رواية شهادة قيد الفصل الرابع 4 بقلم دودو محمد
رواية شهادة قيد الجزء الرابع
رواية شهادة قيد البارت الرابع
رواية شهادة قيد الحلقة الرابعة
ضغطت ذات على أسنانها بغضب، ونظرت إليه بتحدٍ، وقالت بوهج من العاطفة:
“اتجوز ازاي وأنا متجوزة!”
صدم مهران عندما سمع الكلمات تنطلق منها، كأنها أخرجت سيف الخيانة من غمده. اتسعت عينا مهران وسليم من الدهشة، وكأنهما لم يتوقعا أن تتجرأ على التصريح بما يخفي كل منهما في قلبه. اقتربت ذات من مهران، ممسكة بذراعه، وقالت بابتسامة تخلط بين التحدي والغرابة:
“أيوه يا سولي! مهران كان شرطه أمبارح علشان أنام عنده فى الشقة أننا نتجوز، وأنا وافقت وأتجوزنا. أصله محترم أوى، وده اللي شدني ليه. سوري يا عمو! نسيت، الواحد بقى ينسي حاجات غريبة.”
صدمته الكلمات حتى أجبرت مهران على التفكير بصوت عالٍ، وهو يحاول استيعاب ما تفوهت به الآن. وقبل أن يتمكن من الكلام، سمع صوت سليم الغاضب يتردد في الأفق:
“أنتي أتجننتي؟ جواز أيه ده؟ عرف يضحك عليكي علشان ياخد منك اللى عايزه. مينفعش جواز أصلاً من غير وكيل! يعني اللى حصل بينكم حرام.”
ردت سريعًا، مصممة على توضيح موقفها:
“ومين قالك أننا أتجوزنا من غير وكيل؟ أنا أتصلت بخالو رفعت وجه أمبارح، وكان وكيلي، وكمان فيه اتنين شهود مضوا على قسيمة الجواز، يعنى جوازنا مش باطل.”
ما زال مهران يحاول أستيعاب ما يسمعه من هذه الفتاة المتهورة، وأخيراً أستطاع أن يتكلم قائلاً:
“أنتي بتقولي أيه يا مجنونة، جواز أيه ده؟”
تكلمت سريعاً، بابتسامة بلهاء على شفتيها:
“متخافش يا حبيبي! سولي مش هيزعل منك. ده بالعكس، هيفرح لينا أوي، وهيبارك لينا كمان، صح يا عمو؟”
أتسعت عينا مهران بعدم تصديق وهو يراقب ردة فعلها الهادئة وبراعتها في الكذب، حتى كاد أن يصدق ما تقوله من شدة إقناعها. أقترب سليم من ذات وحاول صفعها، لكن يد مهران كانت الأسرع، أمسك بها بقوة ووقف أمام ذات، ووجه نظره إلى عمها بغضب، قائلاً:
“لا لحد كده وعندك، قبل ما تحاسبها، روح شوف أبنك، وخليه يسترجل شوية، بدل ما بيستقوى على واحدة ضعيفة زي دي. أه هي مش ملاك بس قبل ما تشيلها الليلة، شوفوا نفسكم الأول.”
أرتسمت أبتسامة على وجه ذات، بسعادة غامرة، إذ شعرت لأول مرة بالأمان، كأن أحداً يدافع عنها دون أي مقابل. تنهدت براحة، وأمسكت بملابس مهران من الخلف. ضغط سليم على أسنانه بغضب، ونظر إلى مهران بتحذير، قائلاً:
“بلاش تتحداني، علشان أنت مش قدي! أنت هطلق بنت أخويا دلوقتي حالا، فاهم؟”
تعالت عنده روح التحدي، أمسك يد ذات و أرغمها على الوقوف بجواره، ونظر إلى سليم بغضب قائلاً:
“طلاق مش هطلق، وأعلى ما في خيلك أركبه! أنا مش بتهدد ولا بخاف، وجرب بس تمس شعره منها، وأنا هعرفك مين مهران الشرنوبي، فاهم؟”
تعالت دقات قلب ذات بسعادة، أمسكت يده بقوة، ونظرت إلى مهران بأمتنان.ضغط سليم على أسنانه بغضب، وقال بتوعد:
“أنت كده دخلت حجر التعابين برجلك! متقلبش مرا وقت ما تبقى تحت أيدي.”
ثم نظر إلى ذات وقال بغضب:
“أما أنتي بقى حسابك معايا بعدين، ومن اللحظة دي مش عايز أشوف وشك في الشركة دي، ولا الفيلا! غوري من وشي.”
تكلمت بغضب، وقالت:
“هو إيه اللي مش عايز تشوف وشِّي في الشركة؟ دي شركة بابا الله يرحمه، أنت نسيت ولا إيه؟”
نظر لهم نظرة مطولة وأومأ برأسه بتوعد، قائلاً:
“تمام أوي كده، عرف يفتح عيونك بسرعة، وخلاكي تتكلمي في حقك. فؤقي يا ذات، ده طمعان فيكي و بيعمل كل ده علشان ياخد اللي وراكي واللي قدامك، ده نصاب، ودي غلطتي أنا علشان أمنت عليكي مع واحد زي ده. قريب أوي هصلح غلطي ده.”
أنهى كلامه وخرج سريعًا، تاركًا إياهم في بركان من المشاعر.نظر مهران إلى ذات بغضب، وعقد ذراعيه على صدره، وظل صامتاً كأنه يحمل هموم العالم. تنحنحت بإحراج وتكلمت بأسف:
“أ أنا آسفة أني دخلتك اللعبة معايا بس مكانش قصادي حل تاني غير كده.”
أخذ نفسًا عميقًا وحاول أن يهدأ قليلًا وتكلم بحذر:
“أممم… والحل إيه دلوقتي؟ أكيد عمك مش هيسكت عن اللي حصل ده و هيعرف الحقيقة.”
جلست على الأريكة بحزن، وأومأت رأسها بتفهم، وقالت:
“عارفة، بس أهو عندي وقت أفكر. هعمل إيه معاهم، دول ناس جشعة، كل اللي يهمهم الفلوس والشركة وبس، أنا آخر همهم. عايزين يجوزوني لأبنهم علشان يضمنوا الشركة، مش هتروح من تحت أيديهم. أنا متحوطه بتعابين يا مهران، ولازم أكون حذره معاهم، علشان في أي وقت معرضة للدغهم.”
شعر بالإشفاق تجاه ذات، وجلس بجوارها، وتساءل:
“طيب ما أنتي كنتي عايشة وراضية بده كله من زمان، إيه جد دلوقتي معاكي؟”
نظرت له بعينيه وتكلمت بمشاعر متضاربة: “وجودك جنبي قوى قلبي، حسيت بأن أنا مستعدة أعمل كده دلوقتي.”
سرح بعينيها، وأستطاع قراءة ما في عيونها، وكان يتخيل ما تود قوله له. لكن لسانه لم يقوَ على النطق بما يختلج داخله. رأى أستغاثة في نظراتها. ظل تائهاً حتى أنتبه إلى حاله، وأشاح نظره بعيداً وقال بتلعثم:
“طب… طيب، أنتي ناوية تعملي إيه دلوقتي؟”
حركت رأسها بعدم معرفة، وقالت:
“مش عارفة، بس خلاص مافيش تراجع. أنا أخيراً أخدت أول خطوة، وهكمل المشوار إذا كنت هتكمل معايا ولا هتسيبني لوحدي.”
تنهد بضيق وأرجع جسده إلى الوراء، وتكلم بنبرة جادة:
“أنا هكمل. هعتبرك شغل زي أي شغل عادي. هحميكي لحد ما تخدي حقك، وبعد كده هروح أكمل مشواري مع شغل تاني.”
لا تعلم لماذا شعرت بالضيق من كلماته، لكنها حاولت إظهار عكس ما يدور بداخلها، وظلت هادئة، وقالت:
“أوك، وأنا موافقة. وشوف هتاخد كام مقابل ده، واللي هتطلبه هتخده وزيادة.”
حرك رأسه بالرفض، وقال:
“لا طبعًا، أنا هعمل كده تطوع، مش أكتر.”
حاولت الحفاظ على كبريائها، وقالت:
“طبعاً مينفعش يا مهران باشا، ده شغل زي ما بتقول، وأنا مقبلش أكل حق حد. ده تعبك وشقاك، ولازم تاخد حقك زي أي حارس شخصي كنت هجيبه.”
تكلم بدعابة، وهو يستقيم بجسده، قائلاً:
“وَأنا مقبلش آخد فلوس مقابل حماية مراتي، ولا إيه؟”
أنهى كلامه بغمزة، وخرج من غرفة المكتب تاركاً إياها في حيرة من أمرها. نظرت أمامها مصدومة بما قاله مهران، لأول مرة يطلق دعابة معها. لأول مرة يستخدم أسلوب لين معها. أرتسمت أبتسامة على شفتيها، وتنهدت بسعادة، وعادت مرة أخرى إلى مقعدها خلف مكتبها، وبدأت تتابع عملها.
«««««««««««««»»»»»»»»»»
انتهى وقت العمل الرسمي في الشركة، وكأن الأجواء المحيطة كانت تعكس حالتها النفسية. وقفت “ذات” بوجه شاحب، و تعبًا شديدًا، وزفرت بضيق، قائلة:
“هو النهارده اليوم طويل أوي كده ليه؟ يوم طويل ومتعب”
بينما كانت تتذكر تفاصيل اليوم الذي اعتاد على استهلاك طاقتها منذ اللحظة التي وطأت فيها قدميها المكتب. وفي تلك اللحظة، انفتح الباب ودخل “مهران”، يحمل الحقائب في يديه وكأنها ثقل الأيام الماضية، واقترب منها وتكلم بتساؤل:
“خلصتي ولا لسه؟”.
ردت عليه بصوت مفعم بالإرهاق، كأن الكلمات تخرج منها بصعوبة:
“خلصت الحمد لله، عايزة أروح أخد شاور وأنزل أغير مودّي شويه”.
لكن نظرته إليها بعينين مثقلتين بالضيق كانت كفيلة بإشعارها بأن الأمور لا تسر. تحدث بنبرة حادة، عكست قلقه:
“خدي دول وادخلي الحمام غيري الهدوم اللى عليكي دي”.
تلقته باستغراب، فأجابت ببساطة:
“طيب وليه؟ ما أنا كده كده هروح أخد شاور وأغير هدومي”.
هز رأسه بالرفض وقال بنبرة محذرة تعبر عن قلقه الشديد:
“مافيش خروج من هنا بالهدوم اللى عليكي دي، ادخلي غيري هدومك يا ذات”.
زفرت بضيق وكأنها تحمل هموم العالم، وأخذت منه الملابس واتجهت إلى المرحاض. دلفت إلى الداخل، وبدأت في تبديل ملابسها، ولحظات تنعكس في مرآة الحمام، نظرت إلى انعكاسها بعدم رضا. كانت ترتدي فستانًا طويلًا واسعًا مع جاكت جينز، ومع ذلك، شعرت وكأنها ترتدي ثقل يوم كامل عليها. خرجت سريعًا نحو “مهران”، وتحدثت بضيق، وكأن الكلمات احتاجت لمجهود كبير لتخرج منها:
“إيه ده فستان طويل وجاكت جينز؟! أنا عمري ما لبست فستان بالوسع ده وكمان طويل، وفوقه جاكت، أنا مستحيل أخرج كده”.
رغم بساطة الملابس، إلا أن مهران نظر إليها بإعجاب شديد؛ حيث أضافت لمسة من الجمال والرقة على مظهرها الذي كان يعكس روحها المتعبة. اقترب منها وتحدث بنبرة هادئة محملة بالثقة:
“بالعكس، الفستان جميل أوي عليكي، والاستايل ده لايق أوي ليكي، شكلك رقيقة وكيوت”.
