رواية زحليقة إلى زحل الفصل الثاني 2 بقلم آية محمد رفعت
رواية زحليقة إلى زحل الجزء الثاني
رواية زحليقة إلى زحل البارت الثاني
رواية زحليقة إلى زحل الحلقة الثانية
الفصل الثاني..
(فن إختيار العروس!..)
كعادة الأم المصرية باستقبال عريس قادم لرؤية ابنتها، قامت فاطمة وابنتها مسك بتنظيف المنزل جيدًا استعدادًا للضيف الهام، فقضوا يومهما الطويل بتنظيف غرفة الضيافة والمنزل بعناية، وبالمساء عاد يونس من الخارج بعلبٍ الحلوى الباهظة، وزجاجات المياه الغازية، وغيرها من التسالي، فولج للمطبخ ثم وضع ما بيده على الطاولة المستديرة المتوسطة للمطبخ الصغير، وقال بلطفٍ وهو يمنح والدته بسمة صغيرة:
_الطلبات أهي يا ست الكل شوفيها لو ناقصة حاجة مؤمن بره هبعته يجيبها.
انتهت من صنع أطباق حلوى (المهلبية)، ثم جففت يدها بالمنشفة الصغيرة، ودنت منه لتتفحص ما أحضره ابنها، وبحنان زائد ربتت على كتفيه العريض وهي تخبره بابتسامةٍ مشرقة:
_مش ناقص حاجة يا حبيبي.
هز رأسه وهو يردد:
_طب الحمد لله.. هخرج أقعد مع مؤمن لحد ما الناس توصل.
أوقفته وهي تشير للشعلة الصغيرة:
_خد قهوته وأنت خارج.. كنت محضرهاله.
اتجه يونس اليها، فسكبها بفنجان صغير، ثم خرج بها لمؤمن، فوجده يلهو بڤازة الورد الصغيرة، حتى مزق ورقاتها وألقاها بعشوائيةٍ، برق بعينيه وهو يلتفت خلفه ليتأكد من انشغال والدته بالداخل، فهرع اليه، وضع الكوب عن يده وهو يصيح بصدمةٍ:
_يخربيتك بتعمل أيه؟
أجابه بضجرٍ وهو يلاقي أخر ورقة بالورد البلاستيكي:
_بشوف حظي زي اللي بيشوفوا وكالعادة طلع منيل بنيلة!
انحنى يونس بجسده الممشق الممتد صدره وذراعيه بالعضلات الغير مبالغ بها لهوسه بالذهاب للجيم التابع لاحد أصدقائه، على عكس مؤمن كان يملك جسد طبيعي للغاية ولكنه لم يكن بالسمين، حمل يونس الاوراق من الأرض سريعًا واتجه بها لسلة المهملات، كاد بألقاها ثم عاد بها وهو يردد بصوتٍ كان مسموع لمن يتابعه بحيرةٍ من استكشاف امره:
_أوديهم فين دلوقتي.. منك لله مسك لو شافتهم هتعلقك مكان النجفة دي بتاعت جهازها بتطلعها للغالين وبعد كده بترجعها في الشنط تاني.
ذم شفتيه ساخطًا:
_خليها تلم العدة وتفردها كل ما عريس يجيلها… أهو تجدد وتشتري الحديث لان مفيش عريس هيسلك معاها بشرطها الخايب ده.
واسترسل بمنطق ظنه مفهوم لمن يحدق به:
_هي الناس لاقية تأكل عشان يسافروها أمريكا! حلمها غريب أوي بصراحة، البنات بتحلم ببوكيه ورد، علبة شوكولاتة غالية ودي طالعه السما.
جذبه يونس من تلباب قميصه الأبيض، فجحظت عين مؤمن الذي تخشب جسده بين يد ابن عمه، وردد برجاءٍ:
_القميص مكوي عند عمي اسماعيل ب١٥ج، ايدك بعيد عن القميص لانادي على فتحالله يطلعلك من تحت بالشومة!
وضع يونس الورقات بجيب قميصه العلوي، ونسقها لتبدو ظاهرة لمن تقف قبالته، ابتسامته الماكرة منحت مؤمن نبذة مختصرة عما يود فعله، فلف جسده تجاه من تفتح بابها وتستعد للخروج، جحظت عينيها البنية في صدمةٍ، وهي توزع نظراتها بينه تارة وبين الڤازة المنتزع فروعها، فاقتربت منه وهي تردد من بين اصطكاك أسنانها:
_أنت اللي عملت كده في الڤازة؟
هز رأسه يسارًا ويمينًا، فاتسعت حدقتيها بشكٍ جعله يعود لهزها للأسفل، فضربت مقدمة المقعد الفاصل بينهما وهي تصيح بجنون:
_ليلتك سودة يا مؤمن ده أنا شاريها من العباسي ب١٣٠ج، قسمًا بالله ما أنت نازل من هنا الا لما تدفعهم.
تحرر لسانه الثقيل عن طلتها التي اكتسبت اعجابه، فستانها الزهري الطويل، وحجابها الأبيض الذي تدلى من خلفها بنعومةٍ، وجهها الذي يحتفظ بالقليل من ادوات التجميل، رموشها الطويلة التي زادتهم هي طولًا فبرزت جمال لون عينيها الشبية للون الهرة، ريثما هي القطة البيضاء التي تمتلك عينين أجمل من كل ما رأهما في رحلة تصنيفهما بلقب القط والفأر كالمعتاد، من تكون تلك الحورية ليصنفنها بالفأر، بل هو الفأر والابشع من ذلك إن تطلب الأمر، كان عليه أن يسترد هيبته التي اطاحها تعصبها الشديد، لذا قال بمشاغبةٍ:
_ما تهدي يا عروسة للبهيه تسيح قبل ما العريس يجي، مكنتش وردتين لعبت بيهم دور البائس وأنا قاعد كده، اهدي كده وخدي نفس عميق عشان الواد اللي جاي يعين ده!
ادلت شفتها السفلية وتشدقت قائلة:
_خد أنت نفس عميق وأنت بتتكلم عني وعن جمالي، الظاهر إنك من كتر ما بتتعامل مع البهايم والحيوانات بقت متفرقش عنهم!
استدار برأسه ليونس الذي يحتضن رأسه بألمٍ شديد، واستحضره ليشهد على وقاحتها:
_شوفت أختك بتقول أيه؟
كز على أسنانه بغيظٍ جعل صوته محتقن:
_شايف وسامعك أنت كمان.. أنا امنيتي في الحياة كل واحد منكم يتجوز ويغور من هنا عشان أنا اللي ارتاح.
تعالت ضحكات مؤمن وقال بتسليةٍ:
_هتستريح فين وأنا شقتي فوقك بالظبط، وبعد كده لما تتجوز هتطلع انت في الدور اللي فوقي، زي دلوقتي انت فوق وانا تحت مع فتحالله، يعني بالعربي يبقى الوضع على ما هو عليه للممات يا ابن عمي.
التقط نفسًا مطولًا ثم انسحب لأبعد أريكة، فأخرج هاتفه ووضع سماعته الخارجية بأذنيه ليتغاضى عن تلك المعركة التي تحتد لأبعد حد، وانتهت بصياح مؤمن وهو يشير اليها بعنفوانٍ:
_يعني الوردة دي اللي مزعلاكي!
_آه هي.. بعد كده متمدش ايدك على شيء يخص جهازي.
أشار لها بابتسامةٍ واسعة وقال وهو يتجه للطاولة مجددًا:
_بس كده عيوني.
وانحنى يجذب الڤازة ثم قذفها تجاهها وهو يصرخ:
_أدي الڤازة العرة ام ١٣٠ج ولا تسواهم.
سقط الڤازة أرضًا أمام قدم العريس المنتظر في نفس لحظة اشارة الجد له بترحابٍ، بعدما اصطحبه للاعلى مرددًا:
_اتفضل يا حبيبي بيتك ومطرحك.
سقط الورد أسفل قدم الشاب، هرولت مسك لغرفتها بينما حان من الجد نظرة نارية لمؤمن، وقال ببسمة مصطنعة يخفي خلفها حرجه:
_فرشنلك الأرض ورد من محبتنا فيك.. اتفضل يا حبيبي اتفضل.
وأشار ليونس باتباعه لغرفة الضيافة، فتفاجئ به مغلق العينين والسماعات مازالت موضوعة بآذنيه، أشار مؤمن لجده بأنه سيتوالى أمره، فجذب الوسادة الصغيرة ودفعها لتصيب وجه يونس، الذي فتح عينيه الملتهبة بجحيم غضبه الحارق، فاقترب منه وقد تخطى الغضب محتجزه، ابتلع مؤمن ريقه بارتباكٍ فتراجع للخلف وهو يشير له على الغرفة:
_جدك عايزك العريس وصل.
لف يده حول رقبته وردد بحنقٍ:
_لو شوفتك جوه هرميك من شباك المسقط.
تهديده قذف اليه مشاهد بائسة من طفولته، حينما كان يحمله يونس كشوال البطاطا ويقذفه من النافذة التي تنحدر على طرف المنزل فكان يسقط بالطابق السفلي كثمرة البطيخ التي تتناثر أجزائها بكل اتجاه، لعق شفتيه عله يمنحهما رطوبة تمحي جفائهما وتسلل من بين يديه ليجلس على المقعد، ثم جذب قهوته يرتشفها على مهلٍ وهو يخبره ببسمةٍ مصطنعة:
_خلص وأنا هنا مستنيك.
لاح على وجه يونس بسمة انتصار، فمنحه نظرة عنجهية أخيرة قبل أن يتابع خطاه الثابت للداخل، تابعه مؤمن حتى اختفى من أمامه فإشرأب بعنقه وهو يسبه:
_أياكش تقع وتنكسر رقبتك يابو طويلة يا أهبل!
وعاد لمقعده بابتسامة رضا لما فعله، وكأنه استرد حقه أمام ما فعله يونس، وما هي الا ثوانٍ وانتبه مؤمن لمسك تتسلل على أطراف أصابعها حتى وصلت اليه فقالت ببسمة حماسية:
_ها.. حلو؟
ضيق عينيه باستغرابٍ:
_هو مين؟
اجابته بانفعالٍ:
_العريس!
بسخريةٍ ردد:
_مستعجلة على أيه الوقتي تدخليله.. الشيء الوحيد اللي حلو في الليلة إنه هيملي كرشه وهينبسط من واجب الضيافة أصل العريس يا عين أمه محتاج تغذية، تحسيه عمود نور واخد وش بهية نبيتي!
واسترسل قائلًا بتريثٍ:
_المفروض نكتب على البيت من تحت اننا فاتحينها معونة للعرسان البهتنين، كل عريس يجي يتأوت هنا أكل وشرب وبعدها يترفض بذمة.. ما من الأول من غير ما تكلفينا تورته وجاتو وحاجة ساقعة ولب وحلويات انتوا ماشين بمبدأ خش خد ضيافتك وعين واخرج وانت ساكت!
لم يثير حديثه غضبها تلك المرة، استمعت اليه وما أن انتهى قالت ببسمة واسعة:
_وهرفض ١٠٠ لحد ما ألقي الشخص المناسب اللي يحققلي حلمي ويوديني شهر العسل في أمريكا.
ضرب كف بالأخر وهو يردد:
_لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم، أفهمها ازاي دي يا ربي!
وعاد ليشير لها بانفعال:
_يا حبيبتي دي مواصفات خارج قاموس البشرية نفسها مش العريس المصري الشقيان!
واسترسل بعد تفكير:
_خلاص وقعي ثاري عربي في غرامك أهو وقتها الحلم هيكون على قد اللحاف!
قاطعت فاطمة حديثهما، حينما أشارت اليهما بالاقتراب لحمل الصواني التي أعدتها بعنايةٍ، فحمل مؤمن صينية الحلويات، بينما حملت مسك المشروبات، وانصتت الى والداتها التي تهمس لها بالتعليمات المعتادة:
_خلي ابن عمك هو اللي يدخل الأول، وانتي وراه… ومتصحكيش كتير أنا عارفاكي هربانه منك.
هزت رأسها فعادت لتسترسل بتحذيرٍ هام:
_وأوعي أوعي تجيبي سيرة أمريكا والسفر والجنان بتاعك ده…سامعة يا مسك.
عادت لهز رأسها، فضحك مؤمن ثم قال بمرحٍ:
_أول ما هيقعدوا لوحدهم عيدي لحد تلاته هتلاقي العريس قايم يجري بعد ما يسمع حكاية السفر دي.
واتجه للداخل فلحقت به، وما هي الا دقائق معدودة حتى خرج الجميع وتبقت مسك بصحبة العريس بمفردهما، ومؤمن يجلس على الأريكة يعد من واحد للرقم العاشر وعينيه لا تفارق الباب، بانتظار لحظة هروب عريس الغفلة كما وصفه!
*******
بالداخل.
بسمة الابتهاج تلك تعرفها جيدًا، اعتادت على رؤيتها على وجه أي عريس تقدم لخطبتها، هي ليست بالدميمة، فتاة بملامح قد تكون عادية ولكنها رقيقة وتمتلك جمالها الخاص كأي فتاة ترتب من ثيابها وحجابها، بدأ الحوار بينهما، حتى أنهته مسك بسؤالها المفاجئ، فقطعت ما يحضر للنطق به من البداية لحظة جلوسها أمامه، فقالت لتحسم قرارها بشأن تلك الزيجة، قبل أن يطول الأمر بجلوسها الغير محبب:
_هو أنت أيه طموحاتك عن ما بعد الزواج؟
أسبل بعينيه بدهشةٍ من سؤالها المبهم، فقال:
_مش فاهم!
أوضحت أكثر عما تود قوله:
_يعني مثلًا هتقدر تسافرنا شهر عسل بأمريكا.
اتسعت حدقتيه وهو يستمع لما تقول، فردد ساخرًا:
_شهر عسل بأمريكا.. لو كنت أقدر أسافرلها كان زماني متجوز من أربع سنين فاتوا!!
نهضت مسك عن مقعدها لتشير إليه بضيقٍ:
_يبقى ميلزمكش الجوازة دي يا ريس، شيل بوكيه الورد واتكل على الله.
بدى مشدوهًا لما يحدث هنا، فحمل الزهور وهرول للخارج مسرعًا قبل أن تتحول تلك الفتاة الغامضة..
******
مع اشارة يدها بالعد الثامن حتى وجد العريس يهرول لباب الخروج بوجهٍ مصفر، يركض وكأنه خرج من منزل الاشباح للتو، تابعه الجميع بنظراتٍ بائسة، تحركت على من خرجت خلفه تخلع عنها فستانها لتجلس ببيجامتها التي ارتدتها أسفل الفستان احتراز احتياطي لما سيحدث هنا، اشاحت بحجابها لتظل ب ( البندانة) االتي تحجب شعرها القصير عن الأعين، القت حجابها أرضًا وهي تشير لهم بتحذيرٍ سابق قبل الخوض بمعركة الحديث بعد كل عريس:
_مش عايزة أسمع كلمة ملهاش لزمة من حد، مش كتير عليا اني اسافر أمريكا، أنا لا عايزة فرح ولا شبكة ولا شقة ولا عايزة حاجة أكتر من إني أسافر أمريكا، وبقولكم أهو انا مش هتجوز الا من شخص يقبل بالشرط ده.
وفتحت باب الشقة وهي تشير اليهم جميعًا بحزمٍ ظنته مخيفًا إليهم:
_انا طالعه على السطوح أقعد مع نفسي أشكيلها حظي التعيس مش عايزة حد يجي ورايا من فضلكم.
وأغلقت الباب من خلفها، فخلفت فراغ وصمت تام يسيطر على الجميع، إتكأ الجد بجلسته على عصاه، فاحنى ذقنه عليها، وردد بحسرةٍ:
_هنعمل أيه.. محدش هيقبل بالدلع ده!
رد عليه يونس ببسمةٍ ساخرة:
_نعملها اعلان على النت يمكن تلاقي سعيد الحظ.. أو ندورلها على عريس عايش في أمريكا وعايز عروسة مصرية دليفري!
احتضن أحمد رأسه وردد بإرهاقٍ نفسي مازال يحاوطه لتلك اللحظة:
_البنت دي هتجنني.. شكلها كده هتعنس جنبي!
استحضرت فاطمة دموعها، ورددت بنواحٍ:
_متقولش كده يابو يونس، ربنا هيبعتلها ابن الحلال وبكره تشوف.
شمل الهكحوار الجد والعائلة بأكملها، الا ذاك الشارد بخطته التي ستجني ثمارها إن تنفذت أركانها مثلما شاء، فانتصب بوقفته وأشار لهم بغرورٍ:
_ولا يهمكم أنا هتكلم معاها وأكيد هتغير رأيها تمامًا.
مشطه يونس بنظرة مستهزئة، انهاها حينما قال بشكٍ:
_بلاش أنت عشان ما تحدفكش من على السطح!
أعدل قميصه وهو يكمل طريقه باتزانٍ وثبات ظنه مهيبًا:
_أنا اللي هحل الموضوع ده… استنوا وهتشوفوا.
كاد يونس باللحاق به، فجذبه الجد بعصاه ليجلس محله مجددًا، فمازحه قائلًا:
_سبها تخلص عليه هو ابن حلال ويستاهل.
*******
بالأعلى..
كانت تجلس أعلى الغرفة التي تتوسط سطح المنزل، اختارت الجلوس جوار خزان المياه الضخم، مكانها المحبب الذي يمنحها شعور مماثل بالجلوس أعلى برج إيفل، لامس الهواء البارد وجهها، فأغلقت مسك عينيها وهي تستمع بذاك القدر الكافي من الهواء المنعش بعيدًا عن ضغط عائلتها، فتسلل إليها صرير الباب الصغير الموصود، فتحت عينيها فتبدلت معالمها المسالمة للغضب، فور رؤية مؤمن يقتحم عزلتها الآمنة، استكمل طريقه للداخل حتى اقترب من السلم الخشبي فأوقفته عن تسلقه حينما قالت بتشددٍ:
_أنا مش فايقة أتخانق معاك يا مؤمن انزل تحت بكرامتك أحسن.
تجاهل نصحيتها المطعنة بتهديد صريح، تسلق مؤمن الدرج حتى أصبح جوارها فوق سقف الغرفة، فأخرج بعضًا من التسالي من جيب بنطاله، ثم قدمها اليها وهو يردد بسخريةٍ:
_سرقتهم من صينية المرحوم قبل ما ادخلهاله.
منحته نظرة مغتاظة، فأشار لها بتناوله، سحبت من يده الممدودة بعضًا منهم، ثم تناولتهم على مضضٍ، والقت القشور بعشوائيةٍ وكأنها تبث انتقامها من البشرية بأكملها بها، راقبها مؤمن بحذرٍ، وهو يحاول البوح عما صعد لأجله، فمزقت هي رداء الصمت العالق بينهما حينما تساءل بريبةٍ:
_هو اللي أنا طالباه كتير، يعني هو لو هيعملي فرح كبير وشبكة مش هيدخل في نفس المبلغ!
ارتسمت بسمته الخبيثة على شفتيه وقد دنى من هدفه دون مجهود منه، فقال:
_ناس أغبية مبيعرفوش يفكروا صح.
ضيقت عينيها بنظرة تحاول كشف ما يحاول مشاكسها فعله هنا، ظنت بأنها سيتخذ جولة صراعهما بصدرٍ رحب، ولكنها وجدته يستمع لها بهدوءٍ على غير عادته، فقالت بذهولٍ:
_هو في أيه؟ جاي ورايا وجايبلي لب وقاعد تسمعني من غير تريقة أنت بتحطط لأيه يا مؤمن!
القى ما بفمه، ثم وضع كيس التسالي البلاستيكي عن يده وقال وهو يتطلع نحوها مباشرة:
_بصراحه لما قعدت مع نفسي وفكرت لقيت الجواز ده فكرة بشعة أوي، اني اروح اخطب بنت غريبة عني وأجتهد في سنة الخطوبة اني أعرفها، وأنا واثق انها فلتر وحقيقتها هعرفها بمعاشرتي ليها بعد الجواز، بالظبط زي البطيخة يا هتطلع حمرا يا قرعة وده اللي متفائل بيه!
انفرج فمها بدهشةٍ لما تستمع اليه، فاستطرد بمنطقيته الباحتة:
_الموضوع صعب ومعتقدش اني جاهز ليه، عشان كده لما فكرت مع نفسي لقيتك الانسب ليا، على الاقل احنا عرفين بعض كويس وعارفين عيوبنا اللي هنحاول نعلاجها بإذن واحد أحد.. وان كان على المشاكل اللي بتحصل بين أي زوجين فنعتبر نفسنا اتدربنا كفايا طول السنين اللي فاتت دي، ثم انك مش هتلاقي حد يستحملك غيري!
جحظت عينيها صدمة، فاتكأت بمعصمها حتى استقامت بوقفتها، وصاحت بعثبية غير عابئة بوقوفها بمكانٍ خطير هكذا:
_أنت بتهزر.. أنا اتجوزك أنت!
جذب معصمها ليجبرها على الجلوس لجواره مجددًا وهو يردد ببسمة ثقة:
_عندي اللي يخليكي توفقي، يبقى ترسي كده وتسمعيني للاخر.
رفضت الانصياع اليه، واردفت وهي تشيح بوجهها عنه:
_اسمع أيه أنت شكلك اتجننت!
كادت بالاتجه للدرج الخشبي فمنعها مؤمن وهو يسرع بقول ما قد يجعلها لجواره مجددًا:
_هسفرك أمريكا وشهر مش أسبوع.
استكانت حركتها بصدمة تفوق التي تخوضها منذ بداية حديثه، فابتلعت ريقها القاحل بصعوبة وهي تجبر لسانها على تريد:
_أنت بتتكلم جد!
هز رأسه وهو يقذف حبات التسالي لفمه الذي التقطها ببراعةٍ، فتساءلت بعدم استيعاب:
_ازاي؟
اجابها بشرحٍ مبسط لسؤالها:
_لما أقول لجدي اني خلاص هستقر هيكسر الوديعة وهيديني فلوس بابا، ساعتها هاخدك ونسافر بعد الفرح.
صمتت لبرهةٍ تفكر في عرضه المغري، فعمها بعد موت زوجته واصابته بالمرض اللعين خشى على ابنه الصغير، فقام ببيع الأرض الزرعية التي يمتلكها واودعها بالبنك إليه، هي تعلم بأنه يمتلك حسابًا ضخمًا قد يوفر لها احتياجها لرحلتها المجنونة، بللت شفتيها الجافة بلعابها قبل أن تخبره:
_ بس تعملي الجواز وتحجز الرحلة قبل كتب الكتاب.. أنت مش مضمون.
زوى حاجبيه تعجبًا لصراحتها الدقيقة، فابتلع ما قالته دون أن يسحبها لجدالهما المعتاد حينما قال بإيجازٍ:
_موافق!
******
بالأسفل.
كان الجد يرتشف كوب الشاي الساخن جوار ابنه وحفيده، حتى زوجة ابنه كانت تجلس ليمينه، إلى أن تفاجئ الجميع بمن تدفع باب الشقة ومن خلفها مؤمن الذي ردد بثقةٍ وهو يعدل من قميصه:
_هيبقى في فرح وفرحة وكل حاجة بس أنا العريس.
جحظت الأعين بصدمة، أخر المتوقع اليهم ارتباط القط بخنقه، لم يعهد اليهم مرة واحدة تخيلهما معًا، الجميع يعلم يكرههما الشديد لبعضهما، وإن اجتمعوا معًا بجلسة عائلية تشب بينهما الخلافات التي ينجح يونس دومًا بفضها، تحرر الجد عن تمثال جموده، حينما ردد:
_عايز تتجوز قبل اخوك الكبير!
اتجهت عين مؤمن اليه وقال بضحكة تكاد تصل للأذن:
_عندك اعتراض يا يونس؟
نهض يونس عن مقعده وهو يردد بصدمة:
_اعترضي على العروسة نفسها، أنا كنت بحارب افصلكم عن بعض عشان ارتاح كده انا اللي هعاني لاخر حياتي!
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زحليقة إلى زحل)