روايات

رواية صرخات أنثى الفصل السابع والستون 67 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل السابع والستون 67 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى البارت السابع والستون

رواية صرخات أنثى الجزء السابع والستون

رواية صرخات أنثى
رواية صرخات أنثى

رواية صرخات أنثى الحلقة السابعة والستون

نزع نظارته السوداء عن وجهه، ووقف يراقب الوجهة الخارجية بشوقٍ يرفرف لحبيبته، وبلده “مصر”، سحب نفسًا طويلًا يجدد خلاياه بانتعاشٍ، وابتسامته الجاذبة تزيد من وسامته المهلكة، ربما ليست أروع دولة قد يزورها، زار أماكن على مستوى مرتفع من الرقي والتطورات، ولكنها ستبقى بلده، ستبقى أفضل مكانًا قد يزوره يومًا.
نظرية حنينه إليها، كذلك العاشق لزوجة قد يرى آلاف النساء الأكثر جمالًا، فإن تعلق الأمر بالأكثر جمالًا لما سكنت قلبه، ثمة أحاسيس لا تقاس بثمنٍ ولا مقارنات.
يعلم بأن العالم هنا مختلف عن مكان نشأته، ولكنه إن خُير سيفضل البقاء هنا وللأبد، رفع” عُمران” يد حقيبته وجذبها من خلفه متجهًا للخارج، فتوقف محله يراقب ذلك الذي يرتكن على سيارته السوداء بانتظاره، وما أن رآه حتى انتصب بوقفته يستقبله بابتسامةٍ صغيرة:
_نورت مصر يا طاووس!
زوى شفتيه ضيقًا منه، وردد بفتورٍ:
_هي لحقت تبلغك؟
جذب “آدهم” الحقيبة منه، ووضعها بالصندوق الخلفي، قائلًا بابتسامة رزينة:
_إنت كنت فاكر إنك هتنزل مصر ومش هعرف مثلًا!
تخطاه وفتح باب السيارة الأمامي، فتنهد عُمران بتعبٍ ملحوظ بنبرته:
_آدهم انا نازل مصر عشان أكون لوحدي، من فضلك سبني أطلب أوبر للمكان اللي حجزته.
شعر بخطبٍ ما يحطمه داخليًا، يسعى لإخفاءه بجدارةٍ، ليس وقحًا كالمعتاد عنه، ثمة شيئًا هُزم داخله لا يعلمه.
تنحنح آدهم بخشونة:
_من حقك طبعًا، بس إسمحلي أنا مش هقبل تكون في مصر وتنزل بفندق، هتيجي بيتي وهتفضل عندي لحد رجوعك للندن، أوعدك إني هديك الخصوصية اللي تحبها.
وتابع مبتسمًا:
_وبعدين دي فرصة إني اقرب منك وأصلح علاقة الحموات اللي بتعاملني بيها دي.
اغتصب ابتسامة صغيرة على وجهه، ودون أي كلمة صعد جواره، وانطلق به على الفور.
*******
انتهى من صنع فنجان قهوته، وخرج يرتشفها بتلذذٍ، فإذا بهاتفه يصدح بصوت رسالة، رفع فنجانه يرتشف منه وهو يراقب الرسالة التي وصلت للتو، بصق “يوسف” القهوة، وهو يعيد قراءة رسالة “عمران” بهلعٍ.
«الطور لما بترخيله اللجان بتكون إنت أول ضحاياه، بالشفى يا دوك، هستناك تهرب وتجيلي على مصر!»
جحظت عينيه صدمة، فازدرد ريقه الهادر بصعوبةٍ بالغة، أزاح “يوسف” عرقه النابض على جبينه وهو يهمس برعبٍ:
_الله يخربيت معرفتك إنت وهو يا أخي، هعمل أيه دلوقتي!!
مرر يده على وجهه بتوترٍ، وما كاد بالوصول لحلٍ يخلصه من بين براثين ذاك المتهور، حتى أتاته طرقات باب منزله الهائجة، ابتلع ريقه بصعوبةٍ بالغة، وردد بخوفٍ:
_مش هفتحله لأ، ده هيقتلني!
وتابع بعد تفكيرًا في حل ذلك المأزق الذي ألقاه به الطاووس الوقح:
_أطلب النجدة؟
ترك الهاتف على المنضدة بحزن من اقتراحه، وهدر:
_ده مهما كان صاحبي، هسجنه بايدي!
وما كاد بالتوصل لحلٍ آخر حتى تسلل إليه صراخ “جمال” المتعصب:
_افتح يا يـوسـف، أنا عارف إنك جوا، افتح بدل ما أكسر الباب ده على نفوخك!
أسرع لغرفة نومه يبدل ملابسه البيتية، حمل هاتفه ومفاتيحه ومتعلقاته الشخصية، وأسرع لباب المطبخ عساه ينجو بنفسه.
سلك الدرج المعدني الرفيع، حتى وصل لنهاية العمارة، وما أن انخفض عنه، حتى أنفض يديه من الغبار العالق على الدرابزين، جذب منديلًا ورقيًا يمسح بقايا الغبار وهو يصيح بنفورٍ:
_البواب ده لازم يغيروه، معندوش اهتمام بنضافة السلم الاحتياطي.
_مهو ميعرفش إنك هتهرب منه زي الفيران!
جحظت عيني “يوسف” بصدمةٍ، لعق شفتيه يمنحهما بعض الرطوبة، واستدار ببطئ تجاه الصوت المسموع، فوجده يستند على العمود الحجري، مربعًا يديه أمام صدره ويراقبه بنظراتٍ مشتعلة.
تجمد لوهلةٍ قبالته، فبرع برسم ابتسامة ثابتة وهو يقول:
_جيمي!! إزيك يا حبيبي عامل ايه؟ أيه اللي جابك هنا، المنور كله تراب وقرف، ده أنا نسيت مفاتيحي وكنت بحاول اتصرف وأعدي الشقة من المطبخ بس للاسف معرفتش، كويس إنك جيت، خلي بالك بقى عشان باب المطبخ على وسعه، عما أشوف سباك يجي يشوف الباب اللي مش عارف أفتحه ده!!
وتركه وفر من أمامه راكضًا للچراچ، دث مفتاحه بباب سيارته، وما كاد بفتحها حتى أغلق جمال الباب ووقف قبالته يصوبه بنظرةٍ قاتلة، وبصوتٍ واجمًا قال:
_صبا فين يا يوسف؟!
وصل لنقطةٍ لم يكن يريدها من البداية، فتنهد واستدار يقابله وجهًا لوجه:
_في مكان أمين، وليلى معاها.
تسلل الغضب بمُقلتيه وجعله مخيفًا، بينما الأخر يواجهه بثباتٍ وقوة:
_عارف إنك كان لازم تعرف من البداية، بس أنا وعدتها إنك مش هتعرف بمكانها، مكنش قدامي حل تاني، وانا عارف إنها ملهاش مكان تروحه، خبيت عنك وكنت هخبي لحد ما هي بنفسها اللي تطلب مني أقولك.
واستطرد بجديةٍ تامة، وعينيها لا تفارقه:
_جمال أنا مش ندمان إني عملت كده، بالعكس أنا اتعاملت مع الموقف كأنها مرات سيف أخويا واتحطت في موقف مشابه زي ده.
جموده قبالته، صمته المريب، رزانته المفاجئة، كل شيءٍ به يثير قلق يوسف، لدرجة جعلته يناديه بقلقٍ:
_جمال!
اقترب منه في حركةٍ مفاجئة، فتراجع يوسف للخلف خوفًا من ان يتلقى لكمة، فاذا بجمال يحتضنه بقوة كالغريق الذي ينازع انفاسه الأخيرة.
تشتت يوسف لوهلةٍ، وفقد التعامل مع رد فعله، ظن بأنه سينهال عليه باللكمات القاسية، يعلم بأنه ليس بأفضل حالاته، فتوقع الأسوء منه.
شدد جمال من ضمته بقوةٍ، جعلته يطوقه بذراعيه بألمٍ يذبح فؤاده، يشعر بانهزامه وضعفه، وهو الذي اعتاداه قويًا، متهورًا.
مال برأسه على كتفه يخفي دموعه، وهو لا يعلم بأنه يشعر بها دون أن يراه، وقال من بين أنفاسه المتحشرجة:
_اللي مريت بيه ده كان كفيل يخليكم كلكم تبعدوا عني، إنت كنت جنبي على طول يا يوسف، متخلاتش عني، صدقتني وفضلت في صفي، رغم إني الجاني مش المجني عليه.
واستطرد وهو يتشبث بجاكيت بذلته الأسود:
_إنت كنت من اختياراتي الصح يا يوسف، وصعب أتخلى عنك أو ألومك على شيء.
وتابع بصوتٍ احتنق بعباراته:
_أنا بس كنت محتاج أطمن، ودلوقتي اطمنت.
ربت على ظهره بحنانٍ، وكأنه طفلًا صغيرًا، وقال بحزنٍ:
_هتعدي والله، هي بس محتاجة وقت تتخطى اللي عاشته.
ابتعد عنه يزيح دموعه، ويرسم ابتسامة صغيرة:
_عارف وهستنى.
مال على مقدمةٍ سيارته يميل نصف جلسة، وسأله بارتباكٍ:
_الولد كويس؟
هز رأسه بتأكيدٍ، فربع يديه أمام صدره بتوترٍ جلي:
_الحمد لله.
ورفع عينيه له يتلاشى نظراته المشفقة على حاله وقال برجاءٍ مؤلم:
_ممكن تخلي دكتورة ليلى تصوره، عايز أشوفه!
أخرج هاتفه من جيب بنطاله يجيبه:
_أكيد طبعًا.
استغرق دقيقتين، وسلط له الهاتف، تناوله منه بلهفةٍ، واتسعت بسمته بشكلٍ اجبر يوسف على الابتسام بمحبة.
آرسل جمال الصورة لحسابه الشخصي، واعاد الهاتف ليوسف قائلًا:
_اطلع ارتاح، أنا همشي أنا.
لحق به يتساءل بريبة:
_رايح فين؟
فتح باب سيارته المصفوفة في بداية الچراچ واخبره:
_ مشوار مهم ولازم اعمله.
أمسك ذراعه يمنعه من الصعود، ووقف قبالته يتساءل بشكٍ:
_رايح فين يا جمال؟
نزع ذراعه من حصاره وقال:
_رايح أرجع حق مراتي وصاحبي يا يوسف، ولو معترض على ده هعمله بردو.
رد عليه بهدوءٍ يحاول به امتصاص غضبه:
_مش معترض، بس افهم رايح فين؟
عاد يفتح باب سيارته، ولج داخلها واخفض زجاجها يخبره:
_استنى واتفرج على اللي هيحصل، ووقتها هتعرف أنا رايح فين؟!
قالها وانطلق بسيارته بسرعةٍ البرق، متجاهلًا صراخ يوسف وندائه المتكرر، فصفق كفًا بالأخر وهو يردد بعجزٍ:
_هيجيلي الراحة منين طول ما الكائنات دي في حياتي!!!!
*****
بمكانٍ منعزل عن السكان، حيث يبتلعه الظلام من كل صوب، وكأنه أخر بقاع الأرض، تعمه الصحراء القاحلة، وأصوات حشرات الليل المفترسة تحوم به كناقوس الخطر المزلزل للأبدان، هنا حيث يسكن كل شيءٍ، لا ضجيج المدن ولا ثرثارة الناس، يمزق سُكنة المكان، صوت إطار ثلاث سيارات فاخرة، تصطف ثلاثتها قبالة بعضها البعض، مشكلة حلقة دائرية.
أضواء كشافتها تضيء المكان المعتم بشكلٍ كبيرٍ، هبط الثلاثة من سيارتهم وإتجهوا لتلك الحلقة الدائرية.
وضع “مراد” يده بجيب جاكيته الأسود، ووقف يتابع أخيه بنظرةٍ منزعجة، فشرع بإعلانه الاخير:
_خليك عارف إني مش راضي عن قرارك المتهور ده، إنت اللي هتتحمل مسؤوليته قدام الجهات.
منحه “رحيم” ابتسامة جانبية، وتمعن بعدي الذي يتابع المكان بدهشةٍ، فسأله باستكانةٍ ماكرة:
_عجبك المكان يا سيادة العقيد؟
استقرت عسليته عليه وتمتم باستهانةٍ:
_مش بطال، بس أيه سببب تواجدنا هنا في وقت زي ده؟
واستطرد بسخريةٍ:
_هو جو الفيلم الرعب ده مسلي جدًا، بس اللي بنمر بيه مش محتاج تضيع وقت يا رحيم.
