رواية شظايا أنثى الفصل الثالث 3 بقلم بتول علي
رواية شظايا أنثى الجزء الثالث
رواية شظايا أنثى البارت الثالث
رواية شظايا أنثى الحلقة الثالثة
تساقطت دموع مريم بغزارة وهي تستكمل كتابة أحزانها بعدما غادرت بيت والدها وانتقلت إلى منزل زوجها.
وصلنا إلى منزل عائلة بهاء وعلى الرغم من جماله وتصميمه المميز إلا أنني شعرت أنه كهف مظلم وموحش لا يمكن العيش به.
عندما دلفت إليه شعرت وكأن هناك قبضة تعتصر قلبي بشدة ، إنها المرة الأولى في حياتي التي أشعر بها بالخوف لهذه الدرجة.
نظرت والدة زوجي نحوي بنظرة ساخطة وقالت:
-“نورتي بيتك يا عروسة ، طبعا أنتِ مكنتيش تحلمي أنك تعيشي في بيت طويل وعريض زي ده الأوضة الواحدة فيه قد بيت أبوكِ كله على بعضه”.
أردتُ أن أقول لها لا أرغب بالعيش في هذا البيت ولا أريد أن أكون زوجة ابنك ، أريد فقط الذهاب والابتعاد عن هذا المنزل المخـ.ـيف.
كان هذا ما يدور في عقلي ولكن لم أستطع البوح به ، أردتُ البكاء ولكن دموعي تحجرت داخل عيني ، أردتُ الصراخ ولكن شعرت أن لساني أصبح ثقيلا ولا يمكنني أن أنطق بأي شيء.
كانت والدة زوجي ترميني بنظرة لو كانت النظرات تحـ.ـرق لأحـ.ـرقتني حية دون أي شفقة أو رحمة، حاولت أن أفسر سبب هذه النظرات ولكن لم أفهم أي شيء.
صعدتُ إلى الشقة التي من المفترض أن تكون عش الزوجية بالنسبة لأي فتاة أما بالنسبة لي فهي القبر الذي سأرقد به طوال حياتي وعندما أغلق زوجي الباب كانت هذه بداية جحيمي الحقيقي.
رأيت كل أصناف الإهانة على يد بهاء الذي صدق حدسي بشأنه فهو شخص لا يوجد عنده خلق ولا مبادئ كما أنه يشرب الخمر ويتعاطى المخدرات ويقيم علاقات آثمة مع فتيات أخريات.
كانت شخصية بهاء على النقيض تماما من شخصية شريف الذي استيقظ من غيبوبته بعد مرور ستة أشهر على زواجي التعيس وعندما علم بما حدث لم يحتمل الأمر وسافر إلى الإمارات وقرر ألا يعود إلى وطنه مرة أخرى.
تركت مريم القلم وأجهشت بالبكاء فدخلت رانيا إلى الغرفة وحملت الأوراق ووضعتها جانبا فهي رأت أن مريم لا يمكنها أن تستكمل الكتابة في هذه اللحظة وأنه من الأفضل لها أن تنال قسطا من الراحة وبعد ذلك يمكنها مواصلة ما كانت تقوم به.
▪▪▪▪▪▪▪▪▪
-“يعني إيه ملهاش أثر لحد دلوقتي ، أنت متأكد أنك دورت عليها كويس يا بهاء؟!”
قالها عبد الستار “والد مريم” وهو لا يزال واقعا تحت تأثير صدمة هروب ابنته من منزل زوجها قبل يومين وأقسم أن يقوم بإعادة تربيتها من أول وجديد فهذا التصرف الذي اقترفته سوف يجلب له العار والفضائح إذا لم يجدها في أسرع وقت ممكن.
هز بهاء رأسه نافيا عندما سمع سؤال حماه وهو يستشيط غضبا فهو لم يكن يتصور أن يأتي يوم وترحل فيه مريم بهذه الطريقة خاصة أنها تحملت الذل والإهانة ولم تفتح فمها لأكثر من سبع سنوات فما الذي جعلها تهجره الآن وهي تعلم جيدا أن والدها سوف يقتـ.ـلها ويشرب من دمها عندما يصل إليها.
تذكر حديث نورا الذي اقتنع به حول وجود عشيق فهذا هو السبب الوحيد الذي قد يجعل مريم تقوم بهذه المخاطرة ولكن من يكون هذا الرجل الذي خاطرت مريم من أجله؟
لن يتردد لحظة واحدة في الفتك بهذا العشيق بعدما يمسك به ويعلم هويته وسوف يذيق مريم شتى أنواع الإهانة ويجعلها تتمنى المـ.ـوت حتى لا تفكر في الهرب منه مرة أخرى.
رفع بهاء حاجبيه عندما تذكر هذا الأمر الذي غفل عنه بسبب حالة الغضب التي تلبسته ونظر إلى والد مريم قائلا:
-“معقول تكون هربت مع الولد اللي اسمه شريف ابن أخت إحسان جارتكم ، أنت قولتلي قبل كده أنه اتقدم لمريم وكان هيتجنن لما عرف أنها هتتجوزني بس أنا مش فاهم هي هتكون عملت كده إزاي وهو مسافر ومرجعش من السفر لحد دلوقتي”.
اتسعت عيني عبد الستار في دهشة وضـ.ـرب جبهته بخفة قائلا:
-“هو فعلا كان مسافر برة بس رجع مصر من شهر وأكيد مريم لما عرفت بالموضوع ده اتفقت معاه وهربت”.
نهض “عبد الستار” وهتف بتوعد وهو يتوجه نحو باب شقته:
-“أنا هخلي أيامه هباب ابن عزيزة ومش هسيبه من إيدي غير لما أعرف الفاجرة دي راحت فين”.
توجه عبد الستار نحو منزل إحسان ولحق به بهاء وأخذا يطرقان بكل قوتهما على الباب مما أثار فزع إحسان التي صرخت بهما بعدما فتحت لهما:
-“أنتم اتجننتوا ولا جرى حاجة في عقولكم ، إزاي تخبطوا على الباب بالطريقة دي ، مفكرين نفسكم كبار ومحدش هيلمكم ولا إيه؟!”
خرج شريف من غرفته فهو أصبح مقيما مع خالته حتى لا تبقى بمفردها فهي تحتاج إلى من يهتم بها بسبب تلك الوعكة التي أصابتها منذ أسبوعين.
هتف شريف باستنكار وهو ينظر إلى كل من عبد الستار وبهاء باشمئزاز وكراهـ.ـية لا يمكنه أن يخفيهما:
-“إيه اللي جابكم هنا على البيت ، قسما بالله لو مكنتش راجل كبير لكنت عرفتك إزاي تخبط علينا بالشكل المتخلف ده بس هنقول إيه بقا ناس مش محترمين ومتعرفوش حاجة عن الأصول”.
صاح عبد الستار بصرامة وهو يحاول أن يتجاوز إحسان حتى يمسك برقبة شريف ويخنقه:
-“وديت بنتي فين يا ابن عزيزة؟ انطق وقول الحيـ.ـوانة دي فين بدل ما هقتـ.ـلك دلوقتي قدام خالتك وأحـ.ـرق قلبها عليك”.
ارتسمت الصدمة على ملامح شريف وهو يقول بلهفة أثارت غضب بهاء:
-“هو إيه اللي حصل مع مريم؟ أنا مش فاهم أي حاجة من اللي أنتم بتقولوها!!”
أزاح بهاء إحسان وتوجه نحو شريف وهو يصيح بسوقية:
-“أنا هخليك تفهم يا روح أمك احنا قصدنا إيه”.
رفع بهاء يده حتى يلـ.ـكم شريف ولكن أمسك به الأخير وسدد له لكمة في منتصف وجهه وهو يهتف بتوعد:
-“قصدك أن أنا اللي هعرفك إزاي تيجي هنا برجلك على بيت خالتي وتتهـ.ـجم عليها وتزقها بالشكل ده وطالما أنت اللي جيت هنا يبقى ملكش عندي دية وحظك الفقري بقى أنك مش راجل كبير في السن عشان أمنع نفسي من ضـ.ـربك”.
انهال شريف على بهاء بالضـ.ـرب ولم يتمكن عبد الستار من مساعدة زوج ابنته بعدما تجمهر الجيران أمام منزل إحسان وعلى عكس المتوقع فهم لم يحاولوا إيقاف شريف بل ظلوا ينظرون بشماتة إلى بهاء وهو يتلقى الضـ.ـرب بهذه الطريقة المهينة.
ظل شريف يضـ.ـرب بهاء بغل وهو يتذكر تلك السنوات التي ابتعد بها عن مريم بسببه لأنه لم يتمكن من تحمل سماع صوت صراخها وهي تتلقى الضـ.ـرب من والدها لأنها تريد أن تنال الطلاق.
ترك شريف بهاء في النهاية بعدما توسلت له إحسان وأقنعته بفكرة أنه لا يجوز أن يلوث يده بدمـ.ـاء هذا الحقـ.ـير.
ساعد عبد الستار بهاء في النهوض ثم غادرا على الفور وهما يتوعدان لشريف.
دلفت إحسان إلى المطبخ وأحضرت عصير بارد وقدمته لابن شقيقتها الراحلة وهي تردف بعتاب:
-“ليه عملت كده يا شريف ، أنت كده هتخلي بهاء يحطك في دماغه وممكن يأذيك يا ابني واحنا مش ناقصين”.
تناول شريف العصير من يد خالته وقال:
-“مقدرتش أمسك نفسي لما شوفته قدامي يا خالتي ، أنا مش قادر لحد دلوقتي أنسى منظر مريم لما شوفتها هنا قدام بيت أبوها بعد ما فوقت من الغيبوبة وجيتلك أنا وأمي عشان نزورك ، الحيـ.ـوان ده كان بيضـ.ـربها قدام أبوها اللي كان بيشجعه على كده لأنها طلبت منهم الطلاق وأنا مقدرتش أتدخل لأنك منعتيني وأمي الله يرحمها حلفت عليا وقتها أني لو اتدخلت هتغضب عليا ليوم الدين وبسبب إحساسي بالعجز عن حمايتها سافرت وقولت أني مش هرجع تاني بس لما أمي تعبت وحالتها اتدهورت نزلت هنا على مصر عشان أشوفها قبل ما تمـ.ـوت زي ما هي طلبت”.
ربتت إحسان على كتفه قائلة بحنو:
-“مكانش قدام عزيزة حل تاني عشان تمنعك بيه يا شريف ، أنت كنت عايز تضـ.ـرب بهاء وحماه قدام المنطقة كلها لأنهم بيضـ.ـربوا مريم ووقتها كان ممكن يستغل فرصة أنك بتحاول تدافع عن مريم ويقول قدام كل الناس أنه اكتشف أنك بتكلم مراته على الواتس وبترسم عليها وعشان كده هو بيأدبها وكان هيظهر وقتها على أنه ضحية وأنت اللي جنيت عليه”.
وضع شريف كأس العصير على الطاولة وهتف بشماتة:
-“دلوقتي بقى الوضع معكوس يا خالتي لأن هو اللي جه اتهجم علينا في بيتنا يعني هو اللي جاني ولو فكر يعمل أي حاجة بعد كده هكـ.ـسر رجليه”.
دلف شريف إلى غرفته وتمدد على السرير ثم أخذ يتذكر ما حدث معه في اليوم الذي تعرض به للحادث الأليم الذي جعله يغيب عن العالم لأكثر من ستة أشهر:
-“أنا قابلتك النهاردة عشان أطلب منك إيد بنت حضرتك الآنسة مريم”.
أطلق شريف هذه العبارة أمام عبد الستار بعدما اتصل به وطلب منه أن يلتقي به حتى يتحدث معه في أمر هام للغاية فوافق عبد الستار على هذا اللقاء ولكنه اشترط أن تكون هذه المقابلة خارج المنزل.
وضع عبد الستار فنجان الشاي وهتف ببرود:
-“طلبك مرفوض يا شريف ، أنا معنديش بنات للجواز ، مريم اتخطبت خلاص وهنكتب الكتاب كمان أسبوعين”.
اتسعت حدقتي شريف من شدة الصدمة قائلا:
-“إيه الكلام ده ، أنا كل يوم بزور خالتي إحسان ومحدش جاب سيرة أبدا أن بنتك اتخطبت”.
أجابه عبد الستار بذات النبرة الباردة:
-“ده لأن لسة حفلة الخطوبة متعملتش ، بهاء جه طلب مني إيديها من أسبوع وأنا وافقت عليه وهنكتب الكتاب على طول أول ما النتيجة تظهر”.
هتف شريف بصدمة تملكت منه بعدما سمع اسم ”بهاء”:
-“اوعى يكون قصدك على بهاء أشرف ابن فتحية الدسوقي اللي كانت متخانقة من أربع سنين مع حماتها ورميتها في دار مسنين والست المسكينة ماتت بحسرتها؟!”
أومأ عبد الستار قائلا:
-“أيوة هو ده اللي أقصده ، بهاء شاب مقتدر وهياخد مريم بشنطة هدومها يعني مش هتكلف جنيه واحد في جوازتها وهرتاح من همها من غير ما أدفع حاجة ده غير أنه هيساعد إيهاب ويشوفله وظيفة كويسة”.
ضرب شريف سطح الطاولة وهو يصيح بعصبية مستنكرا برود هذا الرجل وعدم اكتراثه بمصير ابنته الوحيدة:
-“أنت بتتكلم بجد ، الناس كلها عارفة أنه واحد صايع ومقضي معظم وقته في الصالات والكباريهات وأكتر واحد عارف بالموضوع ده هو إيهاب ابنك ، روح اسأله وهو يقولك عن البلاوي اللي بهاء بيعملها ده غير أمه اللي هتخلي عيشتها كلها سـ.ـواد واللي بسببها خطيبة بهاء الأولانية سابته بعد ما عرفت أنه ناوي يخليها تخدم أمه وأخته”.
زفر عبد الستار بضجر قبل أن ينهض من مكانه ويغادر:
-“الست ملهاش مكان غير تحت رِجل جوزها وأهله ومطلوب منها أنها تكسب وِدهم ورضاهم وبالنسبة لتصرفاته فكل الشباب بيكونوا كده قبل الجواز وبعدها بيبطلوا وبعدين هو شاب زي إيهاب بالظبط وعادي جدا يعملوا اللي هما عايزينه”.
لم يكن شريف بإمكانه أن يستوعب هذه الصدمة فقد قضى عبد الستار على حلمه بالزواج من مريم وليس هذا الأمر وحسب بل أخبره أنه سيزوجها من شخص قـ.ـذر ووضـ.ـيع سوف يجعل حياتها جحـ.ـيما.
غادر شريف الكافيتريا وقاد دراجته النارية بسرعة جنونية نتج عنها حـ.ـادث أليم جعله يغيب عن الواقع ولا يشاهد محبوبته وهي تزف لبيت رجل أخر.
استفاق شريف من شروده على رنين هاتفه برقم والد زوجته الراحلة يسأله عن أحواله ويطمئن عليه.
أنهى شريف الاتصال مع حماه فهو قد تزوج قبل ثلاث سنوات بابنة هذا الرجل بعدما تعرف عليها في غربته ولكنها لقت حتفـ.ـها العام الماضي بسبب إصابتها بالمرض الخبيث ولم يتمكن الأطباء من مساعدتها.
تمتم شريف من بين شروده:
-“يا ترى روحتي فين يا مريم وعاملة إيه دلوقتي؟”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شظايا أنثى)