رواية ديجور الهوى الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم فاطمة طه سلطان
رواية ديجور الهوى الجزء الثامن والثلاثون
رواية ديجور الهوى البارت الثامن والثلاثون
رواية ديجور الهوى الحلقة الثامنة والثلاثون
فتح كمال أحد الإدراج ليظهر أمامه الكثير من المقرمشات، فتح واحد اخر ليجد الكثير من البسكويت والشوكولاتة باختلاف أنواعها….
مما جعله يتحدث ساخرًا وهو ينظر ويجدها تقف أمام المرآة الطويلة بعد أن ارتدت ملابسها ويبدو أنها تشعر بالحيرة من ترتداء أي قرط…
رغم أنها ذاهبة إلى صالة الألعاب الرياضية وستقوم بخلعه هناك لكنها لا تستطيع ألا تختار أكثر قرط مناسب حتى ولو لم يظهر أسفل حجابها..
-هو أنتِ ناوية تفتحي سوبر ماركت صغير في البيت ولا ايه؟! اصل دي ادراج مش لايقة تماما مع واحدة صدعتنا بالجيم اللي بتروحه.
استدارت برأسها وما أن كانت على وشك سؤاله عما يقصده ليشير لها ناحية الادراج، وهنا شعرت بالارتباك الطفيف هي لم تعتاد على تدخل كمال أو مشاركته الغرفة بكل تفاصيلها، لم تعتاد على الاسئلة من هذا النوع، فعقبت بجدية:
-دي حاجات لريم وفهد وعيال ام شيماء لما بيكونوا هنا، لاني مش فاضية كل شوية اروح السوبر ماركت او مش بنزل كل يوم فبسيبهم هنا احتياطي ولما بنزل اقعد معاهم بديهم.
تفهم ما تقوله ويروق له..
يروق له اهتمامها بالأطفال على الرغم من قلقه الكبير باقترابها في بعض الأحيان من فهد، الآن أدرك لما يكن لها فهد مكانة مميزة لأنها تهتم بأمره هو وريم…
كانت علاقتها بهما انقى شيء تفعله…
شيء يحزنه ان لم تحدث تلك الأحداث رُبما كان أطفالها الآن في عمر فهد وريم…..
تنهد تنهيدة منزعجة…
فأرتدى الشراب وبعدها لحقه بحذائه فهو يستعد للذهاب إلى العمل، فتحدث بصوت ساخر:
-صحيح نسيت اسأل السؤال المهم رايحة فين على الصبح كده؟!.
عقبت فردوس بهدوء لا يليق بامرأة كتلة من نار مثلها:
-رايحة الجيم وأنتَ هتوصلني في طريقك، هكون رايحة فين يعني؟!.
تذكر هذا الأمر..
ليجدها تخبره بنبرة جادة:
-وبعدها هروح بيتي.
كرر كلماتها باستنكار:
-بيتك؟!
قالت فردوس بتفسير بسيط:
-بيت أهلي وحابة اني كل كام يوم اروح اقعد فيه شوية لو مكنش يضايقك.
هل هي ترغب في الذهاب إلى منزل عائلتها..
لتقضي به وقتًا بمفردها…
هل هذا شيء طبيعي؟!.
لا يعتقد ذلك ولكنه تحدث بنبرة غامضة:
-ماشي اهم حاجة متتاخريش ممكن ابقى اعدي عليكي وانا مروح لو فضلتي هناك..
سألته فردوس بفظاظة وتخلت عن قناع الهدوء:
-ليه مش وراك حاجة تعملها، أنك تروح لمراتك الثانية مثلا؟!.
قال كمال بنبرة بسيطة متجاهلا أياها:
-لا.
فلتذهب لتجلس أنتَ معها في بيت أهلها…
هكذا تود اخباره وكأنها عادت الآن بتذكير نفسها بأنه هناك امرأة أخرى في الأمر غير أفكارها المتضاربة..
وما أن رأي كمال نظراتها كان يرغب قي اخبارها في رغبة داليا في الانفصال عنه ولكنه تراجع..
لأنه يعلم بأن داليا مازالت تفكر كما أخبره والدها لذلك ليس عليه أن يخبرها شيء وتقوم بالتأقلم عليه رُبما ثم تجد أن الأمر كما هو..
تمتمت فردوس بنبرة منزعجة بعد أن حملت حقيبتها وكأن كل شيء جاهزًا من وجهة نظرها:
-مش يلا نمشي.
اشار كمال على هيئتها التي على ما يبدو أنها لا تلاحظها وكأنها في عالم أخر في عقلها:
-لو لبستي طرحتك ولميتي هكون مشكور علشان نمشي.
______________
‘بني سويف’
أردف هلال بنبرة عملية:
-يعني هو الموضوع حساس شوية، بس حسيت انه لازم نتكلم فيه علشان…
قاطع شريف الحديث مخترقًا أذن هلال:
-من غير مقدمات هلال الكتيرة، هلال جاي يطلب ايد بنت حضرتك الانسة بشرى….
بعد تلك الكلمات التي خرجت من فم شريف كان هناك بضعة أسئلة جاءت في عقل هلال..
وهو عن أي هلال يتحدث شريف؟!
عن اي بشرى يتكلم؟!!…
هل ما سمعه كان صحيحًا؟!!!!..
ما الشيء الذي نطق به صديقه؟!!..
هل أصبح يهلوس؟!!!
يتمنى أن يكون هذا من وحي خياله..
إلا أن شريف مشكورًا قام بتأكيد الحديث وهو يقول تحت صدمة منير نفسه:
-الحقيقة هلال من فترة أعجب ببشرى ولاحظ الفترة اللي فاتت أن في شاب بيوصلها المكتب والموضوع ضايقه فهو كأي راجل محترم أعجب ببنت وعايز يتقدم ليها قرر أنه يجي يفهم صحة الموضوع مش كده يا هلال؟!.
قال شريف كلماته الأخيرة وهو ينظر له بسماجة وبراءة لا تناسبه ليتحدث هلال رغمًا عنه وهو يجد نظرات الرجل غريبة لهما:
-اه.
تمتم شريف بهدوء:
-الانسة بشرى مخطوبة؟!.
-لا بشرى مش مخطوبة.
كاد منير أن يغضب ويؤكد صحة الوضع ويخبرهن بأنها على وشك الخطبة ولكن كانت تلك الاجابة خرجت من فم نرمين التي جاءت واستمعت إلى حديثهما منذ مدة وجلست على أحد المقاعد متحدثه وهي تفسر الأمر بقوة وصلابة….
-الشخص اللي وصل بشرى عند مكتبها هو قريب والدها وطلب ايدها لكن هي موافقتش، وهو وصلها الشغل بناءًا على أمر والدها، واحنا كنا عارفين بدل ما تسافر لوحدها، بنتي محترمة وعارفة حدودها.
نظر لها منير بغضب كبير، هي تقوم بتصغيره بالفعل………..
تمتم هلال بحرج كبير حقًا هو من سُيصاب بجلطة الآن:
-احنا جينا من غير ميعاد وده كان غلط مننا، وده كان سوء تفاهم فاحنا عايزين…
هتف شريف بحماس وكأنه هو الذي يقوم بالخطبة مقاطعًا حديث صديقه:
-ناخد ميعاد مناسب ليكم نيجي مع والد هلال ووالدته.
أردف هلال بنبرة عملية:
-مناسب يوم الخميس؟!.
نظرت نرمين إلى زوجها الذي قال بنبرة صارمة:
-أستاذ هلال، صراحة أنا مازالت مش مستوعب اللي بسمعه وزي ما قالت ام احمد في عريس متقدم بالفعل لبشرى.
تحدث هلال بنبرة مقتضبة بعض الشيء:
-بس المدام قالت برضو أنها مش موافقة.
نظر منير إلى زوجته في عتاب ثم غمغم بصرامة:
-بشرى المفروض أنها لسه بتفكر، والدتها قصدها على المرة اللي فاتت لأن جمال اتقدم ليها قبل كده وكانت هي لسه صغيرة ورفضت الموضوع، وانا مقدرش قبل طلب حضرتك مدام في شاب طلب ايديها وهي لسه بتفكر…
ولم تستطع نرمين أن تضيف كلمة على حديث زوجها الذي رمقها بنظرات محذرة فيكفي تهورها ودخولها في الحديث بين الرجال.
غمغم هلال بثبات زائف وفظاظة، ثقة لا تدري من أين أتت له على الرغم من أنه غاضب من ضطصديقه وغاضب من ذلك الرجل:
-خلاص ممكن رقم حضرتك، بحيث لما ترفض بشرى العريس اللي حضرتك بتتكلم عنه، اجيب والدي ووالدتي واجي..
بهدوء شديد كان شريف يعقب على حديث صديقه:
-بالظبط ده الكلام السليم…
“بعد ربع ساعة تقريبًا”
مجرد أن غادرا البوابة وما أن لمح شريف الشياطين التي تتراقص في عين هلال، فأردف شريف بمنطقية:
-اعتقد مش أصح قرار أنك تفكر في اي رد فعل هنا قدام بيتهم، لما نروح محافظتنا نتكلم.
غمغم هلال وهو يكز على أسنانه:
-ممكن أفهم ايه اللي عملته فوق ده؟!!.
أردف شريف ببراءة وتلقائية:
-ما انا لما كنت بلبي نداء الطبيعة، سمعت اصوات وكده وعرفت ان بشرى اللي عليها العين ومضايقاك ومخلية روحك في مناخيرك على غير العادة اتخانقت مع اهلها علشان الراجل ده كل شوية بيروح ليها، وبعدين مكنش اصح وقت اقوله حوار شمس دلوقت انتَ عايزنا نتسبب في موت الراجل مجلوط قبل ما يعرف الحقيقة؟!!..
ابتلع ريقه ثم قال بهدوء:
– فأنا حبيت انقذ الموقف وانقذك من العزوبية اللي طولت دي، انا اتجوزت ثلاثة وأنتَ لسه بتفكر.
أنهى حديثه متسائلا بجدية:
-لو فيك أي حاجة مخلياك لغايت دلوقتي مش عايز تاخد الخطوة دي صارحني ومتقلقنيش عليك أنا شاكك فيك، ثم أن الطب اتقدم ومبقاش في حاجة ليها حل مهما كان مفقود فيك الأمل قادر نلاقيلك الحل…
قاطعه هلال بنبرة هادئة ولكنها كانت هدوء ما يسبق العاصفة:
-ماشي احنا هنشوف حوار الطب ده كمان شوية، يلا نمشى من هنا.
________________
-ينفع اللي هببتيه ده؟! بتدخلي وسط الرجالة وهي بتتكلم؟! وتصغريني.
قال منير تلك الكلمات بجنون…
مما جعل نرمين تتحدث بعدم اكتراث:
-أنا معملتش حاجة غلط أنا وضحت الوضع وبعدين بشرى هي اللي هتحكم ويمكن هي مايلة ليه اكتر من جمال اللي هي مش طايقاه ده.
صاح منير مستنكرًا ما يسمعه:
-اخرسي متنرفزنيش…
تمتمت زينب التي جاءت على أصواتهم المرتفعة:
-اهدى يابني صحتك في أيه بس؟!.
_______________
“عاملة ايه”
“الحمدلله بخير”
“صحتك أفضل دلوقتي؟! بتاخدي الادوية اللي الدكتور قالك عليها؟!”
“اه”
بضعة اسئلة تقليدية يسأل بها كمال عن أحوالها، بعد أن هاتفه والدها ليلة أمس يخبره بأن يتركها في بيته قليلًا أن كانت مصممة على رأيها فلينفصلا بإحسان ومعروفٍ، وأن كانت فقط تشكو من الضغط النفسي ومن صدمة وفاة والدتها ستعود عن قرارها لذلك أخبره ألا يحدثها في الأمر، ولا يأتي إلى زيارتها يجعلها تفكر بهدوء..
بالفعل استمع كمال إلى نصيحته ولكنه يجد أنه من الواجب الاطمئنان عليها، ولأنها في فترة حرجة وحتى لا تظن أنه يرغب في التخلي عنها…
حسنًا ليس بينهما قصة حب، أو مشاعر ملتهبة، ولكنها زوجته وامرأة أحسنت عشرته وبينهما أيام قليلة ولكنها تكفي أن يقدرها ويحترمها تحديدًا وهي تمر بهذا الظرف..
بعد ان انتهت المكالمة الروتينية أخذت تخرج ملابس سوداء لها من الخزانة قد تصلح أن ترتديها لتقابل زملائها في العمل، لم تكن تحب اللون الاسود أبدًا ولكنها الأن بعد ان ارتدت هذه التنورة، والكنزة السوداء والحجاب المتواجد بين يديها تجده ملائمًا لها رُبما لأن روحها وقلبها الان باللون ذاته….
ولجت جهاد إلى الغرفة بعد عدة طرقات قامت بها وأذنت لها داليا بالدخول…
-زمايلك جم وقاعدين برا.
هتفت داليا بنبرة عفوية وهي تتسائل لعلها تعلم هل تضع حجابها على رأسها أم لا :
-حد جه مع البنات؟!.
هزت جهاد رأسها نافية وهي تغمغم:
-لا هما ثلاث بنات بس..
تركت داليا الحجاب على الفراش، فأردفت جهاد بنبرة مترددة:
-داليا مش عايزاكي تزعلي من عزت، أنتِ اكتر حد عارفة وقت عصبيته بيهب في أي حد ازاي، وهو معندهوش أغلى منك.
عقبت داليا بنبرة هزيلة:
-انا عمري ما ازعل من عزت يا جهاد اهم حاجة خلي بالك أنتِ منه.
-حاضر وياريت متكونيش لسه زعلانة مني..
ابتسمت داليا قائلة بنبرة متهكمة من حالها:
-اعتقد بعد ماما أي خلاف بسيط ملهوش لازمة، حصل خير يا جهاد متقعديش تفكري كتير، وبعدين أحنا اخوات وساعات بنغلط في حق بعض من غير ما نقصد وأنا عارفة أنك كنتي عايزة ليا الخير…
“في الخارج”
خرجت داليا برفقة جهاد يستقبلان زميلاتها في عملها السابق التي تخلت عنه في سبيل المكوث طوال الوقت بجوار والدتها…
كما تخلت عن كل شيء في حياتها…
كانت نورا الوحيدة التي علاقتها بها كانت أقرب للصداقة من الزَمالة ولكنها مع تركها للعمل تأثرت قليلا كلاهما أنشغل في حياته وانشغلت هي في بيتها وعائلتها الصغيرة…
كان برفقة نورا، عائشة ومروة وكانت تجمع داليا بهما علاقة طيبة ولكنها لم تكن في متانة علاقتها بنورا، ولكنها ممتنة لاتيانهم لقيام واجب العزاء…
واستقبلت مواساتهم وكلماتهم الروتينية في تلك المواقف ثم أخذ يتحدثا في كثير من الأمور حتى يخففا عنها حتى تبرعت مروة بالحديث تعتذر نيابة عن زملائها:
-محمد كان هيجي معانا بس ابوه تعب فجأة ومجاش الشغل النهاردة لا هو ولا زينة مراته هيبقوا يجوا يوم تاني، ووائل مرضيش يجي ويكون هو الراجل الوحيد معانا لما عرف ان خالد مش جاي، لأن خالد لما عرف موضوع اجهاضك وجوازك قال ان ممكن تكوني تعبانة وفي وضع ميسمحش أنه يجي، بس الاكيد أنه زعل..
لكزتها نورا بخفة ورمقتها بنظرات لائمة، تلك المصيبة مروة لن تكف أبدًا عن قول الكلمات في أي وضع حتى ولو كان غير مناسبًا لا تستطيع التحكم في لسانها..
هل حقًا كان يجب ذكر خالد وحزنه الذي استشعره الجميع دون أن يعبر عنه صراحة..
حاولت عائشة تصليح كلمات زميلتها ولا تدري هل فعلت أم أنها قامت بتزويد الوضع سوءًا:
-يعني هي قصدها أن هو زعل وكلنا زعلنا لأننا مكناش نعرف بجوازك..
عقبت جهاد مخففة حرج داليا الواضح:
-الموضوع حصل بسرعة وكل حاجة جت بسرعة يعني النصيب، وكان يعتبر كتب كتاب والموضوع كان عائلي..
أردفت نورا بابتسامة باهتة:
-اه ما أنا قولت ليهم كده برضو، ربنا يعوض عليكي يا داليا ويصبرك، وبعدين يعني اول حمل بيكون عموما عند أغلب الناس مش ثابت بكرا تشدي حيلك وتجيبي بدل العيل عشرة.
ابتسمت لها داليا ابتسامة باهتة، لتحاول مروة الحديث مرة أخرى متذكرة عرض خالد:
-صحيح خالد وصانا أننا نقولك لو حابة ترجعي الشغل تاني مكانك موجود، أحنا عارفين أنك سيبتي الشغل علشان والدتك وهو قال نبلغك ان مكانك علطول موجود وهو مستنيكي في أي وقت.
حقًا هناك طُرق ألطف كثيرًا من ذكر خالد وهذا ما جعل نورا على وشك أن تنهض وتصفع مروة التي لا تتحكم بلسانها مُطلقًا…
تحدثت نورا برفقٍ:
-يعني قصدنا تكوني معانا وتقضي أغلب يومك معانا، الشغل بينسي الحزن وبيشغل الدماغ شوية.
هتفت داليا بنبرة رزينة وهادئة:
-شكرا ليكم على عرضكم ده واكيد انا نفسي ارجع الشغل تاني بس ده مش وقته انا لسه بحاول اتقبل اللي حصل، ولو اكيد حبيت في يوم ارجع هكلمكم، لكن دلوقتي انا مليش نفس لأي حاجة.
ثم نظرت على فناجين القهوة الموضوعة كما هي لتتحدث:
-عارفة أنكم ملكوش في القهوة هقوم أعمل ليكم شاي..
تحدثت عائشة بحرج:
-ملهوش لازم تتعبي نفسك احنا أساسًا طولنا..
وافقتها نورا الأمر عليهما الفرار قبل أن تقوم مروة بقول المزيد والمزيد..
_____________
في القاهرة…
في أحدى المناطق الشعبية استوقف هلال سيارته بعد صمت دام بين الاثنان طوال الطريق حتى أتى هلال إلى هذا الحي..
يريد هلال اعطاء نفسه جائزة نوبل من أجل صبره أنه لم يتحدث ولم يقتله طوال الطريق..
هتف شريف متخليًا عن صمته قائلا بهدوء:
-أنتَ جايبنا هنا ليه؟!.
عقب هلال بصوت ثابت:
-فاكر لما قولتلك البطاقة بتاعتك تخليك تدخل اي مكان وأنتَ مش قلقان من حاجة، وأنها تعديك وسط الأسود ولا فيها اي مشكلة، وفاكر لما قولتلك لو عايز اسفرك هسفرك.
هز شريف رأسه ببطئ…
ليتحدث هلال بهدوء وهو يخلع ساعته:
-انزل بقا علشان نشوف فعاليتها النهاردة، احنا في مكان لا أنتَ تعرفه ولا أنا لغايت ما يبان لينا صاحب.
أتى وقت العقاب فهبط شريف باستسلام وبعده هبط هلال الذي خلع سترته وتركها في السيارة قبل أن يغلقها…
تمتم شريف بهدوء شديد وتقبل وهو يقف أمام السيارة:
-أنا موافق على أي حاجة، بس المهم أن الموضوع لا يؤثر على جوازتي الرابعة.
قال هلال بنبرة جادة وهو يعقد حاجبيه مكررًا كلماته:
-ليه ده حتى الطب اتقدم عن الأول ومهما اللي هيحصلك هنعرف نعالجك بعدها، لما نشوف الطب هيعمل فيك ايه بعد اللي هعمله فيك أنا
بعد تلك الكلمات لكمة هلال بقوة متخليًا عن الرجل المتحضر الذي يعرفه فهو جعله كطفل صغير أمام عائلتها فقط يردد ما يقوله…
تمتم شريف بنبرة مرحة لا يعلم من أين حصل عليها:
-نولت شرف تاني واحد بعد داغر اسيبه يضربني من غير ما ارد الضربة، علشان تعرف غلاوتك عندي.
لكمة أخرى تلقاها من هلال بهدوء شديد وتقبل كبير، ما ينقصه حقًا أن يشعل سيجارته ويستمتع بالثورة المقامة في صديقه لا يدري ما الذي اقترفه سوى أنه أخذ خطوة من اجل الفتاة الذي يبدو أنها اشغلت عقله كما لم يحدث من قبل…….
تجمع الناس حولهما وأخذ بعض الرجال يقفون بينهم وتعالت أصوات النسوة بينما قال رجلًا مندهشًا من فارق الجسد، شريف يبدو قوى البنيان رجل صلب ولم يحاول الدفاع عن نفسه من بداية الشجار الذي شاهده الناس:
-استهدوا بالله…
لم تمر ثواني حتى قال هلال الذي يكبح لجامه رجال لا يعرفهم ويبعدوه عن شريف:
-والله ما هسيبه.
تحدث شريف بنبرة هادئة وهو يقف بجانب أحد الرجال بعد أن اشعل سيجارته بالفعل ببرود كبير:
-يا جدعان سييبوه أنتم ماسكينه كده ليه ما تخلوه يطلع اللي جواه.
تمتم أحد الشباب بعدم فهم:
-هو أنتَ مبسوط انك بتضرب؟!، ده وشك بقا شبة البلايتشو من كتر الضرب وأنتَ عايزنا نسيبه.
أردف شريف بثبات:
-معلش سيبوه هو خلاص خرج اللي جواه وأنا مسامحه احنا عشرة عمر برضو واللي عملته مش قليل، خلاص يا هلال صافيين ولا نروح القسم يا متر.
قال هلال بتوعد لن ينساه مُطلقًا:
-صافيين يا شريف، صافيين اوي، بس اتأكد ان والله لو بعد شهر او بعد سنة او بعد عشرين سنة أنا اليوم ده هفكرك بيه.
ابتعد شريف وتوجه ناحية الرجال يبعدهم عن هلال متمتمًا:
-خلاص يا رجالة حصل خير احنا ماشيين، واللي داخل ما بينا خارج.
نظر الناس لهم بتعجب تحديدًا بعد صمت هلال وسكونه مما جعل احد الرجال المسنين يهتف:
-ادي اخرة اللي بيبلعوه الشباب الأيام دي، حسبي الله ونعم الوكيل في اللي خربها ودخل الحاجات دي، الشباب مخها لسع..
تحدث هلال بنبرة منزعجة، يتنفس بصعوبة بسبب المجهود الذي بذله والثورة المتواجدة بداخله وهو يوجه حديثه إلى شريف:
-من هنا بقا ارجع بيتك لوحدك ويستحسن مشوفكش تاني.
ببرود سأله شريف:
-لغايت امته؟!.
-بقية عمرك.
__________________
بعد صالة الألعاب الرياضية توجهت فردوس إلى منزل عائلتها، نحو غرفة شقيقها أخذت تبحث في حقائب السفر عن اي شيء ملحوظ أو قد يلفت نظرها لم تجد…
لذلك أخذت الحاسوب من حقيبته ووضعته في حقيبة الظهر الخاصة بها ليكون أخف وغي ملفت للانظار، وهبطت مغادرة المنزل، لم تجلس طويلًا فلم تكن لديها الرغبة في البكاء…
أو استعادة الذكريات بينما عقلها مشوش إلى اقصى درجة…
عقلها مشوش الذي جعلها في عز لحظاتها الرائعة معه والأولى أن توقف كل شيء بسبب بكائها على صدره، لم تكن بتلك الهشاشة من قبل…
لو كانت تصرفت بطريقة فظة أو اي رد فعل غبي لكانت وقتها اقتنعت بأن الأمر ليس مخجلًا كما هو أمر بكائها…
بكت طويلا كطفلة تائهة….
وكان هو حنون، حنون بشكل كبير..
لكن عقلها لم يستسلم طويلًا هو يقضي عليها بالفعل، الأمل كله في الحاسوب، الحاسوب…
لو كان فارغًا أو ليس به شيء…
لن يكن أمامها سوى أن تقوم بالحديث مع كمال أو الموت…..لتتخلص من هذا كله….
باتت تفكر بشكل مضطرب..
شكل يخفيها بجنون…
لم تفكر به وقت الحادث نفسه…
أنهت هذا الهراء كله وغادرت المنزل متوجهه إلى أحد المتاجر الخاصة بتصليح الهواتف والحاسوب وغيرهم، دلتها عليه أحدى صديقاتها الجدد في صالة الألعاب الرياضية التي أخبرتها بأن زوجها كان يعاني من مشكلة تشبه مشكلتها…وقام الرجل الذي يعمل هناك بالتصرف في الأمر…
ولجت فردوس إلى المتجر بخطوات ثابتة ليقابلها شاب في التاسعة عشر من عمره تقريبًا…
-اهلا بحضرتك، أقدر اساعدك ازاي؟!.
وقفت فردوس قائلة بنبرة هادئة:
-حضرتك مصطفي؟!.
هز الصبي رأسه نافية وهو يجيب عليها بتهذيب:
-لا أنا شغال هنا، هو بيجي بليل ويوم الخميس والجمعة بس، أقدر أساعد حضرتك ازاي؟!
قالت فردوس بنبرة عملية:
-عندي لاب توب بقاله سنين مقفول وأنا فتحته.
سألها الشاب بهدوء:
-وبعدين؟!.
عقبت فردوس بنبرة مفسرة:
-كان بباسورد وأنا معرفهوش، فأنا عايزة افتحه بس كل حاجة تكون عليه زي ما هي مفيش حاجة من عليه تتمسح.
قال الشاب بهدوء وعفوية:
-متعرفهوش ازاي؟!.
غمغمت فردوس باندفاع شديد:
-اعتقد مش مشكلتك هتعرف تعملي اللي أنا عاوزاه ولا لا؟!..
ضحك الشاب رغمًا عنه ليغمغم برزانة:
-حضرتك انا مجرد بسلم وبستلم مش بصلح حاجة ولا بعمل حاجة.
شعرت فردوس بحماقتها فحاولت الدفاع عن نفسها متمتمة:
-معلش اللاب توب ده بتاع اخويا هو….
حتى الكلمة تصعب عليها نطقها وكأنها مازالت لا تتقبلها هي تتقبل حقيقة أن شقيقها مقتول ليس متوفيًا..
هناك فارق كبير في المصطلحات…
أسترسلت فردوس حديثها بهدوء ولا تعلم لما عليها أن تفسر الأمر لشخص غريب:
-هو اتوفى من سنين طويلة واللاب توب ده ذكرى منه مفكرتش افتحه من بدري بسبب ظروف كتير، واكيد عليه صوره وحاجات تخصه أقدر احتفظ بيها.
شعر بالصدق في نبرتها فغمغم بهدوء:
-خلاص حضرتك سبيه ويوم السبت تعالى خديه واكيد مصطفي هيحل الموضوع.
رفعت فردوس أحدى حاجبيها تردد كلمته باستنكار:
-اسيبه؟!!.
-أيوة اكيد حضرتك مكنتيش متوقعة ان الموضوع يتعمل في ساعتها، ومش علشان الموضوع صعب بس الفكرة أن مش انا اللي بعمل كده احنا بنجمع كل حاجة ومصطفي بيخلصها في يوم الخميس والجمعة وبنسلم في السبت والحد.
قالت فردوس برفض قاطع:
-أنا مش هينفع اسيبه.
ما تلك المرأة المجنونة التي ولجت إلى متجرهم؟!!..
ماذا يفعل لها؟!
لولا هيئتها لظن بأنها قامت بسرقته حقًا ولكنه لا يظن هذا.
غمغم الشاب بهدوء:
-براحتك، تقدري تروحي مكان تاني ده النظام هنا، بس سؤال يعني ايه المشكلة لما تسبيه؟! في موبايلات ولابتوبات قد كده هنا، مشوفتش حد خايف يسلم حاجته للصيانة..
كان حقًا يشعر بغرابتها…
ولكنه لا يعلم ما تمر به..
هي ليس لديها الثقة الكاملة لتركه هي لا تعلم ما يتواجد به من الأساس وشيء ما يدفعها لعدم تركه فقالت بهدوء:
-قولي مصطفي ده بيكون هنا امته والساعة كام وانا هاجي وانا مستعدة ادفع اي مبلغ المهم يتفتح قصاد عيني ومسيبهوش..
توجه الشاب إلى المكتب وأعطاها كارت خاص بالمتجر متمتمًا بنبرة عملية:
-ده رقمنا اتصلي بيا بكرا هكون بلغت مصطفي ولو رضي هعرفك تجيله امته، اسم حضرتك ايه؟!.
قالت فردوس بثبات:
-فردوس.
ثم صححت لقبها بنبرة رسمية تعلم مرارتها:
-مدام فردوس علي.
___________________
أمل حياتي يا حب غالي ما ينتهيش
يا أحلى غنوة، غنوة سمعها قلبي ولا تتنسيش
أمل حياتي يا حب غالي ما ينتهيش
يا أحلى غنوة، غنوة سمعها قلبي ولا تتنسيش
خذ عمري كله بس النهار ده، بس النهار ده
بس النهار ده خليني أعيش، خليني أعيش
خليني جنبك خليني في حضن قلبك خليني
خليني جنبك خليني في حضن قلبك خليني
وسيبني أحلم سيبني، وسيبني أحلم سيبني
وسيبني أحلم سيبني، وسيبني أحلم سيبني
يا ريت زماني، يا ريت زماني، يا ريت زماني
ما يصحينيش، ما يصحينيش، ما يصحينيش
يا ريت، يا ريت ما يصحينيش…
على أنغام أم كلثوم…
كان عادل يجلس في المنزل برفقة “شريف” أو ثائر كما تعلم والدة هلال “ثريا”…
بين يديه طبق موضوع به بعض أصابع (محشي ورق العنب) الملفوفة بعناية واحترافية ووضعتها ثريا ليقوم ثائر بتذوقها ليخبرها ما أن تم نضجها أم لا؟!..
ولج هلال إلى المنزل بتوتر وارتباك لا يدري كيف قضى الساعات الماضية، فجاءه اتصال من والدته تخبره بأن يأتي ليتناول الطعام معهما، كان لا يعلم هل يخبرهما بالأمر أم لا؟!.
هو حقًا بفضل صديقه أصبح الرجل الثلاثيني الذي يقوم بمراقبة فتاة تعمل في مكتبه ورؤية من يقوم بتوصيلها، بل يأتي ويتقدم لخطبتها وهي بالفعل لديها رجل أخر، كلا كلمة سيئة..
عرض أخر، كلمة اخرى تزعجة…
لا يدري كيف يصف هذا الرجل الآخر أي وصف يكون مزعج له.
ترك مفتاح سيارته وميدالية مفاتيحه على الطاولة المتواجدة بجانب الباب فهو معتاد على الولوج بمفتاحه دون أن يقرع الجرس..
وما أن سار بضعة خطوات حتى وجد شريف يجلس بجانب والده كلاهما يدندن كلمات الأغنية باستمتاع، وشريف ممسك بطبق ورق العنب…
-أنتَ بتعمل ايه هنا؟!.
رفع شريف بصره له ووجهه لوحة فنية قام هلال بصنعها..
تمتم شريف بنبرة هادئة:
-امك.
كاد هلال أن يتهور حقًا في الرد عليه ليسترسل شريف حديثه بهدوء شديد:
-امك قالتلي انها عاملة ليا ورق عنب وطاجن ورق عنب بالكوارع، وشاوية كفتة وعاملة بطاطس محشية باللحمة المفرومة، وانا مقدرتش اقاوم فروحت جاي.
جاءت ثريا من المطبخ بعد أن تركت المرأة التي تساعدها في المنزل:
-أنتَ جيت يا حبيبي.
ما أن انهت حديثها حتى انحنى هلال ووضع قبلة على وجنتي والدته على الرغم من أن نظراته على وشك أن تحرق شريف حيًا…
ما ان ابتعد عن والدته حتى قالت بعتاب:
-يعني كده صاحبك يعمل حادثة ومتقولش لينا؟! نروح نزوره؟!.
قال شريف بسماجة:
-معلش يا طنط مهوا مرضيش يزعجكم وبعدين انا كويس اهو قدامك.
عقبت ثريا بسخرية:
-كويس ايه يا ابني أنتَ معندكش مرايا في بيتكم؟! ده انتَ متشلفط خالص.
أردف شريف بنبرة درامية من الدرجة الاولى:
-اعمل ايه بقا منه لله اللي كان السبب..
جحظت عيني هلال ليتحدث شريف بنبرة مهذبة:
-سواق التريلا.
تمتمت ثريا بهدوء وكأنها تتحدث مع طفلها الصغير الذي عاد من المدرسة لتوه:
-سلامتك يا ابني، خش يا هلال اغسل ايدك واقعدوا على السفرة أحنا خلاص هنحط الأكل.
ما أن ذهبت ثريا حتى تحدث عادل غير مقتنعًا بتلك الرواية:
-عملت ايه تاني يا شريف المرة دي؟!، واضح انك عامل مصيبة دي أثار ضرب مش أثار حادثة.
ضحك شريف ثم قال:
-بحب حسك القانوني يا سيادة المستشار دي حقيقة فعلا انا مضروب بس والله المرة دي مش عامل مصيبة انا عملت خير معرفش ليه قلبت بكده.
ابتسم عادل متحدثًا بتهكم:
-من غير ما تقول باين على وشك انه خير، وخير اوي…
“بعد مرور نصف ساعة”
كانوا يجلسون وبيد كل واحد منهم مشروبه وتحدث شريف بابتسامة لامعة لم ترافقه منذ وقت طويل:
-تسلم ايدك والله بقالي كتير مكلتش طاجن ورق عنب بالكوارع بالحلاوة دي.
قالت ثريا بنبرة حنونة:
-الله يسلمك بالهنا.
ثم سألته بنبرة خائفة وقلقة فهي تهتم به، تحديدًا لأنه يمكث بعيد عن عائلته ولا يذهب لهم إلا في الزيارات حسب علمها…
-وشك بيوجعك؟!.
تحدث شريف مستفزًا هلال:
-يعني مش اوي ياما حصلي حاجات اكتر من كده، اصل ده ايده خفيفة.
عقبت ثريا باستغراب:
-هو مين؟!.
أردف شريف بابتسامة وقحة:
-سواق التريلا.
ضحكت ثريا رغمًا عنها، ثم أتت المرأة التي تساعدها في المنزل لتخبرها بأن هاتفها لا يتوقف عن الرنين فقالت ثريا بهدوء وهي تنظر إلى عادل:
-هقوم شكلها بنتك، مجرد ما بس مردش عليها علشان بعمل أي حاجة تقلبها مناحة…
هز عادل رأسه بتفهم ثم رحلت ثريا لينهض عادل قائلا بنبرة صارمة:
-يلا بينا على المكتب.
وها يقف الاثنان مذنبان أمامه..
لسبب لا يعرفه ولكنه يدرك شريف، ويدرك جيدًا ابنه الصامت والذي على ما يبدو هناك شيء كبير بينهما، السبب الذي أتى في عقله أنه رُبما شريف أقحم نفسه في مصيبة جديدة وهي من اغضبت هلال الرزين والعاقل…
لذلك تحدث عادل بهدوء:
-ممكن افهم مالكم؟!
تحدث شريف بنبرة هادئة جدًا:
-انا معملتش أي حاجة، كل حاجة تمام المرة دي أنا برئ.
تمتم عادل بسخرية شديدة:
-أنتَ استحالة تكون معملتش حاجة ووش صاحبك كده.
ثم أشار إلى وجهه قائلا بتهكم:
-ولا وش حضرتك اللي ملعوب فيه البخت.
أردف شريف بجدية:
-والله لو تعرف انا عملت ايه يا عدوله يا تشكرني..
قال هلال وهو يكز على أسنانه:
-اسكت…
تمتم عادل بنبرة جامدة:
-عدولة في عينك، خلصوا قولوا في ايه.
عقب هلال وهو يكاد ينفجر حقًا:
-مفيش حاجة يا بابا.
تمتم عادل بنبرة جادة:
-ازاي مفيش واحد مضروب والتاني مش طايق نفسه، دي مش عوايدك فهموني في ايه، مش معنى انك يا هلال صاحبك عمل مصيبة وعرفت تحل الموضوع انك متعرفنيش….
أردف شريف مدافعًا عن ذاته:
-لا يا عدولة جرحتني في مشاعري والله، السهم صابني، انا معملتش مصيبة ولا حاجة، كل الحكاية اني خطبت لابنك علشان افرحك وافرح ثريا بالحفيد ونشوف حل لابنك اللي مش عايز يتجوز ده.
عقب عادل بعدم فهم:
-يعني ايه خطبتله!!!!!..
كاد شريف أن يتحدث ليصرخ به هلال:
-ممكن تسكت شوية.
عقب شريف ببراءة وهو يعقد ساعديه:
-حاضر هسكت.
قال هلال بنبرة متوترة وهو يوجه الحديث إلى والده لا يدري لما يشعر بهذا الحرج كله:
-بابا كل الحكاية انا اتقدمت لبشرى اللي من ضمن البنات اللي عندنا في المكتب وأنا روحت قابلت ابوها…
غمغم شريف بفخر:
-وأنا كنت معاه.
تحدث هلال بنبرة منفعلة:
-اخرس.
-طيب.
تحدث عادل باستغراب:
-وليه طيب مقولتش ليا ولا لامك حاجة عن الموضوع؟!.
أردف هلال بحرج:
-حبيت اقعد مع ابوها الأول واشوف عيلتها واتعرف عليهم، وخصوصا انه لسه عامل عملية ما أنا قولت لحضرتك وعنده جلطة ساعة ما سافرت معاها ومع صاحبتها..
عقب عادل بنبرة جادة:
-بس المفروض كنت تقولنا يا ابني، هو أنتَ في حد يتمنى ليك الخير قدنا.
أردف هلال بصيقٍ ونبرة مختنقة:
-معلش يا بابا أنا قولت، يمكن اهلها ميوافقوش، وطلع شكي في محله في شخص فعلا متقدم ليها وهي بتفكر…
ضيق عادل حاجبيه ثم تحدث بدهشة:
-بتفكر؟!! هي البنت متعرفش انك اتقدمت ليها ولا ايه؟!.
قال هلال بنبرة واضحة:
-لا متعرفش ولا حتى لمحت ليها انا حبيت اخلى الموضوع رسمي وادخل البيت من بابه…
لم يستكمل حديثه حينما وجد باب المكتب يفتح على مصرعه بشكل أفزع شريف، وزغروطة مصرية أصيلة رنت في أرجاء المنزل بعد أن استمعت ثريا نهاية الحديث بعد أن أنهت مكالمتها مع ابنتها المغتربة مع زوجها…
تمتمت ثريا بلهفة وهي تقترب من ابنها:
-اللي سمعته يا ابني صح؟! هتدخل بيت مين من بابه؟!.
عقب شريف متطوعًا:
-هو دخل فعلا يا طنط مش لسه هيدخل، وطلب ايد بشرى اللي شغاله في المكتب.
قالت ثريا بهدوء:
-والله كان قلبي حاسس من ساعة ما شوفتها في المكتب وهي دخلت قلبي بدون استئذان واتربعت كده…
أردف هلال متهكمًا رغمًا عنه:
-دخلت قلبك هي بس؟! ده أنتِ مفيش واحدة في المكتب مدخلتش قلبك وكنتي هتخطبيها ليا…
تمتمت ثريا بنبرة منفعلة:
-اخرس انا كنت حاسة طبعا.
هتف شريف رغمًا عنه:
-ايوة خدي حقي..
قال هلال بنبرة غريبة:
-اعتقد بلاش احساسك ياخدك اوي كده لأنها اصلا متقدم ليها حد وابوها شبه رفض الموضوع لما روحتله انا وثائر الصبح.
عقب عادل بنبرة حكيمة رغم انه يشعر بأن هناك خطبٍ ما:
-يمكن هو لما لقاك رايح مع واحد صاحبك شافك انسان مش جد، اديني رقمه اتكلم معاه وناخد ميعاد زي الناس.
تمتم هلال بنبرة مقتضبة:
-مش هياخدني على محمل الجد ليه هو أنا عيل قصاده؟!.
أردفت ثريا بجدية وابتسامة واسعة تحتلها:
-ايوة ابوك يكلمه…
قال هلال محاولا التماسك قبل أن يصرخ حقًا:
-استنوا كام يوم على الأقل…
تمتمت ثريا برفض:
-ليه بس؟! خير البر عاجله.
غمغم شريف ببراءة رهيبة:
-خلاص يا طنط متضغطيش عليه بقا.
نظر له هلال نظرة شرسة وغاصبة هو حقًا لم يفضح أمره امام والده لأنهم في المنزل ولأنه لا يرغب في أن يكن صديقه الذي اصر على والده ان يساعده يقوم بمرافقة راقصة بعد كل ما فعله والده من اجل صديقه….
_____________
يركض الصغير في أرجاء المنزل العتيق والقديم…
بعد أن أتى داغر بنساء قامت بتنظيف المنزل..
وفي الصباح أثناء هبوطه أخبره فهد بأنه يرغب في معرفة أين يذهب كل يوم؟!
فهو ينزعج من اختفاءه، تحديدًا بعد تعلقه به، لم تكن أفنان الوحيدة التي تعلقت بوجوده حولها، كان فهد معها أيضًا….
لذلك لبى داغر رغبته في أن يأتي معه، هو يتمتع برفقته على أي حال وتلك ليست المرة الأولى بل أن فهد يرغب أن يرافقه كظله، حتى أنه يبحث في ذاته عن أي شيء قد يشبهه بداغر في هيئته ولم يجد وهذا ما يزعجه هو يشبه امه بشكل كبير جدًا…
لذلك على الأقل يحاول تقليده في أي شيء أخر.
وأخذ اليوم من بدايته يذهب معه إلى عدة أماكن مختلفة…
تمتم داغر وهو يسير خلفه بهدوء:
-عجبك البيت؟!.
أردف فهد بنبرة طفولية مفعمة بالحماس وهو ينظر له:
-اه عجبني اوي شبة البيوت اللي في الافلام اللي ماما بتتتفرج عليها.
كان يقصد الأفلام الأبيض والاسود القديمة التي تغرم بها أفنان فضحك داغر رغمًا عنه..
هو محق بعض الشيء تلك الشقة تعود إلى جده، وتزوج فيها والده في الشقة نفسها إلى أن مات جده وظلت الشقة لهما ولم يكن بها تغيير يذكر…
تحدث داغر بنبرة هادئة:
-حابب أنهي اوضة تكون اوضتك؟! والاوضة اللي هتختارها هغيرها ليك من أولها لأخرها.
عقب فهد بصوت متردد وهو يشعر بالحيرة:
-بس انا اوضتي في بيت ثائر…
تمتم داغر بهدوء ولم يغضب عكس ما توقعه فهد:
-ايوة دي اوضتك لما تروح هناك بس هنا هتكون الاوضة بتاعتك في بيتي أنا، بيتنا اللي هيكون هنا.
بيت والده..
هل سيحيا حياة طبيعية كباقي أصدقائه في المدرسة؟! تحدث داغر مقترحًا:
-أيه رأيك لو اوضتي وانا صغير تكون بتاعتك؟!.
قال فهد بابتسامة وحماس كبير:
-أنا موافق…
ثم احتضن خصر داغر بعفوية، في البداية تصلب جسده هو بالفعل يشعر بمشاعر غريبة وجديدة عليه كليًا مع فهد..
مشاعر الأبوة!!
هل هي؟! أم أنه شيء أخر لا يعلمه..
ولكنها مشاعر لم يظن بأنه سيشعر بها أبدًا…
بعد ذهابه إلى أكثر من طبيب وتقريبًا فقد الأمل لو كان يجلس بمكان عام به أطفال لا يتحمل صراخهم ولا الركض ولا أي شيء كان يغادر على الفور…
لكن الآن الأمر مختلف جدًا مع فهد..
رُبما لأنه ابن هادئ ومختلف..
رُبما لأنه يشبهها شكلًا وطباعًا…
يذكره بها حينما كانت طفلة..
داعب خصلاته رغمًا عنه ليبتعد الصغير عن أحضانه قائلا باستفسار:
-وماما؟!.
هتف داغر بنبرة ما بين السخرية والمرح:
-اكيد مش هنسيبها هناك يا فهد..
تمتم فهد بنبرة وديعة:
-ممكن اختار انا اوضتها؟!.
-ممكن بس للعلم هي هتبقى اوضتي أنا كمان.
هز الصغير رأسه بإيجاب وأختار الغرفة المتواجدة في نهاية الرواق رُبما لأنها الأكبر لا يعلم ولكنها بدت له مناسبة لفردين..
قال داغر بعد تفكير:
-بس يعني احنا كده مش هنسيب أمك تختار اي حاجة؟!.
هتف الصغير ببراءة:
-ماما هتحب اللي اخترناه، أقولك على سر؟!.
أنخفض داغر إلى مستواه ليجد الصغير يجلس أرضًا، ففعل داغر المثل وجلسا الاثنان أمام بعضهما…
تمتم فهد بنبرة هادئة:
-عارف فاضل قد ايه على عيد الام؟!.
عقب داغر بهدوء:
-تقريبًا ثلاث شهور اعتقد، ليه؟!.
أسترسل فهد الحديث:
-شوفت السلسلة اللي ماما بتكون لبساها أغلب الوقت؟!
هذا السلسال الذي يزين عُنقها باسمها باللغة العربية، أفنان، وبالفعل انتبه له تحديدًا الايام الماضية…
فهز رأسه بإيجاب ليسترسل الصغير حديثه:
-خالو اللي جابه ليها كانت هتجيب واحدة عليها اسمي بس أنا قولتلها لا متجبيش باسمي، اسمها هي أحسن لاني مش حابب ده، وأنا بحوش وهجيبه ليها في عيد الأم وأنا من عيد الأم اللي فات وأنا بحوش من مصروفي.
ضيق داغر حاجبيه وهو يسأله باهتمام:
-وحوشت كام لغايت دلوقتي؟!.
هز الصغير رأسه بعدم معرفة وهو يقول:
-أنا معرفش مش هفتح الحصالة غير وقتها.
ابتسم فهد بنبرة طفولية جادة واسترسل حديثه:
-محدش يعرف الموضوع ده غير ثائر، وأنا قولتله ميقولهاش، وساعتها قالي أنه هيكمل ليا الباقي بس انا موافقتش لازم ادفع ثمنه كله انا..
-خلاص انا ساعتها هكمل ليك حقه لو احتجت…
كاد ان يعترض الصغير بضيقٍ ليتفوه داغر رغمًا عنه:
-الامر يختلف أنا أبوك..
يبدو أنه شعر بها..
شعر بها وبشدة ليتفوه بها لا يصدق هو نفسه أنها خرجت منه..
بدأ الأمر مقنعًا بالنسبة لفهد لذلك هز رأسه موافقًا، وبخفة أنتقل إلى موضوع أخر:
-ماما قالت أننا هنسافر معاك بعد كده صح؟!.
ابتسم داغر بسعادة..
على الرغم من أنها تخبره بأنها مجرد فرصة إلا أنها أمام الصغير تخبره بأمر سيحدث حقًا ولأنه يعرفها خير المعرفة، يعلم بأنها تخشى أن تخبر الصغير بأمر لن يحدث…
لكن فجأة توقف عن الابتسام…
وهو يتذكر أمر السفر رغم أنه ذكره أمام أفنان…
كيف له أن ينسى أن أغلب أصدقائه ومعارفه هناك يعرفون أمر عدم انجابه..
غير طليقته التي تعمل معه في المكان ذاته، وتقطن بالقُرب من منزله، كيف يعود مرة واحدة مخبرًا الجميع بأنه متزوج ولديه ابن؟!!…
لم يفكر في تلك النقطة يبدو أنه لم يدرسها جيدًا حينما تفوه بها…..
____________
-أنتم عيلة مجنونة، روحوا اتعالجوا.
قالت ملك تلك الكلمات بانزعاج جلي وهي تجلس على الأريكة في منزلها التي تشاركها به بشرى..
غمغمت بشرى بجنون:
-لمي لسانك يا ملك.
أردفت ملك بنبرة جادة:
-وان ملمتهوش؟!! مهوا بصراحة حاجة مش طبيعية ابوكي وامك رافضين تعملي بيرسينج في ودنك جديد ورافضين تصبغي شعرك بس سايبينك قاعدة في محافظة تانية أنتم عيلة مش طبيعية.
قالت بشرى بنبرة ساخرة:
-عارفة يا ملك ان ما لميتي لسانك انا هقوم اقطعه ليكي أنتِ سامعة، وبعدين انا مش عايزة ياستي، أنتِ مزعلة نفسك ليه؟! ما تروحي تخرمي ودنك أنتِ.
عقبت ملك ببراءة وكأنها طفلة وهي تعقد ساعديها:
-ما أنا خايفة اعملها لوحدي فأنا بسخنك عليهم علشان تشجعيني.
ضحكت بشرى رغمًا عنها وهي تقول:
-من الافضل أنك أنتِ تعمليها الأول بحيث لو حصلك اي مصيبة تلاقي اللي يلحقك مش نكون انا وأنتِ مش عارفين نحط رأسنا على المخده وننام على جنبنا.
أردفت ملك بضيقٍ:
-أنتِ تقفلي البني ادم من اي حاجة يعوز يغير من نفسه فيها.
تمتمت بشرى بنبرة مرحة رغمًا عنها وهي تتذكر حديث جدتها ذات مرة:
-أنتِ عارفة ان في واحدة قريبتنا عملت كذا بيرسينج في ودنها ستو قالت عليها من عبدة الشياطين..
قالت ملك بذهول:
-استغفر الله العظيم، الحمدلله أني عايشة مع جزء صغير من العيلة طلعتي أرحم من بقية عيلتك يعني.
تنهدت بشرى ثم هزت رأسها في إيجاب لتشرد لما حدث ليلة أمس في المكتب لتقول ملك وكأنها كانت تشاركها التفكير في الوقت نفسه واستطاعت بجراءة الحديث عن الأمر التي لا تمتلك هي الجراءة للحديث فيه….
-تفتكري ايه اللي كان معصب متر هلال كده؟! كأنه كان في مصيبة حتى مجاش النهاردة.
عقدت بشرى ساعديها وقالت بعد تفكير دام لثواني:
-يمكن مضغوط في حياته، في حاجات كتير بتخلي الواحد مضغوط وعايز ينفجر في وش أي حد.
ثم أسترسلت حديثها بسخرية:
-هو أصلا واحد غريب، يا يدي اوامر يا أما من غير سبب يقرر يوصلني ويتعرف على اهلى، وبعدها يتجاهلني ويتخانق في المكتب ممكن يكون مريض نفسي او بيعاني من اضطراب او اي مشكلة.
صاحت ملك بذهول متهكمة:
-قوام جيبتي للراجل عقدة نفسية؟!! يا شيخة حرام عليكي، والله كتب علم النفس دي هتجننك، هتخليكي تمشي تحللي في خلق الله، غير حسك وتحقيقاتك محامية ووكيلة نيابة ربنا يحميكي.
قالت بشرى ساخرة:
-مش احسن من ما اقرا قصص الحب الوهمية بتاعتك..
ثم أسترسلت حديثها بنبرة مرحة:
-انا مش شايفاكي محامية بصراحة يا ملك.
عقبت ملك براحة كبيرة وهي تقول بجدية شديدة وعلى العكس لم تقم بشرى بازعاجها:
-والله ولا أنا، بس اديني بسلي وقتي معاكم أنا شايفاني زوجة صالحة بعمل طاجن لحمة ببصل أو صنية رقاق لزوجي الحبيب وهو راجع جايب بطيخة حمراء مش قرعة، دي الحياة اللي المفروض اعيشها.
تمتمت بشرى ببراءة مزيفة:
-واضح أن مستواكِ العاطفي بقا هابط خالص..
عقبت ملك مشاكسة أياها:
-يعني بحاول اعيش على أرض الواقع، وبعدين بلاش أنتِ تتكلمي عن المستوى العاطفي علشان عندك في الضياع.
أردفت بشرى بثبات:
-مهوا علشان كده مش بتكلم فيه، المهم يعني انا كنت عايزة نروح بكرا بعد المكتب نجيب…
توقفت عن الحديث حينما سمعت صوت هاتفها الموضوع على الطاولة، فنهضت ثم أجابت:
-الو يا بابا حضرتك عامل ايه دلوقتي.
“انا بخير وضعي مستقر”.
عقبت بشرى بهدوء:
-يارب دايما حضرتك تكون بخير.
“بكرا الصبح قبل الضهر تكوني هنا”
تمتمت بشرى باستغراب:
-مش فاهمة حصل حاجة طيب؟! وشغلي طيب.
سمعته يصرخ بنبرة جادة لا تقبل النقاش:
“يتحرق الشغل على اللي عاوزه، بكرا قبل ما افتح عيني تكوني هنا يا بشرى وإلا والله ولا هيهمني كلام الدكتور وغيره وهاجي اجيبك غصب عنك…
بعد تلك الكلمات أغلق المكالمة تحت ذعرها….
مما جعلها تشعر بالقلق الكبير..
هي لا تعلم حقًا ما الذي حدث؟!.
فأخذت تقص ما حدث إلى ملك التي حاولت طمأنتها ببضعة كلمات..
“يمكن عايزك جنبه في الفترة دي”
“بلاش دماغك تروح لحتت بعيدة مفيش حاجة لقدر الله لو فيه حاجة وحشة مش هيكلمك كده”
حاولت الاتصال بوالدتها ولكنها لم تجب عليها..
حتى جدتها امتنعت عن الإجابة..
مما زاد من قلقها…
_____________
بعد العمل ذهب إلى عيادة الدكتورة رقية…
جلسة طويلة قام بها وبلا فائدة هي تريدها وحدها القادرة على إنقاذ نفسها…
الآن أتى في المساء وصعد إلى الغرفة ليجدها فارغة، فتوجه صوب غرفة أفنان ليجدها جالسة بمفردها بعد غياب داغر وفهد فجلس معها قليلا ثم توجه إلى غرفة والدته ليجدها تجلس بمفردها فهي تواظب على قراءة القرآن والاعتزال التام أكثر مما سبق بعد أن علمت الحقيقة تدعو بأن يكون القادم هو الأفضل ليس بوسعها سوى فعل هذا…
بحث عنها في أرجاء المنزل ليهبط مرة أخرى ويجد دعاء تجلس برفقة ابنتها على الأريكة وكلاهما ممسك بقطعة من الكعك واليد الآخر بها كوب من العصير الطازج، لم يكن ينتبه لهما أثناء إتيانه…
لكن الآن استطاع تمييز هيئتهما وهو يقول…
-مساء الخير يا دعاء.
عقبت دعاء على حديثه بهدوء:
-مساء النور يا كمال.
بينما ريم كانت تتناول قطعة الكعك في صمت..
على اية حال هي منزعجة من غياب فهد اليوم منذ عدة ساعات وهو خارج المنزل.
تجدث كمال بإيجاز:
-هي فردوس فين؟!.
أردفت دعاء بهدوء:
-في اوضتكم اكيد هي عملت العصير والكيكة واختفت وقالتلي ندي اللي قاعدين في اوضتهم ومن ساعتها مشوفتهاش.
عقب كمال بذهول:
-نعم؟!! فردوس عملت كيكة وعصير؟!
ضحكت دعاء وهي تعقب بعفوية:
-تخيل؟! معرفش البيت كله كان في حالة ذهول وبنتفرج عليها وساكتين وكنا على اخر لحظة متوقعين ان مراقبتنا ليها هتخليها تدب خناقة معانا بس كانت ساكتة وعملت أربع صواني كيكة، واحدة بالبرتقال واتنين شوكلاتة وواحدة فانيلا.
شعرت بأنها تعطيه تفاصيل أكثر من اللازم ولكنها بالفعل مازالت مندهشة هي لم ترى فردوس يومًا تقوم حتى بسلق بيض في مطبخ هذا المنزل…
حاولت دعاء الاقتراح:
-طب رن عليها فردوس دايما تليفونها في ايديها يمكن هنا ولا هنا.
عقب كمال بهدوء:
-هي مبتردش من قبل ما اجي للبيت وطبعا اكيد عاملة التليفون صامت ورمياه في أي حته، ولا هي عند أفنان ولا عند ماما.
أخيرًا بعد أن انهت ريم قطعة الكعك بالشوكولاتة التي تركت أثر على فمها ووجنتيها:
-هتلاقيها في الجنينة.
ابتسم لها كمال وهو يقول:
-شكرًا
ثم غادر بهدوء لتقول دعاء ساخرة:
-أنتِ بتأكلي مناخيرك وخدودك معاكي يا ريم؟! قومي علشان تغسلي وشك…
سألتها ريم متجاهلة هذا الحديث كله ببراءة:
-فهد اتأخر…..
__________
“في حديقة المنزل الخلفية”
كانت تجلس على تلك الارجوحة التي مر عليها الزمن، ولا يقوم أحد تقريبًا باستعمالها لذلك يتم وضعها في هذا الجزء من الحديقة الذي نادرًا ما يتواجد أحد فيه، الجلوس وكل شيء يكن من الناحية الأمامية لأنها الأكبر…
أما هذا الجزء هو غير مفهوم وغريب مثلها تمامًا لذلك يناسبها الآن…
وجدته يأتي من أحد الجوانب لتستغفر ربها وبدى صوتها مسموعًا بعض الشيء ليتحدث كمال ساخرًا وهو يقف أمامها:
-ايه شوفتي عفريت؟! أتمنى اني اكون بفكرك بذكر الله وباخد حسنات.
قالت فردوس وهي تعقد حاجبيها تنظر له بانزعاج طفيف هي حقًا لا تتحمل وجوده تلك الأيام تحديدًا لأنها مشوشة بما يكفي ولأنه يقوم بتشويشها عاطفيًا تلك الفترة بشكل لم تعهده من قبل….
-انا بستغفر ربنا علطول.
عقب كمال بهدوء:
-كويس.
ثم جلس بجوارها سائلا أياها برفق:
-موبايلك فين؟!.
أين هاتفها؟!..
هل تركته في حقيبتها منذ أن أتت؟!!
أم أنه بالغرفة؟!
لا تعلم أخر شيء تتذكره أنها أرسلت له رسالة تخبره بأنها عادت إلى المنزل ومن وقتها لا تتذكر أين تركت هاتفها..
عقبت فردوس بقنوط:
-معرفش انا سيبته فين.
سألها كمال بهدوء شديد:
-فردوس في حاجة مخبياها عليا؟!.
هل هي أصبحت من تخفي شيء؟!
ماذا عنه هو؟!!!!
هي متأكدة أنه يخفي الكثير والكثير..
تمتمت فردوس بثبات:
-ليه بتقول كده؟!.
هز كتفه بلا مبالاة وهو يجيب عليها بصدقٍ:
-بقول اللي أنا حاسه أنا حاسس ان فيكي حاجة متغيره انا مش أعمى.
نظرت له وهي تضيق عيناها..
هل هو بالفعل يشكو من تغييرها في أكثر مراحلها طاعة وهدوء؟!!..
هتفت فردوس بنبرة جادة ومتوترة:
-اعتقد المفروض تغييري يكون عاجبك، مش ده اللي كان نفسك فيه من زمان اني احاول امارس حياتي معاك وفي بيتك بشكل طبيعي واديني بحاول..
أردف كمال بتوضيح بسيط:
-اه ده اللي كنت عايزه من سنين بس بشكل تدريجي، وبعدين زمن المعجزات خلص يا فردوس علشان اصدق اللي بتقوليه حتى لو كان حقيقي في حاجة خليتك تتغيري أنا مش غبي انا بفهمك وبحس بيكي أكتر ما يجي في خيالك أو ظنك…
قالت فردوس بنبرة متضايقة:
-يمكن المرة دي خيالك خدعك وأنا بحاول عادي اني اعيش حياتي بشكل طبيعي.
رغم عدم اقتناعه الكلي إلا أنه غمغم بخفوت
:
-اتمنى…
حاولت فردوس تغيير الموضوع قائلة بنبرة هادئة لا تليق بالنيران التي تشعر بها بمجرد أن تتذكر أمر زواجه:
-مراتك عاملة ايه دلوقتي؟!
لا يصدق أنها تقبلت زواجه بأخرى بل سؤالها عنها…
وتقبلت مقتل شقيقها وتتقبل كل شيء وتجعله يظن بأن هذا شيء طبيعي؟!..
لا يصدق هذا التفاني المفاجئ منها….
-الحمدلله كويسة.
سألته فردوس رغمًا عنها:
-غريبة يعني أنك مش جنبها في الفترة دي، زي ما كنت جنبها أول كام يوم.
هتف كمال بثبات وصبر يحسد عليه من أسئلتها:
-هي حابة تفضل في بيت أهلها شوية يا فردوس، لو قلقانة عليها روحي زوريها بنفسك واطمني عليها يا حبيبتي.
لم تعقب عند وصولهما عند تلك النقطة..
ظلت صامتة إلى عدة دقائق ولم يختلف حاله عنها…
لكنها قررت الحديث بهدوء:
-اتأخرت يعني النهاردة، اومال كنت بتقولي انك هتيجي تروحني ازاي؟!.
أردف كمال بتفسير:
-يعني افتكرتك هتقعدي وقت طويل وبعدين أنتِ بعتيلي انك هنا في البيت وأنا لسه هخرج من البنك، وبعدها كان ورايا مشوار.
سألته باهتمام:
-مشوار ايه؟!.
قال كمال بهدوء وهو يجيبها بصدق:
-كنت عند الدكتورة..
قالت فردوسة بلهفة حقيقية:
-دكتورة ايه أنتَ تعبان؟! مالك؟!.
أردف كمال ببساطة:
-دكتورة نفسية يا فردوس..
هنا تغيرت ملامحها واللهفة المتواجدة في صوتها ونبرتها إلى نبرة جافة وهي تغمغم وكأنها تعلم كل العلم بأن الأمر يخصها:
-ليه؟!!!!.
قال كمال بهدوء:
-حسيت اني محتاج اروح وان نفسيتي تعبانة، وبالمرة احجز ليكي عندها هي عميلة عندنا في البنك واعرفها من سنين، وبعدين أنتِ مش وافقتي أنك تروحي؟!.
أردفت فردوس بانزعاج وتردد:
-وافقت اني اروح بس مكنتش متخيلة يعني انك هتتصرف بالسرعة دي..
تحدث كمال موضحًا الأمر:
-انا فعلا مكنتش متخيل اني هتصرف بسرعة بس هو الموضوع جه صدفة زي ما قولتلك شوفتها في البنك واخدت رقمها..
سألته بنبرة منفعلة بعض الشيء وهي ترمقه بنظرات مذهولة:
-هو أنا محتاجة يعني للدرجة دي؟!.
أردف كمال بمرح قدر المُستطاع:
-اكتشفت ان انا شخصيا محتاج كمان مش أنتِ بس فهي تعملنا خصم…
وجدها مازالت متحفزة فاسترسل حديثه بوضوح:
-فردوس أنتِ مش صغيرة ولا انا من النوع اللي هيجبرك على حاجة، وبالذات في الموضوع ده، دي مش حاجة ينفع حد يجبر حد عليها، لازم تروحي علشان أنتِ حاسة انك عندك مشكلة وعايزة تكوني أحسن، غير كده ملهوش لازمة ففكري مع نفسك وشوفي عايزة تروحي امته وانا هحجز ليكي وهوصلك.
هزت رأسها موافقة على حديثه وهي تنظر له نظرات مُبهمة ولكنه استطاع معرفة أنها ستقوم بالتفكير في الأمر…
لذلك غير الأمر وتحدث برفقٍ:
-ايه اللي مقعدك بقا برا مع ان الجو النهاردة ساقعة اوي ودي مش عادتك يعني…
أجابت فردوس عليه بصدقٍ:
-مخنوقة وحسيت اني عايزة اقعد برا الاوضة واقعد لوحدي..
-لو حابة نمشي بالعربية شوية؟!.
هزت رأسها في نفي..
فأردف كمال بابتسامة صافية لا يدري لما رُسمت على شفتيه:
– وبعدين لوحدك؟! مش حاسة أن مينفعش تقوليلي كده في وشي؟!! وعلى العموم ياستي لو أنا قاطعت خلوتك بنفسك انا هقوم امشي..
هتفت فردوس برفضٍ وهي تقول بعاطفة قوية رغم حيرتها هي متأكدة من أنها تريد وجوده حولها حتى لو هناك رغبة حمقاء ترغب في ابعاده عنها في هذا الوقت تحديدًا:
-لا خليك جنبي..
صوته ووجوده على الأقل يسكن عقلها حتى ولو لمدة لحظات…
لذلك مد يده محاوطًا أياها بذراعه واقترب منها أكثر مما جعلها تقول بعفوية وخجل يمتلكها تلك الأيام معه أكثر من أي وقت مضى:
-انا قولت خليك جنبي قاعد عادي.
عقب كمال على حديثها مراوغًا:
-أنا سمعتها خليك جنبي بس، مكنش في ملحوظات او حدود فمش فارقة اخليني جنبك قاعد ولا حاضن المهم خليكي في المضمون اني موجود.
قالت أول شيء أتى على خاطرها:
-أنا عملت كيكة النهاردة..
ضحك كمال ثم أردف بهدوء:
-أنا من اول القعدة مستني نيجي عند النقطة دي يعني علشان تعرضي عليا ادوق للعلم أنا عرفت أنهم اربعة.
ضيقت عيناها ثم سألته باستنكار:
-دخلت المطبخ ولا ايه؟!
هز رأسه نافيًا وهو يقول:
-لا قابلت دعاء.
عند ذكر دعاء تعرف جيدًا أنها بالتأكيد اخبرته بكل شيء، كانت مستمرة في عمل الكعك على الرغم من أنها تشعر بأنها مراقبة من قِبل الجميع ليس تطفلًا على قدر من أنه اندهاش، هي كانت فقط تحاول أن تشغل عقلها…
حتى وصلت الكعكة الواحدة إلى أربع……
هتفت فردوس بنبرة خافتة هي تهرب من حصار ذراعيه:
-أنا هقوم اجيبلك تدوقها..
بالفعل نهضت واختفى أثرها…
قد يكون المشهد لشخص أخر غير كمال بأنها تحاول أن تكون زوجة جيدة له والتأقلم على الحياة، رُبما زوجة تحاول ابهار زوجها بما صنعته اليوم أثناء غيابه…
ولكنه في الحقيقة يعلم بأن تلك التصرفات خلفها شيء لا يرغب في أن يعود يراقبها..
لا يرغب بأن تكن علاقتهما بتلك الطريقة…
ويخشى أن يعرف ما يعجبه…
لذلك قرر هو نفسه أن يدخل إلى لعبتها لعله يصدق بأنها تفعل…
ذهب خلفها حتى المطبخ ليجدها تقوم بتقطيع من كل نوع قطعة من أجله فجلس على أحد المقاعد الخشبية تحت أناظرها متحدثًا بخفوت..
فما المشكلة من ان يقوم زوج لديه طلبات بعد كل تلك السنوات فليستغل عرضها السابق:
-امبارح او اول عرضتي عليا تعملي ليا قهوة بس أنا كنت شارب، فأنا جاي عايز قهوة جنب الكيك.
سألته فردوس بسخرية رغمًا عنها:
-مش عايز حاجة تانية مع الاوردر؟!.
تصنع التفكير لدقيقة:
-ممكن كوباية مياة بس.
-طيب.
قال كمال بهدوء:
-اطلع وتجبيهم فوق؟!.
غمغمت فردوس بارتباك:
-لا خليك تحت أحسن خليك قاعد كل واشرب قهوتك هنا أنا مش هطلع دلوقتي انا زهقانة من الاوضة..
يفهم ما تقصده لذلك عقب بنبرة مرحة:
-ماشي بس في كل الاحوال مصيرنا هنطلع مش هنام في المطبخ..
ثم أسترسل حديثه مداعبًا أياها:
– عايز قهوة حلوة زيك كده…
_________________
كان شبة تركض بعد تلك المكالمة التي أتت لها….
-يا مدام، يا مدام….
كان هذا النداء من حارس البناية…
لكنها لم يكن عليها الاجابة..
بعد مكالمة عبدة يخبرها بأن والدتها مريضة جدًا…
تعلم بأنها تخاطر ولكنها ليس بوسعها الانتظار……
ركبت أو تاكسي قابلته أمامها وتوجهت إلى المنطقة التي يتواجد بها الشقة التي استأجرها عبدة والتي كانت تجلس بها…
وما أن رنت الجرس فتح عبدة لها الباب لتدخل إلى الشقة تصرخ بجنون قائلة:
-مودتهاش المستشفى ليه؟!! امي فين.
عقب عبدة بهدوء وابتسامة خبيثة:
-في الأوضة جوا.
ولجت شمس إلى الداخل وهنا أدركت الفخ وهي تجد والدتها مربوطة في الفراش وهناك لاصق طبي على فمها يمنعها من التحدث….
-نورتي البيت يا بنتي….
أستدارت شمس بعد أن سمعت تلك الكلمات…
لتتلقى صفعة منه….
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ديجور الهوى)