أبتسمت له برقة، وكأنها تلقت مكافأة على مشاعرها، أحست لأول مرة أن أحدًا يهتم بها ويساعدها في إختيار ملابسها. لم تستطع رفض ما قاله، ولا أن تجادله كعادتها. أومأت برأسها بالطاعة وانطلقت أمامه إلى الخارج، متجهة نحو المصعد كالفتاة التي تتطلع إلى بداية جديدة.ظل يتابعها بعينين مليئتين بعدم التصديق؛ لأول مرة تكون مطيعة دون أن تجادله كما اعتادت. ارتسمت ابتسامة على ثغره، وسار نحو الخارج حيث وقف بجوارها حتى انفتح باب المصعد. دخلا معًا، ثم هبطا إلى الأسفل، حيث تحركت معه إلى السيارة. الغريب أن مهران أمر السائق أن يأتي بالسيارة الأخرى، وصعد هو خلف المقود، بينما جلست “ذات” بجواره على المقعد الأمامي، وكأنها كانت تبحث عن الأمان بين ظلال وجوده. سألت بدهشة، وكأنها تتحدى الموقف:
“غريبه، أشمعنا المرادتي مطلبتش مني أرجع وراه وهتسوق أنت العربية من نفسك؟”.
أدار السيارة وتحدث بنبرة جادة، تنم عن تفكير عميق:
“عادى، مش حمل مُناهد، كفاية اللى حصل طول النهار”.
نظرت أمامها إلى الطريق، ورأت أن مهران يتجه إلى الفيلا الخاصة بعَمّها، وشعرت بالقلق، وكأن قلبها بدأ يدق بمعدل أسرع. صرخت بسرعة، كأنها تحاول إبعاد شبح الخوف:
“أنت رايح فين كده؟ أنا مش رايحة الفيلا بتاعة عمي! أنت ناسي اللى حصل الصبح، ومراته ما هتصدق تلاقي حاجة تشعلل الدنيا بيها ولا أبنهم مش هخلص منه، أكيد عرف بموضوع جوازنا أنا وأنت”.
أوقف السيارة بطريقة مفاجئة، ونظر إليها باستغراب، قائلًا بتساؤل:
“نعم، مش هتروحي الفيلا عند عمك؟! أمال ناوية تروحي فين؟!
نظرت له ببراءة وعفوية، وأجابت:
“عندك طبعًا يا مهورتي، هو ينفع الست تنام في بيت تاني غير بيت جوزها”.
اتسعت عينيا مهران بصدمه، وتكلم بعدم فهم، وكأن قنبلة انفجرت في وجهه:
“بيت إيه وجوز مين؟! أنتي صدقتي نفسك ولا إيه، أنا مستحيل أخدك تعيشي معايا”.
مدت شفتيها كالأطفال، وقالت بزعل مزيف، كأنها تلعب مع مشاعر شخص آخر:
“أخس عليك يا مهورتي! هونت عليك تقول كده؟ ده خبر جوازنا زمانه انتشر في العيلة كلها، ومينفعش أعيش في بيت تاني كده، عمي هيكتشف الحقيقية، وبرضه هيجوزني ابنه. بليز يا مهورتي، وافق، وخدني أعيش معاك فترة بس لحد ما أظبط أموري، وأشوف شقة أعيش فيها”.
أغلق عينيه بنفاذ صبر، متألمًا من الخلافات التي تتراكم كالكلمات على لسانه:
“أولًا، أسمى مهران مش مهورتي، ثانيًا، أنا مالى بكل ده! أنا قلتلك هساعدك وأحميكي، بس مش لدرجة أخدك معايا الشقة ونعيش أنا وأنتي في بيت واحد. أنتي ليلة واحدة خليتي عيني في وسط راسي، واحتليتي سريري، وأنا نمت على الكنبة لما ضهري انكسر”.
تعالت ضحكاتها على كلماته، اقتربت منه بشدة وتحدثت بصوت هامس، وكأنها بدأت تستمتع به:
“متخافش على نفسك مني يا مهورتي، ده أنا قطة مغمضة”.
نظر إلى شفتيها، وتعالت أنفاسه، وابتلع ريقه بصعوبة، مضيفًا بلهجة تحمل مزيج من التوتر والقلق:
“اهدي شويه، الله يحرقك! مين دي اللى قطة مغمضة؟ يارب صبرني على البلوة دي”.
ثم اعتدل على مقعده، وأدار السيارة بسرعة متجهًا نحو شقته، كأن كل هذا جزء من قصة يُكتب بحروف من توتر ومشاعر متناقضة.
تعالت ضحكات ذات، تتراقص كأصداء فرح في الهواء، مما زاد من توتره المتزايد. كانت عيناها تتألقان بسعادة غامرة، تأخذان بريقهن من أشعة الشمس التي كانت تتلاعب بخيوطها الذهبية فوق رؤوس الأشجار. مشاعر إيجابية غمرتها وكأن الطريق الذي يسيرون فيه يعد بمفاجآت مبهجة عند كل منعطف، وكأن كل خطوة قريبة منهم تنطوي على وعود جديدة بالسعادة والمرح. لكنها لم تكن تدرك أن تلك اللحظات السعيدة كانت تضاعف من إحساسه بالقلق والتوتر، حيث أصبح كل شيء حوله يجسد اهتمامًا متضاربًا بين الفرح والترقب. الأشياء المعتادة حوله تبدو وكأنها تتلاشى في ضجيج تفكيره، والأشجار المتمايلة على جوانب الطريق بدت تدعو لأجواء مبهجة بينما كانت أفكاره تتوجه نحو سيناريوهات معقدة. كان يشعر وكأنه يسير على حافة هاوية، وكل ضحكة منها كانت تتردد في رأسه كصدى قلق يذكّره بأن الأمور قد تأخذ منحى غير متوقع في أي لحظة.
«««««««««««««»»»»»»»»»»
جلست هاله على الأريكة، وخبطت بيدها على صدرها في لحظة من الصدمة، تنبعث من عينيها نظرات عدم التصديق والذهول، وكأنها تخرج من حالة غيبوبة دامت طويلاً. أفكارها كانت تتراكم بسرعة، وهي تحاول استيعاب ما حدث.
“يا مصيبتي! البت اتجوزت الحارس!”
قالتها بانهيار، صوتها يرتجف من الغضب والإحباط،
“طيب امته وأزاى؟! ده لسه مبقاش ليه شهر. يا خبر أسود، ومنيل الشركه، والفلوس راحت مننا! أنا قولتلك من الأول، سيبني أكسر رقبتها، قولتلك لازم نجوزها لابنك بأسرع وقت، اهي كل حاجه راحت من تحت أيدينا.”
شعرت وكأن أحلامها وآمالها قد تلاشت في لحظة عابثة من الزمن، ولا بد أن تأخذ الأمور بجدية أكثر من أي وقت مضى. جلس “سليم” بغضب على المقعد، ونظراته تتأجج بالنار، وكأن أسود الغضب يسيطر عليه، وتحدث بتوعد قاسي، وكلمات قوية تتدفق من بين شفتيه:
“وربنا ما هرحم اللى اسمه مهران ده. هو مفكرها لقمة سهله، شافها بتسهر كل يوم لصبح وبترجع وهى سكرانه، قال ياخد منها اللي عايزه ويقلبها في قرشين، وبعد كده يرميها رمية الكلاب.”
لم يكن الغضب مقتصراً على موقفه، بل كان شعورًا عميقًا بالخيانة، ليس فقط من جانب ذات، ولكن أيضًا من جانب مهران.
“بس أنا مش هسمح له يعمل كده. هعرفه إزاي يلعب مع أسياده، وذات أنا هعرف أعاقبها بطريقتي.”
بدا كمن يخطط لشيء أكبر من مجرد انتقام، بل مسار يؤسس لحياة جديدة.
“بس قولي لحيلة أمه يشد حيله معايا شويه، كفاية اللى عرفته من البت النهارده، بيتحرش بننت عمه الواطي الخسيس.”
ردت هاله سريعاً مدافعة عن يزيد، قائلة بحماسة متزايدة:
“كدابه، أنا ابني مستحيل يعمل كده! هي ملقتش حجة تقولها تبرر بي اللى بتعمله، فكذبت وقالت الكلام ده على ابني. دي واحدة مش متربية، سكرية تسهر لصبح مع كل شاب شوية، وفي الآخر تيجي تقول كلام كدب على ابني.”
كانت كلماتها كنيران في صمت الليل، تعكس دفاعها المستميت عن ابنها.
“شوف كام راجل لمسها وعايزه تلبسها لابني. سيبك من كل الكلام ده، وركز دلوقتى إزاي نرجعها تاني تتجوز الولا، يخليها تمضي تنازل على الشركه وكل فلوسها اللى في البنك، وبعد كده تغور في داهية لا ترجعها.”
كانت تشعر بضغط الوقت، وكان قرارها مصيرًا حتى وإن كان ذلك يعني التضحية بالعلاقة. نظر أمامه بغضب وارتفعت حدة صوته:
“أنا أصلاً شاكك في موضوع جوازها ده. أتأكد الأول بس وبعد كده أشوف طريقة أمضيها على الشركه والفلوس.”
كانت نبرته تنبئ بعزيمة متجددة، وعزم على استعادة السيطرة على كل الأمور.ثم استقام بجسده، ونظر إلى زوجته بضيق، عاقدًا حاجبيه وكأن عليها أن تتحمل مسؤولية أكبر:
“انتي السبب وراه كل ده، لو كنتي احتويتِها من الأول وقدرتي تكسبيها، كان زمانها دلوقتي معانا والشركه وكل حاجه تحت أيدينا. أقولك ايه بس، منك لله.”
كان صوته يحمل مزيجًا من اللوم والحسرة، وادرك أنه ربما فات الأوان لإصلاح ما انكسر. أنهى كلامه وتحرك باتجاه غرفته بوجه مشبع بالظلام، وكأن كل ما حوله منبسطة بسواد الفشل. نظرت إلى أثره، وأطلقت عبارتها بتوعد صارم، وكأنها تصوغ عزمها بالخلاص:
“وحياتك عندي، لو مجاتش بالذوق هتيجي بالغصب، وكل حاجه هتكون بتاعتنا، بنت خطافة الرجالة دي.”
كانت تنظر أمامها بغل وكره، متوعدة، متأملة في أن المستقبل سيكون لهم إذا بلوي الذراع، وكأنها تنظم صفوفها في معركة حتمية، تسعى لاستعادة ما فقدته من ماء وجهها، وفخر عائلتها.
«««««««««««««»»»»»»»»»»
أسفل العقار الخاص بمهران، أوقف سيارته وأطلق زفرة من الصعداء. كان يستعد لخوض معركة مع ذاته، صراع داخلي يحاول فيه ضبط نفسه، خصوصًا بوجود هذه الفتاة معه في الشقة، تحت سقف واحد وباب مغلق عليهما. كانت ردود أفعاله تتوالى، وهي تعلم جيدًا ما يجول في صدره. ارتسمت ابتسامة على وجهها، وضعت يدها برقة على كتفه وتحدثت بتساؤل رقيق:
“مالك يا مهورتي، بتفكر في إيه بس؟”.
انتفض مهران من لمسة يدها، مستعيدًا حذره. تحدث بغضب محذرًا أياها:
“بت أنتي، أيّاكي تلمسيني تاني. فاهمة؟ أحنا لسه مطلعناش الشقة، لو محترمتيش نفسكِ، خديها من قصيرة وامشي”.
نظرت إليه ببراءة مصطنعة، وقالت:
“أخس عليك يا مهورتي، أنا مقصدش حاجة. أنا لقيتك سرحان، قولت أطمن عليك وأشوف مالك”.
أغلق عينيه بتعب، ونطق بصوت مليء بالغضب:
“ذاااااات، اتلمي”.
تعالت ضحكاتها، وترجلت من السيارة، متحركة نحو العقار من الداخل. ظل يتابعها حتى اختفت عن ناظريه، وحدث نفسه قائلًا:
“اجمد يا مهران، مش واحدة زي دي اللي تلعب بأعصابك. اجمد كده واعتبرها مش موجودة”.
أخذ نفسًا عميقًا وأخرجه بهدوء، ثم ترجل من السيارة وتوجه إلى الداخل. صعدوا بالمصعد الكهربائي، وفي ثوانٍ معدودة وقفوا أمام باب الشقة. فتحه مهران ودلفوا إلى الداخل، بينما أغلقت هي الباب وراءهم وتحركت باتجاه الأريكة، وتمددت عليها بجسدها، قائلة:
“يااااه، أخيرًا وصلت البيت، مش قادرة خلاص”.
نظر إلى جسدها الممتد أمامه على الأريكة، وابتلع ريقه بصعوبة. زفر بضيق وتحرك سريعًا نحو غرفته، لكنه توقف أمام الباب عندما سمع صوتها تقول له:
“هو انت مش هتأكلني ولا أي؟ أنا جائعة أوي يا مهورتي”.
لم ينظر إليها، بل قال بصوت جاد:
“عندك الأكل في التلاجة، كلي اللي عايزاه”.
أنهى كلامه ودلف إلى الغرفة وأغلق الباب خلفه. بينما نهضت هي من على الأريكة مبتسمة واتجهت إلى المطبخ، لتجهز لنفسها شيئًا تأكله.
عند مهران، أغلق الباب وتنفس الصعداء، أسند ظهره على الحائط وتحدث بصوت هامس:
“اجمد يا مهران، مالك مش على بعضك ليه؟ أول مرة يحصل معاك كده، يارب قويني واديني الصبر”.
أنهى كلامه وتحرك إلى المرحاض، نزع ملابسه وبدأ يأخذ حمامًا باردًا ليطفئ النار المشتعلة داخله. بعد دقائق معدودة، أغلق الماء، وضع البشكير حول خصره، وخرج من الحمام. وقف أمام خزانة ملابسه، محاولًا العثور على شيء يرتديه، لكن في تلك اللحظة انتفض عندما وجد الباب قد انفتح ودخلت هي عليه. أغلق عينيه بغضب وهدر بنفاذ صبر:
“أنتي إزاي تدخلي عليا أوضتي من غير ما تخبطي؟ اطلعي بره”.
نظرت إلى عضلات جسده البارزة والمثيرة، ضغطت على شفتيها بإعجاب، واقتربت منه ببطء شديد، وقفت أمامه وحركت يدها حتى تلامس صدره العاري. قبل أن تلامسه، أمسك مهران يدها وتحدث بغضب:
“اطلعي بره بقولك”.
اقتربت منه أكثر، حتى تقلصت المسافة بينهما، وحركت يدها الأخرى على عضلات صدره، وتحدثت بصوت يملؤه الإثارة:
“انت ازاي كده؟ مفيش ولا غلطة واحدة فيك، كأنك بطل في رواية زي اللي بنشوفها، مفتول العضلات وسيم جدًا، لديك عيون كالصقر”.
تعالت أنفاسه، وحاول أن يهدأ لكنه لم يستطع. أحاط خصرها بذراعيه ونظر إلى شفتيها بشهوة، متحدثًا بصعوبة:
“أنتي عايزة إيه بالضبط؟ قولتلك مليون مرة، إنتي مش قد قدراتي. إنتي مش عارفة بتعملي إيه، ولا أخرت اللي بتعمليه ده إيه. حاجة هتندمي عليها. أنا راجل وبحاول أمنع نفسي عنك بصعوبة، بلاش تلعبي بالنا..ر علشان محدش غيرك اللي هيتح..رق بيها”.
حركت أناملها على شفتيه وتحدثت بصوت همس:
“لو النا…ر دي إنت اللي هتحر…قني بيها، أنا موافقة. محدش قبلك شغل عيوني زيك كده، كلهم هيموتوا على نظرة واحدة مني، ولا حد فيهم شغلني. أنا معاك وملكك”.
في تلك اللحظة، شعر كأن الزمن قد توقف، وكانت مشاعره تتدفق بحرارة أكثر من أي وقت مضى، كالنهر الذي ينساب بين الصخور. استشعر تأثير كل كلمة كانت تقولها، وكأنهما في رقصة مبهجة من العواطف المتضاربة. تعالت أنفاسه بشدة، اقترب منها أكثر، ومال برأسه حتى يقبلها، ملمس شفتيه بالدفء ، معبرًا عن شغفه ورفضه في آن واحد.
««««««««««««»»»»»»»»»»»
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شهادة قيد)