روايات

رواية زئير القلوب (عروس مصر) الفصل العاشر 10 بقلم سهام أحمد

رواية زئير القلوب (عروس مصر) الفصل العاشر 10 بقلم سهام أحمد

رواية زئير القلوب (عروس مصر) الجزء العاشر

رواية زئير القلوب (عروس مصر) البارت العاشر

زئير القلوب (عروس مصر)
زئير القلوب (عروس مصر)

رواية زئير القلوب (عروس مصر) الحلقة العاشرة

فراق للابد.
مازال الحزن يملأ قلبها بالرغم من لحظات فرح بسيطة تخللت وجدانها، الا انه مازال القلب يتألم ومازال الجسد يتوجع لآلامه، عندما رأت ليلى فوزي في غرفة الدكتور خالد لم تغضب فقط من رؤيته، لقد كان بالنسبة إليها عشق لا ينتهي وثقة لا تهتز، لقد خيب ظنها وكسر قلبها، في الحقيقة لم يكن يقصد ذلك لكنه قد فعل دون تردد.
وقفت امام باب الغرفة وترددت في الدخول الى ان قال فارس الصغير:
-بابااااااا.
ضحك فوزي ثم قام مسرعا يجلس على اقدامه، وامسك بيد طفله وقبلها:
-حبيبي، نعم يا روح البابا انا هنا، يا الله على الريحة الجميلة دي، وحشتني اوي يا بابا.
ثم نظر الى اعلى ووقف يمد يده إليها قائلاً:
-ازيك يا ليلى.
رمقته بتلك النظرات القاتلة، من اعلى الى اسفل تتعجب من وقاحته وكأنها تقول:
-ازيك عين ازاي تمد ايدك وتسلم يا بجاحتك ياخي.
ادارات وجهها بعيدا عنه، ضم يده إليه بخجل وإحراج ثم قال وهو ينظر الى اسفل:
-تمام ماشي، اتفضلي انا حابب احكي معاكي شوية.
لم تعره انتباه، ثم نظرت إلى الدكتور خالد بغضب:
-هو ده السبب اللي خلاك تجيبني هنا يا دكتور خالد، معقول؟! معقول يطلع منك كل ده.
امسك الدكتور خالد بعربة الطفل ثم ابتسم قائلاً:
-لأ يا مدام ليلى حضرتك فهمتي غلط، انا هاخد فارس اخلصله التحاليل اللازمة اللي قلت لحضرتك عليها، وده نفس السبب اللي جاب فوزي هنا هو ابنه، هو كمان من حقه يطمن عليه والا إيه؟
-بس مش المفروض حضرتك تديني علم بوجوده وخصوصاً انك عارف الوضع بينا، والا هو علشان صاحبك المقرب.
-انا الاتنين اخواتي يا ليلى ويهمني مصلحة فارس قبل ما يهمني ايه الوضع بينكم، لو عايزه رأيي دي فرصة ليكم انتو الاتنين تقدعوا بهداوة وتتكلموا ياريت؛ علشان خاطر فارس وصحته، استأذن انا.
اخذ العربة وتراجع مستعدا للذهاب:
-يلا يا بطل يلا يا فارس، نروح نجيب حاجة حلوة.
اشار الى فوزي من خلف ظهرها وهو يهمس بشفتيه:
-بالهداوة براحة واحده واحده.
دخلت ليلى إلى الغرفة وجلست على الكرسي المقابل له، وضعت قدم فوق الاخرى، نظرت إليه بعد شهيق وزفير نظرة طويلة، تنتظر ماذا سيقول حتى تنفجر بكل قوتها بما يحمله قلبها؛ لقد اصبح الحمل ثقيل ومؤلم إلى حد لا يوصف.
رفع عينيه إليها يتأملها، ثم ازاح بنظره بعيدا خجلاً قائلاً:
-بلاش النظرات دي يا ليلى ابوس ايدك، خليني اتكلم معاكي كلمتين على بعض.
وضعت يدها اسفل ذقنه، ترفع وجهه إليها باصابعها قائلة بتهكم:
-ايه؟! مكسوف؟! والا مش لاقي حاجة تبرر بيها موقفك؟
رفع يده ليمسك بيدها فضمت يدها إليها مسرعة قبل أن تلمس يده وتراجعت إلى الخلف تعتدل في جلستها، قال فوزي بعدما زفر بضيق وابتسامة حزينة ثم قال:
-ليلى اسمعيني ارجوكي؛ انا لما اخدت فارس اخدته علشان بابا كان تعبان وكان نفسه يشوفة، كنت فاكر إنه اخر مره هايشوفه ويشوفني فيها، انتي ماسبتليش خيار حاولت معاكي وحاولت اقنعك لكن ماديتنيش اي فرصة يا ليلى، لكن رغم كل ده انا عمري ما فكرت أءذيكي او اكون سبب في اي حاجة وحشة تحصلك.
-ليلى انتي مش عارفة بابا لما شاف فارس كان عامل ازاي، ده كان عامل زي الطفل الصغير.
خرج جالسا عند قدميها وهو نادم، باعين دامعه يقول:
-ليلى انا عارف اني مهما اعتذرت منك مش هكفر عن غلطي، ولا هرجع كل اللي ضاع منك بسببي، بس انا اسف انا اسف يا ليلى والله اسف على حاجة وحشة حصلتلك بسببي، ايه يرضيكي وانا اعمله، لو قولتي ارمي نفسك من فوق دلوقتي هرمي نفسي، لو قولتي موت نفسك هموت نفسي لو ده يرضيكي بس قوليها يا ليلى لو ده اللي هايريحك قوليها.
امسك بيديها يقبلها وهو يبكي:
-ابوس ايدك يا ليلى قولي اي حاجة، انا بموت من جوايا كل يوم من احساسي بالذنب والندم.
زرفت تلك الجفون دمعا لا يوصف، دموع وجع والم كانت مسجونة داخل جدران قلبها الصغير، الذي اذاق من العذاب الوان بالرغم من صغر حجمه:
-ندم؟ ندم ايه يا فوزي ندم ايه، انت اللي زيك عمره مايحس بالندم لأنه معندوش احساس اصلا.
امسكت ياقة قميصه أوقفته على أقدامه، وقفت أمامه وهي غاضبة بل تشطاط غضبا:
-انت عارف انت عملت فيا ايه؟ انا كان ممكن اموت وابني بعيد عني، تلات شهور وانا بين الحياة والموت وانت عايش حياتك مبسوط، مفكرتش حتى مرة تتصل تطمني أو تطمن بابا، ولا حتى كنت بترد عليه، وتقولي حاسس بالذنب.
دفعته إلى الخلف بقوة حتى سقط على الكرسي جالساً:
-حاسس بالذنب على ايه على الحالة اللي انا فيها وعلى امي اللي ماتت بسببك والا على ايه بالظبط.
وقف وهو منهار من شدة البكاء:
-ليلى انا.
بترت حديثة باصبعها الذي رفعته في وجهه:
-اخرص، اوعى تنطق اسمي تاني على لسانك، مفيش اي حاجة هاتغفرلك يا فوزي ولا هاتخليني اسامحك على اللي انت عملته معايا ابدا.
أدارت ظهرها تستعد للخروج، أمسك بيدها بقوة وجذبها إليه بشدة حتى ارتطمت بصدره، امسك بكتفيها بقوة:
-بصيلي يا ليلى بصي في عينيا، دي العيون اللي انت حبيتيها واللي كنتي بتموتي فيها تفتكري ممكن يوم تقدر تضرك بقصد، الوش اللي قدامك ده، ده انا يا ليلى فوزي اللي عمره ماحب ولا هيحب حد غيرك، افتكري اي حاجة حلوة لينا مع بعض، حبنا مايستاهلش انك تديه فرصة تانية يا ليلى.
حاولت التخلص من قيدها بين احضانه، لكنها لم تستطيع فهو يمسك بها بكل قوته وكأنه امتلك شيئاً ثميناً لا يريد تركه يذهب من بين يديه:
-ليلى خلينا نبتدي من جديد وننسى اللي فات، انتي عارفة بابا دلوقتي عايز يشوفك طلب مني اني استنى لحد ماطمن عليكي، هو أول مرة يقولي خلي بالك من مراتك وابنك، عارفة يعني ايه؟ يعني مشكلتنا اتحلت ومفيش حاجة هاتقدر تبعدنا عن بعض تاني.
تعجبت ليلى من كلامه واشمئزت من طريقة تفكيره، أفلتت قيدها من بين يديه بقوة ودفعته بعيدا عنها:
-انا مش قادرة اصدق انت فوزي اللي انا حبيته؟! انت الإنسان اللي عاشرته وعشت معاه سنين من عمري، اد ايه انت انسان اناني، دلوقتي باباك رضي عني وعايزني اكون معاك، لكن انا عمري ماهرضي يا فوزي عمري، انت كنت خايف بس على ابوك أنه يضيع منك من غير ماتشوفه، لكن انا امي ماتت بسببك من غير ماشوفها ولا تشوفني.
بصرخات مؤلمة تردد:
-ماتت من غير ماشوفها انا كان نفسي بس اشوفها، عارف يعني ايه، ربنا ياخدك ياخي زي ماخدتها مني، امشي بقا امشي، رووووح من وشي.
ظلت تبكي ليلى بقهراقبل عليها فوزي وضمها إليه بشدة، حاولت أبعاده وهي تصرخ حتى التم الناس خارجا حول باب الغرفة، لكن لم يتجرأ أحد منهم على الدخول ظنا أن هناك أحد مريض أو يتألم من مرضه، لكن استوقفهم ذلك الصراخ المؤلم بصوت انثى تتألم بقهر، ظلت تضرب صدره بقوة بيديها حتى فقدت توازنها:
-ليه عملت كده فيا ليه ليه ليه؟ اه يا ماماااااااا، مامااااااا، حرام عليك حرام عليك انا بموت من جوايا، ليه عملت كده لييييه.
سقطت على الأرض وهي بين احضانه إلى أن توقفت عن البكاء، بعد أن حاول تهدئتها:
-اهدي يا ليلى ابوس ايدك اهدى علشان فارس، وحياة فارس عندك خلاص كفاية خلاص، هعملك اللي انتي عايزاه خلاص.
أمام الغرفة تجتمع الناس يتساءلون فيما بينهم ماذا يحدث، رأى تلك الضجة الدكتور خالد وهو قادم إلى غرفته ومعه فارس الصغير، انتابه القلق تقدم بخطوات مسرعة وسأل أحد الأشخاص المجتمعين حول الغرفة:
-هو في ايه يا جماعة خير مالكم واقفين كده ليه؟
اجابه أحدهم:
-سمعنا صوت صريخ لواحده وفي اصوات من الاوضة دي وقفنا نشوف في ايه.
-طب يا جماعة شكرا دي اوضتي انا دكتور هنا ومعايا حالة خاصة من فضلكم ماينفعش كده دي اسرار مرضى، اتفضلوا بعد اذنكم كل واحد يروح لحاله لو سمحتوا.
انصرف الجميع من حول الغرفة، فتح خالد باب الغرفة تعجب لهذا الهدوء، يجلس فوزي على الأريكة بينما تجلس ليلى محلها، لكن تغيرت ملامح وجوههم من البكاء والصراخ، تمعن النظر في وجوههم ثم قال:
-خير يا جماعة في إيه؟ احنا اكبر من كده والا ايه.
جلس الدكتور خالد على الكرسي المقابل ل ليلى، وكان فوزي خلفه، أردف ينظر إليه قائلاً:
-ايه يا فوزي في ايه مش كده.
-مازالت تلك النظرات المتألمة لا تفارق ليلى من أعين فوزي، عندما تحدث إليه الدكتور خالد انهار من البكاء، بكى بشدة وهو ينظر إليها، ثم وقفت ليلى وهي تمسح وجهها براحتها قائلة:
– من فضلك يا دكتور انا همشي وياريت تبلغ صاحبك يبعتلي ورقة طلاقي في اسرع وقت ممكن، بعد اذنك.
خرجت ليلى وتركت تلك الكلمات التي اخترقت قلب فوزي كالسهام الحادة حتى اقتلعته من موضعه، اغمض عينيه من شدة الالم الذي شعر به، وكأن الزمن توقف في تلك الخطوات التي كانت تخطيها ليلى إلى الخارج، يجول في خاطره انها من الممكن أن تكون تلك المرة الأخيرة التي يراها فيها، خرجت ليلى بخطوات بطيئة ودموع مسرعة لا تتوقف، وقف فوزي وخرج خلفها ونادى بصوت مرتفع وهو يستند على باب الغرفة، وكأنه يأمل للمرة الأخيرة أن تعود إليه:
-ليلى؟ ليلى؟
توقفت بضع لحظات ولم تنظر خلفها، رفعت وجهها بكل ثقة وتقدمت وتركت خلفها قلبها معلق في تلك الزاوية، ما اصعب تلك اللحظات لحظات الفراق.
عندما تفترق القلوب والابدان معا، ويبقى قلب كل منهم معلق في صدر الآخر، يظن الإنسان أن الزمن قد توقف وان الحياة لن تعود كما كانت من قبل، لكن ربما تكون النهاية هي نقطة بداية لحياة أخرى، لا نعلم ماذا تكتب لنا الحياة غدا ولا نعلم ماذا يخبئ لنا القدر، ما علينا سوى الايمان باقدارنا ومواجهة عواقب اختياراتنا والتصدي للنتائج مهما كانت صعوبتها، فنحن من اختار ولم نجبر.
ربت خالد على كتف فوزي يسانده ويواسيه وهو يبكي، غادرت ليلى إلى منزلها بقلب منفطر وروح حائرة، بالرغم من ذلك فهي تشعر ببعض الراحة تلتقط أنفاسها بهدوء وكأن جبلا قد سقط من على صدرها، عندما بكت بكل طاقتها أخرجت كل ما يكمن في خاطرها، فهذه هي الانثى عندما تنفجر تصبح كبركان غاضب قرر الإنفجار، لا يبالي بما أمامه ولايعنيه من يترك خلفه أو لا يترك، فقط يخرج كل ما به من فوهته حتى يفرغ حممه البركانية ويستريح نوعا ما إلى أن يعود للامتلاء مرة اخرى، وهكذا قلب الانثى.
اخبر فوزي خالد أن يذهب لتوصيل ليلى إلى المنزل قلقاً عليها:
-خالد روح وصلها علشان خاطري ماتسيبهاش تمشي لوحدها وهي في الحالة دى ممكن يجرالها حاجة في الطريق وفارس معاها، روح يا خالد الله يخليك روح.
-حاضر حاضر يا فوزي ماتقلقش.
نزع معطف العمل خاصته ورمى به داخل الغرفة وركض خلف ليلى إلى باب المشفى:
-مدام ليلى، استنى يا ليلى بعد اذنك خليني اوصلك.
-شكرا يا دكتور خالد انا هعرف اروح لوحدي.
-لو سمحتي علشان فارس من فضلك؟
اومأت برأسها الى اسفل وهي تمسح دموعها براحتها، جلب الدكتور خالد السيارة الخاصة به وصعدت ليلى ثم قال وهو في طريقه إلى منزلها بعد أن هدأت قليلاً:
-ليلى انتي اختي وفوزي اخويا انا مش عايزك تتسرعي في قرارك، انتو في بينكم ولد صغير، اللي بيحصل ده مش كويس علشانكم، لو سمحتي فكري بهدوء.
التقطت انفاسها ثم قالت:
-الموضوع منتهي يا خالد مبقاش ينفع خلاص، صدقني الفجوة اللي سابها فوزي جوايا مستحيل تتقفل أو يقدر الزمن يسدها، كده افضل لينا كلنا.
-يعني ده اخر كلام عندك يا ليلى، فكري؟
-اه اخر كلام يا دكتور، صحيح انا عايزة اطمن على تحاليل فارس.
-بكرة إن شاء الله النتيجة، هجبهالك لحد عندك ومنها كمان اطمن على فارس وعلى عمو فارس لو معندكيش مانع.
-لأ طبعا حضرتك تشرف في أي وقت، تمام هنا كويس شكرا يا دكتور خالد كتر خيرك.
-الشكر لله يا ستي تحت امرك انتي وأستاذ فارس.
حملت ليلى ابنها وساعدها خالد في تنزيل عربته، ودخلت المنزل وغادر بسيارته إلى المشفى مرة أخرى؛ ليطمئن على حالة فوزي وشقيقته.
~~~
دخلت ليلى المنزل وجدت والدها منتظراً يقرأ كتاب في يده، ترك الكتاب جانباً ووقف يسألها:
-ليلى حمد الله ع السلامة يا بنتي، ها عملتي ايه ايه اخبار التحاليل؟
-لسه يا بابا النتيجة بكرة إن شاء الله، بعد اذنك انا جاية تعبانه وعايزة أرتاح، تصبح على خير.
-ليلى؟ مالك في حاجة حصلت؟!
-لأ يا بابا اطمن انا بخير هحكيلك بكره إن شاء الله بس دلوقتي من فضلك محتاجة ارتاح شوية.
-ماشي يا حبيبتي تصبحي على خير.
-وحضرتك من أهله.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زئير القلوب (عروس مصر))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى