رواية صدفة لم تكن عابرة الفصل الأول 1 بقلم شمس محمد
رواية صدفة لم تكن عابرة الجزء الأول
رواية صدفة لم تكن عابرة البارت الأول
رواية صدفة لم تكن عابرة الحلقة الأولى
ثمة بعض الاختيارات تُفرض عليكَ دون حتى أن تعلم بذلك، تقف كما المحارب الذي فُرضت عليه الحرب بدون سلاح لتتفاجأ بصوت الطبول يَعقبه صوت السهام ترمق جسدك الهزيل لتصبح حربًا موقوتة أنتَ ضحيتها الوحيدة.
_”أنا بقولك أهو اللي هلاقيه مناسب لفلوسي هجيبه، إنما الحاجة هتيجي علشان أنتِ عاوزة و ماما شايفة و شغل عافية كدا أنا مش نافع معايا”
صاح بملء صوته يُعنفها في الهاتف كعادته لترد عليه هي بقلة حيلة و نبرة صوت تهدجت حينما داهمها البكاء:
“يا ماجد أنا بقولك بالراحة أهو الفلوس معايا هنكمل عليهم و نجيب الحاجة اللي ناقصانا مأجرمتش يعني، كل حاجة تتعصب كدا و تقلب عليا ؟!”
زفر هو على الجِهةِ الأخرى و هو يقول بضجرٍ:
“منة !! أنا مش عاوز صداع الله يكرمك كفاية رغي لحد كدا، روحي شوفي وراكي إيه، شكلك فاضية و فاكرة الكل فاضيين زيك”
هَمت بالحديث لترد عليه و قبل أن تفعل ذلك تفاجأت به يغلق الهاتف في وجهها، بينما هي ألقت الهاتف على الفراش تبكي بحرقةٍ، حيث اختيارٌ أُجبِرت عليه حتى تهرب من الكلمات المسمومة التي تتهامس على حالها كونها شارفت على إتمام العام الثامن و العشرون من عمرها دون أن تصبح متزوجة كما غيرها من الفتيات و تكون ربة منزل كما اعتاد المجتمع وفقًا للتقاليد العقيمة، لذا قامت والدتها بتدبير أمر تلك الخِطبة حتى تضمن لابنتها نجاح تلك الزيجة.
صوت طُرقات خافتة على باب غرفتها وصلها من أخيها جعلتها تمسح وجهها بكفيها معًا ثم أذنت له بالدخول بالقدر الذي حاولت به جعل صوتها طبيعيًا على الرغم من سيطرة البكاء عليها، دلف أخيها و هو يمعن نظره في وجهها ثم قال مستفسرًا:
“مالك يا منة أنتَ معيطة ولا إيه ؟! أوعي يكون سي زفت الطين مزعلك تاني ؟!”
حركت رأسها نفيًا بسرعةٍ كبرىٰ و هي تقول بلهفةٍ:
“لأ والله يا مُصعب، أنا بس كنت مخنوقة شوية و افتكرت بابا بس وحشني أوي و طول المرة دي في السفر”
رفع حاجبه الأيسر مُستنكرًا حديثها، فهو يعلم تمام العلم أنها تكذب عليه، حتى و إن لم تنطق بذلك فيكفيه رجفة كفها و رفرفة اهدابها لِتُدلي بكذبها عليه، لذا زفر مُستسلمًا ثم قال بنبرةٍ هادئة:
“طب سِتك عاوزاكي تروحي تشغليلها الجهاز علشان الصيدلي مش عارف و أنا ورايا حاجات مهمة، عاوزة حاجة ؟!”
حركت رأسها نفيًا و هي تُغصب شفتيها على التبسم، فيما تحرك هو من أمامها نحو الخارج حتى تقابل مع والدته على أعتاب الرواق المؤدي للغُرف فسألته بتعجبٍ:
“خير يا أستاذ مصعب رايح فين ؟! مش لسه راجع من الشغل ؟ خليك معانا علشان نازلين مع ماجد نجيب حاجات لأختك”
زفر هو بقوةٍ عند ذِكرها اسم ذلك الشاب ثم قال بضجرٍ:
“أنا و الزفت دا مش بنتجمع في مكان واحد، مش بطيقه و مش بقبله أصلًا، و ياريت محدش يجمعني بيه أصلًا”
مصمصت شفتيها و هي تقول بتهكمٍ كعادتها:
“يا سلام ؟! كل دا علشان الست توأمك ؟! غيران عليها من خطيبها ؟! ربنا يخليكم لبعض يا خويا”
_”لأ…. علشان من يوم ما أنتِ خلتيها ترجعله و هي زعلانة و مقللة من نفسها، شاف نفسه هو و أمه عليها، نفسي افهم هي عيبها إيه؟!”
انفجر في وجه والدته صارخًا بتلك النبرة الحادة بعدما أُظلمت عينيه باللون القاتم، فيما ظهر الخوف على وجه والدته من طريقته تلك و هي تراه ينسحب من المكان بعدما أخذ مفاتيحه و رحل من المكان بأكمله.
★.★.★.★.★.★.★.★
“منة الله خليل”
فتاة في العام الثامن و العشرون من عمرها، ملامح بشرتها خمرية صاحبة الملامح الهادئة و عينين بُنيتين و أنفها متوسطة الحجم، جسدها ممتليء إلى حدٍ بسيط يتناسب مع طولها المتوسط كغيرها من فتيات عمرها.
لها توأم يُدعى “مُصعب” شقيقها الوحيد الذي يشبهها إلى حدٍ كبير، تعمل في روضة الأطفال الموجودة في المنطقة “حضانة” تُحظى بحب كبير من الجميع و خصيصًا الأطفال الذين تُدرِس لهم.
★.★.★.★.★.★.★.★
نزل “مصعب” من الشقة يضرب الأرض أسفله بغضبٍ في كل مرّة يحتد النقاش بوالدته بسبب ذلك الذي يُدعى “ماجد” خطيب شقيقته الذي جعلها تعاني الويلات، اصطدم بحسده في جسد الشاب الذي أوشك على صعود الدرج ليقول الأخر بسخريةٍ:
“جرى إيه يا عم مُصعب ؟! فَتح يا عم سلامة الشوف !!’
تنهد “مُصعب” بيأسٍ ثم نطق مُعتذرًا:
“معلش يا رائف حقك عليا، مخنوق شوية بس”
سأله “رائف” بتعجبٍ:
“مالك يا عم بس ؟! رايح فين كدا مش خلصت شغلك ؟؟”
حرك رأسه موافقًا ثم قال بضجرٍ:
“قولت هروح أقعد على القهوة شوية، زهقت و اتقفلت من كل حاجة”
أمسك “رائف” رسغه و هو يقول بنبرةٍ مرحة زاحمتها ضحكاته:
“وحد الله بس كدا….هينزلولي الكاتيل في السَبت و نروح المحل نقعد فيه شوية”
زفر “مُصعب” بيأسٍ بينما الأخر ظل مُمسكًا برسغ الاخير حتى تدلىٰ له ما يريده بواسطة والدته من الطابق الرابع، فيما أخذ هو مراده ثم خرج من البيت يسير نحو محل البقالة الكبير الخاص به.
ذهب “رائف” نحو المحل و “مُصعب” يسير خلفه مُستسلمًا حتى جلس الأول و قال باستياءٍ من الأخر:
“يا عم مصعب اترزع بقى !! دا إيه القرف دا، اقعد يا عم بقى”
رفع صوته حتى جلس “مُصعب” أمامه فسأله “رائف” بتعجبٍ من حالته:
“مالك بس يا سيدي، من امتى أنتَ كِشري كدا ؟؟ هما مزعلينك تاني برضه ؟!”
رفع عيناه له و هو يقول بنبرةٍ جامدة مشحونة بالغضب:
“مش هما يا عم رائف، الزفت اللي اسمه ماجد، اللي مصبرني عليه أني سألتها و قالتلي عاوزاه، خليها بقى تشرب اخرة المشي ورا أمها بقى”
تنهد “رائف” بضجرٍ ثم قال بقلة حيلة:
“هتعمل إيه يعني ؟! القلب و ما يريد يا عم مُصعب، ربنا يخليهم لبعض إن شاء الله”
ابتسم “مُصعب” بسخريةٍ ثم قال بتهكمٍ على حديث الأخر:
“يا شيخ ؟! أنتَ اللي بتقول كدا يا رائف ؟! عيب يا جدع”
ظهرت لمحة حزن في أعين الأخر ثم قال لامباليًا و كأنه لا يكترث بالأمر:
“عادي يا مُصعب، كل شيء قسمة و نصيب…. يعني هعمل إيه ؟!”
سأله “مُصعب” بنبرةٍ مقررة أكثر من كونه استفسارًا عابرًا:
“لسه بتحبها يا رائف ولا خلاص نسيتها و شيلت حُبها من قلبك”
رفع “رائف” عيناه نحو الأخر و عند اتصال نظراتهما سويًا لم يقو على الكذب أمامه، لذا حمحم بخشونةٍ يهرب من نظرات الأخر و هو يقول بثباتٍ زائفٍ:
“يا عم أنتَ لسه فاكر ؟؟ خلاص بقى كل حاجة راحت لحالها و ربنا يسعدها و يقدرني والاقي بنت حلال تقبل بيا و بظروفي”
ربت “مُصعب” على فخذه ثم قال مؤازرًا له:
“هتلاقيها إن شاء الله يا رائف، أو يمكن تكون موجودة أصلًا بس لسه النصيب مأذنش”
ظلت نظراتهما مُعلقة ببعضهما و كأنه يتأكد أن الحديث يخصها هي، فيما ابتسم “مُصعب” بخفةٍ يسخر من الأخر حتى وصل صوتها عبر سَمعِهما و هي تتشدق بنذقٍ:
“مُصعب هتيجي معايا توصلني ولا أروح لوحدي و خلاص ؟”
انتبه لها “مُصعب” فحرك رأسه نحو موضع وقوفها فيما تعلقت أبصار الأخر بها على الفور دون أن يقوى على محايدتها بعيدًا.
تحرك توأمها يقف أمامها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
“لأ هاجي معاكي علشان لو سِتك عاوزة حاجة هجبها ليها، يلا”
حركت رأسها موافقةً فيما التفت هو برأسه يُهاتف الأخر و يستئذنه في الرحيل بقوله:
“عن أذنك يا رائف، هروح معاها مش هتأخر… عن أذنك بقى”
حرك رأسه موافقًا بعدما انتبه له و لحديثه ثم هز رأسه مومئًا له دون أن يكترث بما تفوه به الأخر، و حينئذٍ رحلت “منة” مع شقيقها تاركة الأخر خلفها يتنهد بحسرةٍ على ما ودده هو و رفضته دنياهُ.
_”رائف العزايزي”
شابٌ في العام الثلاثون من عمره لديه شقيقه الكبير “رامز” و أخته التي تكبره بعامين، يعيش مع والدته بمفرده بعد زواج أخوته، و قد انتقل إلى تلك المنطقة منذ ما يقرب الأربعة أعوام صُدفةً من بين باقي الشقق التي تركها جده والد والدته بعد وفاته، بشرته تندرج بين السمراء و البيضاء لحيته السوداء التي تزين وجهه و عينيه باللون البني و خصلاته متوسطة النعومة باللون البني القاتم، جسده متوسط و كذلك طوله طبيعيًا كما المعتاد في شباب عمره.
★.★.★.★.★.★.★.★
في أحد البيوت القديمة المُتهالكة أو ما شابه ذلك صعد “مُصعب” أولًا و خلفه “منة” حتى أخرج المفتاح يوضعه في الباب و هو يسألها بتعجبٍ:
“مالك يعني ؟! ساكتة طول الطريق و محدش سامعلك صوت”
حركت كتفيها بمعنى لا شيء فيما قلب هو فمه دون أن تلاحظ ذلك و هو يقوم بفتح الباب ليدلف أولًا و من خلفه شقيقته التي اقتربت من جدتها و هي تقول بلهفةٍ:
“ها يا تيتة ؟! عاملة إيه أوعي تكوني تعبانة أو ماخدتيش العلاج التاني ؟!”
ردت عليها جدتها تلك السيدة المُسنة التي لم يظهر عليها كِبر العُمر بل تبدو و كأنها من عمر فتياتُها بضجرٍ:
“مكبرة الموضوع ليه يا بت يا منة ؟! حطيلي بس الحقنة في الجهاز و خلصيني، متبقيش نكدية زي أمك كدا”
ابتسمت “مـنـة” لها ثم شرعت في تنفيذ ما أرادت جدتها، فيما جلس “مُصعب” ينظر حوله و خاصةً نحو الشُرفة حينما وجد مُبتغاه أمامه و هي تبتسم له، حينها ابتسم هو الأخر ثم حرك المقعد في جهةٍ تقابل الشرفة فلاحظت جدته ذلك و سألته بتعجبٍ:
“خير يابن هنية ؟؟ اتعدل يالا ولم نفسك قلة الأدب دي هناك عند أمك”
رد عليها ببلاهةٍ ولا زالت ابصاره مُثبتة على الشرفة الأخرى:
“ماهو أنا طول عمري كان نفسي أطلع القمر، اديني بصبر نفسي و بتفرج عليه أهو”
ابتسمت “مـنة” بيأسٍ ثم قالت:
“خليك كدا لو عم رفعت عرف هيزعل منك، احترم نفسك و اتعدل بقى”
زفر بيأسٍ ثم دلف الشرفة يقول بقلة حيلة موجهًا حديثه للفتاةِ:
“على عيني يا إنـعـام، حكم القوي على الضعيف بقى”
دلف للداخل يجلس بجوار جدته بعدما ابتسمت له الأخرى و دلفت من الشُرفة، فغمز لتلك السيدة نحو شقيقته حتى أشارت له بأهدابها ثم قالت للأخرى بخبثٍ:
“مالك لاوية خِلقتك في وشنا ليه إن شاء الله ؟! هو المحروس ينكد عليكي و تيجي تطلعيه علينا ؟!”
ردت عليها بضجرٍ:
“طب بما انك فتحتي السيرة بقى آه زهقت منه و جيبت أخري و لو سيبته بنتك هتتعبني و تسمم بدني بكلامها، أنا سيبته بدل المرة تلاتة و بسبب الضغط برجعله، بس أنا مش حاسة أني متطمنة أنا خايفة”
تدخل “مُصعب” يقول بضجرٍ:
“ولما أنتِ خايفة كدا مكملة ليه يا منة ؟! سيبيه و يغور هو و عيلته و كل حاجة عنده”
لمعت العبرات في عيناها ثم قالت بصوتٍ منكسر:
“و لو سيبت ماجد بقى هو كمان هيبقى إيه العمل ؟! أمك هتفضل تأنب فيا و توجعني تاني بكلامها يا مُصعب ؟؟ أنتَ عارف هتقول أيه ؟! داخلة على التلاتين و لسه متجوزتيش، ولا كلام الجيران إيه دا ليه كدا يا حبيبتي ؟! طب ما تشدي حيلك كدا و فرحي ماما، إيه مش ناوية تفرحينا ؟! و أمك اللي مشيلاني الهم اني مش عاوزة افرحها، صدقني أنا بشيل غلطات مش بتاعتي و برضه مفروض عليا اصلحها أنا، أنا تعبت خلاص”
انهارت في البكاء بينما هو اقترب يجلس بجوارها و هو يقول بنبرةٍ هادئة بعدما ربت على ظهرها:
“صدقيني أنا حاسس بيكِ بس في نفس الوقت خايف عليكِ يا منة، من يوم ما الزفت دا دخل حياتك و أنتِ علطول زعلانة و متنكدة، أنا فاهم أنكم في فترة التعارف بس مفيش حد بيتعصب على خطيبته بالطريقة دي، شايف نفسه عليكِ بشغله و شقته و يغوروا الاتنين لو مش مأمنة على نفسك معاه”
تنهدت بيأسٍ بينما هو رفع كفه يمسح دموعها ثم احتضنها و هو يسألها بتعجبٍ:
“على كدا بقى أنتِ رفضتي رائف ليه ؟! كان إبن حلال و طيب و بيحبك بجد يا منة و هيشيلك في عينيه”
انتبهت لحديث توأمها لذا عقدت ما بين حاجبيها وابتعدت عنه و هي تحرك رأسها تستفسر منه باستنكارٍ غلف نظراتها، فيما سألها هو بتهكمٍ:
“إيه مش أنتِ برضه اللي رفضتيه ؟! بعدما عشم نفسه إنك تكوني ليه ؟!!”
اتسعت عينيها بدهشةٍ ثم حركت رأسها بالتساوي بينه و بين جدته و كأنها في عالمٍ آخر غير ذلك العالم الذي يعيش فيه سائر الناس.
★.★.★.★.★.★.★.★
في محل البقالة الخاص بـ “رائف” ظل جالسًا بعدما رحل جاره و صديقه “مُصعب” و على ذِكر “مُصعب” تنهد بعمقٍ حينما أخذه تفكيره إليها هي ليجد نفسه يبتسم بتحسرٍ ثم أرجع رأسه للخلف.
(منذ ما يقرب الأربعة أعوام بعد قدومه لتلك المنطقة)
نزل “رائف” من البيت نحو محل البقالة الذي ورثه من جده يبدأ في تجهيزه كما يريد حتى يأخذ منه مصدرًا لرزقه متوكلًا على المولىٰ عز وجل في الرزق الحلال لطالما كانت نيته عامرةً بكل خير.
فتح الباب الحديدي الموصود على المحل الفارغ المُظلم ثم وقف يتابعه بأنظاره بعدما وضع كفه الأيسر في خصره و كفه الأيمن في فروة رأسه يحكها من الخلف بحيرةٍ.
كانت التوقيت حينذاك على مشارف آذان العصر لذا أمسك المقعد يجلس عليه أمام المحل منتظرًا الآذان حتى يبدأ في ما يريد و في تلك اللحظة أخرج هاتفه يتفحصه حتى تفاجأ بكرة قدم تُقذف نحوه حتى سقط الهاتف من يده حينها اتسعت مُقلتيه و تثبتت عدستيه نحو الهاتف و حينما وجد الصغير يقترب من الكرة يأخذها امسكه من ثيابه و هو يقول منفعلًا بعدما اشتعل فتيل غيظه:
“أنتَ متخلف يالا ؟! حد يحدف الكرة كدا ؟! خلاص الدنيا كلها ضاقت ملقيتش غير المكان دا”
اقتربت منه “مِـنة” في تلك اللحظة تقول بأسفٍ:
“أنا آسفة والله معلش، هو بس بيحب يلعب بالكرة علطول، معلش”
رفع رأسه نحوها يقول بتهكمٍ:
“ربي إبنك يا مدام عيب كدا، افرضي جت في حد كبير و حصله حاجة”
ردت عليه بنفس التهكم:
“مدام مين يا أستاذ أنتَ ؟! دا مش ابني أنا الميس بتاعته في الحضانة، و بعدين هو متربي على فكرة”
تفحص هو الصغير بنظره ثم تشدق بسخريةٍ:
“كل دا ولسه في الحضانة ؟!”
تدخل الطفل يقول بوقاحةٍ:
“هي الميس بتاعتي في الحضانة باخد معاها درس، أنتَ مالك”
كممت هي فم الصغير ثم سحبته نحو البيت الخاص بها فرفع “رائف” صوته يقول بسخريةٍ:
“إيه داخلة بيتنا ليه ؟! هتروحي تشتكي لأمي كمان ؟!”
التفتت له تقول بضيقٍ منه:
“دا بيتي على فكرة، أنا مال أمي بأمك أنتَ ؟! شكلك فاضي”
عقد ما بين حاجبيه و في تلك اللحظة اقترب “مُصعب” منه و حينما لاحظ شقيقته على أعتاب البيت سألها بحيرةٍ:
“واقفة كدا ليه يا منة ؟؟”
اقتربت مِنه و هي تقول بنسبة قليلة من الهدوء:
“لسه راجعة و طالعة من الشغل على هنا أهو إيه اللي جابك بدري”
رد عليها يجاوبها:
“عادي بكرة الجمعة بقى و كلنا خرجنا بدري، أنتِ عاوزة حاجة؟”
حركت رأسها نفيًا فاقترب منهما في تلك اللحظة “رائف” و هو يسأله بلهفةٍ:
“ازيك يا مُصعب ؟؟ عامل إيه؟”
ابتسم له ثم رد عليه و استفسر عنه وعن أحواله في حديثٍ لم يَدم طويلًا فسأله “رائف” بتعجبٍ:
“هي الآنسة دي ساكنة معانا هنا في نفس البيت يا أستاذ مصعب؟”
رفعت حاجبها الأيسر فيما ابتسم له أخيها و هو يقول بنبرةٍ هادئة:
“آه دي الآنسة مـنة أختي التوأم مليش غيرها”
التفت بعد جملته تلك يهاتف شقيقته و هو يقول:
” أعرفك يا منة، دا الاستاذ رائف حفيد الحج إدريس اللي كان ساكن هنا و بقى ساكن معانا في نفس البيت و هيفتح المحل اللي هنا”
تحدثت هي باقتضابٍ:
“آه أهلًا و سهلًا يا أستاذ رائف اتشرفنا بيك”
ابتسم لها بنفس الاقتضاب و هو يقول:
“الشرف ليا أنا يا آنسة منة”
تعلقت انظارهما ببعضهما لبرهةٍ عابرة قطعها صوت شقيقها يأمرها بالصعود للأعلى ثم اقترب من الأخر يسأله عن أحواله.
(عودة إلى الوقت الحالي)
تنهد “رائف” و هو يتذكر أول مرة جمعته بها ثم توالت الصُدف تجمعهما سويًا ليتأكد أن لربما يكون قدره المُخبأ وليد تلك الصدف التي يتمنى ألا تكون عابرةً، لكن ذهب كل ذلك سدىٰ حينما ارتبط قدرها بأخرٍ غيره.
انتبه لظلالٍ تقف على أعتاب محله لعددٍ من الناس فرفع رأسه نحو موضع وقوفهم ليتفاجأ بابن خاله يقف في مقدمتهم و هو يقول بنبرةٍ جامدة:
“برضه مش عاوز تجيبها لبر يا رائف ؟! مش قولنا المحل دا يتقفل علشان هيرجع لينا تاني؟”
ابتسم “رائف” بسخريةٍ يستخف به و هو يقول بنبرةٍ متهكمة:
“خير يا باسل ؟! داخل حامي و سخن علينا كدا ليه ؟! أهدا يا بابا لا تروح فيها، بعدين مجمع الرجالة دي كلها و جاي علشاني ؟!”
تدخل شقيق “باسل” يقول بنبرةٍ سوقية تدل على وقاحته:
“علشانك إيه يالا أنتَ هتعيش الدور ؟! قوم اتعدل و أنتَ بتكلمنا بدل ما نسفلتك بالأرض”
ابتسم “رائف” بنفس الاستخفاف ثم اعتدل واقفًا بلامبالاةٍ و هو يقول:
“هتفضل طول عمرك ماشي ورا أخوك يا فكري….عامل زي عقارب الساعة مع كل تكة بتمشي وراه، بس خليك فاكر إنك هتلبس في الحيطة”
تدخل “باسل” يقول بغيظٍ:
“الحيطة دي اللي أنتَ هتلبس فيها يا رائف، احسنلك رجع المحل و يا دار ما دخلك شر”
اقترب منه يقف أمامه و هو يقول بثباتٍ:
“لو كل البلد بقت زريبة مش شرط أنتَ كمان تكون جاموسة”
اتسعت عيني “باسل” فيما أكمل “رائف” متابعًا حديثه بانفعالٍ:
“المحل دا ورث أمي و حقها و أنتَ عارف كدا كويس، بفلوس الدهب اللي جدك خدها منها بعد موت أبويا، و قصاده رجعلها المحل دا بقى حقها، يعني يطلع من دماغكم بدل ما اطلع جناني عليكم”
دفعه “باسل” في منكبيه و هو يقول بوقاحةٍ:
“اللي عندك هاته و أعلى مافي خيلك اركبه يا رائف”
حينئذٍ رفع “رائف” قدمه يضربه في بطنه حتى ارتد “باسل” للخلف فيما سحب “رائف” العصا الموجودة بالمحل ثم أخذ يضرب كل ما يقابله ليصبح كما الثور في وجه كل مَن يُقابله و هو يتخذ وضع الهجوم غافلًا عن نصل المطواة التي ظهر في الخفاء و كاد أن يَطعنه في بطنه و هو يقف على أعتاب المحل الداخلية و أقاربه في الخارج يحاولون الانقضاء عليه.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صدفة لم تكن عابرة)