحكاته ونهض ليلحق به فأوقفه سيف حبنما تعلق بذراعه وهتف بتواسل مازح:
_بلاش عمران يا أيوب، أخلاقك هتنحدر، صدقني هتتغير وهتبقى انسان شيطاني، مغرور، زير نساء، وقح، معاك قرص في الردح والتربية السلبية، هتكتسب بلاوي وأنا بغير عليك يا صاحبي.
دفعه أيوب وهو يمازحه بذكورية متسلطة:
_لازم تغير لاني التركيبة اللي نطقتها دي تغري وأنا قبلت الاغراء!
ضحك يوسف وسيف وشاركهما أيوب، بينما خرج عمران من الغرفة حينما لم يجد من يتتبعه قائلًا بضجرٍ:
_أيه يا شيخ أيوب خوفت مني ولا أيه؟ لا عندك ده أنا في المعلومات الدينية معنديش ياما ارحميني، شوف إنت عايز تجاريني في أيه وأنا سداد.
توسعت ابتسامته بعدم تصديق لوجود شخصيات تلقائية مثل ذاك الغريب الذي يتعامل معه وكأن هناك عقدًا من الزمان يجمعهما، وما زاده غرابة بأنه قام بنفسه بترتيب ملابس أيوب داخل خزنته، وحينما وجد القرآن بين أغراضه حمله بحرصٍ وهو يقبله بسعادة..
منح أيوب بالبصيرة تجاه خلق الله، لا يعلم ولكنه يشعر بالقلوب البيضاء ويميزها عن غيرها، ومنذ أن رأى عمران وهو يشعر بنقاء روحه التي تألقت برداء أبيض ذاهي.
جلس عمران جواره وأخذ يسأله عن جامعته وبعض الاسئلة الافتتاحية لاي علاقة تجمع صديقين حديثًا.
******
إتجه علي ليبدل ثيابه وينعم بحمامٍ دافئ بعد هذا اليوم المرهق، وخاصة بعد أن وصل شمس لغرفتها، وولج هو لحمام غرفته واستغرق أمر تبديل ملابسه لاخرى حتى يستعد ليتجه لشقة يوسف لرؤية آدهم، صفف شعره بعناية وهو يراقب ساعة الحائط فوجدها تشارف على الحادية عشر.
جذب علي مفاتيحه وكاد بالخروج فتسلل له صوت صراخ زينب وهي تصيح بخوفٍ:
_فطيمــــــه.
اختلج قلبه بين أضلعه، فود لو حطم الباب الفاصل بينهما ولكنها الآن لم تعد بمفردها، فطرق بخفة على الباب مناديًا:
_زينب أنا هدخل؟
جذبت الاسدال القريب منها وارتدته وقد سمحت له بذلك، فاسرع للفراش يتفحص وجهها المتصبب بالعرق، ملامحها كانت مشدودة بشكلٍ مخيف.
تراجعت زينب للخلف وهي تراقبها ببكاء، وقالت بوجع:
_هي مالها يا علي؟
قال ومازال يتفحص حدة نوبتها:
_متقلقيش يا زينب هي بس بتشوف كابوس..
أراد أن يضمها ولكن وجود زينب يعجز حركته، فقال بلباقة:
_لو ممكن تنزلي تجبيلها أي عصير من تحت يا زينب.
هرعت للباب وهي تردد في طاعه:
_حاضر.
وما أن غادرت للأسفل حتى رفعها علي إليه وضمها بقوةٍ، هامسًا جوار أذنيها:
_كل ده كابوس أنا جنبك يا حبيبتي، ومستحيل هسمح لحد إنه يأذيكِ، فوقي يا فطيمة.
بالعادة تستغرق نوبتها ما يقرب العشرة دقائق لتستفيق منها، أما الآن وجوده لجوارها تمسكه بها، رائحته التي باتت تعتاد عليها جعلتها تفتح عيونها وتستفيق من نوبتها، فهتفت ببسمة هادئة:
_كنت فين كل ده يا علي؟
أبعدها عنه وهو يتمعن بعينيها، فرفع يده يلامس خصلاتها بحنانٍ، مزيحًا عرق وجهها:
_واضح إن القمر كان مستنيني وأنا زي المغفل مطلتش عليه.
وراقب باب الغرفة ثم انحنى لها سريعًا يهمس:
_لازم نتصرف في أوضة لزينب أنا كنت هموت من القلق عليكي بره ومش قادر أدخلك، وبعدين الدخول والخروج اللي بحساب ده مش نافعني.
استندت على ساقيه حتى اعتدلت بجلستها، وابتسامتها عادت لتنير وجهها الشاحب، جاهدت فاطمة ليخرج كلماتها له، فقالت على استحياءٍ وهي تود بث طمأنينتها إليه:
_بكره هجي أنام في أوضتك لما زينب تنام.
واستطردت بألمٍ تلألأ بعينيها الغائرة بالدموع:
_لاني مش حابه أنها تشوفني كده، مش عايزة أقلقها عليا يا علي.
أزاح دموعها بأبهاميه ويديه تحيط خصلاتها بحنانٍ، فرفعت بنيتها إليه وسألته ببكاء:
_هو أنا هفضل كده كتير، الكوابيس دي هتفضل تلاحقني كده طول عمري! أنا تعبت يا علي والله تعبت.
جذبها لاحضانه فتشبثت به وهي تبكي بانهيارٍ، مال برأسه يطبع قبلة عميقة على جبينها وقال بحزنٍ يمس أوتار فؤاده:
_هنعدي كل ده يا فطيمة، أنا جانبك وهفضل جانبك على طول يا حبيبتي.
ورفع عينيها لتواجه رماديته قائلًا:
_هنحارب مع بعض لحد ما نهزم كل كوابيسك وماضيكِ، هفضل جنبك ومعاكي.. مش هتخلى عنك يا أغلى من روحي.
منحته ابتسامة جذابة أهلكت جوارحه، فتعمق بالتطلع لكل أنشن بوجهها، حمرته الطاغية على خديها أثارته بشكلٍ جعله ينحني ليترك قبلة خاطفة على خدها، ارتجفت وتوترت مما فعله، اعتادت على قبلة أعلى رأسها منه والآن يختبر الأخرى.
أخفضت عينيها عنه بخجلٍ وارتباكٍ جعل صوت أنفاسها تتلاحم بقوةٍ، فرحمها صوت الباب ودلوف زينب تقترب من علي قائلة:
_العصير يا علي.
التقطته منها قائلًا بامتنان:
_تسلم إيدك يا زينب.
وقرب الكوب من فاطمة، فكادت بالتقاطه منه ولكنه أصر على أن ترتشفه من يده، فرفعت بصرها لشقيقتها وكأنه توجه له رسالة تحذيرية من وجودها، تجاهل اشارتها عن عمدٍ ودفع الكوب إليها فتناولته على مضضٍ، وفور انتهاءها منه ساعدها علي بالاسترخاء ومدد الغطاء عليها، فاستجابت للدواء الذي وضعه علي بالعصير دون أن تلاحظ هي، فغفت بعمق وبسرعة جعلت زينب تتساءل بخوف:
_هي كويسة يا علي؟
أشار لها وعينيه تتفادى التطلع لها، فأخفض عينيه وهو يجيبها:
_متقلقيش يا زينب كل ده طبيعي على حالة فطيمة، متشغليش بالك ونامي علشان بكره أول يوم ليكي بالجامعة ولازم تكوني فايقة.
وتابع وهو يتجه للخروج:
_أول ما تصحي اجهزي علشان هعدي عليكي أوصلك.
اتبعته مرددة بحرجٍ من حملها الذي بات ثقيل عليه في أول أيام قدومها الى هنا:
_مفيش داعي يا علي، أنا هروح بالتاكسي وهو أكيد هيعرف عنوان الجامعة.
استدار إليها ومازالت عينيه أرضًا تتغاضى عن رؤيتها:
_بلاش الكلام الفارغ ده يا زينب، قولتلك إنتي بقيتي مسؤولة مني مسؤولية كاملة من لما بقيتي في لندن، ولو يا ستي مش قادرة تعتبريني زي أخواتك فأنا بعتبرك زي شمس.
ترقرقت الدموع من عينيها وصاحت بضيقٍ تمكن من لمسه:
_بلاش زي أخواتي لإنك أفضل منهم بمراحل يا علي، متظلمش نفسك بالمقارنة بينهم.
رفع رماديته لها فوجدها تبكي وقد بدى له بأنه لمس ألمًا عميقًا داخلها، فقال باستغراب:
_ليه بتقولي كده يا زينب؟
ابتسمت ساخرة:
_عندي أخين وجودهم في حياتي زي الهامش، أخ منهم سافر من أربع سنين يشتغل بره علشان يكون نفسه ومن يومها فصل نفسه عننا، حتى لما بابا الله يرحمه كان بيموت اتصلت عليه واترجيته ينزل علشان يشوفه بس للمرة الاخيرة رفض إنه ينزل علشان خايف يكسر الفيزا، وحتى بعد موته مهتمش حتى يرفع عليا سماعة التليفون ولا يسألني محتاجة حاجة ولا لأ!
واستطردت بأنفاسٍ متحشرجة:
_والتاني إتجوز وبقت حياته كلها متوقفة على بيته ومراته وأولاده وأنا ولا كأني أخته ولا أهمه في شيء ولما بابا اتوفى جالي أخويا علشان الورث، وحقيقي كان شهم أوي كان عايز يديني مبلغ وأمضيله على حقي في البيت، وأخر همه بقى أنا هروح فين بعد ما أوقعله على الورق مع إنه عنده بيته بس زي ما تقول بيستكتر عليا اني أعيش بطولي جوه البيت اللي له فيه ورث! ولما رفضت مد إيده عليا وأجبرني أوقعله على العقود.
انهمرت دموعها بانهيارٍ حينما تذكرت ما فعله بها أخيها، والتقطت نفسًا مطولًا تخبر به علي الذي أدمعت عينيه وانتفضت حواسه بعدم تصديق لما قد يفعله أخًا هكذا بشقيقته:
_طردني من البيت وملقتش حد ألجئ ليه غير مراد زيدان، كان معايا رقمه كلمته واستغربت لما لقيته قدامي تاني يوم، معرفش ازاي قدر يرجعلي البيت وكان هيحبسه بس أنا رفضت ده، فضل جنبي لحد ما دخلت سنة اولى طب ولما وصلت لسنة تانية لقيته سحب أوراقي وقالي إنه قدملي في جامعة في لندن وإن بمجرد وصولي هنا هلاقي مفاجأة بانتظاري.
وابتسمت تبدد ظلمة ما تعرضت له لفرحة تلألأت داخل عتمة أحزانها:
_وصدق فعلًا لما جيت وشوفت فطيمة واقفة على رجليها من تاني.
رفع علي يده يزيح تلك الدمعة عن أهدابه سريعًا، ثم قال بنبرة مبحوحة:
_خلاص إعتبريني أنا أخوكي الوحيد اللي هيعوضك عن اللي عملوه فيكِ، كده مرضية؟
منحته ابتسامة مشرقة وراحت تهز رأسها، فابتسم وهو يودعها:
_همشي أنا… تصبحي على خير يا دكتورة زينب.
راق لها لقبها الذي عانت لسنواتٍ من الدراسة لحمله، فسحبت الباب خلفه وهي تردد:
_وإنت من أهله يا دكتور.
*******
خرج سيف لأخيه متجهمًا بعدما ترك أكواب العصير بالداخل، راقبه يوسف بابتسامة ساخرة ومازال يتمدد على الأريكة بالردهة:
_أيه مالك يا سيڤو مش طايق نفسك ليه؟
جلس على المقعد المقابل له وهو يتأفف بوابل من الغضب الذي انهار بصراخه الحاد:
_صاحبك ده مش راحم حد، ده من ساعة ما دخل مع أيوب الأوضة وهما نازلين رغي وضحك، هو في أيه بالظبط!!
إشرأب يوسف برأسه لأخيه متفحصًا معالمه بنظرة دقيقة، وكأنه يحاول الجزم ما بين كونه جادي أم يمازحه، فاعتدل بجلسته وهو يصيح بشكٍ:
_إنت غيران من علاقة الصداقة المستجدة بين عمران الوقح وأيوب!
زم شفتيه بسخطٍ:
_أديك قولتها عمران الوقح وأيوب ابن الشيخ مهرااان، ثم إني من حقي أغير على صاحبي الوحيد الله!!
انفجر بنوبة من الضحك وحاول جاهدًا أن يسيطر على ذاته، فهتف بتبرمٍ:
_يا ابني اخرج من قوقعة الابتدائية دي، وبعدين إنت ليه محسسني إن عمران يهودي، عمران اتغير يا سيف ومبقاش بيسيب ولا ركعة.
وتابع بتعجبٍ:
_وبعدين إنت مش كان نفسك إنهم يتعرفوا لانهم شبه بعض!
لوى شفتيه بتهكمٍ:
_بقالهم أربع ساعات بيتعرفوا أيه هيفضلوا يتعرفوا للسنة الجاية!!
عبث بعينيه بعدم تصديق لما يحدث مع شقيقه، كان يعلم بأنه يعز أيوب للغاية ولكنه لم يكن يتوقع أن يصل بحب صديقه للغيرة التي تجعله لا يريد أن يصادق غيره، فنهض عن الأريكة واتجه لغرفة آدهم مبتسمًا وهمس بسخرية:
_هتفضل طول عمرك طفل يا سيف، أمته تكبر وأخطبلك بقى!
حرر مقبض الباب وولج يتفحص حالة آدهم بعنايةٍ تامة بينما تحصل زوجته على قسطٍ من الراحة.
*****
بغرفة عمران.
تعالت ضحكات أيوب بعدم استيعاب لما يستمع منه من ذاك الغريب الذي مر لقلبه بسرعة البرق، فأكد عليه عمران وهو يرتشف عصير البرتقال المقدم له:
_يا ابني ده الذكاء إنك تجاري الحياة والكون زي ما تحب، تبقى وقح مع الوقح، ومحترم مع اللي يستحق احترامك، ومفيش مانع توري اللي قدامك جزء من تدينك لو كان متدين وأبوه شيخ أزهري زيك كده.
عادت إليه نوبة الضحك، فقدم له عمران الكوب الأخر قائلًا:
_اشرب اشرب.
وتجرع من كوبه ثم اعتدل بجلسته على حافة الفراش متسائلًا بمرحٍ:
_قولتلي بقى البنت اليهودية اللي احتلت بيتك برضاك دي إسمها أيه؟
أجابه أيوب وابتسامته البشوشة تنفرد على شفتيه:
_اسمها آديرا..بس إنت ليه محسسني إني سبتها تحتل بلدي!
وضع الكوب على الكومود وعاد يستقيم بجلسته قبالته، هاتفًا بحدة:
_عشان هي بتبدأ بالبيت يا أيوب، وبعدين إنت ليه عايز تساعدها إنها تتوب إفرض فشلت إنك تعملها هيكون ده كله عليك بأيه؟ إنت بتعرض حياتك للخطر وعلى حسب ما حكيتلي من شوية إنك وحيد والدك ووالدتك واتولدت بعد عشرين سنه من صبر أيوب اللي اتحلى بيه الشيخ مهران طيب ليه تعمل في نفسك كده، ليه عايز تقهرهم عليك!!
تنهد بقلة حيلة، وفاض له:
_عمران ربنا سبحانه وتعالى اختصني بده لما وقع محمد بطريقي وكانت توبته على ايدي، ويمكن يكون كل ده حصل علشان يكون للبنت دي طريق تاني غير طريقها، أنا حاسس إنها هتأسلم.. ولو افترضنا إنها هتكون نهايتي حد يطول يموت وهو حامل الشرف ده، وأكيد الشيخ مهران لما يعرف باللي عملته هيرفع رأسه فوق وهيستنى اللحظة اللي هنتجمع فيها بالجنة وابنه بيتزف فيها شهيد.
منحه ابتسامة هادئة، واخفض قدميه عن الفراش ليكون قبالته:
_إنت راجل يا أيوب، أنا كان ليا الشرف إني أتعرف عليك النهاردة، صحيح الظروف اللي جمعتنا النهاردة بالقتيل اللي جوه ده مكنتش ألطف حاجة بس المهم إننا اتقابلنا.
منحه ابتسامة هادئة، وقال بفضول:
_طيب قولي بقى عنك أي حاجة إنت من ساعة ما دخلنا هنا وإنت نازل فيا استجواب حتى جامعتي وعنواني في مصر مسبتش حاجة الا لما عرفتها.
ضحك الاخير، وقال مازحًا:
_هتعرف عني أيه بلا هم أنا شخصية تعر أقسم بالله.
شاركه أيوب الضحك حتى أدمعت عينيه، ومع ذلك قال باصرار:
_ولو بردو أنا مصمم.
ابتسم له عمران وقال بجدية تامة:
_إسمع يا سيدي، أنا شاب ومش هينفع أقولك بسيط عشان هظلم البساطة أنا عجينة بتتشكل حسب الشخصية اللي بتتعامل معاها زي ما سبق وقولتلك، بس الفرق إن اللي قدامك ده خاض حرب مع نفسه علشان يبعد عن طريق مكنش يحب إنه يمشي فيه.
أسبل بعينيه بعدم فهم، فأوضح له عمران ببحة ألم اعتلت صوته:
_أنا اتولدت في عيلة من الطبقة الآرستقراطية هنا في لندن يا أيوب، من لما وعيت على الدنيا وأنا مشوفتش غير الطبقة دي بكل قرفها، وغصب عني اتطبعت على طباعهم حتى لو كان جوايا عرق من التربية الشرقية اللي والدتي فريدة هانم حاولت تحافظ عليه، بس هي كانت غريبة أوي، عايزنا نجمع ما بين الغرب في تحضرهم وكل الصفات اللي ممكن تكون حلوة لكن الوحشة لا، كانت عايزة تعوض بالصفات الشرقية اللس هتخلينا رجالة في نظرها، وما بين دول ودول صاحبك تاه ومبقاش عارف هو مين!!
وتابع ببسمة حملت وجع التجربة المريرة التي خاضها:
_كنت بحاول أبقى كويس بس غصب عني اندرجت للكفة التانية، سكرت وزنيت وارتكبت معاصي كتيرة بس الحمد لله فوقت لنفسي بالوقت المناسب وبعدت عن كل ده، قربت من ربنا ولقيت في قربه الدوا لكل جروحي، استرجعت كل نصايح علي أخويا من تاني ومشيت عليها وحسيت وقتها إن حياتي بقيت أفضل.
واسترسل إليه دون حرجًا مما لقاه:
_ربنا كان رزقني بنعم كتيرة مشوفتهاش غير لما فوقت، يمكن اللي حصلي ساعدني في ده.. يعني الحادث اللي كان هيحصلي على الطريق والسم اللي شربته من البنت اللي غلطت معاها وكنت فاكر إنها بتحبني فوقني وخلاني مستحيل هرجع للتجربة المرة دي تاني، وأهو أديني بحاول أكفر عن ذنوبي وربنا غفورًا رحيمًا.
ربت أيوب على يد عمران ومنحه نفس الابتسامة التي ظنها ستتلاشى فور سماعه ما ارتكبه، وقال بعمقٍ:
_ربنا مببقفلش أبواب رحمته في وش حد يا عمران، محدش فينا بيتولد ملاك كلنا بنغلط وبنرتكب معاصي بس المهم التوبة وعدم ارتكاب الذنب مرة تانية، استسلامك لشيطانك من تاني هو الأبشع من كل ده.
هز رأسه باطمئنان وردد:
_ونعم بالله.
ونهض عن الفراش يخبره بابتسامة صافية:
_على فكرة أنا كمان كنت بدرس في نفس جامعتك.
وأعدل من ياقة قميصه بعنجهيةٍ:
_لازم تعرف إني بحضر ندوات واجتماعات كتيرة جوه الجامعة بتاعتك على سبيل إني وجهة مشرفة.
وغمز بتسلية:
_هنتقابل كتير سواء هنا أو هناك، وياريت تنجز بأخر سنة ليك علشان شركاتي هتكون نقطة إنطلاقة ليك يا بشمهندس.
نهض قبالته وقال بمزحٍ:
_خلاص كده مش هشيل هم الشغل، هتخرج وأجيب شهادتي وأجيلك بس بشرط تقنع الشيخ مهران يسيبني أشتغل معاك هنا، لإنه عايزني أنجز وأنزل مصر.
إلتحف برداء الخوف المصطنع وصاح بفزع:
_أقنع مين يا ابني، هو أنا شوفتك قبل كده ولا كان فيه بينا سبق معرفة!!
انفجر ضاحكًا والاخر يضحك برفقته، فخرجوا معًا فوجدوا علي يقف برفقة يوسف وسيف الذي يراقب ضحكات أيوب وعمران بنظرة مغتاظة، وفجأة جذب أيوب للداخل وترك علي برفقة عمران بخبره بالعودة للمنزل بينما سيظل هو لجوار آدهم حتى الصباح، فانصاع إليه لحاجته للنوم، وغادر على الفور.
******
بداخل غرفة أيوب.
تفاجئ بسيف يدفعه بقوةٍ وغضب يحتد بعينيه، فتساءل باستغراب من حالته الغريبة:
_في أيه يا سيف؟
حرر ما كبت داخله وصاح به:
_إنت بقالك ساعتين قاعد مع عمران وسايبني بره أيه القعدة معاه عجبتك أوي!
أسبل بفيروزته بعدم استيعاب لحديثه، وردد وهو يكبت ضحكة كادت بالتحرر عنه:
_وفيها أيه لما أقعد مع عمران أو غيره!!
احتدت نظراته المسلطة تجاهه وكأنه سيبتلعه بنيران ستحرقه:
_ماشي يا أيوب براحتك، بس خليك عارف إني مكتفي بيك ومش عارف أصاحب غيرك.
واستكمل بضحكة صاخبة وهو يخبره:
_أقسم بالله ما قادر أصاحب غيرك، مع إنك في هندسة وأنا في طب، ده إنت لو مراتي مش هحبك ده يلا!!
ابتسم أيوب وأشار له بسخرية:
_أنا أهو بحاول أستوعبك وأفهم اللي في دماغك بس صدقني مش راكبة معايا، إنت بتغير عليا يا سيفو؟؟
جاراه على نفس الوتيرة:
_ومغيرش عليك ليه يا حبيبي ما أنت لسانك حلو وموقع الكل في حبك، المهم إني أكون صاحبك الأول والأخير وصاحب بقى ميت ما تصاحب ميفرقش معايا.
فرق ذراعيه وهو يردد بضحكة رجولية:
_هات حضن يالا والله إنت أخويا مش صاحبي، أينعم إنت عبيط وغريب بس أنا راضي!
لكمه سيف بغضب فانبطح الاخير أرضًا، وقال باستهزاء:
_بدل ما تتشطر عليا كنت اتشطر على اللي ساكن فوقنا ده بيروقك أكتر ما بيروق دقنه يا أهبل!
تمدد على الفراش بنومٍ وصاح بتحذير:
_طب اخرس بقى عشان أنام شوية، مش كفايا منمين القتيل في أوضتي!
قهقه ضاحكًا ونزع عنه قميصه ثم ألقى بجسده جواره وأغلق الضوء، حاول أيوب أن يغفو بهدوء ولكن مازالت تفاصيل وجه سيف يلاحقه وكأنه يواجه زوجته التي قبضت عليه مع إحدى النساء، فانفجر بنوبة ضحك أخرى جعلت من يجاوره يردد بسئم:
_هننام النهاردة احنا!!!
*****
صعد عمران بإنهاكٍ لغرفته، يشتاق لرؤيته ومعانقتها التي حرم منها بهذا اليوم الشاق، فهمس بتمني وهو يعرج من المصعد:
_يا رب تكون لسه صاحية.
خفق قلبه طربًا حينما وجدها تجلس على الفراش، فصاح بحماسٍ:
_لو بتسمعي دعوات قلبي مش هتستجبيله بالسرعة دي، أكيد مستنياني صح؟
وأحاط كتفيها بيديه ليجبرها على الاستدارة إليه، فبرق بدهشة حينما وجد أثر البكاء على عينيها،فانحنى أسفل قدميها يداعب كف يدها بحنانٍ وصوته الرخيم يتسلل لها:
_ مايا!! في أيه؟
منح عقله التخمين بأمرها، وقال بعدما ظن أنه سبب حزنها:
_حقك عليا يا روحي أوعدك إني مش هتأخر بالشكل ده تاني، بس والله صديق ليا تعب جدًا وأخدناه لشقة سيف حتى أنا سايب معاه دكتورة ليلى ويوسف وعلي وجتلك على طول.
مازالت تحتفظ بالصمت، وخصلاتها تحجب وجهها عنه، أبعد عمران خصلاتها للخلف قائلًا بحزنٍ:
_هتخبي نفسك عني كتير يا مايا، أنا أعتذرت ووعدتك مش هتكرر تاني.
رفعت عينيها إليه تمنحه نظرة محبة لحنانه، ورددت بصوتها المتقطع من أثر البكاء:
_أنا مش زعلانه منك يا عمران، أنا زعلانه على خالتي.
انتصب بوقفته وجلس جوارها يتساءل بلهفة:
_مالها ماما؟؟
أزاحت دموعها قائلة بحزن:
_معرفش مالها يا عمران، أنكل أحمد كان عندي من ساعة وطلب مني أروحلها وأخلي بالي منها، روحتلها لقيت عنيها ورمة وكان باين عليها انها بتعيط، رفضت تقولي مالها وخرجتني من الأوضة وقفلت على نفسها ومن ساعتها مخرجتش ولا راضية تفتحلي.
احتل الرعب والخوف وجدانه، فصاح وهو يسرع لجناحها:
_ازاي متبلغنيش يا مايا، متصلتيش بيا ليه!!
لحقت بخطواته الواسعة راكضًا:
_موبيلك كان مقفول يا عمران، استنى هي بأوضة أنكل أحمد مش في جناحها.
ابتعد عن الدرج وعكس وجهته، مشيرًا لها بصرامة:
_ارجعي انتي الأوضة بلبسك ده، أنا هشوفها وراجع.
أشارت له بتفهمٍ وعادت لغرفتها بينما استكمل هو طريقه لباب غرفة أحمد، طرق عدة مرات وحينما لم يأتيه ردها نادها بخفوت:
_فريدة هانم ممكن تفتحي الباب، عايز أطمن عليكي!
أتاه صوته يهرول لها، ومازالت تجلس أرضًا وتستند بجسدها على الفراش تبكي بانهيار على حالها، أضاعت نفسها وأولادها بسبب رجلًا كان ظالمًا بالنهاية، ودت لو مزقت جسدها أو منحته الخلاص بسكينٍ يحرر روحها من مخضع ألمها، وبالرغم مما حدث بينها وبين أحمد الا أنه لم يتمكن من ان يداوي وجعها العميق.
طرق عمران بخوف فرض سيطرته عليه بعنفٍ، فصاح مهددًا:
_لو مفتحتيش أنا هكسر الباب ومش هيفرق معايا أي عقاب منك!
بالعادة كان ينتابها الغضب الكاسح فور رؤية أي شيئًا مكسورًا بقصرها الحبيب، الذي عانت لجمع كل تحفه بعناية حتى الأساس، أما الآن فلم يعد شيئًا يهمها إن كانت هي بذاتها قد انكسرت وتمزقت!
اندفع عمران بكل قوته لدفع ذاك الباب بقوةٍ هاجمته من فرط خوفه وقلقه عليها، دفعة فالاخرى وبالثالثة انخضع لقوته المسيطرة فانكسر المقبض وانفتح من أمامه، فعلها حبيبها سابقًا وكسر الباب لأجلها وفعلها الآن ابنها الحبيب وكأنه يؤكد لها بأن هناك من سيعوضها عما خاضته، هناك من يعمر قلبه بحبها وإن وجدت هي الجفاء والقسوة.
جحظت عين عمران صدمة حينما رأها ترتكن برأسها على الفراش وعينيها مازالت تنهمر بالدموع، قُتل بأرضه وشعر بثقل حركة قدميه، لم يرأها أبدًا بذاك الضعف حتى الدموع ما كان ليراها بعين والدته القوية، هرع إليها وجلس أرضًا يناديها بلوعةٍ:
_ماما!!
حركت رأسها إليه ببطءٍ ومنحته نظرة أصابته في مقتلٍ، كأنها تشكو له مرارة ما تذوقته، وفجأة تحركت بجسدها لتختبئ داخله وتحرر عنها صوت اليكاء الذي كتمته بحرافيةٍ طوال تلك السنوات، ضعفت وتعالى صوت بكائها وهي تتمسك به كأنه أخر قشة لنجاتها من بئر أحزانها.
ارتجف جسد عمران وهو يراها بتلك الحالة وما جعله لا يستوعب تمسكها به وبكائها على صدره، أحاطها بقوة ويده تهددها من الخلف بينما الاخرى تحيط بها بحنان، ورغمًا عنه سقطت دموعه تأثرًا بها، فازدرد صوته المبحوح متسائلًا:
_مالك يا حبيبتي؟ فيكِ أيه؟
يعلو صوت شهقاتها عن السابق وبصوتٍ هزيلًا كحالها رددت:
_أبوك ظلمني يا عمران، أبوك دبحني… أنا مش مسمحاه.. مش مسمحاه على ظلمه ليا ولا على كسر قلبي.
ورفعت وجهها إليه تشير على موضع قلبها بألمٍ:
_قلبي موجوع أوي وحاسة إني عايزة أنبش تربته وأولع فيه بأيدي، آآ… أنا… آآ.. أنا موجوعة هو كسرني كسر فريدة هانم اللي محدش كان يقدر عليها.
حاول استيعاب ما تحاول اخباره به، ولكن ما عاناه هي، كان يخشى من حالتها الغريبة تلك، فأبعد خصلات شعرها القصير للخلف وهو يردد:
_هو مات خلاص يا ماما، من فضلك اهدي عشان صحتك، أنا أول مرة أشوفك كده.
تمعنت بالتطلع لوجهه بدقة، جعلته يزوى حاحبيه بدهشة من أمرها، فانهمرت دمعاتها وهي تردد بوجعٍ قابض:
_إنت شبهه بالظبط يا عمران، إنت شبه سالم في كل حاجة.. أوعى تكون ظالم زيه وتظلم بنتي زي مهو ظالمني!
ابتلع ريقه المرير بصعوبة بالغة، ومنحها ابتسامة عابثة ومن خلفها صوته المتحشرج:
_مش كنتي بتقولي دايمًا إني شبه عمي!
ضحكت ساخرة ودموعها لا تتوقف:
_الاتنين شبه بعض.
ورفعت اصبعها تشير له وقد تهاوى دموعها دون توقف:
_بس أحمد مش زيه، مش زي سالم يا عمران، أحمد عنده قلب وبيعرف يحب أبوك لأ… أبوك معندوش قلب ولا عنده رحمة، أبوك عاش طول عمره بيمثل عليا دور الملاك والنهاردة بس عرفت إنه كان شيطان، فضل أسرني بكلبش الذنب وعذاب الضمير حتى بعد موته، أنا بكرهه وبكره نفسي.
وانهارت باكية مرة أخرى وهو عاجز عن فهم ما تريد قوله، فضمها إليه وربت عليها بحنان، لم تمانع هي بل شددت على قميصه واتركت العنان لبكاء ربما يكون رءوف بها ويحررها من وجع قلبها.
نصف ساعة ومازالت تستند على كتفه ويميل هو على الحائط، يحتويها بجسده الضخم مقارنة لجسدها الضعيف، يمسد على ظهرها وينطق آيات قرآنية عليها، فابتسمت وهي تتلصص لهمسه فتذكرت ماذا كانت تفعل معه حينما كان ينتابه كابوس، كانت تضمه وتقرأ له الآيات القرآنية مثلما يفعل معها الآن، وأخر ما تسلل لها كلماته الداعية:
_بسم الله على قلبك حتى يهدأ، بسم الله على قلبك حتى يطمئن!
غفت فريدة على كتفه فتركها تثقل بنومها وإتكأ على الفراش لينهض بها، ووضعها عليه ثم داثرها وجلس جوارها يراقبها بنظرة حزينة، لا يعلم ماذا حدث ليصيبها كل ذلك الحزن والسخط من أبيه، أزاح تلك الدمعة التي مازال وجهها يحتفظ به، ورفع هاتفه يتفحص الساعة فوجد بأنه نفسه الوقت الذي خصصه لقيام الليل كمعتاده، نهض عمران من جوارها فوجدها تتمتم:
_متمشيش يا عمران.
عاد إليها فوجدها تفتح عينيها له وتترجاه:
_خليك معايا.
ربت على خصلاتها المتمردة، وقال:
_أنا هصلي جنبك هنا مش خارج يا ماما.
هزت رأسها وأغلقت عينيها بتعبٍ، فلف الغطاء عليها وتركها وولج لحمام الغرفة وخرج بعد قليل يفرد سجادة الصلاة ويؤدي صلاته بخشوعٍ تام، ومع كل ركعة كانت يطول بسجوده ويدعي لها بأن يبدد الله أحزانها.
ومع أخر ركعة له، سلم يمينًا ويسارًا ليتفاجئ بها تجلس جواره أرضًا، فاستدار لها يتساءل بقلقٍ:
_ماما، حاسة بحاجة أطلبلك دكتور؟
هزت رأسها نافية، وقالت ببسمة زارتها أخيرًا:
_إنت بتصلي من أمته يا عمران؟
رد عليها وهو يعتدل بجلسته الغير مريحة:
_من لما ربنا نجاني من الموت ووهبلي حياة جديدة ومختلفة عن اللي عشته.
وتابع بابتسامة هادئة:
_صلاة القيام دي راحة بحس بعدها بطاقة رهيبة، أيه رأيك تقومي تتوضي وتصليها حالتك هتتحسن وهتبقي أفضل من الأول، صدقيني.
دققت عينيها به بذهولٍ، هل هذا هو عمران ابنها المشاكس الذي كان لا يترك ذنبًا الا وارتكبه، ربما لو كان علي فلما كانت ستتعجب كثيرًا، علي الولد الطيب الذي لم تعاني بتربيته مثلما فعلت مع ذلك العنيد المتمرد الذي كان يدفعها لمعاقبته باستمرارٍ، ماذا حدث له؟
أفاقت فريدة من شرودها على صوته المازح:
_ها يا فيري هتقومي ولا اسندك للسرير؟
ظنها ستغضب لحديثه ولكنه وجدها تبتسم له وهي تجيبه:
_هصلي الأول.
وحاولت النهوض وهي تحارب ذلك الدوار القابض، فساندها عمران لداخل الحمام، حتى خرجت له، فوقف يعاونها على الوضوء ويديه تحيط بها خشية من سقوطها بالداخل فتتأذى، ابتسمت له فريدة ورددت:
_اخرج أنت يا عمران أنا كويسة يا حبيبي متخافش عليا.
رفض ذلك وبقى جوارها فانحنت تغسل قدميها لتنهي وضوءها، ولكنها شعرت بأنها ستسقط من فرط وجع رأسها لتجده ينحني ويجذب المياه ليغمسها بين أصابع قدميها ليضمن نجاح وضوءها.
لمعت عين فريدة بالدموع وهي ترى ما يفعله لأجلها، حتى خرج بها يحملها للخارج، وقال بحنان:
_لو تعبانه صلي وإنتي قاعدة.
هزت رأسها له وقالت وهي تتفحص غرفة أحمد بنظرة شاملة:
_بس أنا ماليش هدوم هنا.
وحينما تذكرت جناحها بغضت معالمها، وقالت لعمران:
_هاتلي اسدالي من جناحي يا عمران.
هز رأسه وتركها وهبط للأسفل، وما أن ولج للجناح حتى فغر فاهه صدمة من ذلك المنظر الفوضوي، بات الآن على ثقة بأن والدته تواجه أمرًا كارثي بالتأكيد، وربما هذا الأمر يعرفه أحمد جيدًا.
التقط الاسدال وعاد لوالدته بحزن يلمع بعينيه، التقط منه فريدة ما يحمله وقبل أن يتحدث لها قالت:
_لو هتسأل عن أوضتي واللي حصل فيها فأنا اللي عملت كده ومش ندمانه يا عمران.
وتركته ونهضت تحتل مكانه على سجادته لتؤدي صلاتها، فجلس عمران على مسافة قريبة منها أرضًا يجذب مصحفه الصغير الذي لا يفارقه ليتسكمل قراءة لحين أن تنتهي من صلاتها.
وحينما كان منسجمًا بقراءته شعر برأسها توُضع على ساقه، فرفع يده يلف بها جسدها وأخذ يسترسل قراءة ليجدها تردد بصوتٍ باكي:
_علي صوتك، عايزة أسمعك!
انصاع لها ورفع من صوته، بينما تغلق هي عينيها براحة غريبة ولم يعنيها أنها تتمدد أرضًا، غفت بهدوء والهواء المقابل للشرفة يغزو وجهها، حتى انتهى عمران من ورده وأخذ يمسد عليها بحزنٍ جعل دمعاته تنهمر على عينيه.
استمع لصوت تسلل قدمًا منه فرفع عينيه ليجد مايسان قبالته تتساءل بلهفة:
_عرفت مالها يا عمران؟
هز رأسه نافيًا وهو يقول بحزنٍ:
_لأ… بس شكل بابا الله يرحمه ورا حالتها دي.
ومسد على شعرها وهو يستكمل:
_وأكيد عمرها ما هتتكلم، لكن أنا مش هسكت وهعرف من عمي أو علي اللي مخبينه عني.. يلا إرجعي انتي الأوضة وأنا شوية وجاي
هزت مايسان وجهها الباكي وأخذت تراقب ملامح فريدة بتأثرٍ قبل أن تغادر فنهض عمران وحملها للفراش مجددًا، وتمدد جوارها حينما وجدها مازالت تتشبث به، وكأنها تشعر بوجوده جوارها بعد، فمال ليستند برأسه على رأسها حتى سبح بنومه هو الأخر.
وبعد ساعتين شعر بأنفاسٍ قريبة منهما، فتح رماديته ليجد أحمد يطبع قبلة على جبين فريدة بتأثرٍ، فاعتدل بجلسته وهي يردد بنومٍ:
_عمي، أنا آسف شكلي راحت عليا نومة.
واعتدل وهو يستعد لمغادرة الفراش فلاحظ أحمد يد فريدة القابضة عن قميص عمران المفتوح أزراره باهمالٍ لنهوضه المفاجئ، وعاد يتطلع له قائلًا بابتسامة:
_خليك جنبها يا عمران، هي محتاجالك أكتر مني.
تجاهل عمران حديثه وسدد له نظرة قاتمة اتبعها سؤاله:
_بابا عمل فيها أيه يخليها بالحالة دي يا عمي؟
اتسعت حدقتيه صدمة من أن تكون فريدة قد سردت لعمران شيئًا، فبدى مرتبكًا للغاية مما دفع عمران يستطرد باصرار:
_أنا عايز أعرف كل حاجة ودلوقتي حالًا!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صرخات أنثى)