رواية زهرة الأصلان الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم يسر
رواية زهرة الأصلان البارت التاسع والثلاثون
رواية زهرة الأصلان الجزء التاسع والثلاثون
رواية زهرة الأصلان الحلقة التاسعة والثلاثون
فى منزل حامد المنصورى :
جلس ” أحمد صابر ” بشرفة غرفته بعد أن عاد مع أبيه و جده من عند عمته الصغرى و الوحيدة زهرة .. صديقته الطيبة الرقيقة أكثر من كونها عمة له .. نظرا لعمرها المقارب لعمره .. تاركا جده و أبيه بالطابق الأول و يصعد هو للطابق الثالث المتواجد به غرف الأحفاد شاردا .. منذ إلتقائه بتلك الفتاة التى كانت تحمل عمته الغارقة بدمائها و تبكى محتضنة إياها بشدة .. صارخة بالجميع حتى جده و زوج عمته الأصلان الملقب بالوحش .. و رافضة تركها وحدها على الرغم من الجيش المكون من أقاربه إلا أنها أعتبرتها وحيدة و أصرت على الذهاب معها لولا أن نبهتها سيدة ما كبيرة بالعمر و من الواضح أنها تعمل عندهم على ملابسها و التى كانت غارقة بالدماء .. فى تلك اللحظة لم يشغل أحمد باله بها نظرا لإلتهائه بمرض عمته .. حتى قابلها مرة ثانية .. و كانت أجمل من الأولى من حيث تبدل الأجواء إلى الفرح .. فكانت فتاته مزيج من الصفات المتناقضة التى لائمتها جميعا .. ضاحكة .. باكية .. حنونة .. مشاكسة .. شرسة .. أضفت أجواء أكثر مرحا .. فأضحكت الجميع حتى جده و أبيه الصارم .. و نالت محبتهم جميعا .. كما من الواضح متانة علاقتها بعمته الصغرى .. فلم تبالى بالجميع و صرخت بهم لراحتها بعد أن ألتهى كل فريق من العائلتين بالسلام و الترحيب .. و لم تقطع همسها لعمته المندمجة معها و كذلك تلك الفتاة الأخرى الهادئة خطيبة أسامة الأخ الأصغر للأصلان .. و شاكست عمته و الجميع و لم تتركها إلا ضاحكة .. كما لم تبالى بالجميع للمرة الثانية و استئذنتهم لتغيير ملابس عمته بأخرى أكثر راحة .. كذلك مرحها الدافئ مع جدها الحج قدرى و الذى يتضح منه قوة علاقة الجد بحفيدته .. ليجد عينيه تراقب كافة حركاتها و سكناتها دون إرادة منه .. ليصمت بحزن مع بكائها .. و يبتسم على مرحها .. حتى هدأت فتاته فجأة بعد أن أمسكته بالجرم المشهود مراقبا لها .. لتخجل أخيرا تلك الجريئة بشكل جعله شاردا طوال طريق عودته من منزل الحج قدرى إلى منزلهم .. كذلك لم يبالى بنداء الآخريين له .. و وجد نفسه ينسحب ليختلى بنفسه رغبة منه فى تذكر كل ما بدر منها مرارا و تكرارا حتى يلتقيها ثانية .. و هو ما وعد به نفسه و عزم على تنفيذه .
و من جهة أخرى خرج محمد من منزل الحج قدرى فاقدا لأعصابه لا يرى أمامه من الغضب .. لدرجة جعلته يترك سيارته و يمضى فى طريقه
مسرعا سيرا على قدميه .. يلحقه أسامة صديقه و ابن خالته من بعيد .. بعد أن فضل عدم التحدث معه حاليا نظرا لحالته التى يراها لأول مرة .. و أكتفى فقط بمراقبته و ملاحقته من بعيد خوفا على صديقه و خجلا من تصرف أخته التى توعدها بمجرد أن يعود لمنزله .. حتى وجده يتوقف أمام منزل والديه و الذى تركه بعد وفاة والدته الأخت الصغرى للسيدة نعمة و التى قد توفى زوجها أبو محمد أثناء حملها له ..
لذا قام الحج قدرى بعد وفاة والدته بتربيته و اعتباره حفيد من أحفاده الذين يعيشون فى كنفه .. و جعله يترك منزل والديه منذ أكثر من خمسة عشر عاما .. ابتسم محمد بحزن لتلك الذكريات و يدفع بوابة منزله .. لتقابله حديقة المنزل المشذبة بشكل جيد نظرا لحرصه الدائم على ذلك و يجلس على أحد مصاطبها المبنية على جوانبها مطرقا رأسه فى تفكير .. ليشفق أسامة على حال أخيه و صديقه .. و يتقدم حتى جلس بجانبه صامتا .. بينما نظر محمد إليه ثم عاد لصمته و لا يعلم أى من الصديقين كيفية بدأ حديث .. حتى بدأ محمد حديثه بخفوت
– محمد بصوت خافض متأثرا لحزنه :
عارف .. طول عمرى ببص لأختك
على أنها بنت خالتى و بس .. لحد
ما أمى ماتت و جدك أصر أنى آجى
آعد معاكوا .. ساعتها شفت
إنسانة رقيقة .. هادية .. بتتكسف
من خيالها .. لقيت نفسى
بتشدلها أوى .. و طلبت من جدى
أتجوزها .. لكن بعد كده بدأت
تتغير و تبعد عنى .. لحد أنا
نفسى ما بئتش أعرفها .. بقت
غريبة .
– ليصمت محمد شاردا بينما يسخر منه أسامة فى نفسه :
جتك نيلة يا أهبل .. هادية و
رقيقة إيه .. دى شردوحة ..
دا كان كله صناعى و اللوقتى
بانلك الأصل .
– ليتنهد أسامة قائلا فى نفسه :
سامحنى يا صاحبى .. سامحنى
يا رب على اللى هعمله ده .. بس
غصب عنى .. عشان بس الواد
ابنهم .. البقرة بوده .
– أسامة بعقلانية :
إسمعنى يا محمد .. مع إنك أعقل
منى .. بس أنت بصراحة أهبل ..
” نظر له محمد شزرا .. ليكمل ”
أيوه أهبل .. عايش جو الرومانسية
.. و الإيحاءات اللى من بعيد ل
بعيد .
– ليقاطعه محمد :
طاب ما أنت أنيل من كده مع
سوما ؟!
– ليرد أسامة معترضا :
أيوه .. بس فى فرق .. سوما أنا
مربيها على إيدى .. كمان شكلها شبه
السمبوسة و بتلبس نظارة .. عارف عنها
اللى هي ما تعرفهوش عن نفسها
.. و الأهم من ده كله .. فى فرق
بين حبك لمراتك و واجباتها إللى
عليها .. يعنى مش معنى إن أنت
رومانسى و بتجيب هدايا و
بتديها العذر لو قصرت .. إنها
تتمادى .. و مش معنى إن أنت
تصر على طلباتك .. زى إنها ترعاك
و تحضرلك حاجتك إن أنت كده
قاسى أو بتكرهها .. الراجل بيحتاج
ست ترعاه و تبقى سكن ليه زى ما
الست بتحتاج راجل يرعاها و يكون
سكن ليها و مسئول عنها .. و دى
بالظبط مشكلتك مع أسماء .. إن
أنت سيبت ليها .. أفتكرت لما
تتغاضى عن أخطائها و تقصيرها
إنك كده بتبين لها حبك .. و ده
غلط يا محمد .. أنا أخوها و بقولك
إن ده غلط .. المفروض كنت توجهها
و تقولها أن الفعل ده غلط أو بيأذيك
.. من واجب الزوج على الزوجة و
كمان الزوجة على الزوج أنهم يوجهوا
بعض .. و كمان يصارحوا بعض
بالحاجات اللى بيحبوها فى بعض
و اللى بيكرهوها فى بعض أو بيتأذوا
منها .
– ثم صمت أسامة قليلا ليكمل :
عندك مثلا زهرة مرات الأصلان
أنا فاكر أول جوازهم .. الأصلان
كان مانعها تقرب من أى حاجة
تخصه .. و برده زهرة كانت بتصر
إنها تحضر له كل حاجة خاصة بيه
بنفسها .. مهما زعل منها و لا غضب
و علا صوته .. لكن عمرها ما بطلت
تعمل حاجاته .. آه .. و بمناسبة
زهرة مرات أخوك أنا بعتب عليك
فى حاجة و ده حقى عليك و حقك
عليا كصاحب و أخ .
– ليقاطعه محمد بإستغراب :
عتاب إيه يا أسامة .. أنا حاولت
لحد ما أقدر أمسك نفسى
و ما أغلطش فى حق حد .
– أسامة بجدية :
مش أنت بس .. أنت و أسماء ..
مكنش ينفع تدخل زهرة طرف
ما بينكوا نهائى .. أولا لإن وضع
زهرة دلوقتى حساس ..
ملوش لزوم تعقد الدنيا أكتر من
الأول .. و كمان سببت مشكلة
بين زهرة و أسماء .. لإن أسماء
لما شافت إنك عاجبك اللى كانت
بتعمله زهرة مع أصلان .. سابت
التصرفات اللى أنت عاوزها
تعملها .. و مسكت فى زهرة
نفسها .. و لما معرفتش تعمل
زيها كرهتها .. و الأهم من ده
كله الأصلان أنت عارف هو
بيحبها أد إيه و بيغير عليها جدا
ملوش داعى تعد تجيب سيرتها
كل شوية أنت وأسماء .. ده
ممكن يخليه يشيل منك ..
فاهمنى يا صاحبى .
– محمد بندم :
أنا آسف يا أسامة .. و الله من
غضبى ما أخدتش باللى فعلا
من الحكاية دى .. شوية بس
الوضع يهدا و أنا هتأسف لأصلان
– أسامة بفكاهة :
أيوه بدل ميذرفك قلم و لا
بونية فى عينك .. على العموم
للإحتياط و أنت رايحله قولى
و أنا مش هروح معاك .
– محمد بإبتسامة خفيفة :
أنا بقول برده .. إيه الشجاعة
دى !
و فرغ الأصلان من مشواره الخالص لوجه الله .. وزع فيه مبلغ ما بينه و بين ربه .. داعيا الله بتقبله .. و أمر سائقه الخاص بالبقاء بعيدا بينما يجلس هو تحت شجرة ما بأرضه الشاسعة .. متأملا بعينيه أرضه التى أكتست ببساط أخضر و عماله بسعادة بالغة .. نبعت أخيرا من وجود نسل له من القطة الصغيرة التى عشقها .. و التى أشتاق إليها حد الجحيم .. و قد أججت رؤيتها و هى مستلقية أشواقه .. و لا يفارق عينيه براءة وجهها و إنتفاخ بطنها الظريف الذى زادها جمالا بعينيه
.. و أشعره بالفخر .. ليتذكر بسعادة هاتفه ليخرجه ممررا العديد من الصور لها أمامه .. مرارا و تكرارا .. لتتسع إبتسامته شيئا فشىء و يزداد حنينه لها
.. و يعترف فى نفسه بخوفه من رؤيتها و مواجهتها .. تلك القطة الصغيرة جعلته يخشى لقائها .. لا يريد أن يرى منها نظرة كره أو نفور .. و الأسوء نظرة خوف .. ليكتفى مؤقتا
بلقائها نائمة .. و لا يعلم أن القطة توافقه الرأى حتى يستعد كل طرف منهما لتلك المواجهة الحتمية .. و لا يعلمان أن القدر يسير عكس خططهم .. كذلك الجد و بوسى .
ضاقت زهرة من حصار بوسى الدائم لها .. و الأسوء ليس لطعام أو شراب .. بل حصارها مصاحب بإستجواب عن الملاكم الخاص بها .. ابن أخيها أحمد صابر .. لتعيد زهرة عليها مرارا و تكرارا
تاريخ ولادته و حياته .. و تعدد لها مجبرة قائمة بالمفضلات لديه .. و أخرى بما لا يحبه .. مما آثار ضيقها الذى يصاحبها أساسا من تضخم حملها و ثقله عليها .. كذلك ضحك سوما من إعجاب بوسى لأول مرة بشاب .. و الأغرب أنه إعجاب ناتج عن لقاء واحد لم يستغرق أكثر من خمسة و أربعون دقيقة .. لتسقط تلك المتمردة كما يقولون فى الحب من النظرة الأولى ..
و لما لم تستطع زهرة التهرب من بوسى و ضبط أعصابها التى أنفلتت من صديقتها أضطرت للهرب إلى غرفتها و إغلاقها خلفها .
ليأتيها لسوء الحظ إتصالا من ابن أخيها العاشق الذى يبدو أنه يحمل نفس الشعور لصديقتها .. لتجد نفسها تحت حصار آخر من الأسئلة و لكن هذه المرة من ابن أخيها أحمد و الذى يكبرها بثلاث سنوات .. و قد تخرج من كلية التجارة .. و يعد الذراع الأيمن لأخيها صابر كما يعتمد عليه جده الحج حامد بشكل كبير .. مما حمله مسئوليات و أعباء من سن صغير كانت لها دورا رئيسيا فى بنيته الجسدية التى أصبحت أشبه بالملاكمين .
و انتهى اليوم برجوع أسامة وحيدا تاركا ابن خالته و زوج أخته بمنزله ..
الأمر الذى أحزن الحج قدرى و السيدة نعمة .. ففى النهاية لم يتمنى أحدا منهم أن يتفاقم الوضع لهذا الحد الذى يجعل من ربيبهم محمد يترك المنزل
.. بينما لم تغادر أسماء غرفتها تحت بند الغضب ظاهريا و الخجل مما فعلته بشكل باطنى .. الأمر الذى حماها مؤقتا من أن يصب أسامة غضبه عليها كذلك حماها من غضب الأصلان الذى ألتزم مكتبه و أكتفى فى الوقت الحالى بصفعته لأخته .. كما لم تهتم السيدة نعمة بأسماء لأول مرة تاركة إياها تفكر فى عواقب أفعالها .. كذلك أختفت سوما و بوسى عن الأنظار لإنشغالهم بزهرة ..و تضامنا مع موقف أخيهم محمد .. لتجد أسماء نفسها وحيدة دون أن يحاول أحد إسترضائها كما أعتادت حتى طفلها لا تعلم عنه شئ و أختفى طوال اليوم و يكتفى فى نهايته بالنوم بجانب جدته السيدة نعمة .
بينما لم يغادر الأصلان مكتبه يحاول إنهاء أكبر قدر من عمله ليتفرغ لقطته
الصغيرة .. و لم يتحرك منه إلا بعد أن تلقى إتصالا من بوسى تخبره بخلود زوجته للنوم .. ليتحرك سريعا إلى منزلها الصغير المجاور راغبا برؤيتها .. و يدخل غرفتها بقلب وجل و خطوات حرص على جعلها بطيئة دون صوت .. ليجلس بجانب قطته التى ذهبت فى نوم عميق نتيجة لإرهاق حملها .. مما سمح لأصلانها بالجلوس جانبها و تقبيل جبينها و أنفها و شفتيها عدة قبلات صغيرة كرفرفة الفراشات خشية من إستيقاظها .. و قد شجعه نومها العميق على البقاء قدرا كبيرا من الوقت جانبها
.. فى حين غادرت سوما المنزل منذ دخوله ليتبقى فقط بوسى .. و لم يسمح الأصلان لعينه أن تفارق وجه و جسد محبوبته .. ليغادر بعد وقت طويل رغما عن رغبته فى البقاء بجانبها .. و تستيقظ القطة صباحا لتستقبلها رائحة أصلانها الملتصقة بملابسها .. ليرجف قلبها و تكتفى بالصمت .
و قد إستعدت الفتيات صباحا للذهاب لكليتهم من أجل قرار لم يكن منه بدأ نظرا لظروف الخلاف القائم بين العائلتين المنصورى و قدرى .. و على الرغم من حله بعد فترة إلا أن ذلك تسبب بترك الفتيات لدراستهم لفترة طويلة لم يعد بعدها يجدى نفعا إكمال السنة الدراسية .. ليتفقوا على قرار تأجيل السنة الدراسية و البدء من جديد معا السنة التالية مما يعطيهم حافزا .. و قد لاقى القرار ترحيب الجد بعد أن أوضحت له الفتيات الوضع .. و يتفق الجد على ذهاب الفتيات مع رائد لكليتهم من أجل إنهاء الإجراءات كذلك رغبة من الجد بتحريك الأمور بين الأصلان و قطته بعد أن قدمت له حفيدته بوسى تقريرا يوميا بأفعال العاشقين .
و لما أبلغ الجد الأصلان بأمر دراسة الفتيات لم يمانع بل رحب بذلك بعد أن وجد تراجعا فى صحة قطته نتيجة للحمل .. و لكن ما آثار حفيظته مساعدة رائد لهم فى إنهاء الإجراءات ..
و عندما ألقى على جده نظرة إتهام أوضح له الجد بخبث بأن رائد خير من يفيدهم فى هذا المجال نتيجة لعمله أستاذا بالكلية .. و أن الأمر يسرى على جميع الفتيات كذلك لم يعارض أخيه أسامة .. ليجد الأصلان الغاضب نفسه أمام جدارا قويا .. فلا يستطيع الإفصاح عن كرهه و رغبته فى عدم إقتراب ابن عمه و غريمه من قطته بعد أن أوضح لجده رغبته فى إنفصاله عن قطته .. إلا أنه وجد نفسه فى اليوم التالى يستيقظ باكرا ليصاحب قطته مع أختيه إلى كليتهم كما توقع الجد و بوسى ليعد ذلك أول لقاء له مع قطته وجها لوجه بعد حادثتها .. و لكن يحدث ما لم يتوقعه الجد و بوسى كذلك الأصلان نفسه .
استيقظت زهرة صباحا تشعر برجفة قلبها و مرت لحظة سكون عليها حينما وجدت رائحة أصلانها تلفها من كل جانب .. و بعد فترة حركت جسدها للنهوض من الفراش إستعدادا لذهابها مع بوسى و سوما للكلية بعد أن إتفق الجميع معها على قرار التأجيل نظرا لضعف حالتها الصحية و حادثتها و التى تسببت فى غيابها عن دراستها وقتا طويلا أصبح من الصعب معه متابعتها .. و حينما عرضت الأمر على الجد وافقها كذلك أنضمت لها الفتيات
لمرورهن بنفس الحالة مع إختلاف الظروف .. و قد جعل الحج قدرى رائد يساعدهم فى ذلك كذلك أخبر أسامة للذهاب معهم .. الأمر الذى أسعد سوما كثيرا و جعلها تبالغ فى تأنقها بشكل لا يناسب ذهابها لتأجيل دراستها و لكنه من أجل حبيبها .. لذا أكتفت زهرة و بوسى بالصمت تعليقا على مظهرها .. و أرتدت بوسى بنطلونا من الجينز و فوقه فستانا قصيرا يصل لركبتيها مزيج بين الأصفر و الأزرق فى حين أرتدت قطة الأصلان فستانا طويلا باللون البيج يناسب بطنها البارزة اللطيفة يصل الكاحل و بلا أكمام ضيق من الأعلى و يتسع من الأسفل و فوقه جاكيت قطنة خفيف بأكمام ذو لون نبيذى و تعقد شعرها على شكل ضفيرة تصل لمنتصف فخذيها … و تخرج من منزلها هى و بوسى لأول مرة و تقابلهم سوما بالخارج مع أسامة .. ألقت زهرة التحية على أسامة بود ليرد لها التحية بمرح جاء نتيجة فرحه لإنفراده بسوما
خارجا بعد أن سمح له الجد بمرافقتهم
.. وتبادل أسامة المشاكسات مع بوسى و ضحك سوما ..بينما تزايدت ضربات قلب القطة و لم يطاوعها جسدها على الإلتفات أو إبداء أى نشاط حينما سمعت الصوت الفخم لوحشها اللطيف يلقى التحية على الجميع .. بينما أنبأتها
دقات قلبها بعينيه الموجهة لها فقط ..
ليصمت الجميع لحظات يتبادلون النظرات فيما بينهم تارة و بين الأصلان و زهرة التى لم تلتفت له بل و أكتفت بتحية خافتة للغاية حتى ظنت عدم سماعها .. بينما لم تخفى على الوحش الذى يقف خلف قطته ليطمئن قلبه
جزئيا .. و يكتفى بها مؤقتا ليخبرهم بمرافقته لهم .. الأمر الذى فاجأ زهرة و زايد سرعة دقات قلبها كذلك تنفسها إلا أنها إلتزمت الصمت فلا تريد أن تجعل منها و من وحشها فيلما دراميا للجميع
.. بينما أعترض أسامة مفصحا عن رغبته فى مصاحبة سوما .
ليفاجأ الأصلان نفسه و الجميع حينما أشار على أخيه الأصغر بمرافقة سوما فى سيارته الخاصة .. و ينفرد الأصلان بحبيبته الصغيرة و بوسى فى سيارته
.. و ما كاد الجميع يتحرك إلا و قد فاجأهم صوت أنثوى مغناج ينادى على الأصلان .. صوت يتغنج بإصطناع لوجه لا يتضح من كثرة المستحضرات التجميلية الموضوعة عليه .. لإمرأة فى منتصف الثلاثينات قد قابلتهم جميعهم من قبل ماعدا زهرة .. لينقبض قلب زهرة بعد أن وجدت أن تلك المرأة تركز نظراتها عليها .
بينما حبس الجميع أنفاسهم لهذا اللقاء الغير متوقع .. و لعنوا فى أنفسهم الحظ السىء الذى جعلهم يقررون الذهاب إلى الكلية فى هذا اليوم .. و خافت بوسى و سوما على زهرة لذا أسرعتا كلا منهما تحاوط زهرة من جهة لتجعلها الفتاتان بينهما .. غافلين جميعا عن تجمد الأصلان من المفاجأة فهو لم يتوقع رؤية سماح صالح ثانية بعد أن أرهبها فى لقائهم الأول ببيته و كذلك فسخه للعقد العرفى بينه و بين أخيها
.. ليتجمد من وجودها خشية على قطته و صحتها لتزداد تلقائيا الهالة المتوحشة التى تحيط به بداية من جمود عينيه و شراسة وجهه و إنتهاءا
بتسارع أنفاسه و تحفز جسده و أرتفاع الأدرينالين به بشكل جعله يتحرك دون وعى يقف أمام قطته كنوع من الحماية
و ليحجب عنها كل ما لا يستحب رؤيته كتلك السماح .
بينما أدركت زهرة شخصية المرأة التى تقابلها دون حاجة للسؤال من خلال درع الحماية الذى شكله حولها جميع الموجودين .. لذا أطلق قلبها سيلا من النبضات المتسارعة لا لخوف بل لألم و حزن .. لتتسائل و هى تبادل تلك المرأة نفس النظرات أهذه من فضلها الأصلان عليها ؟! .. لتبعد نظراتها و تتجه أرضا تحجب عن نفسها رؤية أى شىء يحزنها فيكفيها ما ستسمعه .. و الذى أنبأها قلبها بأنه لن يسرها .
فى حين نطق الأصلان بجمود حينما وجد تلك السماح تخترق محيطهم الشخصى
– الأصلان بجمود :
خير ؟!
– سماح بحقد لم تستطع أن تخفيه بعد أن وجدت أن إبنة المنصورى تصغر حتى زوجة أخيها الصغيرة :
مفيش يا ابن عمى .. جاية أبارك
رجوع المحروسة بنت المنصورى
اللى أهلها جتلوا ………………..
– تقدم الأصلان بخطواته تجاه سماح و على وشك أن يتهجم عليها .. و نطق بوحشية و صراخ أرعبها هى و الجميع :
أخرسى …………………
لم تستطع زهرة تحمل الكلام الذى على وشك أن يقال بعد أن أستشفت فى أى إتجاه يسير إليه .. و وجدت أن ضربات قلبها تتسارع أكثر لترتخى قدميها دون القدرة على حملها .. لتتمسك بها الفتاتان أكثر و تصرخ بوسى على سوما من أجل الإسراع لوضع زهرة بسيارة الأصلان .. و لحسن الحظ لم تفقد زهرة وعيها كاملا بل أصابها الدوار و أرتخت قدماها .. و أنهمرت دموعها بعد أن ظنت أن كلام تلك الأفعى هو المتداول عنها بمنزل الحج قدرى .. و هو نفسه ما كان فى صدر أصلان تجاهها .. كما كان بسببه مقاطعة أسماء لها و أمتناعها عن رؤيتها .. و لم تستوعب زهرة سوى صراخ بوسى على سوما و وضعها بالكرسى الخلفى لسيارة أصلان كذلك نقاش الأصلان مع تلك التى إتخذها زوجة عليها .. لتحجب عنها الرؤية كاملة بعد أن غرقت فى دوامة من الأفكار السوداوية
.. و كانت دموعها هى خير دليل على إستيقاظها .
بينما الأصلان كان همه الأول هو التخلص من تلك الأفعى حتى لو إضطر إلى ضربها .. و عندما تخلص منها مؤقتا متوعدا فى نفسه أن يبعث إليها هى و أخيها من يذكرهم بذلك و أتجه إلى سيارته .. ليرى زهرة فى المقعد الخلفى متوسطة سوما و بوسى .. بينما أسامة جلس متأففا على المقعد المجاور له بعد أن ضاعت فرصة إنفراده بسوما .. طرق قلبه متسارعا حينما رأى قطته تبكى بصمت و قد شحب وجهها و أسندت رأسها على كتف سوما .. لينقبض قلبه فها هى فرصته فى التقرب منها تضيع قبل أن تبدأ حتى .. لدرجة أنها أشاحت بوجهها عنه و خبأت نفسها فى كتف سوما ..
ليزداد الشعور الموحش فى صدره .. فهو من آذى شعورها للمرة التى لا يعلم عددها .. هو من أبكاها .. هو من أحزنها
.. هو من جرحها بوجود تلك الأخرى أمامها .. هو من بدأ كل شىء .. و بدأ يلوم نفسه على قدومه معهم .. لينتبه
على نداء أسامة له و يقود السيارة مسرعا إلى وجهتهم تحت صمت الجميع .
هدأت زهرة نفسها ففى كل الحالات وجود تلك المرأة أمر واقع .. و مواجهتها أمرا حتميا طالما قبلت بالعودة .. و لكن ما أبكاها هو وجود الأمل الذى نبت بقلبها بأن يكون ما حدث كذبا .. بأن يكون لا وجود لتلك المرأة .. بأن يكون الأصلان زوجها هى فقط .. و لكنها آمالها هى و ليس الواقع .
و قد وصل الأصلان بالجميع إلى وجهتهم بعد شق الأنفس .. فعلى الرغم من غضبه الذى جعله يقود سيارته بسرعة كبيرة لا تتناسب مع تلك المناطق التى يعيشون بها إلا أنه بفضل الجو الثقيل و المتوتر بالسيارة شعر الجميع أن تلك الدقائق ما هى إلا ساعات .. ليجدوا فى إستقبالهم رائد
بنظرات هلعة .. و يكتشف الأصلان بعد عدة خطوات فى إتجاه غريمه أن نظراته الهلعة يخص بها قطته الصغيرة
بنظراتها الضعيفة الحزينة ليغلى صدره
.. و يحدجه بنظرات أقل ما يقال عنها قاتلة .. إلى أن قاطع تلك النظرات صوت بوسى تستفسر من رائد عن إجراءات التأجيل و تقود الجميع معه رغبة منها فى تخليص صديقتها من هذا الجو الثقيل .. بينما زهرة قد أستهلكت أقصى درجات قدرتها فى موقف الصباح و كذلك مقابلتها لرائد و مواجهته مع الأصلان .. لتبدأ بالشعور بالإختناق و الوحدة القاتلة على الرغم من وجود عدد هائل من عائلتها .. إلا أن حزنها يبدو و كأنه شكل
فقاعة حبسها بداخلها و فصلها عن الآخرين ..
ليتقدم رائد الذى دخل مع الفتيات لإدارة الجامعة و يحيطها بذراعيه و يجلسها برفق على مقعد خشبى بينما تكفل هو بالحديث سريعا نيابة عن الجميع بعد ما لاحظ مرض جنيته الصغيرة .. بينما الأصلان الذى يقف خارج المكتب يتابع فعلة ابن عمه بنظرات جليدية .. إلا أنه و لأول كبح نفسه عن إيذاء رائد و تلقينه درسا .. فلا الوقت و لا المكان مناسب لذلك ..
و حتى لا تسوء صورته أما زهرة أكثر
.. و التى أرتسم الحزن و المرض على ملامح وجهها كما لاحظ الأصلان تركيز بصرها على نقطة ما بالأسفل و تجنبها النظر للآخرين .. مما جعله يريد إنهاء ذلك الظرف سريعا و العودة بها للمنزل حتى و إن عنى هذا ضياع فرصته .
فضل الجميع العودة سريعا بعد أن بذل رائد جهدا فى سرعة إنهاء الإجراءات ..
حتى أسامة الذى كان ينتوى الإنفراد بسوما فضل العودة و الإنضمام لشقيقه الأكبر بعد أن أخافته نظرات شقيقه و ابن عمه لبعضهم البعض و فضل عدم تركهم بمفردهم .. خاصة بعد أن فاجأهم رائد الذى قاد سيارته خلف سيارة الأصلان موضحا نيته فى الذهاب لمنزل جده .. مما جعل هالة الأصلان تزداد وحشية و يسرع فى قيادته بالسيارة .. و عندما بلغ الأصلان حدود أراضيهم همس لأسامة بشىء ما
.. ليومأ له أخيه فى صمت و موافقة ..
و تصطف السيارتان بالتزامن خلف بعضهم .. ليفاجأ الأصلان الجميع ماعدا أخيه بسرعة ترجله و فتح باب المقعد الخلفى لتقابله بوسى التى فهمت دون حديث على أخيها و تسرع هى الأخرى فى النزول لتذهب خلف سوما للداخل كما أشار لها أسامة .. بينما تكفل أسامة بإجبار رائد بالذهاب
للداخل بعد أن كان فى نيته إفتعال ضجة حينما وجد الأصلان يحمل قطته الباكية بسرعة البرق و يتجه بها سريعا لمنزل ما صغير أقيم بجوار مبنى بيت جده و أغلق خلفه الباب .
كان الأصلان خارجا عن طوره و هو يحمل قطته الباكية بين ذراعيه .. و أظلمت الدنيا أمام عينيه و يأس من إيجاد حل لسوء فهمه مع زهرة بل يأس عودة حياته الطبيعية مع زوجته
.. و لم يتبقى أمام ناظريه سوى تلك الأفعى أخت وجيه صالح تحاول إبعاد زهرة عنه من جهة و من جهة آخرى ابن عمه الأصغر رائد و الذى يحاول بكل جهده إبعاده عن زهرة .. ليجن جنونه و يزيد من إحكام ذراعيه على زوجته التى لم تتوقف عن البكاء بعد أن فقدت القدرة على كتمه كما لم تتوقف عن ضرب صدر أصلانها القاسى الذى نقض ما بينهما و إرتبط بأخرى .. ليفيق الأصلان رويدا رويدا من قوقعته على ضربات قطته .. و قد إتجه بها إلى فراشها يضعها عليه محاولا بقدر الإمكان السيطرة على إنهيارها حتى انتهى به الأمر أن يجلسها على قدميه محاوطا ذراعيه حولها هامسا فى أذنها
مفسرا لزوجته الصغيرة حديثه مع سماح صالح :
مش زى ما أنتى فاكرة .. و الله
مش زى ما أنتى فاكرة
مفيش حد غيرك
أنت و بس
و الله ما لمستها و لا شوفتها
و الله .. بس أهدى .. مش
زى ما أنتى فاكرة .. أنا بحبك
أنتى بس .. و الله بحبك بس
أسمعينى .. مفيش حاجة
بينى و بينها .. بس إهدى ..
إهدى حبيبى .
لتهدأ زهرة رويدا رويدا و تتحرك من على قدميه إلى الجزء الآخر من الفراش تعطيه ظهرها و منكمشة على ذاتها قدر الإمكان .. لتسقط دموع الآخر على ما جنته يداه فى حقهما .. ليقوم بمحاولة بائسة يشرح لها ما حدث منذ بداية معرفته بزواجها ليجدها ترفع يديها المرتعشة و تضعها على أذنيها لا تريد أن تستمع لأى حديث فى حالتها تلك حتى أهم حديث يمكن أن تسمعه من أصلانها .. إلا أنها وجدت نفسها ترفضه .. لينسحب الآخر بيأس بعد أن نظر إليها لآخر مرة و يغادر بهدوء .. وتنخرط الآخرى فى بكاء صامت لا تعلم من أين أتت به .. و كأن ما بكته سابقا منذ إستيقاظها من غيبوبتها لم يكن كافيا لتبكى المزيد و المزيد .. بينما الآخر لم يكن لديه القدرة لمواجهة أحد لذا غادر المنزل بأكمله على قدميه دون علم بوجهته بعد أن هاتف بوسى
و طلب منها البقاء بجانب زهرة .. كذلك طلب لها الطبيبة التى كانت تتابعها سابقا قبل رحيلها د / منال .
دخلت الفتاتان منزل جدهما صامتتين و لحق بهما رائد بعد أن أجبره أسامة على دخول المنزل تفاديا لأى صدام بينه و بين أخيه الأكبر .. كما أنه للحق ليس لرائد أى شأن فى الخارج فالأصلان و زهرة مهما وصلت المشاكل بينهما هما فى نهاية الأمر رجل و زوجته و ليس لرائد أو أى شخص آخر حق فى التدخل .. ليستقبل الوافدين الجد و السيدة نعمة يتناقشان بسرية ..
و ينهيان نقاشهما بمجرد دخول أحفاد الحج قدرى عليه .. ليتسآل عن الأمر بعد أن أرتاب من تعبيرات وجوههم .. ليقص عليه أسامة ما حدث من البداية للنهاية و ركز حديثه بشكل خاص على موقف رائد الذى أعانهم كثيرا و لم يتركهم لدرجة أنه ترك محاضراته و انطلق وراء سيارتهم حتى وصلوا .. ليفهم الجد بعد ذلك ما بين السطور و الذى يريد أسامة إيصاله له و لا يستطيع أن يبوح بشكوكه التى تساوره من فترة خاصة فى وجود أمه و سوما و بوسى .. كذلك فهم عليه رائد الذى تغير وجهه حرجا من جده بعد أن سبق و نبهه الجد لمراعاة تصرفاته و عدم الإحتكاك بأبن عمه الأكبر الأصلان .. ليتهرب رائد من الحديث و يصعد لغرفته بمنزل جده متحججا بإرهاقه و رغبته فى نيل قسط من الراحة .
– السيدة نعمة بإنفعال :
مش كنا خلصنا من موال اللى
أسمها سماح دى ؟! .. إيه اللى
رجعها تانى ؟!
– سوما :
الله يسامحها خلت زهرة تتعب
مننا طول الطريق .. لحد ما
أصلان وصلها البيت .
– بوسى بمرح :
شكلها لسه حاطة أمل إن الأصلان
يتجوزها .
– أسامة الذى أنضم لهم بعد أن تركهم
ذاهبا للمطبخ و عاد بعدها فى يده
ساندوتش :
لأ و أنتى الصادقة .. دى عشان
متأكدة إن الأصلان لا يمكن
يتجوزها على زهرة قالت آجى
أضايق مراته .. عاوزة تفهمها إن
فى حاجة بينهم .
ليصدر هاتف بوسى صوت رنين لم يكن إلا من الأصلان الذى يطلب منها البقاء بجانب زهرة حتى تأتى الطبيبة
.. لتستأذن بوسى للذهاب إلى زهرة و لحقت بها السيدة نعمة قلقة للإطمئنان على زوجة إبنها لاعنة فى نفسها وجيه صالح و أخته .
بينما تركزت نظرات أسامة على جده لتستمر فترة مستخدما نفس أسلوب رجال المخابرات فى الأفلام حتى يعترف المجرم و فى حالته حتى يعترف جده
– الحج قدرى متأففا :
نعم يا سى أسامة هتعد
باصصلى كتير ؟!
– أسامة بخبث بعد أن أخذ قضمة من
ساندوتشه :
أممممم .. بحبك يا جدى عشان
كده ببصلك .. ربنا يخليك لينا .
– الجد متأففا من محاصرة أسامة له :
اللى بعده .
– أسامة و لم تفارق عينيه عينى جده :
رائد .
– الجد :
إشمعنا .
– أسامة غامزا لجده :
جدى .
– الجد بإنفعال كاذب هربا من حفيده
الخبيث الذى يعد تؤام بوسى :
جرا إيه يا ولا .. هتخوشلى أفية
و لا إيه .. أقوم شوف وراك إيه
بلا دلع ماسخ .. يلا .
– أسامة ولم يؤثر فيه إنفعال جده الكاذب مقدار شعرة :
يا جدى .. عليا برده .. عاوز
تفهمنى إنك مش واخد بالك من
تصرفات رائد .. و لا معناها
إيه ؟!
– الحج قدرى بإقتضاب غضبا من غباء رائد الذى كشف مشاعره للجميع :
شايف و عارف اللى وصلك .
– أسامة بإقتضاب :
طاب مش هتتصرف .
– الجد :
طالما ما تعداش حدوده خلاص ..
أنا ليا كلام معاه .
– أسامة بإنفعال و صوت منخفض خوفا من أن يسمع أحد حواره مع
جده :
ده ما يصحش يا جدى .. مفيش
حد عندنا أتصرف كده .. دا لازم
يمش……………………………………..
– الجد مقاطعا أسامة و لكن بهدوء و بنفس نبرة الصوت المنخفضة :
أنا قلت أنا ليا كلام مع ابن عمك
.. و أنا بس اللى أقول من يعد و
مين يمشى .. و لا يبقى إيه الفرق
بينك و بين الهانم أختك اللى
مشت جوزها من البيت ؟! .. و لا
أنا ماعدش ليا إعتبار و لا إيه يا
سى أسامة ؟!
– أسامة بسرعة :
لا و الله يا جدى .. حقك على
راسى .. أنا بس أضايقت من
الموقف .. اللى بيعمله رائد ده
عيب و ما يصحش .. إحنا كلنا
هنا أخوات زهرة و بوسى
أخواتى و أنا أخوهم .. و إذا
كانت فى كلمة صدرت منى غلط
أنا آسف .. بس أنا لما بقول رائد
لازم يمشى قصدى إن أبعده و لو
كام شهر عن هنا و خصوصا إن
أصلان كام مرة كان هيتهجم
عليه بسبب تصرفاته دى ..
عشان ميأذوش بعض و كمان
الكبار يخسروا بعض .. فاهمنى
يا جدى .
– الجد متنهدا :
فاهمك يا بنى .. و ده رأيى
برده .. بس الكلام يا أسامة فى
الموضوع ده ميجيش كده باللين
شوية و الشدة شوية لو لزمت ..
فهمت .. عشان معاملتكوا مع بعض
أدام .. سيبلى أنا الموضوع
ده .. و أنت متجيبش سيرة لحد .
– أسامة بطاعة :
حاضر يا جدى .
بينما فى نفس الوقت دخلت السيدة نعمة و بوسى المنزل الصغير المجاور لمنزل الحج قدرى لتتفاجأ بصوت بكاء زهرة .. و تسرع كلتاهما إلى مصدر الصوت تجاه غرفة زهرة .. لتجداها على فراشها منخرطة فى موجة بكاء مريرة .. لتشعرا بالقلق عليها بسبب حالة إنهيارها التى تشهداها لأول مرة .. كذلك لشحوب وجهها الواضح .. و تسرع إليها السيدة نعمة تحتضنها و تحاول تهدأتها بينما تسرع بوسى للإتصال بالأصلان تستعجله لإحضار الطبيبة .. ليترك الأصلان وجهته ليحضر فى المقابل تلك الطبيبة بنفسه
.. و تدخل د/ منال مسرعة بعد أن أرشدتها بوسى لمكان زهرة و السيدة نعمة بينما عرضت بوسى على أخيها الأكبر الدخول للإطمئنان على قطته إلا أنه رفض و جلس على أحد السلالم الأمامية للمنزل الصغير بعد أن أنهكه حزنه على قطته و تأكده من عدم رغبتها فى مسامحته .. غير عابىء بهيبته و مكانته كذلك بملابسه و عبائته التى تهدلت و سقطت خلفه .. و تتأمل بوسى حال أخيها بحزن و لم يقطع شرود أخيها الأكبر أو تأمل بوسى سوى نحنحة الطبيبة
– أصلان بلهفة أخافت الطبيبة التى ترى لأول مرة كبير البلد و وحشها الأصلان بهذا الضعف :
خير يا دكتورة .. زهرة عاملة
إيه دلوقتى ؟!
– د / منال بجدية :
الحمد لله يا أصلان بيه .. هى بخير
دلوجتى .. أنا أديتها مهدئ هيخليها
تنام .. و ياريت تبعدوا عنها الإزعاج
.. حضرتك عارف إن المدام صحتها
ضعيفة جدا و هى فى الشهر السابع
دلوقتى و ممكن لا جدر الله مع أى
إنفعال تتعرض لولادة مبكرة و ده
مش فى صالحها خالص .. أنا كتبت
لها شوية أدوية هتساعدها فى
الشهرين دول .. و ياريت أشوفها كل
أسبوع على ما حالتها تستقر .
ليومأ الأصلان لها و يأخذ منها الروشتة
بعد أن أمر أحد العاملين بالمنزل بتوصيل الطبيبة و آخر بإحضار الدواء
.. و ظل أصلان زهرة جالسا خارج منزلها لم يتحرك من مكانه على الرغم من محاولات الجميع معه سواء السيدة نعمة أو الجد الذى حضر للإطمئنان على زوجة حفيده الأكبر حتى أسامة و بوسى .. و لكنه لم يستجب سواء لمحاولاتهم لإدخاله للإطمئنان على زهرة أو ذهابه لمنزله إلا أنه لم يرد عليهم و ظل شاردا لا يبارح مكانه .. تألم الجد لحالة حفيده إلا أنه كما يقولون لم يعد بيده شىء و لكنه طلب من الجميع ترك الأصلان بمفرده لعلمه بحاجة حفيده للإنفراد بنفسه .. ليطيعه الجميع و يذهبوا إلى الداخل للإطمئنان
على قطة الأصلان .. و يمر الوقت لتستفيق زهرة جزئيا و ينتهى قلق الجميع .. و يغادروا واحدا تلو الآخر مارين بأصلانها الذى لم يبارح مكان جلوسه خارج منزلها و مازال شاردا رافضا محاولات كل منهم لذهابه إلى المنزل .. ليتركوه ثانية ليتبقى وحيدا بالخارج بينما بوسى و سوما بجانب زهرة .
و أثناء جلوس الأصلان وحيدا شاردا
أدرك شيئا واحد و هو إستحالة عودة العلاقة بينه و بين القطة التى عشقها ..
فما فعله معها سيبقى حاجزا بينهما و قد تأكد من ذلك بعد رفضها لسماعه .. و لو كان سوء الفهم بينها و بين الأصلان فى وقت و ظرف آخر لكان تخلى عن كبريائه و هيبته و لم يبارح عتبة بابها حتى سامحته القطة .. و لكنه وجد أن أى محاولة للضغط عليها
ستضر بصحتها و صحة أولاده .. مما جعل الأمل يتلاشى بقلبه .. و حرصا على صحتها و تفضيلا منه لعدم إحزانها وجد نفسه يستقيم و يبتعد عن بابها شيئا فشئ حتى تسارعت خطواته ليغادر منزل قدرى بأكمله و يسير بلا هدف حتى وجد نفسه بعد فترة لا يعلم مدتها أمام منزل خالته والدة محمد ..
ليفتح بوابة المنزل و يدخل حتى وصل إلى حديقته التى حرص ابن خالته على تشذيبها أولا بأول و يتجه للجلوس على أحد مصاطبها المبنية على جوانبها مطرقا رأسه فى تفكير .
بعد أن أطمئنت السيدة نعمة على زهرة هى و الجد عادا إلى المنزل يكللهم الحزن .. و يجلس كلا منهما و تتقابل أعينهم بنفس السؤال الذى ليس له إجابة و قد ترجمته السيدة نعمة شفويا
– السيدة نعمة :
و بعدين يا عمى ؟! .. هيفضل
الحال على كده لحد أمتى ؟!
– الحج قدرى متنهدا :
و لا ما أنا عارف يا نعمة ..
الموضوع بين الأصلان و زهرة
أتعجد زيادة .. و إن جيتى
للحج ماعدش فى يدى حاجة
أعملها .
– السيدة نعمة ببكاء :
دى عين و صابتهم .. أنا أول
مرة أشوف الأصلان كده .. مش
عارف يعمل حاجة و لا قادر
حتى يرد علينا .. و البت كمان
روحها راحت من العياط يا حبة
عينى بعد ما كانت بتضحك و
إيدها معانا .
– الحج قدرى :
سبيهم يا نعمة .. اللى ربنا كاتبه
ليهم هيشوفوه .
– السيدة نعمة برجاء :
طاب يا عمى ما تتكلم أنت
مع الأصلان و أنا هتكلم مع
زهرة و ربنا يصلح الحال بينهم.
– الحج قدرى بهدوء :
أصبرى شوية لما صحتها
تتحسن .. البنت تعبانة و
الزعل وحش عليها و على اللى
فى بطنها .. أصبرى شوية لما
الدنيا تهدا .
– السيدة نعمة بحزن :
أنا كان كل غرضى يرجعوا لبعض
.. كفاية كده .. لا هي فرحت
بحملها و لا هو يا حبة عينى
فرح بحمل مراته .. كان نفسى
يكون جنبها و نجهز لوازم ولادتها
و هما مع بعض .
– الحج قدرى متأففا من حفيده :
و إبنك برده غشيم فى حبه ..
يا يحبها أوى .. يا يبعد عنها
خالص .. البت صغيرة و هو
شديد عليها ماينفعش كده .
– السيدة نعمة بحزن :
كفاية أعدته على عتبتها كده
طول اليوم و متحركش يا
حبة عينى من مكانه .
– الحج قدرى متنهدا :
أنا عارف الأصلان بيفكر إزاى
.. دى المرة الوحيدة اللى شفته
فيها بيحاول عشان يرجع هو
و زهرة .. بس لما شافها تعبت
بعد و مرضاش يضغط عليها ..
و صدقينى يا نعمة لما أقولك
أن أصعب حاجة على الراجل
أنه يلاقى اللى بيحبها مش
عاوزة تشوفه أو تسمع منه .
– ثم أكمل و كأنه قرأ تفكير حفيده :
ربنا يستر .
بعد أن أطمأنت السيدة نعمة على زهرة
و غادرت مع الجد تاركة إياها مع بوسى و سوما و أم أحمد .. لتسمعن طرق الباب من جديد .. إلا أنه لم يستبعد أحد أن يكون الطارق أحد أفراد الأسرة .. فى حين كانت أم أحمد ترعى زهرة بغرفتها بينما أكتفت الفتاتان بإحضار عدة أكياس منوعة من شرائح البطاطس يتناولونها بالصالة تعبيرا عن حزنهم لما حدث اليوم .. لتتأفف كلتاهما من الإرهاق حينما
سمعتا طرق الباب
– بوسى الجالسة على أريكة مريحة بالصالة تتأفف :
أومى يا سوما أفتحى الباب .
– سوما الجالسة على الأريكة المقابلة و تأكل شرائح البطاطس :
أومى أنتى أنا مش قادرة .
– لتتعصب بوسى من برود سوما و شدة إرهاقها و تصيح بصوت عالى جدا
قاذفة إحدى الشرائح على وجه سوما :
و الله العظيم حرام عليكوا .. إيه
الحكاية ؟! .. كل شوية بوسى
بوسى .. روحى يا بوسى .. تعالى
يا بوسى .. و أنا زى الحمارة بقول
حاضر .. قمت عشان أروح معاكوا
الكلية الصبح مع إنى سهرانة
طول الليل .. حميت زهرة من
الأفعى الرقطاء سماح .. زعيق و
زعقت فى وش أخويا أصلان ..
و عملت نفسى شجرة و رضيت
تروحى مع أسامة فى العربية
” لتقاطعها سوما ناوية أن تصحح لها
أنها لم تذهب مع أسامة بعد ما
حدث صباحا .. لتصمتها بوسى
بحركة من يدها فى عصبية ..
و تكمل ”
مليش دعوة حصل و لا لأ بس رضيت
و خلاص .. عملت الصدر الحنين
و وسيت البت الغلبانة اللى جوة ..
عملت نفسى جاكى شان و ساعدت
أسامة عشان مانخليش الأصلان
يمسك فى رقبة رائد .. سبت الأصلان
ياخد البت على كتفه و يدخلوا
لوحدهم الأوضة و ماتكلمتش .. دخلت
بعد ما طلع أشيل البت اللى عياها
.. و قفت مع المزغودة الدكتورة
أم دم تقيل .. طردت الدكتورة أم
دم تقيل .. شتمت أسماء .. هزقت
أسامة .. أتعشيت و لسه أعدة
دلوقتى ..
” لتصرخ بصوت أعلى من سابقه
أسمع الطارق الذى تخلى عن
طرقه و وقف مستمعا لما تقوله
بوسى ”
و بعددددد ددددده كللللللله
بتقووووووولى أفتحى البااااااااااب
.. ده على جثتى إنى أتحرك إنهاردة
من مكانى .
لتصمت بوسى أخيرا تتنفس بصوت عالى بعد أن أفرغت غضبها كله بسوما
مفتوحة الفم منذ بداية حديث بوسى
.. بينما خرجت أم أحمد بعد أن أنهت بوسى من الصراخ فاتحة باب غرفة زهرة على مصرعيه .. و تظهر زهرة الجالسة على الفراش من ورائه مذهولة مما سمعت و من رد فعل بوسى .. بينما تقدمت أم أحمد ببطأ خوفا أن تطولها أحد نوبات تلك الفتاة المجنونة لتفتح الباب الذى عاد طرقه و يظهر أخيرا سبب المشكلة و هو أحمد صابر ابن أخو زهرة و يحمل زيارة لعمته .. ليأتى الدور على بوسى لتفتح هى فمها من الذهول .. و تتقدم بسرعة ناحية الباب بعد أن تنحنحت و أجلت حلقها
.. لتقول برقة مصطنعة
– بوسى بصوت خافت عكس صراخها من لحظات :
أتفضل .. أتفضل .. زهرة
صاحية .. معلش ماعرفناش
نفتح أصل سوما كانت متعصبة
شوية .. قولنا تهدا و بعدين
نفتح .
لم يتحدث أحمد نظرا لكتمانه صوت ضحكه بأعجوبة .. و لم يدخل بعد أن أدرك عدم وجود رجل و لكنه وضع ما
كان يحمله أمام الباب ليستقيم بعدها و يرحل دون كلمة واحدة .. بينما لم تغلق سوما و أم أحمد أفواههم بعد و غرقت زهرة فى موجة من الضحك بعد مغادرة ابن أخيها .. لتتنهد بوسى و تغلق الباب غير عابئة بالجمع حولها و تستلقى على الأريكة على بطنها مبتسمة بينما تلمع عينيها من الإعجاب بذلك الملاكم بينما تقول بصوت خافت
– بوسى بحنية و صوت هادئ :
يخربيت الرجولة .. إيه الواد
التقيل إللى بحبه ده ؟!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زهرة الأصلان)