روايات

رواية شبح حياتي الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم نورهان محسن

رواية شبح حياتي الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم نورهان محسن

رواية شبح حياتي الجزء التاسع والعشرون

رواية شبح حياتي البارت التاسع والعشرون

شبح حياتي
شبح حياتي

رواية شبح حياتي الحلقة التاسعة والعشرون

يبدو بأنني لن أتجاوز معك لهفة البدايات ،
يبدو أنني سأحبك بهذا الاندفاع إلى الأبد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أطبقت شفتيها خوفا من نبرة صوته الواضحة فيها الغضب النارى ، وبدت نظراته مثل سهام سامة تخترق جسدها ، شعرت بالقليل من الثبات عندما وجدته يترنح من الإفراط في الشرب.
أسرعت حياة دون تردد ، وألقت عليه كل الأشياء التي تضع عينيها عليها من حولها ، لعرقلة محاولاته للإمساك بها.
ظل كريم يتفادي الضربات بصعوبة مع بعض الألم ، لكنه أصر على التقدم منها وعيناه تحترقان بنار الكراهية.
لم يعطها فرصة لفعل أي شيء آخر ، كونه أمسك بشعرها بعنف لدرجة أنه كاد أن ينزعه من الجذور ليسحبها نحو الباب ، بينما بدأت تضرب قبضته ، محاولة التراجع بضراوة للخلف ، وهى تصارع لفك حصار يده القاسية على خصلات شعرها وتصرخ من الألم : سيبني يا حيوان
زمجر كريم فيها بحنق ، وهو يشعر بالسأم من تمردها ، ليدفعها بعنف على الطاولة الرخامية ، محاولًا صفع رأسها فيها لمنع حركتها الهوجاء.
لمحت حياة شيئًا ساطعًا ومدت ذراعها نحوه ، تسعى الوصول إليه بصعوبة ، بينما لوى كريم ذراعها الأخر خلف ظهرها ، لتنجح في إمساك السكين من صندوق السكاكين ، وطعنته بقوة دون ذرة تردد ، لتصيب كتفه بعد أن التفت إليه.
أطلق كريم صرخة قوية من الألم الحاد الشديد ، وتركها قسرا لتهرب من يده على الفور ، بينما وضع يده على كتفه محاولاً إيقاف النزيف.
هرولت حياة بذعر تجاه الردهة مرة أخرى ، بينما الدموع تنهمر من عينيها بلا توقف ، وتعثرت قدمها فى إحدى الطاولات ، مما تسبب في سقوط الشموع من فوقها واشتعال السجادة على الفور.
جحظت عيناها من الفزع عندما سمعت خطى قدميه قادمة من بداية الردهة ، لتنهض بسرعة وركضت حتى تصعد الدرج ، وجدت نفسها أمام رواق يحتوي على عدة أبواب لتدخل الغرفة الأولى وأغلقت الباب جيدًا بالمفتاح ، ووضعت يدها على فمها لكتم تنهداتها الممزوجة بالبكاء.
دارت بحدقتي عينيها في الغرفة بحثًا عن مخرج من مأزقها ، فلم تجد شيئًا سوى نافذة متوسطة الحجم بجانب الفراش ، تحركت إليها لفتحها ، أخرجت رأسها لتلقى نظرة للأسفل ، فشهقت من الخوف والإحباط عندما وجدت المسافة بعيدة.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
فى سيارة بدر
أتاه اتصال ليضغط على الزر المثبت في السيارة ، و رد على الفور : ايه يا جاسر .. حصل جديد!!
دوى صوت جاسر المتذمر : لا ماشيين وراك اهو بس بقولك ايه .. لو سمحت هدي السرعة شوية ولا عايز تعمل حادثة تاني؟
شعر بدر بجمرة حارقة في عينيه ، وهو يفكر في مواقفهم الجميلة والصعبة خلال الأشهر القليلة الماضية.
كيف جعلت أيامه سهلة عليه ، بقلبها الحنون وروحها الملائكية المبهجة ، تصاعد الدم بعنف في عروقه ، وفكرة أن هذا اللقيط ألحق بها الأذى سيطرت عليه ممَ جعل قلبه يغلي مثل الموقد ، ليهدر بصوت مرتفع حاد : مايهمنيش .. حياة معاه يوم بليلة يا جاسر الله اعلم يكون عمل فيها ايه!!
ابتلع جاسر الغصة العالقة في حلقه بصعوبة ، ليزيد إحساسه بالضيق والحزن ، ملتمسًا لأخيه كل الأعذار ، فأجابه بإلحاح ، داعيا الله أن ينقذهم : هنحلقها ان شاء الله بس بلاش تتهور انت
أطلق زفيرًا مثقل بالهموم وهو يرد بسرعة : طيب طيب اقفل دلوقت في رقم غريب معايا علي الانتظار
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
قبل ذلك بدقائق قليلة
خرج كريم من المطبخ مترنحًا في مشيته ، وبصره مشوش بسبب الدم الذي فقده وثمة ألم حاد في أعلى كتفه ، كما قام بربط قطعة قماش عليه لوقف النزيف.
أصيب كريم بصدمة وجحظت عيناه هلعًا من النيران المشتعلة في معظم أنحاء المنزل ، ولم يكن هناك أي أثر لحياة ، حتى وصل إليه صوت ضجيج قادم من الأعلى ليصعد الدرج فورًا.
شهقت حياة لالتقاط أنفاسها من دخان الحريق المتسرب من فتحة الباب السفلي ، بينما كانت تجاهد من أجل أن تسحب طاولة متوسطة الحجم لوضعها خلف الباب كحاجز مؤقت.
نهج صدرها علوًا وهبوطًا بتعب ، والعرق يتصبب من جانبي وجهها ، لترفع راحة يدها ، تمسحه بشكل عشوائي ، ثم ادارت حول نفسها في أرجاء الغرفة بتشتت.
تبحث بلا هدف في الخزانة ، وأدراج الطاولة حتى صادفت ما جعل الابتسامة تشق طريقها إلى فمها.
تفقدت هذا الهاتف بعد تشغيله لتتسع عينيها ، وهي تستمع إلى بعض التسجيلات الصوتية لكريم وأميرة ، لتبدأ في الضغط على الأرقام التي حفظتها جيدًا ، حينما لاحظت أن البطارية على وشك نفاذ الطاقة منها ، ورفعته باتجاه أذنها في انتظار الرد.
بمجرد أن وصل صوته إليها ، رغماً عنها ، لم تستطع السيطرة على دموعها ، التي انهمرت بغزارة ، ثم اجهشت بالبكاء وهي ترد : بدر .. بدر الحقني
اخترق الرعب جدران قلبه بمجرد أن سمع صوتها الباكى ، ليسألها بلهفة : حياة !! انتي كويسة ؟
أخذت حياة نفسًا عميقًا للسيطرة على نوبة بكائها ، ثم أجابت عليه بصوتها المنتحب : لحد دلوقتي اها .. بس النار ماسكة في كل حتة يا بدر .. انا خايفة اوي
ضيق عينيه بعدم استيعاب كامل ما سمعه منها للتو ، ليكرر بنفس النبرة : اهدي حبيبتي .. وخدي نفسك .. نار ايه دي!
دُمعت عيناها أكثر ، وصاحت بنبرة مرتجفة : حريقة ولعت في البيت اللي جابني فيه كريم .. انا طلعت اوضة فوق وقفلت عليا بس هو مش هيسيبني
انقطع صوته وحبس أنفاسه لبضع ثوان بسبب تأثير كلماتها على روحه ، قبل أن يكمل حديثه بصعوبة مليئة بالعذاب والغضب من إحساسه بالعجز عن مساعدتها : حياة .. حياة خلي في ايدك حاجة حادة تضربيه بيها وانا في الطريق ماتخافيش .. انا عارف هو خدك علي فين…
سكت بدر عندما سمع طرقًا عنيفًا على الباب وصراخ كريم صاخبًا قادمًا من الخارج ، ثم انقطعت المكالمة بعد قطع شحن الهاتف الذى تتحدث منه حياة.
اتسعت عيناه بجنون ، ثم أزمجر وهو يقود أسرع ، حيث كان على وشك الوصول.
شهقت حياة بفزع وهربت الدماء من وجهها ، حينما تمكن كريم من كسر الباب بعد عدة محاولات فاشلة ، بسبب صعوبة حالته في حالة سكر شديدة وإصابة كتفه.
دخل كريم بأنفاس حارة من شدة غضبه ، بينما نظراته تنذر بكل شر وهو يشتمها بكلمات قاسية ، تزامنًا مع ملأ الدخان الكثيف الغرفة كلها ، لتغطى أنفها وفمها براحة يدها ، وهى تسعل بإختناق بينما كريم لم يظهر عليه الإهتمام حيال هذا الأمر ، هادرًا بسخط : عجلتي بموتك
تصلب جسدها وخفق قلبها رعبًا ، وهي تتبع ببصرها خطواته المترنحة نحوها ، بينما عيناه امتلأت بالشر والحقد.
استدارت حياة يمينًا ويسارًا بحثًا عن أداة حادة ، حتى سقطت عيناها على منفضة السجائر التي كانت موضوعة على المنضدة بجانب السرير ، بينما شعرها يتطاير بعشوائية بسبب النافذة المفتوحة خلفها.
تسللت يداها لتلتقطها خلسة ، وقلبها ينبض بقوة من شدة الخوف وهي تحدق به عن كثب ، وهو يقترب منها و يسعل بعنف.
حاولت التراجع سريعًا للخلف بهلع ، لكنه أمسك برسغها وشد أصابعه حوله ، مما منعها من الهروب ، لتنتهز حالة السكر الذي كان يغرق فيه ، وبكامل طاقتها ، باغتته فجأة بضربة على رأسه بمنفضة سجائر ، تزامنت مع تنحيها جانباً ، فاندفع بجسده أمام النافذة المفتوحة ، ليسقط منها بعد أن فقد توازنه.
أطلقت حياة شهقة مذعورة ، ووضعت كلتا يديها على فمها ، قبل أن تتحرك بسرعة إلى النافذة وتطرق رأسها للأسفل ، لتتسع مقل عينيها في رعب ، حالما رأت جسده ملقى باعوجاج ، وساكنًا بدون أدنى حركة.
لم يعد بإمكان قدميها حملها أكثر من ذلك ، خاصةً مع نقص الأكسجين حولها ، لذا استلقت على الأرض وفمها مفتوح ، تحاول التقاط أنفاسها بعجز ، وجبينها يتصبب عرقاً بغزارة ووجهها يزداد شحوبًا ، فأغمضت عينيها مستسلمة للموت المحتم.
★★★
في ذات الوقت
توقفت سيارة بدر التي ترجل منها بأقصى سرعة ، ونظراته مصوبة نحو المنزل ، لتعكس لهيب النار في عينيه الجاحظتين بصدمة ورعب.
ركض إلى باب المنزل ليجد أنه مشتعل ، ومن الصعب الدخول منه ، فانتقل إلى الجانب الآخر وحرك عينيه في اتجاهات مختلفة ، فربما يجد مدخلاً آخر يمكنه الولوج من خلاله.
لفت انتباهه جسد ملقى بسكون مثل جثة هامدة على مسافة بعيدة منه ، ولم تتضح ملامحه له لأنه كان مستلقيًا على بطنه.
شحب وجه بدر ، و دب في قلبه الرّعب ، وطار عقله مقشعرًا جلده ، وهو يقفز في مخيلته انها أصابها مكروهً ، ليندفع مثل المجنون حيث يرقد هذا الجسد.
فغر بدر فمه بإنشداه حالما وقف أمامه ، ثم انحنى على ركبتيه ، محدقًا في كريم بشكل مبهم الغارق في دمه.
رفع رأسه تلقائيًا ، لتتسع مقل عينيه في رعب عندما رأى نافذة مفتوحة ، لينادي باسمها عدة مرات متتالية بأعلى صوته : حياة .. يا حياة .. حياة!!
كانت حياة لا تزال في وضعها المأساوي ، لكن فجأة اتسعت عيناها بدهشة عندما سمعت صوت صراخ باسمها ، لتنهض بجسدها المرتجف من الألم بسبب الكدمات الكثيرة التى تعرضت لها ، حاولت تحديد مكان الصوت ، لتسير بترنح حتى وقفت أمام النافذة بقدمين من الهلام.
رأته واقفا ، ينظر إلى اليسار واليمين بضياع ، ظلت تنظر إليه لبضع لحظات بعيون واسعة جامدة كما لو كانت داخل حلم.
حركت شفتيها بجهد لإخراج صوتها المختنق المليء بالألم باسمه ، والدموع تنهمر في عينيها : بد…ر
جذب انتباهه طنين خافت ، سرعان ما رفع رأسه حالما سمع صوتها يناديه مرة أخرى ، ليصيح بلهفة بمجرد أن لاحظ شحوب وجهها كالموتى : حياة .. انا هلاقي طريقة ادخل بيها ماتتحركيش من مكانك
تسلل في داخلها شعور غريب بالأمان والطمأنينة ، لتبتسم له بوهن ، وبدأت الأرض تميد تحت قدميها ، كونها لم تأكل منذ الليلة الماضية ، ناهيك عن المجهود الشاق الذي بذلته مع كثافة الدخان التى استنشقته.
فقدت الوعي ببطء ، بلا حول ولا قوة ، وهي تسمع صراخه ونداءاته لها بيأس ، لكنها لم تستطع الرد عليه لأول مرة.
كاد بدر أن يفقد عقله في تلك اللحظة ، لكن حدسه أضاء بشيئًا ، ليتجه مباشرة إلى الجزء الخلفي من المنزل ، تزامنًا مع وصول الشرطة وسيارات الإسعاف والإطفاء.
وصل صوت أبواقهم بصوت عالٍ إلى سمعه بوضوح شديد ، لدرجة أنه كان على وشك الالتفاف ليذهب إليهم ، لكنه غير رأيه حالما رأى الباب الخلفي للمطبخ أمامه ليتخذ قراره بالدخول بتهور ، إذ كل لحظة تمر تضع حياة فى عداد الأموات.
حاول بدر فتح الباب بدفعه بكتفه ، لكنه لم يفتح ، فتراجع خطوة إلى الوراء وركله بقدمه بقوة لينجح في فتحه ، متزامنًا مع دخان كثيف خرج مباشرة في وجهه.
استدار لتجنبه بينما يسعل بشدة.
ولج إلى الداخل بحذر ، و الرؤية شبه معدومة أمامه ، وبالكاد استطاع أن يلمح طفاية حريق معلقة على الحائط.
ركض في الرواق إلى الردهة ، المليء بالأثاث المحترق ، ليستخدم المطفأة لإخماد النيران التي تعيقه عن التقدم ، بينما يكتم فمه بذراعه ، وهو ينظر إلى أسفل بعفوية ، ليرمش في تعجب من الشيء البراق أمامه على الأرض.
أخرج الهاتف بسرعة وأضاء شاشته بالتزامن مع اقترابه و الركوع على ركبة واحدة ، اظلمت عيناه من الغضب وهو يلتقط خاتم حياة ويقبض عليه بقوة داخل راحة يده بعد أن فهم ما فعله هذا اللعين ، لتزيد نار الكراهية تجاهه سعيرًا في خلجان صدره وتنساب على جدران قلبه ، فتشتعل بلهيب أقوى مما التى هو وسطها الآن.
وقف على قدميه ونظر يمينًا ويسارًا حتى سقطت عيناه على الدرج ، وقفز نحوه وصعد سريعًا إلى الطابق العلوي.
تمكن رجال الإطفاء من الدخول عبر الباب الرئيسي بعد لحظات قليلة ، وانتقلوا في كل مكان ومعهم المعدات اللازمة التي تمكنهم من إطفاء الحريق.
وصل بدر إلى الأعلى ليقف في بداية الرواق ، محاولًا أن يرى من خلال الضباب الكثيف ، مشى بخطوات حذرة وهو يحرك عينيه عبر الأبواب ليرى باب مفتوحًا على مصراعيه ، بينما كان هناك جسد ضئيل يرقد فى سكون على الأرض.
اتسعت عيناه بذهول ، وتيبست قدميه غير قادر على تحريكها للحظة قبل أن يندفع إليها مسرعا ، راكعا بجانبها ، ممسكًا بها بيديه في رعب بالغ ، ووضع رأسها على قدميه ، محاولًا إيقاظها.
: حياة .. خليكي معايا افتحي عينيكي .. حياة
نادى عليها بصوت مرتعش وعينيه تلتمع بالدموع ، حيث الذعر والخوف من فقدانها يلتهمان روحه ، ولم يمر دقيقة حتى وجد رجالًا يرتدون ملابس الإطفاء يندفعون إليهم وخلفهم فريق الإسعاف.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد مرور فترة زمنية
يجوب أرضية الرواق بنفاذ الصبر ذهابًا وإيابًا أمام الغرفة التي يتم فيها فحص حياة ، ومن لحظة إلى أخرى ينظر إلى ساعة يده ، ليتوقف فجأة حالما سمع صوت أخيه خلفه : ما تقعد يا بدر بقي الله يرضي عليك كفاية جو التوتر دا
: فين حياة يا بدر؟
استدار كلاهما إلى مصدر الصوت الأنثوي ، حيث سارعت ميساء نحوهما ، وتحدث جاسر بهدوء بينما وقف بدر ، وهو يزفر في قلق : اطمني يا مدام ميساء هي بخير .. دلوقتي هيخرج الدكتور ويطمنا
نظر بدر نحو الطبيب الذي خرج لتوه من الغرفة ، وعيناه مليئة بالخوف والقلق لينطلق إليه ، ويسأل بصوت يلهث : عاملة ايه حياة يا دكتور؟
زفر الطبيب بنوع من التعب قائلا بنبرة عملية : ماتقلقوش الانسة حياة بخير لحقتوها في الوقت المناسب و الا دخان الحريق كان هيقضي علي حياتها .. دلوقتي هي كويسة بس نايمة و مافهاش غير كدمات بسيطة هتزول بعد فترة بالكريمات و الادوية
تنفس الجميع الصعداء ، ليطلب منه بدر بتلهف واضح : شكرا يا دكتور .. اقدر اشوفها
أجابه الطبيب وهو يهز كتفيه قائلاً بهدوء : اكيد هي شوية وتفوق الأحسن تفضل مستريحة عشان احساسها بوجع الكدمات يكون اقل .. وحمدلله علي سلامتها
ابتسمت ميساء لبدر ، مشيرةً إليه ليدخل لها أولاً ، ثم استدارت وسارت بخطوات سريعة خلف الطبيب قائلة بقلب يرتجف : دكتور لو سمحت اختي فيها حاجة انت مخبيها علينا..
قطعها الطبيب على الفور بابتسامة ، وأجاب بنبرة مطمئنة : طبعا لا يا مدام كل الحكاية خدوش وكدمات وبس .. اطمني هي بخير الله حفظها ليكم
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد مرور ساعة
ظل بدر جالسًا أمامها ، ممسكًا بيدها في يده ، إذ لم تسترد وعيها بعد ، و عينيه مصوبة نحوها بجمود ، بينما لم يفيق بعد من صدمته ، ويشعر بالضياع والعجز.
يعيد له عقله مرارًا وتكرارًا أنها كانت على وشك أن تزهق روحها ويفقدها إلى الأبد ، كل ذلك بسببه ، ولكن إذا التزم الصمت بشأن الإساءة إليه بأي شكل من الأشكال ، فلن يقبل أبدًا أن يمسها سوء ، لن يتحمل رؤيتها تعانى أو تتألم ، حتى لو كان مجرد ألم بسيط.
زفر بدر بإرهاق ، مستغفرا الله في سره ، ثم تكلم بصوت خافت يحثها على الاستيقاظ بشوق : يلا يا حياة .. فتحي عينيكي .. انتي ليه بتحبي تعذبيني كدا..
لم يتلقى أي رد منها ، فقام من مكانه ، وربت برفق على راحة يدها الناعمة ، ثم ذهب إلى النافذة ، واستنشق بعض الهواء النقي لتصفية ذهنه وإبعاده عن الأفكار المظلمة.
: بدر
استدار نحو السرير عندما وصل إليه صوتها الهامس شبه المسموع ، واندفع نحوها قائلاً بترقب ونظرات قلقة عند رؤية شحوب وجهها : حبيبتي ماتكلميش لو حاسة انك تعبانة؟
نهضت حياة من السرير وجلست مذعورة ، حيث كانت الرؤية أمامها غير واضحة ، وشعرت بالدوار فجأة ، وتلفظت ببعض الكلمات المتحشرجة : كان هيموتني يا بدر
أمسك بدر بذراعيها ، وساندها بخوف جليًا على ملامحه ، وجذبها بين ذراعيه ، فبكت على كتفه ، وهى ترتجف بعنف.
شعرت حياة أن ذراعيه يطوقان ظهرها وتضغطان على جسدها لاحتوائها أكثر على صدره ، وهي تبكي بصوت مكتوم ، وتسمع خفقات قلبه الثائرة من أجلها ، ثم همس بدفء : اهدي انا جنبك .. ماتخافيش .. خلاص انتي معايا
احتضنها بدر لتشعر بالأمان والطمأنينة ، وتركها تفرغ كل ما يثقل صدرها حتى تتمكن من إراحة أعصابها المنهارة داخل أحضانه ، ليسمع تأوهها بألم ، على الفور أبعد رأسه قليلاً ونظر إليها بقلق : اسف .. وجعتك .. حاسة بإيه؟
ردت حياة بنبرة باكية : يعني .. شوية وجع بسيط في جسمي .. بس قادرة استحملو
أعطاها بدر كوبًا من الماء ، مبتسمًا لها بلطف ، وشربته ببطء وهي تبلل شفتيها الجافتين.
سحبها إلى صدره مجددًا وطوق جسدها بحنان ، مما جعلها تشعر بمزيد من الاحتواء والدفء.
سألت حياة بصوت منخفض ، وهى تتكئ برأسها على صدره : هو ايه اللي حصل؟ انا اخر حاجة فاكرها اني شوفتك من الشباك .. ولا كنت بهلوس .. مش عارفة !!
مسح بدر على ظهرها ببطء ، وهو يذكرها بلهجة حانية : لا كنت فعلا واقف جنب كريم قدام البيت بدور علي طريقة ادخلك بيها
خرجت حياة في ذعر من ذراعيه ، حينما تذكرت ما حدث ، لتنظر إليه قائلة بتلعثم : الحريقة .. انا خبطت في الشم…
رمشت بأهدابها ، مدركة كلامه ، فقالت بسؤال : تدخلي بيها ازاي؟
تردد بدر قليلا ثم بدأ في سرد ​​كل ما حدث بالتفاصيل ، بينما كانت حياة تستمع إلى حديثه بحاجبين معقودين في حالة من عدم الرضا ، وشعرت بثقل رهيب في قلبها الخائف ، لتقول بتوبيخ : كان ممكن يحصلك حاجة يا بدر ليه تعمل كدا؟
أنهت حياة حديثها ، وقبضت يديها على قميصه لتتسع مقل عينيها ، بمجرد أن وقع نظرها على إصبعها الفارغ ، لتتنفس بسرعة في حزن.
نظرت إلى ملابسه ، فهي نفس الملابس التي كان يرتديها في زفاف أخيه ، باستثناء السترة وقميصه الأبيض ملطخ بالأسود ، وبدت ملامح وجهه متعبة بلا نوم وحالته يرثي لها وفوضوية ، بينما كانت ترتدي ثوب المستشفى الأبيض مع محلول معلق في يدها.
أما بدر ، ينظر إليها بألم في قلبه من الدموع التي غمرت خديها ، مما جعله يغمس وجهه في رقبتها ويتنفس رائحتها التي إشتاقها كثيرًا.
بدونها ، كان مثل الطفل الذي فقد والدته ، ليهمس بنبرة أجش : ماقدرتش اصبر يا حياة لما وصلتلك كنتي بتتنفسي بالعافية واغمي عليكي .. الحمدلله المطافئ وصلو بسرعة .. بعد ما الخط اتقطع وانتي بتكلميني اتصلت علي طول بجاسر و بلغتو يتصرف
ارتجف جسدها بخدر فور أن أحست أنفاسه الدافئة تلامس جانب رقبتها ، لكنها استيقظت من غيمة مشاعرها ، مدركة ما يؤول إليه قربهما ، فتراجعت قليلاً ، ودفعته من صدره بخفة.
ابتعد بدر عنها ، حينما رأى وجهها محتقن من شدة الاحراج.
تنهد بعمق ، محاولًا التحكم في دقات قلبه المجنون بحبها ، الذي يحثه على غمرها مجددًا ، ثم غمز لها وقال بابتسامة مشاكسة : بس انا ماكنتش عارف اني بحب عبدو موته .. تعرفي ان عنده كسر في ضلعين و في ايده و رجلو
ابتلعت حياة لعابها في رعب ، وهي تهمس دون وعي بصوت خفيض في بلاهة : انا ماكنش قصدي اوقعه خالص .. هو كدا ممكن يحبسوني عشان وقعته
انفجر بدر رغماً عنه ضاحكاً بقوة لدرجة أن عينيه ذرفت الدموع أمام نظراتها مندهشة منه ، ليقول بنبرة طريفة بين ضحكته ، لترفع حياة يدها ، ولكمته على كتفه في غيظ : انتي محتاجة اديكي درس مكثف في القانون يا عبيطة هو اللي خطفك دي تهمة جديدة انضافت للقايمة بتاعته و المرة دي مش هرتاح الا لما ينفذو حكم الاعدام فيه
قال جملته الأخيرة بصوت خالي من الضحك ومليء بالجدية ، وهو يمرر أصابعه برقة بالغة ، ويمسح قطرات اللؤلؤ اللامعة بين ثنايا رموشها ، ثم أضاف ، دون انتظار ردها على ما قاله : سامحيني يا حياة اني عرضتك لكل دا..
أخذت حياة نفسًا عميقًا ، تسعى ان تجعل نبرة صوتها هادئة ، بينما رفعت اناملها برقة لتلمس خده الشائك ، وهى تغمغم بحنان لإبعاد شعوره بالذنب تجاهها : دا قدر اتكتب مهما عملنا ماكناش هنقدر نتفاده يا بدر .. الحمدلله انها جت علي قد كدا و اننا بخير..
تدحرجت عينيها بخجل طفيفاً ، ثم ما لبث أن اتسعت في حالة صدمة عندما لاحظت يده ، ورفعت بصرها إليه ، بعد أن مررت أصابعها بحذر عليها ، قائلة بصوت هامس يشوبه القلق : ايه الجرح دا يا بدر؟
تذكر ذلك الجرح السطحي في أعلى معصمه الذي حدث عندما كان يحاول كسر الباب الخلفي للمطبخ ، ليبتسم ويقول على الفور : ماتخافيش يا قلبي دا خدش بسيط الدكتور شافه وماعلقش عليه
شعرت حياة بالغضب من إهماله ، لذلك صاحت بحدة ، متناسية أنها كانت تبكي على كتفه بضعف منذ دقائق قليلة : انت ايه البساطة للي بتكلم بيها دي ولا بقيت متعود؟
حدق بدر بها بصمت لبضع لحظات ، فأردفت بحزن : كل دا بسببي
قبل بدر جبهتها بحب ، وهمس بحرارة : انا كنت مستعد اعمل اي حاجة انقذك بيها حتي لو كنت هموت
رمقته حياة بنصف عين ، وأجبته بإستياء ممزوج بالحب : ما بلاش كلام دبش .. الف بعد الشر عليك يا حبيبي .. انا ماصدقت الحمدلله انك بقيت كويس
ابتسامة عريضة ارتسمت على شفتيه ، وجبهته ترتكز على جبهتها ، وهو يهمس بصوت عميق مليء بالعشق الخالص : انتي موتيني في حبك و رجعتيني للحياة بوجودك يا مانجتي
تعمقت في عينيه التى ينبعث منها الأمان ، مما جعلها تشعر بالراحة والسعادة يغمران قلبها ، لتهمس له بابتسامة حلوة : انت قلب المانجة و روحها و حياتها
أشرقت عيناه ، والابتسامة لا تزال تزين وجهه ، غير قادر على التحكم فيها ، ثم قال بمداعبة وهو يقرص أنفها الأحمر : مش ملاحظة انك مابتعرفش تقولي كلام حلو غير في المستشفيات
قامت حياة بطي ذراعيها في ضيق طفولي دون أن تجيب ، ليغمغم بهدوء : غمضي عينيك
ابتلعت ريقها في ارتباك ، لكنها أذعنت لطلبه ، غير قادرة على المجادلة ، لتشعر به يرفع راحة يدها بين يديه ، و يدخل فى إصبعها شيئًا بارد الملمس ، ثم طبع قبلة على كفها بعمق ، لتفتح عينيها آليًا ، فتتسعان بإنشداه ، وهى تحدق به قائلة في عدم تصديق : دبلتي!!
قال بدر بصوته الدافئ ونظرته الحنونة ، وهو يشعر بسكين حاد يخترق قلبه ، ممزقًا إياه من ردة فعلها : ليه العياط يا قلبي؟
همست حياة بصوتها الباكي ، وهي تلعب بالخاتم فى إصبعها : خلعها من ايدي بالعافية و رماها..
همس بدر بعشق ممزوجًا بالجدية بجوار أذنها بعد تقبيل رأسها : وخلاص لاقيته و رجع لمكانه من تاني .. اهدي بقي وخلينا نتجوز يا حياة كفاية تفضلي بعيد عني
استرخت ملامحها على الفور ، وتحول عبوس جبينها إلى ابتسامة خجولة على خديها ، بينما أومأت بصمت بالموافقة.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد مرور شهرين
ذهب بدر في زيارة لكريم في السجن قبل تنفيذ الحكم بعدة أيام قليلة ، واقفًا خلف باب الزنزانة وينظر إلى الآخر ببدلة الإعدام الحمراء عبر النافذة المربعة أعلى الباب الحديدي.
صمت بدر للحظة ووضع يديه في جيوبه ، ثم تحدث بهدوء مدروس : مش محتاج اسألك عن اخبارك واضح انك متكيف مع وضعك
زم كريم شفتيه سخطًا عليه ، ليقف ويتقدم نحو الباب من الداخل بخطوات ثقيلة ، قائلاً بصوت يشع بالكراهية : ولا انا محتاج اخمن سبب الزيارة .. جاي تشوفني مذلول وتشمت فيا
أجاب بدر وعيناه متصلبتان عليه بجمود : ابدا مش شماتة بس دا العدل اللي امثالك مايعرفوش حاجة عنه بالخصوص انت
انفرج فمه بابتسامة لا صلة لها بالمرح ، وتابع حديثه بقسوة : وجاي اسمعك يا اللي كنت صاحب عمري .. يمكن لسه عندك كلام اخير عايز تقولو قبل ما يعدموك..
اكفهر وجهه بشدة ، وحدجه بحدة ، بينما يصرخ بمقت بالغ وهو يضغط على أسنانه بحقد : عمري ماحبيتك يا بدر و ندمان علي فشلي اني ماقدرتش اخلص منك بدري عن كدا
هز بدر كتفيه بلا إكتراث ، ليقول بابتسامة جانبية مليئة بالسخرية : مش متفاجئ بعد كل اللي جرالي علي ايدك .. بس للاسف اللي قدامك رجل قانون مالوش في الانتقام و الحقد اللي مسود قلبك و عاميك لحد ما ضيعت عمرك بغباء
كان على وشك التحرك ، لكنه أدار رأسه تجاهه ليضيف ببرود : بالسلامة علي جهنم اللي هتتحرق انت وشياطين الارض امثالك فيها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية شبح حياتي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى