روايات

رواية زهرة الأصلان الفصل التاسع عشر 19 بقلم يسر

رواية زهرة الأصلان الفصل التاسع عشر 19 بقلم يسر

رواية زهرة الأصلان البارت التاسع عشر

رواية زهرة الأصلان الجزء التاسع عشر

زهرة الأصلان
زهرة الأصلان

رواية زهرة الأصلان الحلقة التاسعة عشر

ذهب أصلان إلى عمله مع أسامة و محمد لا ينتوى على شئ سوى العمل مسرعا ثم الذهاب للتنعم بقطته إلا أنه لم يكن فى انتظاره سوى مشاكل
العمل التى انتهت بضرورة سفره لتخليص بضاعة متفق عليها و إكمال بعض الإجراءات و الأوراق الضرورية لتسيير أعماله وهو الأمر الذى ليس جديدا عليه أصلان القديم أما اﻵن فاختلف الأمر حيث تعد المرة الأولى التى يفارق بها قطته و يبتعد عنها .. كما إنه لا يستطيع أخذها معه حيث يرافقه بعض العمال و زوج أخته أسماء الأمر الذى يجعل من سفرها معه مستحيل و قد اختفت تدريجيا ابتسامته التى ظهرت حديثا و حل محلها انعقاد حاجبيه و عبوس وجهه و ضيق صدره .
فوجئت زهرة بالسيدة نعمة و هى تحتضنها بعد أن ودعت أصلان قبل ذهابه لعمله وقد اطالت السيدة نعمة إحتضانها لزهرة فرحة ﻹبنها و مداراة لدموعها التى انهمرت رغما عنها بعد أن يأست من صلاح حال اﻷصلان و اعتقدت أنها فقدته و لو جزئيا مع فقدانها لابنتها بثينة .. إلا أن الله سبحانه وتعالى شاءت حكمته أن يوقع تلك الزهرة فى طريقه و كانت سببا بعودته إلى نفسه قبل أن يعود إليهم .. يشاهدهم الجد من بعيد بعد أن ذهبت سوما وأسماء لقضاء بعض الأعمال و هو لا يقل فرحة من السيدة نعمة لحفيده الذى فقد نفسه مع الحادثة التى غيرت حياتهم جميعا إلا أن تلك الصغيرة التى ما إن رآها الجد أدرك أنها لا تليق بأحد سوى الأصلان ولا أحد جدير بها و قادر على حمايتها سوى الأصلان .. خرجت زهرة ببطئ من بين ذراعى السيدة نعمة و على وجهها ابتسامة رقيقة حبا لتلك السيدة التى لا تقل فى حنيتها عن عمتها السيدة صفية و أزالت دموع السيدة نعمة كعادتها منذ أن دخلت بيتهم
– ماما … ليه الدموع دى ؟
– مفيش يا بنتى فرحانة بيكى أنتى و أصلان .
ثم أمسكت السيدة نعمة يديها قائلة :
– أنا لو أعدت أشكرك على اللى عملتيه يا بنتى مش هوفيكى حقك .
فردت زهرة و ابتسامتها الرقيقة لا تفارقها مصححه لها
– بس أنا معملتش حاجة يا ماما .. أصلان طول عمره رقيق و طيب و حنين
بيراعى الكل لدرجة أنه كتير بيجى على نفسه عشان الكل .. يبقى
بتشكرينى على إيه .. ” صمتت قليلا ثم تنهدت بعشق ” أنا اللى بحمد
ربنا إنه خلانى من نصيب أصلان .. أنا .. أنا .. ماما أنا بحبه أوى أوى
.. هتضحكى عليا لو قولتلك إنى بخاف عليه زى ما يكون .. ما يكون
ابنى أو .. أو .. مش عارفة .. ماما ………………………..
و ارتمت زهرة بين ذراعى السيدة نعمة من خجلها و من هول ما تشعر به تجاه أصلانها .. ابتسمت السيدة نعمة ثم ضحكت على تلك التى تدافع عن ابنها بهذا الشكل و هى تعلم صدق ما قالته و لكن ليس الكل يرى تلك الحقيقة بابنها الذى أخفى صفاته الطيبة بوحشيته و التى لا يراها إلا من يحبه حبا صادقا كتلك الفتاة التى يعلم الله كم زادت مكانتها فى قلب السيدة نعمة .. ذهبت السيدة نعمة و زهرة للجد للجلوس معه ثم أنضم بعد ذلك لهم سوما و أسماء و بودة يتبادلون الأحاديث المختلفة و بعدها انسحبت زهرة كعادتها ﻷداء أعمالها اليومية و مساعدة أم أحمد و فاطمة و ورد فى إعداد الغذاء مع تبادل بعض اﻷحاديث الودية أثناء العمل يمر عليهم العم أبو أحمد من وقت إلى آخر لشرب الشاى أو لجلب بعض الخضروات التى أصر على زراعتها فى الحديقة الخلفية للمنزل .
