روايات

رواية سكون الليل الفصل الأول 1 بقلم خولة محمد

رواية سكون الليل الفصل الأول 1 بقلم خولة محمد

رواية سكون الليل الجزء الأول

رواية سكون الليل البارت الأول

سكون الليل
سكون الليل

رواية سكون الليل الحلقة الأولى

الظلال في العتمة
عاد يوسف إلى بلدته الصغيرة بعد سنوات من الغربة. بلدة نائية في قلب الريف، حيث الطرق المظلمة والكثيفة بالأشجار، تُحيطها الغابات كما لو كانت تحرسها من الزمن. كان قد قرر العودة إلى منزل جده بعد وفاته، وكان هذا القرار بمثابة هروب من حياته المزدحمة والمليئة بالضغوط.
وصل يوسف إلى المنزل مع غروب الشمس، فانعكست أشعة الضوء الخافتة على الجدران المتشققة. كان المنزل قديمًا، لكن لا شيء فيه يبدو وكأن الزمن قد مر عليه. النوافذ مغطاة بالغبار، والأبواب القديمة متآكلة من كثرة الاستخدام. ومع ذلك، كان هناك شيء في هذا المكان يأسر قلبه، شيئًا يجعله يشعر وكأنه يعود إلى مكان يعرفه جيدًا.
دخل يوسف المنزل بصمت، حتى صوت قدميه على الأرض كان خافتًا وكأنه لا يريد أن يزعج هذا السكون الغريب. جلس على المقعد المتهدم في الصالة وبدأ يسترجع ذكرياته مع جده. كان البيت مليئًا برائحة الماضي، رائحة الكتب القديمة، ورائحة الخشب المتآكل.
وفي تلك اللحظة، شعر بشيء غريب. همسات خفيفة في الهواء، كأن هناك من يتحدث إليه. نظر حوله، ولكنه لم يرَ أحدًا. كانت الأصوات تأتي وكأنها تخرج من الجدران نفسها، لكنها لا تُسمع إلا في أوقات معينة، وكأنها تتحرك مع الزمن.
وبعد دقائق، قرر يوسف أن يتجاهل تلك الأصوات ويكمل تنظيم المكان. لكن مع حلول الليل، بدأ يشعر بشيء آخر، شيئًا كان يخبئه في الظلام. كانت الأصوات أكثر وضوحًا الآن، همسات، ثم خطوات خفيفة، ثم صمت. وكأن هناك من يراقبه.
في تلك اللحظة، قرر يوسف أن يتصل بجاره، عم حسين، الذي عاش في هذه البلدة منذ عقود.
يوسف: “ألو؟ عم حسين؟
عم حسين: “إيه يا ابني؟ في حاجة؟”
يوسف: “مفيش حاجة، بس أنا قاعد في بيت جدي دلوقتي، وكل حاجة غريبة. في أصوات كده… مش قادر أفسرها.”
عم حسين: “أصوات؟ يا ولدي ده بيت جديك كان دايمًا محاط بالحكايات. المكان ده مش طبيعي، وكل واحد حاول يقعد فيه بليل حصل له حاجة غريبة. اسمع مني، لو لقيت حاجة غريبة تاني، امشي من هناك. ده مش مكان للبشر.”
أنهي يوسف المكالمة وهو يشعر بالتوتر. رغم كلمات عم حسين، لم يكن مستعدًا للرحيل. كان يشعر بشيء غريب يجذبه للبقاء، كأن شيئًا يترقبه في هذا المنزل. قرر أن يبقى حتى يكتشف السبب وراء تلك الأصوات.
ومع حلول الليل، بدأ الظلام يحيط بالمنزل. الأضواء التي كانت تحاول مقاومة هذا السكون سرعان ما انطفأت. وفي تلك اللحظة، شعر يوسف بشيء يلامس قلبه بشدة. كانت الظلال تتراقص على الجدران، كما لو كانت هناك أيدٍ غير مرئية تتحرك ببطء. بدأ صوته يتسارع، لكن في اللحظة التي أراد فيها الخروج، شعر بشيء غير طبيعي. ظلٌ طويل على الجدار يتحرك، يقترب منه ببطء، كأن هناك من يراقبه في صمت، ينتظر اللحظة المناسبة للظهور.
شعر يوسف بتسارع نبضات قلبه، وعينيه لا تفارقان ذلك الظل الذي بدأ يتحرك ببطء على الجدار. كان كل شيء في الغرفة مظلمًا، باستثناء الضوء الخافت المنبعث من المصباح الوحيد الذي كان يعمل بصعوبة. حاول يوسف أن يهدئ نفسه، لكن الصوت القادم من الزوايا المظلمة أصبح أقوى، وكأن هناك شخصًا يهمس بالقرب منه. همسات تتكرر بأسماء وأشياء لا يستطيع تذكرها.
صوت الأقدام الخفيفة على الأرض، كما لو أن شخصًا آخر كان يتحرك في المنزل، زاد من توتره. حاول فتح الباب للهرب، لكنه وجد أن المقابض عالقة. وكأن هناك قوة خفية تمنعه من الخروج.
دق قلبه بسرعة، وركض إلى النافذة ليبحث عن مخرج. لكن حين رفع الستارة، شعر بشيء غير طبيعي في الخارج. كانت الغابة التي تحيط بالمنزل مظلمة تمامًا، وكأنها تبتلع الضوء. وداخل تلك العتمة، رأى شيئًا يتحرك. كانت هناك ظلال تتحرك بسرعة بين الأشجار، تتحرك كما لو كانت تلاحق شيئًا أو شخصًا.
ثم شعر بشيء آخر، شيء ثقيل يضغط على صدره. لم يكن يعرف ما الذي يجري، لكن قلبه كان يدله على أن هذا ليس مجرد تخيلات. قبل أن يتمكن من التفكير أكثر، سمع صوتًا آخر. هذه المرة كان الصوت واضحًا جدًا، كان الصوت قادمًا من داخل المنزل، من الجدار خلفه مباشرة.
الصوت (همس منخفض): “أنت مش لوحدك هنا.”
توقف يوسف في مكانه، وجسده أصبح كالصخرة. لم يكن يعلم إذا كان الصوت حقيقيًا أم مجرد خيال. لكن ما كان أكثر رعبًا هو أن الصوت كان يشبه تمامًا همسات جده التي كان يسمعها عندما كان صغيرًا، تلك الهمسات التي كانت تروي له قصصًا عن الأشباح والأرواح.
يوسف بصوت مرتجف: “إيه ده؟ مين ده؟”
لكن لم يكن هناك رد. كان الصوت الوحيد الذي يملأ الغرفة هو همسات خافتة تزداد مع مرور الوقت. اقترب يوسف بحذر من الجدار، ووضع يده عليه. في تلك اللحظة، شعر بشيء غريب يتحرك خلفه، وكأن هناك يدًا تلمس كتفه.
خفق قلبه بعنف، وأراد أن يهرب، لكن قدماه كانت مغروسة في الأرض، كأن الجدران نفسها كانت تحاول منعه من الهروب. وكأن هناك قوة لا مرئية تعيد صوته إلى الوراء كلما حاول أن يصرخ.
بينما هو في حالة من الذعر، تذكر حديث عم حسين: “لو لقيت حاجة غريبة تاني، امشي من هناك”. لكن في تلك اللحظة، كان قلبه مليئًا بشيء آخر، شعور غريب بالترقب. كان هناك شيء في هذا المكان يجذبه للبقاء، شيء لا يستطيع تفسيره.
يوسف وهو يهمس لنفسه: “مستحيل… لازم أكتشف إيه اللى بيحصل هنا.”
وفي اللحظة التي حاول فيها أن يلتفت ليركض نحو الباب مرة أخرى، ارتفعت الظلال في الغرفة بشكل مفاجئ، وكأنها تتحرك نحوه، وكأنها كائنات غير مرئية تقترب منه. لم يعد يوسف يعرف ما إذا كانت تلك الظلال هي أشياء حقيقية أم مجرد خيال من صنع عقله المرتبك.
ولكنه شعر بشيء واحد مؤكد: كان محاصرًا.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سكون الليل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى