رواية زحليقة إلى زحل الفصل العاشر 10 بقلم آية محمد رفعت
رواية زحليقة إلى زحل الجزء العاشر
رواية زحليقة إلى زحل البارت العاشر
رواية زحليقة إلى زحل الحلقة العاشرة
لحظة الوداع بينهما كانت غريبة، والاغرب إنهما لم يجمعهما سوى يومًا واحد، الرحلة بأكملها كانت أغرب من الخيال، وإن قصوا ثلاثتهم ما حدث لهم بعد سفرهم لأمريكا لن يصدقهم أحدٌ، ربما ينعتهم الجميع بالجنون، فالامر لن يزداهم الا سوءًا، هبط مؤمن ومسك المركبة، وافترشوا أرض الغابة، يلامسون الأعشان بعدم تصديق بأن رحلتهم المريبة انتهت، والآن عادوا للموطن، بينما مازال يونس بالداخل يجلس محله، وكأنه يرى أن بهبوطه سيخسر الراحة والسكينة التي يشعر بها لجوارها، فقال بارتباكٍ اغتاب صوته الرجولي العميق:
_هل انتهت الرحلة؟
أشارت له ببسمة رقيقة:
_نعم، لقد انتهينا.. اخبرتني بمكان النزال مقابل مساعدتي لك بالعودة.
واسترسلت بنبرة دافئة:
_فلتغادر برفقة عائلتك الآن.
رسم بسمة باهتة يخفي بها حزنها الغريب، وقال:
_وماذا عنكِ؟
جذبت صندوقًا طويل مغلق، فأخرجت منه سهمًا أزرق اللون، يحمل بمنتصفه بلور أسود اللون منيرًا باشعة ذهبية اللون، وقالت وعينيها لا تفارق المكان الخاص بخيمة مؤمن بعد أن حددت هدفها عبر جهازها الخاص:
_سأتخلص من قوة إرثا للأبد.. وحينها سيشمل أهل مملكتي السكينة والرخاء.
واستقامت بوقفتها وهي تخبره بتحذير:
_ما عليك سوى المغادرة بصحبة مؤمن ومسك.. ابتعدوا بمسافة آمنة حتى لا يصيب أحدٌ الأذى.
هز رأسه بتفهمٍ، واتجه للباب الدائري ليغادر، توقف فجأة واستدار اليها وهو يخبرها ببسمة جعلت بريق عينيها يتأجج بغرابة:
_شكري لكِ مهين على ما قدمتيه لأجل عائلتي.. علي الاعتراف انكِ محاربة شجاعة ولكنك عنيدة.
ضحكت بصوتها الرقيق، واحنت رأسها وهي تشير له:
_حسنًا سيد يوناس.. وأنت لا بأس بك في استخدام أسلحة المركبة رغم ما تسببته من خسائر أصابتها بالعجز ولكن الأمر ليس بهذا السوء.
وهبطت من المركبة، فلحق بها وهو يتساءل باستغرابٍ:
_ماذا ستفعلين بها؟ هل ستتركينها هنا!
فهمت مقصد حديثه، فاستدارت تجاه مركبتها وحررت قلادة عنقها ففتحتها وقالت وهي تضغط على زرها الجانبي:
_سأحملها معي.
ذُهل من جملتها المضحكة، ولكنها اصابته بالدهشة حينما تقلص حجم المركبة لتصبح لا ترى بالعين المجردة، فحملتها زاد ووضعتها بالقلادة، ثم ارتدته كطوق حول رقبتها، وحملت سلاحها على كتفيها وهي تشير له:
_ دعنا لا نضيع وقتًا أكثر من ذلك، عليك بالابتعاد عن هنا في الحال.
وتركته يراقبها واستكملت طريقها، راقبت زاد كيف تستهدف برمحها اصابة مؤكدة تضمن وصول سلاحها الفتاك اليهم، لا تمتلك سوى سهمًا واحد يحتاج لمجازفةٍ خطيرة، فراقبت المسافة القريبة لفعلتها، فاختارت الصعود لتلك الشجرة القريبة من الخيمة، ثم ثبتت الرمح، وراقبت المسافة بحذرٍ واصابعها تشدد من جذب السهم المضيء.
******
ركض ثلاثتهم بعد أن جذبوا حقائبهم الصغيرة التي تحتوي على أوراقهم الخاصة، ركضوا على مسافة بعدتهم عن مكان خيمتهم كثيرًا، حتى خرجوا للطريق الرئيسي، فأوقف يونس الحافلة التي تنهب الطريق بسرعةٍ فائقة، صعدت مسك ومن خلفها مؤمن، ولم يتبقى سوى يونس، كادت الحافلة بالتحرك ومازال يونس يقف محله، فأشار له مؤمن:
_انت لسه بتفكر في أيه، اركب!!
أغلق يونس باب الحافلة واشار لمؤمن بحزمٍ:
_طلع مسك من هنا واوعى ترجع مهما حصل.
صرخ به وهو يحاول فتح باب الحافلة:
_أنت مجنـون!! … يونس اركب فورًا.
هرع يونس للغابة مرة أخرى، فتحركت الحافلة بهم وكلاهما يراقبونه بصدمة وعدم استيعاب ما فعله للتو!
******
حددت بعينيها هدفها، وبقت تلك اللحظة الخاطفة تفصلها عن تدمير الوكر الأخير، سحبت “زاد” السهم بكل قوتها، وأطلقته لقلب النزال السري، فما ان اصابت هدفها حتى اهتزت الأرض من أسفل قدميها، فجوفتها هالة ابتلعت الوكر بمن داخله، وسحبت الاشجار من حولها، حتى الشجرة التي كانت تتعلق بها، حاولت زاد السقوط عنها لمكانٍ بعيد، ولكنها لم تتمكن من ذلك، تلك الهالة تستحوذ على قوة شرسة يصعب التغلب عليها، حاولت تسلق غصون الشجرة التي تتدحرج أرضًا فتفاجئت بيونس يقف على احد أغضان شجرة بعيدة عنها والى حدٍ كبير بامانٍ عن المنطقة التي استهدفتها، وجدته يقذف اليها حبل غريب، امسكته بيدها بعدم فهم لما يود فعله بما يحمله، صرخ بها بصوت صاخب:
_تمسكي جيدًا به.
ربطته حول جسدها، فوجدته يجذبها إليه بكل قوته، انحنى اليها ليعاونها على تسلق الشجرة التي يعتليها، كان مجبر على أن يمسك بيدها حتى لا تسقط لموتها المحتوم من أسفل قدميها، جذبها للاعلى فتعلق كلا منهما بجذع الشجرة، التقطت زاد نفسًا مطولًا قبل أن تتساءل بدهشةٍ:
_لماذا عدت مجددًا؟
منحها نظرة ساخرة من سؤالها الغريب بعد ما قدمه لها من مساعدة، فقال بتريث وكأنها قدمت شكرها لما فعله لاجلها؟
_على الرحب والسعة.
شعرت بالحرج لما تفوهت به، فولا تدخله لما كانت على قيد الحياة حتى تلك اللحظة، أسرعت خلفه وهي تشير اليه:
_حسنًا.. أشعر وكأنني لم أكن منصفة بحقك، علي الاعتراف بأنني قد نجوت بفضل مساعدتك لي.. لذا أشكرك.
والقت بجسدها بعيدًا عن الاغصان حتى استقامت بوقفتها أرضًا، فلحق بها يونس وهو يسألها بفضولٍ:
_والآن ماذا سيحدث؟
قالت بحزن غلف نبرتها القاتمة:
_لا أعلم.. ولكن ما انجزته هنا يستحق الاحتفال.. وأخيرًا وضعنا حدًا لتلك الوضيعة.
ضحك على كلماتها، وصحح لها بمزحٍ:
_بل الدميمة ذات الألف جرام!
وأشار لها تابعًا مزحته:
_لم أرى يومًا امرأة تمتلك كل تلك الدهون في حياتي.
انفجرت من الضحك حتى توردت وجنتها، فأكد لها بجدية:
_انها سمينة للغاية حقًا.. والأبشع من الحُلم اختياري للزواج منها!
وهمس بصوتٍ ظنه غير مسموع:
_ابتعدت عن فتيات الكرة الارضية لتصبح ذات الشحم زوجتي!!
فشلت بالسيطرة على ضحكاتها، وبصعوبة قالت:
_كنت سأسالك نفس الشيء، لماذا اتيت هنا بمفردك.. أعني بأن مؤمن تزوج وسافر برفقة زوجته لماذا لم تفعل مثل الشيء؟
تعمق بالتطلع لحدقتيها، وخطف عينيه بعيدًا وهو يخبرها:
_لا أعلم.. ربما لم أجد الفتاة التي تثير فضولي يومًا!
واتجهت عينيه التائهة اليها وهو يخبرها بمكرٍ:
_هل أخبرتك بأنكِ قد أثارتي كل ذرة فضول داخلي أم اندمجت مع تلك الاحداث الخيالية.
ابتسمت وهي تشير له بخبث:
_لا لم تخبرني بذلك.
انفض الغبار عن كف يديه وهو يخبرها بوجومٍ من ردها القاطع:
_حسنًا لأخبرك الآن بأنكِ تعنين لي الأكثر من ارضاء فضولي لمعرفتك عن قرب.
وتابع بمكر:
_أشك أن الأمر تخطى حاجز الاعجاب بيننا.. وبعد تفكير وجدتني صائب في قراري.
تساءلت بعدم فهم:
_أي قرار هذا؟
قال وهو يعدل من ثيابه ببرود تام لا يتناسب مع ما يخبرها به:
_ان أتزوج بكِ.. على كل حال انتِ فقدتي طريقك الآمن للعودة لكوكبك، وبالطبع لن تجازفين على تلك المخاطرة للصعود بمركبتك للأعلى.. فكما أخبرتيني سابقًا يسهل الهبوط من زحل لأي كوكب أخر، ولكن العودة أمرًا شبه محال، لذا أنا هو خيارك الوحيد والأمثل هنا، الخيار الأخر لا أنصحك به فالبقاء وحيدة بعالم لا تعلمين به شيئًا أمرًا خطرًا للغاية عزيزتي!
سد عليها ألف طريق ستلجئ له، وأي اختيار سيكون مناسب لها سوى البقاء بصحبته، لن تكن بعقلها لتختار البقاء وحيدة حتى أخر حياتها، أتمت مهمتها وواجبها تجاه كوكبها على أكمل وجه، وهي الان تواجه عزلة قد تبتلعها هنا، وعليها أن تكون صادقة مع ذاتها، هناك شيئًا ما يتحرك داخلها ناحية يونس منذ أول لقاء جمعهما، رسمت بسمة صغيرة على شفتيها واخبرته:
_وكأنني اقتنعت!
اقترب يونس منها ثم اسبل بعينيه وهو يهمس لها:
_حسنًا.. لأخبرك الصدق اذًا.. لا اعلم ما الذي أصاب قلبي البائس منذ رؤياكِ، وكأنكِ تستهدفيني بكل قوتك وما أنا الا بعاجز وقع بغرامك منذ أول لقاء وإن كان بمثابةٍ خطرًا عظيم لحياتي، وما إن نجوت تبدل الخوف بداخلي لاعجاب بفتاة شرسة كانت تود قتلي منذ قليل!
وغمز لها بحبورٍ:
_والآن هل ستنضمين لي.
هزت رأسها باستحياءٍ، فقال وهو يطوفها بنظرة متفحصة:
_علينا أولًا أن نخفي معالمك قليلًا قبل أن نتوجه لمنزل فتح الله!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زحليقة إلى زحل)