أنهت زهرة إعداد الغذاء وتركت المطبخ متجهة إلى جناحها للصلاة و الاستحمام و تبديل ملابسها مرتدية فستانا محتشما ذو لون كحلى و اساوره
من الدانتيل الكحلى أيضا وعلى أحد أكتافها شالا حريرى أصفر اللون و قد تركت لشعرها العنان وأرتدت حذاء مسطح بلون مشابه للشال ثم غادرت جناحها مسرعة فقد أوشك أصلانها على الوصول .
قابلت زهرة أصلان الذى دخل للتو يلحقه أسامة ومحمد فأسرعت فى نزولها على السلم .. ألقت السلام على الجميع و أقتربت برقة من أصلانها الذى ضاع تجهم وجهه منذ أن رآها تنزل مسرعة على السلم فى استقباله و ترتدى فستانا ألوانه زاهية عكست رقتها و جمالها و جعلت الابتسامة ترتسم على وجهه من جديد و هو يراها تقترب منه برقة
– حمدالله على السلامة أصلان …
– الله يسلمك يا رورو ..
– “ثم قالت بهدوء له ” أنا حضرتلك الحمام .. غير هدومك على ما
نحط الأكل على السفرة .
– آه يا ريت .. تعبان جدا و محتاج آكل و أنام .
ألقى التحية على الجميع واتجه إلى جناحه تتبعه زهرة بعد أن شعرت بعدم راحته و أن هناك ما يشغل باله .. و فى جناح أصلان تناول الملابس التى جهزتها له زهرته وهى جلباب بيتى باللون الرصاصى و معه بنطلون بنفس اللون و إتجه إلى الحمام الاغتسال و بعد أن انتهى خرج واضعا منشقة على صغيرة على رأسه يجفف بها شعره الكثيف .. وجد يدان تمتدان على يديه تساعده فى تجفيف شعره بالمنشفة و التى يعلم أنها لقطته التى أستغرب وجودها فهى عادة فى هذا الوقت تكون مشغولة بوضع الطعام على السفرة .. أزالت زهرة المنشفة عنه ووضعتها جانبا ثم أجلسته دون كلام على الكرسى الخاص بطاولة الزينة و مشطت له شعره الكثيف و هى تضع كل تركيزها بهذا الأمر بينما هو ينظر لها مبتسما بمحبة على تلك القطة التى تدلله كحبيب و تتجاهل تماما ببرائتها ضئالة جسدها أمام ضخامة حجمه .. انتبهت زهرة له و هى تنظر له من خلال المرآة ثم اتجهت إلى زجاجة المسك التى تحرص دائما على التعطر به ووضعت منه على يديها و تمسح به على أماكن النبض عند حبيبها ثم أعادت على وجنتيه و رقبته الأمر الذى جعل الأصلان يغمض عينيه استمتاعا برائحة المسك و استنشق منه نفسا عميقا ثم أخرجه .. بعدها فتح عينيه و امتدت يداه لخصرها يجلسان على قدميه فضمته لصدرها فترة قلقا عليه .. خرج من بين ذراعيها و قبلها على جبينها و شفتيها حبا لتلك الصغيرة التى ملكت قلبه و ليس شغفا فهو يعلم يقينا أنه ليس هناك من وقت لذلك حيث ينتظرهم أفراد الأسرة على الغذاء لكنه سألها بعد أن وجدها تتأمله بحب
– مالك رورو .. فيكى إيه ؟؟
إلا أن قطته أجابته بسؤال آخر ينم عن قرأتها له جيدا :
– حزين ليه أصلان ؟ .. إيه اللى ضايقك ؟
– أجابها متنهدا : مشاكل فى الشغل .
مسحت بيدها على صدره قائلة بابتسامة رقيقة
– إن شاء الله مش هيحصل إلا كل طيب .. الأول تأكل و تريح شوية
و بعدين نشوف إيه موضوع المشاكل ده ” ثم أكملت ببراءتها و صدقها”
متخافش أصلان أنا هفضل صاحية معاك مش هسيبك إلا أما أتأكد أن
الموضوع أتحل .
لم تكد زهرة تكمل حديثها إلا و انفجر أصلانها ضاحكا على قطته ولم يسعفها الوقت أن تسأل عن سبب ضحكه و وجدته يلتهم شفتيها بشغف ضاربا بعرض الحائط من ينتظرهم و انتقل من شفتيها بعد أن خنقته ضحكته ثانية إلى ملامح وجهها البهية ثم أسند جبينه على جبينها ناظرا إلى عينيها و فى عينيه لمعة عاشق لتلك التى تواجهه .. يحمد الله مئات المرات فى نفسه عليها تلك التى جاءت له فى شكل رحمة بعد أن كاد يلتهمه عذابه و جلده لذاته لتخرجه من شرنقته التى دفن بها نفسه إلى النور بل لتخرجه إليها هى و لولا بعض التعقل الذى لا يعلم كيف أحتفظ به فى أثناء وجودها معه لقبل أخته إسراء على فعلتها و التى كانت سببا لالتقائه بها ………..
– أصلان ….. أصلان ….
– همممممم .
– الغدا .
أشار لها دلالة على موافقته و أخرجها من بين ذراعيه واتجه معها إلى أسفل
حيث باقى أفراد اﻷسرة يلتفون حول مائدة الطعام .. الجد يهدئ من أسامة المتذمر بسبب منع السيدة نعمة له من تناول الطعام إلا بعد أن يكتملوا جميعا لتناول الطعام .. وكان يتغيب أصلان و زهرته و من خلفهم يأتى محمد و على يديه بودة الذى أصر على الصعود مع أبيه عند إبداله لملابسه ..صمت أسامة فجأة بعد أن رأى أصلان و زهرة و محمد و بودة و شرع فى تناول الطعام حتى لم ينتظر جلوسهم مما دفع الجميع للضحك عليه .
أجلس أصلان زهرته على المقعد المجاور له و قربه من مقعده بشدة وكأنهم ملتصقين .. قامت كعادتها بوضع أصناف الطعام المختلفة أمامه و التى تفننت فى صنعها من لحم و أرز بالخلطة و قطع رقاق و مكرونة بالبشاميل ولم تنسى الشوربة .. فكان طبقه لا يخلو أبدا كلما تناول منه مقدار ملعقة زادتها له ثانية الأمر الذى اعتاد عليه الآخرون كما لم تنسى عصيره بجانب الطعام .. أما أصلان فكان يتناول بشراهة و حب كل ما تضعه قطته أمامه .. استمرت اﻷحاديث الهادئة تتبادل على طاولة الطعام و التى تجاهل كل من أصلان و زهرة معظمها إلى أن قال أسامة الذى انفجر
حانقا بعد أن كان يتابع زهرة التى تضع الطعام ﻷصلانها
– أسامة حاقدا :
إيه يا بنتى .. بالراحة على الراجل مبيلحقش يبلع .
– خجلت زهرة و احمرت وجنتيها دون أن ترد عل أسامة إلا أن أصلان
رد عليه بعد أن ابتلع طعامه :
متسيبها يا بنى .. تعمل اللى هيا عاوزاه .. أنا أصلا جعان .
– أسامة صارخا بحنق :
جعان إيه .. دا أنت غلبتنى.
– قالت زهرة مؤنبة أسامة :
أسامة .. أصلان مأكلش حاجة من الفطار .. كده يدوخ .
– انفجر الكل ضاحكا عل جملتها ..أصلان ضخم الجسم و هى كالعصفورة
مقارنة به .
– أصلان هامسا بضحك لزهرته :
متخفيش رورو .. لما نطلع أوضتنا هوريكى أن صحتى كويسة .
– أسامة منفجرا فى تلك التى تدافع عن أخيه ظالما أو مظلوما :
كلنا مأكلناش من الفطار .. بس بالمنظر اللى إنتى بتزغطيه
بيه ده هيكلك و أنتى نايمة .. أنا بنبهك بس .. هاتى ..
هاتى اﻷكل ده اللى مش عارفة توديه فين ده .
– قربت زهرة الطعام الخاص ب أصلان لها و نظرت ﻷسامة بشراسة جعلت
أصلانها يبتسم من خوفها عليه مما جعله يوجه حديثه لسوما :
سوما حطيله أكل قدامه عشان يبطل غيرة .
– أسامة مدافعا عن نفسه :
أنا غيران .. غيران إيه .. لأ طبعا .. أه بصراحة غيران .. سوما
أكلينى زيهم .
– خجلت سوما و لم ترد إلا أن الجد قال محذرا :
خليها تعملها عشان أقطعلها إيديها.. لما تتجوزوا تبقى تاكلك
و فى بوقك كمان .
– السيدة نعمة : يا رب يدينى عمر و أشوفهم متجوزين .
– أصلان و أسماء : اللهم آمييين .
– أسامة رافعا يديه بدرامية :
يا رب .. يا رب .. يا رب .
ثم صمت قليلا ثم قال :
يا أم السعد .. يا أم السعد .. يا أم السعد
” مقلدا الفنان اسماعيل ياسين ”
مما دفع الجميع للضحك عليه حتى الجد .
– ثم قال الجد فجأة :
هتسافر أمتى يا أصلان ؟
صمت الجميع انتباهنا لحديث الجد و خاصة زهرة التى توقفت يدها و هى فى طريقها لوضع الطعام أمام أصلان الذى لم يفته ذلك .. والذى أخبر جده و هو ينظر إلى زهرته أنه سيرحل غدا فى السابعة صباحا مصطحبا معه محمد و كأنه يقول لها أن هذا هو الأمر الذى كان يشغله .. أما هى فقد توقفت اﻷنفاس داخل صدرها و اهتزت عيناها و أخفضت رأسها تدارى حالها عن اﻵخريين .. لم يخطر لها أبدا أن يفارقها أصلان ﻷى سبب الأمر
الذى أشعرها فجأة بوحدة شديدة .. فمع أنها محاطة بأفراد أسرته إلا أنهم جميعا لا يغنون عنه فهو أولا يليه اﻵخريبن .. بل هو وليس بالضرورة اﻵخريين .. هو الذى لم يستمع لباقى كلام الجد و ركز نظراته عليها يتابع ردة فعلها عن سفره ولم يفته اضطرابها و هو من يحفظ حركاتها و سكناتها و لم يخف عليه ضيقها والذى انتقل إليه بالتبعية .
انتهت وجبة الغذاء و انسحب الجميع واحدا يلو الآخر أولهم زهرة التى لم تأكل من طعامها شئ .. و تجمع بعدها أفراد الأسرة فى حجرة الجلوس يتناولون الشاى و العصائر و التى تبرعت زهرته بإعدادها تشغل نفسها عن خبر سفره .. ثم استئذنت الجد والسيدة نعمة فى أن تذهب إلى جناحها للراحة و صعدت مسرعة تهدئ من انقباص قلبها المتألم لرحيله ولم يستطع أصلان أن يتبعها امتثالا ﻷوامر الجد الذى طلب منه هو و أسامة و محمد الاجتماع بغرفة المكتب لمناقشة سير شئون العمل أثناء غياب أصلان و محمد و الذى يبلغ مدته ثلاثة أيام .. انتهى اجتماعهم حوالى السابعة يتبعه استئذان أصلان فى الصعود إلى جناحه بحجة السفر صباحا و انطلق مسرعا إلى جناحه يأخذ كل درجتين أو ثلاثة بخطوة واحدة .. دخل جناحه باحثا عن قطته و التى وجدها مكتومة على الفراش تبكى و هى تحتضن دبها الأبيض الذى يود قتله بشدة .. ذهب إليها و رفعها من الفراش و
أجلسهاعلى قدميه إلا أنها لم تنفصل عن الدب بل زادت فى تمسكها به و تخفى فيه وجهها عن الأصلان الذى انتزعه حنقا منه و رماه أرضا مما جعلها تخفى وجهها سريعا بكفيها حتى لا يرى بكائها فيشفق عليها من تعلقها الشديد به .
قربها أصلان أكثر من صدره و ناداها حتى ترفع وجهها له
– رورو .. رورو … ليه البكا ده حبيبى ؟؟ .. طاب ورينى وشك ..
رورو .. متخلنيش أسافر و أنا خايف عليكى .
قالت له بعد أن حاولت مرارا أن تتمالك نفسها و مازال وجهها مخفى عنه :
– أنا .. أنا .. مش زعلانة .. أنا كويسة خالص .. هى .. هى بس
عشان أول مرة .. لكن بعد كده .. بعد كده هتعود ..مش هضايقك.
ثم أفلتت نفسها منه و تكونت حول نفسها فى الفراش ولم تكد تمس الفراش حتى أنهضها ثانية يهزها بشدة حتى أنها لم تستطع مدارة وجهها الذى أحمر من البكاء عنه .. قائلا لها بصراخ و شدة :
– تتعودى .. تتعودى على إيه ؟؟ .. هاه .
ولما لم ترد عليه زاد من ضغطه على ذراعيها
– ردى عليا .. تتعودى على إيه .
تفاجأت زهرة من هيجانه و رمشت بعينيها مرات عديدة خوفا من غضبه و لم تستطع أن تنطق بشئ .. ليكمل هو و مازال يهزها حنقا منها
– تتعودى على إيه .. هاه .. عايزة تبعدى عنى .. متتعوديش على حاجة
.. أنتى فاهمة .. خليكى زى ما أنتى كده .. هى ظروف .. و إن
شاء الله مش هتتكرر تانى .
صمت و توقف عن هزها و صدرها يعلو و يهبط سريعا من انفعاله وهى صمتت تنظر إليه و كلاهما فوق الفراش .. ثم قال لها يعاتبها برقة لا تتواجد به إلا معها :
– كده رورو .. عاوزة تتعودى على بعدى .
تغضن وجهها و اهتزت شفاها دليلا على شروعها فى البكاء ثانية إلا إنه لم يعطى لها الفرصة و ضمها له كلها يجلسها على قدميه و تحاوطها ذراعيه يسند جبينه على جبينها .. تدارى هى عيناها عنه و يلتقط هو أول دموعها بشفتيه .. فانهمرت دموعها أكثر الواحدة تلو الأخرى و لم يتوقف هو عن إلتقاطها بشفتيه .. تنهدت هى بعد فترة و قد تورمت ملامح وجهها من البكاء و التمعت .. حتى لاحظ بداية سكونها فلم يمهلها فرصة بل ألتقط شفتيها يقبلها بهدوء خلفه حرارة و شغف و حزن و اشتياق لها حتى من قبل أن يتركها .. ثم انفصل عنها فوجدها هدأت تماما و تشابهت تعبيرات وجهها بتعبيرات وجهه تحملان حب مغلف بشغف و رغبة و احتياج جعل أنفاسها تضطرب و أنفاسه تتسارع و تجعله يعود لشفتيها يرتوى منها و تبادله هى أيضا و ترتوى منه .. لم يكتفى هو و نزل بقبلاته لرقبتها و لم تكتفى هى و تتأوه من إحساسها بلمساته و رغبتها بالمزيد و المزيد .. نزعها من حضنه
فجأة و أجلسها على الفراش يرمى شالها الحريرى على اﻷرض يتبعه ملابسها و ملابسه .. و أصبحت تلامسه بكل مكان من جسده ﻷول مرة و كأنها تريد أن تجعل يدها تحفظ ملامحه و كذلك هو الذى ظل يطلب منها باستمرار أن تلمسه لعلها تشفيه من شغفه تجاهها .. أخذت قبلاته تتوالى على كل ما لم تلمسه يده و استمرت وتيرة الأمر بينهما يشتد عليها أحيانا ويهدئ أحيانا أخرى حتى يحدث ما يجعله ينهى الأمر بينه و بينها .. فيبدأ مرة أخرى محاولا أن يهدئ من شعوره و رغبته و احتياج جسده إلا أنه فى كل مرة من المرات التى ارتوى فيها منها تبادله بما يجعله يعدل من رأيه و يزيد عليها .. بعد أن انتهى من المرة الثالثة وجد أن جسده لم يكتفى بعد و أنها ذائبة بين يديه تعطيه المزيد و تطالبه بالمزيد و المزيد .. فخاف من نفسه و خاف أن يغشى عليها فهى لم تتناول طعام من الغذاء والذى لم تكمله بسبب خبر سفره و جسدها ضعيف دون شئ مما جعله ينتزع نفسه منها و هو يعلم أنهما بوقت لا يمكن فيه الانفصال عن بعضهما .. حاله سئ جدا يحاول السيطرة على أنفاسه الهائجة كذلك هى صدرها مضطربة أنفاسه و أدمعت عيناها لاختياره اللحظة الخاطئة جدا جدا للابتعاد .. إلا أنه ألزم نفسه بشدة و هدر بها طالبا منها أن ترتدى ملابسها بسرعة و هو يدور حول نفسه محاولا التركيز لالتقاط ملابسه أما هى فمن المفاجأة التقطت ملابس جديدة من الخزانة من بنطلون منزلى قطنى كاروهات اسود و أحمر و تيشرت أبيض عليه قطة حمراء .. امسكها من يدها متجها بها خارج الجناح و كأنه يهرب من شبح ما و انزلها متجها بها إلى المطبخ و هى خلفه تمسح دموعها بيدها الحرة .. أنار إضاءة المطبخ المظلم و ألتفت لها وجدها تبكى بصمت و تضع رأسها أرضا .. حملها من خصرها واضعا إياها على طاولة المطبخ و اتجه المبرد ينظر به ثم سألها بصوت حاد فقد صبره عما ترغب بأكله فأشارت له برأسها أنها لا ترغب مما جعله يهدر بها :
– مأكلتيش حاجة من الضهر .. و وشك أصفر .. هيجرالك حاجة
” ثم هدأ صوته و رجعت به رقته المعتادة معها فقط ”
عاوزة تأكلى إيه ؟؟
لم ترد أن تأكل شئ فآخر ما يدور ببالها هو الطعام فى هذا الوقت إلا أنها لا تريد أن يزيد من لومه لنفسه فأخبرته دون أن تنظر للمبرد أنها تريد أكل آيس كريم .. و مع أن خيارها للمثلجات كطعام لم يعجبه إلا أنه قلبه أعلمه أنها لا ترغب فى الطعام لولا خوفها منه مما جعله يرضى بأى شئ تختاره حاليا .. أخرج علبة المثلجات التى يعلم أنها لم تدخل البيت إلا من أجلها لشدة حبها لها خاصة نكهة الفانيلا و الشوكولا و الكراميل و التى للأسف تناسبها بشدة .
ناولها أصلان علبة المثلجات ومعها ملعقة وسكب له عصير وشرب منه كوبان لشدة عطشه و بعض الفاكهة لعدم رغبته فى الطعام أيضا .. جلس أصلان عل كرسى خاص بطاولة المطبخ يتناول الفاكهة ويتابع تلك التى تتناول مثلجاتها صامتة ولم ترفع رأسها له .. يعلم أنه قسى عليها قليلا و لكن دون إرادته بسبب حنقه من نفسه فهو دائما ما يراعى صغر سنها و ضعف جسدها فى كل شئ إلا شوقه و رغبته بها و الذى لا ينضب أبدا .. فهو رجل على مشارف الأربعين من عمره يعشق بجنون و يرغب بشدة إلا أن ضخامة جسده و قوة بنيته تقف عائقا له فى مقابل ضعف جسدها و رقة بنيتها .. ينسى نفسه و يغرق بها أحيانا يستفيق على نفسه كما اﻵن و غالبا ما يغيب فى شوقه .. نظر لها ثانية فوجدها توقفت عن أكل المثلجات و سرحت بعيدا .. نهض من مكانه و سحب علبة المثلجات منها يعيدها لمكانها ووقف أمامها يعيد على نفسه وعوده بالاكتفاء منها إلا أنه وجد قلبه وجسده الخائنين يقتربان منها حتى وصل إلى أن يقف بين قدميها التى تشكلتا بشكل تلقائى حول خصره .. امتدت يده ترفع وجهها الذى اشتد اختناقه من كتمها
لبكائها .. نظرت له معاتبة و نظر لها مراضيا .. لم ترضيها نظراته فوجد نفسه يرضيها بشفتيه التى انطبقت على شفتيها تتحرك ببطء ثم بشغف جعله يلتهم شفتيها الورديتين بحرارة جعلت دموعها تلامس شفتيهم .. فصل قبلته واضعا جبينه عل جبينها يتنهد برغبة و عذاب ثم قبل كافة وجهها بقبلات صغيرة كرفرفة الفراشات .. فقالت له قطته من بين قبلاته بصوت هامس :
– ودينى أوضتنا أصلان
ورفعها أصلان بين ذراعيه متجها بها إلى جناحهما سريعا ليكمل ما قطعه فقطته ترغب بإكماله أكثر منه .
انطلق آذان الفجر و الأصلان على فراشه يحتضن قطته بين ذراعيه يملس على شعرها تارة وعلى جسدها تارة أخرى .. وضعها على الفراش برفق واتجه للحمام يغتسل ويستعد للصلاة .. بعد الانتهاء من صلاته وجد قطته تنهض من فراشها تستعد للصلاة هى الأخرى بعد أن فقدت دفء أصلانها و اتجه هو إلى مصحفه يقرأ ورده اليومى و لحقت به قطته أيضا فهما روح
واحدة بجسدان فلهم نفس الطباع .. ولم ترغب بإضاعة أى وقت بعيدا عن أصلانها .. بعد انتهائه من ورده اليومى أقترحت عليه زهرة أن يستريح قليلا حتى موعد سفره و انصاع لها أصلان و اتجهت هى للقسم الآخر من الجناح تعد له حقيبة سفره و تجهز له ملابسه ثم اتجهت للمطبخ لتحضير الفطار و لأول مرة تفصل طعامهم عن طعام الأسرة .. و اتجهت بصينية مملؤة بما لذ وطاب من الطعام و لم تنسى عصيره و الدواء الخاص به ثم اتجهت بها لجناحها.. حيث وجدت أصلانها مستيقظا و بكامل ملابسه التى أعدتها له زهرة مسبقا .. شعرت بغصة فى حلقها تعود ثانية عندما وجدته على وشك الرحيل ولكنها تمالكت نفسها أمامه حتى لا تزيد الأمر عليه فملامح وجهه العابسة لا تختلف عن وجهها كثيرا مما جعلها ترسم على وجهها بصعوبة ابتسامة ظهرت باهتة لكنها أفضل من لا شىء و تقدمت تضع الفطار الذى أعدته له على طاولة بالقسم الآخر من الجناح .. تقدم ذلك الذى يأكله قلبه لتركه لقطته يجلسها على قدميه و يتناول معها الطعام الذى لم يتناول أى منهما منه كثيرا ف الأصلان لا يدع فرصة إلا و تلمس خصرها أو شعرها أو قبل وجهها و زاد من احتضانها .. إلى أن أفلتت
نفسها منه قائلة له :
– أصلان .. و بعدين …. أنت مأكلتش حاجة
– مش عاوز حبيبى … خليكى فى حضنى شوية على ما أمشى ..
وبعدين فين قهوتي .
– بعد الأكل أصلانى .. أحضرهالك و تشربها مع ماما و جدى ..
عيب منهم كفاية إننا مافطرناش معاهم .
– أصلانك رورو ………..
– أمممممم أصلانى … …….. أصلان .
– نعم حبيبى ؟؟
– متتأخرش عليا هما تلت أيام بس .. “أدمعت عيناها ”
أموت لو أتأخرت أكتر من كده .
– “أصلان بفزع و ضمها له بشده ” بسم الله عليكى من الموت
حبيبى .. متقوليش كده تانى حبيبى .2
ضمت زهرة نفسها له .. و خرجت معه من الجناح وجدا محمد ينزل أمامهم و هو يلعن إهمال أسماء و نومها .. ألتزم أصلان الصمت ولكنه فى نفسه يقدر تلك الصغيرة التى لم توفر أى جهد لراحته و الاعتناء به أكثر من أى أحد بحكم أنها ضلعه و أقرب إليه من نفسه .. اتجه لغرفة الجلوس معها و يقوم بتحية جده و أمه و محمد الذى سبقهم كذالك زهرة .. ثم اتجهت هى
ﻹحضار القهوة للجميع و قدمتها لهم ثم خرجت ماعدا محمد الذى تحرج من الأمر و تعجب الكل من ذلك ماعدا أصلان الذى يقرأ قطته و يفهمها أكثر من نفسه والتى سرعان ما عادت لهم تحمل الفطار لمحمد ووضعته أمامه دون حديث .. شكرها محمد وتناول إفطاره ثم بعدها ناولته زهرة قهوته أثناء الأحاديث المتبادلة بينهم ثم ودعهم أصلان و محمد و اتجهوا لسفرهم تحت نظرات زهرة والسيدة نعمة الداعية لهم .. أما الجد فلم يفته موقف زهرة مع محمد كذلك السيدة نعمة التى عزمت على التحدث مع أسماء بعد أن تستيقظ ثم احتضنت زهرة تلك الفتاة رقيقة القلب و أجلستها بجانبها و أكملت حديثها معها هى و الجد .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زهرة الأصلان)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى