روايات

رواية صرخات أنثى الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الجزء السابع والثلاثون

رواية صرخات أنثى البارت السابع والثلاثون

رواية صرخات أنثى
رواية صرخات أنثى

رواية صرخات أنثى الحلقة السابعة والثلاثون

أغلق عينيه بقوةٍ ويده تضغط بغيظٍ على يد “جمال” الذي دفعه للخلف هاتفًا بألمٍ:
_دراعي يا عمران مالك؟!
استدار يقابل سيف بنظرة مشتعلة، اتبعها وابل من غضبه:
_هو انت كل ما تشوف خلقتي تسألني عنه! حد قالك إني المدام بتاعته بروح أمك وأنا معرفش!
زم سيف شفتيه بغيظٍ وأشار ليوسف بحنقٍ:
_شوفت طريقته بالكلام يا يوسف وفي الأخر تقولي أحترمه!
ربت على كتف شقيقه وكأنه يواسيه، واتجه لعمران يخبره بنزق:
_خف على الواد شوية يا عم الوقح، أيه محدش عارف يكلمك!
كاد بأن يمنحه وابل من فظاظته فأسرع جمال يمسك بيديه وهو يخبره بسخريةٍ:
_والله ما هي ناقصة… قعدت تقولي بروح أمك لحد ما أمي روحها بتطلع جوه أهي!
وتابع بنبرة متوسلة تترجاه:
_خف على دكتور سيفو مالوش في كلامك الدبش ده.. خليك الكبير العاقل يا عم الطاووس .
أحاطهم بنظرةٍ ساخرة شملت علي الذي تجاهله واستكمل طريقه ليكون مجاور لجمال يسأله باهتمامٍ:
_الدكتور مخرجش من جوه؟
هز رأسه نافيًا وقد تسلل الحزن إليه بنبرته:
_لأ لسه.. بقالهم فترة جوه.
ربت على كتفه وهو يخبره:
_العملية دي بتأخد وقت كبير.. ادعيلها يا جمال وخليك متفائل.
رفع رأسه عاليًا وردد بخفوت:
_يا رب متحرمنيش منها يارب!
جلس يوسف جواره هو الأخر وأحاط كتفه يشد عليه:
_هتخرج وهتبقى زي الفل.. أنا شوية وهدخل أطمن على الأمور بنفسي متقلقش.
اتجه سيف للأريكة المقابله إليهم فجلس يعبث بهاتفه في محاولة للوصول لأيوب بعد أن هاتفه للمرة الثامنة، فتهللت أساريره حينما أجابه تلك المرة فسأله بلهفة:
_أيوب إنت فين؟ وليه مبتردش على موبيلك؟
أتاه صوته حزينًا حتى وإن حاول اخفائه:
_معلش يا سيف كنت بكلم الشيخ مهران وبعدها سبت الموبيل.. أنا كنت لسه هكلمك حالًا عشان أسالك انتوا في أنهي دور؟
سأله باهتمامٍ:
_انت فين دلوقتي؟
_قدام البوابة تحت.
_طيب خليك عندك متتحركش أنا نازلك.
وأغلق سيف هاتفه وأسرع للمصعد يحرر زر هبوطه الطابق السُفلي قاصدًا البوابة الخارجية، جاب الطريق ببصره فأهتدت مقلتيه على صديقه المستند بجسده على العمود الحجري المجاور للبوابة، فاتجه إليه يناديه بلهفةٍ:
_أيوب.
استقام الاخير بوقفته ليقابله بابتسامةٍ صنعها بحرفية لتخدعه ولكن صوته كان كفيل بعكس كل ما يمر به، فكان أول سؤال منه:
_مالك؟
تلاشت ابتسامته وتنهد بضيقٍ وهو يستدير للخارج، لحق به سيف ووقف بالجانب الأخير مستطردًا:
_الشيخ مهران قالك أيه مزعلك كده؟ متقوليش إنه عرف بموضوع جوازك من آديرا!
هز رأسه نافيـًا وقد امتقع وجهه بحزنٍ مضاعف وهو يصرح له:
_أبويا حزنه بيزيد يوم بعد يوم يا سيف، ولحد النهاردة مش قادر يعرف مكانه ولا حد عارف يوصله.. مش هاين عليه إنه يفرط في أمانة أخوه بالشكل ده!
رفع يده يربت بها على ظهره المنحي، وقد وصل إليه سبب حزنه، فقال:
_لسه بردو مش عارفين مكانه؟
أكد له بإيماءةٍ رأسه وقال بصوتٍ احتقن بالدموع:
_٥ سنين يا سيف! خمس سنين بندور في كل الاقسام ومش لاقينله أثر.. والله العظيم مظلوم.. يونس ابن عمي مستحيل يكون منهم يا سيف!
تهاوت دمعة عن فيروزته رغمًا عن كبريائه، فاحاطه سيف بين ضلوعه وهتف إليه:
_بس عشان خاطري.. أنا مش بستحمل أشوفك زعلان تقوم توريني نفسك وإنت كده يا أيوب!
شكى له ذاك الظلم المستبد الذي تعرض له ابن عمه:
_ذنبه أيه يتأخد بالطريقة دي من شقته وقدام مراته! ده معداش على جوازهم غير اسبوعين يا سيف! وكل اللي مسكوه عليه شوية أوراق ادثتله في المحل بتاعه ومن يومها لحد النهاردة محدش عارفله طريق! أنا مش عارف أساسًا إذا كان عايش ولا لأ…..
واستطرد بلوعةٍ:
_وحشني أوي.. عمري ما كان ليا أخ بس كنت معاه بحس إنه أخويا الكبير، كنت برتاح أوي لما بسمعه بيرفع الآذان لو الشيخ مهران كان تعبان، أقسم بالله إن يونس مستحيل يكون تبعهم وإن اللي حصل ده كان مقصود من الكلب ده.
أدمعت عينيه تأثرًا به، فزاد من احتضانه ومازحه قائلًا:
_خلاص يا أيوب… يا أخي قدر موقفي هغير عليك أنا من عمران ولا من سي يونس ده كمان!!
تمردت ضحكة صاخبة منه، فلكزه سيف بمزحٍ:
_اضحك اضحك ما انتي خطابك كتير يا شابة!
ارتفعت صوت ضحكاته مجددًا وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا بقلة حيلة، تطلع سيف للرصيف البعيد عنهما وردد بدهشةٍ:
_مش ده آدهم!
استدروا معًا للسيارة التي تقترب منهما، فانخفض زجاج النافذة وأشار لهما آدهم بأن ينتظروه لحين أن يصف سيارته بچراچ المشفى ويعود إليهما.
غامت أعين سيف بشرودٍ فناداه أيوب باستغراب:
_روحت فين يا ابني!
وبسخرية استطرد:
_أيه غيران عليا من آدهم هو كمان؟!
قابله بنظرةٍ جادة للغاية وقال وهو يمسك يده كمن وجد المنقذ لعائقته:
_آدهم يا أيوب.
رمش بعدم استيعاب وقال:
_ماله آدهم؟
أوضح له بابتسامة واسعة:
_آدهم الاسم الحركي لعمر الرشيدي ظابط في المخابرات.
لوى شفتيه ساخطًا، وكأنه يخبره بما لا يعلمه، فاستكمل سيف:
_يا ابني افهمني، ابن عمك اتاخد من الأمن الوطني وانتوا بقالكم خمس سنين بتدورا عليه ومش عارفين توصلوا لحاجة، آدهم أو عمر الرشيدي يقدر بمنتهى السهولة يعرف طريقه!
اهداه لنظريته فتعلقت نظرات أيوب بآدهم الذي يقترب منهما على بعد مسافة منهما، فاستدار لسيف يحذره بصوتٍ منخفض:
_لا يا سيف أوعى تقوله حاجه… كفايا مشكلة آديرا اللي الكل بقى فيها معايا وأولهم آدهم اللي اداني شقته وواقف جنبي لحد دلوقتي.. متقولوش حاجة من فضلك.
هز رأسه بتفهمٍ:
_زي ما تحب.
وقف أيوب جوار سيف ينتظرونه حتى قطع المسافة الطويلة ووصل إليهما، قائلًا ببسمته الجذابة:
_مساء الخير يا رجالة.
أجابه سيف بابتسامة صغيرة:
_مساء الفل يا عريس… مبروك مقدمًا.
اتسعت ابتسامته وهو يجيبه:
_الله يبارك فيك يا دكتور عقبالك.
رفع يديه يردد بمرح:
_اسمع منه بأقرب وقت يا رب قبل ما يوسف أخويا يفضحني في انجلترا كلها بدور الخاطبة اللي عايشيلي فيه ده.
ضحك آدهم وشاركه سيف الضحك بينما ظل أيوب مكفهر الملامح لا يرى أمامه سوى حديث سيف، يشعر بالقلق حيال ذلك الأمر، يعز عليه أن يكون مفتاح خلاص ابن عمه بيده ويعجز عن تقدميه إليه، ولكنه لم يعتاد على أن يكون جشعًا بطلباته أو أن يستغل صداقاته لتحقيق ما يريد.
تفحصه آدهم بنظراتٍ غامضة، وقد أتت فرصته على طبقٍ من ذهب حينما دق هاتف سيف ولم يكن سوى يوسف يطالبه بالذهاب لأحد المطاعم واحضار بعض الشطائر والعصائر لإن الجراحة ستستغرق العديد من الساعات، فوضع الهاتف بجيب بنطاله الجينز وقال بتهكمٍ:
_لو عايزين تطلعوا اطلعوا أنا نص ساعة وراجع.
ألقى له آدهم مفاتيح سيارته وقال:
_خد عربيتي عشان ترجع بسرعة… احنا هنستناك هنا.
ابتسم له بامتنان واتجه لجراج المشفى يعتلي سيارة آدهم الذي ابتاعها منذ ساعات قليلة عوضًا عن سيارته القديمة التي لا تصلح سوى للبيع خردة.
أشار آدهم بيده لاحدى الاستراحات قائلًا:
_تعالى نقعد هناك عما يجي.
أومأ برأسه ولحق به، فجلس جواره صامتًا، شاردًا، والابتسامة الغامضة مازالت تزين فم آدهم إلى أن كسر حاجز صمتهما قائلًا:
_قولي بقى أيه اللي سيف عايزاني أعرفه وإنت رفضت تقولهولي؟
جحظت أعين أيوب بصدمة، فاستدار إليه يمنحه نظرة مندهشة، إن تركه آدهم لدقيقة لظن بأن سيف قد هاتفه وأخبره ولكنه لم يتركهما معًا فكيف علم بذلك.
على الأرجح بأنه قرأ ما يدور بعينيه فابتسم قائلًا:
_سيف مقاليش حاجة، أنا اللي قريت حركة شفايفكم وأنا بقرب منكم.. وبصراحة فضولي جاني لما قريت إسمي اللي اتردد بينكم.
ودفع كتفه برفقٍ وهو يسأله باهتمامٍ:
_ها هتقولي؟
أخفض عينيه أرضًا بحرجٍ، والأخير يترجم كل حركةٍ ولو صغيرة تصدر عنه، فصاح بعصبية بالغة:
_جرى أيه يا أيوب إنت ليه محسسني إننا أول مرة نعرف بعض!! أنا قولتلك ألف مرة انت زي أخويا الصغير لما تحتاج حاجة تقولي عليها على طول مش قاعد قدامي عامل شبه العيل الصغير اللي عملها على نفسه في أول يوم دراسي!!
تطلع له أيوب بدهشة من تغيره المفاجئ، على ما يبدو بأن عمران الغرباوي ليس الوحيد بينهم الذي يحمل أعصابه على ريشة.
التقط آدهم نفسًا مطولًا وأطلقه هاتفًا برجاء:
_اتكلم بقى ومتعصبنيش أكتر من كده.
أجلى صوته بخشونة:
_ابن عمي مقبوض عليه من خمس سنين ومش عارفين ليه طريق، ولا عارفين هو عايش ولا ميت!
سأله باستفهامٍ:
_اتفبض عليه في أيه؟!
قابله بجلسته يخبره بحزنٍ عميق انتقل لآدهم تلقائيًا:
_بص يا آدهم والله العظيم أنا مبكدب عليك، ابن عمي ده ميتخيرش عني في شيء، شاب محترم ومتدين وفي حاله، اللي حصل ده أصلًا متلفقاله عشان يبعد عن مراته ويطلقها وده اللي حصل فعلًا مراته من تاني شهر حبس ليه رفعت عليه قضية خلع وكسبتها واتجوزت الخاين اللي حبسه.
حديثه كان مشتتًا وجعل الاخير غير ملم بالاحداث، فسأله بهدوء:
_تقصد إن اللي اتجوزته ده هو اللي اتسبب في سجن ابن عمك؟
هز رأسه يؤكد له ذلك، وقال باستفاضة:
_بص الموضوع ده قديم أوي، خديجة ساكنة عندنا في العماره اللي ورثها أبويا الشيخ مهران وعمي محمد الله يرحمه، فكانت شقتها في الدور الرابع بعد شقة يونس ابن عمي، الاتنين حبوا بعض من صغرهم وأبويا اتقدم بشكل رسمي لوالدتها عشان الكلام ميكترش في الحارة واحنا ناس متدينة، وقتها الست فوزية والدة خديجة اتكلمت مع عيلة جوزها على يونس وواحد من اعمامها اعترض، كان عايز يجوز خديجة لابنه عشان يضمن ان الاراضي الزراعية اللي ورثتها خديجة عن ابوها مترحش بعيد.. عمل المستحيل هو وابنه عشان يوقف الجوازة دي بس معرفش.
وتابع بحزن:
_كنا فاكرين ان بعد ما كتبوا الكتاب وفرحهم اتعمل إنهم هيتهدوا وهيسبوهم في حالهم، بس اللي حصل إن معتز ابن عمها وابوه حطوله في المحل بتاعه منشورات وأوراق تودي في داهية، وبلغوا عنه وآ…
هز آدهم رأسه واسترسل هو:
_اتهموه بأنه من الجماعة إياهم واللي زاد في الأمر أمر هو تدينه مش صح كده؟
حرك رأسه موافقًا لحديثه وقد تشكل الحزن على معالمه بتأثرٍ، وقال:
_أبويا حزين وعاجز، بقاله خمس سنين بيروح من قسم لقسم وبيحاول يجيب أي وسطة، وبعد كل ده ميأسش مرة، عمي الله يرحمه كان عنده كانسر وقبل ما روحه تطلع للي خلقها وصى أبويا الله يرحمه على ابنه الوحيد، وده أكتر شيء وجع أبويا حتى لو بيحاول يبنلي في التليفون إنه كويس بس أنا حاسس بيه وعارف هو حاسس بأيه بالوقت ده.
ابتسامة صغيرة شقت طريقها على ثغره،وقال بصوته الرخيم:
_إنت ووالدك عندكم استعداد تخسروا نفسكم قدام وعد وعدوته.. كنت مستغرب إنت ازاي قابل تعرض نفسك لكل المخاطر دي عشان بنت عبرانية بس دلوقتي عرفت إنك اتربيت على ايد انسان عظيم بيحترم الوعود وبيسعى ليها.
وربت على ساقه وهو يستطرد:
_اطمن يا أيوب.. أنا نازل مصر الاسبوع اللي جاي أوعدك إني مش بس هوصل ليونس ابن عمك أنا هفتح قضيته من تاني وأنا بنفسي اللي هحقق فيها أنا وفريقي وهقدر بإذن الله أثبت برائته.
دنى منه متلهفًا:
_بجد يا آدهم؟
ابتسم وهو يردد بثقة:
_سيب الموضوع ده عليا واطمن مش هخذلك أبدًا.. وإذا كان معتز ده اللي ورا الموضوع فأنا هوديه ورا الشمس هو واللي وراه.. كله هيتحاسب وبالقانون!!
******
اضطرت أسفًا للعودة لجناحها لتحضير ثيابها وأغراضها الشخصية بالحقيبة، وقفت فريدة مترددة على باب الجناح، حرمت على ذاتها الدخول إلى هنا بعد أن كشف لها أحمد حقيقة زوجها الشيطاني، والآن تعود إليه اجباريًا.
مررت باب الغرفة وولجت للداخل تحارب كل ذكرى مقززة تندفع إليها، تزاحم عقلها بتلك اللحظة حينما سُلطت عينيها على فراشها، فرأته ينهض عنها وهو يصيح بجمودٍ:
«مش عارف أمته هتحسي بيا يا فريدة، انتي أيه لوح تلج!!!»
جملة اخرى لا تغيب عن ذكراها
«أنا بحاول أعمل كل شيء يرضيكِ ويسعدك بس الظاهر إنك عمرك ما حبتيني يا فريدة!..»
«عشان خاطري حسسيني إنك بتحبيني وعايزاني ولو لمرة واحدة يا فريدة، أنا لما بكون معاكي بكره نفسي لما بحسك بتنفري مني ومش طايقاني حتى لو لسانك منطقهاش كل حتة فيكِ بتقولها!!.»
الآن ترى انعكاس لصورتها، دموعها تحتضن وسادتها ويدها تضم الغطاء لجسدها المهتز من فرط احتباس البكاء، قلبها يتمزق ومازال يستغيث بمحبوبها، مذاق ذلك الألم قاتل لدرجة جعلتها لا تريد أن تتذكره، فركضت بعيدًا عن مخضع تلك الذاكرة التي لا تحتوي معشوقها معها.
صعدت للطابق العلوي قاصدة غرفته، فتحتها وهي تناديه بهلعٍ، وكأن أحدًا يحجر ندائها عنه ليفرقهما من جديدٍ:
_أحمـــــــد!
لم تجده بفراشه مثلما تركته، فكاد أن يجن جنونها، عادت تصرخ مجددًا:
_أحمــــــــــــــــــد!
ارتعب لسماع صوتها الباكي يناديه، فأغلق مياه الدُوش ولف من حوله المنشفة الكبيرة، خرج يهرول للخارج، فوجدها تناديه وهي ترتجف دون توقف، أسرع إليها يحاوط كتفيها باستغراب:
_فريدة!
التقطت أنفاسها على مهلٍ حينما رأته أمامها، وراحت تردد بتشتتٍ:
_شوفته تحت يا أحمد.. كان بيلومني بمنتهى البجاحة، أنا كنت فاكرة إني هواجهه بمنتهى القوة بس محصلش يا أحمد.. خوفت يفرقني عنك تاني.. الوجع صعب ومستحيل هقدر أتحمله تاني.. والله قلبي مش هيقدر يعيش الألم ده مرة تانية، لو اتفرض عليا أعيشه هقتل نفسي!
انصدم من حالتها الغريبة، كانت تغفو جواره منذ قليلٍ ونهضت تخبره بأنها ستغتسل وستجهز حقيبتها الخاصة، تفاجئ بحالتها الغريبة تلك لمجرد دخولها للجناح!
حمد الله بأنهم سيغادرون هذا المنزل، فرؤيتها هكذا سيزيد فوق وجعه وجعًا لا يطاق، أفاق من شروده على توسلها المؤلم:
_متبعدش عني تاني يا أحمد.. أرجوك متتخلاش عني!
ضمها إليه وهو يهدهدها كالطفلة الصغيرة، وردد بحبٍ:
_مالك بس يا حبيبتي؟ أيه جاب سيرة الفراق! بذمتك ينفع نتكلم عنه واحنا حاليًا بنأسس لحياتنا في مملكتنا الجديدة؟
ومرر يده على خصلات شعرها القصير وهو يخبرها:
_صدقيني لو أعرف إنك هتكوني بالحالة دي لمجرد دخولك الجناح مكنتش سبتك تدخليه من غيري.
وأبعدها وهو يخبرها بابتسامة جذابة:
_استنيني هنا هلبس هدومي وننزل مع بعض.
وبمرحٍ قال:
_ونشوف بقى شبح الأخ سالم ده هيطلعلك ازاي وحبيبك موجود ومعاه تعويذة العشق اللي هتحرق أعتى العفاريت والأشباح حتى لو كان مارد!!
رحل عنها الاستياء وتمردت ابتسامة واسعة جعلته يبتسم بحبٍ، فانسحب يبدل ثيابه واتجه بها للأسفل يعاونها على حزم أمتعتها!
*****
جلست على الفراش تراقب ما بيدها بوجهًا اصطبغ بحمرة الخجل، لا تعلم كيف فعلتها؟ ، فبعد أن انتهت من العمل صعدت برفقة مايسان بسيارتها، وتفاجئت لها تذهب لأحد محلات الملابس للسيدات، فاشترت لها قميصًا أبيض من الستان وصممت أن تقدمه لفاطمة التي رفضت وبشدةٍ، ومع اصرارها أخذته منها ووقفت تراقبها وهي تشتري لنفسها من نفس المكان.
وضعته فاطمة لجوارها وهي تخبئ وجهها خلف يدها باحراجٍ، كيف ستفعل ذلك وهي لا تعلم كيف ستستقبل حالتها النفسية ما قد تخوضه برفقة “علي” ، تخشى أن يزداد الأمر سوءًا فهي لا تحتمل أن تخوض حالة نفسية تزيد ما تواجهه، حتى وإن كانت على علم بأنه الوحيد القادر على التعامل مع حالتها.
تمكن منها الحزن والضيق فبداخلها يرغب أن يمنح علي حياة زوجية طبيعية مثل باقي الأزواج ورغمًا عنها تخشى خوض تلك التجربة التي قد تزيد من قسوة ما تحمله من ذكرياتٍ.
استدارت تجاه الفراش بعد أن اتخذت قرارها، فجذبت القميص واتجهت لحمام غرفتها تغتسل وقد عزمت أمرها بارتدائه!
******”
الساعات تمضي ومازال الشباب بأكملهم متراصون أمام غرفة الجراحه تاركين “صبا” تستريح بغرفة والدة جمال لحين خروجها، ومازال عمران ويوسف يلتصقون به على نفس الأريكة في محاولة لتخفيف حدة الأمور عنه، حتى أن يوسف أرغمه بتناول الطعام الذي أحضره سيف.
وعلى الأريكة الحديدية المقابلة لهم جلس علي ولجواره آدهم، والأريكة المجاورة لهما حملت سيف وأيوب..
مرت عليهم ثلاثون دقيقة أخرى حتى خرج الأطباء تباعًا يُبشرونهم بنجاح الجراحه الحرجة، وأن الممرضات بالداخل يُهيئونها للخروج لغرفتها، أدمعت عين جمال فرحًا وأسرع يستقبل سرير والدته المتحرك بصدرٍ رحب ولجواره علي الذي أشار له بضرورة التمهل بحركتها.
حمل عمران ويوسف طرف الغطاء وعلي وجمال فحملوها معًا لفراشها، وأسرعت صبا بتعديل ملابسها طابعه قبلة على جبينها ويدها، فهي لم تعاملها الا كأبنة وقد بادلتها الاخرى بأسمى معاملة الابنة للأم!
امتلأت الغرفة بالاطباء يعيدون توصيل الاجهزة إليها، ورفضوا وجود أحدًا بالغرفة لحين استقرار وضعها، فبقى جمال برفقتها وطلب منهم جميعًا بالانصراف فالوقت بات متاخرًا، وأمام اصراره رضخ الجميع.
اجتمعوا أمام بوابة المشفى يستعدون للرحيل، فمال يوسف على أذن آدهم يهمس له:
_حاول تبعد عمران وتلهيه شوية، محتاج أتكلم مع أيوب عن حالة آديرا ولو سمعني هيبهدلني أنا وهو.
ترددت عنه ضحكة رجولية مرحة، واكتفى بهزة رأسه، إتجه إليه يلف ذراعه حول كتفه يخبره بملامح جادة:
_عايزك يا عمران.
اتبعه عُمران ليميل على طرف الطريق في مقابلة الشباب بينما سحب يوسف أيوب جانبًا يسأله:
_طمني الجرح عامل أيه؟
زوى حاجبيه باستغراب:
_جرح أيه!! آآه لو تقصد جرح آديرا فأنا معرفش مشوفتهاش غير امبارح وأنا بوصلها لأوضتها.
ازدادت دهشة يوسف، فتجعد جبينه وصاح به:
_أيوب إنت بتهزر مش كده!!
وجذبه إليه يعاتبه بصدمة:
_أوعى تكون بتنفذ كلام عمران وبتتجنبها وهي بالحالة دي! يا ابني جرحها خطير كتفها متصاب ولازم تأخد ادويتها في مواعدها، إنت عايز تموتها جوه بيتك وتجيب لنفسك المشاكل!
شعر بتأنيب الضمير، لم يكن يومًا من هؤلاء القاسية قلوبهم حتى يفعل ذلك بها، هو الوحيد الذي يحمل ذاك السر الخفي الذي تركه له صديقه الراحل، هو الوحيد الذي يعلم جنسية آديرا وقصتها المجهولة عن الجميع حتى عن عمها، فلا يملك حق القسوة على تلك الفتاة بأي شكل من الأشكال، يعلم بأنه سيعاني ليجعلها تفق على حقيقتها ولكنه لطالما كان صبورًا معطئًا.
ترى ماذا فعلت طيلة اليوم وهي بمفردها، اصابة بطنها وكتفها ستعجزها عن الحركة بالتأكيد فهل تمكنت من تناول طعامها وأدويتها؟
تركه أيوب وهرول لأول سيارة أجرة، أوقفها وصعد بها أمام أعين يوسف الحانقة، وسيف الذي استمع الحوار المتبادل بينه وبين أخيه.
******
حاور آدهم عمران بعدة أحاديث وعينيه تتابع يوسف كالصقر، وحينما اهتدت لرمادية عمران وجده يمنحه نظرة ساخرة انهاها بقوله الجريء:
_مالوش لازمة تعمل الحوار الفاكس ده علشان تطرقني، ما أنا عارف إن يوسف هيعمل تحقيقه الطبي مع عمران فميستهبلش بروح أمه على المسا!!
ضحك آدهم وردد مازحًا:
_طيب أيه اللي مضايقك بالظبط إنه قدر يقوله الكلمتين ولا انك وقفت معايا الكام دقيقة دول!
ابتسم وهو يغمز له بمشاكسة:
_أنا أقف معاك من غير أي حاجة يا باشا.
تلاشت ابتسامة آدهم بشكلٍ مقبض حينما وجد انعكاس ضوءًا أحمر يحيط بكتف عمران، فعلي الفور سحبه للأسفل وهو يصرخ بفزع:
_حاسب يا عمران!!!
انطلقت الطلقة النارية مستهدفة قلب غريمها، على أخر لحظة انتشلها بها آدهم لتلتصق الطلقة النارية بسيارة عمران مسببة انهيار لزجاج النافذة.
صعق الشباب الثلاث وكان أولهم بالاستيعاب علي الذي هرول تجاه أخيه صارخًا بهلع:
_عُمــــــــــرااان!
ومن خلفه ركض سيف ويوسف يحيطان بمن يجلس أرضًا جوار آدهم الذي يحاول الوصول لذاك المسلح فصاح إليهم محذرًا:
_محدش يقرب.. ابعدوا.
وجذبهم جانبًا حتى اكتشف أمره فترك المسلح محله ولاذ بالفرار، انتصبوا جميعًا بوقفتهم فأسرع علي لأخيه يسأله بلهفة:
_حصلك حاجة؟ وريني.
بحث بجسده والاخير يتمسك به بشفقة:
_علي أنا كويس متخافش الرصاصة مصابتنيش آدهم شدني.
ضمه علي إليه بكل قوته بينما صاح يوسف بصدمة:
_مين ده وعايز يقتلك ليه يا عمران؟!
هز كتفيه باهمالٍ، فسأله آدهم بتخمين:
_إنت ليك عداوة مع حد.
أجابه وهو ينظم أنفاسه المتوترة:
_أنا رجل أعمال يا آدهم، رصيدي في البنوك بيزيد مع الوقت وشغلي بيزيد بشكل يخليني عندي أعداء بعدد شعر رأسي، بس الجدير بالذكر إننا كلنا بنتنافس بشرف في السوق، اللي يقدر يقدم جودة وسعر أفضل فمسبقش اني اتعرضت ولا مرة لمحاولة قتل.
تساءل سيف بدهشة:
_لو مش حد من شغلك أمال مين؟!
أجابه وهو يزيح جاكيته وجرفاته باختناق:
_أكيد الكلب اللي ييهدد زينب.
واتجه برأسه لاخيه يهتف:
_بعد رسالة امبارح اللي وصلتله وده كان رده .
ردد آدهم بحيطةٍ:
_مهما كان اللي بينكم مدام لجئ للسلاح يبقى الشخص ده مش عادي ولازم تحذر منه يا عمران، عملها مرة مش هيتردد يعملها مرة تانية خد بالك.
ارتاب سيف لأمره الغامض، فقال بقلق:
_اذا كان ده رده عليك يا عمران هيكون رده أيه على زينب! الشخص ده مجرم خطير يا علي لازم تخلوا بالكم.
استند على جسد السيارة وردد بتمعن:
_احنا استهونا بيه ولازم نرتبهاله صح!
*******
وصل أيوب لشقة آدهم بوقتٍ قصير، هرول للداخل قاصدًا غرفتها، طرق على بابها وهو يناديها بقلقٍ زرعه يوسف داخله:
_آديرا!
لم يأتيه ردها فعاد يكرر ندائه مضيفًا:
_آديرا.. هل أنتِ على ما يرام؟
وحينما لم يأتيه أي رد قال:
_سأدخل للغرفة الآن.
وبالفعل حرر مقبض الباب وولج للداخل يبحث عنها، فصعق حينما وجدها ملقاة أرضًا جوار الفراش فاقدة للوعي، وبقع الدماء تحيط بطنها وكتفها..
أسرع إليها ينحني ويرفع جسدها إليه وهو يحركها بصدمة:
_آديرا ما بكِ؟
فتحت جفونها الثقيلة ببطءٍ فتمكن من رؤية التورم المحيط بهما من أثر البكاء، وبصوتها المبحوح همست:
_أيها الإرهابي هل تنتوي قتلي؟
وانهمرت دموعها تلك المرة وهي تخبره بلومٍ:
_تركتني دون طعامًا أو ماءًا أتناول به دوائي وأنا عاجزة عن النهوض للبحث بالخارج، إن كنت تنفر مني لهذا الحد لما لم تتركني ألقى حتفي أمام باب منزل صديقك!
وأغلقت عينيها تستسلم للظلام مجددًا وهي تستكمل بعتابها:
_حتى الهاتف لم تتركه لي فكيف سأصل لك ولست أملكه!
وعادت تهسهس بكلمة أخيرة أضحكته رغمًا عنه:
_أيها الإرهابي أرجو منك أن لا تخبر صديقك المتوحش بأنني نعتك بها والا سينحر عنقي المسكين!
ساندها أيوب للفراش وجذب هاتفه يرسل برسالة ليوسف ببقع الدماء المحيطة لكتفها وجرح بطنها فأرسل له رسالة قصيرة
«غيرلها على الجروح وعقهما بسرعة قبل ما تلتهب ومتنساش الادوية مهمة جدًا لان فيها مسكنات شديدة»
برق بفيروزته بصدمة مما طُلب منه، فخرج للمرحاض يبحث به عن عدة الاسعافات الأولية، حملها وعاد لغرفتها.
وقف أيوب قبالة فراشها يوزع نظراته بين العُلبة التي يحملها وبين بقع الدماء المحيطة بأماكن جروحها، فجلس على الفراش يردد بارتباكٍ:
_هعملها ازاي دي بس!! ده عمران لو شم خبر مش بعيد يلفني في علبة هدايا ويبعتني مصر للشيخ مهران باعتراف بخط ايدي!!
وعاد يتطلع لها وهي غائبة الوعي، فزفر هاتفًا بحنقٍ:
_وبعدين بقاا هعمل أيه؟!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صرخات أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى