رواية ذاتي أين الفصل الخامس 5 بقلم ولاء عمر
رواية ذاتي أين البارت الخامس
رواية ذاتي أين الجزء الخامس
رواية ذاتي أين الحلقة الخامسة
قرب مني وهو بيزعق لي بصوت عالي:- تعالي، تعالي يا هانم يا اللي مستغفلانا وبتشتغلي من ورانا .
في اللحظة وكإني كنت طير ورجع لقفصه من تاني، قفصه اللي مغصوب عليه، مجرد طير مملوك لا يملك أدنى حق في الحرية.
بابا مش في عادته الضرب لكنه بيزعق، ويشخط وينتر، المرة دي هو كان عصبي أكتر، واقفة بترعش وفي لحظة كان بيرفع إيده علشان تنزل على وشي، بس سليم وقف هو قدامه وساعتها بابا نزل إيده وز.عق لسليم:
– إوعى من وشي يا سليم، خليني اعرفها إيه جزاء اللي يعمل حاجة من ورايا.
كنت ماسكه في ضهره وأنا كلي خوف وبعيط، وجه سليم لبابا سؤال:- أنا عايز أعرف من حضرتك حاجة واحدة بس.
كمل بدون هدنة ولا مقاطعة:- ليه حضرتك مُصر تعيد الماضي، ليه بتعمل فينا اللي اتعمل فيك؟ ليه بدال ما كنت تبقى أنت اللي نلجأ لك لما تحصل لنا مشكلة؟ ليه مربينا على إننا نخاف منك بدال ما نصاحبك؟
– علشان إنتوا لازم تخافوا مني؛ إنتوا مفكرين نفسكم كبرتوا ولا إيه ؟
– إحنا كبرنا، معدناش العيال الصغيرة اللي محتاجة توجيه، إحنا بقينا كبار مسئولين كاملين الأهلية، تلاتة وتلاتين سنة بحاول أبقى ابنك، ابقى شبهك، بخاف أبقى أنا، لاء إحنا التلاتة بنخاف قدامك إنت أو ماما نبقى إحنا، خلاص بقينا ضُعاف الشخصية، ربيتونا بما فيه الكفاية، اختارتوا مستقبلنا إحنا التلاتة وقررتوه من قبل ما نكبر، قولي يا بابا، حضرتك أو ماما اهتميتوا في مرة تعرفوا إحنا بنحب إيه ولا بنكره إيه ؟ جربتوا تصاحبونا؟ جربت تقعد معايا أنا أو كريم وتعتبرنا أولادك اللي المفروض تقعد معاهم؟ جربت تحسس بنتك إنك بتحبها أو بتدلعها؟ عيشت عمري محتاج أب أحس إنه صاحبي والكبير وما اخافش منه ويوجهني. وكريم كمان محتاج يحس إن في حد بيشجعه. يعني مثلاً حضرتك تعرف إن كريم هوايته لعب الكورة وموهوب فيها؟. وحضرتك برضوا تعرف إن أنا وأية بنحب هواية الطبخ؟
في اللحظة دي ماما هاجمت سليم وهي بتغلطه:- علمناكم أحسن تعليم، طلعناكم دكاترة، شغالين في مستشفى من أحسن المستشفيات، لبس غالي وموجود، عربية وعندكم، بيت كبير ومودرن، مسمى وظيفي من أحسن المسميات في المجتمع وبتملكوه،عايزين إيه تاني؟؟؟؟
جاوبها:- ليه دائماً الطبقية؟ ليه بنبص على الماديات بس؟؟؟ يعني احنا مثلاً مبنبقاش محتاجين نحس إن لينا بيت يبقى ملجأ لينا؟! مبيبقاش مثلاً نفسنا نحس إن إحنا عيلة في بيتنا مترابطة؟
– إنتوا بتتدلعوا!
– دلع بدلع، أنا هأخد أختي وأخويا وطالع على شقتي.
– وبقيت بتعرف ترد وتتكلم يا سليم يا اللي مكانش بيطلع لك حس؟!!!!!!
– عشان زهقت؛ زهقت من دور الضعف اللي عايشه، أعمل دا يا سليم حاضر. وهات دا حاضر، أعمل كذا حاضر، إنت فاشل عادي
-أنت عيل .
– لاء يا ماما أنا كبير، ومن النهاردة ليا حسي وصوتي وحياتي، وكل واحد فينا ليه حياته المستقلة مع نفسه، مهيداش على حد مننا تاني كفاية.
طلعت معاه وكريم طلع على السطح، دخلني أوضة الأطفال حضني وطبطب عليا، دخلت وقعدت على السرير وأنا مش بعيط ولا منهارة خارجيًا، اللي يشوفني يقول باردة مابتحسش، لكن الحقيقة إني حاسة وكإن الدموع خلصت، إحساس الوجع والتوهان والدوخة. إنك مش عارف أنت رايح على فين ولا جاي منين، إحساس إن أنا السبب في كل دا.
لو مكنتش اشتغلت من وراهم، لو مكنتش اشتغلت، لو مكنتش أصريت على سليم يوافق رأيّ، أنا السبب.
الباب خبط وسمحت للي بيخبط يدخل، كانت منه ومعاها سيليا، دخلت وهي معاها كوباية عصير وأصرت إني اشربها تهدي أعصابي، قعدت معايا هي وسيليا والحقيقة إنهم خرجوني من المود شوية، سيليا نامت و وهي نامت جنب سيليا وأنا طلعت فوق لسليم وكريم.
قعدت جنبهم وأنا بسأل سليم:- سليم، هو بابا إتعرض لإيه؟ إيه اللي حصل وخلاه يوصل للـ levey دا؟
– تنشئته، بابا تنشئته كانت سادية ومؤذية .
– الموضوع شكله مؤلم وطويل إحكي لي.
– تنشئته، بابا تنشئته كانت سادية ومؤذية .
– الموضوع شكله مؤلم وطويل إحكي لي.
منه طلعت بصينية شاي لينا وكانت طالعة متوترة، شاور ليها سليم تقعد لكنها كانت مترددة. قعدت جنب سليم وكانت هتنزل لكنه قالها إن هي مننا. سليم برغم اللي حاصل إلا إنه مبيقدرش يقسى على منه، هي أطيب من إن حد يقسى عليها، هادية، خلوقة.
قعدنا كلنا وإحنا بنستعد للي هنسمعه بتأهب. بدأ سليم يحكي:- عرفت من عمي من زمان إن جدو كان صعب وشديد عليهم قوي، الأكل بمواعيد، الشرب، الطلوع، الدخول، مفيش سهر، مفيش غلط علشان الغلطة بضربة.
إتكلم كريم:- وضح أكتر.
هز رأسه ووضح:- زمان، الأجيال القديمة كانت شايفة إن الشدة والحزم هما الأساس في تربية الأولاد. جدك كان مثال على الفكر ده، كان مؤمن إن كل حاجة في الحياة لازم يكون ليها نظام واضح وقواعد صارمة. الأكل كان لازم في مواعيد محددة، مفيش تأخير ولا كسل، والشرب برضه بنفس الحزم. الطلوع والدخول من البيت كان بمواعيد مضبوطة، ولازم يبقى فيه إذن مسبق. السهر كان ممنوع تمامًا، وكل حاجة ليها وقتها المظبوط.
أي خطأ مهما كان بسيط، كان له عقوبة واضحة، والضرب كان وسيلة للتأديب زي ما كان متعارف عليه في الزمن ده. كانوا فاكرين إن ده الطريق الوحيد لتربية الأولاد على الالتزام والاحترام، وإن الانضباط الشديد هو اللي هيكون شخصيات قوية ومسؤولة في المستقبل.
النهج ده رغم صعوبته، كان ليه مبرراته في عقول الأجيال القديمة. كانوا شايفين إن ده اللي هيحافظ على التقاليد والأخلاق، وإن أي تساهل ممكن يؤدي لفقدان السيطرة. دلوقتي، البعض بيشوف إن الأسلوب ده كان قاسي، لكن في الوقت نفسه، فيه ناس شايفة إنه خلق جيل قادر يتحمل المسؤولية بشكل أكبر.
قالت منه بتوتر:- دي…. دي كانت طريقة بابا واحنا صغيرين ولحد ما كل واحد مننا أنا وإخواتي إتجوزنا.
كنت قاعدة مستمعة ليهم ومدية للكلام فرصة يلف في دماغي ويدور .
ليه بجد ممكن الأهل يفكروا أو بشكل فعلي يعملوا كدا؟ ليه الدور السلبي المؤلم دا؟
منه كانت حد محب لعلم النفس فقعدت توضح لينا الكلام المتلخبط الغريب دا.
– الإنسان بطبيعته محتاج للتوازن بين الحزم والحنان. لما بيكون فيه ضغط مستمر وعقاب قاسي من غير تفهّم أو دعم نفسي، بيبدأ الشخص يحس إن اللي بيحصل هو نوع من الظلم أو التحكم المفرط. وده ممكن ينعكس في صور مختلفة زي الانعزال عن الأهل أو حتى عقوقهم، لأن العلاقة بتكون مبنية على الخوف أكتر من الحب والاحترام المتبادل.
لكن مش دايمًا ده بيكون الحال. فيه ناس اتربت على الشدة وبرضه بتفضل مخلصة لأهلها وبتحترمهم، لكن ده بيكون مرتبط بقدرتهم على فهم نوايا الأهل وحبهم ليهم، وبيكونوا قادرين يشوفوا الشدة دي على إنها وسيلة لحمايتهم وتربيتهم بشكل صحيح.
سألتها وأنا بفكر:- طيب ليه طالما التنشئة والتربية دول كانوا صعبين ليه هما يعملوا كدا؟
ـ طيب وماما إيه عذرها يا سليم؟
جاوب على سؤالي:
– أنا فاكر إن لحد قبل ما تيتا تتوفى طرقتها مع ماما كانت عبارة عن إنها دائمًا بتحسسها بالذنب، وإنها غلط، وإنها مهتعرفش تشيل ولا تتحمل مسؤولية، ماما عاشت حياتها لتحاول تثبت لها إنها ناجحة فدخلت طب، حاولت تثبت لها إنها هتجوز أحسن جوازة وطبعاً اتجوزت دكتور، كانت تعمل أي حاجة تروح تيتا وخالتي الكبيرة يقولوا لها إنها غلط.
كمل كريم بعد ما حاول يربط كله ببعضه:- يعني دا ولد عندها إحساس إنها مش غلط، وإنها دائماً صح، ودا إضافة لإنها أكيد حست بالحرية أكتر بعد وفاة تيتا، يعني خلاص مفيش حد هيقعد ينتقد فيها أو يغلطها.
علاقة مليانة كلاكيع، ليه الواحد ميفكرش مئة مرة ومرة قبل ما يفكر يبني أسرة، ليه ميفكرش في حال أولاده فيما بعد؟
ليه ميتعالجش عشان نفسه، علشان يعرف يعيش ويعدي ويقدر يتخطى. اتنهدت ونزلت مع سليم ومنه وكريم مرضيش ينزل فسليم طلع ليه غطا .
دخلت أوضة الأطفال ونمت أو بالأحرى سايبة دماغي تفكر، والأفكار مش عايزة تهدى، والأرق مش سايبني.
صحيت على آذان الفجر فقومت صليت وفي وسط صلاتي مكانش في حاجة على لسة غير ” يارب كل المشاكل دي تتحل، الأمور ترجع أحسن من الأول، تجبر بخاطري، وفي نهاية دعواتي افتكرت عُدي ولقيتني بدعي له، بدعي ليه وازاي؟ معرفش, افتكرته ليه برضوا معرفش، بس اللي أعرفه إن لما برتاح بحد وبحبه بفتكره في دعواتي”.
صحينا وقعدنا كلنا نفطر في جو يسوده الصمت بتقطعه سيليا أوقات، هدوء مميت خنيق، للصراحة مكانش الهدوء هو الخنيق، آثار أحداث امبارح لسة موجودة.
قطع تفكيري وفطارنا صوت خبطات على الباب، لما فتح سليم الباب كان بابا اللي إتكلم على طول:
– من إمتى يا سليم وإحنا بنربط زعلنا من بعض بإنكم تسيبونا وتقعدوا تفطروا بعيد عننا، دا حتى في دراستكم مكنتوش بتعملوها وكنا بنتجمع قبل ما تمشوا.
– مـ..ءأ
– متمأمأش، يلا كلكم على تحت، ومهما يحصل من مشاكل بيننا مهما إن كانت متسيبوش لمتنا على سفرة واحدة.
إبتسمت غصب عني على كلامه ولميت أنا ومنه الاطباق ونزلنا، محدش مننا إتكلم.
مفيش يومين وكنت دخلت على سنة الامتياز، ماما وبابا بقوا أهدىٰ ومحدش عارف اللي هيحصل أو اللي حصل أو اللي بيحصل، اللي بيحصل حالياً بمعنى أوضح هو إنهم مبقوش متحكمين زي الأول، طريقتهم بقت لينة إلى حدٍ ما.
من لما بدأت في سنة الامتياز وأنا مش فاضية ولا ليا وقت لنفسي، مابين العمليات اللي بتابعها والحقيقة بالنسبة لي كانت تجربة مليانة تحديات، بس في نفس الوقت كانت من أكتر الفترات اللي حسيت فيها إني بتعلم بجد. في قسم النسا والتوليد، كنت ببدأ يومي بدري جدًا، بنزل المستشفى وأبدأ في متابعة الحوامل، أتعلم إزاي أفحصهم وأتأكد إن الحمل ماشي كويس. كنت بحس بمسؤولية كبيرة وأنا بفحص نبض الجنين أو براقب ضغط الدم عشان أتأكد إن مفيش حاجة غلط.
أكتر حاجة كانت بتأثر فيّ هي لحظات الولادة. كوني موجودة مع الأم في اللحظة دي، سواء في الولادة الطبيعية أو القيصرية، كانت حاجة ملهمة. كنت بحس إني بساهم في حدث مهم جدًا، وده كان بيخليني دايمًا عاوزة أتعلم أكتر. في البداية، كنت بتوتر لما أشوف الحالات الصعبة أو الطوارئ زي النزيف أو تسمم الحمل، لكن مع الوقت بدأت أتعلم إزاي أتعامل مع المواقف دي وأتصرف بهدوء.
في العمليات الجراحية، كنت ببدأ كدور المساعد، وأحيانًا كنت بساعد في عمليات زي إزالة الأورام أو استئصال الرحم. كل يوم كنت بتعلم حاجة جديدة، سواء في الجراحة أو في متابعة الحالات.
بعد تمن شهور من سنة الإمتياز والمرمطة اللي فيها جاية أقول كلام كتير أهمه إن أنا منستش عُدي ولا راح عن بالي ولا غفلت عنه، وقلبي كان بيدعي له يكون كويس وبخير ويكون خير ليا لو نصيبي، إزاي وفين وإمتى معرفش.
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ذاتي أين)