استند بذراعيه على مقدمةٍ سيارته وجلس فوقها واضعًا ساقًا فوق الاخرى ببرودٍ اتبع نبرته:
_متقلقش مش بضيع وقتك، ده كله في مضمون المهمة اللي اتبعت للجهاز عشانها.
وزع “عدي” نظراته الحائرة بينه وبين الجوكر المنزعج من أخيه، يبدو وكأنه على وشك سحب سلاحه من غمده واطاحة رأس أخيه الفضيل.
عاد ببصره تجاهه وسأله بدهشة:
_طيب فهمني إحنا بنعمل أيه في مكان زي ده؟ مش المفروض نقابل المارد!
ربع يديه أمام صدره وسند رأسه لزجاج سيارته يستكين باسترخاءٍ تام، كأنه يستعد للنوم بتلك الاجواء المرعبة:
_هو هيعرف يطلع من العلبة لوحده.
إنزعج من بروده وغموضه بالحديث، فاستدار إلى “مراد” الذي جلس على مقدمة سيارته يتابعهما بضجرٍ، فما أن تطلع عدي له حتى تمتم بعصبيةٍ:
_متبصليش كده، أنا مبعرفش أحل مع كتلة البرود ده في شيء، هو حل من الاتنين يا نقتله هنا أنا وإنت يا نسيبه مكانه هنا للصبح ونرجعله بليل يكون اتشمس وفك من البرودة.
إتجه “عدي” لسيارة “رحيم”، جلس جواره يتطلع له بحنقٍ، فناداه على مضضٍ:
_رحيم إنت عارف خطورة المهمة دي، كل دقيقة بتمر علينا بتعرضنا لخطر أكبر، فقولي نلاقي فين ليل العربي عشان نتحرك بسرعة.
بقى ساكنًا وكأنه يسبح بنومٍ عميق، أذنيه تتركز بسماع أي بصيص قد يفيده، وفجأة حرر زيتونية عينيه بابتسامةٍ مخيفة، وفاه:
_قرينه بيحوم حولينا، شوية وهيظهر.
تعجب”عدي” من حديثه، ورفع عينيه للأعلى يراقب هذا الصوت المرعب، تفاجئ بصقرٍ جانحًا، ضخمًا، مخيفًا للغاية، لونه أسود مخطوط جبهته بغارة بيضاء كالشهب، يرفرف بجناحيه الكبيران بشموخٍ وكبرياء، يحيط بمكانهم في نطاقٍ دائري، كأنه يود استكشاف هويتهم.
حلق بعنجهيةٍ، متفاخرًا بقوته، ومال يتجه إليهم، حتى استقر على سيارة “عدي” الفارغة، حيث كانت سيارة رحيم تحمل مقدمتها رحيم وعدي، والجوكر يحتل مقدمة سيارته.
برز حجمه حينما قابلهم بمحل وقوفه، أجزم مراد بأنه يرى هذا الطائر الغريب لمرته الاولى، كان يثني جناحيه خلف، وكأنه ملكًا يطل على حاشيته، يطالعهم بعجرفة ربما اكتسبها من صاحبه.
نهض رحيم عن سيارته واتجه ليقترب منه، فأوقفه مراد يخاطبه بقلقٍ:
_متقربش منه يا رحيم.
اعتاد من أخيه على محبته، وخوفه الهيستري عليه، فطمنه بمسحة يده على ذراعه وقال:
_اطمن، أنا اتعاملت مع عُقاب قبل كده.
تمسك به بقوةٍ ورفض أن يتركه يتقدم للأمام، فزفر بغضبٍ:
_مراد قولتلك مش هيعملي حاجة!
دفعه الجوكر للخلف بعنفٍ يتناسب مع قوة جسده العضلي، هادرًا من بين اصطكاك أسنانه:
_انا مش هفضل أخد اوامر منك طول الوقت، إرجع إنت وسبني أنا اتعامل.
تنهد عدي بقلة حيلة، الحرب مستمرة بينهما وعلى ما يبدو بأنها لن تنتهي يومًا، نصب الاسطورة عوده، وأخرج من جيبه بطاقة سوداء، تحمل رمزًا مصغرًا لهيئة الصقر المقابل لهم.
اقترب لاخيه يشرح له على مضضٍ، بعدما فقد الامل بأنه سيتخطاه:
_هحط دي قدامه عشان يتعرف علينا، فهمت!
انتشل منه الجوكر البطاقة، واختار المضي قدمًا تجاه الصقر، كعادته يضع نفسه بالمقدمة حينما يحيط الخطر أحد أحبابه، ما يجعل رحيم غير راضيًا عنه.
ترك البطاقة أمام “عُقاب”، الذي مازال يتابعهم بشموخٍ، فانحنى بمنقاره المنجرف يحمل البطاقة، حلق عاليًا واختفى من أمامهم في لمح البصر، مما دفع عدي ليتساءل:
_فيها أيه البطاقة دي يا رحيم؟
أتاه ردًا صريحًا حينما استمع لصهيل خيلًا، عربيًا، أصيل، استدروا معًا تجاه تلك الاتربة التي خلفت من حول ذلك الفارس محترف التحكم بفرسٍ غريب الأطوار، يتحكم بسرجه بقبضةٍ حديدية، يجابه بشموخه شموخ صقره المحلق من فوقه.
وشاحه الأسود يتدلى من خلفه مصدرًا صوتًا كحفيف الموت الذي يحوم بالقبور الصامتة، غدافية مُقلتيه تبرز من خلف القماش الذي يلثم وجهه ويخفيه عن الأنظار شفقةٍ عليهم مما يخفيه، صقره الأسود يهبط الآن ويستكين على كتفه، يعلن بشموخٍ أنه الصديق الوحيد الذي يمتلكه، نقيض هذا الحصان البائس الذي يكون رفيق طريقه المؤقت برحلة لا تدوم طويلًا، ولكنه لا يبرع الا بانتقاء من يشابه سواد ليله الكحيل!
غريبًا هو حتى وإن وطئت قدميه واحد وخمسون دولة، لم يجد وطنه بأي بلدًا قبع بها، مِسْفَار يحمل أمتعته من مكانٍ لأخر ولكن ما عليك أن تكون حذرًا وللحق إن أتخذت كل الحذر لن تتمكن من إيقافه!!
عساك تظن أنك تمتلك من الذكاء ما يؤهلك على الوقوف أمامه بساحة الحرب، لك أن تعلم عزيزي أنه ليس هناك لغزًا من الأساس لتجتهد بحله، فهو ليس لغزًا بل متاهة مقبضة، يسيطر جاويد ليله عليها فيجعلها مقبضة، لن يمنحك حتى فرصة خوض جولة تجربية تستعلم بها مدى امكانية فرصة فوزك، لآنك ستقتل في أرضك قبل أن تخطو خطوة واحدة!!
هو غريبًا، غامضًا، مخيفًا، متفردًا، حيث من المحال أن تلمح طرف وشاحه، حتى إسمه يصعب على أحدًا تخمينه ولكنني لست أحدًا فأنا بالنهاية من شكلت شخصية مقبضة مثل هذا الرحال الغريب، لذا فلأخبرك سرًا قارئي العزيز أخر ما نسب إليه من الأسماء كان #ليل_العربي! ولتعلم بإن إسمه الحقيقي بذاته لغزًا وإسمه الحالي لا أعلمه، ربما يخدمنا الحظ ويصادف أنه مازال يحمل نفس الإسم بالوقت الراهن.
وقف “رحيم” قبالة الفرس، يطالعه بنظرة قاتمة، فإذا به ينتقل بعينيه المتخفية خلف وشاحه عليهم، وبرشاقة لا تتناسب مع جسده الضخم انخفض عن فرسه.
وقف جواره يمرر يده ببطءٍ قاتل على ظهر الفرس، بحركاتٍ عشوائية، جعلته ينحني برأسه وكأنه يعلن طاعته لأمر فهمه من سيده، وعلى الفور تحرك ليختفي عن الأعين.
اقترب مراد وعدي منهما، فاذا به يقف قبالتهم رافعًا الرأس، بنية عينيه الشبيهة بحبات القهوة الداكنة تنتقل بين وجوههم، وبثباتٍ محسوم ردد:
_خير؟
منحه رحيم ابتسامة خبيثة، وقال:
_وجودنا مع بعض ميدلش عليه.
حام “عُقاب” من حوله وانخفض بكل قوته، فمد “ليل” ذراعه ليتلقف طائره الغاضب على ذراعه بكل مهارة، ويده الاخرى تمر على جسده الضخم، قائلًا وعين اهتمامه منصبة على الطائر:
_خير أو شر، وجودكم هنا محظور.
تدخل عدي بالحديث، منفعلًا من بروده بالتعامل:
_لولا إننا محتاجين لسيادتك مكناش جينا هنا.
توقفت يده على جسد طائره، واستدار بوشاحه له، وبجمودٍ هتف من خلف لثام نصف وجهه، الذي يخفيه كليًا كالشبح:
_وجودك على أرضي غير مرحب بيه يا سيادة العقيد، ارجع مكان ما جيت ومتكررش الزيارة.
تجعد جبينه غضبًا، وكاد بمهاجمته فاوقفه الجوكر هادرًا:
_احنا مش جاين عشان نرجع يا ليل، في مهمة حساسة وتقريبًا كلنا مكشوفين فيها، عايزينك فيها.
لم يصدر عنها صوت الضحك، ولكن هزت رأسه امعنت سخريته الواضحة، وخاصة بحديثه:
_عايزني انا!! هو في جهاز أمن دولة بيحتاج لظابط خان بلده!!
تحرر رحيم عن صمته وقال:
_أسقطنا التهمة من عليك، وإنت اللي مصمم تنعزل عن الكل، وتبقى السفاح الدولي المطلوب من كل الاجهزة الدولية، في حين إنك ممكن تكون بطل وآ..
استوقفه باشارة قفازه الاسود الذي يرتديه قائلًا:
_ميلزمنيش الدور ده، أنا مرتاح في مكاني ومش مرحب بوجودكم.
وتابع وهو يستدير ليغادر:
_المرادي رحيلكم أمان، المرة الجاية خدوا حذركم.
_على حد علمي إنك مديونلي بحياتك!
توقفت خطاه الثقيلة عن المضي قدمًا، فور سماع كلمات الاسطورة، مال برأسه فوق كتفه وقال بعزةٍ وكبرياء:
_ديني مردودلك بالوقت اللي أحسه مناسب.
تابع رحيم بقوةٍ وشموخ تجابهه:
_يبقى ميلزمنيش، أنا اللي اختار المناسب لرد دينك، وده أنسب وقت.
اضاف مراد بعدما اكتملت فكرة غير واضحة عن هذا الشخص الأكثر غموضًا:
_بعيدًا عن الدين ورده، فبلدك محتاجالك يا ليل.
استدار بجسده الضخم إليه، يخبره بنبرة قاسية:
_ أنا غريب عن أرضي، المكان اللي رجلي بتدوسه بيبقى خاضع ليا وملكي.
وسحب بندقية عينيه لرحيم، هادرًا بحزمٍ:
_دينك هيترد يابن زيدان، مكاني من دلوقتي محرم عليكم دخوله، أنا هعرف أقابلكم تاني ازاي.
هز رأسه بتفهمٍ، وأشار لعدي ومراد بالصعود لسيارتهما، ورنا إليه يخبره بابتسامةٍ صغيرة:
_تعرف إني عمري ما شكيت في ذكائك، استغنائك عن التكنولوجيا واعتمادك على أبسط الاشياء زي البدو مخليك مبهم لأي أجهزة دولية.
وتابع وهو يضع يده بجيب بنطاله:
_إنت طبعًا لسه فاكر وعدك ليا.
رفع بنيته له، وقال بخشونةٍ:
_طلبك اتقبل وبناءًا عليه وعدتك، بس لسه وقته مبقاش مناسب.
هز رأسه بتفهمٍ، وأضاف:
_بس انا مش عايزه يتدرب على ايدك لوحده، ليا ابن تاني يخصني.
ليت الوشاح يسطع ليتمكن من رؤية ابتسامته الساخرة، فاكتفى بايماءة رأسه تجاه سيارة عدي وقال:
_حفيد “ياسين الجارحي” لو شبه أبوه يبقى هلتزم بوعدي ليك بس.
هز رأسه بابتسامةٍ شيطانية:
_اعتبره نسخة مني أنا، لإني أنا اللي هتولى تدريبه مع ابني، اطمن مش هتخلى بالوعد ولا باتفاقي معاك.. هستنى ظهورك بالوقت المناسب.
مال برأسه ايماءة صغيرة غير ملحوظة، فمنحه ابتسامة خبيثة واتجه لسيارته يلحق بالسيارتين، بينما يقف “ليل” محله، يتابع رحيلهم بآعين لامعة كمن يرتخي على كتفه يتابع ما يحدث بتحفزٍ.
رفع كفه فتحرك عُقاب يحتل لائحته، رفعه ليل نصب عينيه يراقبه بتمعنٍ خبيث، وهمسًا شيطانيًا:
_هنجهز لجولة جديدة يا صديقي!
******
خرجت تلك الفتاة المتبرجة من حانة الرقص، بملابسها القصيرة التي توضح مفاتن جسدها بشكلٍ مقزز، تمايلت بمشيتها خارج الحانة المحرمة التي تعمل بها، حتى وصلت لتلك السيارة.
طرقت على نافذتها ، فانحنى الزجاج وطلت يدًا رجولية، بمبلغ طائلًا من المال، وضعت الظرف المغلق في يده والتقطت المال بفرحةٍ، تنحت جانبًا ليمر بسيارته مبتعدًا، وابتسامة خبيثة تحتل ثغره، وهو يهدر بوعيدٍ:
_وقعت يا نعمان!
صف “جمال” سيارته، بمنطقة منعزلة، وجذب حاسوبه يضع به الفلاشة من الظرف، وما أن شاهد محتوياته حتى لاحت على شفتيه ابتسامة ماكرة، وعلى الفور استخدم حنكته وبدأ بالعمل، وهو يحرص كل الحرص أن يصيبه في مقتلٍ.
*****
بعد الاستقبال الحافل بين والد آدهم وعُمران، رفض تناول الطعام واصر على الصعود للراحة، غفى باستسلامٍ لتعبه الجسدي، وحينما حان الصباح أخذ حمامًا ساخنًا وهبط يبحث عن آدهم.
وجده يقف بالمطبخ، يصنع طعام الافطار بمفرده، وضع يديه بجيوب بنطاله الأسود، ومال على الباب الزجاجي يتابعه، مطلقًا صفيرًا مشجعًا:
_مكنتش أعرف إن رجالة الشرطة ستات بيوت شاطرة كده.
استكمل تنصفية أصابع البطاطس بحرافيةٍ، وأجابه دون الاستدارة له:
_وكمان صعب استفزازهم.
ابتسم على كلماته وقال:
_أنا عايز أعرف عنوان آيوب.
هز رأسه ومازال يعد ما يفعله ببراعة:
_مفيش مشكلة بعد الفطار هخدك ليه.
قال معترضًا:
_ماليش نفس، عايز اشوفه.
أغلق النيران واتجه للطاولة الموضوعة بالمنتصف، يردد:
_امبارح قولت مش جعان، والنهاردة رافض تفطر، ممكن أفهم بتأكل أيه؟
واستطرد بجدية تامة:
_لو عايزني اعملك Healthy Food معنديش مانع.
سحب المقعد وجلس يخبره ببساطةٍ:
_عمري ما حبيته، بحسه شبه أكل الجيش اللي مشفتوش في حياتي ده.
وجذب شطيرة يغمسها بالجبن وبدأ بتناول طعامه، جذب آدهم مقعدًا وجلس قبالته يشاركه الطعام، فكبت ابتسامة صغيرة استحوذت عليه وهو يناديه:
_عُمران.
ترك الشطيرة وجذب كوب العصير يرتشفه هادرًا بانزعاجٍ:
_هات اللي عندك، متنادنيش بالصوت الرقيق اللي بيفكرني بمراتي وقت ما تعوز حاجة ده!
ضحك بصوت الرجولي وقال:
_عايز أعرف أخرة حرب الحما بتاعتك دي أيه؟! مش خلاص بقى؟
تعمق بالتطلع له وقال ببساطةٍ:
_لما الجوازة دي تتفكرش وقتها هحبك.
وتابع وهو يتناول طعامه ببرودٍ:
_عارف يا آدهم، إنت شخص كويس وكويس جدًا كمان، ويمكن لو كنا اتعرفنا في ظروف أحسن من كده كنا هنبقى كابل أصدقاء رائع، بس للاسف طلعت غبي ومكسبتش صداقتي.
وأضاف لمن يستمع له بصدمةٍ:
_لما فركشت حوار شمس وراكان ابتديت أحبك وأحسك واحد بتفهم، بس لما اكتشفت إنك بتخلعه عشان تبقى مكانه قلبت عليك وبالجامد أوي.
رفع أحد حاجبيه بسخريةٍ، لحقت نبرته:
_طيب وناوي تحن أمته؟
وضع (الكاتشب) فوق أصابع البطاطس وتناولها هاتفًا بتفاؤل:
_بعد الطلاق إن شاء الله.
واضاف بضيقٍ:
_شمس دي ملكية خاصة، وإنت يعتبر دخيل فهتنسحب هتنسحب مفيش اختيار تالت!
هز رأسه وابعد المناديل عنه هادرًا باستهزاءٍ:
_طمنتني الله يطمنك! أنا عمري ما أفوز بحاجة سهلة كده أبدًا، لازم أحارب ويطلع عين اللي خلفوني!
استكمل باقي كوبه، وقال:
_وهي متستهلش إنك تحارب؟
ارتسمت ابتسامة عاشقة على وجهه وقال:
_تستاهل إني أخوض عشانها مئات الحروب!
طرق الكوب بقوةٍ على الطاولةٍ، وتفرس بملامحه هادرًا بانزعاجٍ:
_عايز أروح لآيوب.
كبت ضحكاته وقال وهو ينهض عن طاولته:
_هغير هدومي وجايلك.
وعاد لها يشاكسه بحنكة وذكاء:
_بقولك يا عُمران كنت محتاج جواز سفر شمس، عشان أحجز تذاكر شهر العسل.
احتقنت رماديته، فتابع آدهم بخبث:
_أصل انا قررت إننا هنسافر ميلانو بعد الفرح باسبوع، يعني إنت فاهم إن العرسان اللي بيعملوا الفرح وبيسافروا على طول دول بيتبهدلوا في السفر وبتضيع عليهم ليلة الفرح، فأنا بقول نقضي هنا اسبوع ونسافر براحتنا.
خرج عن طور هدوئه، فجذب زجاجة مخفوق البندورة، والقاه تجاه آدهم الذي صعد الدرج يقهقه عاليًا، تاركًا من خلفه نيرانًا تستعير غضبًا.
******
خرج من حمامه الخاص، يزيح قطرات المياه عن وجهه، وما أن ازاحها حتى تفاجئ بفاطمة تقف من أمامه مرتبكة للغاية.
منحها ابتسامة جذابة، وردد بصوته الرخيم:
_كنتِ فين على الصبح كده يا حبيبتي؟
اقتربت منه تجيبه وهي تتحاشى التطلع لعينيه:
_كنت قاعدة مع شمس ومايا.
لمس تهربها من لقاء مُقلتيه، درس حركات أصابعها المرتبكة بعنايةٍ، وتعامل بخبرته المتمارسة، فقال يستمد انتباهها من فجوتها:
_النهاردة عندي اجتماع مهم مع فريق التمريض الجديد، هخلص وهعدي عليكِ عشان نروح لزينب.
نجح في سبر اغوارها، فدنت منه وهو يرتدي ملابسه استعدادًا للرحيل، وهتفت:
_بجد، هنروحلها النهاردة.
قال وهو يرتدي قميصه الابيض:
_ جهزي نفسك أنا كلها ساعتين وهاجي بإذن الله.
هزت رأسها بفرحةٍ، بينما يستمر هو بصمته وثباته المخادع، كانت توده أن يسألها عما بها، ولكنها لا تعلم بأنه إن فعلها كانت لتنكر ما بها كأي أنثى، ولربما لا تعلم أيضًا أنه يمتلك خبرة التعامل معها ومع غيرها!
كبت ابتسامته وهو يراقبها بالزجاج المعاكس لها، كانت تتجه للجانب الآخر من خزانة الملابس، تقف أمام احدى فساتين الخروج بشرودٍ.
استدارت إليه فوجدته يقف الآن أمام السراحة، يستعد للرحيل بعدما صفف شعره الطويل، فأسرعت تناديه لهفةٍ:
_علـي!
زفر بسعادةٍ لسرعة نجاح مخططه، فلم يكن ليغادر دون أن يعلم ما بها على كل الاحوال، استدار يرسم جديته وثباته ببراعةٍ، متسائلًا باستغرابٍ:
_أيوه يا حبيبتي.
اقتربت منه ومازالت تفرك أصابعها كالطفلة الصغيرة التي تحاول ايجاد حديثًا لطيفًا يصرف عنها عقوبة ما فعلت، وقفت أمامه الآن تجاهد للحديث:
_أنا… آآ… كنت عايزة آآ…
اتسعت ابتسامته الجذابة وقال:
_عايزة أيه يا فطيمة، اتكلمي؟
ضمت شفتيها معًا بحزنٍ، وقالت:
_عُمران قبل ما يسافر سلملي كام ملف مهمين لازم أشتغل عليهم وأسلمهم للادارة.
فهم الآن سبب ارتباكها، باتت مشكلتها ملموسة له، ولسعده بأنه سيعاونها دون ان تعلم بأنها تتراجع بخطواتها الايجابية بعلاجها، فقال بهدوءٍ حذر:
_طيب وفين المشكلة؟
قالت بربكة جعلتها تزدرد ريقها باستياءٍ:
_أولًا هضطر أحضر اجتماعات بداله بما إنه مش موجود لا هو ولا مايا، ثانيًا وقتي هناك هيكون اطول وتعاملي مع الموظفين هيكون اجباري، وكمان آآ…
دفعها بنظرة عينيه باستكمال حديثها، فقالت على استحياءٍ:
_أنا قللت النزول للشركة بعد الموقف اللي حصل مع سكرتير عُمران.
تنهد براحةٍ بعدما نجح بجعلها تخرج ما بصدرها دون أن يطالبها بذلك، فقطع مسافته القاطعه بينهما، وجذب كفيها يرفعه إليه ببطءٍ، طابعًا قبلة على يديها.
واجه نظرتها العاشقة، بعاطفة ومشاعر تتراقص بالمُقل، وقال:
_كل ده طبيعي يا حبيبتي، بس اللي أنا واثق منه إنك هتقدري تعدي كل عقبة رصتيها قدامك بنفسك، كل ده وهم، أبواب من حديد محاوطه نفسك بيها يا فاطيما.
وتابع وهو يشير لها عليها:
_حاولي تصدقي من جواكِ إنك بقيتي أقوى، وإن اللي فات من حياتك عدى وانتهى، لإنه مكنش بتاعك اللي جاي هو اللي ملكك وبايدك تغيره.
وبثقةٍ هتف بها:
_إنتِ قوية وقادرة تواجهي من غيري ومن غير المهدأ، من غير أي حاجة كانت بتدعمك.
اتسعت ابتسامتها فرحة، وهزت رأسها بخفة بموافقتها حديثه، جذبها بين ذراعيه، يضمها بحبٍ وهو يهمس لها:
_وحتى لو نص كلامي معناه إنك لوحدك في مخططاتك، فأنا هفضل جنبك ومعاكِ وقت ما تحتاجيني.
وضم جبينها بقبلة أخيرة، يتبعها صوته المخملي:
_أنا على طول هنا يا فطيمة!
أغلقت عينيها بسعادةٍ وقالت:
_واثقة إنك جنبي ومعايا دايمًا يا علي.
وسعت ابتسامته وقال:
_لأخر عمري جنبك ومعاكِ يا قلب علي!
ودعها وهبط للأسفل، فوجد شقيقته ترتدي مريول المطبخ، وتحمل طبقين كبيرين، عليهما العديد من أصناف الطعام الغني بالبروتين.
وضعت احدهما أمام مايا والاخر أمام والدته، مرددة بفخرٍ:
_أنا قومت من بدري وجهزتلكم فطار مليان بروتين وفوايد كتيرة، عشان كتاكيتي الصغننه تتغذى.
وضعت مايا يدها على أنفها بنفورٍ، ورددت:
_أنا مش طايقة ريحة الأكل يا شمس، اعفيني عن المهمة دي، فريدة هانم سابقاني بشهر فعدت موضوع القيي والتعب ده، ادخلي عليها واتناقشوا مع بعض، أنا هأخد ابني ونطلع نريح فوق شوية.
صاحت بحزمٍ أضحك علي الذي يراقب ما يحدث من أعلى الدرج:
_مفيش حد هيقوم من غير ما يخلص طبقه، عُمران موصيني عليكم!
وضعت فريدة قدمًا فوق الاخرى، وخاطبتها بتعاليٍ:
_كأن صوتك عالي شوية يا شمس.
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبةٍ، وهتفت:
_يوطي يا فريدة هانم.
استدار علي خلفه على أثر لكزة خفيفة بكتفه، فوجد احمد يقابله بنظرة مندهشة،وتساءل:
_واقف كده ليه يا دكتور؟
أشار له هامسًا:
_بحاول أكتسب معلومات من شمس عن تغذية الحوامل، المفروض تكافئ البنت دي بتساعدك بدون ما تتعبك يا بشمهندس.
ابتهجت معالمه وابتسم مرددًا بسعادةٍ:
_شمس دي حبيبة قلب عمها ومن هي بيبي صغير.
شاركه البسمة وهمس له:
_تعالى نتسحب من الباب اللي ورا، فريدة هانم لو شافتنا هتبطل فطار وهتقوم تعمل رياضة وقتي!
هز رأسه باقتناعٍ وقال:
_وعلى أيه، يلا بينا.
لحق به والابتسامة مشرقة على وجهه، يحمد الله أن هناك ستار عظيم من الله عز وجل على أغلب اخطائنا، ليس كل ما نرتكبه من جرائم وذنوب وأخطاء تُكشف للجميع، فلربما منح الله فريدة فرصة عظيمة بعدم خسارة زوجًا، وعاشقًا، محبًا مثل أحمد.
******
طرق الباب وتراجع للخلف بمسافة تمنح خصوصية لاهل المنزل، فتحت “سدن” الباب وفور أن رأته قالت:
_اتفضلي!
كبت يونس ضحكته بصعوبة وقال:
_لا أنا مستعجل على المحل، ناديلي أم فارس لو سمحتي.
هزت رأسها وقالت بلهجةٍ غير صحيحة:
_هناديله ماشي.
فور دخولها ضحك من قلبه على حديثها، ولا يعلم كيف حمل معزة لها بعدما كان يتقزز منها، باتت تحمل المعزة والمعاملة الحسنة من جميع افراد العائلة بأكملهم.
خرجت خديجة تعدل من نقابها جيدًا، وقفت قبالته تستقبله بأعين تتلألأ بفرحةٍ، سلخ نظراته عنها بصعوبةٍ، ومد يده بظرفٍ مطوي:
_خدي المبلغ ده خليه معاكِ يا خديجة.
رفضت أن تحمله منه،وقالت:
_الظرف اللي ادته لفارس الاسبوع اللي فات لسه معايا زي مهو مفتحتهوش، الشيخ مهران والحاجة رقية مش مخليني محتاجة حاجة يا يونس.
رفع فيروزته لها يشدد عليها باصرارٍ:
_لما أديكي حاجة مترفضيش، وبعدين مالي بعمي ومراته إنتِ ملزومة مني يا خديجة لحد ما ترجعي لبيتك ولعصمتي من تاني يا ست البنات.
خفق قلبها طربًا، فبقيت نظراتها تحتضن نظراته العاشقة، ويدها تجذب ما قدمه بشرودٍ، تنحنح بخشونة وانسحب من أمامها يستغفر ربه، يدعوه من صمام قلبه أن تمر أيام عدتها سريعًا لينعم بقربها مرة أخرى.
*****
بالمركز الطبي الخاص بالدكتور”علي الغرباوي”
ولج للمركز متجهًا لمكتب “يوسف” ، ما ان رآه حتى سأله بلهفةٍ:
_طمني يا يوسف عملت أيه؟
لف مقعده له وقال يمازحه:
_طيب قول صباح الخير الاول.
جلس على المقاعد المقابلة لمكتبه، قائلًا بجدية:
_أسمع اللي عايزه الأول وبعدها هصبح وأمسي.
ارتسمت ابتسامة فخورة على شفتيه وقال:
_زي ما سهلتلك دخول الاجهزة للمركز، قدرت أمنع دخول الأجهزة الطبية اللي طلبها نعمان للمركز اللي بيحضرله في السر.
وتابع بفرحةٍ وسعادة:
_يعني إنت لغيتله التوكيل وضرته في الأرضية، وأنا كملت عليه بمنع الشحنة، يعني ضربه اتنين معلمين.
برزت أسنانه البيضاء من بين ابتساماته، ورفع كفه يطرق كف يوسف:
_ كده أقدر أقولك صباحك أبيض وورد يا دووك.
قهقه ضاحكًة يوسف وقال:
_وصباح أسود على دماغ نعمان الغرباوي ل100 سنة قدام!!!
*********
راقب الهاتف وهو يجلس على المكتب المندس وسط العمال بمحل يونس، فما ان اجاب حتى صرخ بحماس مسموع لإيثان الذي يراقبه بنفورٍ:
_سيف أوعـــــــــا تقفل، سيف اسمعني حرام عليك اللي بتعمله ده يا أخي، كل ما أكلمك من حساب تبلكه!!
كل يومين ترفع البلوك وتبعتلي محاضراتي وجدولي وترجع تبلكني تاني طيب ليه أنا عملت أيه لكل ده؟!
أتاه صوته الناعس يخبره بوجومٍ:
_قول معملتش أيه! إنت من ساعة ما نزلت من السفر وآنت مقضيها مع حضرة الظابط ولا انا فارقلك في شيء.
جحظت عيني آيوب بصدمة، وردد ببراءة زائفة:
_أمته ده!! محصلش غير كام مرة والله.
_كام مرة!! لهو إنت عايز تلم هدومك وتروح تعيش معاه!!
=طيب خلاص متزعلش حقك عليا، هقطع علاقتي بآدهم خالص لو ده هيخليك ترفع البلوك عني.
_فرقالك أنا صدقت!
=طبعًا فارقالي ده انت صاحب عمري يا أهبل، وبعدين متخدنيش في الكلام ألف مبرووك يا عريس.
_الله يبارك فيك يابن الشيخ مهران، عقبالك.
=قريب جدًا وهتبقى فرحتين، فرحة آدهم وأنا.
_آدهم تاني!!! والله أظرفك بلوك عاشر!
_خلاص خلاص متزعلش، فرحة واحدة ها مرضي!
مسح إيثان على وجهه بمكرٍ، ودنى إليه يحاوطه وهو يردد بخبث:
_فينك يا آيوب وحشني يا راجل من امبارح، كده متسألش على صاحبك الأنتيم اخص عليك، اخص!
جحظت عينيه صدمة، وأشار له بهمس:
_أبوس ايدك بلاش، سيف غشيم ومصدقت أكلمه.
تابع وهو يرمقه بانتشاء:
_ده أنا وانت عمرنا ما فارقنا بعض، وطول عمرك بتقولي مفيش حد في غلاوتك عندي يا إيثو.
حاول كبت سماعة هاتفه قدر المستطاع، وما كاد بالركض من أمامه حتى اتاه صوت سيف المتعصب:
_أنا مش عايز أعرفك تاني يا آيوب، خليهم ينفعوك.
أغلق الهاتف بوجهه، فأسرع ليسجل ريكورد يخبره بما حدث، فوجده قد وضعه بالفعل على قائمة الحظر.
ترك آيوب هاتفه وتطلع جانبه لإيثان الجالس على طاولة المكتب جواره، مبتسمًا بشماتة ويسأله:
_بلكك ولا لسه؟
ألقى الهاتف وانقض عليه يحاول بكل جهد تسديد لكمة له، ولكنه لوى ذراعه من خلفه بكل سهولة، لفرق قوته الجسمانية، ومال برأسه للخلف ثم اندفع يرطم رأسه برأس آيوب الذي ترنح للخلف، فسقط بين ذراع آدهم، ومن جواره طلت نظرات عُمران المشتعلة، وبعدها ترنح إيثان أرضًا غير مستوعبًا لسرعة الاحداث، بينما يهتف آيوب بعدم تصديق:
_عُمـــــــــــران!!!!
*******
بالشركة الأم الخاصة بعائلة “الغرباوي”
يجلس على مقعد مكتبه بانتشاءٍ يشعر به بالاونة الأخيرة، وخاصة حينما علم اليوم بسفر عُمران بالأمس، ظنه ترك له الساحة بعدما كسر جناحيه، كان مستمتعًا بانكساره، وضعفه الذي بدى بهروبه لمصر.
تعالت دقات باب مكتبه فسمح للطارق بالولوج، ولج السكرتير الخاص به يهتف بتوترٍ:
_العملا سحبوا ملفات المشاريع اللي بينا، ورفضوا التعامل معانا بشكل نهائي.
توسعت مُقلتيه بصدمة، وردد بعدم تصديق:
_أنت بتقول أيه؟ سحبوها ليه وعشان أيه؟!!!
ابتلع ريقه بارتباكٍ وهو يجيبه:
_البشمهندس عُمران قدم عروض ممتازة وأقل سعر مننا، ومن غير ما يعمل كده هما كانوا حابين يشتغلوا معاه وهو اللي رفضهم، ودلوقتي قبلهم!!
ألقى المزهرية من جواره وهو يصرخ بغضبٍ:
_عملها ابن فريــــــدة!!
وما كاد بمحاولته للهدوء، حتى ولج للداخل أحد الموظفين، يحاول التقاط أنفاسه وهو يتحدث بصعوبةٍ:
_الأرض اللي كنا هنعمل عليها المركز الطبي انسحب توكيلها مننا، والأجهزة اللي بعتنا نستوردها من الصين انسحبوا بالاتفاق ووقفوا الشحنة.
دارت به الغرفة، ونطق بحروفٍ متقطعه:
_انت بتقول أيه إنت كمان؟!!!
رفع الورقة أمامه وهو يوضح:
_الفاكس لسه واصلنا من شوية.
لطم بيديه على المكتب وهو يصرخ:
_عمران الكلب اللي ورا اللي بيحصل ده.
نفى الموظف ذلك، ناطقًا بخوف:
_اللي ورا الغاء التوكيل “علي الغرباوي” ، أما الأجهزة الطبية فعرفت إن مالك المصنع يبقى صديق دكتور “يوسف”.
هز رأسه بغضب كاد بأن يفجرها، والقى متعلقات مكتبه وهو يصرخ بجنون:
_دول اتفقوا عليا بقــــى، وربي لأدفعهم التمن واحد واحد!!!
واستطرد بزعيق شرس:
_هوريهم مين هو نعمان الغربـــاوي.
سيطر على غضبه بصعوبةٍ فور أنا رأى” هيلينا” زوجته، تدخل من باب مكتبه مسرعة، بأعين متتفخة، إتجهت اليه وصفعته بكل قوتها أمام موظفينه، وهي تصرخ بغضب:
_أيها الخائن، كيف تفعل ذلك بي!!
وتابعت وهي تشير له:
_من الآن فصاعد لا تريني وجهك، لقد قمت بكتابة المنزل والشركة لي سأعدهم هدية انفصالنا.
حاول التماسك وسألها بذهول:
_ما الذي حدث لكل ذلك هيلين!
فتحت حقيبتها وألقت اليه الهاتف، بعدما فتحت احد مواقع الاباحـ**ـة الشهيرة، انهار نعمان على مقعده بعدما فقد القدرة على تحرك أي جزء من جسده، وهو يرى مقطع فيديو له برفقة تلك الفتاة الاجنبية التي قضى السهرة برفقتها بالأمس، وما كاد باصابته بذبحة صدرية وصول المقطع لملالين من المشاهدات، وانطلاق عدد من الاخبار للحديث عن “نعمان الغرباوي”، وبالطبع بعدما ضربه عُمران بعمله، واستكمل علي ويوسف ضربته، كان مؤكدًا له ممن تلقى تلك الضربة، فلم يكن سوى” جمال”.
******
استمعت لجرس الباب الذي دق لمرتين متتاليتين، فذهبت تناديه من أمام باب الحمام:
_سيف إنت طلبت حاجة.
لف المنشفة حول خصره وأجابها:
_آه يا حبيبي، كنت طالب من البواب جل حلاقة وشوية حاجات ليا، البسي الاسداا وخديهم منه، عندك المحفظة في درج الجزامة.
ابتسمت وهي تجيبه بحب:
_حاضر.
وبالفعل ارتدت اسدالها وخرجت تحمل المال لمكافأة البواب، وجدت قبالتها شاب يحني رأسه المغطي بالقبعه.
تناولت منه الكيس البلاستيكي، وقدمت له المال قائلة ببسمة صغيرة:
_عذرًا… تفضل.
منحها الكيس البلاستيكي وقبض على راسخها، حاولت زينب سحب يدها وقد تشكل عليها أمارات الرعب، فرددت بهلع:
_اترك يدي!! ماذا تريد؟!
أزاح قبعته ورفع عينيه يقابلها وجهًا لوجه، هربت الدماء منها، ونخرت عظامها رعشة قوية ضربتها دون رحمة، رددت بصعوبة بالحديث:
_يـمـان!!
استوعب عقله المتخشب ما تراه، فتحررت صرخاتها بانهيارٍ:
_سيـــــــــــــــف!!!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صرخات أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى