روايات

رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي) الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم آية شاكر

رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي) الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم آية شاكر

رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي) البارت الثاني والعشرون

رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي) الجزء الثاني والعشرون

روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي)
روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي)

رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي) الحلقة الثانية والعشرون

-أديني جيت قابلتك زي ما طلبتِ يا دكتوره أسماء… خير؟
-أنا متقدملي عريس يا حازم وماما وبابا مُصرين إني أوافق…
-طيب وأنا مالي!
-إنت جوزي… قصدي يعني كنت… حازم أنا مش قادره أتصور لحد دلوقتي إننا اتطلقنا، أنا بحبك متسيبنيش… رجعني وأنا هعيش خدامه تحت رجلك العمر كله… أرجوك سامحني يا حازم.
صمت حازم، فحثته على الحديث بقولها:
-ساكت ليه! قول حاجه.
-اللي هقوله مش هيعجبك.
-أنا عايزه فرصه واحده… اديني فرصه يا حازم أرجوك.
-مش قادر أسامحك يا أسماء… أنا آسف.
-للدرجه دي قلبك قاسي عليا.
قال بانفعال:
-مش أقسى من قلبك… القسوه دي اتعلمتها منك، فاكره زمان… فاكره عملتِ فيا ايه! بلاش فيا، فاكره عملتِ في نجمه ايه! ناسيه إن أبويا مات بسببك! قلبك كان فين وإنتِ بتشوهي سمعة بنت بريئه وتنزلي صور مقرفه عنها وتلبسي التهمه لأختي اللي ملهاش ذنب… أنا آسف يا أسماء مش هقدر أسامحك، ادعي ربنا يسامحك… توبي وادعي ربنا يمكن قلبي يسامحك وساعتها برده مش هنرجع لبعض لأني مش هعرف أعيش معاكِ تاني… آسف يا أسماء الطريق بيننا اتسد.
قال أخر جملة وهو ينهض واقفًا ويأخذ سلسلة المفاتيح من فوق الطاولة، بينما نكست أسماء رأسها ودموعها تنهمر بصمت، ثم نهضت هي الأخرى وقالت بانكسار:
-أنا اللي أسفه، فعلًا الطريق بيننا اتسد يا حازم لكن أتمنى تسامحني، أنا آسفه.
أخذت تكرر أسفها عله يلين لكنه لم يشفق عليها ولم يلين قلبه مثقال ذرة رغم مرور أكثر من عام ونصف على انفصالهما…
حدث بها لكنه لم يستطيع تفرس ملامحها لمعرفة ما يواريه قلبها، لا يدي أطيبة أم خبيثة نيتها كما اعتاد أن تكون؟
خرج من المطعم وتبعته هي بخطوات بطيئة، ظلت تتابعه بنظراتها حتى استقل سيارته وانطلق دون اكتراث لدموعها ونظراتها التي جاهدت لإظهارها نادمة…
ازداد نحيبها وشهقاتها وهي تسير وحدها مهزومة وشاردة، فلم يتقدم أحد للزواج منها هي فقط حاولت إثارة غيرة حازم عليها لكنه لم يقابلها إلا بالجمود والإعراض، لازالت تكره نجمه وشروق وإيمان وترى أنهن المتسببات بما هي فيه! تمنت لو استطاعت قتـ ـلهم بالسم ذلك اليوم، لكن يا لحظمها! فقد رُزقا بفرصة ثانية للحياة…
روادها شعور قـ ـوي أن تنهي حياتها وترتاح من كل تلك الهواجس…
لم تكن تلحظ العينين اللتين تراقبنها بترقب، وابتسامة، ذلك الرجل الذي كان يتابعها منذ أن كانت بالمطعم، رجلٌ عرف هويتها منذ أن وقع بصره عليها وهي تدخل من باب المطعم…
تبعها وهو يسمع صوت نهنهاتها، وارتشاف دموعها المنهمرة، ظنها فريسة سهلة، مكلومة القلب تحتاج لمن يُداوي جراحها ويمسح دموعها وسيكون هو طبيبها…
كانت تسير شاردة تدخل شارع وتخرج من أخر بلا وجهةٍ محددة حتى توقفت فجأة تلتفت حولها وكأنها انتبهت من سباتٍ عميق، لا تدري كم ابتعدت ولا أين هي! جففت دموعها في سرعة، وكان هذا الرجل يقف بالأتجاه الأخر للطريق ويتظاهر أنه يتحدث عبر الهاتف…
رمقته بنظرة سريعة ولم تلقِ له بالًا، وقفت تنتظر سيارة أجرة، فأقبل إليها الرجل وقال:
-حضرتك مستنيه تاكسي؟
-أيوه.
قالتها باقتضاب، فقال:
-أصل أنا مستني برده بس الظاهر لازم نطلع بره على الطريق العمومي.
لم ترد، فقال:
-أنا حاسس إني أعرفك يعني شوفتك قبل كده بس مش فاكر فين… هو احنا اتقابلنا قبل كده؟
لم تلتفت له، فأضاف:
-أنا دكتور أحمد سالم طبيب نفسي…
وهنا التفتت له وكأنها إشارة أنها تحتاج إلى علاج نفسي، من وجهة نظرها أنها قد وقع عليها ظلمًا فادحًا أودى بحالتها النفسية.
حين طال صمتها وتحديقها به، قال بابتسامة جذابة:
-أنا آسف لو تطفلت عليكِ، بس أصل شكلك مألوف…
لم تنبس ببنت شفه، فاستأذنها وانصرف، ولم تجد بُدًا من تتبع خطواته، فقد كانت تائهة، وقد كان مألوفًا لها أيضًا فأخذت تجتر ذكرياتها تحاول تذكُر أين رأته من قبل؟ وأخيرًا تذكرته بعدما وصلا للشارع العمومي، نادته:
-دكتور أحمد!
ابتسم وتوقف لبرهة قبل أن يلتفت لها، قالت:
-أنا عرفتك، هو إنت بقيت دكتور!
-إنتِ تعرفيني؟
قالها بمكر فلم ينسها قط، كيف لا وهي حب المراهقة الذي لم تكن تراه أبدًا وكأنه كان هواء، رغم أنه كان يساعد مجموعته كامله بسنتر الدروس بتوزيع تلخيصات للمواد لأجلها فقط، ليجذب انتباهها لكنها لم تنتبه له بتاتًا…
وآنذاك كان يضع تقويم للأسنان ويمتلأ وجهه بالحبوب والبثور، كان نحيفًا للغاية والجميع يطلقون عليه «أحمد عصايه» لذا لم تكن وسامته ملفتة، قالت:
-أنا افتكرتك… إنت أحمد عصايه أشطر طالب في الدرس…
أشار لعضلات ذراعه وقال بضحكة:
-لكن مبقتش عصايه…
ابتسمت، وقالت بأدب:
-أسفه وأهلًا بحضرتك، فرصه سعيده عن اذنك.
-أسماء… آآ… قصدي دكتوره أسماء لحظه واحده…
تعجبت كونه يعرف باسمها، قالت:
-إنت عارف اسمي؟
-طبعًا عارفك… أنا كنت أشطر طالب وإنتِ كنتِ أجمل طالبه واللهم بارك مازلتي زي القمر.
ارتبكت والتفتت حولها ثم استأذنته وغادرت بخطى واسعة سريعة، وهي تُعدل من حقيبتها في اضطراب، ووقف هو ينهر حاله على اندفاعه هكذا، ويقول:
-إيه يا أحمد إيه يا حبيبي بتعاكسها في وضح النهار، لأكون فاكرها صديقة طفولتي ولا حاجه دا احنا عمرنا ما اتكلمنا كلمه واحده! بس مش هغلب يا سمسمه أنا عارف هوصلك ازاي…
استغفروا♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
دخل حازم بيته وهو يستشيط غضبًا، لن يسمح بأن تدخل أسماء حياته مهما عاني ومهما كلفه الأمر، جلس على أقرب مقعد قابله، وهو يستغفر الله ويمسح وجهه ويحاول أن يكظم غيظه، فخرجت والدته من المطبخ وهي تقول:
-إنت رجعت؟ هااا كانت عايزه ايه!
-هتكون عايزه ايه! عايزه ترجع طبعًا.
-طيب وإنت عايز ايه؟
نهض واقفًا وقال:
-أنا عايز أنام…
قالها ودخل لغرفة النوم التي اعتاد أن ينام فيها منذ أن تزوجت أخته شروق، وطالعت والدته أثره وهي تلهج بالدعوات أن يهدي الله قلب أمينة ابنة عمه وتوافق على عرض الزواج منه لتنتشله من بؤرة الحيرة التي يدور بها، وأن يبتلي أسماء في صحتها وحياتها لما فعلت من ذنب تجاه أبنائها…
استلقى حازم على الفراش بإرهاق، وأخذ يفكر، كم يخشى الندم وتأنيب الضمير!
ظلت الأفكار تتأرجح برأسه بين أن يعطيها فرصه، وإن ما فعله صوابًا برفضها هكذا!
انتفض جالسًا، ومسك هاتفه ليطلب رقم ابنة عمه، التي عرض عليها الزواج قبل عدة أشهر ولم تعطه أي رد حتى الآن، سوى أن عرضه لازال قيد التفكير، وأن ينتظر أو ينصرف عن الأمر، فقرر الانتظار، أجابت أمينه بإلقاء السلام، فقال:
-عليكم السلام… أمينه أنا عايز أقابلك ضروري.
-آآ… أنا…
قاطعها بانفعال:
-لازم أقابلك النهارده، أنا هجيلك دلوقتي.
قالها وأغلق دون انتظار رأيها، وخرج من غرفته، قال لوالدته:
-أنا رايح عند عمي هقابل أمينه يا ماما.
-أجي معاك؟!
-لأ هروح لوحدي يا حبيبتي… بس ادعيلي…
-والله ما ببطل دعاء يابني.
صلوا على خير الأنام ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★
«مهما تشابكت الخطوط وتقطعت الطرقات وتعثرت الخطوات، سيصل إليك قدرك لا محاله.»
وقفت أمينة تقطع الغرفة ذهابًا وإيابًا في اضطراب شديد، وهي تحدث نفسها:
-أعمل إيه!!
وحين خرجت والدتها من المطبخ ورأت حالتها تلك، قالت:
-مالك بتلفي كدا ليه؟
-حازم كلمني وجاي دلوقتي.
-وإنتِ قررتِ إيه؟
-مش عارفه أقرر يا ماما، مش عارفه.
جذبتها والدتها برفق لتجلس جوارها وقالت:
-اسمعي يا قلب أمك، حازم ابن عمك متربي قدام عيني ومش هتلاقي راجل زيه، فكري عشان ممكن ميجيش فرصه زي دي تاني، دا غير إن نظرة المجتمع للست المطلقه مش محتاجه أقولك شكلها ايه! وإنتِ لسه صغيره يعني يادوب ٢٥ سنه وإنتِ وبنتك محتاجين راجل، ويا حبيبتي أنا وأبوكي مش هنعيشلك العمر كله.
ضمتها أمينه وهي تقول:
-متقوليش الجمله دي ربنا يبارك في عمركم يارب.
ربتت والدتها على ظهرها بحنو وقالت:
-كلنا رايحين، وأنا متأكده إنك محتاجه شريك، راجل زي حازم يعوضك عن اللي شوفتيه مع جوزك الأولاني… قومي البسي حاجه قبل ما حازم يجي… ربنا يهديكم للي فيه الخير يارب.
فكرت أمينه في كلام والدتها وقامت لتنفذه دون أن تعلق، ارتدت أفضل ثيابها، نظرت لحالها بالمرآة وتنفست بعمق ورضًا…
فقد ذاقت من الآلام ما كان يجعلها تبكي ليل نهار، تذكرت كيف كان يضـ ـربها طليقها حتى يُدمي فمها ولا يلين لها بل يزيد من لكماته وكأنه كان يستمتع بتأوهاتها وصرخاتها، اختلج قلبها، خافت أن تتزوج مجددًا فتعيش ذلك العناء الذي جاهدت لنسيانه، فقد عاشت تجربة قاسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكن لمَ تخاف؟ فهو حازم ابن عمها الذي تعرفه منذ طفولتها وتمنت أن تتزوجه يومًا ما لكنها كانت ترى نظرته لنجمه ابنة عمتها فظنت أن بينهما شيء خاص، فتبددت أمانيها ووافقت على الزواج من أول شاب طرق بابها وليتها لم تفعل…
وبعد فترة
جلست أمينة قبالتة حازم، وساد بينهما الصمت حتى قال:
-وبعدين يا أمينه؟ أنا تعبان ومحتاج أرتاح… وأنا عارف إن الدوا بتاعي عندك، أنا عايز شريكة حياة يا أمينه واحده تشاركني فرحي وهمي وتفكيري باختصار أنا محتاج سكن، محتاج أدخل بيتي ألاقي فيه راحه وأُنس…
قالت:
-تمام فهمت.
صمت هنيهة ثم قال:
-النهارده أسماء كلمتني وطلبت تقابلني وكانت عايزاني أديها فرصه، بس أنا مش قادر أتقبلها…
-تمام، فهمت.
قالتها بشرود ثم أكملت بنبرة سريعة مرتبكة وقد تبدو غاضبة:
-هو إنت عايز تهرب من طليقتك بالجواز؟ يعني عشان متفكرش فيها! أنا مش فهماك! يعني أنا لو موافقتش عليك هتروح تشوف أي واحده تانيه؟ هو إنت مش شايف إنك اتجاوزت طلاقك بسرعه أوي؟ بص يا حازم أنا خايفه من حاجات كتير أولهم إنك في يوم من الأيام ترجع لأسماء وأنا مستحيل أقبل بشريك في حاجه تخصني…
-إنتِ مش فاهمه حاجه! ومتعرفيش حاجه من اللي حصل، أنا وأسماء في مشاكل بقالنا فتره طويله جدًا من قبل ما أطلقها والمشاكل بيننا بتزيد، أسماء آذتني وأنا مبقتش أثق فيها ويستحيل ارجعلها في يوم من الأيام فاطمني.
-تمام فهمت بس ممكن أفهم سبب الطلاق؟ إنت طول الوقت بتقول إنها آذيتك! عايزه أفهم ازاي؟
صمت حازم لفترة فسبب طلاقه من أسماء لم يعرف به أحد سوى أشخاص معدودة حضروا المشكلة من بدايتها، لكنه قرر إفصاح ذلك لأمينة علها تطمئن، قال بنبرة منخفضة:
-أسماء هي اللي كانت بتفبرك صور لنجمه، كانت فاكره إن فيه بيننا حاجه وبتحاول تشوه صورتها قدامي…
-تمام، فهمت.
قالتها أمينة بتلقائية والصدمة تتجلى بنبرتها على ملامحها، وتلجم لسانها فلم تسأل عن أي تفاصيل بل أطرقت لبرهة، ثم قالت:
-هو إنت ونجمه كان بينكم حاجه فعلًا!
-لا تأكدي يا أمينه إن نجمه حاليًا والله والله والله زي أختي يعني زي شروق بالظبط ومعنديش أي مشاعر ناحيتها.
-تمام فهمت.
-هتردي عليا امته؟
صمتا هنيهة وهما يحدقان ببعضهما هو مترقب لردها وهي تتأمله، أشاحت وجهها فجأة و نهضت واقفة وهي تقول بتوتر:
-أنا هصلي استخاره وهرد عليك في خلال يومين يا حازم.
-ماشي يا بنت عمي و… وأنا هستناكِ.
-تمام… فهمت.
ولته أمينه ظهرها وسارت خطوتين ثم عادت إليه وقالت:
-عندي سؤال أخير…
-اسألي كل اللي إنتِ عايزاه.
ابتلعت ريقها باضطراب ثم سألته بتلعثم:
-هو إنت… إنت لو أنا موافقتش عليك، قصدي… يعني… عايز تتجوز وخلاص وهتدور على عروسه تانيه؟
ابتسم حازم ثم قال بمكر:
-أعتقد لو أنا عاوز أتجوز وخلاص ومش عايز واحده كده مستنيها بقالي كتير، كان زماني عملت كده من زمان، يعني مكنتش هستناكِ الفتره دي كلها!
-تمام فهمت.
انتبه الآن أنها تكرر جملة «تمام فهمت» كثيرًا، فاتسعت ابتسامته وقال:
-تمام أنا كمان فهمت.
ثم نهض واقفًا وقال:
-هستنى عمي يرد عليا… متتأخريش عليا عشان أنا تعبان فهماني؟
-تـ… تمام فهمت.
اتسعت ابتسامته، وخرجت هي مسرعة من الغرفة والإبتسامة عالقة على محياها.
صلوا على خير الأنام ❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
في تلك الليلة اقتنعت أسماء أنها مـ ـريضة نفسيه تحتاج للرعاية وللعلاج، فقد تعبا والديها لاقناعها بأن تذهب لطبيب نفسي لكنها كانت تنفي حاجتها لذلك.
خرجت من غرفتها لتتحدث مع والديها، وكان والدها يقرأ القرآن ووالدتها تمسك سبحتها وتستغفر الله، جلست جوارهما بصمتٍ، حتى انتهى والدها من التلاوة، نظر لها في صمت وترقب، فقالت:
-بـ… بابا أنا قررت أروح لدكتور نفسي… قررت أتعالج.
صمت والدها هنيهة ثم قال باقتضاب:
-تمام… بكره هحجزلك وأقولك بالميعاد.
-لا أنا حجزت خلاص…
-ماشي أمك هتروح معاكِ.
قالها ثم تركها ودخل غرفته، وتبعته والدتها، فأطرقت أسماء بحزن وانهمرت دموعها…
عادت لغرفتها، شعرت أنها وحيدة لا أحد يربت على قلبها، تسائلت ماذا فعلت لكل ذلك العقاب؟!
لازالت لا تدرك! لا تدرك حجم الأذى الذي سببته لأهلها ولغيرها! ولن تدرك أبدًا، فقد طغت عليها الأنانية وحب الأنا! وليـ ـحترق العالم حولها…
حملت هاتفها فرأت رسالة من صديقة قديمة، لا تعلم لمَ تذكرتها تلك الصديقة على حين فجأة!
تحدثا كثيرًا حتى اتفقتا على ميعاد للقاء…
وفي اليوم التالي
قابلتها أسماء وعانقتها بحبور، وأخذت تحكي لها ما حدث معها مؤخرًا وكيف ألحق بها زوجها الظلم وأخذ طفلها منها! ولم تخبرها أي ممَ فعلته مع زوجها، وفجأة ظهر «أحمد» فأشارت له صديقتها وصافحته وطلبت منه الجلوس…
ومن هنا بدأ طرف الخيط الذي أوصل أحمد لها، فهو من تحدث مع زميلته تلك وأقنعها بترتيب لقاء له مع أسماء…
لاحظت أسماء نظراته لها وكانت تسترق النظر إليه، وتشيح بصرها في سرعة قبل أن يلتقط نظراتها، أعجبت به وبشخصيته ووسامته…
وبعد هذا اللقاء، تبادلا أرقام الهواتف وتوالت اللقاءات بينهما، وبالطبع روت له مدى الظلم الذي لحق بها، واقتنع أحمد بما قالته، ووعدها أن يساعدها لتتجاوز ما مرت به ويكون طبيبها…
حتى أتى يوم وتقابلا، فقال أحمد:
-تتجوزيني يا أسماء؟
وضعت كوب العصير من يدها، وقالت:
-إنت قولت إيه؟!
-أنا بحبك.
ارتبكت أسماء وسألته:
-بالسرعه دي احنا منعرفش بعض غير من اسبوعين!
قال بابتسامة:
-دا بالنسبالك… إنما أنا أعرفك من زمان أوي وبحبك من أيام ثانوي… حتى لما جيت أتجوز دورت على واحده شبهك وهي فعلًا كانت جميله شكلًا لكن جواها ظلمه وأنا معرفتش أحبها، معرفتش أشوفها من جوه…
-اتطلقتوا ليه؟
-معرفتش أعيش معاها متفاهمناش…
ظهرت السعادة بعينيها، وظنت أن الله يعوضها عن حازم بأحمد، واندفعت بالقبول خاصةً حين سمعت أن حازم ينوي الارتباط بابنة عمه، فقررت أن تسبقه بخطوة، ووافقت، وتمت خطبتهما وزواجهما في غضون أسبوع…
وبعد إسبوعين من زواجهما قضتهم أسماء في سعادة وراحة برفقة أحمد الذي كان يقول دومًا:
«أنا أسعد انسان في العالم، بخاف أحسد نفسي على وجودك في حياتي فأصحى من النوم فجأه والاقيني بحلم.»
********
وفي ذلك اليوم استيقظت من نومها ظُهرًا، وكان أحمد بعمله، رأت ورقة على سطح الكومود كتب عليها أحمد:
«صباح الخير يا برنسس سمسمة، هرجع بعد العصر بساعه عشان نتغدى سوا يا أغلى حاجه في حياتي.»
تنفست بعمق وارتياح، كانت سعيدة، راضية، تمنت أن تظل أيامها وردية دائمًا، وأن تعيش عمرًا مديدًا جوار أحمد الذي يغرقها بحبه فقد كان يعاملها بمحبة ولطف والأهم أن نفسيتها مرتاحه بعيد عن كل الضغوطات التي كانت تجثم فوق صدرها في زواجها الأول لما فعلته مع عائلة حازم من مخططات وما كانت تواريه عن حازم وتخشى أن ينكشف أمرها في أي وقت، والآن اعتبرتها فترة ومرت وستُنشأ حياة جديدة وأسرة سعيدة مع زوجها أحمد…
غسلت وجهها وخرجت من المرحاض تزامنًا مع قرع جرس الباب فهرولت تفتحه زاعمة أن زوجها عاد باكرًا ليفاجئها كما اعتادت منه أن يفعل…
لكن حين فتحت الباب رأت خلفه فتاة جميلة بملامح رقيقة تقف والإبتسامة على محياها، قالت:
-صباح الخير يا دكتوره أسماء، أنا جارتك هنا في العماره… ممكن أتكلم معاكِ شويه.
طالعتها أسماء وهي تفكر، فقالت الفتاة:
-موضوع مهم… عاوزه أكلمك فيه.
-طبعًا اتفضلي.
وبتلقائية أفسحت لها أسماء الطريق ودخلت الفتاة وهي تنظر بأرجاء الشقة، قالت أسماء:
-تشربي إيه؟
-قهوه لو ممكن… سكر زيادة.
دقائق وخرجت أسماء بكوبين من القهوة وضعتهما على الطاولة، فقالت الفتاة:
-معلش ممكن كوباية ماية؟
-حاضر.
قالتها أسماء بابتسامة ودخلت المطبخ ثم خرجت بالماء، فشربت الفتاة الماء، وأخذت تتحدث عن جمال الشقة، ونظامها المبهر، وهما يرتشفان القهوة، ثم قالت الفتاة بنظرة خبيثة:
-بس أنا مش مصدقه! إنتِ بقا اللي أحمد اختارك.
-مش فاهمه؟!
-مش فاهمه ايه! هو مقالكيش إنه خاين؟ أحمد خاين… هو السبب في كل اللي أنا فيه.
تجهمت أسماء، فضحكت الفتاة ثم قالت:
-متقلقيش أنا جايه أباركلك… والقهوه اللي شربتيها دي هديه مني ليكِ بألف هنا.
جحظت عيني أسماء وسقط الفنجان من يدها لكنها كانت شربته بالكامل، وتذكرت أسماء ما فعلته مع نجمه وإيمان وكيف وضعت السم في الشاي، هل أتاها الموت الآن بعدما أحبت الحياة! قالت بقلق:
-حاطه فيها إيه؟
سرعان ما آلمها بطنها فصرخت تستغيث والفتاة تضحك بعمق، ثم قالت الفتاة:
-عن إذنك، أسيبك بقا تاخدي راحتك…
رفعت الفتاه يدها التي كانت ترتدي بها قفاز أسود ولوحت لأسماء بابتسامة خبيثة، ثم خرجت من الشقة، وتركت أسماء تتلوى وتزحف على الأرض لتصل لهاتفها في الغرفة…
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★★
وافقت «أمينة» على عرض الزواج من حازم…
واليوم هو عقد القران…
عاش حازم الأسابيع الماضية في سعادة يجهز لحفل زفافه وكأنه يتزوج للمرة الأولى…
دخل لشقته ووضع أكياس كانت بيده، تنفس بعمق وهو يتأمل شقته بعدما انتهت أمينه من ترتيبها، استنشق رائحتها وكأنه يدخلها لأول مرة، كل شيء بدا مختلفًا، راحة ودفئ لم يعهده في زواجه الأول، أفاق من شروده على صوت طرقات الباب، ونداء أخته«شروق»:
– يا عريس! حازم…
فتح الباب وقال بابتسامة مرحة:
-هو إنتِ يا بت عايزه مني ايه! بتلفي ورايا ليه؟
-بتطمن عليك تكون عايز حاجه كده ولا كده.
-وأنا لو عوزت حاجه هطلبها منك إنت ليه!
كانت بطنها متكورة أمامها قليلًا تمسك بيدها خيارتين أكلت قضمة ثم قالت:
-شامه ريحة تريقه عليا عشان حامل! ماشي بكره أولد واتريق على أمينه لما تكون حامل، يعني هردهالك في مراتك… المهم مش عاوزني أكويلك حاجه؟
-لا يا شروق متتعبيش نفسك أنا أصلًا رايح أحلق وأظبط نفسي.
-طيب ما تيجي أحلقلك دا أنا شاطره أوي وبحلق لميسره جوزي دائما…
-لا موتشكر مش ناوي أخاطر المخاطرة دي، لو جوزك أهـ ـبل فأنا الحمد لله لسه بعقلي.
ضحكت شروق وظهر حاتم فجأة وهو يقول:
-ايه يا عريس مش عايز حاجه أعملهالك؟
-إنت كمان! لا يا سيدي شكرًا.
قالها حازم وبحركة سريعة قبله حاتم من خده وقال:
-أخويا الغالي عريس.
مسح حازم مكان القبله وهو يقول بتقزز:
-قولتلك كام مره بلاش بوس يا غتت…
قالها حازم وصفع الباب بوجههما، وقف حاتم يضحك وهو يطبل على بابه ويغني، بينما قالت شروق بمرح:
-الله! وأنا مالي ذنبي ايه يتقفل الباب في وشي…
-يلا ننزل عشان شكله مش هيفتح تاني…
قالها حاتم ضاحكًا، وقبل أن ينصرفا فتح حازم الباب وقال:
-ادخلوا لكن متعملوش دوشه…
قال حاتم بمرح:
-حاضر هنقعد مؤدبين.
ضحكوا وضمهم حازم بفرحة، وسعادة…
استغفروا ♥️
★★★★★
وفي المساء قبيل المغرب
بعدما رفضت أمينة أي مظاهر للإحتفال، جهزوا حفلة صغيرة بحضور العائله في بيت حازم بعدما يُكتب كتابهما ببيت والدها أولًا…
ربما كانت سعيد لكن سعادتها بالزواج كانت منزوية في ركن ضئيل من قلبها بينما الخوف من المستقبل والقلق على ابنتها والحيرة من موافقتها سيطروا على باقي أركان قلبها…
كانت ترتدي فستان أبيض رقيق وواسع يخلو من التطريز، تجلس على المقعد، وقلبها يختلج تنتظر دخول والدها لتمضي على العقد، بينما كانت ابنتها تقف قبالتها ترتدي فستانًا يشبه خاصتها وتدور به بفرحة بين حين وأخر وابن حازم يرتدي بدلة أنيقة ويبتسم وهو يتابع ليان الصغيرة…
دقائق وطُرق الباب فظنت أن والدها سيدخل بالأوراق لكن نادتها والدتها لتخرج هي إليهم، فقالت:
-لأ… هاتولي الورق هنا… أنا مكسوفه أخرج.
-يلا يا أمينه محدش بره غريب كلهم قرايبنا.
-طيب…
قالتها أمينة بعد تنهيدة ثم خرجت تحاوطها زغاريد والدتها، وترتعش شفتيها بابتسامة مضطربة…
دقائق أخرى حتى ردد الجميع خلف المأذون:
«بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير »
لم يكن هناك فرصه لأي شيء باغتها حازم بأن أمسك يدها التي كانت باردة ليتجهوا لبيته، وكانت تنظر له بارتباك، فمال على أذنها وسألها:
-مالك؟
-مفيش… متوتره شويه.
شدد قبضته على يدها، وقال:
-مفيش حاجه تستدعي التوتر اهدي…
-تمام فهمت.
ابتسم حازم وخرج معها وسط الزغاريد، حتى وصل سيارته وركب جوارها وقادها حاتم، الذي قال:
-مبارك يا عروسه ربنا يسعدكم يارب.
-الله يبارك فيك يا حاتم…
لم تكن المسافه طويله، شارع واحد بين البيتين…
وعند البيت
ارتجل حازم من السيارة مع أمينة وكانت الوجوه متجهمة، والأصوات هادئة، والاستقبال بارد عكس ما توقعه حازم، وهناك همهمات جانبية لم يسمعها، فصعد لشقته دون أن يسأل عما حدث، اقتربت شروق منه تسلم عليه فسألها:
-حاسس إن فيه حاجه؟!
-أه… لا… قصدي أيوه… مش عارفه بقا…
أشار لحاتم ليقترب منه، وسأله:
-فين الحفله اللي قلت هتجهزها يا حاتم؟
-ما هو ماما قالت بلاش حفله أصل…
قالها حاتم وزم شفتيه بصمت، فتدخلت دلال وقالت دفعة واحدة:
-أسماء اتوفت يا حازم من شويه وصلنا الخبر… ووالدتها كمان حالتها صعبه بيقولوا في غيبوبه وأبوها ربنا يعينه…
هب حازم واقفًا وقال بصدمة:
-اتوفت ازاي؟ هي مش كانت اتجوزت؟
قالت والدته:
-بيقولوا انتـ ـحرت.
عاد حازم يجلس دون نطق، نظر لأمينه، ثم نكس رأسه وصمت…
دقائق وخرج الجميع من شقته عدا ابنه «لؤي» وابنة أمينة «لَيان» اللذان أصرا على البقاء…
جلس حازم صامتًا حاول التظاهر بالهدوء والامبالاة لكن داخله يتلوي ويصرخ لمَ يا أسماء؟ لمَ؟
اقترب منه ابنه وقال بطفولية:
-بابا هي ماما بقت قديمه وإنت غيرتها…
ضمه حازم لصدره وبكي، ورأته أمينه فقد كان يحاول التماسك أمامها، سحبت أمينه الطفل من بين ذراعي حازم بلطف، وخاطبت لؤي:
-روح إلعب مع ليان يا حبيبي.
عاد لؤي للعب، فمسح حازم وجهه وأطرق هنيهة، وكانت أمينه تجلس جواره تقرض أظافرها وترتب كلماتها، نظرت له ثم قالت:
-عيط يا حازم متكتمش جواك… إنت قولت إنك عايز تتجوز عشان تلاقي شريكه في كل حاجه وأنا وافقت… أنا هنا عشان أشاركك حزنك قبل فرحك يا حازم…
نظر حازم بعينيها لبرهة ثم ضمها وبكي وهو يقول:
-صعبان عليا ابني أوي… ليه هو يدفع ثمن غلطه أنا اللي عملتها؟ أنا اللي مختارتش صح من البدايه… أنا السبب عشان يتحرم من أمه.
-أنا هكون أمه.
قالتها أمينه بدموع، بينما كان الطفلان يتابعان ما يجري، وكيف يبكي حازم كطفلٍ صغير، فقالت أمينة:
-بالله عليك تهدى… بص قوم ندخل الأوضه العيال بيتفرجوا علينا…
قال حازم بصوت متحشرج ومختنق بالدموع:
-سيبيني يا أمينه خديهم وسيبيني…
ربتت أمينه على ظهره وقالت:
-طيب لحظه واحده ورجعالك.
اقتربت من الطفلان وقالت:
-ايه رأيكم تدخلوا تلعبوا جوه عند التلفزيون.
قفز الطفلان بفرح وتبعاها حتى الغرفة، وقبل أن تخرج سألها لؤي:
-هو بابا بيعيط ليه؟ مين ضـ ـربه؟
انحنت أمينه لمستواه وقالت:
-بابا تعبان شويه ومتقلقش هيغسل وشه ويبقى كويس… العبوا انتوا اتفقنا؟
أومأ لؤي وانشغل باللعب مع ليان، نظرت لهما أمينه لبرهة وهما يلعبان ثم خرجت فوجدت حازم يستعد للخروج من المنزل، قال:
-أنا آسف يا أمينه بس الواجب بيقول إني أروح لأبوها وأقف معاه لأنه ملهوش حد…
-طيب لكن…
وقبل أن يخرج من الباب ركضت إليه وقالت:
-أجي معاك؟
نظر لها بصمت، فظنت أنه يحتاجها لذا أضافت بإصرار:
-أنا هاجي معاك… هنزل الأولاد عند ماما وأجي… ولو مش عايزني أنزل من العربيه مش هنزل… ماشي؟
-طيب ماشي… يلا مستنيكِ.
تنهدت أمينه بارتياح وركضت لترتدي ثيابها، ثم عادت إليه مع الأولاد…
رددوا
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★
وفي مركز الشرطه جلس «أحمد» جوار والد أسماء، كانا يبكيان، قال أحمد:
-أنا اللي حسدت نفسي… مكنتش مصدق إن السعاده دي كلها ليا أنا!
قال والدها:
-عيالي الاتنين ماتوا ومراتي بين الحياه والموت يارب لو مراتي هتمـ ـوت ريحني أنا كمان يارب أصل هعيش أعمل ايه!
التفت له أحمد وقال:
-وأنا روحت فين أنا ابنكم يا عمي… وان شاء الله واثق إن ماما هتقوم بالسلامه… وحق أسماء هيرجع…
قال والدها بصوت مختنق ومتهدج بالبكاء:
-يعني طليقتك سممت بنتي… سبحان الله بنتي عملتها قبلها وكانت عاوزه تنتحـ ـر وتاخد معاها أربع أرواح… اه يا قلبي… أنا قلبي مولع يابني ياريتني ما وافقت أنها تتجوز كنت فاكر إنها هترتاح…
ظلا يبكيان لفترة حتى رأى أحمد طليقته تخرج من إحدى المكاتب مكبلة اليدين وعيناها متورمة من البكاء، دنا منها وصفعها على وجهها فأمسك به الشرطي، هدر بها أحمد بحرقة:
-لــــــيــــــه؟ لـــــيه كده؟!
طالعته بجمود ولم ترد، فقال:
-كنتِ فاكره إنك لما تلبسي جوانتي مش هنوصلك من بصماتك! مكنتيش عارفه إني ركبت كاميرات في الشقه! هتفضلي طول عمرك رخيصه وو**سخه.
قالت بابتسامة ساخرة:
-وإنت بقا كنت مركبلها كاميرات في الشقه عشان فاكرها هتخونك زي ما إنت عملت مع أعز أصحابي وأنا رديتهالك مع أعز أصحابك!
زمجر أحمد بغضب:
-أنا مخونتكيش إنتِ اللي تعبانه في دماغك… أنا عمري ما كان بيني وبين صاحبتك حاجه! صاحبتك كدابه هي اللي حاولت معايا كتير ولما موافقتش أقنعتني إنها مش عايزه تخسرك وفي يوم كلمتني وقالت انك تعبانه ولما روحت شربتني عصير ومحستش بنفسي… قولتلك الكلام ده قبل كده افهمي بقا.
-كـــــــــذاب… وأنا خدت حقي منك مكنش ينفع تعيش سعيد…
قالتها صارخة فاندفع نحوها وكاد يضـ ـربها لولا أن ردعه الشرطي، وجذبتها أخرى وهي تهدر بها:
-امشي…
بينما أطلقت الفتاة «طليقة أحمد» ضحكات ساخرة جلجلت بأرجاء المركز وهي تسير نحو الحبس، وصاحت بأعلى صوتها:
-لو أنا هتعدم وهمـ ـوت مره فأنت هتمـ ـوت كل يوم يا أحمد… أنا فرحانه فيك… فرحانه فــــيــــك…
-اخـــــــرســـــــــي….
صاح بها أحمد، ولكزتها الشرطية بعصا غليظه لتصمت، بينما وقف هو يبكي ويصرخ وهو ينادي باسم أسماء ويأنب نفسه لأنه تزوج بها فلو لم يفعل لكانت الآن بين أهلها، صاح بأعلى صوته:
-أســـــمـــــاء…
واختلط نداءه مع صوت والد أسماء الباكي:
-يا بنتي… آه يا بنتي…
لكن الآن لم تعد أسماء موجودة لتُلبي النداء أو لتسمع أي شيء…
وبعد فترة من الإجراءات القانونية تم إخراج تصريح الدفن، سند أحمد والدها وخرجا من مركز الشرطة ليستلمان جثمان أسماء لدفنه…
*******
ظلت أمينه بسيارة حازم فترة طويله تنتظره وهي تسمع صوت صلاة الجنازة على أسماء وتبكي وتدعو لها بالرحمة والغفران…
ومن ناحية أخرى وقف حازم بعيد أثناء دفن جثمان أسماء، حاول أن يكبح عبراته لحين انفراده بنفسه لكن لم يستطع، في تلك اللحظه لم يتذكر أسماء الخبيثة الشريرة بل تذكر جانب أحبه منها في بداية علاقتهما، جانب تصنعته أمامه لفترة ثم زال، تمنى لو كانت طيبة، الآن أشفق عليها وبكي كثيرًا بين الناس، ودعا لها بالرحمة.
راح يسند والدها حتى رأى أحمد زوج أسماء الذي كان في حالة مزرية، لكنه كان يسند والد أسماء ويقف معه وكأنه ابنه، فابتعد حازم وأيقن أنه لا داعي لبقاءه.
عاد لسيارته، نظر لأمينة الذي كان أثر الدموع عالقًا بأهداب جفونها، ابتسم بحزن وقال:
-آسف سيبتك لوحدك فتره طويله.
-مش مهم معنديش مشكله أهم حاجه تكون إنت كويس.
أمسك يدها وقال:
-هكون كويس يا حبيبتي عشانك وبفضل وجودك جنبي أنا متأكد إني هكون كويس.
-إن شاء الله.
قالتها أمينة وربتت على يده وانطلق حازم لبيته…
وبعد فترة طرق حازم باب والدته ففتحت شروق التي ظهر عليها البكاء، قالت:
-ادخلوا دول كلهم جوه.
سأل حازم وهو يدخل:
-مين كلهم؟
لم ترد شروق ودخل حازم ليرى تجمع، دلال وزوجها واولادها ونجمه وكريم وابنتهما وإيمان وحاتم وشروق وميسره…
كان الحزن ظاهرًا على ملامحهما، حتى أن إيمان ظهر صوت ارتشافها للدموع عدة مرات، فقالت والدة حازم:
-كفايه يا ايمان عشان اللي في بطنك.
-حاضر.
قالتها إيمان بصوت متحشرج ونهضت لتدخل إحدى الغرف، فتبعتها نجمه ثم شروق فأمينة…
وأصوات بكائهن تداخلت للحظات ثم انقطع الصوت وساد الصمت…
قال حازم:
-إنتوا بتعملوا ايه هنا لحد دلوقتي قوموا روحوا…
نهض كريم وربت على ظهر حازم ثم قال:
-متقلقش احنا هنبات عند عمتك النهارده… وحاتم هيبات هنا… المهم إنت تروق كده ومتنساش إنك عريس النهارده!
عاتبته والدته:
-بقا كده يا حازم تاخد أمينه معاك العزاء! دي عروسه يابني، حرام عليك دا البت مفرحتش يا حبة عيني.
صمت هنيهة ثم قال:
-هي اللي أصرت تيجي يا ماما…
نهض زوج عمتهم دلال، وقال:
-طيب احنا هنمشي بقا… مبروك… آآ… قصدي البقاء لله.
تلعثم زوج دلال فزفرت والدة حازم وقالت بحزن:
-أهو جوز عمتك اتلغبط مبقاش عارف يباركلك ولا يعزيك…
افتر ثغر حازم بابتسامة فاترة ونهض هو الأخر وقال بتعب:
-الحمد لله على كل حال… هستأذنكم أنا كمان عشان عايز أريح…
نادى حازم أمينه فخرجت مسرعة وأخذت والدة حازم توصيها بابنها، وقالت دلال بهمس:
-إنتِ وشطارتك بقا يا أمينه طلعي جوزك من الحاله دي، يعني روقي عليه كده…
سمعها حازم وهي تقول بتلعثم:
-تـ… تمام فهمت.
صعدا لشقتهما
هوى حازم جالسًا على الأريكة، ووقفت هي تفرك يدها وتقلب نظراتها بارتباك، نظر لها حازم وقال:
-هما ليان ولؤي فين؟
-ماما قالت نايمين وخليهم عندها للصبح.
-لـــيـــه مفكرتنيش أجيبهم؟
قالها بانفعال، فقالت بتوتر وخوف:
-ما هو…
هب واقفًا وهدر بها:
-أخر مره العيال يباتوا بره بيتهم يا أمينه، فاهمه؟!
اختلج قلبها من صوته المرتفع، ابتلعت لعابها وقالت بخوف شديد:
-تمام فهمت.
أضناه الندم لرفع صوته عليها! ألا يكفيها مرارة اليوم؟ وقفت تفرك يدها، وحين رأته يقترب منها انتفضت وعادت للخلف وهي تتذكر طليقها وكيف كان يضـ ـربها، سالت دموعها وهي تعود للخلف وتقول بصوت مرتعش:
-والله مش هعمل كده تاني بس بلاش ضـ ـرب.
توقف مكانه بصدمة وقال:
-ضـ ـرب! إنتِ متخيله إني همد إيدي عليكِ! دي تتقطع قبل ما أعمل كده.
وقفت تُطالعه ولم تعقب، فضمها وهو يقول:
-أنا آسف يا أمينه… آسف على يومنا اللي اتقلب ده، بس أوعدك هعوضك.
قالت بصوت متحشرج:
-مش مهم تعوضني بس إوعدني متضـ ـربنيش.
ربت على ظهرها بحنو وهو يكرر اعتذاره منها ويقطع لها وعودًا كثيرة، ثم اعترف لها قائلًا:
-تعرفي إني قلبي دق ليكِ زمان واحنا صغيرين واتمنيت اتجوزك بس كان اتقدملك عريس بقا وسبقني وساعتها زعلت أوي…
-و… و… ونجمه؟
هز عنقه نافيًا وقال بانفعال:
-أنا قولتلك نجمه زي أختي، أنا تعبت وزهقت…
انتفضت أمينة وابتعدت عنه خطوات، فتنفس بعمق وعاد يعتذر، وقال بهدوء:
-معلش سامحيني أنا مضغوط يا أمينه… اعذريني.
-تمام فهمت.
قالتها بنبرة مرتعشة، فاقترب وأراد أن يلمس وجهها وأنا يطمئنها، لكنها رفعت يدها بخوف لتحمي وجهها وكأنها ظنت أنه سيضـ ـربها، أدرك حازم حجم معاناتها في زواجها الماضي وضمها إليه بقـ ـوة وهو يقول بحزن:
-يا حبيبتي قسمًا بالله ما يتقال عليه راجل اللي يمد إيده على واحده المفروض إنها جزء منه… أمينه أنا لو في يوم ضـ ـربتك هتوجعني أنا… يا بنتي أنا عايزك تتطمني ايدي دي مش هتتمد عليكِ إلا لو هتطبطب عليكِ.
-تمام فهمت.
قالتها ثم شددت ضمه وبكت وهي تقول:
-أنا اتبهدلت أوي يا حازم.
-انسي… انسي اللي فات، وأنا كمان لازم أنسى…
وبعد فترة
هدأ الإثنان بعدما تحدثا كثيرًا، ثم صمتا، فقالت أمينة:
-عايزه أعترفلك بحاجه.
-هااا؟
-أنا كمان قلبي دق ليك زمان لكن… كنت فاكراك بتحب نجمه فوافقت على العريس اللي اتقدملي عشان أنساك ومفكرش فيك…
اعتدل في جلسته وقال:
-أهو الكلام ده أثبتلي إن المره دي قلبي وعقلي اتفقوا يبقا القرار صحيح… أمينه أنا بحبك.
قالها فابتسمت وضمها مجددًا وهو يتذكر أسماء…
فشتان بين هذه وتلك…
حين ظنت أمينه أن قلب حازم ليس لها لملمت مشاعرها وانصرفت بحثًا عن الحلال، أما أسماء فظنت أن كل شيء مباح في الحب! وحاربت لتظفر بقلبٍ لم يكن لها من البداية، فخسرت ونالت جزائها…
استغفروا ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
بعد عام
على شاطئ البحر بالغردقة اجتمعت العائلة مع ضيفان جديدان، طفلان بعمر أشهر تحمل إيمان طفل يشبه حاتم وتحمل شروق طفلة تشبهها تبكي فتسكتها شروق بهدهدتها…
مال حازم على أمينه وقال:
-إيه بقا مش هننجز كده ونجيب حد يملى حياتنا واء واء وء وء واء.
قالت أمينه:
-بس يا بابا ربنا يهديك ربي عيالك واسكت.
-قصدك ليان ولؤي..
اومأت بابتسامة فقال:
-بس أنا عايز أخت لليان…
-بطل زن يا حازم الله يرضى عليك… احنا كفايه علينا ليان ولؤي نربيهم تربية صح ونجوزهم لبعض ويعيشوا معانا العمر كله… دي أُمنية حياتي.
نظر حازم نحو لؤي وليان وهما يلعبان بالرمال على الشاطئ وقال:
-تصدقي حلوين زي بعض، هيبقوا عريس وعروسه قمر.
حين رأت ليان نظرات والدتها ركضت إليها وضمتها ثم جلست على فخذها، فسندت أمينه ذقنها على رأس ابنتها، وقالت:
-ايه رأيك تتجوزي لؤي يا ليان؟
-اه…
قالتها ليان وسمعها حازم فنظر لأمينة بحدة، وقال للطفلة:
-اجري يا لوله، لؤي بيناديكِ..
ركضت الطفله، فزجر حازم أمينه قائلًا:
-إياكِ تقولي كده تاني يا أمينه.
-هي فاهمه حاجه يا حازم؟
-متغلطيش غلطه زي دي يا أمينه، تعلقي البنت بالواد، أو تعلقي الواد بالبنت محدش عارف الأيام فيها إيه، افرض بقا لؤي موافقش عليها أو حصل أي حاجه والبنت موافقتش عليه! قلبهم هيتكـ ـسر، والقلب لما بيتكـ ـسر يا أمينه صعب يرجع يترمم بسهوله.
أومأت أمينه وهي تقول بابتسامة:
-تمام فهمت.
قال حازم وهو ينظر للطفلان:
-أنا هربيهم صح لازم أعلمهم الحدود بين الولاد والبنات، هما إخوات وكل حاجه بس للأسف برده مش اخوات…
نظرت له أمينه مطولًا وهي صامتة، فنظر لها لبرهة ثم قال بصوتٍ رخيم:
-هااا عاوزين نجيبلهم إخوات بقا…
-يــــــــوه يا حازم.
نهضت أمينه واقفة وقالت بنزق:
-أنا مش هقعد معاك…
التفتت أمينه حولها فوجدت دلال تجلس مع والدة حازم، فصاحت وهي تتجه نحوهم:
-يا عمتو دلال… يا مرات عمي… وحشتوني.
ضحك حازم وتبعها، جلس جوارها وأخذ يحكي لوالدته عن رغبته في أطفال، وهما يقنعونها بتلبية رغبته، فنهضت واقفة وقالت:
-بقولكم إيه… أنا نازله البحر.
قال حازم:
-بحر! نازله فين باللبس ده إنتِ مش قولتِ مش هتنزلي!
كانت ترتدي فستان واسع، قالت:
-يبقى هتمشى شويه ولوحدي على الشط.
تبعها حازم وهي تسير على الشاطئ وكان ينحني يملأ كفه بالماء ويقذفها عليها مبتسمًا، وهي تلتفت وترشقه بوعيد، حتى نفذ صبرها فنظرت إليه وأخذت تفعل مثله، ضحك حازم وهو يرشها بالمياه وهي تفعل مثله وتضحك، وركض أولادهما يفعلان مثلهما ثم حمل حازم ليان وحملت أمينة لؤي وقالت:
-واد يا لؤي تتجوز بنتي ياض؟
قال الطفل بضحك:
-ماشي يا ماما.
رشقها حازم بحده فمدت لسانها للخارج، فابتسم حازم وقال:
-لينا بيت يلمنا وهندمك على الحركه دي… يا عنديه.
-ولا يهمني…
قالتها بضحك، فحاوط حازم كتفها وهي تحمل ابنه وهو يحمل ابنتها ويسيران على الشاطئ ومن خلفهم تتابعهم والدة حازم ودلال التي قالت:
-الأيام بتتقلب وكل حاجه بتتغير حتى القلوب… ربنا يسعد قلبك حازم… حازم طيب ويستاهل كل خير.
-لعلمك يا بت يا دلال عيالي كلهم عاقلين وطيبين.
قالتها والدة حازم بغرور، فظهرت شروق تركب فوق ظهر خيل وتصرخ:
-وقفه يا ميسره مش راضي يوقف.
فقالت والدتها:
-إلا البت دي معرفش طالعه لمين!
ركض ميسره خلف شروق وهو يقول:
-شدي الحبل لورا هيوقف.
فعلت كما قال، فلم بتوقف، فصاحت:
-مش بيقف الحقوني.
صاح ميسره:
-طيب سيبي الحبل كده.
تشبثت به شروق وهي تصيح:
-مش عارفه أسيبه…
صاح ميسرة ساخرًا:
-مش سألتك بتعرفي تركبي خيل قولتيلي ولا أجدعها فارس!
وأخيرًا توقف الخيل ونزلت شروق ووقف الجميع يضحكون عليها، فقال حازم لأمينة:
-بتعرفي تركبي خيل؟
قالت أمينه بضحك:
-طبعًا ولا أجدعها فارس.
قال حازم بضحك:
-تمام فهمت.
«وشريكًا تنتقل إليك عدوى كلماته، فيراك من يراك نسخة منه، ويراه من يراه نسخة منك.»
تمت

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية روحي تعاني 4 (لتطيب نفسي))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى