روايات

رواية صرخات أنثى الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الجزء الرابع والخمسون

رواية صرخات أنثى البارت الرابع والخمسون

رواية صرخات أنثى
رواية صرخات أنثى

رواية صرخات أنثى الحلقة الرابعة والخمسون

تسلل الألم لجسدها رويدًا رويدًا، لا تعلم لآنها تحاملت عليه وقد حذرها الطبيب من ذلك، أم أن رؤيته قبالتها تزيد من وجعها المدفون داخل أعماق قلبها.
مالت على الڤازة الضخمة المحاطة بالزرع الأخضر أمام باب منزل الشيخ مهران، تعافر ألا تسقط، وببكاءٍ رددت بصوتٍ كان مسموع لذلك المنصدم:
_يُــونس!
رعشة سرت بقلبه المتجمد فأزاحت برودته، مدته بالحرارة ليعود خافقًا، مستقبلًا لحياة خرج منها إجباريًا.
تخبط مشاعره أمامها جعله صامتًا، يوازن ألف مسألة صعبة، يحاول إستيعاب بأنها الآن أمامه، في منزل عمه بالتحديد، يحاول ربط العلاقة بينها وبين ذلك الصغير، يحاول استجماع خيوط الخيط ليصل لحقيقة صادمة بأنها والدة فارس الذي حكى له عنها!
توارت صفاء مُقلتيه حول جحيم انتقامه من الخائنة التي دعست رجولته ومزقت حبه دون أن ترأف به، تلك التي قضى خمسة سنوات من عمره يتفنن بالتفكير بطريقة ماكرة للانتقام منها.
وضع يونس الصغير، وتحرك إليها بخطواتٍ، قاتلة، بطيئة، حتى بات قبالتها.
كانت مازالت تنحني لطول الڤازة الضخمة، تحيطها بكلتا ذراعيها، فأمسك الحائط ووقفت بصعوبة حتى باتت قبالته بأعينها الباكية.
أنساها شوقها إليه كل ما حدث بالماض، تناست ما إرتكبته بحقه، تناست بأنها مازالت على ذمة رجلًا غيره، تناست حتى أنها الإن أمامه بشعرها دون غطائها ونقابها!
سخرت نظراته منها، فإن رآها أحدًا من المخرجين تتقن الدور لتلك الدرجة يقسم بأنه سيبع ثروته لأجل أن تعمل معه، تحاول أن تريه حبها الجارف إليه وقد نفت خيانتها وما إرتكبته تمثيلها الزائف.
رفعت كفها السليم إليه تضعه على صدره، ورددت ببكاء وصوتًا يُسمع بالكد:
_ربنا حققلي دعواتي وطلعت عايش!
وتابعت ببسمة واسعة:
_حمدلله على سلامتك يا يونس.
أخفض بصره ليدها التي مازالت تلامس صدره، ثم انتقل لها بنظرةٍ جامدة، لتجد يده تقترب من كفها،جذبه يونس واعتصره بين يده هاتفًا بقسوةٍ فاحت رائحتها إليها:
_إنتِ بتعملي أيه هنا؟ البيت ده أشرف من إنه تسكنه واحدة رخيصة وخاينة زيك، بس اللي مش فهمه أيه اللي يخلي عمي يقعدك في بيته ويكدب عليا!!!!
وجذبها بقوة للداخل وهو يصرخ بغضبٍ:
_عمـــــــــي… يا شيخ مهــــــــــراااااان.
بكت وهي تحاول تخليص كفها من معصمه، فخشيت أن يكرهه فارس، فأمسكت يده تحيلها عن يدها ولكن قبضته كانت قوية للغاية، فرددت بتوسل:
_بلاش قدام الولد… أنا همشي مش هقعد تاني هنا يا يونس.
مال بجسده تجاهها وأشار باصبعه:
_اسمي ميترددش على لسان واحدة قذرة بنت** زيك!
واستدار تجاه فارس الذي يختبئ خلف الباب المفتوح وبهدوءٍ يعاكس ثورته قال:
_ادخل جوه دلوقتي.. يلا!!
انصاع له وهرول للغرفة التي تخصهما، بينما خرج الشيخ مهران يعدل جلبابه وهو يتساءل بخوف:
_في أيه يا يونس، بتصرخ كدليه يابني؟
انتهى من وضع جلبابه حول رقبته ليصعق كليًا من رؤية خديجة بين يد يونس، اتبعته الحاجة رقية فصاحت بصدمة:
_خديجة! طلعتي من أوضتك ليه يا بنتي!
وتساءلت بلومٍ وهي تتطلع لها:
_وفين حجابك؟
انحنت للأريكة تجذب غطاء للرأس وأسرعت تضعه حول رأس خديجة، فلفت انتباهها ليد يونس التي تحيطها، فحاولت تفرقيهما وهي تصيح بضيق:
_سيبها يا يونس، مينفعش كده يابني حرااام!!
فشلت بفك معصمه، بينما ابتسم هو ساخرًا:
_فاكراني مغفل وبعوض شوقي ليها!!! أنا قرفان وأنا ماسكها أساسًا.
وألقاها بقوة لولا ذراع الحاجة خديجة التي تلقفتها بين ذراعيها، خطى يونس للأمام وبالأخص أمام الشيخ مهران، يتطلع له بنظرةٍ ألمته، وسأله بجمود:
_ليه يا عمي؟ ليه تفتح بيتك لآنسانه قذرة زي دي، خانت ابنك وداست على كرامته ورجولته؟
ارتبك الشيخ أمامه، ودنى إليه يحيط كتفيه بين ذراعيه قائلًا:
_في حاجات كتير إنت متعرفهاش يا يونس.
صاح بعصبية هادرة:
_ دي أخر واحدة أحب أعرف عنها حاجة.
ازداد صوت بكائها ورقية تحيطها بقوةٍ وتحاول أن تهدئها، خرج يونس عن صمته القصير حينما قال:
_هي مش العمارة دي أنا ليا النص فيها؟
اندهش الشيخ مهران من حديثه، وردد ببسمةٍ ألم:
_أيه يا يونس بتفكر تخلص عمك من العمارة عشان مد إيده لبنت صاحبه اللي سابها في أمانته!
هز رأسه ينفي ذلك، وانحنى يقبل كفه بكل احترام:
_العفو يا عمي، بس من فضلك لو إنت بتحبني بجد خرجها من هنا، تغور في أي داهية مش فارقة
اتسعت ابتسامة الشيخ وقال يذكره:
_بس خديجة وأمها مكنوش ساكنين يا يونس، إنت بنفسك اللي صممت تبيعلهم الشقة بعقد تمليك، يعني قانونًا الشقة بتاعتها.
صرخ بغضبٍ جعل الشيخ مهران يخاف عليه:
_كنت أهبل وبريالة، لكن خلاص مسحتها… ولو وصلت إني أخرجها من هنا بالقوة هعملها يا عمي، لإني مستحيل أقعد في مكان ال*** دي فيها!
كان مكتوف الأيدي لا يعرف ماذا يفعل، فقال بهدوء:
_طيب اهدى يا حبيبي احنا نص الليل والجيران حولينا مينفعش صوتك ده!
باصرار قال وأنفاسه تشوش على صمتهم:
_ههدى لما تغور من هنا.
خرجت خديجة من أحضان الحاجة رقية وقالت بخفوتٍ ينمي عن شحوبها:
_خلاص يا عمي الشيخ أنا همشي.. هو عنده حق مينفعش أفضل هنا بعد كل اللي عملته معاه.
أوقفها الشيخ مهران محلها:
_مش هتخرجي من هنا يا بنتي سامعة.
وأشار لزوجته قائلًا بنبرة آمرة:
_خديها جوه يا حاجة.
أومأت له وساندتها للداخل، بينما اقترب مهران من ابن أخيه يحاول لمس جانبه الانساني:
_يابني إعقلها هتمشي فين دلوقتي في نصاص الليالي وبحالتها دي.
قال بقسوةٍ تملئ عينيه:
_ميخصنيش، ترجع للراجل اللي فضلته عليا، تغور في ستين ألف داهية المهم مشفهاش هنا لا هي ولا أمها ولا أي مخلوق من عيلتها.
تنهد الشيخ بقلةٍ حيلة، وهتف إليه:
_والدتها توفت من أربع سنين، وجوزها هو اللي عمل فيها كده ولو رجعتله المرادي هيقتلها يا يونس لان آيوب رفعلها قضية خلع.
آه من قلب خان جسد صاحبه ومال لمن أحبه، بالرغم من أن يتخذ القسوة وعدم اللامبالة بها منهجًا يدرسه لجميع تعابير وجهه وجسده، الا أن قلبه وخز بقوةٍ لسماع ما قال، واتبعه بالخيانة عقله الذي بدأ يُصيغ له عن حالها البائس حينما فقدت والدتها وهو الوحيد الذي يعلم تعلقها بها.
كانت يتيمة الأب والإن الأم والأب، يا ليتها لم تفعل به ذلك، ليتها تركت بابها مواربًا له، والله وبالله إن كانت تركته لكان يغمسها الآن بأحضانه يهون عنها كل ما طالها بغياب والدتها واختبارها لذلك الاحاسيس الموجوعة.
اتبع النغزة نغزة أخرى، من فعل بها ذلك زوجها!! ، ذلك اللعين الذي يحشد داخله انتقام جهنم ليلهبه بنيرانها، ترى ما الذي حدث بينه وبينها ليفعل بها ذلك؟ وهل تلك هي المرة الاولى التي يرفع يده عليها؟! مهلًا مهلًا لقد أخبره فارس بأنه يضرب والدته باستمرارٍ، والمؤلم له إنها ذاتها خديجة، هل من المفترض أن يكون سعيدًا!
وعلى ذكر فارس يقف عقله عاجزًا عن شعوره تجاه هذا الطفل الذي لم يراه الا بفترة لا تذكر، هل من المحتمل أن يكون ابنه!!!!!
عند تلك الحد وجحظت عين يونس بقوةٍ، لا يحتمل تلك الثورة المشتعلة داخله، فأفاق على هزة يد الشيخ مهران المتساءل بلهفةٍ وقلق:
_مالك يابني إنت كويس؟
ابتلع ريقه بصعوبة، وكل ما يتردد له أن يهرب من هنا، لا يريد الاستمرار بسماع المزيد عنها أو عما يخصها، يود الانهيار بعيدًا، فرفع من صوته الثابت لتستمع له من الداخل عن قصدٍ:
_اسمع يا شيخ مهران، عشان الصداقة اللي كانت بينك وبين أبوها هديك أسبوع، أسبوع واحد تشوفلها أي مكان تاني غير هنا، لو مغرتش من هنا بعد اسبوع يبقى أنا اللي همشي من هنا وإنسى إن ليك ابن أخ كان معتبرك في يوم أبوه..
واسترسل بألمٍ وهو يهرب للخارج:
_وطول ما هي في بيتك بيتك متحرم عليا دخوله يا عم الشيخ!
ترك يونس الشقة وهرول للدرج ومنه لشقته، يغلق بابها بالمفاتيح والمزلاج، وكأن هناك شبح يركض من خلفه.
سقط جسده الذي ظنه قويًا خلف بابه، سرت رجفة هادرة به من شدة انفعاله وغضبه، وأخيرًا من بعد خروجه من ذلك القبو سمح لذاته بالبكاء، فبكى كالصغير، وكف يده يكتم شهقاته بخوف من أن يستمع له حوائط منزله، وكأنه يفعل جرمٍ لا يصح به، وكأن إنهياره أمرًا غير مسموح!!
مال يونس بجسده خلف الباب وتكور كالجنين، يضم ذاته ويبكي دون توقف، مرددًا بهمسٍ مبحوح:
_ليه عملتي فيا وفي نفسك كده؟
هما رموا السهم وإنتِ رشقتيه في قلبي، ليه يا خديجة؟؟؟!!!
مال بوجهه على أرضية رخام شقته، هاتفًا ببكاء:
_مفيش حاجة من اللي عملتها معاكي شفعتلي! عملتيها وإنتِ متأكدة إن بعدها يونس هينتهي، كنتِ عارفة إنك روح يونس اللي بتحركه، هما اخدوا حياتي وإنتِ خدتي قلبي وروحي!
تعالت شهقاته المؤلمة وتابع باستنكارٍ مؤلم:
_إزاي قدرتي تسلمي نفسك لراجل غيري؟؟ ازاي قدرتي تعمليها؟!
اعتدل بنومته متكئًا على ظهره، وكأنه متعمد أن يُؤلم نفسه ليخفف من حدة وجع قلبه، فيشتته بالوجع الجسدي، انهارت دموعه رغم هدوء جسده، فردد ببحة سيطرت على حلقه:
_يا رب لو كان لقائي بيها أقسى من عذابي في سجن الدنيا رجعني ليه تاني يارب!
فرق ذراعيه على الرخامٍ، وأغلق عينيه باستسلامٍ، تاركًا دموعه على وجنته دون أن يهتم بإزاحتها.
*******
بالأسفل.
بقى الشيخ مهران على المقعد المقابل للفراش ينتظر أن تضع الصغير الذي يغفو على ذراعيها للفراش، وزوجته تجلس جوارها تحاول أن تهديها قائلة:
_خلاص يا بنتي بطلي عياط، اللي حصل حصل.
استدارت برأسها وقالت بحرجٍ:
_والله ما كنت عايزة أعملك مشاكل يا عم الشيخ، أنا كنت نايمة وقلقت ملقتش فارس جنبي، خوفت يكون معتز درى بقضية الطلاق اللي آيوب رفعها لإن المحامي كلمني وقال إنه هيعرف خلال يومين تلاته.
واسترسلت وهي تزيح دموعها بطرف حجابها الطويل:
_قومت أدور عليه زي المجنونة، لقيت الباب مفتوح فخرجت لقيت يونس قدامي، اتصدمت ومعرفتش أتصرف.
ورفعت عينيها المتورمة من البكاء إليه:
_بس أنا مش هكون السبب إنك تخسر ابن اخوك، بكره الصبح همشي وأروح أي حتة بعيدة عن هنا.
قالت الحاجة رقية بشفقةٍ وحزن:
_هو إنتي قادرة تصلبي طولك يا بنتي!
كان الشيخ صامتًا يستند بوجهها على عكازه، فنهض واقفًا وقال:
_نامي يا بنتي والصباح رباح، ومتحمليش هم اللي بيني أنا وابني، لما يعرف إن فارس ابنه وإننا عملنا كل ده ليه هيهدى وهيسامح أنا عارفه كويس.
انتفضت خديجة عن الفراش واتبعته بوقفته القريبة من باب الغرفة، تصيح بلوعةٍ:
_لااااا… أبوس إيدك يا عم الشيخ متعملش كده، أنا لو أعرف إن يونس خارج مكنتش قبلت إني أرفع على معتز قضية الطلاق.
التفت لها الشيخ وبقت عينيه أرضًا عنها:
_ليه يا بنتي، عايزة تحرميه من ابنه وتستحملي عيشتك مع البني آدم ده ليه؟!
عادت بضعة خطوات لأقرب مقعد، ورددت تبرر سبب جملتها:
_ يونس لو عرف الحقيقه مش هيسكت وخصوصًا لو عرف بموضوع ابنه، مش بعيد يروح لمعتز ومعتز شراني يا عم الشيخ، ممكن يرجعه السجن تاني أو يحاول يقتله!
ارتعب الشيخ وتعالت شهقات الحاجة رقية، فنهضت إليه تصيح برعبٍ:
_خديجة بتتكلم صح يا مهران، أنا مش مستغنية عن ابني!!
تنهد بقلة حيلة، فأصبح عاجزًا حتى عن التفكير، فقال بحزنٍ تعمق إليه وجعله كالذي يصارع الموت:
_ابني وابن اخويا في يوم واحد، اللهم لا اعتراض، لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم.
وتابع وهو يخرج من الغرفة:
_نامي يا بنتي واطمني ربك موجود وقادر يخلصنا من كل اللي احنا فيه.
وقال قبل أن يغلق باب الغرفة :
_خليكي معاها يا حاجة رقية.
فهمت ان زوجها يخشى أن تحمل ابنها وتترك المنزل، فأشارت له بطاعةٍ:
_حاضر يا عم الشيخ، روح إنت أفرد جسمك قبل صلاة الفجر.
هز رأسه وغادر منحني الجسد، يشعر بأنه بحاجة للقاء ربه الآن ليشكو له ما يضيق صدره، فتوضأ وقام الليل بين يد الله عز وجل.
*******
صباحًا في لندن.
تجلس قبالة معشوقها وحبيبها وزوجها، لتناول طعام الافطار، ذلك العاشق الذي يخصص لها وقتًا صباحًا لها قبل مغادرته لعمله.
يحاول بشتى الطرق أن يملأ يومها ومتفهمًا لانشغالها بالخروج لحفلات الوسط الآرستقراطي المتكررة، لم ينالها غضبه يومًا وكل دقيقة يمضيها برفقتها يخبرها أنها أعظم انتصاراته.
ترك كفها فنجان قهوتها وتسللت ليده المتمسكة بأحدى المجلات التي تتحدث عن المشروع الذي بات حديث العالم، وصُيغ أن “عمران سالم الغرباوي” المسؤول عن تنفيذه بينما أصبح “أحمد الغرباوي” شريكًا بنسبة تفوق المساهمين.
شعر بكفها فترك ما يحمله واستدار إليها مبتسمًا، منحته ابتسامة رقيقة وسألته مباشرة دون أي صياغة للحديث:
_مبسوط معايا يا أحمد؟
ترك المجلة والجرائد جانبًا، وقرب مقعده إليها، حتى بات يجاورها، فسحب كفها المدفون بين كفه الخشن وقربه لشفتيه يقبله بحنانٍ، وصوته الرجولي يهمس:
_وأنا أيه اللي في حياتي يخليني سعيد غير وجودك جنبي يا فريدة!
تعمقت بالتطلع لرماديته، وقالت بحزنٍ لمسه أحمد بصوتها:
_أنا بحبك أوي يا أحمد.
انزوى حاجبيه باستغرابٍ،” فريدة هانم الغرباوي ” ليست من النوع الذي يصرح عن مشاعره بشكلٍ مباشر، تلك السيدة يعرفها أكثر من أي شخصًا، كالمجلة التي كانت بين يديه منذ قليل، يعلم بدايتها من الغلاف للغلاف الأخر الذي يعلن عن نهايتها.
رفع أحمد يده لوجنتها، إبهامه يمرره عليه برفقٍ وعينيه متعلقة بعينيها:
_في أيه يا فريدة؟ ليه شايف في عينك حزن وإحساس بالذنب تجاهي!
تهربت من مرآة ستعكس حتمًا حقيقتها، فرفع ذقنها لتواجه رماديته مجددًا، متنعمًا بزرقة عينيها الفاتنة، فظن أنها تمر ببعض التقلبات لذا قال:
_حبيبتي اللي فات من حياتنا خلاص اتمسح اللي جاي هنكتبه احنا بايدينا.
وتابع بهدوءٍ وحذر:
_ لو حاسة إن الماضي صعب تنسيه ومحتاجة لمساعدة مفيش مانع تلجئي لعلي، هو هيقدر يساعدك ويسمعك يا فريدة.
هزت رأسها بابتسامةٍ تحاول صنعها، وما ان كاد بمتابعة عمله على الحاسوب حتى أسرعت بالحديث قبل أن تتهرب منه:
_أنا زعلانه لإني حرمتك من الخلفة يا أحمد، احساس الذنب مش مخليني مرتاحة، إنت ذنبك أيه تتحرم من إن يكونلك ولد!
سحب نفسًا طويلًا يهييء به الحديث، وقال بحبٍ مرسول من مُقلتيه:
_أنا مش هكدب عليكي وأقولك إن بتمنى يكونلي ابن أو بنت منك، بس أنا مش طماع أو أناني يا فريدة، مش طماع لإن كفايا إنك معايا واتجمعنا بعد فراق السنين دي كلها، ومش أناني أطالبك بشيء فوق مقدرتك وخصوصًا وانتي هتستقبلي أول حفيد ليكِ.
واسترسل قائلًا برضا تام عن حديثه السابق:
_ولو على رغبتي إني أكون أب فأقسملك بالله بأن علي وعُمران وشمس أولادي، ولعلمك بقى الأولاد طالعين شبهي أكتر من أبوهم الحقيقي نفسه.
ابتسمت بفرحةٍ، وغمرها شعور الراحة لقرارها المصيري التي اتخذته، لا تعلم إن أخبرته بحملها ورغبتها في التخلص من جنينه حينها ستختلف وجهة نظره، ما قاله الإن بناء على واقعه ولكن ان حدث الأمر ووقع حينها سيختلف كل شيء!
*******
قاد سيارته متجهًا للمشفى، اليوم هو المعاد المحدد لخروج والدته، صف جمال سيارته وهبط متجهًا للمشفى، فوجد صبا تجلس بالخارج وعلى ما يبدو بأنها كانت تنتظره، فما أن رأته حتى نهضت واتجهت اليه.
وقف قبالتها بجمودٍ، لم تمنعه من الدخول بكلمة واحدة بل دنت إليه فتوقف هو، كانت ترتدي نظارة سوداء تحجب عينيها عنه، فطال بنظره تجاهها بفضول لمعرفة ما تخبئه خلف تلك النظارات التي ترتديها لمرتها الاولى.
تنحنح يجلي صوته ليقطع صمتها الغريب:
_خير؟
دون أي حديث منها، رفعت ظرف مغلق إليه، تناوله منها وفتحه في نفس لحظة تردد سؤاله:
_ده أيه؟
تفاجئ بمفتاح شقته، وذهبها الخاص، وبعضًا من المال كان قد تركه لها مسبقًا لمتابعتها مع الطبيب ولاحتياجها الخاص لأغراضها.
زفر بضيقٍ شديد، وقال:
_وبعدين يا صبا؟ أفهم من اللي بتعمليه ده أيه؟ عايزة توصلي لأيه يعني!!!
أجلت حبال صوتها المبحوح وقالت:
_مش عايزة أوصل لحاجة، ده مفاتيح شقتك وحاجتك بما ان اللي بينا انتهى..
التاع قلبه ألمًا وأمسك يدها بقلقٍ فشل بتلاشيه:
_صوتك ماله؟؟ وليه لابسه النضارة دي!
قالها وهو يزيحها عنها فصعق حينما وجد عينيها منتفخة بشكلٍ مقبض، جذبت صبا النظارة من يده وارتدتها خشية من أن يظنها تحاول أن تستعطفه، ثم قالت:
_هتلاقي الفلوس ناقصة بس إن شاء الله هردهملك قريب..
ودون أي اضافة منها استدارت تجذب تلك الحقيبة التي لم يتثنى له رؤيتها، وما كادت بالرحيل حتى اوقفها بعصبية:
_إنتِ راحة فين؟ وأيه الشنطة دي؟!!!
وتابع وهو يجذبها لسيارته:
_اركبي يا صبا وبطلي العبط ده انتي وابني ملزومين مني حتى لو منفصلين!
جذبت ذراعها منه ودفعته بقوة جعلته يرتطم بباب السيارة ربما لأنه لم يتوقع فعلتها:
_شفقة يعني!! لا متحملش هم ابني أنا هقدر أربيه وأصرف عليه كويس، بلاش نزود مسؤولياتك ونتقل من حملك وإنت على أكتافك مسؤوليات كبيرة يا بشمهندس.
وسحبت حقيبتها واتجهت لتوقف سيارة أجرة، فجذبها إليه بعنفٍ غير معهود، صارخًا بغضب:
_إنتِ شكلك اتجننتي، إنتِ متخيلة اني هسيبك هنا في دولة غريبة ولوحدك!!
وقدم لها الظرف قائلًا:
_الشقة دي بتاعتك حتى لو كانت ايجار، والدهب ده شبكتك ولا يمكن أسترده منك حتى لو مش لاقي أكل مش بنفصل عنك!!!
واستطرد بهدوء يحاول التمسك به:
_اعقلي يا صبا واهدي… ماما خارجة النهاردة ومش حمل كل ده.
وقال وهو يعيد فتح باب سيارته:
_اركبي هوصلك قبل ما أدخلها.
ابتسمت ببسمة باهته وقالت:
_مش راجعه معاك يا جمال، أنا خلاص حجزت طيارة على مصر بجزء الفلوس اللي اخدتها من المبلغ اللي معاك، فمش هبقى حمل عليك تاني.
وسحبت الحقيبة هادرة:
_رلنا يعوضك بالزوجة اللي تعوضك عن أنانيتي عن إذنك.
برق بصدمة لما فعلته، لقد تسللت من بين أصابعه كالمياه، وقف يتابعها وهي تعبر الطريق الاخر بارتباكٍ، مال على السيارة يضم رأسه بيديه وقلبه يزيد من وجعًا وُلد بأعماقه.
فاغلق باب سيارته بقوةٍ وعبر خلفها، رأته يأتي إليها والفرحة تزيد بداخلها، هي بالنهاية لا تريد خسارته، وبقرارة نفسها تعلم بأنها مخطئة.
وقف قبالتها يسحب الحقيبة ثم قال:
_ممكن نقعد ونتكلم شوية.
طالعته من خلف نظارتها وقالت:
_بس هتأخر على معاد الطيارة.
قبض على الحقيبة بغضب:
_مش هتسافري يا صبا، مش هتبعديني عن ابني فاااهمه!
ابتلعت غصتها المؤلمة بصعوبة بالغة، هل كل ما يعنيه ابنه!! ماذا عنها؟
حسنًا حسنًا لقد أخطأت تعلم ذلك، ولكن ألا يحق لها أن تُمنح فرصة، ازدردت ريقها وقالت بضعف سيطر عليها:
_متقلقش مش هحرمك منه، إنت أبوه وليك نفس الحق اللي أنا بملكه.
صوتها المتعب وحالتها تلك، استسلامها هذا يوقظ كل وجعٍ داخله، وخاصة حينما قالت:
_لو تقدر تخلص أوراق الطلاق قبل ما أسافر يكون أفضل، لإن برجوعي لمصر هيكون الموضوع صعب.
اتسعت مُقلتيه بدهشةٍ، وقال بسخرية:
_أوراق الطلاق!! انتِ مستبيعة بقى!! استسلمتي بدري اوي!
ابتسمت بنفس عمق وجعه وقالت:
_معتش شيء ممكن يتعمل بعد ما نطقت الكلمة دي… خلاص كده.
دنى إليها حتى تقلصت مسافتهما:
_يعني أنا مستهلش إنك تحاربي عشاني يا صبا؟ مستاهلش إنك تحاولي ترجعيني ليكِ؟
أزاح نظارتها السوداء وقال بوجع:
_بالرغم من جرحك ليا الا إني مش قادر أشوفك بالحالة دي، صعب عليا أسمع صوتك وأحس بتعبك ده، أنا اللي انهزمت ومن أول جولة!! أنا اللي بتوجع منك وليكِ!
أخفضت وجهها أرضًا وبكت بانهيارٍ، هامسة بصوتٍ اختفى نهائيًا وبات مسموعًا بالكد:
_آسفة… سامحني.
جذب يدها وجذبها إليه، ضمها بكل قوته، لدرجةٍ جعلتها متجمدة من الصدمة، جمال زوجها لا يملك تلك الجراءة لفعلها، والآن يفعلها وسط المارة غير، عابئًا لأي شيء.
ارتعش جسدها بين يديه وشعرت بأنها غير قادرة على الوقوف.
ترقبها أن تحيط ظهره ولكن وجدها متخشبة لا تعرف ماذا تفعل؟ ، مال إعلى كتفها وقال بخشونة صوته الرجولي:
_رديتك يا صبا.
ازداد نحيبها بشكلٍ ملحوظ، فرفعت يديها وتعلقت به بقوةٍ جعلته يزيد من ضمها، فقال وقد شعرت هي بأن دموعه قد تدفقت على وجنته:
_آسف إني اتخليت عنك بالسهولة دي، بس كان غصب عني جرحك ليا كبير ومش راضي يلم!
رددت ببحتها المؤلمة:
_والله عمري ما بصيت لراجل غيرك، أنا بس لفت نظري طريقة لبسه مش اكتر.. آسفة والله ما هقول كده تاني… بس متسبنيش أنا بحبك والله.
ظل يضمها حتى ينتهي من اخفاء دموعها، وحينما استعاد ثباته ابتعد عنها وقال:
_خلاص يا صبا بلاش نتكلم في اللي فات، يلا عشان منتاخرش على ماما أكتر من كده.
وحمل الحقيبة وأمسك يدها يعبر بها الطريق مجددًا لسيارته، وضع الحقيبة بصندوق السيارة ليخفيه عن والدته ثم أشار لها:
_يلا ندخل.
فتحت الباب الأمام وقالت بخفوت:
_هستناك هنا.
استدار بعدما كاد بالدخول:
_لا.. تعالي معايا عشان يوسف يكشف عليكِ الأول، شكلك مجهد وتعبان.
انزلقت الدموع من عينيها بكثرةٍ، فهبط الدرجة الخارجية ليكون قبالتها، أمسك يدها وسألها بقلقٍ:
_مالك؟ التعب زاد عليكي؟!!
هزت رأسها بالنفي وهمست له:
_مقدرتش أفهم حبك ليا صح، مواقفك كلها ليا بتعترف بحبك وأنا كنت عامية مبشفش!
ابتسم وهو يراقب الطريق من حوله، فمرر إبهامه على كفها وقال:
_هخليكي تشوفيه كويس، من هنا ورايح هصدعك بكلمة بحبك لحد ما تقوليلي خلاص يابو عُمران صدعت!
شملتها الفرحة ولكنها تساءلت باستغراب:
_عُمران!
هز رأسها مؤكدًا بثقة:
_طبعًا ابني مش هيكون الا على إسم الشخص الأقرب ليا، عُمران أفضاله عليا كتيرة، فحابب إن ابني يكون على اسمه بس ربنا يستر وميبقاش وقح زيه!
ضحكت على جملته الاخيرة، وقالت:
_سميه زي ما تحب، أنا مش معترضة.
جذبها ليغلق باب السيارة وولج بها للداخل بصمتٍ، بينما أحاطتها فرحة رده لها وعدم تأثر علاقته برفيقه لأجل حديثها الأحمق.
******
بالمركز الطبي الخاص بعلي الغرباوي، وبالأخص بغرفة الكشف الطبي الخاص بالنساء والتوليد.
زفر يوسف بضجرٍ، وهو يتابع تلك التي تتمدد على الفراش قائلة وهي تتصنع الألم:
_مستني أيه اكشف عليا، أنا تعبانه وعندي إغماء فظيع!
مرر يده على جبينه يفركه بغضبٍ، وابتعد بمقعده المتحرك متجهًا الى مكتبه، نهضت ليلى تخفض سترتها، وقالت بعصبية:
_إنت دكتور إنت!! بقولك تعبانه تسبني بالشكل ده!!
رفع بصره عن الحاسوب وأشار بيده للباب:
_روحي لشغلك يا دكتورة، إتاخرتي!
جذبت ليلى أحد المقعدين المقابلين إليه وصاحت بانفعالٍ:
_ده ردك يا يوسف، ابنك تعبني وأنا مش قادرة بقولك اكشف عليا واديني علاج تسبني بتوجع وفوق كل ده بتتعامل معايا بمنتهى البرود!
عاتقت يديه وجهه وهمس بسيطرة تامة على أعصابه:
_لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم!!
وأبعد يديه هادرًا بغضب:
_ليلى أنا بقيت كاشف عليكي أربع مرات وإنتي في شهرك الأول!! وده غلط مش فاهم انتي دكتورة ازاي أصلًا! وبعدين يا حبببتي كل الاعراض اللي بتقوليها دي طبيعية جدًا جدًا لما يخترعوا ليها علاج إن شاء الله هبقى أكتبهولك.
جذبت حقيبتها وصاحت بانفعال:
_بتتريق عليا يا يوسف ماشي.
وقف عن مقعده وقال يراضيها:
_حبيبتي أنا أقدر.. حاولي بس تاخدي الامور بشكل طبيعي واشغلي عقك في شغلك.
وتابع باستغراب:
_بس غريبة يعني بقالك كام يوم في البيت، إنتِ بطلتي تدخلي عمليات ولا أيه؟
جلست على سطح مكتبه وأخرجته من حقيبتها كيسًا بلاستيكًا وهي تجيبه:
_برفض أدخل عمليات أساسًا، أنا أم ومقبلش إن ابني يشوف منظر الدم والمشرط والفيلم الرعب ده.
زوى حاجبيه بصدمة:
_هو فين ابنك معلش؟
أشارت لبطنها المسطح بتلقائية:
_هنا ، إنت نسيت إني حامل ولا أيه؟!
حك لحيته بغيظٍ، وقال مبتسمًا بالاجبار:
_ودي حاجة تتنسي، ده موضوع مصيري ومستحيل يتنسي!
وهمس بصوتٍ غير مسموع:
_منك لله يا عُمران ، نقيت فيها أديني بدفع التمن غالي!!
_بتقول حاجة؟
تنحنح بخشونة:
_أنا أبدًا.
ورفع من حقيبتها الكيس البلاستيكي متسائلًا بذهول:
_ده أيه يا ليلى؟
رفعته له وقالت ببسمة فخورة:
_بقسمات يا حبيبي، مقدرش أمشي من غيرها، ده العلاج اللي مخترعهوش للاغماء، أول ما أحس إني هجيب اللي في بطني أطلع الكيس، عشان كده بطلت أظهر في المستشفى، يعني أكيد متقبلش إنهم يقولوا عليا دكتورة البُقسمات جت دكتورة البُقسمات راحت!!
جلس على مقعده بتعبٍ بدأ يهاجمه، وقال بصعوبة:
_ليلى إنتِ بتعملي كل ده عشان أندم وبعد كده أقولك خلي ابننا يبقى وحيد وبلاش نخاويه! لو الحكاية كده فأنا ندمت من دلوقتي ومش هتتكرر تاني يا حبيبتي.
عبست بعينيها مدعية البراءة:
_جو حبيبي أيه الكلام اللي بتقوله ده!!
قاطعهما صوت طرقات الباب، فابتعدت ليلى عن طاولة مكتبه واتخذت المقعد القريب منه ثم جذبت حقيبة يدها تضمها إليها كابنها الرضيع، بينما اصبعها يختطف المقرمشات وتتناولها بنهمٍ.
هز رأسه بقلة حيلة، وتعالى بقوله:
_ادخل!
ولج جمال للداخل، فنهض يوسف يستقبله بترحاب وفرحة:
_جيمي، أيه المفاجأة الحلوة دي؟
عانقه هامسًا بمشاكسة:
_على اساس انك مكنتش سهران معايا طول الليل!
وابتعد يصوب بصره تجاه الجالسة وقال:
_ازيك يا دكتورة ليلى، عاملة أيه؟
أجابته ببسمة هادئة وقد راق لها بأنه يتطلع بمكانٍ قريبًا منها دون أن يجرحها بنظراته:
_الحمد لله بخير يا بشمهندس، أخبارك مدام صبا أيه؟
قال وهو يتجه للخارج:
_معايا بره أهي.
وعاد إليهما بها، فاندهش يوسف وطالعه بنظرة مستفهمة فمال إليه يهمس:
_ردتها.
ضمه يوسف بفرحة وسط نظرات تعجب الفتيات، وهمس له:
_طول عمرك راجل يا جمال.
تبادلت الفتياتين السلام بحرارةٍ، وجلستا يتطلعان إليهما، فقال جمال:
_كنت جاي أخد والدتي فقولت أعدي عليك تشوف صبا، صوتها رايح خالص وشكلها مجهد.
نهض يوسف عن مكتبه وقال بترحابٍ:
_أوي اوي.. اتفضلي لأوضة الكشف يا مدام صبا.
ولجت ليلى برفقتها تعاونها على الاسترخاء بالفراش الطبي، وبالفعل فحصها يوسف وعاد يدون لها بعض الادوية قائلًا ببسمة جذابة:
_البيبي كويس الحمد لله وكل أموره طبيعية، الدوا ده لوجع واحتقان الحلق، والاجهاد ده هتحتاج للراحة مش أكتر.
التقط منه الروشتة، وأخبره:
_ماشي أنا هطلع لماما، أشوفك بليل إن شاء الله.
أومأ له بتفهمٍ، فحينما يكون أحد من ثلاثتهم برفقة زوجته لا يطول بالحديث مع الاخر مثلما اعتادوا.
غادر جمال وصعد لوالدته، عاونها على الجلوس بالامام وصبا بالخلف، وعاد بهما لشقته مرة أخرى، وبداخله حربًا فيما سيفعله بعلاقته مع زوجته!
******
_مفاجأة أيه يا علي قولي؟!
قالتها وهي تستمع لمكالمته، فلم يمر يومًا دون أن يهاتفها علي، أتاها صوته الدافئ يخبرها:
_لو قولت مش هتكون مفاجأة يا روح قلب علي، خليني أفجئك بطريقتي.
وتابع بحبٍ:
_يلا يا حبيبتي متعطليش نفسك وكملي شغلك.
ردت عليه بشوقٍ:
_هستنى أعرف أيه هي بفارغ الصبر، مع السلامة يا علي.
أغلقت الهاتف وتركته على سطح المكتب، ثم حملت الملف من أمامها واتجهت للباب المتصل بمكتب عُمران تطرقه.
رفع عينيه عن حاسوب والأوراق من أمامه، مشيرًا لها بابتسامة هادئة، فولجت للداخل تضع ملفها أمامه، قائلة :
_راجع الملف ووقعه.
جذب منها الملف يوقع في الخانة المطلوبة وقدمه لها، فضيقت حاجبيها بانزعاجٍ:
_ازاي تمضي من غير ما تراجع الحسابات؟!
جذب الاوراق السابقة لديه وقال:
_واثق إن حساباتك كلها صح يا فاطيما، وحتى لو عندي نية للمراجعة فالنهاردة مش يومه.
وأشار على الملفات المتراصة من أمامه بضيق:
_أنا مش فاهم إزاي انشغلت في المشروع وسبت الدنيا بالشكل ده، تقريبًا قدامي هنا يومين عشان أروح.
ابتسمت وسحبت بعض الملفات قائلة:
_متقلقش هحاول اساعدك.
اتسعت ابتسامته فرحة:
_ربنا يخليكي لأخوكي الغلبان اللي معتش حد حاسس بيه في الشغل غيرك.
اكتفت بهزة ممتنة له، فقال بمرحٍ:
_قبل ما تمشي لازم تفهمي أن للأخ واجبات ولازم تتعمل مظبوط عشان يتفانى في الأخوة، واهم واجب عليكي كوباية قهوة مظبوطة كل ساعتين بدون ما أنا اللي أطلب على أساس إني محرج منك وكده فبالتالي لازم تكوني ذكية وتفهميني بدون ما لساني يتواقح ويطلب الطلب ده.
تحررت ضحكتها وردت عليه:
_عنيا حاضر.
غادرت لغرفة مكتبها بينما عاد يتابع عمله بانهاكٍ، فإذا بهاتفه يدق للمرة التي تخطت الرابعة والعشرون.
رفع عُمران شاشة الهاتف يتطلع لاسم المتصل ببسمة مستمتعة، هامسًا بخبثٍ:
_طق من غيظك أما نشوف مين فينا اللي بيتلوى دراعه يابن أشرقت!
انتهى الرنين وصدح صوت رسائل يستقبلها الواتساب، حرر عُمران الشاشة ليجد ثلاث ريكوردات منه، فتح أولهم وهو يلف بمقعده باستمتاعٍ:
_وبعدين معاك يا عُمران بكلمك من الصبح ومش بترد، انا عارف إنك متعمد ده.. بتعاقبني يعني ولا أيه مش فاهم أنا!!!!
الرسالة الاخرى بعد السابقة بساعة تقريبًا:
_طيب رد ونتكلم متعودتش يومي يعدي من غير ما تكلمني إنت!! عشان كده مشيت بدري امبارح!! لانك زعلان اني طلقت صبا، مهو أنا أكيد مخدتش القرار ده من فراغ يا عُمران، وانت عارف اني بشاركك كل حاجة بس في حاجات مينفعش احكيها… احترم قراري ورد عليا بدل ما والله العظيم أجيلك وأسيب أمي أنا قولتلك اهو.
الرسالة الاخيرة التي وصلت منذ ثوانٍ:
_ردتها يا عُمران ارتحت!! افتح بقى!!!!
تحررت ضحكة على وجهه، فأشرقته بجاذبية لا تخص سواه، فحرر هو زر الاتصال المتلهف إليه وما ان استمع لصوته يجيبه حتى قال بفرحة:
_مبسوط أوي إنك عقلت يا جيمي، خليك كده عاقل عشان أحبك.
انفجر به غاضبًا:
_انت يعني بتلوي دراعي عشان أردها يا عُمران!!!
ضحك مستهزءًا:
_احلف انك ردتها عشاني!
صمت الاخير وقال:
_بصراحة أول ما شوفتها مقدرتش أتحمل فكرة إني هبعد عنها!
_لانك بتحبها يا جمال، ويا سيدي أنا مش عايز اعرف سبب الطلاق ولا اللي بينكم كل اللي عايز أقولهولك ان خراب البيت مش سهل، أنا أكتر واحد جربت ازاي تعيش من غير أب، ومهما انت حاولت تحافظ على ابنك وتعوضه والله ما هتقدر طول ما أنت ووالدته بعيد عن بعض، فكر في ابنك وفي بيتك يا جمال، حاول ازاي تصلحه مش تخربه!!
وتابع بحزنٍ تعمق داخله:
_كلنا بنغلط، مفيش حد اتولد ملاك، ادي فرصة مرة واتنين لان حياتك مع الانسانة اللي بتحبها تستاهل إنك تعمل كده وتضحى، يمكن تغلط إنت النهاردة وتسامحك هي، وبكره الدور هيجي عليها وهتلاقي نفسك بتغفرلها وإنت راضي لانها سبق وقدمتلك العفو.
خليك واثق إن الدنيا عمرها ما هتكون وردي وبفراشات، لسه في تعثرات كتيرة جاية لازم تكون مستعدلها كويس.
_ماشي يا عم أحمد شوقي، هشوفك عند سيف النهاردة؟
باستنكار سأله:
_نعم!! انت ناوي تروح وتسهر، أمال ردتها والكلام اللي كنا بنرغي فيه ده أيه!! انت بتشتغلني ولا فاضي بروح أمك!!!
_آه من لسانك اللي عايز مقص مالوش فرامل يقصه ده.. يابني أنا اتنيلت ورجعتها بس بردو محتاج أحسسها بغلطتها عشان خايف تكررها يا عُمران.
حزن عُمران لما تسبب هو به رغمًا عنه، ولكنه أحرز نقطة ايجابية حينما نجح بضغطه عليه ليعيد حياته، فتنهد قائلًا:
_خلاص يا جمال زي ما تحب.. بس عشان خاطري الولد اللي جاي مالوش ذنب.
_عُمران متخنقنيش أكتر من كده… ها جاي بليل ولا أيه النظام؟!!!
أجابه بانهاكٍ:
_لا مش هقدر عندي شغل متلتل فوق دماغي، بسبب المول، هحاول أخلصه عشان الاسبوع الجاي هنكون أنا وانت في الموقع كل يوم.
_طيب مش هطول عليك… أشوفك بكره يا وقح!!
ضحك بسخرية:_مقبولة منك يا متهور!
وأغلق الهاتف ثم عاد لعمله، فقاطعه حسام سكرتيره الخاص يناديه:
_مستر عُمران، في واحد محامي بره مصر يقابل حضرتك وبيقول إنه جايلك في مسألة شخصية!
استند بظهره على المقعد، ويده تلهو بالقلم:
_وده عايز أيه ده!!
رفع كتفه بحيرة، فقال عُمران:
_دخله لما نشوف حكايته أيه!
خرج حسام يشير للمحامي:
_تفضل سيدي بإنتظارك.
ولج للداخل يصافحه وهو يردد برسمية باحتة:
_يشرفني مقابلتك وجهًا لوجه سيدي.
أجابه عُمران بفتور:
_أشكرك… تفضل بالجلوس.
جلس قبالته يردد بارتباك ملحوظ:
_سيدي، لقد جئتك بطلبٍ من احدى السجينات التي تبنيت الدفاع عنها، واليوم حينما فشلت باخراجها طلبت مني الحضور إليك بشكلٍ خاص وآ…
قبل أن يستكمل كلمة واحدة سأله عُمران بصوتٍ محتقن:
_ما إسمها؟
لعق شفتيها بتوترٍ:
_ألكس!
واستكمل قبل أن يتحرر وحش عُمران:
_طلبت مني إخبارك بضرورة زيارتها لتخبرك أمرًا هام متعلق بآ…..
أطاحه عُمران عن مقعده، ودفعه للحائط هادرًا بانفعالٍ شرس:
_كيف تجرأ على الحضور هنا وذكر إسم تلك العاهرة أمامي!!
فتح باب المكتب ومن ثم دفعه بالخارج أرضًا وأشار له بتهديدٍ:
_إن أتيت إلى هنا مجددًا أعدك أنك لن تخرج حيًا أيها المعتوه.
وصرخ بعنفوان:
_حســــــــام اطلب (Security Guard السيكيورتي جارد) من تحت يرمي الكلب ده من هنا، وممنوع يظهر في مكتبي مرة تانية والا مش هيحصلك كويس.
وتركه وولج لمكتبه يغلق بابه بقوةٍ، وعاد لمقعده ينظم أنفاسه حتى هدأ تمامًا.
********
دس مفتاحه بباب الشقة، ولج بالأكياس الضخمة التي يحملها يناديها وعينيه تفتش عنها:
_ســـــــــدن!
عاد يكرر ندائه والاخرى تقف مندهشة أمام مرآة المرحاض، فخرجت تقف أمامه مرددة كالبلهاء:
_أهناك فتاة هنا غيري!
التفت تجاه الصوت وسريعًا ما استدار، يضع يديه على عينيه صارخًا:
_كيف تخرجين أمامي كذلك ألا تخجلين يا امرأة!!
انزوى حاجبيها البني باستغرابٍ، فشملت ذاتها بنظرة متفحصة، كانت تحيط جسدها بمنشفة ضخمة لا تبرز شيئًا منها الا كتفيها، ومنشفة أخرى على شعرها، رددت آديرا ساخرة:
_بربك يا آيوب أرتدى ثيابًا أقصر من تلك المنشفة! إنها محتمشة عن كل ملابسي!
وجد أنها تمتلك كل الحق، ولكنه ظل كما هو، وناولها أحد الأكياس قائلًا:
_لقد اشتريت لكِ ثيابًا جديدة، ارتدى منها الآن واخرجي لنتحدث قليلًا.
جذبت منه ما يقدمه، وقالت بفضول:
_هل ستقص لي عن أمر تلك السدن المسلمة والحقيقة التي تحدثت عنها بالأمس؟
أومأ برأسه وقال:
_سأفعل ولكن ترتدى ملابسك أولًا.
اتجهت لاحد الغرف وتفحصت ما بالأكياس، فوقفت مبهورة من الفساتين بسيطة التصميم، انتقت احدهم وارتدته، فجحظت عينيها بانبهارٍ تام، وانطلق صوت ضحكاتها المجلل وهي تدور بسعادة أمام المرآة.
هرعت للخارج تصرخ بحماسٍ لذلك الذي يتحدث بالهاتف مع آدهم الذي يخبره بأنه بالاسفل بصحبة علي، ليجد تلك التي تصيح:
_أنظر آيوب لقد أصبحت كالأميرات!
قالتها وهي تلف وهي تفرد ذراعيها بسعادة، انزلقت الكلمات عن فمه، فبقى يراقبها بانبهارٍ، كانت فاتنة بكل ما تحمله الكلمة بهذا الفستان الأسود المحتشم، كان يهبط باتساع لا يحدد منها أي شيء سوى جمال وجهها وتأنقها باحتشام تام.
لاول مرة يراها جميلة حقًا، رغم وجهها المتورم، لم يغريه جمال العري وكشف ستر جسدها بطريقة كانت تجعله يشعر بالنفور دائمًا تجاهها، والآن قد تيقن بأنها باتت مصدر أشد خطورة عليه.
أفاق من غفلته على صوت آدهم:
_يابني روحت فين أنا تحت البيت هتنزل ولا أيه؟!
رد عليه بعد استيقاظه:
_نازل حالًا.
وأغلق الهاتف، ثم تابعها وهي تعود إليه مجددًا حاملة الحقيبة، تخرج منها فستانًا وراء الأخر وتهاتفه بسعادة:
_أريت إنه جميل حقًا!! انتظر سأجرب هذا.
أوقفها قائلًا:
_انتظري سدن أريد أن أخبرك بشيءٍ.
تأففت بضيق:
_لماذا تناديني بهذا الأسم الغريب، اسمي هو آديرا.
اقترب منها يجيبها برفق:
_ألم تعتنقي الدين الاسلامي بلندن؟
هزت رأسها بتأكيدٍ، فقال:
_حسنًا لن يظل إسمك آديرا بعد.
بانزعاج قالت:
_ولماذا سدن بالتحديد؟! هل كان أخي يعلم بأنني سأعتنق الدين الاسلامي لذا اشتري لي هذا السلسال؟!
امتص انزعاجها حينما قال بحنان:
_سأجيبك على كل أسئلتك أعدك بذلك، ولكن علي الذهاب الآن، أصدقائي بالأسفل ينتظروني، وإلى، أن أعود لا أريدك أن تخرجي من المنزل مثلما فعلتي بالأمس… هل تعديني؟
بدى المكر مختبئ بخضرة عينيها، ولكنها هزت رأسها تؤكد له:
_حسنًا..
وجذبت وشاحًا قد وجدته بالكيس البلاستيكي قائلة ببسمة جعلته لا يود رفع عينيه عنها:
_سأسمح لك بالذهاب أن عقدت لي هذا الوشاح كما أرى على السيدات هنا.
منحها ابتسامة رائعة وقال:
_سأفعل بكل تأكيد.
وبالفعل أحاط آيوب شعرها برابطة تخصها، ليعكصه على شكل دائري، ثم وضع لها حجابًا صغيرًا ترتديه أسفل الحجاب الخارجي.
وضع الحجاب الخارجي عليها ووضع الابرة بمنتصف الحجاب، ثم وضع طرفيه على كتفيها، ووقف يتفحصها هامسًا دون ارادة منه:
_بسم الله ما شاء الله!!!
دغدغها مشاعر تزورها لأول مرة، كانت حزينة حينما ترى النفور منه، ولأول مرة تراه مبهورًا بجمالها، فشعرت بأنها ملكة قبل أن تخطف نظرة لنفسها بالمرآة، يكفيها أنه يراها بهذا الجمال.
شردت بذلك الرجل العظيم، الذي لا يغريه العري بل الاحتشام، احترمته كثيرًا واحترمت دينه الذي يجعله يكن كل الاحترام للمرأة ولزوجته بشكلٍ خاص، لذا تحمست لخطوتها التي تخطط لها منذ الصباح، فوقفت بالشرفة تراقبه وهو يصعد لتلك السيارة الضخمة ويغادر بها الحارة.
******
بمنزل الشيخ مهران.
طرق يونس الباب مرتين متتاليتين حتى فتحت الحاجة رقية الباب، فقالت بابتسامة رائعة:
_ادخل يابني واقف بره ليه؟
بجمودٍ وتحفظ قال:
_قولت لحضرتك مستحيل أدخل مكان هي فيه، عايزك تناديها محتاج أتكلم معاها في شيء.
وتابع بتحذيرٍ:
_ويا ريت تقوليلها تلبس نقابها لاني مش طايق أشوف خلقتها.
أومأت بحزن:
_حاضر يا يونس.
وبالفعل ما هي الا دقائق وخرجت برفقتها، تطالعه عينيها الباكية بحيرةٍ، تهرب من نظراتها وقال:
_هو سؤال واحد هسألهولك وبعدها همشي على طول.
هزت رأسها اشارة له، فتابع بعد مجاهدة بالحديث:
_فارس ابني؟!
تجمدت الحاجة رقية محلها ما بال تلك الهزيلة، سقطت دموعها تباعًا وبدت عاجزة أمامه، مما دفعه للضحك بسخرية مؤلمة:
_هو السؤال ده صعب للدرجادي!! ولا إنتِ من كتر خياناتك مبقتيش عارفة مين أبوه!
_أيه اللي بتقوله ده ، بتخوض في عرض الولايا يا يونس!!
كلمات صرخت بها الحاجة رقية غاضبة، ولكنه تجاهلها وصرخ بمن تقف مرتجفة أمامه:
_سألتك سؤال انطقي!
أجابته بصوتٍ مرتعش:
_معتز أبوه.
طعن قلبه دون رحمة منها لمرته الثانية، ومع ذلك استكمل بثبات:
_وأيه اللي يثبتلي انك مبتكدبيش؟
تركته وولجت للداخل ثم عادت له بحقيبة يدها تخرج إليه الشهادة المزورة، فما أن طالعها يونس حتى أغلق عينيه بألمٍ، وألقاها إليها بغضب واستحقار، كيف سمحت له بالتقرب إليها؟ كيف سمحت بأن تحمل جنينه!
خشيت خديجة أن يكون صمته يعني بأنه لا يصدقها، فقالت؛
_ولو عايز تتأكد أكتر اعمل تحليل واتاكد مش همنعك.. أنا مستحيل أنسب ابن لأب مش أبوه!
ابتسم ساخرًا ونطق:
_اللي سبق وخانت تعمل أكتر من كده.
وتركها وغادر دون أن يلفظ بكلمة اخرى، فتعالت شهقاتها الباكية بصوتٍ مزق قلب رقية، فضمتها إليها وهي تردد بقلة حيلة:
_حلها من عندك يا رب!!
********
بسيارة آدهم.
كان آيوب منشغل بالحديث مع علي عن حالة يونس، بينما هو شاردًا، حزينًا، فلقد تلقى بالامس نتيجة الفحص وقد كان ايجابيًا كما توقع هو وأبيه، اذًا آيوب هو أخيه بنسبة مئة بالمئة، لا يعلم كيف سيصارحه بالأمر.
لمحه يبتسم لعلي، فابتسم بدوره هو الاخر وبداخله يقسم أن لا يدع الحزن يطرق بابه.
توقفت سيارته أمام المحل الرئيسي الخاص بيونس، فهبطوا ثلاثتهم واتجهوا للداخل، فوجدوا ايثان بالداخل.
استقبلهم بحفاوة واخبرهم أن يونس بالطريق، جلسوا على المقاعد ينتظرونه، وما هي الا دقائق وولج يونس ملقيًا السلام فأجابوه جميعًا، ونهض إليه آيوب فتعجب من رؤية الغضب يحيل عينيه، فاستغل التهاء ايثان بالحديث مع آدهم وعلي وجذبه جانبًا يصيح من بين اصطكاك أسنانه:
_كنت عارف إن الخاينة دي في بيتك ومقولتليش، لا وكمان رافعلها قضية خلع!!
ابتلع آيوب ريقه بتوتر وقال:
_مكنش ينفع أتخلى عنها يا يونس، جوزها راجل معندوش رحمة وآ..
قاطعه ساخرًا:
_وأيه يابو قلب رهيف، ولا تكنش أغريتك وكلت بعقلك حلاوة إنت كمان، فعايز تطلقها منه وتتجوزها انت!
جحظت أعينه بصدمة، وقال:
_أيه اللي بتقوله ده يا يونس!!! أنا الست اللي كانت في يوم مرات أخويا محرمة عليا ليوم الدين!!
أخفض عينيه أرضًا وقال بحرجٍ:
_أنا آسف يا آيوب، بس لما شوفتها عند عمي وأنا هتجنن..
ربت على كتفه وهدر بتفهمٍ:
_ولا يهمك المهم تعالى أعرفك على علي صاحبي من لندن.
خرج برفقته واتجه إليهم، جلسوا قبالتهم، فأشار آيوب عليه:
_ده الاستاذ علي أخو عُمران صديقي اللي كنت بتكلم معاه.
صافحه يونس بودٍ، بينما مد إيثان يده يصافحه بحرارة:
_أنا أعرف أخو حضرتك وأتمنى أنك تقنعه يشتغل عندي(عارض أزياء Fashion model) ، عنده كاريزما وحضور رهيب.
ضحك علي وأجابه:
_بلاش تشتغل مع عُمران في شيء مهم وشايفه حلم لآنه مش بس هادم الأحلام والملذات ده هيفرم حلمك ويحشيه في صينية مكرونة بشاميل، وإسأل آيوب هو أكتر واحد هيعرف يديك معلومات عن الطاووس الوقح!
ضحكوا جميعًا، فأكد آيوب:
_والله بحاول أقنعه مش راكبة معاه!
زفر إيثان بضيق:
_طيب ليه ميبقاش طيب وعِشري زي حضرتك كده؟
ردد آدهم ضاحكًا:
_عُمران وطيب في جملة واحدة!! يا كابتن إيثان خليك في جيمك تدرب عضلات الناس بدل ما بعد كده تحتاج اللي يدربلك عقلك عشان يرجع طبيعي زي ما كان!
ابتلع ريقه بارتباكٍ وقال:
_ليه هو مجنون؟
انفجروا ضاحكين، الى أن قال آدهم بصعوبة:
_لا وقح ومعندهوش حدود.. وأدي أخوه اسأله!
كان علي يتابع يونس بدقة، جعلت آيوب ينهض وهو يشير لايثان:
_تعالى بره عايزك.
وعلى الفور لحق بهما آدهم لعلمه المسبق لما يحدث هنا، وقبل أن يخرج وضع مفاتيح سيارته لعلي قائلًا:
_المفاتيح أهي يا علي، يادوب ألحق مشواري قبل معاد الطيارة بليل.
شاكسه ببسمة جذابة:
_ماشي يا حضرة الظابط بس خد بالك من المية واليخت، مش عايز مشاكل مع عُمران أنا!
رفع يده لعينيه:
_شمس في عنيا الاتنين، حتى لو وصلت أكون مركب نجاة ليها مش هتأخر.
أشار له ضاحكًا:
_طيب الحق وقتك لإنه بدأ ينفذ.
أشار بيده بسلامٍ عاجل وخرج على الفور، بينما بقى علي قبالة يونس يتابعه ببسمةٍ هادئة، فشقها قائلًا بمكرٍ:
_من ساعة ما قعدنا وأنا ملاحظ إنك ساكت ومش بتتكلم خالص، ده حتى صاحبك بيتكلم وبيضحك أكتر منك.
استند بظهره للمقعد وقال ببسمة ساخرة؛
_وأيه اللي يخلي الواحد يفرح ويجيله نفس للكلام!
بدأ بدوره بمهارةٍ، فتابع على نفس المنوال:
_وأنت فاكر إن كل اللي، حواليك دول معندهمش اللي يخليهم بحالتك دي أو أبشع منها، بس الأغلب بيتناسى اللي بيواجهه وبيحاول يتجاهله عشان يقدر يعيش.
ربع يديه حول صدره وتابعه بقوله المستهزأ:
_مفيش شخص بيقدر ينسى، كل ده كدب.
مال علي بجلسته للأمام وقال مبتسمًا:
_هي صحيح كدبه بس هما كمان بيحاولوا يشوفوها كده عشان يكملوا الحياة اللي لو وثقوا إن اللي شافوه حقيقة وواقع حياتهم هتتدمر، زي ما أنت بتدمر حياتك كده يا يونس.
اتسعت حدقتيه بدهشةٍ:
_تقصد أيه؟!
اتسعت ابتسامته وقال بصوته الرخيم:
_اللي شوفته في حياتك أيًا كان صعوبته فلو محاولتش تسيطر عليه هيدمر اللي باقي من حياتك، وهيخليك محلك سر، أول ما تلاقي نفسك واقف تحارب وتبعد عن كل ذكريات المؤلمة دي إعرف إنك اتغيرت وبقيت قوي وقادر تقف قدام نفسك وتهزمها.
رمش بعدم استيعاب، شعوره بالارتياح لحديث هذا الشخص أرغمه على سؤاله بذهولٍ:
_إنت مين؟!!
أجابه ببسمةٍ جذابة:
_دكتور علي الغرباوي دكتور نفسي وأكتر حد ممكن يساعدك.
نهض يونس عن مقعده هادرًا بعصبية:
_آه عشان كده آيوب جابك، سيادته شايفني مجنون!!!
لم تتلاشى ابتسامته بل تابع ومازال جالسًا بثقةٍ وثبات مهيب:
_الدكاترة النفسية مش تخصصهم علاج المجانين يا يونس، وعشان أكدلك المعلومة كلنا محتاجين لدكاترة نفسية حتى أنا بحتاج لنفس الشيء، محدش سليم نفسيًا بنسبة مية في المية، كلنا جوانا وجع مدفون، كلنا بننجرح وبنتألم لإننا بالنهاية بني آدمين.
وتابع وقد انتصب بوقفته برزانة:
_في اللي بيقدر يتخطى مواقفه الصعبة لوحده وفي اللي بيحتاج لحد يأخد ايده وهنا الفرق.
ارتخت تعابيره المشدودة رويدًا رويدًا، فانحنى علي لسطح مكتبه وجذب قلمًا وورقة، وأخذ يدون رقمًا أسفل نظرات يونس التي تراقبه.
انتصب بوقفته بعدما ترك الورقة على سطح المكتب وقال:
_في ناس حواليك بتحبك وبتتمنى إنك تكون كويس، وأولهم آيوب اللي اترجاني أخبي عليك إني دكتور نفسي عشان مشاعرك، بس في حالتك وشخصيتك اللي كونت عنها فكرة سريعة لقيت إن الصدق بينا هيكون أسرع طريقة إنك تكون أفضل.
واستطرد مشيرًا للورقة:
_ده رقم تليفوني أنا راجع لندن بليل، لو حابب تكمل معايا اتصل بيا لو مش حابب براحتك محدش هيجبرك، لإن لو إنت اللي مختارتش تساعد نفسك بنفسك يبقى لا أنا ولا غيري هيقدر يساعدك.
ومنحه ابتسامة أخيرة قائلًا:
_اتشرفت بمعرفتك يا يونس… عن إذنك.
وتركه وغادر بينما يونس سقط على المقعد حائرًا، مرتبكًا، يشوبه الاختناق، لا يعلم ماذا يفعل؟ لكن كل ما يعلمه أنه شعر بالارتياح الحديث لهذا الشخص الذكي!
******
انتهى الشيخ مهران من تلاوة ورده اليومي بخشوعٍ تام، مستغلًا بقائه بمفرده بالمنزل بعد ذهاب الحاجة رقية برفقة خديجة للطبيب، وتركوا فارس معه فوضع له الألعاب وجلس يقرأ ورده.
تعالت الطرقات ودق الجرس فنهض الصغير يفتح الباب، وقف حائرًا أمام تلك المرأة، مما جعل الشيخ يصدق بالله العظيم وينهض ليرى من القادم.
وقف حائرًا أمام تلك الفتاة، فسألها باستغراب:
_انتي مين يا بنتي، وعايزة مين؟
أدمعت عينيها برعبٍ مما هي قادمة لفعله، فرفعت كفها إليه وفتحته، فرأى بيدها سماعتين صغيرتين الحجم، تطلع لها وقال باستغراب:
_ده أيه؟ مش فاهم؟!
وحينما دقق النظر لها ثارت معالمه بغضبٍ عارم، فأشارت له بالسماعة على أذنيه ففهم بأنها تود أن تتحدث معه والسماعة تلك ما هي الا طريقة ليتمكن من فهم حديثها، اندهش بالبداية لرؤيتها بملابس محتشمة وحجابًا جعلها رائعة، لذا رضخ لها ووضع السماعة مثلما مدت يدها ووضعت من أسفل حجابها الاخرى وقالت:
_أريد الحديث معك شيخ مهران، لقد أتيت لمصر من أجل اللقاء بك، أرجوك امنحني فرصة الحديث إليك… آيوب بريء لم يتزوج بي الا لحمايتي من عمي، وبفضل آيوب والظابط المصري تخلصنا منه بعد ان اختطفني أنا وآيوب، كان يريد ان يقتلني يا سيدي!!!
بدد غضب الشيخ وشعر بأن تلك الفتاة تحمل بجعبتها الكثير، ربما ظلم ابنه الوحيد وهو يرغب أن يكون احتماله صائبًا وكم يتمنى أن يكون كذلك.
أشار لها بهدوءٍ:
_تعالي ادخلي.
استمعت لصوت المترجم، فابتسمت بسعادة وكأن العالم ابتسم لها، ولجت للداخل ولحق بها بعدما ترك بابه مفتوح على مصرعيه، وجلس على بعد منها يسألها بقلقٍ:
_آيوب اللي عمل فيكي كده؟!
انتظرت قليلًا لسماع المترجم، وما أن فهمت ما قال حتى أشارت بجنون:
_لا لا سيدي لم يفعل بي كذلك، آيوب شخصًا طيب القلب لا يفعل كذلك أبدًا.
وبحزنٍ قالت:
_بالأمس كان حزينًا بعد ما حدث بينكما، فأخبرني بأنه لم يتزوجني الا لحمايتي كما كنت أعلم وحينما شعرت بأنني سبب تعاسته رحلت ليلًا وتعرض لي بعض الرجال لولا أن أنقذني هذان الشابين اللذان كانوا هنا بالأمس.
هز الشيخ رأسه وقال:
_طيب قولي اللي انتي جاية تقوليه عشان ميصحش قعدتنا كده يا بنتي.
وكأنها محاميًا امتلك فرصة الدفاع عن متهمًا بريء، وهي ستجيدها لاجل ذلك الشاب الخالوق، فقالت بلهفة:
_يا سيدي أنا فتاة يهودية ولدت يتيمة، لم يكن لي أحدٌ الا أخي وعمي، كان هو المسؤول عنا ورأيت فيه الأب الذي حرمتني منه الحياة، رأيته أماني وفجأة تبددت صورته المزيفة ورأيته شيطانًا يريد انتزاع روحي!! روح ابنته!
قالتلها ببكاءٍ جعل قلبه يرق لها، واستطردت دون أن تلتقط أنفاسها خشية من أن يطردها دون سماع براءة آيوب كاملة:
_إلتحق أخي للجامعة، ومن حينها وأصبح شخصًا مختلفًا عما كان عليه، شك به عمي وراقبه ليعلم بعدها بأنه اعتنق الدين الاسلامي على يد مصري، جن جنونه وأراد ان يجعله يعود عن دينه.
انهمرت دموعها وقالت:
_رفض وقطع علاقته بعمي وابتعد، إلى أن أتاني خبر وفاته بطريقة كسرت احدى أجنحتي، فكان هو جناحي الأيمن وعمي جناحي الأيسر، أصبحت دونه عالقة لا أستطيع أن أحلق وأنا أملك جناحًا واحدًا..
زرع عمي الكره والحقد لهذا الشاب المصري الذي غوى أخي وجعله ينفر من ديانته، ومن ثم قام بقتله، وهددني إن لم أقتله سيقتلني هو، لذا كنت مرغمة على البحث عنه وقتله.
برق الشيخ بصدمة مما خاضه ابنه دون أن يحدثه شيئًا، فتابعت بندمٍ:
_أجل سيدي هذا الشاب الجامعي هو آيوب، ومن تجلس أمامك هي نفسها تلك الفتاة العبرية التي حاولت قتله لأكثر من خمسة مرات، وكل مرة ترتعش يدها أمام صلابته وشجاعته، حتى الخوف لم أراه يومًا بعينيه.
تمردت شهقاتها بصوتٍ عالي، وقالت بخزي صريح:
_وفوق كل ذلك قدم لي السكن والمال والطعام، دون أي مقابل يا سيدي!
وتطلعت بعمق عينيه الباكية ندمًا على ما اقترفه بحق ابنه ويده التي طالت وجهه، فقالت ببكاء:
_أتعلم كنت أرى نظرات الأعجاب والرغبة بعيون الرجال تنهمش جمالي الا هو!
وبثقةٍ قالت:
_هو ليس مثلهم يا سيدي، أقسم بقسم آيوب أقسم بالله الواحد الأحد أنه لم يمسني حتى بنظرة منه حتى بعدما أصبحت زوجته!
شخصًا تقيًا مثله أرغمني على الشك بأمر كونه قاتلًا أو إرهاربيًا مثلما أوهمني عمي، هُدمت ظنوني تجاهه وقد صدقت حينما تأكدت بإن عمي هو من قام بقتل أخي بعد أن قام بتعذيبه ليرتد عن دينه.
ورفعت يدها تشكو له باكية:
_أخبرني يا عم الشيخ كيف يمكن للأب أن يقتل ابنه ويحاول قتل ابنته؟
توسلت له أن يتركني ولكنه لم يفعل، ضربني وكسر عظامي والأصعب لي هو كسر جناحي المتبقى فلم يعد لي ما أستطيع الحياة لأجله، ألقاني بعدما طعنني بالسكين وكنت قد استسلمت للموت لولا رؤيتي لآيوب بمنامي لما استيقظت وتحاملت على اصابتي وذهبت إليه بشقة صديقه الذي كان يقطن بها لأسكن شقته دون أن يشاركني بها.
تابعت ببكاء، جعله يبكي هو الاخر:
_رأيته بحُلمي يحملني على ظهره ويطوف بي حول الكعبة التي أخبرني عنها مرة، تعجبت لحلمي الغريب كنت اظن أن أخي من سيزورني بأخر أنفاس لي بالحياة ولكن آيوب من فعل.
السعادة التي رأيتها بحلمي منحتني العزيمة للفرار من مستنقع عمي، وحينها جُبر أن يتزوجني لإنه رفض أن يبقيني معه دون عقد زواج.
وانهارت أسفل الأريكة باكية، تزحف إليه وتتمسك بيده تردد ببكاء حارق:
_أرجوك سامحه يا عم الشيخ، أقسم أنه لم يعتبرني يومًا زوجته.
نهض مهران وعاونها على النهوض قائلًا ببكاء:
_قومي يا بنتي …أنا غلطت في حقه ولازم أعتذرله.
هزت رأسها بابتسامة سعيدة وقالت تدعمه:
_نعم…نعم سيدي لقد ظلمته بكل تأكيد، كان يحميني من عمي وحينما اختطفنا أخبرني بأن أخي وضعني بأمانته قبل موته لهذا كان يحميني، حتى أنه لم يطالبني باعتناق دينه أنا من فعلت وصديقه عُمران من دعمني على ذلك، وحينما سألته ماذا ينبغي علي فعله بعد نطقي بالشهادتين أخبرني أن الشيخ مهران والد آيوب الجدير بفعلها.
وازاحت دموعها وقالت برجاء الا يخذلها:
_هل يمكنك أن تأخذ يدي لأعرف قواعد الدين وكيفية اداء صلاتي يا سيدي؟
أغلق عينيه يعتصر تلك الدموع، لقد جعله ابنه فخورًا به، والآن يمنح شرف توبة تلك الفتاة، فتح عينيه الباكية وقال:
_أنتي من النهاردة بنتي وده بيتك، وزي ما ساعدت ناس كتير هساعدك يا بنتي.
انحنت تقبل يده ببكاء فربت على حجابها وهو يبعد يده:
_العفو يا بنتي.
ابتسمت بفرحة كبيرة، ولكنها عادت تسأله بحبٍ:
_هل يعني ذلك بأنك سامحت آيوب ولن تعود لضربه مجددًا؟!
اتسعت ابتسامته وقد قرأ حبها الواضح لأبنه ، ولكنه لم ينزعج إن كانت بالطهارة والعفة التي التمسها بحديثها ورغبتها بتعلم اصول الدين فسيكون فخورًا بها كزوجة لابنه الغالي آيوب، جلى صوته الوقور وقال:
_مش هضربه، هأخده في حضني أكيد.
ابتهجت كثيرًا وقبل أن تضيف كلمة واحدة استمعت لطرق باب المنزل، تركها الشيخ مهران وخرج للباب، فوجد آيوب يقف على عتبة بابه المفتوح، رفض أن يدلف خشية من أن يطرده أبيه ففضل البقاء ودق الجرس.
خرج اليه الشيخ مهران بأعين حمراء من فرط البكاء، ليتفاجئ به يقف حزينًا، وما أن رأه حتى قال بلهفة:
_بابا أرجوك متطردنيش أنا والله مقدر على زعلك ولا على غضبك عليا.
أمسك أيوب يده وقبلها وارتفع بقامته يضع قبلة على رأسه هاتفًا بحزن:
_حقك عليا والله كنت هحكيلك كل حاجة بس مكنش الوقت مناسب، خديجة وخروج يونس كل ده لخبط الدنيا، بس أنا جاهز أحكيلك كل حاجة.. بس اسمعني انت ومتطردنيش تاني.
وسأله بصوتٍ وضع فيه كل ألمه:
_هتدخلني يا بابا؟
جذبه الشيخ مهران باكيًا لاحضانه، ويده تحاوط رأسه بقوة، مرددًا ببكاء:
_هدخلك حضني وبيتي وكل اللي أملكه في حياتي يابني… حقك عليا يا عوضي في الدنيا بعد صبر عشرين سنة..
ربت آيوب على ظهر أبيه وردد ببكاء هو الاخر:
_طيب بتعيط ليه شيخ مهران، أنا عمري ما شوفتك بتعيط!!!!
ابتعد عنه وجذبه للداخل ثم أغلق الباب من خلفه وقال:
_ليه يا آيوب؟ ليه محكتليش على كل اللي عشته في بلاد بره، كده تخبي عني كل ده حتى لما خطفوك وحولوا يقتلوك!!
برق بدهشة وسأله:
_مين اللي قالك الكلام ده آدهم؟!
أتاه الرد من خلفه، صوتها المتساءل:
_أين ذهبت يا عم الشيخ؟!!!!
استدار خلفه بصدمة جعلت عينيه على وشك الخروج من محجرهما، وبصعوبة ردد:
_آديرا!!! بربك يا فتاة ماذا فعلتي تلك المرة؟!!!!
********
على الطائرة المتجهة إلى لندن، كان علي يقرأ باحدى كتبه وهو يبتسم لتخيله فرحة زوجته بحضوره المفاجئ بعد أن حذر شمس من اخبار أحد بعودتهما، ولجواره مالت شمس على نافذة الطائرة تحتضن سلساله برقبتها بشرودٍ وابتسامة تركتها ذكريات هذا اليوم الذي من المستحيل لها نسيانه، تتذكر كيف قضت اليوم برفقته على يخت من أروع اليخوت الذي رأته في حياتها، تتذكر ما ان خطت قدميها اليخت حتى استدارت اليه ورددت:
_واوووو يا آدهم اليخت تحفة بجد وشكله غالي أوي اوي، هو بتاعك؟
منحها ابتسامة مهلكة وأجابها وهو يتجه للقيادة:
_أنا آه مرتاح ماديًا بس مش لدرجة إنه يكون عندي يخت غالي أوي كده يا شمس، ده بتاع القائد بتاعي أداني مفتاحه النهاردة علشان أخرجك بيه لما عرف إنك راجعه لندن.
اتجهت إليه وضمته من ظهره، فقال بخبث:
_متقلقيش يا شمس هانم هقدر أعيشك في مستوى قريب من اللي إنتِ عايشة فيه.
تلاشت ابتسامتها وتراجعت عنه تهدر بانفعال:
_أيه اللي بتقوله ده يا آدهم، مستوى أيه اللي بتتكلم عنه!!! أنا حبيتك لشخصك إنت! حبيتك وأنا كنت فاكراك مجرد بودي جارد عادي!! وحبيتك بردو وانا فاكرك سفاح ومجرم زي راكان، جاي دلوقتي وتكلمني عن المستويات!
وقف القيادة واستدار لها يمسك يديها:
_حبيبتي عارف كل اللي بتقوليه ده، أنا كنت بهزر معاكي ومش هكرر هزاري السخيف ده تاني أوعدك.
منحته ابتسامة هادئة، فعاد لقيادته لتقترب مجددًا وتضمه باستكانة جعلته سعيدًا، وخاصة حينما همست له:
_عرفت ليه لقبتك بالكابتن، أديك بتسوق اليخت أحسن من أجدعها قبطان أو كابتن طيران!
وتابعت وهي تغلق عينيها بنعاسٍ:
_قولي حاجة واحدة مبتعرفش تعملها!!
ضحكة تلو الاخرى حتى انفجر بنوبة من الضحك جعلتها تتجه له وتتساءل بفضول:
_بتضحك ليه؟
قال ليثير فضولها أكثر:
_أقولك بس متضحكيش.
هزت رأسها تؤكد له، فقال ضاحكًا:
_العجلة! بفضل الله تلاقيني مع الدبابات ماشي، طيارات ميضرش، عربيات تلاقي، سفن ميضرش، موتوسيكلات شغال، الا العجلة كل ما بحاول أركبها بقع بيها زي الأهبل اللي ساب هيبته في بيته قبل ما يخرج، مع إني في التدريب عندي جهاز شبيه بيها بس بردو فاشل فشل ذريع فيها، لذا حفاظًا على ماء الوجه بطلت أبص عليها مجرد نظرة بريئة.
استمعت له بعناية وضحكت وهي تستمع له باستمتاع، قص لها عن مواقف طريفة تعرض لها حينما كان يتدرب، أو بعملياته الخاصة.
ساعات مضت عليهما حتى غروب الشمس، تلك اللحظة التي قضوا بها تناول الطعام كانت رائعة وحولهما المياه والغروب يلطف الاجواء.
وبعدها جلسوا على سطح اليخت يراقبون الغروب باستمتاعٍ.
خُلقت بينهما مشاعر جياشة دون أي تجاوزات، كان أمينٍ عليها أكثر مما توقعت، تأكدت للحظتهما الأولى بأنه سيضعف أمامها لا محالة، ففاجئها حينما عافر رغباته بسيطرةٍ تامة، وقد تهيئ لأن يبقيها بأمانٍ حتى من نفسه.
اكتسبت شمس ثقة جديدة عن تلك التي تمنحها لعائلتها، ثقة تجيد طعمها لمرتها الأولى، فابتعدت وتعمقت بحدقتيه لتحرر الكلمات عن أنفاسها المتسارعة:
_أنا بعشقك يا كابتن!
ارتسمت ابتسامة جذابة على وجهه، يده تتشابك بين خصلاتها الحريرية وتجذبها لتميل على كتفه بحمايةٍ، وهمس لها بصوتٍ مغري أشعل من عذابها:
_وأنا ميت فيكِ يا شمس هانم!!
أفاق من شرودها على صوت علي:
_يلا يا حبيبتي وصلنا، انتي نمتي ولا أيه؟!
هزت رأسها نافية، ولحقت به حتى صعدت بالسيارة التي تنتظرهما، فما أن وصلوا للمنزل حتى صعدت شمس لغرفتها بانهاكٍ .
أما هو فقد عاد للمنزل يحمل شوق العالم بأكمله للقائها، لا يعلم كيف مر ذلك الأسبوع عليه ليعود إليها، كان يعلم بأنه سيجدها تغفو بفراشها مع قرابة الساعة الواحدة صباحًا، تلاشت ابتسامته الجذابة وتبخرت حينما وجد فراشه مرتبًا وكأنها لم تبيت يومها به!
ظن أنه سيجدها بغرفتها الجانبية فاتجه إليها يناديها بشوقٍ ولهفة:
_فطيمــه!
تجعدت ملامحه بدهشةٍ حينما لم يجدها أيضًا بغرفتها، فأسرع للطابق الأول قاصدًا غرفة والدته، طرق الباب أكثر من مرةٍ فلم يجد أحدٌ، حتى عمران وشمس، فهبط للأسفل ينادي أحد الخدم الذي استيقظ على الفور يجيبه بوقارٍ:
_ما الأمر سيدي؟
سأله علي بقلقٍ يكاد يمزقه:
_أين الجميع؟
أجابه الخادم مسرعًا:
_السيدة مايسان هاجمها ألمًا مفاجئًا فحملها السيد أحمد وذهبت برفقته السيدة فريدة للمشفى، أما السيدة فاطيما والسيد عمران لم يعدان بعد من الخارج.
ضيق عينيه باستغرابٍ، وجذب هاتفه مشيرًا له:
_عد لغرفتك.
هاتف علي فطيمة وعمران ولكن لم يجيبه على مكالماته، فكاد أن يجن من فرط قلقه لما يحدث هنا، كيف يتسنى لعمران ترك مايا وهي بتلك الحالة ويذهب بهذا الوقت برفقة فاطمة!!
هاجمه عقله دون رحمة، وأقصى ما يخشاه أن تكون قد هاجمت فاطمة نوبة أو حدث بها سوءًا، جذب هاتفه مجددًا وطلب أحمد الذي أجابه على الفور:
_أيوه يا حبيبي، عامل أيه؟
_أنا كويس يا عمي، طمني انت مالها مايا؟
أتاه صوته المرهق يجيبه:
_مفيش حست بتعب وعمران مكنش موجود فجبناها المركز ليوسف.
أسرع بسؤاله لما وجده هام:
_عمران فين لحد دلوقتي وفاطيما مرجعتش؟
_عمران وفاطيما اتاخروا النهاردة، وأخر مرة كلمت عمران قالي إنه كان عنده اجتماع مهم هيأخره بره جايز يكون صمم يرجع فاطيما معاه.
أغلق علي الهاتف بعدما استمر بهدوئه مع عمه، وجلس على أحد المقاعد يحاول تهدئة ذاته، يكفيه أنها الآن باتت أكثر نضجًا وقوة أهلتها للتعامل مع العالم الخارجي، ولماذا قد يشعر بالقلق وأخيه لجوارها!
اقتحم صوت سيارة عمران مسمع علي، فنهض عن مقعده واتجه للشرفة يراقبه بتمعنٍ، فاتسعت عينيه بصدمة جعلته يتجمد محله لا يقوى على الحركة قيد أنامله، وبالكد استدار بجسده ليكون مقابل لباب المنزل الذي انصاع لمفتاح عمران ودفعة قدمه الخافتة جعلته يتسع لمرورهما معًا!
اتجه عمران بخطواتٍ بطيئة للمصعد، وقبل أن يخطو منه توقف وهو يتطلع ذاك المتيبس من أمامه، فهمس بذهولٍ:
_علي! إنت رجعت أمته؟
بقى جامدًا وجهه خالي من التعابير، حدقتيه تنخفض رويدًا رويدًا على تلك المستلقية على ذراع أخيه، وكأنها فاقدة الوعي!
ابتلع لعابه بتريثٍ وهو يجاهد لتماسك انفعالاته، وبدأ يقترب ليكون مقابله وجهًا لوجه، فاستطاع أن يرى وجه زوجته المجهد وحجابها وملابسها الغير مرتبة بشكلٍ يثير الريبة!
سقط وجه فاطمة إليه فور تهدل ذراع عمران للأسفل بعدما استحوذ الارتباك عليه من صمت أخيه وجمود نظراته الغريبة، فتمكن تلك المرة من لقط علامات الأصابع الخمسة الماسدة على خدها المتورم وكأنها نالت عشر صفعات قوية.
أما هو فقد عد للمنزل يحمل شوق العالم بأكمله للقائها، لا يعلم كيف مر ذلك الأسبوع عليه ليعود إليها، كان يعلم بأنه سيجدها تغفو بفراشها مع قرابة الساعة الواحدة صباحًا، تلاشت ابتسامته الجذابة وتبخرت حينما وجد فراشه مرتبًا وكأنها لم تبيت يومها به!
ظن أنه سيجدها بغرفتها الجانبية فاتجه إليها يناديها بشوقٍ ولهفة:
_فطيمــه!
تجعدت ملامحه بدهشةٍ حينما لم يجدها أيضًا بغرفتها، فأسرع للطابق الأول قاصدًا غرفة والدته، طرق الباب أكثر من مرةٍ فلم يجد أحدٌ، حتى عمران وشمس، فهبط للأسفل ينادي أحد الخدم الذي استيقظ على الفور يجيبه بوقارٍ:
_ما الأمر سيدي؟
سأله علي بقلقٍ يكاد يمزقه:
_أين الجميع؟
أجابه الخادم مسرعًا:
_السيدة مايسان هاجمها ألمًا مفاجئًا فحملها السيد أحمد وذهبت برفقته السيدة فريدة للمشفى، أما السيدة فاطيما والسيد عمران لم يعدان بعد من الخارج.
ضيق عينيه باستغرابٍ، وجذب هاتفه مشيرًا له:
_عد لغرفتك.
هاتف علي فطيمة وعمران ولكن لم يجيبه على مكالماته، فكاد أن يجن من فرط قلقه لما يحدث هنا، كيف يتسنى لعمران ترك مايا وهي بتلك الحالة ويذهب بهذا الوقت برفقة فاطمة!!
هاجمه عقله دون رحمة، وأقصى ما يخشاه أن تكون قد هاجمت فاطمة نوبة أو حدث بها سوءًا، جذب هاتفه مجددًا وطلب أحمد الذي أجابه على الفور:
_أيوه يا حبيبي، عامل أيه؟
_أنا كويس يا عمي، طمني انت مالها مايا؟
أتاه صوته المرهق يجيبه:
_مفيش حست بتعب وعمران مكنش موجود فجبناها المركز ليوسف.
أسرع بسؤاله لما وجده هام:
_عمران فين لحد دلوقتي وفاطيما مرجعتش؟
_عمران وفاطيما اتاخروا النهاردة، وأخر مرة كلمت عمران قالي إنه كان عنده اجتماع مهم هيأخره بره جايز يكون صمم يرجع فاطيما معاه.
أغلق علي الهاتف بعدما استمر بهدوئه مع عمه، وجلس على أحد المقاعد يحاول تهدئة ذاته، يكفيه أنها الآن باتت أكثر نضجًا وقوة أهلتها للتعامل مع العالم الخارجي، ولماذا قد يشعر بالقلق وأخيه لجوارها!
اقتحم صوت سيارة عمران مسمع علي، فنهض عن مقعده واتجه للشرفة يراقبه بتمعنٍ، فاتسعت عينيه بصدمة جعلته يتجمد محله لا يقوى على الحركة قيد أنامله، وبالكد استدار بجسده ليكون مقابل لباب المنزل الذي انصاع لمفتاح عمران ودفعة قدمه الخافتة جعلته يتسع لمرورهما معًا!
اتجه عمران بخطواتٍ بطيئة للمصعد، وقبل أن يخطو منه توقف وهو يتطلع ذاك المتيبس من أمامه، فهمس بذهولٍ:
_علي! إنت رجعت أمته؟
بقى جامدًا وجهه خالي من التعابير، حدقتيه تنخفض رويدًا رويدًا على تلك المستلقية على ذراع أخيه، وكأنها فاقدة الوعي!
ابتلع لعابه بتريثٍ وهو يجاهد لتماسك انفعالاته، وبدأ يقترب ليكون مقابله وجهًا لوجه، فاستطاع أن يرى وجه زوجته المجهد وحجابها وملابسها الغير مرتبة بشكلٍ يثير الريبة!
سقط وجه فاطمة إليه فور تهدل ذراع عمران للأسفل بعدما استحوذ الارتباك عليه من صمت أخيه وجمود نظراته الغريبة، فتمكن تلك المرة من لقط علامات الأصابع الخمسة الماسدة على خدها المتورم وكأنها نالت عشر صفعات قوية.
ضم علي شفتيه معًا بقوة ومد نفسه بصبر يجعله لا يحتمل حتى مجرى تنفسه، لا يسمح أن تزوره مجرد شكوك تدفعه لأخيه أي شكوك يود قتلها رغم أن كل ما تنظره عينيه ما هو الا هلاكًا وجحيمًا يلوح له!
تنحنح عمران وهو يناديه بتوترٍ:
_علي.. إنت ساكت ليه؟!
تلك المرة قرر رفع عينيه ليواجه أخيه، فحرك رماديته ليقابله بنظرة طويلة طعنت قلب عمران باجتيازٍ، وخاصة حينما انحرفت عينيه لعلامات الاظافر التي تضم رقبة أخيه وخده الأيسر، فأغلق علي عينيه على الفور ومزق شفتيه من فرط ضغط أسنانه عليها، وردد بصعوبة أنفاسه المنفعلة:
_فاطمة مالها؟
ابتلع ريقه بتوترٍ جعله لا يعلم ماذا سيفعل أمام أخيه؟ ، فأجلي أحباله المنقطعة قائلًا:
_آآ… أنا… أصل هي أخده حقنة مهدئة يوسف ادهالها… آآ… مش هتفوق غير بكره الصبح.
احتقنت رماديته واختفى لونهما الجذاب، ودنى باقي المسافة بينهما يردد بصعوبة بالحديث:
_ويوسف يديها مهدئ ليه؟
وتابع وعينيه تتجه لرقبته:
_وأيه على رقبتك ده يا عمران؟
ارتعب عمران من طريقة حديثه، ولف برقبته للمرآة المحاطة بصفحة المصعد فصعق حينما وجد علامات أظافر جعلت الآن الصورة كاملة له بما يجوب بخلد أخيه.
ترخى ذراعيه عنها وكاد باسقاطها لولا ذراعي علي التي حملتها وولجت بها للمصعد، مرددًا بغضب مدفون خلف هدوء مخيف:
_تعالى ورايا.
لحق به للمصعد ووجهه منهمل أرضًا لا يود تلك المواجهة التي سيلجئ لها أخيه، هو يعلم بأنه لم يكن يومًا بالطايش بل سيعقد ألف تحقيق وتحقيق قبل أن تتأكد الشكوك الدائرة بحدقتيه.
ولج لغرفته فوضعها على الفراش وبقي منحني إليها يرقب وجهها بنظرة طويلة، كأنه يترجاها أن تستعيد وعيها وتكذب كل ما يجول بخاطره، ليتلقى صفعة أبادت ثباته في مقتلٍ حينما همست ببكاء من بين فقدانها للوعي:
_عمران!
أغلق علي عينيه بقوة لتعصف تلك الدمعة الحارقة لجوارحه، واستدار لاخيه الذي يضم يديه معًا ووجهه لا يفارق الأرض، كحاله بطفولته حينما يخفي أمرًا عنه!
جذب الغطاء على جسدها المرتجف ونهض بهدوء ليتجه لاخيه، سحب نفسًا مطولًا وأخرجه بتنهيدة قاتلة ثم قال:
_بتخبي عينك مني ليه، ارفع وشك وبصلي.
جاهد عمران لفعل ما قال، وازدرد حلقه وهو يجاهد لخروج صوته ثابتًا:
_علي أنا آآ..
وسحب باقي كلماته بحزنٍ جعله يكمم صوته، فقال علي بهدوء:
_اتكلم أنا سامعك، عايز تقول أيه؟
اخترق مسمعهما صوت فاطمة الهامس مجددًا باسمه:
_عمران.
أغلق عمران عينيه بحزن فإن كان محل أخيه لقتله بالحال ولكن علي يمتلك قوة يشهد له بتلك اللحظة، انتبه له حينما وجده يقول:
_بالرغم إن فرق السن بينا مش كبير بس أنا مكنتش بشوفك أخويا، إنت ابني اللي كبر قدام عيني وأنا شايله على دهري اللي كان بيحميه من أي شيء، فاكر دهر أخوك يا عمران؟!
تهاوى الدمع من عينيه لفهم مغزى حديثه، فلعق شفتيه الجافة وقال:
_علي أنا عارف إن الموقف كله صعب، وفاهم إنت بتفكر في أيه بس ده مش صح أنا آآ..
واجه صمته ببسمة هادئة اتبعها قوله الرزين:
_أنا متهمتكش بشيء، أنا بحاول أتمسك بأقصى درجة من الصبر اللي جوايا، راكن رجولتي وشرفي على جنب لحد ما أتأكد إن كل اللي قدامي ده وهم، ولو مكنتش تربية ايدي مكنش زماني واقف بالثبات ده قدامك.
هز عمران رأسه بتفهم، فسحب علي نفسًا ثقيل قبل أن بسأله مباشرة:
_للمرة التانية هسألك أيه اللي حصل يا عمران؟
ارتبك أمامه مرة تفوق الاخرى، وتحلى بالصمت الذي ذبح علي بسكينٍ، فدفعه لقول:
_مش هقدر أستنى لحد ما هي تفوق، لو إنت مكاني كنت هتعمل أيه؟
أسرع عمران لاخيه يمسك يديه، وكأنه يشهد أباه على الخلق الذي تربى به:
_علي أنا ممكن أتحمل أي حاجة في الدنيا الا خسارتك، أرجوك تسمعني أنا معملتش شيء غلط ولا أي حاجة من اللي في دماغك دي..
رفع علي يده يضم خد أخيه ويترجاه بنبرته الخافتة:
_يبقى تتكلم وتقولي حصل أيه؟
لامس الدمع يد علي العالق على وجه عمران، وخرج صوته مهزوزًا:
_مش هقدر أتكلم آآ… أنا وعدتها.
سحب علي كفه واستدار تجاه فراش زوجته يجاهد لصرف عصبيته، يلتحف بكل ما يأهله لمنع شيطانه عن قتل أخيه بتلك اللحظة، فأتاه صوته الباكي يخبره:
_فاطيما أول مرة تأمنلي وتثق فيا يا علي، وأنا وعدتها إني مش هقولك حاجة لما تفوق وحبت تحكيلك فده شيء يرجعلها.
بقى صامتًا، يوليه ظهره بهدوءٍ جعل الاخير يستطرد:
_سامحني!
تحرر صوته أخيرًا عن مرقده:
_ارجع أوضتك يا عمران!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صرخات أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى