روايات

رواية شبح حياتي الفصل العشرون 20 بقلم نورهان محسن

رواية شبح حياتي الفصل العشرون 20 بقلم نورهان محسن

رواية شبح حياتي الجزء العشرون

رواية شبح حياتي البارت العشرون

شبح حياتي
شبح حياتي

رواية شبح حياتي الحلقة العشرون

الحب الحقيقي لا يحتاج إلى تفسير أو براهين ، لنعلم بوجوده أنه ببساطة شعور يتغلغل في القلب وأعماق الروح حتى يستحوذ على حياتك كلها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
: بلاش يبقي مخك طاقق كدا علي طول يا حياة المسائل دي بتتحل بهدوء و عقل
أنهت كلماتها بنبرة هادئة محاولة إقناع الجالسة مقابلها بملامح وجهها الأحمر من الغضب وعيناها المتورمة من بكائها.
لم تستطع سماع المزيد من تلك الكلمات التي ترددها في كل مرة يحدث فيها شجار بينها وبين معاذ ، فقالت بصوت متوسل يشوبه بالاختناق : ميساء .. من فضلك .. انا مضايقة ماتزوديهاش عليا .. المفروض تفهمي انا حاسة بإيه! مش قادرة اتناقش دلوقتي الله يخليكي
اختتمت الحديث برفع يدها إلى رقبتها ، لتتضح الكدمة الحمراء المزينة بذراعها الأبيض الذي يتخللها اللون الأزرق بسبب ما فعله معاذ بها.
قطبت ميساء حاجبيها بحنق شديد ووعيد فى داخلها اتجاهه ، لكنه توسل إليها لكى تصلح الأمر بينهما ، ولذلك وافقت على مضض لأنه أظهر لها ندمه الشديد على ما فعله ، لتقول بصوت هادئ رغم استياءها : حياة .. انا عارفة ان اللي حصل منه دا غلط .. بس هو بيحبك وكان خايف عليكي من الشغل دا
تشكلت عدة تجاعيد بين حاجبيها بعدم اقتناع من حديثها ، ثم هتفت في انفعال : و انتي صدقتيه مش كدا!! لا يا ميساء دا عايز يلغيني و يلغي شخصيتي من الاول .. فاكر ان الكون لازم يمشي علي مزاجه .. دي مش تصرفات انسان بيحب وعايز يبني بيت اشاركه فيه .. دي انانية منه مش حب انا حاسة معاه اني بتحرك بالريموت مش علي طبيعتي مش مرتاحة .. حاسة علي طول اني هغلط او لو اتكلمت هتفهم غلط
تنهدت ميساء بأسى على حالها ، لأنها تعلم في قرارة نفسها مدى صحة كلماتها ، وتمتمت بإستماتة وهي تمد أصابعها لإزالة الخصل البنية التي انزلقت على وجه حياة الغالب عليه البراءة ، لأنها لا تضع مستحضرات التجميل على عكس وجهها الفاتن المتورد بأنوثة : اهدي طيب .. بصي يا حياة لو سيبتيه دلوقتي هيحصل حساسية بينك و بين حازم اللي انتي قاعدة في بيته
نظرت إليها حياة بأعين منفرجة ، بسبب كلمات أختها التي صدمتها ، صفعت على فخذها بقوة ، لتقول بغضب من بين أسنانها : والله .. يعني عشان قاعدة في بيته المفروض اقبل و استحمل اي حاجة من اخوه!!!
أردفت بنبرة يغلب عليها التأنيب ، وهي تشير إلى نفسها وتنظر إليها بعيون لامعة ، أثر الدموع الحبيسة التي تهدد بالسقوط ، بعد أن تذكرت كيف كان يدللها والدها الراحل : وبعدين ما انا كنت قاعدة في شقة بابا الله يرحمه .. فضلتي تزني عليا عشان نبيعها واحط الفلوس في البنك لجهازي وجيت قعدت معاكي هنا عشان مابقاش لوحدي .. مش دا كان كلامك ليا ساعتها!!
سارعت ميساء فى تبرير كلامها السابق ، حيث تهز يديها إنكارًا ، وتعنف نفسها داخليًا لإيذاءها دون قصد مشاعر أختها : بلاش تزعلي مني والله ما اقصد كدا يا حياة .. بس عشان خاطري عديها المرة دي وماتكبريش الموضوع معه .. اعملي نفسك زعلانه منه كام يوم كدا عشان يتعلم مايزعلكيش تاني و بعدين اتصالحوا
أغلقت حياة عينيها من الصداع الشديد في رأسها من البكاء والصياح ، وكأن شخصًا جالسًا بداخلها يدق بمطرقة على جمجمتها مما تسبب لها في ألم حاد جدا ، فتمتمت بإنهاك لتنهي هذه المحادثة وهي تفرك جبهتها برفق : طيب يا ميساء هفكر
مررت هذا الموقف من معاذ على مضض ، وبدون اقتناع ، احتراما لزوج أختها الذي لم ترى منه سوى الخير ، لكنها لم تنس ما فعله معها دون مراعاة مشاعرها.
قررت العمل كمعلمة أطفال ، وجعلت زوج أختها يقف معها ويدعمها في كل ما تريده ، لذلك لم يستطع معاذ الاعتراض على الرغم من جدالاته الكثيرة معها ، لكنها لم تستسلم ، بل أصرت على ما تريد ، وأعجبت بمرافقة الأطفال وأحبتهم وتعاملت مع المهنة على أنها هواية تسعد بها ، وتريحها من الشعور بالضغط النفسي أو الضيق الذي كانت تشعر به طوال الوقت.
Back
تنفست حياة الصعداء بعد أن أفاقت من شرودها ، تتذكر كيف استقرت في عملها متناسية به هذا الموقف الذي جعلها بعد ذلك لا تريد أن تشاركه أي شيء عنها ، بل بدأت تتغاضى عن أسلوبه الأناني بالبرود والتجاهل.
كانت تتحكم قدر الإمكان في غضبها من طريقته المتسلطة معها.
تدعي سرًا أن سلوكه معها سيتغير بمرور الوقت ، ولكن عندما رأته جالسًا مع تلك الفتاة بهذه الطريقة الاستفزازية ، قررت أن تتركه دون أي اعتبار لأي شخص.
ما كان يجب عليها أن تتحلى بالصبر معه من البداية ، وفي قرارة نفسها تثق تمامًا أن طباع البشر ليس من السهل تغييرها ، وأكثر من ذلك ، إن قلبها لا يريده لم ينبض بإسمه ، و إلا كانت غفرت له و سامحته ، لكنها غير مقتنعة به بتاتًا.
لماذا تخاطر بمستقبلها معه؟ هذه حياتها و هى وحدها ستتحمل نتيجة كل ما سيحدث لها ، لذلك لن تتنازل عن راحة بالها مرة أخرى ، وتحت أي ظرف من الظروف ، ليس لديها سوى كرامتها التي جمعت شتاتها بصعوبة ، وسافرت إلى القاهرة ، تاركة الإسكندرية كلها حتى تجلس في منزل والدها القديم ، بعيدًا عن كل ما يزعج سلام حياتها القادمة.
: حياة حبيبتي
انقطع حبل أفكارها بصوت أختها من خلفها ، فأدارت رقبتها ونظرت إليها ، وأومأت بابتسامة تلاشت تدريجيًا ، وهي تستمع لما تقوله ميساء التي جلست بجانبها : معاذ كلمني بعد ما لاقكي مابترديش عليه وهو واقف تحت شباك اوضتك ..
أردفت ميساء بنوع من التردد : احم ومصمم تطلعي تكلميه .. روحي شوفي عايز ايه بهدوء بلاش عصبية وتفرجو عليكو الناس يا يويو؟!!
بقيت صامتة لحظات تفكر قبل النهوض من كرسيها بابتسامة هادئة حتى تطمئن أختها.
استدارت وغادرت الشرفة ، فيما تحولت الابتسامة البريئة التي زينت ثغرها إلى اخرى شيطانية ، وهي تخاطب نفسها اثناء دخولها المطبخ : انت جيتلي في وقتك .. اما طلعت علي جتتك القديم والجديد مابقاش انا حياة بنت مجدي
يقف معاذ مباشرة تحت النافذة ينظر يمينًا ويسارًا ، ثم يخفض بصره بين تارة وأخرى بملل محدقاً إلى ساعة معصمه الثمينة.
سحبت حياة ستارة النافذة لتفتحها ، وتتمتم بنبرة مغتاظة خفيضة جدًا ، وتتحدث مع ذاتها كالمعتاد مثل المجنونة : قال مصمم اطلعلك قال .. فاكر نفسك لسه خطيبي عشان تديني أوامر يا مغفل ظابط علي نفسك اما وريتك
اختتمت كلماتها الحانقة ، وهي تنظر إلى أسفل ثم أفرغت بغلًا وسخطًا محتوي الوعاء الزجاجي الملء بالطحين الذى كانت تحمله في يدها على رأس معاذ الذي فوجئ بشيء يسقط عليه من فوق.
سرعان ما بدأ بدفعه من على شعره بقوة في محاولة باتت بالفشل بسبب الكمية الهائلة التى غمرته من أعلى رأسه حتى اخمص قدميه.
أغمض عينيه بغير استيعاب ، ليسمع صوتها الفائض بالشماته حيث كانت تغمغم بكلمات غير مفهومة ، ولا تزال تصب عليه الطحين حتى افرغت الوعاء بأكمله.
نظر معاذ بإنشداه في بدلته الملطخة بالطحين ، ورفع رأسه إليها قائلاً بعدم تصديق : ايه دا!!!
رفعت حياة حاجبيها ، وهتفت فى استنكار : دقيق!!
صاح معاذ بغيظ ، وهو يحاول نفض الدقيق منه دون جدوى ، سيكون من الصعب جدا التخلص منه : مبسوطة كدا يا بنت المجانين .. انزليلي هنا بسرعة
هزت رأسها بسرعة وقالت برفض : لا مش نازلة
أطلق معاذ زفيرًا غاضبًا ، وهددها بنفاد صبر بينما كان لا يزال ينفض شعره من الطحين : لو مانزلتيش حالا يا حياة هطلعلك انا واتحملي ثورة اختك علينا احنا الاتنين بسبب بهدلة عفشها بالدقيق اللي حمتيني بيه دا
تمتمت حياة بصوت منخفض بينما أدارت رأسها إلى الجانب الآخر ، والتوتر يحتاج أعصابها وصفعت جبينها بخفة : يالهوي!! انا ازاي مافكرتش في كدا؟ اه يا ابن المستغلة..
أردفت سريعاً بصوت عالٍ ، ثم أغلقت النافذة و سحبت الستائر : استني عندك ماتطلعش خلاص نزلالك
سرعان ما ارتدت سترة قطنية فوق بيجامة نومها ونزلت إليه ، وأغلقت الباب الأمامي للمنزل من خلفها ، ثم التفت نحوه بينما كان معاذ واقفاً يحاول تنظيف نفسه ، لكن الدقيق كان يعشش في ثنايا شعره الذي تحول إلى اللون الأبيض ، ليزفر من الإحباط واستدار بسرعة عندما يسمع صوت حياة تهمس بإستهزاء : لسه جاي من الفرن علي هنا يا اسطا..!!
همس بصوت أجش حانق ، وفتح ذراعيه في دهشة مما فعلته فيه : يا مؤذية خلصتي دقيق البيت كله عليا..
عقدت حياة ذراعيها بلا مبالاة ، ليقول بسخط ، وهو يصفع ذراع بدلته الغالية : لزمتها ايه حركات العيال دي يا حياة .. عجبك منظري كدا يعني؟
ردت عليه بنبرة استفزازية مليئة بالشماتة : عادي تغيير حتي الابيض لايق عليك وكان نفسي اعمل كدا من زمان وحصل
استأنفت حديثها بنفس النبرة والعبوس على محياها : انت هتفضل واقف متنح كدا!! روح من هنا
ردد معاذ بإستغراب : اروح فين وانا كدا يا حياة!!
أجابت حياة باندفاع ، وما زالت تعقد ذراعيها على صدرها : علي جهنم الحمرة .. عايز ايه مني يا معاذ؟
اتسعت عيناه ، ورفع حاجبيه عند سماعه إجابتها القاسية ، وتمتم بإقتضاب ، محاولًا أن يكتم غضبه الذي لا نفع من ورائه الآن : انا جاي اكلم معاكي
أغمضت عينيها بضحكة ساخرة ، وأبعدت وجهها عنه وهي تدمدم بصوت خفيض لكنه سمعها : يارب صبرني
أردفت بعد أن نظرت إليه : وانا قولتلك مش عايزة اكلم يا اخي .. هو بالعافية
واصلت حديثها بنبرة هامسة حادة : ومايهمنيش هتقول ايه اصلا .. سيبني في حالي بقي
أنهت كلماتها الغاضبة واستدارت نحو باب المنزل وهي تنوي الدخول ، لكنه أدرك ذلك بحركة سريعة تسببت في سقوط بقايا الطحين المتعلقة به عن ظهره ، أمسك بعضدها لمنعها من الفرار بعيدا.
اتسعت عينيها بغضب ، وتحدثت من بين أسنانها بفحيح : يخربيتك
أكملت كلامها بنبرة جادة مليئة بالتحذير ، مشيرة بإصبعها إلى مكان قبضته على ذراعها : ابعد صوابعك عن دراعي قبل ما اكسرهم
رفع كفوفه مستسلمًا حتى تلين له ويمكنه الحديث معها دون انفعال ، لكنها رددت تهديدًا ، مشيرة إلى يديه بإصبعها ، وكل ذرة في جسدها مستعدة لمهاجمته : ماتحطش ايدك عليا تاني
هز رأسه باتفاق وقال بصوت هامس : خلاص
عقفت ذراعيها أمام صدرها مرة أخرى ، قائلة بنبرة متغطرسة : اتفضل من غير مطرود
نظر إليها كما لو أنه يرآها للمرة الأولى ، لم يكن يعرف منذ متى أصبحت مشاغبة ومتمردة ، أو أنها كانت على هذا النحو من قبل ، ولكن لأنه كان مشغولًا عن معرفتها جيدًا ، لم يلاحظ هذا الجانب العنيد منها ، حيث لم تعد تخاف منه ، بل تنظر إلى عمق عينيه بتحدٍ عارم ، ليهمس بإلحاح : حياة .. خليكي جد شوية محتاج اكلم معاكي
هتفت حياة وهي تضرب بقدمها على الأرض في حالة من اليأس ، من الإصرار الواضح في عينيه أنه لن يبرح مكانه إلا إذا قال ما فى جعبته : يوووه .. انت غاوي تعاند فيا وخلاص .. مابقش بينا حاجة نحكي فيها يا معاذ
أخفض جفنيه ، وأدار رأسه إلى الجانب الأيمن ، مبتسما بغموض بعد أن خطرت بباله فكرة ، لكنه قال بهدوء للمرة الأخيرة : لا في يا حياة .. تعالي اركبي العربية مش هنفضل واقفين وانا بشكلي العرة دا
ضحكت بسخرية وهي توجه رأسها نحو المنزل ، ثم نظرت إليه بتهديد قائلة بتحدى يشوبه الشماتة : ايه يخليني اسمع كلامك؟ ماتقدرش تجبرني هنادي لأبيه حازم يقطعك حتت صغيرة .. هو مستحلفلك وانت عارف
: كفاية تضييع وقت
تمتم معاذ من تحت أنفاسه ، ثم انحنى بسرعة وطوق ساقيها بذراعيه ، ورفع حياة على كتفه مثل الزكيبة و سار بها كأنها لا تزن شيئاً ، مما جعلها تصرخ بفزع من صدمتها عندما وجدت رأسها يتأرجح على ظهره وساقيها في الهواء.
همست حياة بذهول ، وحركت قدميها بقوة محاولة النزول ، وهى تضربه بقبضتها على ظهره : بتعمل ايه يا متخلف؟ نزلني…
هسهس معاذ وهو يمشي بثقة رافضًا الاستماع إلى اعتراضاتها : هشششش
استمرت حياة بالثرثرة دون توقف من اضطرابها الشديد مندهشة من تصرفه غير المعقول على الإطلاق : موديني علي فين يا معاذ مايصحش كدا!!! نزلني نزلنننني .. قولتلك مش عايزة اكلم معاك هو بالعافية يا اخي .. ماتبطل تصرفاتك الهمجية دي..
وصل معاذ إلى سيارته وفتح الباب لينزلها برفق عن كتفه وساعدها في الصعود إلى السيارة بحذر ، قائلاً بسرعة : اركبي .. يلا
كل مقاومتها ذهبت سدى ، لتغمغم بغضب : معاذ .. والله ماهفوتلك اللي بتهببه دا .. دي جريمة خطف انسة…
لم يدعها معاذ تكمل كلامها ، وهمس على عجل بينما يغلق باب السيارة : دخلي رجلك وبطلي الرغي اللي مالوش تلاتة لازمة دا
★★★
في السيارة
بقيت حياة ثابتة على صمتها ، رغم محاولات معاذ بفتح حديث معها ، بينما كانت تفكر مليًا في المكان الذي سيصطحبها إليه ، لتخطر ببالها فكرة وحيدة يمكن أن تهرب بها من هذا المأزق وتنتقم منه فى آن واحد.
قطعت حياة هذا الصمت قائلة بنبرة رقيقة ممزوجة بالاحتيال : انا عايزة اشرب ممكن تنزل اشتريلي ميه معدنية من الكوشك دا
تبادل الاثنان النظرات وسط صدمة حياة ، ليتحول وجهها تدريجياً إلى اللون الأحمر من الغضب ، تزامناً مع اتساع ابتسامة معاذ الماكرة ، الذي قال وهو يمد يده إليها بزجاجة ماء من المقعد الخلفي : غالي و الطلب موجود
أنهى معاذ جملته بإبتسامة ملتوية ، تنهدت حياة قائلة بإنزعاج بعد أن أدارت عينيها للأمام : خلاص مش عايزة .. انت رايح بيا فين روحني يا معاذ؟
أعاد الزجاجة إلى مكانها ، ونظر إلى الطريق وقال بهدوء : وصلنا
نظرت حياة خارج النافذة لترى البحر أمامها ، بينما نزل معاذ من السيارة ولم ينسى أخذ المفاتيح بعد أن لاحظ نظرات حياة بين الحين والآخر ناحيتهم ليفهم ما تصبو إليه.
تابعت تحركاته بعناية ، وما زال التجهم يغطي الجزء الأكبر من ملامحها المنزعجة ، بعد أن أغلق كل الفرص التي يمكن أن تتخلص منه بها.
أغمضت عينيها بإرهاق ، وميض حدقتى بدر الداكنتان على شكل وميض أمامها.
فتحتهما من جديد ، وتنهدت بضيق ، لشعورها بالنقص الذي يتزايد شيئًا فشيئًا بقلبها ، دون أن تتمكن من ترجمة ذلك حتى لنفسها.
قررت بعد فترة من الجلوس بمفردها في السيارة ، النزول على مضض والتحدث معه كما يشاء حتى يرجعها إلى المنزل.
ترجلت من السيارة ، فإرتطم هواء البحر بشعرها الطويل ليتطاير حول وجهها ، رفعت يدها لإبعاد خصلتيه عن عينيها ، وتحركت إلى المكان الذي يقف فيه معاذ ، وأبطأت خطواتها قليلاً لتبقى مسافة بينها وبينه.
شعر بحركتها خلفه ، فالتفت إليها بصمت بعد أن كان شارد فى أمواج البحر الهائج التي تصطدم بالصخور ، تمامًا مثل مشاعره الآن.
هتفت حياة بنبرة عالية نسبيًا حتى يسمعها ، و على شفتيها ابتسامة جانبية ساخرة : برافو يا معاذ برافو .. عملت للي انت عايزو كالعادة و اخدتني معاك بالعافية
واصلت بنفس السخرية اللاذعة ، وهي تشبك يديها أمام خصرها : ايه الكلام اللي اخدتني زي شوال البطاطا لحد هنا عشان تقوله؟
كان معاذ يستمع إلى سخريتها بوجه مقتضب ، ويضع يديه في جيوب بنطاله ، وحالما صمتت ، اقترب منها بخطوات واثقة حتى وقف مقابلها ، واخرج يديه شابكًا اياهم أمام خصره ، وقال بنبرة هادئة وغير متوقعة لحياة ، حيث اعتقدت أنه سيصرخ عليها بمجرد أن تنتهي من كلامها الوقح ، لكنه خالف كل توقعاتها : حياة .. حياة حقك عليا انا اسف .. عارف ان تصرفاتي معاكي ماكنتش الطف حاجة
نظرت إليه بدهشة أخفتها بسرعة خلف نبرة صوتها الهادئة الساخرة : معقولة .. معاذ باشا بيعتذر قد ايه دا شرف عظيم و تضحية كبيرة منك!!
أسدل جفنيه للحظة عن عينيها المعاتبين ، ثم نظر إليها وقال بلطف : من غير ماتتريقي انا بجد اسف .. كان عندك حق لما قولتي اني بفكر بأنانية
نظرت إليه مليًا ، مستشعرة الصدق باعتذاره ، فأومأت برأسها بصمت ، ثم رأته يخفض بصره إلى الأسفل واقترب منها خطوة ، محاولًا معانقة يدها ، لكنها وضعت راحة يدها فوق كفه ، وقالت بسرعة : خلاص مالوش لزوم الكلام دا يا معاذ .. دي كانت لحظة عصبية مني وراحت لحالها .. بس احنا مش مناسبين لبعض يا معاذ .. صدقني..
صمتت وسحبت يدها عن يده التي بقيت مفتوحة ، وهو ينظر إليها بعينين لا تتقبل هذه الكلمات منها ، قائلاً بحزم وهو يخرج هاتفه من جيبه : لا يا حياة .. انا عايزك تبصي علي الصورة دي
نظرت حياة إلى شاشة الهاتف في يده ، لتتسع مقل عينيها حالما تذكرت تلك الموجودة في الصورة هي نفسها التي رأته معها جالسًا في المطعم ، وظنت أنه يخونها ، لكن منظرها هنا مختلف ، حيث تقف خلف أعمدة حديدية ويبدو أنها مسجونة.
أعاد معاذ الهاتف إلى جيب بنطاله قائلاً بنبرة هادئة : حياة .. انتي فهمتي الموضوع غلط لما شوفتيني مع البت دي كانت مقابلتي ليها عشان شغلي والحمدلله قدرت اقبض عليها والله ماكنت بخونك ولا فكرت اعمل كدا من يوم ما اتخطبنا
لعق شفته السفلى بنوع من الحرج مردفاً : انا عارف اني المفروض كنت افهمك كل حاجة من الاول واشرحلك وعارف انه دا ابسط حقوقك عليا .. بس انا دايما كنت فاكر انه مش محتاج ابرر ولا ادافع عن نفسي قصاد اي حد .. بس لما شوفتك ازاي مصرة علي انك تفضلي جنب واحد ماتعرفيهوش اصلا .. دمي غلي و حسيت بنار جوايا وقتها فهمت قد ايه بحبك واني لازم ابطل افكر بالطريقة دي وماحطش كبريائي حاجز بيني وبينك عشان انا مش عايز اخسرك
شعرت حياة بانقباض صدرها عندما سمعته ، بينما لم يسجل عقلها سوى جملة واحدة من كل هذه الكلمات.
زاغت عيناها بتوتر لتسمع لسانها ينطق بتسرع : بس انا اعرفه كويس يا معاذ
حدق فيها لثانية دون أن يجيب ، لقد اعترف للتو بمشاعره تجاهها وهذا كل ما تمكنت أن تقوله ردًا عليه ، مستفسراً بغرابة : دا كل اللي لفت انتباهك من كلامي كلو!!
كان الأمر كما لو أنه تلقى منها صفعة قوية زعزعت توازنه وهزت كبريائه ، أوقد في صدره حريق خنق أنفاسه ، حالما تساءل بتوجس : انتي بتحبيه يا حياة!! طيب امتي حصل الحب دا!! و ازاي؟
قرع قلبها بعنف داخل ضلوعها ، حيث اتسعت عيناها لكونها بطريقة ما استطاعت ترجمة طلاسم هذا النقص الملازم لها منذ اللحظة التي ألتفت فيها بدر موليًا ظهره لها.
عفوياً ، قالت بخفوت وهي توجّه عينيها نحو البحر بعد أن أصابتها الصدمة : بحبه من زمان اوي
من يقف على الشاطئ ، ويقول انه يحب البحر كاذب ، فلا تصدقه الا اذا غطس في اعماق البحر ورأى ظلامه وعيوبه وغضبه ، انتظره حتى يعاود الى الشاطئ مجددا و كرر نفس السؤال عليه ، هل مازلت تحبه؟
إذا كانت الإجابة بنعم ، فهذا حب حقيقي لأن نظرتنا لشخص من الخارج تكون مشوشة أحيانًا ، الكل يريد أن يظهر جميلًا ورقيقًا وكريمًا في البداية ، لكن عليك أيضًا أن تراه في أسوأ حالاته لتقرر ما إذا كنت لا تزال تحبه أم لا؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شبح حياتي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى