روايات

رواية غوثهم الفصل السادس والعشرون 26 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل السادس والعشرون 26 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الجزء السادس والعشرون

رواية غوثهم البارت السادس والعشرون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة السادسة والعشرون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل السادس والعشرون”
“يــا صـبـر أيـوب”
________________
يا رب قد فسد الزمان فنجني
وقلت حيلتي فتولني،
يا رب من كل المصائب عافني،
ولو عجز الطبيب فداوني،
يا رب يا كافي من كل شر اكفني.
لقد ضعفت يا ربي ولا غيرك يقويني ..
لقد يئست ولم أفقد فيك يقيني ..
لقد ضعت ولا سواك يهديني ..
لقد غرقت وأنت وحدك منجيني.
_”الطبلاوي”.
_____________________________
“لعلَ البلاء الذي لا تحبه يقودك إلى قدرٍ جميلٍ لم تكن تحلم به”
حينما وقع بصري على تلك العبارة لم أفهمها أو بالأحرىٰ لم أشعر بمصداقيتها، لكن ثمة قدرٍ جمعني بكِ أراد أن يخبرني عن الجواب فيكِ، ومن الأغرب لغريبٍ مثلي أن يرى فيكِ الجواب، كنت أنا التائه وأنتِ العنوان، كنت الزاهد وأنتِ الغواية، كنت الغريب وأنتِ الوطن، كنت الوحيد وأنتِ الونس، كانت الدنيا الداء وبقربك الدواء، لا يهمني من أنتِ أو من أنا….فقط كل ما أريده أنا أبقى بجواركِ هُنا.
<“صامد وشجاع…لم أعرف يومًا الخداع”>
اتسعت عينا “أيوب” وعلم أن “سعد” وصل لحد الثمالة وأن العقل لم يكن به لو ذرةٍ حتى يتعامل معه بها وخاصةً وهو يمسك بالطفلة بين يديه فأضعف الإيمان لشخصٍ مثله أنه يلقيها على الطريق لذا وقف “أيوب” يحاول التوصل لحلٍ ينقذ الصغيرة من بين براثن ذئبٍ مثله انتُزِعَت الرحمة من قلبه، وهنا هتف صوت عقله بقوله:
_هيا…هيا يا “غَــوثْ”.
كان هذا قول عقله ينبئه بكيفية التصرف فيما هو مقبلٌ عليه لذا تنهد بعمقٍ وقال بخضوعٍ للأخر:
_براحتك يا “سعد” اتفضل بقى رَوحها علشان دي عيلة صغيرة وأكيد المدام قلقانة على أختها، مش كدا؟؟.
فرق “سعد” جفونه الملتصقة ببعضها بصعوبةٍ بالغة بسبب المخدرات التي يتناولها باستمرارٍ، أراد أن يمعن النظر في وجه من يحدثه لكنه فشل لذا تمسك بالصغيرة أكثر ورفع قدمه فوق الرصيف حتى يسير بالصغيرة وقد أولاه ظهره لكي يسير في طريقه، وقبل أن يلوذ بنفسه وجد “أيوب” ينقض عليه من الخلف يكبل جسده وقد فعل هذا بعدما ضمن أمان الصغيرة التي سكتت فور رؤيتها له، وقبل أن ينطق “سعد” خطف “أيوب” الصغيرة منه يحملها على ذراعه وباليد الأخرىٰ قبض على عنق “سعد” قائلًا من بين أسنانه:
_لو سمعت ليك صوت أنا هخلص عليك.
دفعه بيده ثم اتجه بالصغيرة نحو السيارة يضعها بداخلها وما إن أجلسها على المقعد المجاور لمقعد قيادته أمسك وجهها بين كفيه يحدثها بلطفٍ ويقول:
_مش عاوزك تخافي هو كان بيهزر بس هزاره رخم شوية خليكِ هنا وأنا راجعلك، تمام ؟؟.
حركت رأسها موافقةً وهي تشهق بنفسٍ متقطعٍ جعله يبتعد عنها ثم أغلق باب السيارة عليها وتبدلت نظرته إلى أخرى يكرهها ويكره نفسه بلحظتها لذا قرر إنهاء هذه اللعبة السخيفة في أقرب وقتٍ وقد سحب قنينة فخارية ثم اقترب من “سعد” الذي كان يبعد عنه بخطواتٍ بسيطة ثم فاجئه بالمياه وهو يلقيها عليه حتى شهق الأخر من صدمته بالمياه، بينما الأخر لم يكتفي بهذا بل قام بكسر القنينة فوق رأسه.
لم يجد مقاومة أو حتى رفض بل ترنج من الأخر جعله يسحبه من تلابيبه وهو يقول من بين أسنانه بغيظٍ ازداد في صدره وتفاقم حتى وصل أشده:
_متراهنش على صبري كتير علشان صحيح بالي طويل بس إيدي اتقل، حظك أني مش فايقلك، بس خاف مني لما أفوقلك.
دفعه على الرصيف ثم عاد إدراجه إلى السيارة لهذه الصغيرة التي ابتسمت بفخرٍ وسعادةٍ قرأها على تعابيرها فور اقترابه من السيارة، سعادةٌ نطقت بها عيناها وارتسمت بين جفونها وكأن هُناكَ بارعٌ أبدع في رسم هذه السعادة بين جفنيها، فتح باب السيارة الخاص بجلوسها يسألها بنبرةٍ هادئة بعدما أبتسم لها هو الأخر وكأنه اقتبس الفرحة من نصوص فرحتها:
_إيه رأيك؟؟ مرضية كدا ولا تحبي أكمل عليه؟؟.
حركت رأسها نفيًا وهتفت بحماسٍ أعرب عن فرحتها به:
_أنتَ شاطر أوي يا عمو “أيوب” برافو عليك.
أبتسم لها ثم سألها عن سبب تواجدها هنا في هذا الوقت بقوله بنفس النبرة الهادئة:
_هو أنتِ إيه اللي نزلك في الوقت دا ؟؟ مش عادتك تتأخري كدا وفي البيت مش بيسبوكي تنزلي لوحدك.
أخبرته بأسفٍ وهي تهرب من النظر إليه بتوترٍ سيطر عليها أكبر من عمرها:
_أنا كنت بجيب حاجة بس كان عاجبني سلسلة بسأل عليها علشان….علشان عاوزاها لـ “عهد” معرفش إن المكان بعيد كدا.
أبتسم لها بحبٍ فاض من نظراته لها وتنهد بعمقٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة رخيمة ولازال مُقدرًا لمشاعرها:
_هو موقف حلو وكل حاجة بس مينفعش لوحدك، كان ممكن تستني بالنهار أو لو حد كبير معاكِ، يلا نروح ولا عاوزة تجيبي حاجة تاني؟؟.
حركت رأسها نفيًا وقالت بنبرةٍ طفولية يخالطها المرح:
_جيبت خلاص، يلا علشان اتأخرت.
تحرك هو من مكانه وركب السيارة من جديد يقودها إلى حيث بيت الصغيرة التي اتضح الخجل عليها بسبب فعلتها وعدم تحسبها لأي أخطارٍ قد تقع بها والخوف الحقيقي ظهر عليها من شقيقتها التي حتمًا ستوبخها بل وتقاطعها أيضًا إن تطلب الأمر.
_______________________________
<“قوي الإرادة…. لكنني أشعر”>
تنهدت “قمر” بسعادةٍ ثم ردت على “ضُحى” تخبرها أنها خرجت مع شقيقها حتى أغلقت الأخرى المكالمة معها والتفتت “قمر” لتعود كما جاءت إلى هنا لكنها شهقت بخوفٍ ما إن رأت أحدهم يقف خلفها وقبل أن تعنفه رفع كفه يضعه على فمها يكممه قبل أن تفضح أمره.
زاغ بصرها وتحرك بؤبؤاها بخوفٍ ودب الرُعب في أوصالها، المكان المظلم وصدى الأغاني العالية الحماسية جعل ضربات قلبها تتزايد بشكلٍ ملحوظٍ حتى أن صوتها فر بعيدًا عنها فلم تجده حتى تسأل هذا الوقح الذي يُكمم فمها بيده وما إن انتبهت لهذا وأنه يلمسها ابتعدت عنه فورًا بقدر ما سمحت لها المساحة التي تقف بها فوجدته يسألها بثباتٍ:
_أنتِ مين وبتعملي هنا إيه؟؟.
سألته هي بحدةٍ واندفاعٍ تأهبت به أعصابها:
_أنتَ اللي مين؟؟ و…وإزاي تقرب مني كدا.
عادت خطوة للخلف بخوفٍ منه وهو يتابعها بعينيه لكنها ترنحت بعدما دهست على طرف فستانها بحذائها فوجدته يقترب منها يمسكها بلهفةٍ يحول بينها وبين وقوعها وهو يقول بسخريةٍ:
_ياستي أنتِ سكرانة ولا إيه ؟؟.
حاولت دفعه بعيدًا عنها فوجدته يضغط على مسكته أكثر قائلًا بلهجةٍ ثابتة وكأنه يأمرها بقوله:
_اثـــبـتـي !! أنتِ مين وبتعملي إيه هنا !!.
همت بدفعه من جديد والدفاع عن نفسها لكن هناك صوتٌ قوي جعلها تشهق بدهشةٍ اخرجتها تلقائيتها من جوفها فوجدت “يوسف” يقترب منهما وحال بينهما كما الحصن الحامي لبلدته، فوقفت هي خلفه ولا تعلم كيف أصبح أمامها في طُرفة عينٍ فيما رفع هو كفه يمسك فك الأخر قائلًا من بين أسنانه بغضبٍ أعلن عن نفسه فورًا:
_أنتَ مالك ومالها ؟؟ بتيجي جنبها ليه يا “سراج”؟؟
رفع “سراج” حاجبيه وهتف مُستخفًا به:
_اهدا على نفسك ياعم الحلو، أنا جاي أعمل مكالمة لقيتها واقفة لوحدها افتكرتها تايهة، معرفش إنها تخصك.
رمقه “يوسف” بغيظٍ من نظراته ثم دفع رأسه للخلف والتفت لشقيقته يسألها بنبرةٍ حاول جعلها هادئة حتى لا يُزيد من خوفها:
_أنتِ كويسة ؟؟ مش عاوزك تخافي.
حركت رأسها موافقةً تُطمئنه لكن صوتها أبى الخروج وكأنه طفلٌ أعترض على قرار والده فالتفت من جديد برأسه يحذر الواقف أمامه ببرودٍ وكأنه لا يهمه أي شيءٍ:
_دي خط أحمر، علشان دي مش “نور” ومش “شهد” ومش “رهف” هنفضل نتخانق عليهم، دي برقبتك فيها.
هتف “سراج” بلامبالاةٍ بعدما أخرج سيجارةٍ يضعها من بين شفتيه:
_وماله يا حبيبي، إيه الجديد يعني خليك مكوش على كله أنتَ من ناحية و “مُـحي” من ناحية واحنا مطلوب مننا نشجعكم ؟؟ عيني أبقى عرفني بس أنتَ بتلعب فين؟؟.
قرر “يوسف” الإنسحاب من أمامه حتى لا تنتبه شقيقته لماضٍ كان بينهما ربما تكون نتيجته السقوط من نظرها لذا أمسك كفها وقرر المضي قدمًا بها نحو الحفل فأوقفه صوت “سراج” يقول باستخفافٍ:
_مش ناوي برضه تقولي بتلعب في نادي إيه؟؟
توقف “يوسف” عن السير والتفت برأسه يقول بوقاحةٍ أصبح الأخر يعهدها منه في كل مقابلةٍ تجمعهما:
_ابــقــى اســأل أمـــك.
_ماشي هسكتلك بس علشان القمر اللي معاك.
كان هذا رد الأخر عليه لكنه قرر تخطي الرد عليه ورحل بشقيقته نحو الحفل لكنها أوقفته قبل الوصول تقول بضيقٍ سيطر عليها وقد شعرت أنها بالمكان الخطأ:
_اقف يا “يوسف” !!.
توقف عن السير والتفت لها يطالعها بتعجبٍ ليجدها تقول بأنفاسٍ مُتقطعة من فرط الإنفعال:
_أنتَ مين ؟؟ ومين دول ؟؟ أنا حاسة أني مش فاهمة حاجة.
نظر لها بانكسارٍ ونفخ وجنتيه ثم هتف مستسلمًا لرغبة فضولها المنطوق بسهام عينيها:
_أنا “يوسف” أخوكِ ودي حياتي اللي عيشتها هنا، أكتر من كدا أحسنلك تعرفيه مع الأيام علشان أنا مش هقدر أحكي حاجة، إلا بقى لو مش مأمنة ليا وخايفة مني دي فيها كلام تاني.
انتبهت لما تفوه به فنطقت بسرعةٍ تُبريء نفسها من ظنونه وكم كان حديثها صادقًا في التعبير:
_أنا مش قصدي كدا، أنا خايفة عليك مش عاوزاك تعمل مشاكل مع حد، شكله مش مريح وباين في نظرته ليك أنه مش صافيلك، خوفي مش منك خوفي عليك.
جملتها الأخيرة ليست مجرد حروف وضعت بجانب بعضها لتشكل جملة عابرة، إنما حياةٌ بين الحروف نطقتها هي، لأول مرةٍ يسمعها بصراحةٍ أن هناك من يخشى عليه ولا يخشاه لذاته، رق قلبه لها وصفت نظراته وقد أبتسم بعينيه ثم اقترب منها يَطبع قبلة حنونة فوق جبهتها وهتف بعدها وهو ينظر في عينيها وقد خرج صوته مبحوحًا:
_متخافيش، أنا تمام أوي وكفاية إنك معايا.
حركت رأسها موافقةً وقد أجبرت شفتيها على التبسم له ليمسك هو كفها ثم يستأنف سيره نحو الحفل متجهًا بها نحو مقاعد الجلوس حتى اقترب من “نَـعيم” الذي جلس و بجواره “سمارة” فأشار لها بالجلوس معها حتى وافقت هي على اقتراحه وجاورت الفتاة، فسأله “نَـعيم” باهتمامٍ:
_أنتَ كويس ؟؟ أوعى تكون تعبت !!.
حرك رأسه نفيًا وطمئنه بقوله _كاذبًا_ لكي ينجو من اهتمامه:
_كويس متقلقش عليا، هروح أتابع مع “إيهاب” مش هوصيك “قمر” في عينيك ها ؟؟ نظر لشقيقته فوجدها تبتسم له وكذلك “سمارة” فأضاف من جديد بعدما ابتسم:
_و “سمارة” كمان في عينيك.
اتسعت ابتسامتها أكثر وشعرت بسعادةٍ بالغة وهي تراه يعاملها كما شقيقته، فيما تحرك هو من مكانهم واتجه للداخل مع الشباب يقف معهم ويتابع أمور الحفل الذي طفق يتكدس بالزائرين في مختلف الأعمار، دلف لهم “سراج” يعلن مساعدته بقوله:
_محتاجين مساعدة يا رجالة ؟؟!.
كانوا يقفون أمامه بظهرهم فلم ينتبهوا لدخوله إلا عند ارتفاع صوته فالتفتوا له ليتحدث “إيهاب” ببرودٍ:
_يوم ما هحتاج مساعدة مش هطلبها منك، كفي نفسك.
حرك كتفيه بلامبالاةٍ وقلب شفتيه بفتورٍ وقبل أن ينطق أو يُعلق بسخريةٍ لكي يثير استفزازهم دلف “ميكي” بتوترٍ ونطق بصوتٍ مهزوزٍ وكأنه يخشى التحدث بما سيتفوه به:
_”ماكسيم” برة يا عمهم.
اتقدت عيناه بشرٍ وبرقت نظراته فيما التفت “سراج” يسأله مستنكرًا بدهشةٍ جلية حقيقية لم تكن كاذبة:
_بتقول مين برة ؟؟.
هتف “إيهاب” من خلفه بتهكمٍ:
_الشويتين دول مش عليا يا “سراج” قال يعني مش عارف إنه هنا وأنه زي الكلب شمشم من تاني.
التفت “سراج” له بلهفةٍ يقول باندفاعٍ لكي يدافع عن نفسه:
_اقسم بالله ما أعرف وماليش دعوة برجوعه تاني.
تحدث تلك المرة “يوسف” بسخريةٍ لاذعة:
_قالوا للحرامي أحلف، لو عملت إيه محدش هيصدقك.
انتبه “سراج” لأمرٍ أخر فتحدث بخوفٍ وقد زاغ فور وصول هذه الفكرة لعقله:
_”جودي” !! دي لوحدها في البيت.
اندفع “إسماعيل” هذه المرة يسأله بغضبٍ:
_أنتَ بتسيب البت لوحدها ؟؟ مفيش عند اللي خلفوك دم ؟؟
رفع “سراج” كفيه يمررهما على خصلاته وتحدث بنفاذ صبرٍ من الضغوطات التي تزايدت حوله:
_مش وقتك يا “إسماعيل” أنا اللي فيا مكفيني.
تحرك “يوسف” يمسك مرفقه وهو ينطق بضجرٍ من بين أسنانه وقد تفاقم حنقه من “سراج” وأصبح على حافة الهاوية في إندلاع غضبه وتلقينه درسًا:
_قدامي، خلينا نروح نشوف البت بعدها نشوفك أنتَ.
نظر له “سراج” بحيرةٍ من موقفه فوجده يدفعه من جديد هاتفًا بغيظٍ ازداد من بروده:
_قدامي أنتَ هتصورني ؟؟ يلا.
تحرك كلاهما من المكان فورًا وركب “سراج” سيارته وجاوره “يوسف” الذي تحكمت به عواطفه لوهلةٍ جعلته يدركه بعد مجاورته سيارة الأخر الذي تحرك بها مصدرًا احتكاكًا قويًا بالأرض أوشك على إخراج شرارات، بينما “يوسف” زفر بقوةٍ وأخرج سيجارةً ينفث هوائها ونطق يستفسر بإيجازٍ وحديثٍ مقتضبٍ:
_البت هنا في بيت أبوك ولا شقة الميعادي؟؟.
رد عليه الأخر بنفس الاقتصاب:
_هنا في نزلة السمان.
حرك رأسه موافقًا وتصنع اللامبالاةِ فيما رمقه الأخر بطرف عينه ولم يقوى أيٌ منهما على التحدث فقط التجاهل يسود الموقف ومعه صوت صرير السيارة بفعل السرعة العالية والقيادة المتهورة حتى أوقف السيارة بعد سبع دقائق من القيادة _الغير عاقلة_ حتى وصل لبيت أبيه وركض من السيارة و “يوسف” خلفه، ففتح الأخر الشقة وقد وجدها تنام على الأريكة أمام التلفاز بهدوءٍ فتنفس براحةٍ.
يبدو وكأن الهواء انحبس بين رئتيه ولم يتحرر سوى برؤيتها تنعم براحةٍ في نومها تحتضن دُميتها بهيئةٍ جعلته يبتسم بعينيه واقترب منها يجلس على ركبتيه ثم رفع كفه يربت على خصلاتها وهو يقول بنبرةٍ خافتة:
_”جودي” !! اصحي أنا جيت أهو.
اقترب “يوسف” منهما وهو ينظر لتلك الفتاة الصغيرة صاحبة الثماني سنوات، وقد استيقظت الصغيرة وهي تقول بعبوسٍ:
_اتأخرت ليه يا خالو؟؟ زهقت.
اعتذر منها بقوله متأسفًا:
_حقك عليا يا عيون خالو، إيه رأيك تيجي معايا أحسن؟
اتسعت عيناها بدهشةٍ وحركت رأسها نحو الواقف يتابعها وما إن تعرفت عليه شهقت بفرحةٍ وهي تقول:
_”يوسف” !!.
أبتسم لها وتحرك حتى اقترب منها يقول بنبرةٍ هادئة:
_وحشتيني يا “جودي” عاملة إيه ؟؟
ردت عليه تجاوبه بمرحٍ وتسأله عن أحواله فقاطع “سراج” حديثهما بقوله:
_بقولكم إيه؟؟ ننزل نروح الحفلة وبعدها ابقوا كملوا كلامكم، هتعرفي تغيري لوحدك ؟؟
هتفت بزهوٍ في نفسها تجاوب سؤاله:
_هو أنا صغيرة يعني؟؟ استنوني.
ركضت من المكان تمسك دُميتها في يدها و “يوسف” يتابعها مبتسمًا حتى انتبه لقول الأخر بنبرةٍ هادئة يواري خلفها إحراجه منه:
_شكرًا، تعبتك معايا معلش.
رد عليه “يوسف” بلامبالاةٍ دون أن يكترث لشكره:
_أنا معملتش كدا علشان سواد عيونك، عملت كدا علشان خاطر البت اليتيمة اللي ملهاش حد دي، وحظها إنك خالها، فوق لنفسك وركز معاها أحسن من الجري ورا الهبل بتاعك.
أبتسم “سراج” بسخريةٍ وهو يقول:
_منه لله اللي كان السبب وخرب حياتي، كان زماني راجل متجوز والبت دي فيه حد بيرعاها.
تحدث “يوسف” بلامبالاةٍ من جديد:
_ميهمنيش إنك شايفني السيء في روايتك، ياكش بس تبيعها وسوقها يمشي شوية، ربنا يكرمك من وسع.
اتضح التحدي في نظراتهما لبعضهما، وكأن هناك من يتهم الأخر والثاني يثبت له ظنونه، نظراتٌ قوية تتبادل من حدقتيهما قطعتها “جودي” بقولها الفرح:
_أنا خلصت !! جاهزين؟؟
انتبه لها كلاهما ليبتسما لها فبدت مثل فراشةٍ صغيرة تُحلق فوق الزهور، كانت ترتدي فستانًا باللون الأبيض به زهور صغيرة وردية تتناسب مع لون وجنتيها وعينيها الزرقاء اللامعة وخصلاتها الذهبية التي تتناسب مع لون خصلات “سراج” صاحب الملامح الشقراء التي ورثها عن والدته صاحبة الجنسية الأجنبية.
اقترب منها “يوسف” يجلس على إحدى ركبتيه يهتف بمزاحٍ مع الصغيرة بقوله:
_لو اتقدملك عريس مهندس بترول طول بعرض وبيقبض بالدولار توافقي عليه؟؟.
سألته بحماسٍ بعدما ضحكت بفرحةٍ:
_هيوديني الملاهي؟؟.
قلب عينيه بتفكيرٍ وهتف بخضوعٍ لها:
_هيبيتك فيها، أصله بيعشقها.
حركت رأسها موافقةً بنفس الحماس ليبتسم لها “سراج” وهتف يعاندهما بقوله:
_بس أنا مش موافق.
التفت له “يوسف” يقول بدون اكتراث:
_وأنتَ مال أمك حد كان طلب رأيك؟؟.
شهقت الصغيرة بدهشةٍ وهي تقول بمعاتبةٍ:
_عيب كدا يا “يوسف” أنتَ كدا Naughty “مُشاغب” والمفروض تقعد في الـ Naughty Corner “ركن المشاغبة”.
رفع “يوسف” حاجبيه مستنكرًا فيما هتف “سراج” بسخريةٍ بعد حديثها:
_حبيبتي، دا لو راح قعد في Naughty Corner مش بعيد يطلب فيه حجر شيشة، قال كدا هيتعلم الأدب يعني.
لم يقو “يوسف” على كتم ضحكته لكنه نجح في هذا بصعوبةٍ بالغة جعلته يتحرك من مكانه وفي يده الصغيرة يلقي بأوامره لـ “سراج”:
_اقفل الباب وتعالى ورايا، بسرعة.
_________________________________
<“كنت حُرًا مثل الطير…آملًا في العيش بخير”>
وقف “أيوب” أمام “عهد” بعدما أعطاها شقيقتها التي خشيت رد فعلها، فيما تحدث هو بنبرةٍ هادئة يحاول تهدئة ثورتها قبل الاندلاع من قيودها:
_صدقيني هي مغلطتش كانت بتسأل على حاجة وأنا جيبتها من على الطريق بس كنت بجيب حاجات وعملت حاجة مهمة، الغلط عندي أنا.
هتفت “عهد” بإصرارٍ لن تتنازل عنه في حديثها أو حتى تخضع لقوله:
_كتر ألف خيرك يا أستاذ “أيوب” بس المفروض هي متركبش مع حد غريب ومتمشيش من غير ماتعرفني، أنا فضلت نص ساعة في رعب وعمالة أدور عليها.
تنهد مُطولًا وهو يرى الحق متجسدًا في قولها وانفعالها لكنه قرر العزوف عن الموقف الذي حدث حتى لا يثير فزعها مقررًا هو التعامل مع ذلك الوغد، لذا هتف بأسفٍ من جديد:
_معاكِ حق، بس أنا آسف مرة تانية والمهم إنها وصلت هنا بخير، ليا طلب عندك بس إنها متنزلش لوحدها تاني بليل، الطريق مش مضمون.
هتفت بقوةٍ تؤكد ماسبق وتفوه به هو حتى أن تبرتها أعربت عن مدى إصرارها:
_هي كدا مش هتنزل تاني خالص غير معايا أنا، لكن خروج لوحدها مستحيل، شكرًا لحضرتك لحد كدا.
أمسكت الصغيرة ودلفت البناية فيما تنهد هو مُطولًا ثم تحرك من موضعه يدخل السيارة لكي يعود إلى بيته، تحرك نحو البيت بسيرٍ هاديءٍ ودلفه بخطواتٍ هادئة لكن “آيات” التي كانت تجلس في ردهة البيت لاحظت قدومه وشعرت بعبير رائحته الطيبة فصدقت حدسها والتفتت خلفها لتجده يقترب منها وما إن رأها ابتسم لها حتى ركضت من موضعها هي وارتمت عليه بثقل جسدها وهي تهتف اسمه بغير تصديق.
احتواها هو بكلا ذراعيه يطوقها بهما وهو يقول بشوقٍ لها:
_مش هما كام ساعة بصحيح ؟؟ بس وحشتيني أوي.
رفعت رأسها تقول بمعاتبةٍ:
_مش كنت تاخدني معاك ؟؟ مشيت لوحدك؟؟
ظهرت قلة الحيلة على ملامحه وكذلك بدا مُستسلمًا وقبل أن يتحدث وصلهما صوت “أيهم” يقول بدهشةٍ مُصطنعة:
_إيه دا !! “أيوب” ؟؟ جيت هنا إمتى؟؟.
حرك “أيوب” رأسه لليسار قليلًا حتى يتسنى له رؤية أخيه الذي يقف خلف شقيقته وتحدث بثباتٍ:
_لسه واصل، طمني انتم كويسين؟؟
تبدلت نظرات “أيهم” إلى أخرىٰ خبيثة وهتف يسأله بخبثٍ سيطر على حروفه كما سيطر على نظراته:
_لأ إحنا كلنا كويسين أوي أوي، أنتَ كويس؟؟.
فهم “أيوب” من نظراته أن هناك أمرٌ غريب الأطوار وبداخله يتمنى ألا يكون وقع في لعبة أخيه، حيث أن نظرات الأخر لم تكن بريئة بقدر ما حاول رسم هذا، استمرت النظرات بينهما حتى انقطعت بواسطة “عبدالقادر” الذي هتف اسم صغيره بغير تصديق من تواجده أمامه، لكنه صدق وأيقن فور اقتراب الأخر منه واحتضانه، حتى عانقه هو أيضًا يقول بفرحةٍ غلفت صوته:
_الحمد لله إنك مطولتش عليا في الغياب، كدا أعرف أنام مرتاح الليلة دي.
ابتعد عنه “أيوب” يقول بنبرةٍ هادئة بعدما رسم إبتسامة باهتة لم تصل إلى عينيه:
_مش قولتلك لما قلبك يناديلي هجيلك؟؟.
حرك رأسه موافقًا فهتفت “آيات” تسأله بقلقٍ:
_هتفضل ولا هصحى الصبح الاقيك مشيت تاني؟؟.
توجه إليها ببصرها وقال بإصرارٍ جليٍ في حروفه:
_حارة العطار محتاجاني، واضح كدا إني مش هينفع أمشي خالص منها لا دلوقتي ولا بعدين إلا بإذن ربنا سبحانه وتعالى.
ابتسمت له ثم أقتربت منه تمسك كفه وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_واحنا كلنا عاوزينك معانا، بلاش تسلم نفسك للوحدة، الوحدة صعبة أوي على الإنسان خصوصًا لو كان غاوي ونس زينا، صعب تكون لوحدك يا “أيوب”.
أبتسم لها ورفع كفه يضعه خلف رأسها وهو يقول بنبرةٍ هادئة أعربت عن حكمته وهو يقول:
_قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
“إذا فسد الزمن؛ ورأيت أن اختلاطك مع النَّاس لا يزيدك إلَّا شرًا وبُعدًا من الله؛ فعليك بالوحدة” الزمن بقى صعب أوي يا “آيات” وتجيبيها يمين تجيبها شمال الحل في إنك تختلي بنفسك وتحاربي للحفاظ على علاقتك بربنا، أي حاجة تانية مجردة نتمنى من ربنا يرزقنا بالعوض عنها، لطالما كانت دنيا وهذا هو عزائنا الوحيد…أنها دُنيا فانية.
ابتسمت له من جديد وهتفت تؤيده بجملةٍ واحدة
_صح، الحمدلله إنها فانية.
__________________________________
<“اليوم سعيد، لما أنتَ هنا أيها الحُزن”>
أضواء ساطعة، موسيقى صاخبة، حركات حماسية، صوت الخيول عالي، الرجال في كل مكانٍ، كشافات الاضواء المتحركة تقوم بتسليط دائرة الضوء على كل شبرٍ بالمكان، العديد والعديد من جو الحفل جعلها تبتسم بحماسٍ وهي ترى الأجواء الجديدة عليها، وما جعل الانبهار يزداد أكثر عن سابقه هو ظهور الشباب بالخيل مع بعضهم يرتدون الحِلات السوداء لتزداد الأجواء حماسًا فور إعلانهم عن السباق بينهم.
لاحظت “قمر” ازدياد الحماس على الجميع وكأنها فقرةٌ منتظرة على أهبة الاستعداد فسألت “سمارة” حينما مالت على أذنها تحاوطها بكفها لكي يصلها الصوت:
_أنا مش فاهمة حاجة، أيه دا ؟؟.
ابتسمت “سمارة” وجاوبتها بصوتٍ عالٍ تردف لها:
_دا ياستي الخيل بتاعهم، هما الأربعة أكبر خيالين في نزلة السمان كلها، الناس كلها بتيجي هنا علشانهم، بيعملوا المسابقة دي بينهم وكل مرة واحد شكل يكسب، بس اكتر واحد بيكسب سي “إيـهاب” جوزي اكمنه يعني هو اللي مدربهم كلهم.
ابتسمت لها “قمر” وما إن رأت شقيقها يمتطي خيله قفزت من محلها بحماس ترفع كفيها تحاوط فمها وهي تقول بصوتٍ عالٍ:
_يـــلا يــا “يـــوســف” !! عـــاش يــا “جــو”.
انتبه لها فوقف للحظةٍ يمعن نظره لها فوجدها تشير له بابهامها كتشجيعٍ له لكي يفوز في سباقه فوجد “إيهاب” يجاوره وهو يقول مُعتزًا بنفسه ومهاراته:
_خلي بالك أنا بصحيح عمهم، بس بفهم كويس في الأصول، مبروك عليك يا عمنا مش هكسفك قدام أختك.
أبتسم “يوسف” بزهوٍ وهتف بثقةٍ لاتنفك من محلها:
_كدا كدا كنت ناوي أكسب، أنا جوايا عزيمة تخليني أهد السمان وابنيها من جديد.
غمز له “إيهاب” وكان مغزى غمزته الإشارة على “ماكسيم” الذي جلس وسط الحشد يتابعهم بنظراتٍ ثاقبة متصنعًا نوايا الخير، فقال “يوسف” بثباتٍ وكأنه ينتظر فتح أبواب النيران في وجهه:
_نفسي يعمل حاجة تخليني ابدأ معاه بالنكش، بس أنا هستنى لحد ما أشوف أخره الليلة دي، وعلشان “جودي” بنت أخت “سراج”، شكله فعلًا ميعرفش أنه كان هنا.
بعد مرور ثوانٍ أمسك “نَـعيم” سلاحه يرفعه عاليًا ثم أطلق منه عيارًا ناريًا ليعلن بهذا بدء المسابقة وقد تحرك الخيل ركضًا على أثرها في الفناء الواسع المتروك للمسابقة.
كان الخيل يركض في الليل بشموخٍ وعزةٍ كما تربىٰ وسطهم، صوت الصهيل العالي مع صوت حوافره التي تضرب في الأرض لتعزف مقطوعة نادرة لا يعلم أثرها على النفس سوى مُحبي الخيل مثل هؤلاء، كان الغُبار يُثار من مرقده في الأرض مُشكلًا نقعًا نتيجة ضرب حوافر الخيل به وكلما اشتدت الرياح أصبح عُجاجًا.
بدا مظهرهم وكأنهم لوحة خاصة بأحد الحروب القديمة وهم في هذه اللوحة كانوا فارسون ماهرين يشكلون في حربهم بالخيول الغُبار الذي أصبح رهجًا وقسطلًا.
لم يعلم “يوسف” كيف انتهت المُسابقة بفوزه وهو يقف بخيله “ليل” عند نقطة البداية من جديد، لا يعلم حقًا إذا كان تشجيع شقيقته هو الذي أثر إيجابًا عليه أم أن الشباب _مشكورين _هم اللذين تركوا له الفرصة لكي يظهر أمامها بهيئة البطل، وقد شعر بالفرحةِ للمرةِ الأولىٰ في فوزه وهو يرى فرحة “قمر” به وكذلك “جودي” التي وقفت على المقعد تُهلل باسمه وبجوارها “سراج” الذي تيقن من فوزه فور رؤيته له يمتطي الخيل بهذا الإصرار.
أقترب “يوسف” منها بحماسٍ شديد وهو يتتوق لرؤية رد فعلها وحديثها فوجدها تعانقه وهي تقول بصوتٍ غمرته الفرحة الشديدة:
_أنا مبسوطة بيك أوي وفخورة بيك يا حبيبي، شكلك كان حلو أوي فوق الخيل، شكلك خيال شاطر أوي.
أبتسم لها ثم رفع ذراعه يقربها منه ثم حرك راسه يُلثم جبينها ثم نطق بنبرةٍ خافت أقرب للهمس وهو يحدثها في أذنها:
_لو أنا خيال شاطر فأكيد بسببك تشجيعك فرق معايا أوي أول مرة أعمل حاجة علشان حد فرحان بسببي.
هتفت “جودي” بمرحٍ:
_مبروك يا “يوسف” أنا فرحانة بيك أوي.
أقترب منها يحملها بين ذراعيه وهو يرد عليها بلطفٍ يماثل لّطف عمرها الصغير:
_أنا كسبت مخصوص علشان أنتِ هنا، شدي حيلك شوية وأنا هعلمك تركبي خيل.
أشارت على شقيقته وهي تقول بتوسلٍ:
_وهات “قمر” علشان خاطري أنا حبيتها أوي.
قبل وجنتها كأنه يوافق على حديثها بهذه الطريقة فاقترب منهما “سراج” يقول بنبرةٍ هادئة وهناك خوفٌ غريب سيطر عليه:
_يلا يا “جودي” بقى احنا اتأخرنا ووعد هجيبك تاني.
تبدلت نظرتها إلى الاحباط وحركت رأسها موافقةً ثم ودعتهم جميعًا وقد حملها “سراج” بين ذراعيه واعتذر من “قمر” عن فعلته السابقة بقوله:
_أنا آسف عن اللي حصل من شوية ماكنتش أعرف إنك أخت “يوسف” أتمنى متزعليش.
حركت رأسها موافقةً وهتفت بدون اكتراث:
_حصل خير مفيش مشاكل.
لاحظ تعلق الصغيرة بها قبل أن ترحل وهي تودعها فنظر لها مرةً أخرى ونظر لـ “يوسف” بنظرةٍ مُختلطة المشاعر تجاهلها الأخر حينما ضم شقيقته إليه بتحدٍ وكأنه يفهم مغزى نظرات الأخر المتحدية له حتى رحل “سراج” من المكان بالصغيرة.
استمرت الجلسة لحين إنتهاء الحفل تمامًا بكل فقراته وسط إشراف الشباب وتقدير الناس لهم، وقد لاحظت “قمر” حب الناس لهم وتقديرهم وخاصةً “يوسف” الذي اتضح حب كبار الرجال له في معاملته معهم.
جلست “سمارة” بجوارها وقد تطورت علاقتهما في هذا الوقت القليل لتصبح وطيدة تم على أثرها تبادل الأرقام في جلستهما سويًا حتى رحلت “قمر” مع شقيقها.
جلست “سمارة” تتابع إتمام “إيهاب” على كافة الأمور وهو يلقي تعليماته على الشباب بعد إنتهاء الحفل بفقراته الموسيقية وفي يدها هاتفها تتصفحه بين الحين والأخر بمللٍ حتى وصلتها رسالةٌ عبر تطبيق المراسلات النصية “واتساب” ضغطت هي على أيقونة الإشعارات لتفتح الرسائل فوجدته صورًا ضبابية قبل أن يتم تحميلها ورافقها حديثٌ مسموم بالحقد:
_دي هدية حلوة ليكِ يا عروسة، زهق بدري منك.
اتسعت عيناها وسقط قلبها محله من الخوف وهي ترى صوره بجوار “تهاني” وصورة أخرى وهو يحتضنها على أعتاب بيتها وهي ترتدي عباءة ضيقة بدت وكأنها ترتديها لأجله، تفحصت في الصور وجدت أخرى وهي تنام وتضع رأسها على كتفه، لذا بكت وشعرت أن هناك صاعقة كهربية تضرب جسدها وتشل أعصابها، لم تشعر بنفسها سوى وهي تبكي بوجعٍ وتشعر بتصدع في روحها وكبرياء أنوثتها وهي ترى زوجها بين أحضان غريمتها !!!.
لاحظ “إيهاب” تغير حالها وبدت وكأنها تبكي فترك عمله واقترب منها يسألها بمرحٍ حتى يشاكسها:
_إيه يا “سمارة” اسم ولقت وصفة ؟؟ ساكتة ليه؟؟
رفعت عينيها الباكيتين له ترمقه بحسرةٍ فوجدته يجلس على ركبتيه يسأل بلهفةٍ فور رؤيته دموعها:
_أنتِ بتعيطي ليه ؟؟ فيه حاجة تعباكي؟؟ أجيبلك مسكن؟؟
وقفت تقول بإصرارٍ بعدما رفعت رأسها بشموخٍ لا يهمها حديثه أو حتى لهفته الكاذبة عليها:
_طلقني يا “إيهاب”.
بدا وكأنه ضُرب فوق رأسه بعصا غليظة كانت تتجسد في كلماتها وقد اعتدل واقفًا بآلية شديدة يسألها بتيهٍ وقد ظنها تمازحه:
_أطلقك ؟؟ أنتِ شايفة إن دا وقت هزار؟؟.
ردت عليه بمعاندةٍ وهي تصرخ في وجهه بقهرٍ:
_أنا مش بهزر !! أنا بتكلم جد بقولك طلقني وروح لحبيبة القلب.
أمسك مرفقها بعنفٍ وهو يقول بانفعالٍ:
_أنتِ حصل لمخك حاجة ؟؟ “سمارة” !! عدي ليلتك معايا.
دفعته بيدها في صدرها وحررت ذراعها الأخر من قبضته وهي تقول بانكسارٍ:
_عدي أنتَ ليلتك معايا وطلقني أحسنلك بدل ما اطفش وأقسم بالله مش هتعرفلي طريق، طــلـقـني.
صرخت بكلمتها وقد لاحظ “نَـعيم” اصطدامهما سويًا لذا اقترب منهما يسألهما باهتمام وأعصابٍ مشدودة:
_فيه إيه أنتَ وهي ؟؟ انتوا اتجننتوا ؟؟ ناقص تضربوا بعض كمان ؟؟ مالك يا “إيهاب” مالك يا “سمارة”.
ردت عليه بصوتٍ باكٍ امتزج بقهرها وكسر خاطرها:
_مش قولتلي إنك أبويا، خليه يطلقني يا حج وقبل ما يسأل أمسك شوف بنفسك.
وضعت الهاتف في كفه لكى يرى الصور برفقة “تهاني” فقلب “نَـعيم” الصور بعينين اتقد الشر بهما وهو يرمق “إيهاب” ثم نظر لها وقال بنبرةٍ هادئة:
_تعالي معايا يلا يا “سمارة” اهدي بس واخزي الشيطان.
هتفت بإصرارٍ وهي تبكي بنفس القهر وكأن أحلامها تبخرت في بناء بيتًا يجمع شملهما سويًا ليصبح سرابًا:
_خليه يطلقني ويروحلها هي أحق بيه.
هم “إيهاب” بالاندفاع نحوها يمد يده فوجد “نَـعيم” يدفعه وهو يقول بنبرةٍ جامدة قاسية عليه:
_أنتَ اتجننت ؟؟ هتمد إيدك عليها قدامي ؟؟ غور من وشي.
اقترب “إيهاب” منها متجاهلًا حديث “نَـعيم” وهو ينطق بانفعالٍ من بين أسنانه بغضبٍ حاول احتوائه قبل الإنفجار:
_أنا مش عاوز غباء ومش عاوز اشوف المحروق دا فيه إيه، بس براحتك يا “سمارة” وطلاق مبطلقش، اللي هيخرجك من ذمتي الموت، بكيفك بقى.
تحرك من أمامها وهي تبكي وتطالعه بخزيٍ جعله يختفي من المكان وقد فهم من حديثها سبب غضبها لذا أخرج هاتفه يطلب رقم مساعده وفور إجابة الأخر على اتصاله هتف بلهجةٍ أمرة:
_اسمع يا “ميكي” اللي كنت بقولك عليه تعمله الأسبوع الجاي مع “تهاني” تعمله بكرة، عاوز بنت “***** تعض أيدها من الندم، سامعني بكرة ؟؟.
أغلق الهاتف فورًا ثم ألقى الهاتف في سيارته وهو يشعر بنيرانٍ تشتعل بصدره، هذه الغبية لما لا تثق به؟؟ هل تصدق أنه ينظر لأخرى أو حتى تثير أخرى مشاعره ؟؟ هي الوحيدة القادرة على هذا، كيف ينطق ويبريء نفسه وهو شخصية تكره التبرير والتوضيح؟؟ هذه الدنيا حتمًا تعانده وكل الناس يكرهونه، من يحبه إذًا، فحتى التي يحبها كرهته وتطلب مفارقته، شعر بوخز الدموع عند مقدمتي مُقتليه لذا أغمض جفونه بشدة وتنفس بعمقٍ والتفت ينظر خلفه فوجد سيارة “نَـعيم” ترحل بها وهو معها.
________________________________
<“أحببت كل شيء تحبه، لما لا أحبك؟؟”>
في صباح اليوم التالي في حارة العطار وقفت “مهرائيل” على أعتاب شقتهم تذكر اسم شقيقتها بضجرٍ واضافت:
_يلا يا “مارينا” “آيات” مستنياني وأنتِ معطلاني.
أتت الأخرىٰ ركضًا من الداخل وهي تقول بلهفةٍ:
_جيت أهو جيت، علطول روحك في مناخيرك كدا؟؟
حركت رأسها موافقةً ثم أشارت بصمتٍ لها لكي تنزل معها الأخرى فتحركت كلتاهما من المكان نحو الأسفل وقد تحدثت “مارينا” وهي تنظر في هاتفها:
_أمشي أنتِ بقى و “ماري” صاحبتي هتيجي نروح الجامعة نشوف الورق وأرجع تاني، هكلمك باي.
حركت رأسها موافقةً فتحركت “مارينا” بعدما هاتفها “روماني” زميلها بالجامعة وطلب منها أن تسرع حتى يذهبان سويًا للجامعة وقد اضطرت للكذب على شقيقتها حتى لا تُلقي عليها محاضراتها الأدبية في الأخلاق والتعامل وهي في آخر الاحتياج لمثل هذه النصائح.
تحركت “مهرائيل” نحو بيت “العطار” وقد مرت بمحل “أيهم” أولًا فأوقفها بإشارةٍ منه جعلتها تتوقف عن السير وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_نعم يا “أيهم” خير ؟؟.
سألها بثباتٍ بعدما لاحظ اقتضاب ملامحها:
_يا ستار يا رب ؟؟ مالك مكشرة في وشي على الصبح كدا ؟؟ عاوز أقولك بس إن “بيشوي” قبل كل حاجة هو أخويا وكتر خيره شال كتير ومشافش شوية برضه، كل اللي هو عاوزه وجودك معاه في الدنيا، إذا كان على أبوكِ أمره سهل، إنما لو هو حس إنك مش عاوزاه هيتعب، اللي بيخليه يستحمل هو أنه متأكد إنك عاوزاه، لكن دلوقتي هو حاسس إنك مش طايقاه وبتستسلمي، “بيشوي” يستاهل منك كدا ؟؟.
هتفت بسرعةٍ تمحي ظنون الأخر وتبدد تفكيره تجاهها مدافعةً عن نفسها:
_صدقني، أنا لو بعمل كدا علشان عاوزاه يشوف حياته، مش هيفضل موقف حياته عليا والعمر عمال يعدي عليه، “بيشوي” مش هيفضل مستني كتير إن بابا يحن عليه، علشان كدا عاوزاه يشوف حياته بعيد عني وربنا يقدرني وأقدر أعدي أنا كمان، بس مش عاوزة أظلمه وهو مستني كل دا في علاقة بابا رافضها وأخلاقي مش هتسمحلي أني أعادي والدي علشانه، قوله ينساني أحسن.
سألها وقد بدا الجمود عليه من جوابها:
_دا أخر كلام عندك يعني؟؟ أنتِ شايفة كدا ؟؟.
حركت رأسها موافقةً ثم نظرت في هاتفها الذي أخذ صوته يصدح عاليّا برقم شقيقته فهتفت بلهفةٍ وهي ترى النجاة مُتجسدًا في هذه المكالمة:
_طب أنا مضطرة أمشي علشان “آيات” مستنياني نفطر سوا، عن إذنك يا “أيهم”.
تحركت من أمامه بهروبٍ تفر بعيدًا عنه فيما التفت هو للمحل فوجد “بيشوي” يهتف بضيقٍ من حديثها معه:
_دي غبية !! صحيح أبوها مين يعني ؟؟.
ربت “أيهم” على كتفه وهتف بنبرةٍ هادئة:
_متقلقش كله هيبقى تمام، بس واضح إنها شارياك.
أبتسم بزاوية فمه يسخر من الأخر فأين حبها له إن كانت تود تركه وتود الهرب منه وتود التقليل بحبها له بدلًا من الدفاع عن هذه المشاعر، احبها وأحب تفاصيلها وأحب حتى حروف اسمها، لما لا تحبه هي الأخرى وتتحمل لأجله؟؟.
_________________________________
<“صدفة مارة….لقاء عابر…وجودٌ دائم”>
في محل “عبدالقادر” جلس مرتخي الأعصاب بعد عودة ابنه إلى حاله السابق فقد نزل إلى عمله وأخذ معه “إياد” وداعبه في الصباح وشاكس شقيقته ومازح أخيه، فعل كل ما يثبت أنه عاد كما كان لروحه المنطلقة، تنهد “عبدالقادر” ولاحظ جلوس “تَـيام” أمامه مُرتبكًا فقال بوجهٍ مبتسمٍ:
_تعالى يا “تَـيام” قولي عاوز تقول إيه موترك كدا؟؟.
تنهد الأخر واقترب منه يقول بلهفةٍ بعدما أجبر نفسه على التحدث:
_بص يا حج، أنا عارف إن “آيات” كانت مخطوبة قبلي وكان جايب ليها دهب بـ ٥٠ ألف جنيه وصدقني دا قليل عليها، بس أنا مقدرتي حاليًا ٣٠ ألف علشان توضيب الشقة وعلشان العفش اللي أنا هشيله، بس ممكن أكتب ليها وصل أمانة ببقية فلوس الدهب، بس أنا عاوزها تلبس دبلتي، دا مش مقامها والله، بس اللي في إيدي أني أعمله دا، أنا خايف تفهمني غلط، بس…بس أنا والله بحاول ألم الدنيا على قد استطاعتي.
نظر له “عبدالقادر” بتمعنٍ ونظراتٍ متفرسة تجول في ملامحه ثم سأله بثباتٍ:
_قولي يا “تَـيام” أنتَ عارف الخطوبة الأولى باظت ليه ؟؟
حرك رأسه موافقًا بتيهٍ سيطر عليه جعل “عبدالقادر” يقول بنفيٍ لجوابه ودهاءٍ منه:
_لأ متعرفش، باظت علشان كان مرخص بنتي، كل ما أقول حاجة هو وأهله يرفضوها، كل ما تطلب هي حاجة يقللوا فيها، رغم أنه معاه اكتر من طلباتها بكتير، بس ولا مرة حسسني إن بنتي غالية عنده، أنتَ بقى غيره، مغلي بنتي في عين نفسك، صحيح مش معاك زي اللي كان معاه، بس عندك حاجة بكل اللي معاه وهو دا اللي عاوزه لبنتي.
انتبه له “تَـيام” وحرك رأسه لليسار قليلًا وكأنه يسأله عن مغزى ما تفوه به فوجد “عبدالقادر” يُضيف بإعجابٍ جليٍ بشخصيته:
_قلبك، قلبك اللي مليان ببنتي وبحبها يخليني واثق إنها هترتاح معاك لو في أوضة فوق السطح، صدقني الفلوس والدهب دي مبتبنيش بيوت، البيوت يبنيها القلوب يابني، وأنا بديك قلب طيب الدنيا معرفتش توسخه، حافظ على القلب دا من الكسرة اوعى في يوم تندمني أني سلمتك بنتي.
لمعت العبرات في عينيه بتأثرٍ وهتف يوعده بقوله:
_وعد مني أحطها في عيني العمر كله، وربنا يقدرني ومزعلهاش وأقدر أنفذ طلباتها، معني كدا إنك موافق ؟؟.
حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم له ثم سأله بنبرةٍ هادئة جادة وكأنه يتلمس:
_أنا بس عندي سؤال مهم جدًا ينفع تجاوب عليه؟؟
حرك رأسه موافقًا ومرحبًا بحديث “عبدالقادر” الذي قال بملامح وجه درامية يستفسر منه:
_بعد كتب الكتاب علاقتكم هترحرح شوية؟؟.
شهق “تَـيام” وبرقت عيناه بصدمةٍ جعلت “عبدالقادر” يضحك عليه ثم قال بنبرةٍ ضاحكة وهو يرى فم الأخر مفتوحّا على وسعه:
_كسفتنا الله يكسفك، مخلي البت تخبط كف بكف.
________________________________
<“لا الثلج يجاور النار ولا الخير يعرف الشر”>
نزل “يوسف” من شقة والدته صباحًا بعدما نزل منها وودعها وقطع لها وعدًا أن يعود لها في نفس اليوم لكي يتحدث معها، وفور نزوله قرر التحرك لحارة “العطار” سيرًا على الأقدام لكي يكتشف المنطقة حوله، سار وسار حتى دلف الحارة ووصل لبناية مسكنه فوجد “أيوب” هناك في انتظاره، ابتسم بسخريةٍ واقترب منه يقول بترحيبٍ زائفٍ:
_أهلًا وسهلًا شيخنا الجليل، بنفسك مستنيني؟؟ طب تصدق وحشتني الكام يوم اللي فاتوا من غيرك؟؟.
أبتسم”أيوب” باستفزازٍ وهتف بلامبالاةٍ:
_صادق يا حبيبي، المهم جاي علشان أخد منك ميعاد وأجي اتقدم لأختك بحضورك وأطلبها منك رسمي، أجي إمتى ؟؟.
تبدلت نظراته إلى أخرى نطقت بالضيق والغضب، لذا قال بلامبالاةٍ وغير اكتراثٍ لحديثه:
_تعالى في الوقت اللي يعجبك كدا كدا لسه بدري عليك لحد ما تتجوز أختي.
أبتسم “أيوب” بسخريةٍ وسأله بتهكمٍ لاذعٍ:
_خير مستنيني أسنن ولا إيه ؟؟
رمقه “يوسف” بتعجبٍ وقال ساخرًا هو الأخر:
_طب ما أنتَ عسول أهو، أومال شكلك إِتم ليه؟؟
قبل أن يرد عليه “يوسف” وجد “عهد” تقترب منهما وهي تسأله بانفعالٍ وغضبٍ سيطر كلاهما عليها:
_أستاذ “أيوب” !! حضرتك معرفتنيش ليه باللي حصل مع “وعد” إمبارح من الحيوان اللي اسمه “سعد” ؟؟ كان ممكن حضرتك تقولي بدل ما تخليني متوترة واتعصب عليك.
هتف “يوسف” باستفسارٍ وهو يقف تائهّا بينهما:
_فيه إيه هو حصل حاجة؟؟ عملها إيه؟؟
تحدث “أيوب” موجهًا حديثه له متحاشيًا الجواب على سؤال “يوسف”:
_حضرتك كنتي منفعلة ومتوترة أكيد مش هزود خوفك أكتر، وأنا جيبت حقها ولسه ليا صرفة تانية، ياريت بس تركزي مع أختك ومالكيش دعوة بيه، دا شخص قلبه ميت.
رمقته بغيظٍ وصدرها يعلو ويهبط من الانفعال و “يوسف” يراقبها ويريد التعرف على الأمر لكنه أبدًا لن يتدخل فيما لا يخصه وخاصةً معها هي، لذا قرر التحرك لكنه توقف عند رؤيته لـ “سعد” يقترب من محله لكي يفتحه لكن فور رؤيته لها تقف بينهما قال بوقاحةٍ تخلو من شيم الرجال:
_الاتنين طالعة واحدة، ماحنا كنا موجودين ومنابناش من الحب جانب، الله يسهله ياعم.
التفتت لمصدر الصوت البغيض الذي تكره حتى موجات الهواء التي تحمله إلى أذنها فوجدته يرمقها بنظرةٍ وقحة تكرهها هي وتعلم سببها، لذا اقتربت منه بكامل غضبها تقول بجمودٍ:
_لأ إزاي ؟؟ هينوبك دلوقتي كل خير.
فور إنتهاء جملتها نزلت صفعة من كفها على صفحة وجهه وصل صداها لكل الواقفين، كانت صفعة مشحونة بالغضب والغيظ و العنفوان وكبرياء أنثى تثأر لنفسها ممن يظنها سهلة المضغ بين الفكين كما لُقمة خبزٍ بالية، اتسعتا عينا “أيوب” الذي تفاجأ بفعلها، فيما ابتسم “يوسف” بإعجابٍ وردد بنبرةٍ خافتة لـ “أيوب”:
_تصدق أول مرة صوت يكيفني غير صوت “فيروز” ؟؟.
نظر له “أيوب” بتعجبٍ وكذلك “يوسف” الذي أبتسم بنفس الإعجاب المنطوق على ملامحه الشامتة ليقطع اتصال نظراتهما تأوهٌ مكتومٌ من بين شفتي “عهد” انتبه على أثره كلاهما وقد بدت شيم الرجال لديهما في الإعلان عن نفسها فور رؤيتهما لـ “سعد” يمسك مرفقها يضغط عليه.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى