رواية صرخات أنثى الفصل التاسع والخمسون 59 بقلم آية محمد رفعت
رواية صرخات أنثى الجزء التاسع والخمسون
رواية صرخات أنثى البارت التاسع والخمسون
رواية صرخات أنثى الحلقة التاسعة والخمسون
لاشمئزاز والتقزز يحيطان بجسده فور رؤيتها تقف قبالته، يمر عليه ذكرى الأربعة مرات اللاتي أغضب فيهم الله واهتز عرشه غضبًا لما اقترفه بحق نفسه، لم يحتمل بقائها قبالته وكأنها سهام تهدد باختراق جسده.
كأنها تحمل شاشة تعرض له مفتطفات جريمته وذنبه الذي يحاول جاهدًا نسيانه، حشد قوته واستعد لسانه السليط لتلك المواجهة الذي كان يعلم بأنها أتية لامحالة، أشار بأصبعه يصرف الحارس والخادمة، وأجلى صوته بقوةٍ وصلابة:
_أي جراءة وعهر تمتلكينه لتأتي وتقفي أمامي بكل هذا التبجح!
اتسعت ابتسامتها وتغندجت بخطواتها وهي تتجه إليه، أحاطها بنظرة ساخطة بداية من تنورتها القصيرة والتوب الذي لا يخفى شيئًا من جسدها، فاستغلت صمته ظنًا بأنها عادت لتفرض سطوتها عليه مثل السابق وطوفت رقبته بذراعيها قائلة بدلالٍ وضيع:
_اشتقت لك كثيرًا، ألم تشتاق لي؟
نزع ذراعيها عن رقبته دفعها بكل قوته للخلف، وباستحقارٍ قال:
_لستُ أحمقًا لأشتاق لحية تنتظر فرصة بخ سمها اللعين.
اشتعلت غضبًا فتابع ببسمةٍ ساخرة:
_لا أعلم كيف تظلين على قيد الحياة وبداخلك كل تلك السموم؟!
صرخت غاضبة:
_هل أصبحت أنا الأفعى الآن! إنت من تخلى عني بعد ما فعلته لأجلك ولأجل أن أخلصك من زوجك من تلك المصرية الحقيرة.
لأول مرة يفعلها ويطلق غضبه على امرأة، ولكنها أذهبت عقله للجحيم وأبقت وحشه ثائرًا يتربص لها، طالتها لطمة من يده القوية أسالت الدماء على جانب شفتيها هادرًا بعنفوان تشهده لأول مرة:
_إياكِ وذكر زوجتي بالسوء والا نحرت عنقك أيتها ال****.
ضمت جانب وجهها وأنفاسها المنفعلة تصل لمسمعه، فحررت ما احتبس داخلها حينما قالت بحقدٍ:
_حسنًا عُمران.. أنا الآن أتيت لك بنفسي أطالبك بأن نعود مثل السابق، سننسى الماضي وسنبدأ من جديد، رغم إنك رفضت رجائي بأن تخرجني من السجن وطردت المحامي الخاص بي ولكني أسامحك الآن.
تمردت ضحكاته بشكلٍ جنوني، فراقبته بغضب من استهزائه بطلبها، وخاصة حينما قال باستهزاء:
_أعتذر ولكني لا أمتلك الوقت لسماع تلك التراهات، عائلتي تنتظرني وعلي الذهاب إليهم، هل سترحلين الآن أم أنكِ بحاجة لمساعدة الحرس؟
احتشد الغيظ داخل حدقتيها المحتقنة، فصرخت به:
_أنا لم أتى إلى هنا لتستهزأ بي عُمران، اسمعنى جيدًا لقد ساعدني عدوًا لك بالخروج من السجن قبل أن أقضي مدتي على أمل أن أسلمه ما معي ضدك وبالرغم من ذلك أتيت إليك لأنني مازلت أحبك وأرغب بك.
واسترسلت بغلٍ وتملك:
_أعدك بإنك إن لم تخضع لي لن أتردد لأضع رقبتك تحت قدميه، لقد سبق لي وقتلتك حينما شعرت بأنني خسرتك، كن ذكيًا الآن باختيارك والا سأقدم الفيديو إليه..
رمش بعدم استيعاب لما يحاول عقله تفسيره، فردد بتبهةٍ:
_ عدو! عن أي فيديو تتحدثين؟! ما هذا الهراء!
اتجهت لحقيبتها الموضوعة على المقعد، سحبت الهاتف من حقيبتها واتجهت إليه ببسمةٍ انتصار، حررت زره وقدمته إليه فالتقطته بعنفٍ، تراخت أعصابه رويدًا رويدًا، خفف نبضات قلبه المتسارعة، جحظت عينيه في صدمة حقيقية جعلته يشعر بتراخي جسده القوي ليصبح كالهلام المنهزم للسقوط، وهو يشاهد أخر ما توقعه، فيديو مسجل له وهو برفقة تلك الوضيعة، بينما الاخيرة تراقبه بابتسامة انتشاءٍ لتأكدها بأنها الإن تحمل نقطة من نقاط ضعف “عُمران سالم الغرباوي” ، إن نشر فيديو كذلك إليه سيهتز إسمه بسوق عمله وإسم عائلته الآرستقراطية المعروفة.
رفع عينيه عن الهاتف إليها بصعوبة، كيف لامرأة أن تصور نفسها بتلك المشاهد الحميمة القذرة، كيف تتأجر بنفسها بتلك السهولة، كل مرةٍ يزيد كرهه لنفسه بأنه سمح لتلك الحقيرة بالدخول لحياته، كل مرةٍ يتأكد بأنه كان أحمقًا قذرًا.
قذف الهاتف بعرض الحائط فسقط منكسرًا أسفل قدميها، وطالتها يده جاذبًا إياها من خصلاتها صارخًا بغضب جحيمي:
_أيتها القذرة اللعينة، هل تظنين بأنكِ ستهدديني؟!! أفعلي ما شئتي مهما فعلتي مستحيل أن أنخضع لكِ مرة ثانية، محال أن أدنس نفسي بعلاقة وضيعة مثل تلك.
وقذفها أرضًا يشير بعنف:
_اغربي عن وجههي والا سأقتلكِ في الحال.
نهضت تمرر يدها على ذراعها بألمٍ ومع ذلك مازالت ابتسامتها الخبيثة تعلو ثغرها، فحملت هاتفها وحقيبتها وقبل أن تتجه للخروج قالت:
_سأتركك تفكر بالأمر، أنا عاهدتك ذكيًا عُمران لست أحمقًا لتختار الفضيحة لك ولعائلتك.
وتابعت بابتسامة ماكرة:
_لقد سمعت أن زوجتك حامل وحملها متعب للغاية فكر بالأمر ماذا إن وصل مقطع الفيديو لها ؟
وتابعت وهي تخرج بثقة وغرور:
_إن حسمت أمرك فأنا بانتظارك غدًا بنفس الفندق الذي كان يجمع غرام أيامنا معًا.
رحلت وتركته يشتعل من فرط عصبيته، دفع عمران الطاولات الزجاجية وهو يصرخ بجنون:
_رخيـصة!
سقط على المقعد يشدد على خصلات شعره بعصبيةٍ مفرطة، يحاول أن يهدأ انفعالاته ولكنه كان خارج السيطرة، بقى ساعة كاملة محله لا يقوى على التفكير أو اتخاذ قرارًا مناسبًا، لا يعنيه أن يتعرض للخسارة بعمله فهو يمتلك من المال والثراء ما يجعله سيدًا عمرًا بأكمله، ولكن ما يقلقه هي “مايا”، إن كره نفسه أضعافًا لمجرد رؤيته لمقطع الفيديو ماذا سيحدث لها؟!، حتى وإن كانت على علم بما فعله سابقًا ولكن رؤيته سيكون مؤلمًا لها، يحمد الله بأن الأجنحة مزودة بكاتم الصوت والا كانت ستستمع لما يحدث الآن بالأسفل، ولكن مدة ذلك السكون مؤقتة، الخوف كل الخوف من القادم!
*******
احتشد المركز بأعداد غفيرة من أعيان الطبقة الآرستقراطية، منهم من خص السيدة” فريدة هانم الغرباوي” واخرون أتوا خصيصًا لمجاملة “أحمد الغرباوي” و”عُمران”، وأغلبهم من الأطباء والمرضى الذين تم شفائهم على يد “علي الغرباوي” .
انتقلت العاملات بين الطاولات الطويلة، توزعن أجود أنواع العصائر على المحاطون للطاولات، فعدم وجود مقاعد حول الطاولات منحت القاعة اتساعًا ومساحة ضخمة للمارة.
وعلى مقدمة الطاولات حيث الطاولة المستطيلة الخاصة بآل”الغرباوي”، وقفت “زينب” جوار شقيقتها، وعلى الطرف الأخر تقف “فريدة” هانم جوار زوجها وابنتها “شمس”، يراقبون الحفل باهتمامٍ، أما على المدخل الرئيسي فكان يقف “علي” ولجواره”يوسف” وعدد محدود من كبار أطباء المركز يستقبلون المدعون بكل ترحاب.
توجهت النساء لتقديم المباركات لفريدة بشكلٍ خاص، معلنين سرورهم بتنظيم قسم خاص بالكشف التجميلي للنساء.
تبادل “علي” السلام الحار مع جمال وسيف، فقدما الورود له ومضى للطاولة القريبة من وقوف علي ويوسف.
بحثت عين سيف تلقائيًا عنها، فوجدها بالطاولة المقابلة له، وفور أن تعانقت أعينهما حتى تخلل له سماع دقات قلبها الفاضحة، وتورد بشرتها الملحوظ لفاطمة التي ابتسمت بسعادة لشقيقتها، وابعدت بصرها لزوجها فشرع الحب بأعناق مُقلتيها كالعلم المضاهي بعنجهيةٍ فوق سور المدينة، وقفته الثابتة، ثيابه المنمقة، نظارته الطبية التي تنجح دائمًا أن تصنع له وقارًا خاصا به، خصلات شعره الفحمي التي تصل لأسفل رقبته، نهيك عن ابتسامته البشوشة التي ترغمها على متابعته بابتسامة حالمة، عاشقة لذلك المثقف المتواضع.
ارتبكت فاطمة فور أن أمسكت بها رماديته وهي تراقبه بتلك الحالمية، فمنحها ابتسامة لا تراها الا لها وكأنها صنعت لأجلها.
تصنعت انشغالها بترتيب باقة الزهور بالمزهرية المقابلة لها، وفور أن عادت بعينيها له وجدته مازال يتطلع لها، فابتسمت بخجلٍ.
مر الوقت بالحفل ولم يحضر عُمران، نهض جمال واتجه ليوسف وعلي متسائلًا بدهشةٍ:
_هو عُمران مجاش لسه؟
رد عليه علي وهو ينزع هاتفه عن أذنه بقلقٍ:
_بكلمه بيكنسل ومش بيرد!
بدى القلق على الأوجه، فقال يوسف باستغرابٍ:
_وأنا كمان كلمته كذه مرة مردش، تأخيره مش طبيعي ربنا يستر.
سحب جمال هاتفه من جيب بنطاله واتجه للخارج ناطقًا:
_أنا هرن عليه من بره.
أشار له علي مرددًا:
_لو رد طمني يا جمال.
هز رأسه ومضى للخارج، يعيد الاتصال به بقلقٍ وتوتر، فإذا به يمنع مكالمته من الوصول لهاتفه، أعاد الاتصال للمرة الرابعة فإذا بيدٍ تطرق على كتفه، استدار للخلف فتهللت أساريره هاتفًا بلهفةٍ:
_عُمرااان!
منحه نظرة ثابتة لا تجيد داخلها، وردد بنزقٍ:
_أيه حفلة المكالمات دي، حد فيكم هيطلق تاني؟
زم شفتيه بسخطٍ:
_لسانك ده عايز الحرق، مبتردش على موبيلك وجاي متأخر ليه؟!
وضع يديه بجيب جاكيته الأبيض قائلًا بوقاحةٍ:
_قلقتي عليا انتي وضرايرك يا حبيبتي! متقلقوش مش هجبلكم الرابعة أنتوا عدمتوني العافية وسديتوا نفسي عن جنس الحريم كله.
صاح بغضب:
_عُمــــــــــران!!
استكمل وصلته المنفرة:
_صوتك يا بيبي عيب!
اشتعلت نظرات جمال بغضب وصاح وهو يتركه:
_أنا غلطان إني طلعت أكلمك وقلقت عليك، أقولك حاجه تتفلق يا عُمران.
ابتسم وهو يتفحصه يبتعد عنه بخطوات منفعلة، فجلس على الاريكة الخارجية بصمت كان مريب لجمال الذي يجزم أن هناك أمرًا ما، فعاد إليه يشير:
_إنت لسه هتقعد! دكتور علي مستنيك جوه وقلقان.
قال وهو يتطلع للفراغ:
_قوله إني جيت.
جلس جواره يتفرس بهدوئه المريب وصاح بشكٍ:
_مالك يا عُمران؟
أغلق جفنيه بقوةٍ ساندًا رأسه لظهر الأريكة المعدنية:
_مصدع ولو دخلت وسط الدوشة دي هيلموا المعدات الحديثة وهيتطوعوا يتدربوا عليا، أهو حفلة نظري وعملي على شخص فاقد الوعي!
وتابع وهو يبتسم ساخرًا:
_والله أعلم هيحولوني على دكتور مخ وأعصاب ولا علي هيقوم بالواجب ويصعقني بالكهربا ويمكن يشوفلي سرير في جناح المرضى النفسيين تحت اشرافه.
أصر على وجود شيئًا أخر، فقال:
_لأ، في حاجة تانية مغيراك.. في أيه؟
اعتدل بجلسته متنهدًا بمللٍ :
_مفيش حاجة مهمة، الحزبونه آلكس اقتحمت فجأة في حياتي، في الأول بعتتلي محامي طلب مني أخرجها من الحبس ولما طردته وبهدلته اتفاجئت بيها النهاردة واقفة قدامي وبتقولي إن في عدو ليا خرجها من الحبس في مقابل إنها تفضحني.
اعتدل بجلسته مبرقًا بصدمةٍ بينما الاخير يبلغه بما حدث بمنتهى الجمود التام وكأنه يخبره إنجازًا فعله، فصاح بصدمة:
_تفضحك ازاي؟!!
استدار إليه يريه الألم المتلألأ بحدقتيه رغم جفاء نبرته:
_الهانم مصورنا مع بعض.
صعق جمال وتجمد محله لوهلةٍ قبل أن يهمس:
_يا نهار أسود!! إنت ازاي مخدتش بالك من النقطة دي!!
ربع يديه أمام صدره وعاد يستند برأسه للخلف متأملًا السماء بتفحصٍ:
_يعني كنت هأخد بالي ازاي يا جمال! همسح الأوضة من الكاميرات ولا هفتش في كل زواية!! أنا كنت واثق إن اللي حصل زمان مستحيل يعدي من غير عقاب.
وتابع بحزنٍ:
_ العقوبة لو هتمسني لوحدي فأنا راضي، لكن أنا مش هقبل أوجع مايا بعد كل اللي عشته وعدته معايا، مش هسمحلها تنفذ اللي في دماغها حتى لو هقتلها بإيدي.
انقلبت معالمه بتقزز من تلك الشخصية المقيتة، وسأله باستفهامٍ:
_ لو عايزة قرشين أرميهملها وخلاص.
ضحك بصوتٍ ساخرًا ومال برأسه المستكين إليه:
_تفتكر إنها لو كانت طلبت ثروتي كلها كنت هعترض؟
زوى حاجبيه بدهشةٍ:
_أمال عايزة أيه؟
اتسعت ابتسامته وبخبث قال:
_اشتاقت لليالي القذرة وبكل بجاحة عايزاني أكون معاها!
_أوعى يا عُمران، أوعـــى بعد ما توبت ترجع للطريق ده!
نطقها فازعًا لفكرة عودة رفيقه لطريق الشيطان المحفور بالهلاكٍ، مرر عُمران يده على جبينه بارهاقٍ وبهدوءٍ قال:
_عمري ما هعملها حتى لو كان التمن دمار حياتي يا جمال.
وبإيمانٍ تام قال:
_أنا واثق إن ربنا سبحانه وتعالى بيختبرني، بعد فترة من المذاكرة جيه وقت الامتحان ومستحيل هسقط فيه.
وفتح عينيه يتطلع للسماء الصافية من أمامه وهو يستكمل بهمسٍ خافت:
_سبحان من قذف بقلب عبده حلاوة التوبة والبعد عن المعصية، حاشة أن يعود لطريق المعاصي وارتكاب الكبائر!
ارتسم الحزن بعمقٍ على ملامح جمال، فربت على ساقه وقال بثقةٍ وإيمان:
_ربنا عمره ما هيتخلى عنك يا عُمران، أكيد هتلاقي مخرج منها بس المهم تدور وتشوف مين اللي وراها.
_شامم ريحته من على بعد!
قالها وعينيه تراقب ذلك البغيض الذي يهبط من سيارته ويتجه إليهما من على بعدٍ، فاراد ان يبدل الحديث.
رمق جمال بنظرة جامدة والاخير يترقب أن يستكمل حديثه حول هذا العدو المنشود، ليفاجئه بانجرافه حول الحديث الهام لسؤالٍ طرحه بجدية مضحكة:
_ملبستش من الهدوم اللي جبناها ليه يا جمال؟ مصمم بردو تلبس زي البلياتشو!!
كز على أسنانه بغضبٍ، وقبل أن يقذف إليه كلماته وجده يستطرد ببرودٍ:
_ادخل اغضب جوه وأنا شوية وهاجي أصالحك.
رمش بعدم استيعاب وردد:
_انت مش طبيعي أقسم بالله.
وضع عُمران ساقًا فوق الاخرى وعاد برأسه للخلف هامسًا بسخرية:
_الحق عليا بنقذك من سماجة نعمان الملزق، خليك قاعد يا جمال أهو ينوبك من الكوباية شفطتين.
استدار جمال تجاه طريق السيارات فوجد المزعوم يقترب منهما، انتفض بجلسته هادرًا بوجومٍ:
_والنبي ما ناقصة على المسا، هستناك جوه أحسن.
وتركه وهرول للداخل، فسبق لجمال رؤية الكره والاحتقار يملئ أعين هذا البغيض تجاهه، حتى وإن جمعهما أي ندوة أو عملًا مشترك كان ينزعج من كلماته المبطنة والتي تقلل من شأنه، ولكن لم يفكر بالأمر كثيرًا فبالنهاية نعمان هو نفسه المقيت الذي يكره الجميع تواجده بأي مكانٍ.
همس عُمران من بين اصطكاك أسنانه:
_كانت نقصاك هي!!
اندفع إليه كالبركان الثائر، فتأكد بأنه لم يأتي للحفل كما توقع، بل كان اللقاء به هو غايته الوحيدة، وقد صدق حدسه حينما ألقى جواره عدد من المجلات بانفعالٍ، سحب بصره عنه يتطلع للمجلات الملقاة جواره، ثم رفعهما إليه وببرودٍ قاتل قال:
_خير أيه اللي مولعك المرادي؟
انحنى نعمان يلتقط احدى المجلات، يفتح إحدى الصفحات ووضعها نصب أعين عُمران هادرًا بحقدٍ:
_ممكن تفهمني أيه ده؟؟
أدلى شفتيه للاسفل مردفًا بشفقة:
_يا حبيبي جاي المشوار اللي قطع نفسك ده كله عشان تخليني أقرلك الخبر اللي نازل!! هو إنت مش معين عندك حد بيعرف فرنساوي ولا أيه نعمان؟
اكتظ من الغيظ بدرجة جعلت وجهه يكتسيه حمرة قاتمة، فانحنى عُمران على المجلة يقرأها بثبابٍ كاد أن يصيب الأخير بذبحةٍ صدرية:
_فيما يخص مشروع المول التجاري الضخم فلقد تم استبدال أحد الشركاء بالمهندس أحمد الغرباوي بنسبة تعد الأكبر بين الشركاء وتقدر ب30٪ وآ…
كور المجلة بين يده وألقاها أرضًا صارخًا بجنونٍ:
_متستفزنيش يابن فريدة!
وضع ساقًا فوق الاخرى يرمقه بنظرات ثابتة:
_إنت اللي بتنهار بسرعة أعمل لأمك أيه؟!
وجز على شفتيه السفلية هادرًا:
_خلتنا نتكلم على الاموات الله يسامحك، محضرك هو اللي مستفز!!
تغاضى عن وقاحته وصرخ به بحقد:
_إنت مستكتر عليا أدخل في مشروع مهم زي ده، رايح تديه لاحمد الغرباوي!!! طيب على الأقل اديله عشرة في المية وأنا عشرين، أنا مش فاهم هو عاملك أيه!!!!
وتابع يبخ ما بداخله من غضب:
_ ده أنا حتى خالك وأقربلك في صلة الدم أكتر منه، هو عاملك أيه مش فااااهم!
وصرخ بانفعالٍ:
_أخدت تصميم المشروع لجمال صاحبك ودخلت أحمد الغرباوي شريك فيه وأنا فيــــــــن من حساباتــك!!
انتصب بوقفته قبالته يرمقه باستحقارٍ وكره، وباستنكارٍ شديد قال:
_أيه كمية الكره والحقد اللي جواك دي! طايق نفسك ازاي؟ ، يا أخي اللي بيقسمها فوق فواقف وبتحاسبني على أيه؟! أنا مشفتش في بجاحتك!!
أجابه بكل تبجح:
_أيوه من حقي أحاسبك، إنت ناسي إني خالك!
ضحك بصوته كله حتى أدمعت عينيه، وتلاشت عنه فجأة ليردد بسخريةٍ:
_من أمته ده؟! فكرني يمكن أنا عندي فقدان ذاكرة مؤقت!
زفر الاخير بضجرٍ، ووجد ان أسلم حل اتخاذ الطرف السلمي عساه يحصل على مبتغاه:
_طيب مش مهم اللي فات، أنا عرفت إن مركز إيفرينا اختارك عشان تكون المسؤول عن المركز الطبي اللي هيتعمل بعد ما نشرت فيديو مركز علي، خليني أدخل معاك فيه، من وقت انسحابك من الشركة والخساير نازلة ترف عليا وهيلينا طلباتها مبتنتهيش!
التقط نفسًا مطولًا وزفره على مهلٍ، هادرًا:
_كنت متوقع ايه بعد انسحابي من الشركة الأم؟!! إنت صممت وأنا نفذت جاي دلوقتي تتكلم في أيه؟! ثم إنك موصلتش للخساير دي بسبب انسحابي وصلت لكده بسبب اللي اتجوزتها وسبتلها السايب في السايب وأنا سبق وحذرتك منها وقولتلك هي تمامها معاك أيه، بس إنت مبتثقش غير في دماغك اللي هتسوحك إن شاء الله.
بغضبٍ صاح:
_خلصنا من حوارها لاني مش هتكلم فيه، اعمل حسابك أنا داخل معاك في مشروع المركز ده، محتاج أرجع بتقلي في السوق.
زفر بنزقٍ وأجابه:
_بس المشروع ده داخل معايا فيه شريك ومطلوب معايا بالإسم وتقدر تتأكد بنفسك.
زوى حاجبيه بوجومٍ ضاري، ونطق بحدة:
_الجربوع اللي مصاحبه مش كده!!!
رفع اصبعه يشير له بحزمٍ قاطع:
_إلزم حدك يا نعمان بدل ما وربي أتحول عليك.
صرخ بنزقٍ وشرارة طالت ألهبتها العنان:
_مش دي الحقيقة، الجربوع اللي من الشارع ده لف عليك وقدر يملي دماغك ويشاركك في كل شغلك، بس المرادي مش هتراجع يا عُمران انا اللي هكون معاك في المشروع ده غصب عنك وعن اللي يتشددلك.
احتدت مُقلتيه إليه، فهز رأسه بعدم استبعاب:
_إنت أيه بجد!! إنت ازاي فيك كل الحقارة دي!!!!!
خرج عن طور هدوئه ولم يبقى له ذرة عقل، في تلك اللحظة خرج “علي” يبحث عنه فور أن أبلغه جمال بجلوسه بالخارج، فصعق حينما استمع لأصوات صراخهم، اندفع إليهما يفرقهما وهو يتساءل برهبةٍ:
_في أيه يا عُمران؟ في أيه يا خالو؟
أشار عليه بفظاظة:
_شوف اخوك يا علي والا والله العظيم لأنسى إنه ابن اختي وأذيه بجد.
ابتسم ورد ببرود:
_تقصد الفيديو اللي بسببه خرجت العاهرة دي من الحبس!
وأبعد أخيه من المنتصف، ليجابهه رأسًا برأس وبابتسامة أرعبت الاخير قال:
_تو تو إلعب غيرها يا نعمان يا غرباوي ولا هيهز فيا شعرة، ولو على مايا مراتي فاطمن بيت عُمران الغرباوي مش مبني من ازاز عشان تيجي طوبتك وتهدمه.
ابتلع ريقه بصعوبة من سهولة كشفه لما فعل، بينما استدار علي لأخيه يسأله بدهشة:
_أيه اللي بتقوله ده يا عُمران؟ هي آلكس خرجت من السجن؟
ضحك باستهزاءٍ:
_إسأل اللي واقف يتباهى ويفكرني بصلة القرابة اللي بينا.
وتابع بتحدٍ صارخ:
_اسمع بقى يا نعمان يا غرباوي، شغل معايا تاني تنسى، وللمرة المليون هقولهالك ابعد عني عشان مدمركش وإنت عارف إني بمكالمة تليفون واحدة قادر أقعدك في بيتك زي الولايا!
اندفع تجاهه يقول بكره:
_متقدرش تعملها يابن فريدة، ومدام اللعب بقى على المكشوف فاستقبل اللي جاي، هتدفع التمن غالي أوي إنت والجربوع اللي فضلته عليا.
احتقنت اوردة علي من فرط الغضب والصدمة، فتخلى عن هدوئه وصاح بعنف لا يتواجب مع شخصه الهادئ:
_إنت بتهدده وفي وجودي! هتعمل ايه يعني؟! أنا اللي يمس شعرة واحدة من أخويا أردمه بالدم ولا هيفرق معايا إنت ميـن؟
تراجع نعمان للخلف بدهشة من عدائية نبرة علي الجديدة بينما ابتسم عُمران وتابعه بدهشة وحماس كأنه يشاهد فيلمًا صادمًا، فتابع علي:
_انا بحاول بقدر الامكان أحترمك ومقلش من كرامتك اكرامًا بس لفريدة هانم لكن لو فاكر إن سكوتي ده ضعف تبقى مبتفهمش! أنا يوم ما أخويا يتخدش او تبصله بس بطرف عينك هصفهالك، اتعلم بقى تشتغل بنزاهة، الغيرة بتنهشك من كل اللي حوليك من اول عمي لحد أخويا الصغير اللي من دور عيالك!!!! فوق لنفسك قبل ما الغيرة تحرقك!
ومد ذراعه تجاه الرصيف الاسمنتي:
_ودلوقتي اتفضل من هنا ميشرفنيش تواجدك بمناسبة عائلية زي دي، وحط في دماغك كلامي عشان هتحتاجله في يوم من الأيام.
وزع نظراته الشيطانية بينهما بكره، واتجه بخطواته المتعصبة للخارج، هدأ علي من انفعالاته فأزاح جرفاته عن عنقه بغضب، لا يصدق أن الحقارة وصلت بخاله لتلك الدرجة التي يهدد أخيه نصب عينيه.
ارتعب عُمران من رؤية علي يتصبب عرقًا وينتفس بعنفٍ هكذا، فاندفع إليه يمسك يده بخوف يناهز طفل صغير:
_علي مالـلك؟
استقام بوقفته المحنية وقال:
_انا قدامك كويس أهو، المهم بلاش تقول لفريدة هانم حاجة.
هز رأسه بتأكيد فتابع وهو يراقب مغادرة سيارته:
_خد بالك منه يا عُمران، شكله ناويلك على الشر.
ابتسم ساخرًا:
_الشر موجود جواه من زمان يا علي، ربنا يهديه لنفسه.
جذبه للاريكة المعدنية متسائلًا باهتمامٍ:
_احكيلي حوار آلكس وفيديو أيه اللي بتتكلم عنه!
*******
وقف قبالة محله الرئيسي يتابع العمال، وهم يثبتون اللافتة الضخمة التي ضمت إسمه ومع إسم “إيثان”، مشيرًا أن سلسلة المحلات تابعة إليهما، وعلى ذراعه يحمل ابنه” فارس”ويسأله بحبٍ:
_ها أيه رأيك؟
أجابه وهو يلتهم لوح الشوكولا بنهمٍ:
_أحلى من القديمة عشان دي مطبوعة عليها صورتي في الجنب.
ضحك يونس وقبل وجنته أكثر من مرةٍ قائلًا:
_طبعًا لازم تكون أحلى عشان صورة الدكتور فارس منورة.
ضم وجهه بيديه وقال بطفولية:
_انا بحبك اوي عشان من الصبح بتجبلي كل الحاجات اللي بحبها، لبس وحاجة حلوة كتير من الحلوة وكمان حطيت صورتي في الحارة.. بس أنا آآ…
ارتباكه دفع يونس يتساءل بلهفة:
_إنت أيه يا فارس اتكلم!
أدمعت أعين الصغير قائلًا بخوفٍ:
_عايز أشوف ديجا وخايف تزعل مني.
وخز قلبه ألمًا، فضمه لصدره مربتًا على ظهره بحنان:
_خايف ليه يا حبيبي، دي أمك ومستحيل افرقك عنها.
وأبعده عنه يطالعه بفيروزته الشبيهة له:
_وبعدين مش أنا قولتلك إن أنا وماما اتصالحنا ومعتش بينا زعل، وكلها كام يوم وهنعيش كلنا مع بعض؟
هز رأسه يؤكد له بتذكرٍ، فابتسم وهو يعيد تقبيله، ثم تركه أرضًا وأخبره:
_طيب اطلع يلا لأيوب خليه يغيرلك هدومك اللي اتبهدلت من الشوكولاته دي وتعالى عشان أخدك تزور ماما في المستشفى.
ابتهجت معالم الصغير واندفع يقبل كل انش بوجه أبيه هاتفًا بحماس:
_انا بحبك اوي يا بابا.. أنت طيب وجميل أوي أوي!
ضحك على لفظه الطفولي وابتعد بوجهه للخلف هادرًا بانزعاجٍ:
_هتبهدلني بالشوكولاته يا فارس انا غلطان اني اشترتها!
ضحك وهرول لعمارة الشيخ مهران، بينما اتجه يونس لمحله بابتسامة هادئة وهو يزيح بقايا الشوكولا عن وجهه.
لم يمضي الا دقائق واستمع لصوت رفيقه المتعصب يصيح وهو يندفع داخل المحل:
_عملت اللي في دماغك يا يُونس؟ ارتاحت انت كده يعني؟!!!
تنهد باريحية مستفزة للاخير:
_جـــدًا… حاسس براحة وسعادة بالقرار اللي أخدته، وإنت واثق ومتأكد إنك مهما تعمل مش هتقصر فيا شعرة، فاعقل واقعد تابع الحسابات والشغل لحد ما أوصل للمستشفى وأرجعلك.
جذب إيثان المقعد واتجه يجاوره بالمقعد الرئيسي للمكتب، هامسًا بمشاكسةٍ:
_مستشفى!! زياراتك الغرامية كترت ياسطا يونس! مش خير؟!
توترت معالمه فادعى انشغاله بسحب مبلغ من المال من درج الخزانة قائلًا:
_فارس مصر يروح يزورها، وانا وافقت دي مهما كانت بردو مامته.
مال على ذراعه يغلق عينيه ويتنحنح بسخرية:
_أممممم… قلبك رقيق ياسي يُونس، الله يرحم لما كنت حالف لتسحلها على أسفلت الحارة وتلعب في وشها البخت!!
أغلق باب الخزنة بغضب مصطنع يجاهد للتشبث به:
_وبعدين معاك بقى يا إيثـــــــــان نازل من الصبح نحنحه وتلسين كلام ليه!! ما قولتلك الواد اللي مصمم يشوفها، بتهري ليه في الفاضي!!
أشار له ضاحكًا:
_طيب خلاص اهدى احنا هنتعارك ولا أيه يابو فارس؟
تلاشى غضبه وحلت ابتسامة صغيرة، مرددًا بشرودٍ بحلاوة الاسم:
_أبو فارس!
ابتسم إيثان وهو يتابعه، فربت على كتفه بحبٍ:
_أيوه أبو فارس معلش الكلمة هتكبرك شوية بس الحقيقة اننا معدناش صغيرين يا يونس.
راقب ملامحه بابتسامة هادئة، وقال باهتمام:
_طيب أيه؟ مش ناوي ولا لما تبقى في سن جدو!
ارتبكت ملامح إيثان أمام رفيقه، وقال:
_لا يا يونس مش ناوي، وبطل تتكلم قي الحوار ده كتير عشان زي ما قولتلك مفيش عندي نية.
_طيب ليه؟!!
وبشكٍ قال:
_إيثان إنت في واحدة في بالك؟
تسلل الحزن رويدًا إليه وبحزنٍ قال:
_اللي في دماغي الفرق بيني وبينها فرق السما من الأرض يا يونس، إن يجمعنا طريق مشترك مستحيل!
لف مقعده إليه وبضيق قال:
_ليه بقى ان شاء الله؟ إنت ما شاء الله مبسوط فأكيد لو عشان الفرق الاجتماعي بينكم فميذكرش لانك آ…
قاطعه ببسمة ساخرة:
_ياريتها كده بس الموضوع أكبر من كده.
قذف الدفتر بعصبية:
_ما تنطق بقى يا إيثـــــــــان غلبتني يا أخي!
استجمع شجاعته ليبصق كلماته بخوف من رد فعل الاخير:
_اللي أنا بحبها تبقى..آآ…يُونس أنا بحب آآ…
صاح به منفعلًا:
_القطة كلت لسانك يالا!! ما تتزفت تتكلم.
هدر الاخير يخلص نفسه:
_أنا بحب بنت مسلمة وتبقى بنت الشيخ عثمان!
توقع أن ينصدم مما بصقه إليه، ولكنه وجده يربع يديه أمام صدره ويسأله ببرود:
_وبعدين؟
رمش بارتباك وقال:
_المعنى؟! ثم انك مش مصدوم يعني ولا قافش من الحوار!
ابتسم ساخرًا:
_لا مهو أنا من بعد آيوب مش هتصدم تاني!
ألقى سلة الاقلام عليه بغضب:
_بتهزر وأنا ببوحلك بأعظم أسراري!!
مال إليه يهمس له باستهزاء:
_مهوش سر ولا هي عقبة، خد نفسك وخليك راجل وروح للشيخ عثمان وقوله الحقيقة.
برق بحدقتيه بصدمة:
_هي الشمس ضربت دماغك ولا أيه يا يونس، أروح أقوله انا بحب بنتك جوازهاني!! لا يجوز في أي حال من الاحوال.
تابع ببسمة خبيثة وعينيه لا تنجرفان عنه:
_لا يا إيثان أنا أقصد حقيقتك اللي فاكر إنك قادر تخبيها عن الشيخ مهران وآيوب وعن كل اللي حواليك حتى عني يا صاحبي
وتابع بخبث:
_مهو مش منطقي اهتمامك الزايد بكل المتعلق بينا لدرجة إنك أشطر من الشيخ مهران نفسه في أصولنا.
جحظت عينيه حتى كادت بالخروج عن محجرهما، فلعق شفتيه وجاهد لرسم بسمة باهتة:
_آآ… أنت تقصد أيه؟
تعمق بحدقتيه قائلًا:
_حقيقة إنك مسلم يا إيثان!!!!!!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صرخات أنثى)
في الانتظار
الروايه حلوه اوي بجد
يا ريت الاجزاء تتنشر بانتظام ويبقى ليها مواعيد محدده
بالتوفيق
روعه