رواية زئير القلوب (عروس مصر) الفصل الرابع 4 بقلم سهام أحمد
رواية زئير القلوب (عروس مصر) الجزء الرابع
رواية زئير القلوب (عروس مصر) البارت الرابع
رواية زئير القلوب (عروس مصر) الحلقة الرابعة
في قصر السيد ضاهر تضع روبا الفطار على طاولة الطعام، قدم السيد ضاهر وجلس على مقعده منتظرا حضور ابنه فوزي لمشاركته الإفطار وحفيده الصغير، نظر إلى ساعته ثم قال:
-فوزي اتأخر ليه كل ده يا روبا؟ هو لسه نايم لحد دلوقتي والا ايه؟
-لأ يا بيه السيد فوزي صحي الصبح بدري، وطلع يتمشي شوي مع فارس بيه الصغير، وقالي اني ابلغ حضرتك ماتستناهوش على الفطور.
همهم باستغراب قائلاً:
-امممممم طيب اذا كان كده قدمي الفطور رجاءا، وقولي لمصطفى يحضر العربية انا هطلع بعد شوي.
-بامرك يا بيه.
قدمت روبا الفطور والقهوة للسيد ضاهر، دخلت إلى المطبخ تخبر مصطفى بتحضير السيارة:
-مصطفى البيه عايزك تحضر العربية، قال إنه هيطلع بعد شويا.
استغرب مصطفى من طلبه، لم يكن معتاداً أن يخرج من المنزل في الصباح:
-ماقالكيش هو رابح فين؟ غريبه ده عمره ما عملها.
-لأ ماقاليش حاجة، حتى أنه استغرب من طلعت السيد فوزي وفارس الصغير، كأنه في حاجة حصلت، مش عارفة.
-طيب دلوقتي نعرف في ايه، يا خبر انهاردة بفلوس بكرة يبقا ببلاش، انا هروح احضر العربية، في حاجة لزماكي من بره اجبهالك معايا؟
-اه خد الورقة دي فيها لسته بالطلبات، عايزها علشان العشاء.
-عنيا يا ستي روبا حاضر، سلام.
-سلام يا حبيبي.
~~~
في تلك السيارة الفخمة من ماركة المرسيدس، صعد السيد ضاهر وسائقه مصطفى، كان السيد ضاهر بكامل اناقته بالزي الرسمي وبيده عصاه التي يتفاخر بها المطلية يدها بماء الذهب،
قال له مصطفى وهو يحمل:
-احم احم على الشركة يا بيه إن شاء الله؟
-لأ يا مصطفى، هانروح بيت ظافر بيه.
-خير إن شاء الله في حاجة يا بيه؟
-من امتى بتسأل يا مصطفى؟
-العفو يا بيه بس افتكر فيه حاجة لاقدر الله، حضرتك يعني مش متعود تطلع بدري كده وعند ظافر بيه كمان، يعني استغربت الموضوع بس مش اكتر، يعني لو في حاجة اقدر اساعد فيها.
-سوق وانت ساكت يا مصطفى.
-احم حاضر يا بيه تحت امرك.
~~~
وقف السيد فارس أمام غرفة ابنته في المشفى متجمدا، كأن الزمن توقف به، تدور الدنيا حوله اطباء وممرضات واناس آخرون وهو يقف في صمت، فقط ينظر إلى باب تلك الغرفة، كل ما يجول في خاطره أنه سيفقد ليلى كما فقد أمها، إلى أن علت صرخات فارس الصغير وأعادته للوعي مرة أخرى.
حمله بين يديه ونظر إليه بتعين دامعة، ثم طرأت له خاطرة أن هذه رسالة،ليس هناك من سيعيد ليلى للحياة سوى فارس كما اعاده إلى وعيه مرة أخرى، ركض إلى تلك الغرفة بفارس وجد ثلاث اطباء يقفون على رعايتها، أحدهم يتابع النبض والآخر يفحصها ويتفقد عينيها، والآخر يقف على جهاز الصدمات الكهربائية مستعداً للحظات حرجة قد تمر بها المريضة.
تقدم السيد فارس بالطفل فلمحه طبيب النبض وحاول منعه من الدخول:
-ممنوع يا فندم من فضلك انتظر برا، لو سمحت ممنوع حضرتك معاك طفل صغير.
-لو سمحت يا دكتور دي بنتي خليني ادخل، والولد ده ابنها، هو السبب في حالتها دي من فضلك، هو الوحيد اللي هايدر ينقذها ويرجع بنتي ارجوك خليني ادخل بيه.
لم يتأثر الطبيب بحديثه ولا بدموعه وبكاء الطفل، بالطبع واجبه المهني يحتم عليه فعل ذلك، فلا مجال لعواطف قد تكون سببا في خسارة احد المرضى، بالرغم من ذلك دخل السيد فارس رغما عنه، بعدما اخبر الطبيب أنه سيخرج واعطاه الطبيب ظهره فدفعه متقدما إلى سرير ابنته وهو يقول بصوت مرتفع مع صرخات الطفل التي تزداد من الخوف:
-ليلى فارس رجع يا ليلى، قومي يا بنتي هديه ف حضنك، فارس خايف يا ليلى محتاجلك، قومي يا ليلى.
في تلك اللحظة صرخ فارس الصغير من الخوف جراء هذه الاصوات والاشخاص اللذين لا يعرفهم من حوله، فصدعت تلك الصرخة في اذني ليلى ووالدها يقول:
-فارس خايف يا ليلى قومي هديه.
تكررت تلك الكلمة في اذني ليلى، وبدأت ضربات قلبها تذداد وفجأة شهقت ليلى بصوت مرتفع ورفعت رأسها وفتحت عيناها، ثم عادت إلى الفراش مرة اخرى، حالة تعجب لها الاطباء بعد مرور بضع دقائق استقرت حالة ليلى الصحية، وعادت إلى طبيعتها ولكنها لم تفقد بعد.
~~~
هناك أشخاص يصارعون الموت وهنا أشخاص لا يستطيعون التوقف عن الضحك، بينما تصارع ليلى الموت بسبب فراق ابنها، تعلو ضحكات السيد ضاهر في منزل ظافر بيه صديقه المقرب؛ والذي ذهب إليه ليطلب منه ابنته الوحيدة التي تدعى “سلمى” للزواج من إبنه فوزي، لم يكن يعلم فوزي بخطة والده لإبقاءه بجواره أنه سيرغمه على الزواج.
جلس السيد ضاهر وتناول القهوة برفقة صديقه المقرب، دخلت ابنته “سلمى” المدللة والتي تبلغ من العمر ثمانية وعشرون عاما، كانت تحب فوزي من صغرها إلى أن تعرف على ليلى برحلة عمل إلى مصر وتزوج بها من بعد ذلك، لم تشأ سلمى أن تتزوج بالرغم من جمالها وأناقتها، لكنها مغرورة بعض الشيء.
تحدث السيد ضاهر عند رويته إياها:
-اها وعروستنا وصلت أهي.
دخلت سلمى من بابا المنزل واتجهت إلى والدها تقبله من خده، ثم إلى السيد ضاهر تقبله أيضا من خديها:
-ايه ده معقول ايه المفاجأة دي عمو ضاهر عندنا، ازيك يا بابا.
-اهلا يا حبيبتي حمد الله ع السلامة.
-الله يسلمك، عمو ضاهر حبيبي، عامل ايه وحشاني جدا فينك كده؟
-اهلا بعروستنا الحلوة.
-ايه حكاية عروستنا دي شكل الزيارة دي وراها حاجة، مش عادتك كده، جايبلي عريس والا ايه؟
ضحك السد ضاهر ثم قال:
-بصراحة اه عندك حق يا سلمى فعلاً الزيارة دي وراها حاجة، انا فعلا جايبلك عريس ومش اي عريس.
-اوووو يا بابا شكل الموضوع كبير وعمو ضاهر ناويهالي المرادي، طيب حيث كده بقا انا هطلع اغير هدومي واجيلكم.
وقف السيد ضاهر وهو يقول:
-لأ استني يا سلمى انا مش مطول يابنتي بعد اذنك؛ لأن الوقت مش في صالحنا.
استغربت سلمى ووالدها من حديثه تقدمت إليه سلمى تمسك بيده بقلق:
-عمو ضاهر انت كويس في ايه مالك قلقتني؟ اتفضل اقعد طيب انا سامعة حضرتك.
جلس السيد ضاهر ممسكاً بعصاه، ثم قال:
-بصراحة ومن غير مقدمات انا جاي اطلب ايد بنتك سلمى يا ظافر، لابني.
تعجب السيد ظافر وتساءل مازحاً:
-ابنك مين يا ضاهر انت عندك ولاد تاني وانا معرفش والا إيه؟
-ابني فوزي رجع وهايستقر معايا هنا.
غضب منه ظافر لكنه حاول تمالك غضبه، وقال:
-انت نسيت أن فوزي متجوز من مصر يا ضاهر، لولا أنك صديقي المقرب انا كنت اعتبرت دي إهانة ليا ولبنتي؛ لانك عارف ان سلمى بنتي اي راجل ف الدنيا يتمناها.
-انا عارف يا ظافر واللي خلاني اجي هنا واطلب الطلب ده هو العشم اللي بينا، انت عارف اني من زمان نفسي اخد سلمى لفوزي، يمكن الوقت متأخر بس هكون ممنون لو وافقت على طلبي، انا همشي واسيبكم تفكروا بس رجاءا ماتتاخروش عليا.
-اعتبر أن ردي جاهز يا ضاهر وهو..
بترت كلماته سلمى قائلة:
-بابا من فضلك، شرفتنا يا عموا ضاهر ومجيتك على راسنا، حضرتك بقا لازم تقعد تتعدى معانا الاول.
-ربنا يخليكي يا بنتي، انا هاروح علشان ارتاح، سلام.
-مع السلامة.
خرجت سلمى إلى باب المنزل مع السيد ضاهر توصله وتودعه، عادت إلى والدها تعاتبه:
-في ايه يا بابا ليه كلمت عمو ضاهر بالطريقة دي؟
-يعني ايه ليه؟ انتي مش شايفة جاي يطلب مني ايه هو فاكر بعد كل السنين دي وبعد ما ابنه رفض جوازه منك انا هرجع ايامك ليه باديا، هو مايعرفش انتي مين وبنت مين؟
-بابا من فضلك أهدى الموضوع مايتاخدش بالطريقة دي، وعمو ضاهر اكيد مايقصدش حاجة وحشة انت تعرفه اكتر مني.
-تعالي هنا هو انتي ايه حكايتك بالظبط؟! من وقت ماسمعتي أن فوزي رجع وهايستقر هنا وانتي مش على بعضك، رجعتي تحنيله تاني يا سلمى بعد اللي عمله فيكي؟!
وقفت سلمى وأعطته ظهرها تداري دموع عينيها:
-بابا من فضلك مالوش لزمة الكلام ده دلوقتي بعد اذنك انا طالعة اوضتي.
-سلمى سلمى؟
ركضت سلمى إلى غرفتها وهي تبكي، اخر همها مادارا بحياة فوزي وماضيه، فقط عادت إليها الحياة بعودته، حب من طرف واحد وعذاب للطرفين، أحدهما قلبه معلق بالآخر، والآخر قلبه معلق بغيره.
وقفت سلمى على تراسها تلتقط أنفاسها وهي تغمض عينيها تستعيد زكريات الطفولة بينها وبين فوزي، عندما كانت طفلة صغيرة سقطت وهي تركض فجرحت ركبتها، جلس فوزي جوارها وهو ينفخ بجرحها ويقول:
-ماتخافيش يا سلمى انا هنفخلك فيها علشان ماتوجعكيش، ها خفت؟ يلا تعالى اسندي عليا اوصلك البيت.
-لسه بتوجعني يا فوزي، مش قادرة امشي.
-معلش اسندي عليا واحده واحده.
شهقت تلك الجميلة أعلى تراسها وكأنها تتنفس للمرة الأولى.
~~~
بكى السيد فارس وهو يحتضن حفيده بعدما اخبره الاطباء ان حالة ابنته على مايرام، خرج الجميع من الغرفة بعد الاطمئنان على حالة ليلى وجلس فوزي على الاريكة المقابلة لمخدعها، وجلس السيد فارس على الكرسي المجاور لها وهو يضع فارس الصغير على فراشها.
بدأ الطفل يتصرف على طبيعته ويصدر اصواتا للعب والضحك، وهو ينادي ماما، يتسلق عليها وهو يضرب بكفه حتى يوقظها إلى أن صعد عند وجهها، وبدأ يمسك بهديها وهي فاقدة للوعي ويضع فمه على ذقنها ويعض عليه، حاول القيام فسقط على وجهها وارتطمت انفه بانفعال فصرخ الطفل من الالم.
افرجت تلك الجميلة واخيرا عن اهدابها بسرعة البرق وتلقائيا ضمت يداها هذا الصغير؛ لتهدئه وتربت على ظهره برفق وهي تقول:
-بس يا ماما بس.
تجولت انظارها في الغرفة فرأت فوزي واقف امامها ووالدها يجلس جوارها وهو يبكي وغيرها بين يديها، استجمعت بعض افكارها وضمت صغيرها برفق إلى حضنها وأمسكت بيد والدها وقالت وهي تدمع:
-بابا حبيبي.
-الحمد لله يا ليلى الحمد لله انك بخير يا بنتي، حمد الله على السلامة، فارس اهو رجع تاني.
-فارس حبيبي يا ماما، يا عين ماما وروح ماما، بس يا قلبي انا هنا جمبك اهو، الحمد لله يارب الحمد لله.
قال فوزي بهدوء:
-حمدالله على سلامتك يا ليلى.
نظرت إليه ليلى وكأنها انثى اسد غاضبة ترى أمامها فريستها ولا تستطيع الامساك بها من مرضها، بالرغم من ذلك فانثى الاسد لديها إصرار شديد ولن تتوقف عن المحاولة في الحصول على فريستها حتى تفقد السيطرة على نفسها، وها هي انثى الاسد لا تلقي بالا لمرضها عندما يزأر قلبها الماً، استعدت للهجوم وقامت بكل غضب، اعطت ابنها لوالدها ونزعت عنها تلك الاسلاك على صدرها وتلك الإبر المحاليل المعلقة بوريدها، ثم وقفت على قدميها وقلت أن تخطوا الخطوة الأولى بكل هذا الغضب، سقطت ولكن امسك بها ذاك الاسد بين احضانه.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زئير القلوب (عروس مصر))