روايات

رواية صبري الفصل الأول 1 بقلم مروة حمدي

رواية صبري الفصل الأول 1 بقلم مروة حمدي

رواية صبري الجزء الأول

رواية صبري البارت الأول

صبري
صبري

رواية صبري الحلقة الأولى

استيقظت من نومها بنفضه، تنهض مسرعة من فراشها بعدما أزاحت عنها الغطاء،أرتجفت أوصالها من البرد، لم تكترث وهى تسرع بخطاها نحو نافذتها الصغيرة بلهفة، تيبست قدماها و اتسعت عيناها بصدمة وضعت يدها على فمها تكتم شهقاتها حتى لا تستيقظ والدتها القابعة معها بنفس الغرفة، انتبهت لحالها سريعا توارت بجسدها تستند على الحائط جوارها،أغمضت عينيها بحزن تستمع لصدى ضحكاته وقد شقت سكون الليل، تابعها صوته العالى وهو يشدو بالأغاني؛ أُعتصر قلبها من الألم وهى تنصت لصوته المتحشرج بعدما تبدل الحال وأخذ يبكى وينوح كطفل مذعور.

تهمس ويدها موضوعة على قلبها الملكوم …
“اه يا صبرى”
لم تلحظ تلك التى استيقظت من نومها ولم تجد ابنتها إلى جوارها، حسرة أعتلت قلبها هزت رأسها بقلة حيلة وهى تديرها باتجاه النافذة متيقنة بأنها تقف هناك كحالها كل ليلة تسائلت بحزن عليها وعلى ما تفعله بنفسها: وبعدهالك يا بتى؟ لحد ميتا هتفضلى على ده الحال ياوردة ؟!
ثوانى مرت لتتعالى اصوات الجيران الغاضبة من أفعال ذلك المجنون ؛ جعلتها تهبط على الأرض تستند على ركبتيها لا يظهر منها سوى عيناها الفزعة وهى تراقبهم وقد غلب خوفها عليه خجلها.
جار ١وهو يطرق على باب منزله بعنف : ما تتهد بجا يخرب بيتك انت ايه يا شيخ، ملبوس مرة ضحك مرة بكا يا حزين، مش عارفين نتخمدوا من حسك العالى اتهد واتخمض لأجى احش رجبتك.
وردة بهمس غاضب: انشالله رجبتك انت ولا هو.
جار٢: انت بتتحدت مع مين هو دارى بحاجه من الأساس ده واقف ملط فى البوابه فى عز البرد وعيترقص.
جار٣: لا إكده زاد عن حده جوى افترض حرمة طلت من شباكها توعاله أكده.

صرخه عالية أفزعتهم، انفضوا على أثرها إلى الخلف، تعلق نظرهم على الباب المغلق بخوف عقب ذاك السكون بعدها.
ابتلع أحدهم ريقه بصعوبه، يرفع يده يشير باتجاه الباب ما هم بالحديث ليقاطعه صوت ضحكات صاخبة عالية.
جار٤: لااااا الحال ده ما يتسكتش عليه ابدا، هموا بينا على بيت الحج حسين .
جار٢: دلووووجت تلاجيه نايم .
جار١: هو ينام مرتاح البال فى فرشته وبالينا بالهم ده يالا بينا.
جار ٣ : ولا ليها عازة روحتكم ليه؛ يعنى هو مخبرش بعمايل ولد أخوه.
جار٤ وهو يدفعه من الخلف يحسه على السير معهم: بردك تاجي ويانا، يكش لما يلاجينا كلنا جبنا اخرنا منه يشوفله صرفة بعيد عنينا.
نظرت لاثرهم وهى تتمتم: ربنا يكفيك شرهم وشر ال رايحين ليه ويشفى عنك يارب.
**
على اول الحى حيث الوحده الصحية الخاصة بتلك القرية.

يقف أمام البوابة الحديدية وهو يرفع إحدى قدميه يثنيها ثم يعيدها لموضعها مرة أخرى يتحدث بتذمر لمن يرافقه: اخيرا وصلنا ده انا رجليا تعبت من المشى.

الغفير: معلش ياضاكتور ما هو الوجت ده وبالذات فى الشتاء ما تلاجيش مواصلة وخصوصى أن المحطة مشوارها طويل وبتعدى على خوص ياما.
احمد: طب كنت اتصرفت فى حما*ر نركبه حتى.
الغفيربابتسامة سمجه وهو يخرج المفتاح من جيبه لفتح البوابة: والله لو عندى واحد ماكنت عزيته عنك ابدا هىهىهىهى.

الطبيب وهو ينظر حوله بفضول: الحمدلله البيوت قليله اوى ال حوالينا، انت لما قولتى واحنا جايين أنها فى شارع وحواليها بيوت قولت هتبقى صداع وقلة راحة ليل نهار كده انت توريني اوضتى واريح كم ساعة فى هدوء لحسن عظمى رصرص من البرد وقعدة القطر.

الغفير وهو يحرك شفتيه فى الاتجاهين هامسا: هدوء شكلك مش عتطول ياضاكتور.

احمد: بتقول ايه؟ على صوتك.

الغفير: بجول اتفضل لأجل البرد و…

قطع حديثه وهو يبصر الرجال يهرولون بسرعة من أمامه يرتسم التذمر والوجوم على ملامحهم ، يوفقهم بصوته: هو فى ايه يا ويلد منك ليه، رايحين فين بربطه المعلم الساعة أدى؟!
احدهم:رايحين للحج حسين يشوفلنا صرفة.
ضيق عينه وقد أنتبه إلى ذاك الواقف إلى جواره متابعا.
“الاا مين ال وياك ده يا عمجابر، شكله غريب عن نواحينا؟”
الغفيرجابر: ده ضاكتور الوحده الجديد.

يهم بالرد مرحبا ليأخذه أحدهم يسحبه من يده: يالا يا اخويا نخلص من الهم ال احنا فيه وبعدين ابجا رحب براحتك يالا يالا.
احمد بدون فهم ينظر للغفير إلى جواره بعد رحيلهم: هو فى ايه؟ مالهم دول؟

قبل أن يتلقى الرد وصل إلى مسامعه صوت صرخات عاليه نفضته فى وقفته ليمسك بالباب الحديدى بفزع ينظر حوله لعله يجد مصدرها يهم بالسؤال عنها لتتسع عينيه وقد تحولت الصرخات لضحكات.
احمد: ايه ده؟
الغفيروهو يحمل الحقيبة ويدلف من الباب: ده صبرى.
احمد : صبرى مين؟
لم يجبه وتحرك للداخل واحمد مهرولا خلفه ليقف أمام المبنى .
احمد وهو يتطلع حوله برأسه بريبه وهو يستمع إلى نفس الصوت ولكن تلك المرة يبكى بمرارة.
يبتلع ريقه : ايه صبرى ده يعنى ؟ عفريت يعنى ولا بنى ادم زينا؟
الغفيربتجاهل لسؤاله ونبره الخوف به : زى ما انت شايف ياضاكتور الوحده دور واحد على الناحيه اليمين اوضة استقبال لاصقة فيها اوضة الكشف وف ريحها اوضته التطعيمات بتاعه العيال الصغيرة وعلى الناحيه الشمال اوضتك وفى وشها دورة المياة ودى السلم ال مابين اوضتك والحمام بتوديك السطح.

احمد وهو يهزه من كتفه: بقولك مين صبرى ده؟
الغفير بلا إهتمام : ده واحد من جيرانك يا ضاكتور.

احمد : وهو بيعمل كده ليه يبكى يصوت يضحك فى نفس الوقت؟!
الغفير: ربنا يزيح عنه وعن الجميع حداه شوية تعب فى مخه ماتشغلش بالك إنت.
خد اهو مفتاح اوضتك روح ريحلك هباهبة قبل الشمش ما تطلع والناس تبجى فوق راسك.
يهم بالتحرك ليمسكه احمد من يده: انت رايح فين وهتسبنى لوحدى مع ال اسمه صبرى ده.

الغفير: يا دكتور انا واقف على الباب متخفش من ايتها حاجه وقت ما تعوزنى عييط عليا عجيك قوام وبعدين الغلبان ده محبوس فى بيتهم ما منهوش خوف واهو سكت يبجى نام وانت كمان ريحلك هبابه ده مشوارك يهد يابوى.
احمد وهو يحمل حقيبته ويرحل من امامه: وتيجى من فين الراحه وأهى باينه من اولها اهى.
**
جففت دموع عينيها بيديها وهى تراه ملقى على الأرض اسفله مغمض العينين، قامت من مجلسها وعيناها لا تنزاح عنه، مررت يدها على حافة النافذة برقة وكأنها تربط على ظهره بينما والدتها قد فاض بها الكيل من ابنتها لتجلى صوتها منادية.

“وردة بتعملى ايه حداكى فى البرد ده، اقفلى المدعوج ده وتعالى جارى ورانا شقا من الفجرية يابتى الله يهديكى”

ورده وهى لا تزال تنظر تجيبها بتوهان.
“حاضر ياما”
الام بنفاذ صبر: وردة.

أغلقت النافذة بعدما استودعته لخالقها، سارت بآلية اتجاه الفراش، افسحت لها والدتها لتندس إلى جوارها وعيناها معلقة بالسقف، هزت والدتها رأسها بقلة حيلة وحزن عليها لتسحبها إلى احضانها، وكأنها كانت تنتظرها لتتشبث بها بقوه تستمد منها الدفء لجسدها وقلبها، أسندت رأسها على صدرها لتربط الأخرى عليه بهدوء.

تنهيدة عميقة خرجت منها حارقة وهى تجفل بعيناها عائدة إلى ذكرى ذلك اليوم.
“اه يا رجلى يانى انا تعبت يا وردة يابتى تعالى نريح هبابه اهنه وبعدين نكمل لف، حسبى الله ونعم الوكيل فى كل واحد معاه ومستجوى على الغلبان”

ورده: خليكى انتى هنا ياما ريحى وانا هطل فى الشارع ديه يمكن الاجى لينا مكان .

الأم بذعر: لع ماتهملنيش، خليكى جارى رجلى على رجلك دى بلد غريبة عننا نعرفوش فيها حد ولا نعرف طبع ناسها وعوايدهم.

ورده: ياما ماتخافيش وبعدين الشارع قصيير وبيوته قليله يعنى مش هغيب عن عينك ما تخافيش.
ربطت على يدها ورحلت من أمامها.
بينما الأخرى عيناها تتبعها بخوف ، تتذكر سبب تركها لبيتها الصغير وقريتها التى ولدت وعاشت وتزوجت بها وقد تركتها هاربة بإبنتها لتحميها من شر النفوس الفاسدة التى لا تراعى حرمة ولا تكترث لشرف وبالأخص عندما تكون فتاة كابنتها صغيرة جميلة فقيرة ليس لها اب او اخ يدفع عنها ويحميها او عائلة تكن لها ظهرا يسد عنها.
افاقت فزعة على صوت فتح البوابة التى تستند عليها لتهب واقفة من مكانها مع خروج احدهم منها.
الام : بسم الله الرحمن الرحيم.
الغفير: ما تخافيش يا ست، انا عم جابرغفير الوحده سمعت صوت بره فجولت اشوف الحكاية
الام ببعض الراحه : اعذرنى يا عم جابركنت بريح هبابة من اللف وبتى معايا.
الغفيرجابر: شكلك مش من إهنه ؛ الطلة الزينة دى اول مرة أوعالها.

الام بابتسامة خفيفة: تسلم وتعيش ياعم، احنا من بلد جريبة منيكم وبنلف على بيت نأجروه ومحدش راضى بينا يا عم وال يرضى بيغلي علينا الاجره يعنى بيطيروا ورانا بالحسيس.
الغفير وهو يعقد حاحبيه: ليه انتوا من أنهى بدنه من بيت مين؟
اجابته وهى تطرق رأسها لاسفل: بدنه على باب الله.
هز رأسه بتفهم فنسبهم يعود إلى ما يطلق عليه الحلب ومعظم بيوت العائلات لا تقبل بهم هنا سوا للخدمة فقط بسبب تلك السمعة التى توارثتها الاجيال عبر الزمن.

عادات عفى عليها الزمن ولا تزال موجوده ببعض المناطق حتى الآن.
لمعت براسه فكرة ليقول مسرعا: فى الناحية القبلية بيوت كتير بتأجر وهتلاقى ناس كتير هناك من بدنتك.
رفعت رأسها له وترقرت الدموع من عينيها: روحت ولجيت بس.
الغفير : بس ايه غلوا عليكى؟ تعالى وياى وانا اشندلهملك ومحدش يجدر يفتح خشمه.

هزت رأسها ب لا تجيبه بحزن
الغفير بعدم فهم: أومال؟!
صمتت على اثر صوت ابنتها التى أتت مهرولة تنادى: لجيت بيت ياما لجيت بيت.

رفعت نظرها لابنتها القادمة باتجاهها تتذكر نظرات ذلك الرجل الوقحة لابنتها لتتركه وترحل بعدما اتفقت معه على الإيجار.
نظر الغفير للفتاة ليبتسم عليها: تبارك الرحمن.
هز رأسه بقله حيلة، الفتاة جميلة وصغيرة بالتأكيد أنه أحد هؤلاء الأن*ذال آثار بقلب والدتها الخوف على ابنتها وربما على نفسها هى أيضا ولا يستبعد أن يكون سعفان ذلك المتصابى الوقح.

عاد بنظره للمرأة: هملتى بيتك وبلدك ببنية كيه بتك ليه يابتى؟

رفعت الام نظرها لإبنتها الواقفة تنظر لهما بعدم فهم
” راجلنا مات يا عم”
وقد خانتها دمعة من عيناها أزاحتها الفتاة سريعا بيديها وهى تتحدث لها.

وردة: تزعليش ياما لجيت بيت مقفول وانشالله أصحابه يأجروه لينا.
الغفير بخبرة رجل عاش كثيرا ومر عليه الكثيروقد فهم ما تعرضتا له نساء وحيدات مثلهن من مضايقات.
ليقرر بينه وبين حاله أن يساعدها على قدر استطاعته.
الغفير: جوليلى يا بتى أنهى بيت ده.
ورده: وهى تشير له على منزل من الطوب الأخضر صغير يقع على بعد منزلين منهما.
هز الرجل راسه: امممم البيت ده أصحابه ناس زينه وولاد حلال.
الام: يعنى انت عارفاهم يا عم.
الغفير : اومال انا اعرف كل ال فى البلد وخصوصى ال فى الشارع ديه واصحاب البيت ديه اعرفهم من وهما صغار كمان.
الام: بالله عليك اتوسطلنا عنديهم يأجروهولنا.
الغفير بتنهيدة ينظر لها : الصراحه يا بتى دول هوارة وكل ال فى الشارع ده جرايب فى بعديهم وأولاد عم مش بيسكنوا حد غريب من عيلة تانية فايش قولك لما يكون يعنى لا مؤاخذة.
هزت رأسها بتفهم واطرقت لاسفل.
ورده: يا عم انت جولت عليهم اولاد حلال جرب يمكن، الله يخليك.
الغفير ناظرا لها ولجمالها يفكر كيف يمكن أن يساعدهما، نظر للأم متحدثا: اصحابه شابين اخوات عايشين لحالهم فى البيت ال فى وش البيت ال بتك شاورت عليه .
الام بهلع: ايه شابين ولحالهم
ورده: لحالهم فى البيت ده ، ده واسع جوى.
الام: وانتى عرفتى من فين يكش تكونى دخلتيه؟
ورده: لاا ياما سور ال محاوط البيت واخد يجى نص الشارع اطلعى وراكى كده تلاقى السور عدل.
الغفير: ده قيراطين بادئ من جارنا هنا لجوه.
الام بيأس : يالا نشوفلنا حته ولا جامع ننام فيه الليلة دى العشا على آذان والدنيا ظلمت والبلد سكتت.
الغفير وهو يغلق البوابة بعدما خرج: البلد هنا بتسكت من المغرب، اسمعى يا بتى من عمك احنا هنعمل كيف ما البنية جالت هنروح ونشوف يمكن.
الام: بس دول شباب يا عم.
الغفير: هو انتوا عتعيشوا معاهم هما لحالهم وانتوا لحالكم، بس دارى وشوشكم بالبردة زين ما تبينوش منها حاجة واصل علشان لو وافقوا يبقا قلبك مرتاح وتطمئنى واظن انك فهمانى.
هزت رأسها: صوح ياعم، اعملى كييف ما عمك جال يا وردة.
وردة: حاضر ياما.
الغفيرجابر: اصحاب البيت دول شابين”صبرى” الكبير وأخوه “محمد” الصغير ابوهم وامهم تعيشوا انتوا فات لعياله البيتين دول وبيت تالت فى نص البلد وأرض وصبرى كمل علامة ومسك ارض ابوه والأرض والخير زاد على يده، رجل محترم طيب العيبة ما تطلع من خشمه ابداا.
الام: ربنا يجبر بخاطرنا معاه.
الغفيرجابر: صبرى طيب وال فى يده مش ليه عمره ما رد حد دق بابه، فشحال اتنين ولايا لحالهم؟!
الغفير وهويقف أمام باب خشبى كبير يدق عليه: بإذن الله مجبورين.
بينما ورده انهك جسدها التعب من المشى والبحث، لم تأكل شيئا منذ الصباح وكانت كلما سألتها والدتها إجابتها بأنها ليست جائعة حتى لا تثقل عليها، بدأ الدوار يصيبها ولكنها تماسكت وشئ يخبرها أن هذا الصبرى لن يردهن خائبات.
“مين بره”
الغفيرجابر: افتح يا محمد يا ولدى عمك جابر.
محمد : مرحب يا عم اتفضل.
الغفير: وسع هبابه من المدخل معايا ناس.
محمد وهو ينزاح جانبا: يا مرحب بيك انت وضيوفك ياعم.
دخل جابروخلفه السيدات .
جابرلمحمد: جول لصبري عمك جابرعايزك ضرورى.
ماهم محمد بالتحرك لياتى صوته الرخيم.
صبرى بوجه بشوش: وهو صبرى يقدر يسمع صوت عمه جابرفى داره وما ينزلش يرحب بيه.
الغفير جابر: عيشت يا ولدى.
تلك النغمة الرنانه هزت شيئا بقلب تلك المراهقة الصغيرة ذلك اللطف وهو يقطر من حديثه جعلها ترفع راسها قليلا من أسفل عباءتها تتطلع بفضول لصاحب تلك الأخلاق الحميدة التى تغنى بها ذاك الغفير الطيب.
جسد طويل أظهر الجلباب الاسود رشاقته، رفعت رأسها لأعلى حتى تتبين ملامح وجهه ليتوقف نظرها على ذاك الوجه القمحى بابتسامته الصافية وعيناه السوداء بخصلات شعره التى تنافسها باللون.

ترنحت قليلا فى وقفتها لتمسك والدتها بيدها هامسة: مالك يابتى؟ انتى زينة؟
ورده بنفس الهمس: ما تجلجيش ياما انى زينة.
الغفير جابرحتى لا يطيل بوقفتهم: استريحوا انتوا على الدكة” الكنبة”
نظر إلى صبرى متابعا…
“عايزك فى خدمة للغلابة دول يا ولدى”
صبرى دون أن ينظر لهما: لو بيدى ما هتأخر يا عم جابر.
سرد له ما يتعلق بالسيدات مع بعض الإشارات المبطنة لوضعهن وما تعرضن له من مضايقات حتى لا يحرجن أمامه.
ليصمت صبرى وهو يذم شفتيه بتفكير ليتحدث أخاه محمد بتسرع كعادته..
-ما انت عارف يا عم احنا ما بنأجرش بيوتنا ولوحوصل اكيد مش لحلب لا نعرفلهم اصل من فصل ولا ايه ال وراءهم.
شهقة خافته تنذر بموجه من البكاء خرجت من فم تلك الصغيرة لتمسك والدتها بيدها وتقف من مجلسها.
“جومى بينا يا بتى ولينا رب اسمه الكريم، تشكر يا ولدى”
صبرى: استنى يا خالة.
نظر إلى أخاه بعتاب ليشيح الآخر بنظره إلى الجهة الأخرى.
” خوى ما يقصدش حاجه عفشة ولأجلك ولأجل البنية ال معاكى”
اخرج من جيب جلبابه مفتاح وضعه بيد عم جابر.
ده يا عم مفتاح البيت وربنا يعلم أنه عزيز علينا وغالى وخصوصى أنه من ريحة الحبايب، مش هوصيكم عليه”
الام بلهفة تسلم وتعيش يا بن الأصول.
نظرت إلى الغفير تشير له بيدها على النقود.
ليفهم عليها سريعا.
الغفيرجابر: الأجرة كام يا ولدى وخليك حنين لأجل عمك جابر.
صبرى: واه يا عم جابربقولك من ريحة الحبايب تقولى فلوس بردك.
محمد بنفاذ صبر: كاااامان بلوشي.
صبرى: محممممممد!
المرأة بحرج: اعذرنى يا ولدى وانا مش هجبل اخطى فيه غير لما نتفجوا الاول على أجرته.
صبرى حتى لا يحرجها اكثر: خلاص وال يطلع من ذمتك انا راضى بيه.
الام: يبقا هتكون …. زى ما اتفقت مع الرجل ال كنت هسكن حداه.
صبرى: وانا موافق يا خالة.
عم جابر: يالا على بيتك الجديد يا حجه ريحى انتى وبتك يالا.
هزت رأسها له تنظر إلى بنتها” يالا يا وردة يا بتى”
قامت بوهن لتتحدث بضعف” حاضر ياما”
ما كادت تخطو خطوة واحده لتسقط على الأرض فاقدة للوعى.
ضربت الام على صدرها برعب “بتى”
محمد: وادى اول النصايب ال هتهل من وراهم، يكش تكون ماتت ونروح فى ابو نكله.
صبرى وهو يهبط إلى مستواها هو والعم جابر: اتلم يا محمد كأنها مسورقه.
جابر: البت لسه صغار ما اتحملتش اللف من الصبح وتلاقيها ما اكلتش.
صبرى وهو يحملها بين ذراعيه وخلفه والدتها تبكى: اسبقنى يا عم اجابروافتح لهم دارهم.
دلف بها وهم خلفه يريحها على الأريكة القابعة خلف الباب.
التقط انفاسه، بعد ما خرج: ابقى فوقيها يا خالة على راحتك ما تتخلعيش عليها هى بس وجعت من التعب.
هزت رأسها ليخرج الرجال وتغلق خلفهم الباب.
محمد : هتهملهم البيت بعفشة؟!
صبرى : دول يدوب دكه وسرير وكم طبق لحقت خليتهم عفش! جدامى يا محمد الله يهديكى.
محمد:وولاد عمك الواقفين زى الغفر دول هتقولهم ايه؟
نظر إلى الواقف إلى جوارهم معتذرا: لا مؤاخذه يا عم جابر.
صبرى: ايش حشرهم هما! هو انا اجرت ليها دارهم ولا دارى عجايب!
التفت متابعا حديثه: عم جابرمعلش استنى هبابه خد للجماعة وكل.
محمد: وكل كمان!
جابر: ابعته ليهم انت يا ولدى انت ها انت ، الوحده لحالها عوجت معاكم وانت عارف ولاد المؤذية كتير.
صبرى : خلاص روح شوف اشغالك وانا هدهولهم من على الباب وامشى.
بعد وقت وقف أمام الباب يحمل بيده حقيبة بلاستيكية طرق بلطف على الباب.
الام من الداخل وهى تساعد ابنتها على النهوض والاعتدال استمعت إلى الطرق، ابتلعت ريقها برعب؛ فمن سياتى لهم فى هذة الساعه من الليل؟! بل من يعرفهم هنا من الأساس؟!
‐ مين؟
صبرى: انا يا خالة، صبرى.
فتحت الباب بسرعة بخوف لربما تراجع فى حديثه معهم: خير ياولدى.
خدى يا حجه دى حاجه على الكد من خير الأرض معلش محدناش حريم كنا قمنا معاكى بالواجب.

تغللت إلى انفها تلك الرائحة التى تهيم بها عشقا ولا تأكلها الا نادرا لتصيح بدون وعى منطلقة باتجاه الباب تمسك الكيس بلهفة:
“مااانجا”.
للحق تفاجأ بها وهى تقف أمامه بوجهها الابيض عيناها بلون القهوة ملامحها الطفولية، وهى تجذبك لتدقق النظر بها ، شعرها بلونه البنى وقد انزاح غطاء رأسه عنه قليلا.
الام بخجل من ابنتها: تشكر وتعيش يا ولدى.
تنحنح بحرج يعطى ظهره لهم: تصبحوا على خير.
أغلقت الباب خلفه، ليهمس .
“على رأى محمد ده كأنه هيبقى مرار طافح، البت صغار والكلاب كتير”

“بس يا خسارة الحلو مايكملش تغور، الحلاوة من غير اصل وفصل”
انتفض ناظرا له ، يخرب بيتك انت اهنه من امتى؟
محمد وهو يشير بيده: من وجت خير الأرض.
صبرى: محمد انا عارف انك تحب الهزار والضحك وتبان ثجيل ومشفتش رباية.
محمد وهو يضرب على صدره بيده بفخر: تعيش يا خوى.
صبرى متابعا: بس كمان موتاكد أن اخوى رجل صوح ويصون عرض الولايا وميجيش عليهم وخصوصى لما تكون بنية صغيرة كيه دى محتاج اخ.
محمد: صغارمين؟ دى كدى او اقل هبابه.
صبرى: محمد.
محمد بضحكه وهو يسير إلى جواره: بضحك معاك يا عريس، المهم خلاص نويت بكرا على قراءة الفاتحه على بت علوانى.
صبرى: بإذن الله.
محمد بضيق : والله انا ماعجبنى النسب ده.
صبرى: دول من طرف عمك.
محمد : ما هو علشان إكده مش عجبنى.
صبرى وهو يضربه على مؤخرة راسه: يالا يابو نص لسان اهو الحق اخش الدنيا قبل ما البس فى الجيش بسبب جنابك.
محمد : قلبك اسود يا اخوى.
صبرى: جوووى.
لم تشح نظرها عنه من خلف الباب المغلق نسبيا وبيدها ثمرة المانجا تأكلها بنهم حتى أتت والدتها..
-واجفة إكده ليه؟ تعالى غسلت الفاكهه تعالى كولى، الواحد محسش بقرصة الجوع غير وهو بيغسلها ريحتها تجرى الريق، الله يزيده ويوسع عليه.
ورده: يارب ياما.
دمعة سقطت من عينيها المغمضة وهى تتذكر بعدها كيف كان يقف إلى جوارهن، بوجه كل من يعترض على وجودهن، كيف ساعدهم برفقة عمها جابرعلى العمل بفرش صغير من الخضار على اول الشارع فى مقابل الوحده تبيع وتشترى حتى لا تضطر للنزول إلى الحقول والتعرض للمضايقات، كيف كان يقف على بعد منها يحميها من مضايقات الفتية حتى محمد أخاه كانت تشعر وكأنه مكلف بحراستهن هى ووالدتها.

رأت فيه ذلك البطل بأحلامها فارسها المغوار من أمن لها منزلا دافئا، عملا رغم بساطته الا انه خاص بهن ، فعل كل هذا ولم يرفع عينه بها قط لا هى ولا والدتها، قدرهن واحترمهن ماذا تريد الفتاة اكثر من هذا ليغرق قلبها بعشق رجل كهذا؟!

اغمضت عينيها تقبض على دموعها المتساقطة تكتم شهقة حارقة داخل صدرها حتى لا تشعر بها والدتها، لكن قلب الأم لا يغفل عن حال ابناءه لتشتد بضمها قبلت أعلى رأسها بقبلة حانية دعت لها بصدق.
“ربنا يريح قلبك ويهديلك حالك يا بتى”
بينما الاخرى فى عالم آخر ومعالم ذلك اليوم تعاد إليها من جديد.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية صبري)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى