رواية سدفة الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم آية شاكر
رواية سدفة الجزء الثامن والعشرون
رواية سدفة البارت الثامن والعشرون
رواية سدفة الحلقة الثامنة والعشرون
ران بينهما صمتٌ طفيف وهي مطأطأة الرأس، ولم تبدي أي رد فعل فأضاف:
-هستنى كتير يا نداء؟ لو سمحتِ ارفعي عينك وبصيلي…
قالها بنبرة هادئة لكنها لمست بها بعض الحدة، فرفعت بصرها ببطئ وما أن التقت عينها بنظراته المتفحصة لملامحها ورأت ابتسامته أطرقت مرة أخرى فقال بانفعال:
-ارفعي عينك وقوليها… قوليها ومش هتشوفيني تاني…
ازدردت لعابها ولاذت بالصمت فقال بانفعال أشد:
-ارفعي عينك وقوليلي إنك مش عاوزاني… وأنا والله همشي بلا رجعه.
استجمعت شجاعتها ونظرت في عينيه لتنطق بما يريد وما أن تشابكت نظراتهما ودار بينهما حوار صامت وكأن عينيه تتوسلها ألا تفعل وألا تنطق وألا تبتعد، حينها تذكرت «علي» وخشيت على رائد نفس المصير، فإن كان قلبها يتألم لمـ ـوت «علي» فإن مـ ـات «رائد» سيتفتت قلبها وتُزهق روحها، لم تستطع تخيل أن مكروه قد يُصيبه ألا يكفيها ما حدث لعلي! فهي تلوم نفسها في كل حين، لكن ما ذنبها وما ذنب أي أنثى أراد شاب ما الإرتباط بها ورفضت فلم يتركها وشأنها معللًا أنه يحبها؟ أي حب! وأي مشاعر تلك التي تدفع أي شخص بأن يُلقي بحياته في التهلكة!!!
أغلقت نداء جفونها وهي تردد بأنفاس متسارعة:
-لا… لأ… مش هقدر…
بتـ ـر حديثهما دخول والدها للغرفة قائلًا ببهجة:
-ها اتفقتوا يا ولاد؟ المأذون وصل.
-مأذون؟!!
قالتها نداء بصدمة ودهشة وهي تُطالع والدها المبتهج…
قال رائد في هدوء وتؤدة:
-دقيقة واحده يا عمي رشدي بعد إذنك… خليه يظبط الأوراق على ما أتكلم مع نداء كلمتين لو سمحت…
وافقه رشدي وخرج، فنظرت نداء لرائد وقالت بتهكم:
-هو إنتوا بتعملوا إيه؟! هتجوزوني غصب عني مثلًا!!!
أطلقت ضحكة كالزفرة وهزت عنقها في استهانة مستطردة:
-إنت شكلك بتقرأ روايات كتير باين!!
نهض رائد واقفًا وقال بجدية شديدة:
-قدامك دقيقتين تيجي تبصي في عيني قدامهم كلهم وتقوليلي إنك مش موافقه ساعتها بس همشي… هودعك ومش هرجع تاني…
سار خطوتين ثم عاد واسترسل رافعًا سبابته:
-بس بسرعه عشان لو أنا نطقت كلمة “قبلت الزواج” بعدها مش هيفرقنا إلا حاجه واحده…. المـ ـوت.
قالها وهو يضغط على أحرف كلمته الأخيرة ثم خرج من الغرفة ودخلت بعده شيرين ودينا والفرحة والبسمه تتجلى على قسمات وجههما، لم تسمع نداء من حديثهما شيء ولم ترى سوى حركات شفتيهما دون أن تفقه ما تقولان، كانت تتخبط في ذكرياتها وأفكارها وآهات فؤادها التي لا يسمعها إلاها.
تناهى لسمعها صوت والدها الذي ردد خلف المأذون:
-زوجتك ابنتي نداء رشدي العميد البكر الرشيد….
تسارعت أنفاسها ووثبت من جلستها، سارت عدة خطوات صوب باب الغرفة كانت تُهملج في عصبية وعندما همت أن تخرج من الغرفة لتُنهي تلك المهزلة توقفت فجأة وأخذت كلمات علي تمور برأسها لكن بصوت رائد:
-الوداع يا نداء… أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه…
همى الدمع من مقلتيها اعتصر قلبها ألمًا، تردد في جعبتها صوت:
-رائد هيمـ ـوت لو سيبتيه… لو سيبتيه هيمـ ـوت…
ظلت تلك العبارة تتردد داخل رأسها مراتٍ عدة، ومشاعرها تتأرجح بين رغبة ورهبة، وبين شفقة على رائد وقسوة على قلبها.
شهقت باكية وحين رأت شيرين حالتها تلك والحيرة التي تُطل من مقلتيها، أقبلت إليها وضمتها وأخذت تربت على ظهرها وتُحدثها عن صفات رائد الحميدة وعن مدى حبه لها، لا تعلم أن نداء لا تسمع سوى هسهسات نفسها.
استكانت نداء في أحضانها كانت معهم بجسدها بينما عقلها يبحر في عالم أخر؛ عالم من الهواجس التي غشيت فؤادها فأظلمته، انتشلها من خضم أفكارها صوت رائد:
-وأنا قبلت زواج ابنتك…
إذًا فقد قُضي الأمر، خرجت من حضن شيرين وجففت دموعها في سرعة، كان قلبها يختلج حتى أن رجفته فاضت فظهرت على يديها حيث كانت تنتفض.
أمسكت دينا ذراعها وربتت عليه بحنو، بينما ضمت شيرين كف يدها الأخرى بعطف بالغ، وحثتها دينا لتسير معهما لتمضي على أوراق زواجها…
رفعت نداء بصرها وتأملت رائد وملامحه المبهمة، ثم بدلت نظرها بين وجوههم جميعًا حتى توقف بصرها على رائد مرة أخرى ودوى بداخلها صوت يدفعها أن توافق لأجل قلبه فقط لا من أجل قلبها ولأجل أن يعيش هو لا من أجل عيشها، خاطبت نفسها بأن هيّا لتُكمل تلك الزيجة من أجلهم وليس من أجلها، فأمسكت القلم بيدها المرتجفة وكتبت اسمها بخط مهزوز وبعد فترة انتهى الامر بزغاريد شيرين ودينا ثم معانقة الجميع للعروسين في بهجة وفرحة.
شعرت نداء وكأنها في حلم لكنه جميل جدًا فقد أصبح رائد لها وهي له وفي الحلال، ارتعشت شفتيها بابتسامة خفيفة حين طالعت وجوههم مرة أخرى فالجميع سُعداء! أقنعت نفسها بأن ما فعلت لأجل فرحتهم جميعًا لا من أجل فرحتها!
وأخيرًا فتحت شيرين علبة تحتوي على قطع من الذهب وأقبل رائد نحو نداء التي من فرط توترها بسطت له راحة يُمناها المرتجفة، فضمت شيرين يدها اليمنى ورفعت ظهر اليد اليسرى ليضع رائد دبلته في إصبعها وتغاضى عن باقي الذهب حين رأى إنتفاضة يدها وشعر باختلاج قلبها، كاد أن يعانقها أمامهم لكن لحرجه وخجله تراجع واكتفى بأن يضم كلتا يديها بين كفوفه مرددًا بابتسامة:
-مبارك يا عروستي.
أصابت السعادة فؤادها؛ تلك السعادة التي لم تطرق بابها منذ عام كامل لكنها سرعان ما زجرت حالها! فكيف لها أن تفرح وهي المتسبب بمـ ـوت علي، تقلبت مقلتيها يمنة ويسرة في توتر وما أن نظرت بعينيه حتى انفـ ـجرت باكية وارتفع نشيجها وهي تردد بحشرجة ونبرة مرتعشة:
-أنا… أنا… أنا مستاهلش كده…
فلم يكترث لوجود من حوله، عانقها ليدفئ زمهرير قلبها، همس في أذنها:
-اهدي يا حبيبتي.
قالت بحشرجة:
-أنا تعبانه أوي… قلبي واجعني…
قال بنبرة حانية:
-سلامة قلبك…
نظر لهما الجميع بشفقة وتبددت سعادتهم حين رأوا حالتها تلك وأخذت والدتها تربت على ظهرها وقد علقت الدموع بأهداب جفونها، فجذبتها شيرين وضمتها ثم همست في أذنها:
-متقلقيش عليها.
من ناحية أخرى ربت دياب على كتف رشدي وقال:
-مش قولتلك هيتجوزوا…
ارتعشت شفتي رشدي بابتسامة خفيفة وضم دياب….
استغفروا♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
-أنا مش عايزه أولد هنا يا رامي… بالله عليك عاوزين ننزل مصر قبل ما أولد.
قالتها ريم بينما كانت تجلس قبالة محمد وجوار رامي وتملس على بطنها المنتفخة أمامها، فقال رامي ببسمة:
-امسكي نفسك الكام يوم دول يا مسكر.
قالت بقلق:
-ربنا يعديهم على خير.
أضافت بلوعة:
-أهلي وحشوني أوي ماما وبابا ورغدة مع إني زعلانه منها عشان مسألتش عليا بس وحشتني أوي.
نظر كل من رامي ومحمد لبعضهما وأطرقا، فلم تعلم ريم بمـ ـوت أختها حتى الآن! لم يستطع رامي أن يخبرها ومرت الأيام وحملت في طفلها فحذر الجميع من إخبارها، وكلما سألت على رغدة يخبرونها بأنها منشغلة في عملها ومنهمكة في حياتها، وكانت تصدقهم فلم تكترث رغدة لوجودها يومًا وذلك الفعل متوقع منها.
غيّر رامي دفة الحوار مخاطبًا محمد:
-مـ… مش ناوي تغير رأيك وتنزل معانا يا محمد؟
قال محمد:
-لأ… مـ… مش عارف ممكن أحصلكم…
قالت ريم وهي تشير لبطنها:
-حاول تيجي يا محمد مش عايز تشوف ابن أختك ولا إيه؟
-هو انتوا مش هتقعدوا شويه وترجعوا… ولا ناوين تطولوا في مصر؟
قالها محمد فأجاب رامي:
-لأ… تلت شهور وهنرجع علطول…
استأذنتهم ريم لتدخل للمرحاض، فطالعها رامي حتى اطمئن لابتعادها واقترب من محمد ليقول له بنبرة هامسة:
-محتاجك معانا يا محمد أنا لحد دلوقتي مش قادر أتخيل شكل ريم لما تعرف إن رغده…
لم يكمل جملته أطرق وزفر بأسى، فقال محمد بنفس الهمس:
-أهو ده تحديدًا اللي مخليني مش عاوز أنزل مصر.
صمت رامي لبرهة وهو يتفرس ملامح محمد وسأله بابتسامة عابثة:
-ده ولا حماتي وشرطها عليك؟!
تذكر محمد فاطمة فهز رأسه باستنكار بينما لاحت على شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يردد:
-سيبتلها مصر كلها عشان هددتني تقول لريم على مـ ـوت رغده لو بابا جالي مرسى مطروح أو أنا رجعت عنده…
اعتدل في جلسته وأردف:
-دلوقتي لما ريم ترجع مصر هتعرف بموضوع رغده يعني مش مرات أبويا هي السبب إني مرجعش.
-الست دي أنا بكرهها من وأنا صغير… ست صعبه جدًا…
قالها رامي فأطلق محمد تنهيدة طويلة وهو يردد:
-ربنا يهديها… يلا أنا هقوم امشي…
ثم نهض محمد واقفًا، فنهض رامي وهو يقول:
-خليك يا بني بات معانا…
محمد بمرح:
-لأ… متشكر يا سيدي مش عايز جمايل من حد شقتي بعد خطوتين من هنا…
وقبل أن يحرك محمد قدميه، خرجت ريم مره أخرى وهي تمد يدها بالهاتف مرددة ببسمة صغيرة:
-رامي… خد كلم هيام بتقولك رائد كتب كتابه على نداء النهارده…
وحين نقر اسم هيام طبلة أذن محمد شعر بغصة تتلوى في حلقه، عبست ملامحه واختنق فؤاده، في حين ضحك رامي أخذ الهاتف ليجيبها:
-طيب ما احنا عارفين من سنه إن رائد اتقدم لنداء ومتابعين كويس وعارفين إن عمك رشدي كان موافق ومستني نداء تخلص امتحانات وكنا مستنين كتب كتاب مفاجئ برده.
خـ ـطفت ريم الهاتف من رامي وفتحت مكبر الصوت لتقول:
-على فكره إحنا كمان عندنا عريس هنا.
تحدث رامي بنبرة مرتفعة:
-محمد ابن عمك اتقدم لـ أحلام بنت خالك امبارح ومستنين رد العروسه علينا.
وقعت تلك العبارة كلطمة قوية على ظهرها، بل دكت قلبها دكًا فخشيت أن يسمع أحد صوت تهشم قلبها، حاولت التظاهر باللامبالاة وهي تردد:
-فـ… فعلًا! تـ… تمام… ربنا يسعدهم… خد كلم وئام معاك اهيه.
أخذت وئام الهاتف منها لتُحدث أخيها في حين توجهت هيام لغرفتها وأوصدت الباب، كم تمنت لو تُفرغ آهاتها بالبكاء، لكن رفضت دموعها الخروج، فقد بكت كثيرًا منذ علمت بتلك الرواية التي أكد لها رائد أنها تخص محمد، وأقسم أنه لم يقرأها حتى الآن فأيقنت أن محمد هو من حاوط اسم نداء بحبر على هيئة قلب، توارد لذهنها أنه كان معجب بنداء وحين علم بإعجاب رائد بها انسحب وترك البلدة والآن وجد فتاة أخرى أما هي فمن الواضح أنها لم تخطر بباله قط، هي التي كانت تُعلق أمالًا وأحلامًا واهية وخيالات لا وجود لها! كانت تنتظر أن يتقدم لخطبتها لكنه خذلها للمرة الثانية تسائلت كثيرًا هل ما أصابها نتيجة خطئها غير المقصود ألأنها تصرفت معه بتلقائية ولم تضع أي حدود؟ فعاقبها الله بأن تحرم منه! هل طبق عليها جملة “من استعجل شيء قبل أوانه عوقب بحرمانه”؟
طردته من تفكيرها فقد أصبح الآن مِلكًا لفتاة أخرى ولاسيما أن تلك الفتاة هي أحلام ابنة خالها التي كانت تحبها تذكرت كيف كانت تغبطها دائمًا على جمالها وفتنتها، كانت تتواصل معها كل فترة عبر الانترنت، كيف لم تلحظ أنها أخبرتها باعجابها بشاب مصري حين وصل محمد هناك! حدثت نفسها أنها بالطبع كانت تقصد محمد وأن الأمر سيتم لذا يجب أن تغسل قلبها منه…
أخذت نفسًا عميقًا وفتحت مصحفها فمنذ أن أخبرتها وئام أنه القرآن خير رفيق وخير دليل ونعم شافي لجرح الفؤاد بإذن الله، وهي لم تترك وردها وفي كل يوم تتدبر معنى آياته فيخشع قلبها وتهدأ روحها….
على جانب أخر حين سمع محمد صوتها المتلعثم المختنق استأذن وغادر، فرغم ما يُكنه لها من مشاعر إلا أنه لا يريدها أن تتذوق ما ذاقته أخته، لا يريد أن يبعدها عن أهلها ويأخذها لبلد بعيد! فتتألم وتشتاق وتتوق لعائلتها وتعيش معه بقلب معلق بين السماء والأرض، لا يريدها أن ترسم البسمة على وجهها وقلبها فارغ، كان يخشى عليها من نفسه وحظه العسير تمنى لها حظًا وفير مع شخص أخر يسعدها.
ومع مرور الأيام عرض عليه خال رامي أن يتزوج ابنته «أحلام» رفض محمد معللًا عدم استعداده لخطوة الزواج، وخلال عام عرض عليه رامي الأمر مرات عدة بناء على رغبة خاله الذي كان يُلمح بالأمر، كما حاولت معه ريم وفي كل جلسة لابد وأن تفتح ذلك الحوار، لذا وافق خجلًا وحياء من خال رامي، وها هو ينتظر الغد ليقابلها ويتحدث معها علها تروق له ويتم الأمر.
سبحان الله وبحمده ❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وبعد انتهاء مكالمة رامي تابع عمرو وعامر ما تفعله وئام التي جهزت قناع طبيعي لبشرتها من المطبخ ووضعته على وجهها وهي تدندن.
وبعد فترة من اللعب وانشغال وئام بالتحدث مع يحيى، أخبر عامر عمرو أنه معجب بفتاة نقلت في شارعهم من فترة قريبة، وسأله بوله:
-هو أنا أتحب يا عمرو يعني شكلي حلو؟
حدق عمرو في وجه عامر زامًا جفونه وهو يلمس وجهه بأصابعه وقال:
-اممم… مش بطال.
وطرأت له فكرة فأردف:
-إنت محتاج شويه تعديلات… قوم معايا…
وثب الطفلان وطفق عمرو يجهز خليط من مسحوق بالمطبخ كما فعلت وئام، أخذ يُقلب المعجون وهو يخاطب أخيه:
-دا بقا هيخليك قشطه يا عامر.
اتسعت ابتسامة عامر وقال:
-إنت متأكد؟!
-طبعًا متأكد…. أنا لسه شايف وئام بتحط منه… هنضيف معاه كمان شوية خل وشوية زيت بس كده…
طفق عمرو يضع القناع على وجه أخيه وقال:
-اقعد بقا ربع ساعه وبعدين اغسله.
-حاضر.
استلقى عامر على أرضية المطبخ وأغلق جفونه راسمًا بابتسامة غذبة على شفتيه، وينتظر مرور الوقت، في حين طالعه عمرو بابتسامة واسعة معتزًا بنفسه ثم هم أن يضع لنفسه من القناع لكنه تفاجأ بأن الخليط ترك أثر أسود على يده فقد كان مسحوق لحنة سوداء! وضعتها والدته في علبة القهوة، جحظت عينيه وطالع وجه عامر لبرهة ثم همس لنفسه:
-يا ليلة سوده!
سمعه عامر فخاطبه بنزق:
-غلط… غلط تقول كده الشيخ يحيى قال ممنوع تقولوا كده لأن…
بتر عمرو هادرًا بقلق:
-مش وقته الكلام ده… قوم… قوم اغسل وشك بسرعه…
اعتدل عامر جالسًا وقال:
-هو مر ربع ساعه؟
صك عمرو وجهه وقال بخوف:
-دا لو مر ربع ساعه إنت هتتحول…
وقف عامر فاغرًا فاه فجذبه عمرو من ذراعه وهو يردد:
-قدامي على الحوض قبل ما وئام تشوفك…
غسل له وجهه ثم شهق واتسعت حدقتيه حين رأى وجه أخيه، فقال عامر بابتسامة:
-إيه اتحولت لقشطة؟!
تناهى لسمعهما صوت وئام التي تقترب من المطبخ وهي تخاطب يحيى:
-خليك معايا دقيقه هغسل وشي وأرجعلك…
وقف عمرو أمام عامر باسطًا ذراعيه ليواريه عن وئام، التي قالت:
-إنتوا بتعملوا ايه هنا؟!
أطل عامر المبتسم برأسه من خلف عمرو فصرخت وئام وقالت:
-إنت عامل في وشك إيه؟!
غمز عامر بعينيه مرددًا:
-قشطه صح؟
أطبقت وئام يدها على فمها وقالت بصدمة:
-قشطة إيه!!!
لمست وجه أخيها الملطخ بالأسود وقالت:
-إنت مورنش وشك ولا إيه ده؟!
-محنيه…
قالها عمرو من خلف ضحكاته بينما صرخت وئام، فقال يحيى بقلق عبر الهاتف:
-في إيه يا وئام؟
-كارثه يا يحيى كارثه بكل المقاييس الواد حط حنه على وشه.
ضحك يحيى في حين ركض عامر وطالع وجهه بالمرآة ثم أخذ منديلًا ورقيًا وأخذ يمسح وجهه فلم يتغير شيء لذا انفـ ـجر باكيًا.
أقبلت وئام وطفقت تحاول مسح وجهه بالليمون، ثم هدرت بهما:
-هو إنتوا يعني مش عارفين إن دي حنه!! هنعمل إيه دلوقتي؟
قال عامر من خلف بكاءه:
-هو أنا كده بقا عندي عاهه مستدينه؟!
ضحكت وئام رغم قلقها فكتب كتابها بعد أربعة أيام كيف سيحضر أخيها بهذا المظهر العجيب!
حين سمعوا صوت سيارة والدهم ركض عمرو إلى إحدى الغرف واختبأ خلف بابها خوفًا من وئام ووالديه وقبلهم جميعًا رائد.
وبعد فترة من الغضب والعصبية والمحاولات الكثيرة لإستعادة وجه عامر رونقه الطبيعي، طالع الجميع وجه عامر وانفـ ـجروا بالضحك بينما كان عامر يردد ببكاء:
-عمرو عملي عاهه مستدينه… قالي هتبقا قشطه وعملي عاهه مستدينه…
ضحك رائد وردد:
-مستدينه!!
قام دياب من مجلسه واتجه صوب غرفته وهو يضحك مرددًا:
-والله العظيم مسرحيه أنا عايش جوه مسرحيه…
نهض رائد هو الأخر مرددًا بتبرم زائف:
-ضيعتوا فرحتي بكتب كتابي ياخي… بقا كده محدش يباركلي!!
قالها ناظرًا صوب وئام وهيام اللتان أقبلتا إليه وعانقتانه، وهو يبتسم ببهجة وفرحة.
صلوا على خير الأنام ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★
وفي فجر اليوم التالي استيقظت ريم من نومها أثر ألم مباغت في ظهرها، صرخت فاستيقظ رامي مفزوعًا وحين رأى حالتها علم ساعة وضع مولودهما قد أزفت، هرع بها للمستشفى بصحبة خاله ومحمد، واضطر لتأجيل رحلة سفره عدة أسابيع أخري لحين استعادتها عافيتها…
مرت الأيام وتم كتب كتاب يحيى ووئام.
وفي اليوم الذي يسبق حفل الزفاف وصلت بهم الطائرة إلى أرض الوطن؛ مصر، غمرت السعادة قلب ريم أما رامي فاختلطت مشاعره بين فرح وهم لأن ريم ستعرف بمـ ـوت رغدة ولا سبيل للتأجيل! رافقهما خاله وزوجته وابنتهما أحلام، ومحمد الذي كان يسبقهم حاملًا الصغير بين يديه…
وفي بيت دياب وبينما انشغل الجميع بالترحاب بالكبار سلطت هيام بصرها على الصغير القابع بين يدي محمد، طالعته بحب ثم حملته من يد محمد الذي كان يتابع نظراتها نحو الصغير بابتسامة واسعة، لم تخاطب محمد سوى بجملة:
-حمد الله على السلامة.
نطقتها بجدية شديدة متحاشة النظر إليه…
فرد محمد بحنين جارف:
-الله يسلمك يا هيام…
من ناحية أخرى كانت ريناد تجلس جوار زوجها صالح الذي حضر لاستقبال أخته بناء على رغبة والده.
كان وجه ريناد شاحب وملامحها ذابلة ويتجلى الهم على قسمات وجهها، سألتها ريم لمَ يظهر عليها الإرهاق، فأجابت ريناد بصوت خفيض ومرهق وبابتسامة فاترة:
-أصل أنا حامل جديد…
جحظت عيني ريم وسألتها:
-إنتِ اتجوزتِ؟!
وجهت ريناد بصرها نحو صالح وأومأت، فنظرت ريم محل نظر ريناد التي قالت:
-اتجوزت صالح من أربع شهور…
تفاجئت ريم ومن هول المفاجأة لم تنطق ولم تبارك لها، فأضافت ريناد بجمود:
-أنا همشي بقا يا ريم… حمد الله على السلامة مره تانيه… هبقى اجيلك تاني…
-الله يسلمك.
حدجت ريناد رامي بنظرة أخيرة ثم تنهدت بعمق قبل أن تغادر، في حين طالعت ريم أخيها صالح وملامحه التي لم تزدها الأيام إلا جفاء! سلم عليها صالح بجفاف وحين أبصر ريناد تخرج من البيت تبعها في صمت حتى وصلوا للبيت، وبمجرد أن أُغلق باب الشقة عليهما، قال بنبرة حادة:
-اعمليلي فطار.
-مش قادره أعمل حاجه اعمل لنفسك.
قالتها ببرود شديد فجذبها من يدها بقـ ـسوة وقال بانفعال:
-إنتِ هنا خدامه عندي يعني تسمعي كلامي لحد ما أطلقك وتغوري في داهيه.
سحبت يدها منه وهي تتأوه وهدرت به بصوت مبحوح:
-طلقني دلوقتي أنا أصلًا مش طيقاك… مش كفاية معيشني معاك غصب عني… إنت مريض أنا مش مصدقه إن انا حبيتك في يوم من الأيام…
أطلق صالح ضحكة كالزفرة وقال بنبرة جليدية:
-مش هطلقك يا ريناد…
اقترب منها وأخذ يمرر لمسات يده على ذراعها بحنو مصطنع ناطقًا بسخرية:
-هتفضلي مراتي لحد ما يجلي مزاج إني أسيبك…
سالت دموعها وقالت:
-أنا مش عايزاك… ولا عايزه الطفل اللي في بطني منك… أنا بكرهك… بكرهك يا صالح.
ضحك صالح بصخب وقال:
-قال يعني أنا اللي ميـ ـت في دباديبك… يلا يا بت روحي حضريلي الفطار… ولا وحشتك علقة كل إسبوع…
-حرام عليك ياخي أنا حامل خلي عندك رحمة…
-رحمة!! حلو اسم رحمة ابقي فكريني أسمي بنتي بالإسم ده.
قالها وهو يسلط نظره على بطنها ضاحكًا بسخرية ثم توجه صوب غرفته، فدخلت هي للغرفة الأخرى وانخرطت في بكاء مرير وهي تلعن حظها، وتمقت حياتها وخاصةً حين رأت رامي وريم والسعادة تُطل من أعينهما…
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
بقلم آيه شاكر
★★★★★
توجهت دينا مع زوجها ونادر لبيت دياب بينما رفضت نداء أن ترافقهم معللة أن رائد سيأتي ليأخذها في مساء اليوم.
نحف جسدها بسبب كثرة التمارين الرياضيه وتناولها الدائم للملينات كما أنها كانت تتعمد القيء بعد تناول الطعام! وتلك حالة نفسية عصيبة تعرف طبيًا بمسمى القهم العصبي (Anorexia nervosa).
لم تكن تعلم بمدى خطورة ما تفعله على صحتها وأعضائها وها قد أصابها بداية أعراض الجفاف ولم تعلم به، تجلى أثره على وجهها الشاحب الذبل الذي غابت منه الحيوية والحياة، رن جرس الباب فقامت لتفتح وهي تسأل عن هوية الطارق الذي لم يجب، وما أن أبصرت دعاء خلفه تفاجئت، ثم تجهم وجهها، فسألتها دعاء بتهكم:
-عامله إيه يا نداء وحشتيني؟
أشاحت نداء بصرها عنها ونفخت بضجر وهي تقول:
-عايزه ايه يا دعاء؟
-عرفت بكتب كتابك فجيب أبارك وأهني.
قالتها دعاء بسخرية ثم أضافت بألم:
-إنتِ السبب في موت علي… مات عشان كان بيحبك…
تحولت ملامح نداء من الحدة للحزن، وهمى الدمع من عيني دعاء مستطردة بصوت متحشرج:
-أنا حياتي وقفت من بعده وإنت أهوه عيشتي واتجوزتِ… كنت بحـ ـارب وأحاول عشان يشوفني ويحبني…
ارتشفت دعاء دموعها وأكملت:
-أخته قالتلي إنه كان هيتقدملي عشان ينساكِ بيا… وعشان ما أحسش بالوجع اللي هو حس بيه لما إنتِ سيبتيه لكن ملحقش وتاني يوم مـ ـات وسابني…
-أنا مليش ذنب.
هدرت بها نداء بانفعال ومن خلف دموعها المنهمرة على صفحة وجهها، فقالت دعاء بانفعال أشد:
-إنتِ السبب… أنا مش عارفه أكمل حياتي بسببك… أنا بكرهك يا نداء… بكرهك ومش قادره أشوفك سعيده وعايشه حياتك وأنا وعلي حياته اتـ ـد**مـ رت بسببك…
هزت نداء عنقها نافية ورددت بانفعال:
-وأنا ذنبي إيه… هو أنا قلتله يحبني!!
حدجتها دعاء بنظرة مشمئزة وقالت بحدة:
-ربنا ينتقم منك…
قالتها وغادرت، فصكت نداء الباب خلفها بغضب وأخذت تبكي وتشهق لفترة ثم خففت دموعها وأحضرت أصناف كثيرة من الطعام وأخذت تأكل وتاكل بنهم شديد وما أن انتهت ولجت للمرحاض لتتقيء ما أكلته عمدًا، وخرجت وهي تتأوه أثر ما فعلت بحالها!
انتشلها من دوامة الغم رنين هاتفها برقم رائد ليخبرها أن تستعد فسيأتي لاصطحابها معللًا أنه يريد التحدث معها بشأن الجمعية الخيرية ولا مجال للهرب كالأيام السابقة ولم يكن ذلك سوى سببًا للقاء بها كي لا تتهرب منه فقد أكملت نداء عملها في الجمعية الخيرية لكنها لم تكن تحضر الإجتماعات الشهرية كي لا ترى رائد…
اضطرت للموافقة وجلست قليلًا لتهدأ أثر التقيء ثم نهضت لترتدي ثيابها وهي تشعر بوهنٍ وتعب….
★★★★
وبعدما أنهى رائد المكالمة وجه بصره لدينا التي كانت تجلس قبالته بعدما أخبرته بقلقها على نداء وكيف أنها تابعتها ووجدتها تأكل كثيرًا ثم تتقأ عمدًا، كما أنها دائمًا شاردة ولا تتحدث إلا بالقليل، وأحيانًا تستيقظ من نومها صارخة باسمه ومرددة:
-ما تسيبنيش يا رائد.
أثارت دينا قلقه أكثر فهو كان على علمٍ بأنها تعاني كما أخبرتاه وئام وهيام عن مكالمة علي الأخيرة، وكانتا تتابعنها من بعيد طوال العام السابق ودائمًا تخبرانه عن حالها وانزوائها على نفسها ومدى قلقهما عليها، خاطب دينا قائلًا:
-متقلقيش يا أمي أنا هتصرف في الموضوع ده.
أطلقت دينا تنهيدة طويلة ثم قالت بقلق:
-نداء طول عمرها مهتمه بالاكل وبوزنها بس كده الموضوع اتطور معاها أنا همـ ـوت من القلق عليها.
ربت رائد على ظهر يدها وقال:
-والله هتصرف… أنا مش هسيبها كده… ومش عايزك تقلقي…
أومأت دينا وبعد.دقيقة انصرف رائد وقبل أن يستقل سيارته نادته ريمان، ابتلعت ريقها ثم قالت:
-هو إنت فعلًا كتبت كتابك على نداء؟!
-أيوه… عقبالك يا ريمان.
قالت بنبرة مرتعشة:
-زعلت منك عشان معزمتنيش..
-معلش والله كان على الضيق كده بس ملحوقه في الفرح إن شاء الله.
قالت بنبرة حزينة مرتجفة:
-إن شاء الله… مـ… مبروك.
-الله يبارك فيكِ… عقبالك.
قالها بجدية ثم ركب السيارة وانطلق في سرعة، ووقفت ريمان تُطالع أثره في شجن وأسى هزت عنقها باستنكار هامسةً:
-وما كل من تهواه يهواك قلبه… لكن أنا مش زي ريناد وأتمنالك كل السعادة.
تنهدت بأسى ثم رفعت رأسها فوجدت محمد يقف بالشرفة أخفضت بصرها في سرعة واستدارت لتدخل البيت متجهة إليه.
صلوا على خير الأنام ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
كان البيت ممتلئ بأفراد العائلة وكانت هيام تتهرب من التقاء أحلام منذ الصباح، وما أن أبصرتها أحلام حتى نادتها ولوحت لها فاضطرت هيام أن تجاملها ببسمة رسمتها على محياها وهي تقبل إليها.
عانقتها أحلام بحرارة وحبور، وعاتبتها لأنها لم تتحدث معها منذ فترة طويلة فبررت هيام أنها أغلقت حسابها على الفيسبوك منذ فترة، وبعد فترة من الترحيب والعتاب والضحك المصطنع قالت هيام بنبرة مرتعشة:
-مبارك الخطوبه ولو إنها متأخرة.
ضحكت أحلام وقالت:
-دا متاخره أوي أنا اتجوزت.
-اتجوزتوا؟!
قالتها هيام بصدمة وهي ترمي محمد الذي يقف بالشرفة بنظرة وتستعيدها سريعًا لتنظر لأحلام التي أومأت، فقالت هيام وهي توجه نظرات خاطفة لمحمد:
-محمد محترم أوي و… ربنا… ربنا يسعدكم يارب.
-محمد مين؟ أنا جوزي اسمه مراد… هيجي بكره الفرح وهعرفكم عليه.
-مراد!!! هو… هو مش محمد ابن عمي ضياء اتقدملك و…
قالتها هيام بتلعثم وتفَكُر وصدمة وهي تشير نحو محمد، فقاطعتها أحلام:
-ورفضته لأني كنت معجبه بمراد اللي أول ما عرف إن بابا عاوز يجوزني محمد قام اتقدملي بسرعه واتجوزنا بسرعه برده.
رمقت أحلام محمد الذي كان يقف بالشرفة يحمل الرضيع بين يديه ثم مالت نحو هيام وقالت بهمس:
-هقولك سر محمد مش بيحبني لكن بابا كان بيضغط عليه عشان يتجوزني وهو رفضني في الأول لكن مع إصرار بابا اضطر يوافق… قومت أنا رفضته بقا…
قالت أخر جملة بضحك، بينما طالعتها هيام بشدوه للحظات ورمقت محمد بنظرة أخرى تقتر فضولًا وتسائل، ثم شقت الابتسامة العذبة شفتيها وقالت ببهجة:
-إنتِ وحشتيني أوي يا أحلام…. وحشتيني اوي… ربنا يسعدك إنت و… إنت ومراد.
قالت أخر جملة بابتسامة وعادت تعانق أحلام مرة تلو الأخرى، وقلبها يرقص فرحًا فمازال هناك شعاع أمل يدور بالأفق…
وحين رأت ريمان تجلس قبالة محمد على الطاولة بالشرفة وتتحدث معه، ولفرط سعادتها أخذت تتحرك باضطراب فباغتها مرور دينا بأكواب العصير حين استدارت فجأة، فصرختا وانسكب العصير على ملابسها، توترت هيام وتذبذبت نظراتها، رمقت محمد فوجدته ينظر نحوها، قالت لدينا:
-أ… أسفه جدًا يا طنط.
ثم دلفت غرفتها لتغير ملابسها…
من ناحية أخرى خاطبت ريمان محمد بابتسامة:
-هيام دي غريبه جدًا!
-غريبة إزاي؟!
قالت بسخرية:
-تحس إنها عيله صغيره بجسم بنت كبيره… وبيني وبينك أنا وهي مش بنرتاح لبعض…
رفع حاجبيه عاقدًا جبينه وهو يردد:
-فعلًا؟!! بس أنا بقا شايف إن هيام دي أحلى بنت في الدنيا أصلًا.
أطلقت ريمان ضحكة كالزفرة وهي تسأله بسخرية:
-فعلًا!!؟
أومأ رأسه في صمت، فغيرت ريمان دفة الحوار حين سلطت نظرها على الصغير الكامن على فخذ محمد وقالت:
-على فكره كده غلط وهيتعود على الشيل… المفروض تحطه على السرير.
-وإيه المشكله يتعود وأنا أشيله.
قالها محمد بابتسامة دون أن ينظر إليها وكأنه يطلب منها ألا تتدخل فيما لا يُعنيها، أخذ يلمس خد الصغير الناعم بظهر يده فقد كان يشبهه كثيرًا.
ظلت ريمان تتحدث معه وهو يجيبها مرة باقتضاب ويصمت مرة، أب للمغادرة ولكن أوقفه صوت هيام:
-لو نام تعالى دخله على السرير.
طالع هيام وابتسم ثم قال:
-لا خليه يا هيام ما أنا قاعد أهوه بدل ما يصحى ويزهق ريم.
نهضت ريمان ودخلت من الشرفة بعد أن بدلت نظرها بينهما للحظات وأدركت أنه لا داعي لأن تحاول جذب انتباه محمد فمن الواضح جليًا أن قلبه مع أخرى!
طالعت هيام أثرها ثم وقفت تأملت وجه الصغير للحظات وهي مبتسمة، بينما ظل محمد يلمس وجهه بحب، وحين رفع بصره نحوها اتربكت وكادت أن تغادر لولا أن أشاح محمد بصره مرة أخرى وهو يقول:
-مصر وحشتني أوي… واكتر حاجه وحشاني الكابتشينو اللي كنت بشربه من إيدك.
قالت بابتسامة:
-تحب أعملك؟
مط فمه لأسفل وزم شفتيه مردد:
-أممم… ياريت.
ورغم سعادة هيام إلا أنها وحين تذكرت أنه كان معجب بنداء تجهمت مجددًا، وقررت أن تعامله بجدية ولا تفتح باب قلبها مجددًا، لكنها لم تدرك أن باب قلبها مغلق بالفعل؟ لكنه أُغلق وهو بداخله.
استغفروا❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وصل رائد أمام بيت نداء وطلب هاتفها كثيرًا فلم تجب، فارتجل من السيارة وصعد درجات السلم وأخذ يطرق الباب ويرن الجرس ثم أخرج المفتاح الذي أعتطه له دينا من جيبه فمن الواضح أنها كانت تشعر بما حدث مع ابنتها!
فتح الباب ودخل يناديها ولم تجب فاضطر للبحث بداخل الغرف واحدة تلو الأخرى ولم يجد لها أثر، طلب رقمها فسمع رنة الهاتف بغرفتها، لم يتبقى أمامه سوى المرحاض وقف قبالته لبرهة وطرق الباب عدة مرات وهو يناديها وقلبه ينتفض رعبًا وصدره يعلو ويهبط بانفعال خاصةً حين سمع صوت خرير المياه صادرًا منه.
فتح الباب بترقب شديد ووقع قلبه بأخمص قدميه حين وجدها مستلقية أمامه على أرضه ووجهها شاحب، كانت ترتدي فستانها الأزرق وبلا حجاب، انحنى إليها مسرعًا وأخذ يلطم وجهها بخفة ويهزها وهو يردد بلهفة:
-نداء… قومي يا حبيبتي… ردي عليا يا ماما… نداء…
بلل يديه بالماء وأخذ يمسح وجهها فلم تستجب، وضع رأسه يسمع دقات قلبها وفي نفس اللحظه يتفحص تنفسها، ثم تركها مكانها وطفق يبحث عن إبرة أو عطر نفاذ إلى أن وجدهما الإثنان ركض إليها مرة أخرى ووخزها بالإبرة فلم تستجب وضع عطرًا أمام أنفها ولم يبدر منها أي رد فعل! ركض بأرجاء البيت باضطراب بحثًا عن حجابها ليضعه على رأسها ثم حملها وركض للسيارة وهو يردد بنبرة متحشرجة:
-بالله عليكِ يا نداء… قومي… قومي يا نداء…
قطع الطريق في سرعة عارمة وهو يُطالعها بين وهلة وأخرى حتى وصل للمستشفى، حملها لغرفة استقبال المرضى مستغيثًا بالأطباء وهو يلهث بذعر…
وبعد فترة كان يجلس على الفراش واضعًا رأسها على فخذه بينما المحلول المغذي متصل بوريدها، وقف الطبيب قبالته يفحصها فسأله رائد:
-هي هتفوق امته يا دكتور؟
-هتفوق دلوقتي متقلقش…
نظر الطبيب بورقة التحاليل الطبية الخاصة بها وقال:
-عندها نقص أملاح ومعادن رهيب… وأنميا و… هي ازاي عايشه كده أصلًا؟!
-حضرتك قلقتني هي حالتها صعبه ولا ايه؟!
-خير متقلقش… هي كده عندها جفاف هتمشي على العلاج وهتبقى كويسه ان شاء الله.
قال رائد:
-هي… هي كانت بتاكل وبعدين تتعمد إنها تتقيأ فممكن دا السبب!
-طبعًا هو ده السبب وإنت ازاي سايبها تعمل كده؟! دا ممكن يعملها التهابات في المرئ ومشاكل في الجهاز الهضمي كله…
طالعها رائد بشفقة ولم يجب فربت الطبيب على كتفه قائلًا:
-الف سلامه عليها ربنا يعافيها ان شاء الله…
-يارب.
أطلق رائد تنهيدة طويلة وأخذ يستغفر الله وهو يمسح على وجهها الشاحب ثم يدعو لها راجيًا أن تستعيد عافيتها…
مرت دقائق أخرى قبل أن تسمع نداء تأوهات المرضى من حولها ففتحت جفونها وقلبت بصرها بالمكان حتى وقعت نظراتها على وجهه، انتبه رائد لها حين قالت بوهن:
-إنت جيت؟
-إيه يا حبيبتي… حاسه بإيه؟
قالها بلهفة، فقالت بنبرة منخفضة:
-كنت حاسه إن روحي بتطلع وخلاص همـ ـوت.
-الف بعيد الشر عليكِ ربنا يبارك في عمرك يارب يا حبيبتي.
قالها وهو يمسد على رأسها بحنو، وأخذ يردد أيات من القرآن بصوت هامس تسمعه هي فقط…
وبعد فترة استعادت جزء من عافيتها عدلت حجابها ثم طالعت الكانيولا بيدها وسالته:
-هنخفي دي ازاي بقا؟!
سحب كم فستانها ليواريها ثم قال:
-إيه رأيك كده؟
اومأت رأسها وخرجت معه من المستشفى متجهين لبيته لحضور الحفل.
وفي السيارة قالت:
-هو أنا لازم أخد الحقن والمحاليل دي؟
-طبعًا لازم مفهاش نقاش…
نفخت في ضجر وطالعت الطريق أمامها، وكان هو يرمقها بين وهلة وأخرى حتى نظرت إليه وسألته:
-هو إنت… هتقول لماما وبابا؟
-أيوه لازم أقولهم يا نداء.
أومأت في صمت دام هنيهة ثم قالت:
-أنا… أنا عايزه أروح لدكتور نفسي…
ابتسم وصمت لبرهة وما أن وقف أمام البيت سألها:
-مينفعش أكون أنا دكتورك النفسي؟
ابتسمت بسخرية ولم تعقب ثم ارتجلت من السيارة تسير بجواره فحثها أن تتأبط ذراعه لتستند عليه دون أن يلاحظ أحد.
استغفروا♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★
وفي مساء اليوم كان الاربعة أطفال «عمرو وعامر وآدم ونادر» يحملون شموع كبيرة الحجم فرحين بها وكل واحد يُحدث الأخر أنه سيرتدي بالغد حلة أنيقة ويحمل تلك الشمعة ويقف جوار العروسين…
تنوعت النظرات فهناك نظرات فرحة ومبتهجة وأخرى مضطربة وهي نداء وريم ايضًا التي تسأل عن رغدة منذ الصباح والجميع يتهرب من الإجابه أو يعطونها جواب غير مقنع بالمرة!
ونظرات مترقبة وهي هيام التي تترقب نظرات محمد نحو نداء علها تكرهه! لكنه لم يرفع بصره نحوها مطلقًا بل تلاقت نظراتها مع نظراته وهو يرمقها بين لحظة وأخرى بطرف خفي مما أربكها أنها لاحظته يصورها بهاتفه.
وظل رائد بالقرب من نداء، وإن ابتعد تابعها بنظراته ليطمئن عليها.
وهناك نوع أخر لنظرات سقيمة حاقدة وساخطة، تلك فاطمة التي تجلس على أحد المقاعد جوار ريناد التي تحدج ريم بحقد، ورامي بحسرة وصالح بغل وبغض.
بقلم آيه شاكر
*******
وفي يوم جديد كانت سماؤه صافية تُحلق بها أسراب من الطيور الحرة مصدرة أصوات متناغمة.
في التاسعة صباحًا وبينما تجتمع العائلة ويتبادلون أطراف الحديث، كان محمد يحمل الصغير بين يديه بينما يجلس رائد قبالته ورامي جواره، سألتهم ريم:
-أنا عايزه أعرف رغده فين مشوفتهاش من امبارح! هي متخانقه مع وئام ولا فيه ايه؟!
حك رامي رقبته بتوتر بينما طالع محمد الصغير وصمت أما رائد فقال بتلعثم:
-أ… أيوه… هي متخانقه مع وئام عشان كده قعدت عند واحده صاحبتها يومين وهتيجي.
هزت ريم رأسها باستهانه وقالت بامتعاض:
-لا حول ولا قوة الا بالله… رغده دي عمرها ما هتتغير…
وحين تركت ريم المكان قال رامي:
-هنفضل مخبين عليها لإمته؟!
أطلق رائد تنهيدة حارة وقال:
-نعدي بس الفرح النهارده وبكره بقا نشوف هنقولها ازاي…
********
وفي المساء أمام بيت يحيى كان حفل الزفاف هادئًا تزينه الأضواء وتحفه أصوات الزغاريد والتصفيقات ونقرات الدفوف جلست وئام جوار يحيى تتابط ذراعه وتسدل على وجهها ستار طفيف لتخفي زينتها عن أعين الجميع.
كان آدم يقف خلفهما يرتدي حلته الأنيقة وبيده شمعة وعمرو أيضًا يقف جوار وئام حاملًا شمعة وعامر جوار يحيى ونادر بالأمام بينما تحلق الفتيات الصغيرات بالمكان مرتدين فساتين بيضاء أنيقة.
مال يحيى على أذن وئام وقال:
-كفاية كده ولا عايزه تقعدي شويه كمان.
-خـ… خلينا شـ… شويه.
أومأ يحيى وكلما حياه أحد بإشارة كان يرفع يده ثم يربت على صدره بابتسامة…
وقفت نداء جوار هيام، وقالت:
-مش قديم شويه حوار الشمع ده!
قالت هيام:
-عمرو وعامر أصروا على كده وآدم طبعًا زيهم وإنت عارفه إن رائد بيحب نادر فجابله واحده.
-أنا خايفه بس يقلبوا الفرح أصل أنا عارفه مصايبهم.
ضحكتا وانتبهت نداء لـ رائد الذي يُطالعها بإعجاب فابتسمت وحين تذكرت ما يؤرق نفسها أطرقت رأسها بعبوس.
اقتنصت هيام نظرة نحو محمد الذي كان يقف بمفرده حاملًا بيده الطفل الصغير، أشار لها لتأتي إليه فهرولت إليه ظانةً أنه سيعطيها الصغير! لكنه قال:
-كنت عايز أخد رأيك في حاجه.
-اتفضل.
حمحم وقال كابحًا ابتسامة تجلت في نظراته التي تقترب حبًا:
-فيه بنت أنا معجب بيها من أول ما شوفتها وكنت عايز أديها الورقه دي ممكن تساعديني؟
طالعت هيام الورقه بيده وقالت بانفعال دون أن تأخذها:
-على فكره عيب أوي كده… يعني احترم أنها متجوزه دلوقتي.
كانت تقصد نداء، ولم يكن يعلم مقصدها فضحك وقال بأمر:
-امسكي بس الورقه من إيدي كده أنا مستأذن من باباها…
سحبت الورقه بعنـ ـف من يده وهي تشتعل غضبًا وقالت:
-ماشي… هوصلهالها…
ظنت أنه ربما يود توديع نداء، وكادت أن تنصرف لكنه ناداها مغضنًا حاحبيه وسألها:
-استني هنا! إنتِ هتوصليها لمين؟
وقبل أن ترد عليه تناهى لسمعهم صوت أحد أطفال الجيران مرددًا بصوت اللمبي:
-نوسه بتولع يامه.
فعندما مرت فتاة صغيرة بجوار نادر سقطت الشمعة على فستانها، فاشتعل…
شرد آدم وهو يتابعهم يُطفئون الفستان المشتعل، فأمسكت النار بمقعد وئام دون أن ينتبه وأخذت ترتفع شيئًا فشيء حتى مسكت بطرف فستانها، وحينها أبصرها الجميع عمت الفوضى وأخذت وئام تنفض فستانها وهي تُطلق صرخات مكتومة كما أمسكت النار بفستان طفلة أخرى وطفق الجيران يسكبون المياه من شرفاتهم وهناك من أفرغ طفاية الحـ ـريق بالمكان ورغم أن الموقف مخيف إلا أن أصوات الضحكات كانت تغطي أصوات الصرخات، وسرعان ما هدأت النار، قال يحيى وهو يمسح أثر المياه عن وجهه:
-الشمع ده كان شوره بيــــــضه… هو لسه فيه حد بيشيل سمع يا رائد… فين رائد؟
أخذ يلتفت حوله بحثًا عن رائد نظر للمعازيم المبتلين بالمياة ثم لوئام التي تحول وجهها للأسود حيث سالت مساحيق التجميل التي وضعتها على بشرتها، وابتل فستانها بالمياه، فصفق يحيى مرددًا بضحك:
-يا ستير استر من دخول الحته…
وأخذ الجميع يرددون خلفه وتعالت الضحكات…
من ناحية أخرى اقتربت ريناد من ريم التي تقف بعيد وتضحك، حدجتها بنظرات حاقدة ثم قالت بخبث وبحزن زائف:
-بيضحكوا وفرحانين ونسيوا رغده الله يرحمها… فعلًا من مات فات.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية سدفة)