روايات

رواية ديجور الهوى الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الجزء الثالث والأربعون

رواية ديجور الهوى البارت الثالث والأربعون

ديجور الهوى
ديجور الهوى

رواية ديجور الهوى الحلقة الثالثة والأربعون

اعتدنا على سماع دقات القلب..
استماع نبضاته رُبما..
لكن لم يعتد الجميع على أن يسمع صوت تكسير وتهشيم قلبه.
صديقتها..
صديقـتـهـا….
نعم أنها صديقتها!!!
تلك المرأة التي لم تتركها يومًا أرادت لها الخير..
أرادات لها أن تبني حياة جديدة لنفسها ألا تعلق حياتها على سراب وعلى علاقة انتهت بموت شقيقها -على الرغم من أنها هي تفعل ذلك- كان قلبها يتهشم حينما تنصحها تلك النصيحة ولكنها لم تكن تريد لها سوى الخير.
كانت أكثر شخص مُقرب لها..
منذ أن سمعت تلك الكلمات منها وهي دخلت في حالة هستيرية كانت تصرخ فقط وتكذبها، تصرخ ولا تصدق!!!
حتى فقدت الوعي ولم تشعر بنفسها إلا وهي في غرفة أخرى نائمة على الفراش وبجانبها والدة إيمان…..
وبعد محاولات كثيرة لأن تستيقظ استجابت أخيرًا ونهضت وهي تحاول أن تأخذ أنفاسها بصعوبة بالغة..
هتفت والدة إيمان بقلق فهي استمعت لبعض الكلمات ولكنها لم تكن تستوعب، ولا تعلم حقًا كيف فعلت ابنتها شيء كهذا؟!!!!!
هل أنجبت شيطانة؟!
كيف تصمت عن تلك الحقيقة؟!!..
رغم أنها لم تستمع إلى التفاصيل كلها هي أتت فقط بعدما احتلت صراخات فردوس المستشفى…
-بقيتي أحسن يا بنتي؟!.
هي ستكون في حال أفضل؟!!.
هل هناك من يظن ذلك؟!.
انتهت..
فردوس انتـهـت..
نهضت فردوس من فوق الفراش وهي تحاول أن تتاكد من حجابها ولكنه لم يكن محكم جيدًا لم تكن تعلم من حملها؟!..
وكيف أتت إلى هنا هي لا تتذكر شيء..
سوى الكلمات التي تردد في عقلها..
تقتلها ألف مرة…
لم تتوقف ايمان عما قالته بل استمرت..
“ويمكن يكون فهد ابنه كمان”
لفت فردوس حجابها بطريقة عشوائية وتبحث بعيناها عن حقيبتها لتجدها على المقعد البلاستيكي فذهبت لتأخذها وهنا هتفت والدة ايمان بقلق:
-استني يا بنتي بس…
تمتمت فردوس بقهر:
-استنى ايه؟!!.
قالت والدة إيمان أي شيء قد يحفظ ماء وجهها ويهدأ المرأة التي تقف أمامها:
-إيمان نفسيتها تعبانة ممكن تكون بتقول أي كلام وخلاص، أنتِ أكتر واحدة عرفاها وهي اتجننت خالص اكتر واكتر من ساعة ما عرفت بموضوع الورم ده انا أصلا مش مصدقة انها والله دخلت العمليات اخيرًا.
تجاهلت فردوس كلماتها وهي تسألها بضيقٍ ونبرة غير مفهومة:
-هي لسه في العمليات؟!.
تمتمت والدة إيمان بقلق على ابنتها:
-ايوة هي لسه داخلة من ربع ساعة كده..
قالت فردوس بجفاء:
-قوليلها لما تخرج فردوس بتقولك حمدلله على السلامة ومش عايزة تعرفك تاني بقية حياتها ولا حتى تسمع خبر عنك ولو بالصدفة متورنيش وشها.
أنهت فردوس حديثها وغادرت المكان وهي لا تعلم ولا تشعر سوى بوجع شديد في قلبها ورأسها، لا تصدق ما تفوهت به إيمان فهي حتى بعدما رأت صورة أفنان وحسن ظنت بأن إيمان هي الطرف المخدوع…
هي من قام بمعرفة فتاة أخرى غيرها وهي في علاقة معه، لم ترى يومًا إيمان سوى ضحية بأي حال من الأحوال…
كانت تشفق عليها….
والحال أنها هي نفسها الوحيدة التي تثير الشفقة..
عقلها لا يستوعب تلك الكلمة!!!
اغـتـصاب!!!!
كيف؟!!!!
لا يفعلها شقيقها..
لا يـفـعلـهـا…
صرخت ألف مرة في عقلها، وركبت في أول سيارة أجرة رأتها بمجرد أن خرجت من بوابة المستشفى وذهبت إلى منزل عائلتها ثم أخذت الحاسوب الخاص بشقيقها وكان السائق ينتظرها كما أخبرته ثم أخذها إلى حيث يتواجد المتجر..
ذهبت وأخذت تخبرهم بأنها تريد فتحه الآن وبأي ثمن وليس بوسعها الانتظار حتى الدقائق صعبة عليها جدًا..
(ميزة اخوكي مبيمسحش حاجة وكان معاه اسكرينات كتير ليها ولغيرها، واعترف في الشات كمان انه عمل كده وهددها وكان مستغل صغر سنها..)
كلماتها ترن في عقلها…
هل ستجد شيئا؟!!
مرت ثلث ساعة حتى أخبرها الشاب بأنه انتهى وتم فتحه وأنه انهى الخاصية التي تدعم كلمة السر..
دفعت ما رغب به ثم غادرت وهي دقات قلبها عالية بشكل كبير…
أخذت سيارة أجرة أخرى وتوجهت صوب منزل عائلتها، أغلقت البوابة خلفها وجلست أرضًا لم تنتظر السير إلى أي مقعد فتحت الحاسوب وقامت بتوصيله في الكهرباء بواسطة الشاحن الخاص به فأخبرها الشاب بأن البطارية قد فسدت ولن يعمل دون أن يصل بالكهرباء مباشرة…
يديها ترتعش ولكنها مجبرة على الاستمرار…
لن تردد ولن تخشى شيء…
ماذا سيحدث أكثر مما حدث بها؟!!..
وماذا ستسمع أكتر مما سمعت؟!!!!
أخذت تتفحص الملفات المتواجدة به لتجد الكثير من الصور الخاصة به في الملفات الأولى والظاهرة وهي قد نفذ صبرها حقًا، فتحت أخرى لتبلتع ريقها وهي تقوم بالتقليب بين الصور المختلفة التي تجمعه بإيمان….
فتحت ملف أخر يتواجد به صور كثيرة مع أفنان تجمعه بها كما أعتاد هو حقًا كان يحب التصوير معها أو هكذا كانت تظن أفنان التي كانت لسبب ما لا تحب التصوير معه في كل مرة تلتقي به لأنها تعلم بأن ما تفعله ليس صحيحًا، لكنه كان يبتزها عاطفيًا وكان ماهرًا في هذا الأمر.
ملف أخر به صور تجمعه بفتيات لا تعرفهم ومنهم من تعرفهم معرفة سطحية لا تصدق هذا!!!
لا تصدق أبدًا…….
أن شقيقها كان لديه تلك العلاقات كلها!!
كيف؟!
هل كانت تعيش مع شخص لا تعرفه؟!!!
شخص لم تتعرف عليه أبدًا؟!!!.
استمرت في التنقل بين الملفات بشكل عشوائي حتى وجدت بعض الملفات الذي يتواجد بها بعض (الاسكرينات) تسارعت ضربات قلبها، وهي تفتحهما، وجدت الكثير من المحادثات التي تخص الكثير من النساء والفتيات، منهم من كانت منصاعة بل تجاريه في محادثاته (الجنسية) حقًا كادت أن تفرغ ما في جوفها تشعر بأن ضغطها ارتفع إلى السماء…
وقلبها على وشك أن يخرج من مكانه لا تستوعب هذا كله….
لا تصدق..
لو تستطع تكذيب عيناها لكانت فعلت…..
خرجت من هذا الملف وانتقلت إلى أخر..
كان هذا الملف يخص أفنان وحدها على ما يبدو..
أخذت ترى رسائل الحب والحديث المعسول التي يستطيع رجل مثله جذب مراهقة به، لم تكن أفنان قد تستجيب لأي نوع أخر من أساليبه، حتى أنها وجدت أغلب المحادثات يحاول معها فتح أي حديث من نوع أخر ولكنها كانت تغضب وتثور ولا تقبل فيقوم بالاعتذار إليها على مضض ويخبرها في بعض الأحيان بأنه قد يقوم باختبار أخلاقها…
حتى جاءت بعض المحادثات التي أخبرتها عنها إيمان وهو يعترف حقًا بأنه اغتصبها ولو كانت تستطيع فعل شيء لـتفعل وهو سيشاهد..
أغلقت الحاسوب وتوقفت عن القراءة…
تجمدت…
صوتها مبحوح حتى الصرخة لم تكن بوسعها أن تخرجها الآن…
تحاول الاستيعاب، تتذكر كلمات كمال الذي رددها أكثر من مرة خلال تلك السنوات، بأنها لم يتخذها بذنب غيرها..
لم يكن لديها الرغبة في فهم كلماته وقتها ولم تجد لها معنى غير أنه يتهرب من الحديث، هو يعلم…
رُبما عائلته كلها تعلم…
حتى إيمان التي كانت تعتبرها بمنزلة شقيقة لها كانت تعلم كل شيء، لم يكن هناك شخص مُغفل غيرها..
كانت إيمان تجعلها تبحث عن الحقيقة التي ترغب في أن تجعلها تراها وفي المقابل لم يكن هناك غيرها من لا يعلم…..
مازالت هناك الكثير من الأشياء لا تفهمها ولكن عقلها سينفجر…
تبكي في صمت..
شعرت بالحيرة على من تبكي؟!….
على من تبكي؟!.
على المرأة التي وثقت بها؟!.
أم على زوجـهـا الحبيب الذي أخفى عنها الحقيقة تاركًا اياها في عالم أخر؟!
أم عن شقيقهـــا؟!!
التي لم تعرفه يومًا، هل تستطيع تكذيب عيناها؟!!
حتى لو استطاعت أن تكذب حديث إيمان المختلة التي لا تعلم كيف قبلت بوضع هكذا!!!!
هي كانت تخبرها بصريح العبارة أنها كانت تعلم علاقاته كلها، ومع ذلك مستمرة معه؟!!
لا وبل بعد موته سممت عقلها وظلت تلح عليها بالانتقام….
إلى أين تذهب الآن؟!!
فحتى هذا المنزل تشعر بالاختناق به….
سوف تذهب إلى نجوى..
رُبما هي المرأة الصادقة في تلك الحكاية تحتاج لأم تشعر بأن هناك شخص حقيقي يشاركها المشاعر لا ترغب في العودة إلى منزل عائلة كمال ولا ترغب في الجلوس هنا لكن عليها أن تفعل شيئًا أولًا..
______________
“لقد نجى من الغرق، لكن البحر ظلّ دائمًا في عينيه”
#مقتبسة
‏”ثمّة أسف كبير ، تجاه نفسي، التي أرّقتها بالسعي في الطرقات الخاذلة”
#مقتبسة
في جوفي جُرح ، كُلما ظننت إلتئامه – نَزف –
#مقتبسة
“ساعة اختفت بها لم تكن تهتم حتى بصوت هاتفها الذي يعلن عن اتصالات من كمال، ومراد!!”
كان هاتفها في الحقيبة على الوضع الصامت كقلبها المفتور تمامًا…
أتت بصندوق من *الصفيح* على شكل أسطوانة كبيرة وعميق مع بنزين قامت بشرائه، صعدت إلى غرفة حسن هبطت بحقائب السفر الذي كان يتواجد بها ملابسه وبعدها صعدت ثم أخذت بصندوق الهدايا الخاصة بأفنان لم تترك أي شيء في الغرفة يخصه إلا وهي تنوي إحراقه…
وقفت في حديقة المنزل الصغيرة…
فتحت الحقائب ووضعت كل ملابسه وكل شيء يخصه بالصندوق وبعدها صوره الشخصية، وصوره مع أفنان، كل شيء يخصه تقريبًا لم تترك أي شيء…
بعدها توجهت صوب المنزل وأتت بالحاسوب ومِطرقة (شاكوش) كان يتركها العم اسماعيل….
وضعت الحاسوب على السور الخاص بالدرج الذي يؤدي إلى المنزل ورفعت يدها وهبطت على الحاسوب…
مرة أخرى…
مرة أخرى….
فعلت حتى تجعد شكله، مرة ثالثة فعلت بكل قوة قد امتلكتها يومًا حتى أنقسم أمامها إلى أثنين ولكنها لم تكتفي بل ظلت مستمرة حتى انقسم إلى أكثر من قطعة وتكسرت شاشته، وتحطم تمامًا…
ثم أخذت تلك القطع ووضعتها في الصندوق فوق متعلقاته، وأخذت تفرغ كل ما يتواجد في الزجاجة من “بنزين” وبعدها فتحت علبة من (الكبريت) لتشعل ناره وتلقيه في الصندوق لتشتعل نيران قوية جدًا وملتهبة تحرق كل ما يتواجد بها….
نيران من قوتها جعلتها تتذكر ذلك الحريق الذي شب في المنزل وهي تتواجد بداخله بمفردها ووقتها خرجت بصعوبة منه وانقذها القدر….
الآن هي من تشعل النيران ليست صدفة…..
عادت بأدراجها إلى الخلف وهي تراقب النيران بأعين متسعة على أخرها، أعين تعكس لهيب النار…
فهل تضاهي تلك النيران أو تقارن بالنيران المشتعلة بداخلها؟!…
لا تظن أبدًا…
جلست على الدرج وهي تراقب، تراقب في صمت مرت ساعة تقريبًا حتى جاء أحد الحيران على الرائحة واعتذرت له بأنها تقوم بحرق بعد النفايات الموجودة في منزلها ودب الرجل شجارًا لم تهتم به فردوس ثم رحل…
بعد وقت…
كانت النيران بدأت في الزوال بعد أن أحرقت كل شيء..
النيران تهدأ من ثورتها أمامها..
ولكن نيران قلبها لم تهدأ أبدًا بل تتفاقم، تتفاقم بشكل كبير ومخيف….
مياة سكبتها فوق النيران حتى تنطفئ كلها…..
بعدها أغلقت المنزل وهي تسير متوجهة صوب منزل نجوى الذي لا يبتعد عن منزل عائلتها إلا بثلاث شوارع تقريبًا..
وقفت أمام منزل نجوى وقامت بقرع الجرس لتمر دقيقتين تقريبًا وتجد بعدها مراد يفتح الباب بابتسامة واسعة وبشرة سمراء اكتسب لونها من الفترة الخاصة بمركز التدريب الخاص بخدمته العسكرية، وملامحه المختلفة بسبب حلاقته المستمرة إلى ذقنه، كان على وشك أن يلقي التحية عليها فهو اشتاق لها وأتى اليوم في الصباح الباكر تقريبًا…..
سرعان ما اختفت ابتسامته وهو يجد بشرة شاحبة، عيون متورمة، عباءة سوداء ولكن يتواجد عليها أثار غريبة وكأنها كانت في معركة..
سألها مراد بقلق واضح:
-في أيه يا فردوس؟! أنتِ كويسة؟!.
-لا.
بعد تلك الإجابة نادى مراد على والدته وهو ينهال عليها بالاسئلة ولكنها لم تكن تجيب لا عليه ولا على أسئلة نجوى…
كلاهما كان يشعر عليها بالقلق الكبير هي صامتة يشكل مخيف جدًا…
وما أن تفوهت..
أخبرتهما بأنها ترغب في النوم…
هروب من الواقع.
“عايزة أنام”
نظرا الاثنان لبعضهما ثم أخذتها نجوى إلى غرفتها ونامت فردوس على فراش نجوى وفي غرفتها وذهبت في النوم بسرعة غير مفهومة وغريبة…
فأغلقت نجوى الباب عليها ثم خرجت إلى ابنها وقالت بتخمين:
-تكون اتخانقت مع كمال طيب؟! انا مش فاهمة حاجة يا ابني وقلبي مش مطمن…
قال مراد بنبرة منطقية:
-معتقدش ان فردوس ممكن تنهار بالشكل ده وتكون في الحالة دي لمجرد أنها اتخانقت مع كمال ده الطبيعي بتاعتهم انهم متخانقين، في حاجة تانية مش مفهومة..
هتفت نجوى بنبرة صارمة:
-احنا مش هنقعد نخمن، احنا نتصل بيه ونفهم منه..
تمتم مراد بتردد:
-مش نستنى لما تفوق…
قالت نجوى بنبرة جادة:
-مفيش حاجة اسمها نستنى احنا لازم نفهم هو اللي وصلها للحالة دي ولا لا؟! ده جوزها ولازم نفهم منه مالها…
هتف مراد بتفسير لما يراه:
-يمكن ميعرفش حاجة عن اللي بيحصل..
-هنتصل بيه يا مراد وهنفهم كل حاجة فردوس مش طبيعية…
______________
“بــنــي ســويــف”
طرقات على غرفة زينب…
فأعطت الإذن للطارق بالدخول، فولج منير بملامح غريبة، حائر لدرجة غريبة بعد تلك المكالمة التي جاءته من والد جمال…
تمتمت زينب بنبرة هادئة فمهما بلغ ابنها من العمر خمسون عامًا سيظل طفلها:
-تعالي يا حبيبي أقعد.
جلس منير على طرف الفراش متمتمًا بتوجس وعدم فهم:
-ابو جمال لسه قافل معايا.
ضيقت زينب عيناها بتوتر:
-خير في ايه؟!.
أردف منير بعدم استيعاب:
-مش عارف يا امي بيعتذر وبيقولي ان جمال صرف نظر عن موضوعه بشرى وأنه حاسس أن مفيش نصيب ما بينهم.
شيء واحد كان يخطر على عقل زينب
هل فعلتها نرمين كما أخبرتها بأنها ستنهي الأمر وحدها دون مساعدة أي شخص؟!
هتفت زينب بنبرة حانية:
-يمكن ده الخير ليهم، بشرى مكنتش ميالة لجمال وجواز القرايب لو فيه غصب او مشاكل من اوله يستحسن بلاش لأنه بيكون سواد على الكل.
تمتم منير بنبرة مقتضبة:
-أنا بس خايف يكونوا عرفوا حوار هلال ده وزعلوا ولا حاجة وفي الاخر شكلنا يبقى وحش.
حاولت زينب أن تخرج تلك الفكرة من عقله متمتمة بنبرة حانية:
-لا لو كان كده كان عاتبك ومكنش هيسكت، اكيد كمان الواد جمال واخد باله انه بشرى مش حابة فكرة الجواز..
صاح منير بنبرة متشنجة:
-ومدام الهانم مش عايزة تتجوز كنا قاعدين القعدة دي النهاردة تخليص حق يعني؟!..
وقبل أن تعقب زينب على حديثه تحدث منير بنبرة منزعجة:
-والواد صاحبه ده أنا مش مستريحله من ساعة ما جه اول مرة ومش فاهم يعني ايه واحد يجي يتقدم لواحدة يجيب صاحبه معاه..
تمتمت زينب بنبرة عفوية:
-اللي فهمته من كلامهم انه بيعتبره زي اخوه، هو عمل حاجة تضايقك؟!.
هتف منير باختناق:
-معملش حاجة بعينها بس نظراته مش مريحة وتدخله في كل حاجة مش مريحني، حاسة واد مش سهل.
أردفت زينب بتعجب شديد:
-هو أنتَ لحقت تعرف كل ده من قعدة واحدة؟ متهايقلي أنتَ مكبر الموضوع.
صمت منير وهو يفكر لرُبما والدته محقة وهو من يضخم الأمر لأنه لا يتقبل الأمر بأكمله…
تحدثت زينب بنبرة هادئة:
-عايزين نجيب العربية لبشرى وتخليها ترجع شغلها..
تمتم منير بضيقٍ:
-ترجع ايه يا امي؟! مش لما نشوف حوار اللي اسمه هلال ده افرضي رفضنا شغل ايه اللي ترجعه؟! انا مش مقتنع انا بالكلام الماسخ بتاع الشغل حاجة والعلاقات الشخصية حاجة، لو رفضناه هي مش هترجع.
قالت زينب بجدية:
-بشرى مش هترفض، في قبول منها واضح أنتَ بس مش عايز تشوفه، وأنا عارفة انها هتقبل وأنتَ وافق على اللي بنتك عايزاه وريحها، مش هتبقوا سرقتوا منهم اللي فات وهتسرقوا منهم اللي جاي، واعمل زي ما مراتك بتعمل بتحاول تصلح اللي فات وتعمل عكس ما اهلها عملوا معاها…
ردد منير كلماتها بتهكم صريح:
– يعني عايزاني اهمل عكس ما عملتوا معايا مغصبش بنتي على جوازة؟!.
هتفت زينب بسخرية واضحة:
-بلاش تعيش دور الضحية يا منير، نرمين كانت داخلة دماغك زمان، وكنت موافق عليها ونفذت كلام ابوك بمزاجك وكنت موافق ومبسوط أنتَ اللي حبيت تلعب وتقعد تتنطط في إسكندرية وتشتغل شغل مخالف عن شغل ابوك وتفتح لك مطعم، مجرد ما حسيت ان خلاص شبعت من نرمين وهي خلفت واتلهت بابنها أنتَ كنت بدور على غيرها محدش غلط غيرك، واحنا حافظنا على بيتك.
ابتلعت ريقها وهي تراقب ملامح ابنها متمتمة بنبرة منزعجة:
-سواء أنتَ أو احنا اللي غلطنا، الكلام مش هيرجع ولا هيصلح اللي فات خلينا في اللي جاي، وريح ولادك يا منير وعوضهم، وحتى لو هلال مش الشخص المناسب بالنسبة ليك أنتَ، اهي تجربة زي اي تجربة المهم تكون بشرى عايزاها وموافقة عليها واحنا جنبها في كل الأحوال.
نهض ثم غمغم بنبرة مكتومة:
-تصبحي على خير يا أمي.
-وأنتَ من أهله.
رحل منير وغادر الغرفة ليذهب إلى حجرته يتمنى أن يحظى اليوم بنوم مريح، فمنذ مدة وهو ترافقه الأحلام الغريبة والغير مفهومة تلك الطفلة الصغيرة التي يسمع بكائها وكل ليلة تقريبًا يحلم بها في مكان مختلف تبكي وتنادي عليه يبحث عنها ويركض ولكنه يستيقظ كل يوم قبل ان يصل إلى الصوت، الذي لا يعلم عنه غير أنه صوت طفلة صغيرة تصرخ باسمه……
______________
اتصالات عديدة ولكن ليس هناك أي إجابة وبعد أن اطمئن على ضغط جده الذي ارتفع بشكل كبير وراوده القلق وصاحبه إلى المستشفى مع بكر…
ثم أعاده إلى المنزل بعد فحص روتيني وكان سبب ارتفاع ضغط توفيق هو اهماله الشديد لعلاج الضغط وعلاجاته كلها..
أعاده كمال إلى المنزل ثم ذهب على الفور إلى المستشفى الذي ترك فردوس أمامها؛ حقًا هو على وشك أن يرتكب جريمة بها لو رأها أمامه على عدم اجابتها على الهاتف……..
لكن قبل أن يهبط من السيارة ويصعد إلى المستشفى للبحث عنها هنا في المكان الأول جاءه اتصال من رقم غريب فأجاب…..
-ألو.
جاءه صوت نجوى الهادئ والرزين:
“الو يا كمال، انا نجوى”.
تمتم كمال بنبرة لبقة رغم شعوره بأن اتصالها له علاقة بعدم إجابة فردوس عليه:
-اهلا ازي حضرتك؟!.
“أنا تمام الحمدلله”.
ثم أسترسلت نجوى حديثها وهي تلج إلى صلب الموضوع متخلية عن تلك التحية الباردة فليس بينهما ود حقيقي:
“هو أنتَ اتخانقت مع فردوس او في حاجة حصلت ما بينكم؟!”.
قال كمال بجدية وصدق:
-لا مفيش حاجة حصلت ومش متخانقين، هو في ايه بالظبط؟!!!…
قالت نجوى بتوضيح وهي تشعر بصدق نبرته فعلى ما يبدو هو لا يعلم شيء:
فردوس هنا عندي، جت شكلها غريب كأنها معيطة هدومها متبهدلة وكأنها في دنيا تانية ودخلت نامت من غير ما تنطق بكلمة وأنا قلقانة عليها واتوقعت أنكم متخانقين”
بكلمتان فقط كانت أجابته عليها:
-أنا جاي.
“بـــعـــد مـــرور نصف سـاعـة تقريـبـا ”
كانت نجوى تفتح الباب بعد أن قرع كمال الجرس وقبل أن تغلق الباب كان مراد يأتي من خلفه قائلا بنبرة جادة فهو هوايته التحقيق….
رائحة الحريق التي كانت تبعث منها أثارت شكه، تحديدًا حينما ذهب لشراء طلبات لوالدته ومر بجانب الشارع الذي يتواجد به بيت عائلة فردوس واشتم الرائحة ذاتها التي تبعث منها، وكان لديه نسخة من البوابة الخارجية الخاصة بالمنزل فقط لا يمتلك بوابة للمنزل نفسه فحينما ولج إليها رأي أسطوانة حديدية أو (من الصاج) كما يطلق عليها البعض يتواجد بها أثار أقمشة تم إحراقها وبلاستيك ورائحة حريق قوية تنبعث منهم…..
-فردوس ولعت في حاجات في الجنينة في بيتهم، وتقريبا مولعة في لاب توب أنا شايف أثار منه، ومش فاهم في ايه….
ألقى مراد ما حدث في وجههما وعلى ذكر الحاسوب شيء واحد أتى في عقل كمال!!!!
كان كفيل بأن يوضح الصورة أمام عينه..
لتتحدث نجوى بنبرة هادئة لـكمال:
-ادخل ليها بس بلاش تقلقها لو نايمة اوي وفي النهاية ده بيتها برضو، حالتها كانت صعبة ولازم نفهم في ايه وأنا ومراد هنقعد فوق علشان تاخدوا راحتكم.
هو يحترم نجوى حتى ولو يعلم بأنها لا تحبه ولا تحب عائلته لأنها تحزن على حسن الذي لا تعرف حقيقته ولكنها على الأقل أمرأة تفهم في الأصول…
وتشعر به وبما يرغب به بأن يراها في الحال.
صعدت مع مراد إلى الطابق العلوى بعد أن وجهته إلى الغرفة، فتح كمال الباب، ليجدها مستلقية على الفراش تحتضن نفسها، ملابسها كما هي وصدق وصف مراد، ملابسها متسخة بأثار أتربه، ورماد وحينما أقترب استطاع أن يشم رائحة الحريق…
حينما شعرت هي أن باب الغرفة يفتح ثم بعد ثواني يُغلق كانت قد فتحت عيناها….
جلست في نصف جلسة وهي تضح لها الرؤية بأن كمال يقف أمامها؛ للوهلة الأولى تمنت بأن يكن كل ما فعلته وسمعته منذ الصباح هو…
كــابــوس وانتهى!!
أو حتى رُبما تلك السنوات التي مرت من عمرها بسرعة البرق سارقة بريقها قد انتهت، وأنها أما ستجد نفسها في منزلها عروس مع زوجها وحبيبها كما كانت تخطط قبل سنوات او على الاقل ستكون في منزل عائلتها برفقة شقيقها الذي يخبرها بأنه يتقي الله في أي فتاة قد تمر من أمامه من أجلها، من أجل أن يأتي من يتقي الله بها، شقيقها الذي علمها كل شيء جيد، والذي تحمل مسؤوليتها..
لكن وجودها في غرفة نجوى التي تكون غريبة بعض الشيء بالنسبة لها فهي نادرًا ما كانت تأتي إلى هذا المنزل وتدخل إليها فهي دومًا تجلس في المكان المخصص للاستقبال، ووجود كمال أمامها بملامح مُبهمة ولكنها أبعد ما يكون عن الراحة هو غاضب ولكنه يحاول كتم غضبه قدر المُستطاع…
أكد لها كل هذا بأنه ليس حلمًا أو كابوس أو أي شيء تمنته بل أنها كانت الحقيقة…
وهذا هو المفجع في الأمر!..
تمتم كمال بنبرة خالية من التعبير:
-أنتِ بتعملي ايه هنا يا فردوس؟! وكنتي فين؟! ومش بتردي على موبايلك لــيـــه؟!…
رغم إدراكه الكلي من أن هناك كارثة قد حدثت!!
ولكنه لم يكبح نفسه بأن ينهال عليها بةسئلته….
هتفت فردوس بنبرة جادة:
-جيت علشان مش عايزة أكون في مكان أنتَ فيه ولا عايزة اكون في بيت أهلي، عايزة أكون مع ناس مكنتش مستغفلاني…
قبل أن يستوعب كلماتها كانت تقول:
-أنا حرقت هدوم حسن، حرقت كل حاجة تخصه…..
صمت كمال…
الصمت حل عليه، لم يمتلك كلمات يستطيع قولها؛ وما الذي سيفيد؟!!..
ضحكت فردوس وهي تنهض من فوق الفراش متمتمة بنبرة ساخرة:
-مسألتش ليه؟!!…
أبتلعت ريقها وهي تسترسل حديثها بألم:
-أقولك أنا أنتَ مسألتش ليه، علشان أنتَ كنت عارف كل حاجة، وكلكم كنتم عارفين ده حتى اللي المفروض صاحبتي واللي تعتبر كانت مخزن اسراري وموجودة في يومي كنت بهون عليها، كانت عارفة؛ إيمان كانت عارفة أن….
لم تستطع حتى نطقها حتى شهقت ووضعت يدها على فمها تمنع نفسها من النطق والدموع تنهمر من عيناها…
العيون ليست فقط وحدها التي تبكي، فالقلب يبكي شوقًا وحرقًا واشتياقًا. (مقتبسة)
أما كمال كان مصدومًا بمعرفة إيمان فهتف بنبرة غريبة:
-فردوس…
انزلت يدها من على فمها قائلة من وسط بكائها بنبرة شبة صارخة:
-متتكلمش مش من حقك تتكلم ولا تبرر، كان عندك الوقت السنين اللي فاتت أنك تقولي ومقولتش حاجة.
تحدث كمال بنبرة جادة:
-مكنتيش هتصدقي يا فردوس ومكنش معايا أي دليل، حتى تليفون اخوكي كان اختفى، ولا عمرك كنتي هتصدقي غير لما تشوفي بعينك دي شخصيتك…
أردفت فردوس بنبرة منفعلة وصارخة بشكل جنوني:
-ولو مكنتش عرفت لوحدي كنت هتعمل ايه؟! كنت هتسيبني عشر سنين كمان ولا عشرين سنة؟!! وأنتَ شايفني بموت قدامك كل دقيقة…
قال كمال بنبرة خالية من التعبير:
-علشان معرفتك الحقيقة هتموتك أكتر.
-مش من حقك تأخد قرار زي ده ولا من حقك تخبي عليا….
قاطعها كمال بنبرة غاضبة:
-فردوس أنا مقدر اللي أنتِ فيه ممكن تهدي شوية علشان نعرف نتكلم.
رفعت يديها وهي تلوح بهما في الهواء بنبرة هستيريا:
-هنتكلم نقول ايه؟! أنا المفروض أعمل ايه؟!! حرقت هدوم اخويا حرقت كل حاجة تخصه علشان يمكن امحي ذكراه من جوايا اعمل فيك أنتَ وأهلك فين؟!….
صرخت بنبرة جنونية أكثر وهي تقول:
-المشكلة اني حتى لو عرفت أنه يستاهل أنا مش هقدر أسامح أخوك ولا هتخطى، عمري كله هيعدي من غير ما اتخطى!!!!!!!
سألته بعدها بنبرة شبة جنونية وهي تقترب منه ممسكه بكفه بعد شهقة خرجت منها:
-فهد؟!!! فهد ابن مين؟!!!!….
لم يكن عليها ألا تتوقع هذا الجزء فهي ترى عمر الصبي وتلميح إيمان اكثر من مرة عنه وطرحها الأخير للفكرة أمامها اليوم، وبعد هذا الأمر كيف عليها ألا تتوقع ذلك؟!…
قال كمال بنبرة جادة وأداء لا يشوبه شائبة:
-فهد ابن داغر يا فردوس، داغر كان بيحب أفنان واتجوزوا وهو عرف باللي حصل وقِـبل يتجوزها ويكمل حياته معاها اه حياتهم مكنتش مستقرة لأن الماضي كان بيلاحقه زيه زي أي راجل بس فهد ابنه وهو قرر يكمل حياته معاها والاتنين يتخطوا علشان خاطر الطفل اللي جمعهم.
طريقة نطقه للعبارة كانت جادة لم تلمح بها أي تردد، ولا اهتزاز…
هي تعلم كمال حينما يكذب!!
أو لأنه لم يحاول أن يكذب يومًا أمامها فهو اعترف لها بأنه يعلم مكان شقيقه بل يخفيه عنها ويحميه ولم يُجمل هذا الأمر أو كذب فيه…
لكنه لم يخبرها يومًا عن سبب قتل شريف لشقيقها هو أما يقول الصدق أو يمتنع عن الإجابة!!
أما كمال كان يجد أن هذا هو الحل الأمثل ليس عليها أن تعلم أبدًا بأن فهد ابن حسن، لأن هذا سيجعل الأمر أسوء ولأول مرة تقريبًا يكذب عليها وهو يقول بنبرة صارمة:
-ولو حابة تعملي تحليل علشان تتأكدي ان فهد ابن داغر مش ابن حسن محدش هيعارضك….
الثقة الذي كان يتحدث بها ألجمتها قليلًا وجعلت هذا الاحتمال يذهب من عقلها وتلك الفكرة بعض الشيء، لم يكن ليعرض عليها بثقة عمل تحليل الحمض النووي (DNA) لو كان ابن حسن!!…
تمتم كمال بنبرة مشحونة:
-فردوس انا من يوم ما عرفتك لغايت دلوقتي وانا شايلك فوق رأسي، عملت واتحملت علشانك اللي مفيش راجل يتحمله، تحديدًا يتحمله من واحدة اخوها استغفله، عمري ما عاملتك لا انا ولا أهلي غير بما يرضي الله، انا اتحملت ومش بشتكي ولا حاجة وعندي استعداد اتحملك العمر كله ولغايت ما نتخطى اللي احنا فيه…
ابتلع ريقه ثم قال بجدية شديدة:
-اخوكي استغل ان اختي مراهقة يا فردوس، ده داغر مكنش عايز يتقدم ليها علشان صغر سنها، وكلنا كنا شايفينها عيلة، اخوكي وهمها بكل حاجة، ومكتفاش بكده هددها وبعد كده عمل عملته في بيتنا اللي أتمناه يدخله علشان الظروف وأننا بقينا أهل، كل ده مكنش هين عليا…
نظر لها بجدية وهو يهتف بما لم يتفوه به لأي شخص حتى لشريف نفسه:
– انا هقولك اللي مقلتوش لمخلوق يا فردوس؛ أنا لومت شريف ألف مرة أنه قتله وهو بيتخانق معاه، وان كان ممكن الموضوع نحله بطريقة تانية، ده اللي بقوله علشان خايف عليه وبقنع نفسي بكده، بس الحقيقة ان شريف عمل الصح، ولو أنا كنت مكانه كنت قتلته ومش بالغلط في خناقة.
الدموع تنهمر من عيناها بشكل مخيف…
شهقات تخرج منها وهي تنظر له وتستمع إلى كلماته وليس لديها حق الرد….
لكنه شقيقها……
كان يتحدث بلا توقف فمن حقه أن ينفجر:
-أنا مفيش يوم جبرتك على أي حاجة ولا في يوم فكرت حتى أعمل اللي اخوكي عمله في اختي، رغم اني جوزك وحقي أنك متمنعيش نفسك عني، انا اتحملت وهتحمل بس اللي مش هتحمله أن يصدر منك أي رد فعل يخص أفنان، لأني مش هغامر بسمعتها، ولا هغامر بحياتها هي وجوزها وابنها المستقرة أنك تيجي وتهديها.
سألته فردوس بنبرة مرتجفة:
-قصدك ايه؟!.
قال كمال بكلمات صريحة وواضحة:
-علاقة حسن بأفنان وحتى اللي عمله فيها هتنسيها، سواء هتكملي معايا او مش هتكملي أنتِ حرة، لكن سيرة أفنان متتجابش، لأني مش هسيبك تكملي اللي اخوكي معرفش يكمله وهو أنه يهد حياتها واحنا حاولنا نرممها تاني بصعوبة.
تمتمت فردوس بكلمة واحدة:
-امشي يا كمال أنا ولا عايزة اشوفك ولا عايزة اسمع صوتك حتى….
غمغم كمال بنبرة جادة:
-أنا في موضوع أفنان بالذات أنا بتكلم بجد يا فردوس…
صاحت فردوس وهي تقول بجنون:
-متخافش العرق مش دساس فيا وفيه، ولا أنا ناوية أكمل اللي هو عمله لو أنتَ شايفني كده…
-أنا طول عمري شايفك في احسن صورة وخوفت عليكي من نفسي ومن نفسك، وخوفت عليها من أي حد.
ثم هتف كمال بجدية:
-يلا نمشي ونرجع بيتنا وانا هسيبك براحتك مش هينفع تقعدي أكتر من كده عند الناس، ولو عايزة تقعدي في اوضتك لوحدك هسيبك ومش هوريكي وشي..
لم تكن تعرف سوى شيء واحد هي لا تريد منزل يخصه ولا منزل يخص عائلتها ويذكرها بشقيقها ببساطة هي تريد نفسها:
-مش هرجع يا كمال ولا حتى هرجع لبيت ابويا.
صرخ كمال بنبرة غاضبة وجهورية:
-فردوس انا مش هسببك تباتي هنا…
طرقات خافتة على الباب وبعد لحظات مناسبة ولجت نجوى قائلة بنبرة حكيمة:
-ممكن يا كمال تيجي محتاجة اتكلم معاك.
اسـتجـاب كمال لرغبة المرأة احترامًا لها…
ليترك فردوس في الغرفة وذهب إلى حجرة الاستقبال ليجد مراد بها…
تمتم كمال بنبرة مقتبضة واحراج:
-أسف احنا ازعجناكم..
هتفت نجوى بنبرة جادة:
-انا معرفش الخلاف اللي ما بينكم اللي اكيد كبير ويخلي فردوس بالمنظر ده اللي عمرها ما كانت فيه خلال السنين اللي فاتت، بس مدام صوتكم جايب البيت كله من الافضل تسيبها كام يوم هنا لغايت ما نفسيتها تهدى وتتكلموا على الاقل أنا في مقام امها..
هتف كمال بجدية شديدة ونبرة ذات معنى:
-والله حضرتك فوق رأسي بس أنا مراتي مش هتبات غير في بيتها….
نهض مراد وتحدث بنبرة دبلوماسية:
-ماما بتتكلم صح، وانا عارف ان رفضك علشان وجودي، أنا هطلع الم هدومي وتوصلني لموقف الاتوبيس اركب اي ميكروباص رايح القاهرة انا كده كده مسافر الصبح ومش هرجع غير في نهاية الاسبوع وفردوس تكون هديت مع ماما وان شاء الله الأمور تتحل…….
اقتنع بحديث مراد بعض الشيء..
رغم حرجه منه ومن والدته ولكن كان هذا أسلم الحلول على الأقل، رُبما ذهابها إلى المنزل وهي بتلك الحالة ليس قرارًا صائبًا تحديدًا بوجود أفنان…
بالفعل جمع مراد اغراضه وقام كمال بتوصيله إلى موقف الاتوبيس وغادر متجهًا إلى القاهرة، بينما كمال توجه إلى منزل عائلته بقلب مجروح وقلق مما هو قادم فهو يدرك أنها مازالت تحت تأثير الصدمة…..
____________
بعد إصرار كبير من نجوى جعلت فردوس تغير ملابسها وتأخذ حمام دافئ لعله يبعد رائحة الحريق عن جسدها وأعطتها ملابس قد تناسبها، لكن رغم إصرارها على أن تتناول الطعام لم تنصاع فردوس لها…
جلست نجوى بجانبها على الفراش سائلة أياها بقلق:
-احكيلي يا بنتي مالك؟! ايه اللي حصل؟ لو مطلعتيش اللي جواكي ليا هطلعيه لمين؟! مش أنا في مقام والدتك؟!.
قالت فردوس بقهر كبير:
-اللي جوايا أصعب من أنه يتقال.
-حاولي.
قالت فردوس بصوت ميت:
-عرفت ليه شريف قتل حسن..
عقدت نجوى حاجبيها متمتمة باستغراب:
-وهو كمال افتكر يقولك بعد السنين دي كلها؟!.
بثبات كانت فردوس تجيب عليها:
-كمال مقالش حاجة أنا اللي عرفت لما دخلت اوضة حسن، وعرفت من اللاب توب بتاعه اللي كنت ماسكاه وبحاول افتحه وانتِ معايا، انا عرفت الحقيقة منه ومن ايمان حتى ايمان كانت عارفة كل حاجة..
-وايه هي؟!.
قالت فردوس بألم:
-اقولك ايه على اخويا ضهري وسندي اللي كنت بعتبره ابويا وامي وكل حاجة ليا، اكتشفت اني مكنتش اعرفه، اكتشفت ان اخويا كان له وش تاني أنا معرفهوش، انا عرفت ابشع حاجات ممكن تعرفها الاخت عن اخوها اللي بتحترمه واللي قضت سبع سنين من حياتها عايشة زي الميتين وبتجري علشان تجيب حقه واكتشفت فجأة أنه ملهوش حق…..
أنهارت في بكاء شديد لتأخذها نحوى في أحضانها ولم تطلب منها المزيد، ولم ترغب بالمعرفة هذا يكفي!!..
__________
في الثانية بعد منتصف الليل….
بعد وقت قضاه في سيارته يحاول أن يستوعب ما يحدث في حياته، كان يريد وقت يقضيه مع نفسه ولكنه شعر بأن تلك الساعات لم تكن كافية أبدًا…
هو يريد وقت يقضيه مع نفسه وسيفعل….
قبل أن ينفجر في وجه الجميع عليه أن يفعل…
صعد إلى المنزل مر أولًا إلى غرفة جده ليطمئن على صحته ولكنه وجده قد خلد إلى النوم منذ مدة طويلة فذهب بعدها إلى غرفة نومهما….
بدل كمال ملابسه بغضب وكأنه يشن شجار مع ملابسه متأفف إلى أقصى درجة، وبعدما انتهى استلقى على الفراش وهو يحاول النوم، رغم أنه يجافيه لأنها للمرة الأولى تغادر منزله وتغادر غرفتها؛ لأول ليلة قد تنفصل عنه حتى لو مرت ألف ليلة هي بغرفة وهو بغرفة ولكنه كان يعلم بأنها تحت سقف منزله على الأقل!!
تلك الغرفة البائسة التي شهدت لحظاتهما الأيام الماضية وشهدت على ليلتهما الأولى ليلة أمس بعد انتظار دام لسنوات، لن يخدع نفسه كان يعلم بأن ما سيحدث اليوم ليس جيدًا ولكنه استجاب إليها وقرر بأن يتناسى مثلها، وأن يظفر بها، وألا يضيع تلك اللحظة التي أتت بها راغبة ومتلهفة للمرة الأولى كان الشعور متبادل بشكل قوي لم يكن أحمق ليضيع فرصة كهذا…
اقتناص اللحظات السعيدة وسرقتها في الحب ليس جريمة يعاقب عليها القانون!!..
الغرفة التي شهدت على الآلاف من الشجارات بينهما كانت لا تطاق من دونها!!
نهض وارتدى حذائه المنزلي وأخذ هاتفه ثم اغلق المصابيح وغادر الغرفة وتوجه صوب غرفة والدته ليجدها جالسة على الفراش تقرأ في مصحفها وأغلقته حينما رأته:
-تعالى يا ابني…
ولج كمال بعد أن كان يطل برأسه في الغرفة من هلف الباب يرى هل هي مستيقظة أم لا أولا حتى لا يقلق نومها…
أغلق كمال الباب خلفه، لتتحدث منى بنبرة هادئة:
-جدك عامل ايه دلوقتي؟ انا شوفته الصبح بس ملقتش حد ينزلني تاني اطمن عليه لما أنتَ مشيت.
هتف كمال بنبرة متعبة:
-الحمدلله احسن يعني ضغطه اتظبط وهو نايم دلوقتي.
-الحمدلله.
ثم سألته منى باهتمام وحنان:
-كنت فين يا ابني؟! أنتَ اللي لسه جاي صح؟! أصل انا بعرفك من قفلتك للبوابة اسمعها وانا في اوضتي.
ابتسم كمال لها ولم يعقب ولكنها لمحت به شيئًا غريبًا لتتحدث بنبرة هادئة:
-ايه اللي مصحيك لغايت دلوقتي يا حبيبي وايه اللي اخرك كده؟!.
عقب كمال تعقيب بسيط:
-فردوس بايتة عند نجوى.
ضيقت منى عيناها وهي تتحدث بلومٍ وعفوية:
-وأنتَ ازاي تسيبها تبات برا البيت يا كمال؟!.
هنا بدأت تستوعب بأن هناك شيء غريب فغمغمت:
-في حاجة حصلت ما بينكم؟!.
قال كمال ببساطة:
-فردوس عرفت كل حاجة.
نظرت له منى بصدمة وهي تردد:
-كل حــاجــة؟!
هز رأسه بإيجاب متمتمًا:
-ايوة عرفت كل حاجة وعرفت اللي حسن عمله.
تمتمت منى بتردد وذعر:
-وهي عرفت منين؟! وأنتَ يا كمال قولتلها ليه بالسرعة دي مش كنا لسه بنفكر يا ابني هنجيبها ليها ازاي؟!.
عقد كمال ساعديه وهو يقول بنبرة صادقة:
-القدر كان مكتوبلها فيه أنها تعرف ومن غير ما أنا ادخل وأنا اللي سيبتها تعمل المحاولات اللي تخليها تعرف علشان نخلص..
قالت منى بقلق كبير:
-اوعى تكون ناوية تعملنا فضيحة، احنا لما صدقنا أفنان وداغر علاقتهم بتتحسن وهو بيجهز بيت عيلته.
تمتم كمال بنبرة جادة:
-فردوس مش هتعمل كده انا متأكد من اللي بقوله أنا حافظها أكتر من نفسها، وهي أكدت انها مش هتعمل كده.
تحدثت والدته بخوف حقيقي:
-ايوة بس ازاي هتسكت عن موضوع فهد؟!!!.
-أنا عرفتها أن فهد ابن داغر دي الحاجة الوحيدة اللي كدبت فيها لأنها هتخرب الدنيا أكتر، ده أفضل حل، وهي تعتبر صدقتني وياريت أكون اقنعتها.
ابتلع ريقة ليقول بكوميديا سوداء:
-فردوس حرقت كل حاجة تخص اخوها ولسه بتفكر تعمل ايه معايا، والمرة دي أنا مش هعترض على أي قرار هي هتاخده، لأن معاها الفرصة اللي تفكر فيها كويس.
ضيقت منى عيناها بعدم فهم وهي تقول:
-فرصة أيه دي؟!.
-أنا هسافر دبي وهسرع اجراءات كل حاجة، أنا عايز أفصل، عايز أفصل يا امي…
كان يردد كلماته وكأنه طفل صغير يرغب في الابتعاد حقًا، لم تجد منى نفسها إلا وهي تحاول التهوين عليه:
– اعمل اللي يريحك يا حبيبي أنتَ جيت على نفسك كتير، وسيبها هي تفكر وتهدى مع اني مش عاجبني قعدتها في بيت حد غريب بس يمكن ده احسن.
أسترسلت حديثها بحنان:
-نام هنا يا كمال جنبي وأنا هرقيك لغايت ما تنام زي زمان..
خلع حذائه وصعد فوق الفراش ووضع رأسه على فخذ والدته حتى تفعل ما تريده وتقرأ ما يهدأ باله وصدره ونفسه….
شيء واحد يتردد في عقله وهو هذا الدعاء..
(لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
“من أجواء الرواية”
لو كنت جلادًا على قلوب البشر وأفعالهم تأكد أن الأمر لن يُحتمل ولو كنت قديسًا بلا أخطاء تأكد أن المكان لن يُناسبك..
هنا نحتاج شخص قلبه لين حتى يغفر وكبير جدًا حتى يتحمل هذا الكم من الإفراط في المحبة…
ولو كُنت غير ذلك تأكد أنك لن تفهم أبطال ديجور الهوى فـ هم مثل الخطوط المستقيمة قد تسير في نفس الاتجاة ولكن لا تستطيع الالتقاء لكن تذكر أنه ليس مستحيلًا..
#ديجور_الهوى
جرائم تم إغلاق ملفها ولكنها باقية في قلوب أصحابها.
______________
“في اليــوم التــالـــي”
بالمستشفى.
كانت يقين نائمة على الفراش انتهت ولادها منذ ثلاث ساعات تقريبًا وها هي تحتضن صغيرتها (تسنيم)
الاسم الذي اتفقا عليه بعد شجار شهور طويلة…
يجلس في الغرفة معها والدها راضي، علا زوجة أبيه، وصديقاتها دنيا ونهال، أما والد ظافر (متولي) في الكافتيريا الخاصة بالمستشفى يتناول القهوة مع صادق شقيق يقين، فقرر الجميع بألا يشعروها بالازدحام وألا تكون الأنفاس حولهما كثيرة، حينما يخرج شخص يدخل الأخر وهكذا؛ لأن الطبيب اشتكى من العدد.
تمتمت يقين بإرهاق بعد أن أخذت منها الممرضة الطفلة ووضعتها في الفراش الصغير:
-هو أنا هروح امته يا ظافر؟!.
هتف ظافر بهدوء:
-لما الدكتور يعدي عليكي هيقول هيروحك النهاردة ولا بكرا الصبح علشان بس هو عايز يطمن عليكي.
لم يقصد أن يقلقها..
لكن حملها الثالث وبعده الرابع لم يمرا بالشكل السليم تحديدًا الرابع الذي لم يكن بالحسبان ولم يخطط له شيء..
فأخبره الطبيب في أحدى المرات بأن عليها الاهتمام جيدًا بصحتها لأن جسدها ضعيف، لذلك كان يصر عليها في أغلب الأوقات بأن تساعدها أمرأة في المنزل رغم رفض يقين بأن تكون هناك امرأة متواجدة معها بشكل يومي، هي لم تكن يومًا معتادة على هذا ولكنه لم يكن يقبل النقاش، فتغيرت أشياء كثيرة بيقين إلا أنها لم تتخلى عن تحملها المسؤولية ومحاولتها في أكثر أوقاتها ضعفًا ومرضًا أن تشعر من حولها بأنها بخير وليس بها شيء..
انحنى ظافر قليلا اثناء انشغال علا وراضي بالحديث في الكثير من الأمور التي يتحدث بها الأشخاص الكبيرة كأحوال البلد وغيرها دون الاهتمام او الاعتناء بالمناسبة التي يجلسون من أجلها…
كانت دنيا التي تحمل طفل في أحشائها بعد الكثير من المحاولات الفاشلة ولم يكن يكتمل حملها بها، رغم أن كل شيء كان يسير بطريقة طبيعية في البداية، ولكن تلك المرأة طمأنها الطبيب وهي في أواخر شهرها الثامن، دنيا ونهال مشغولتان في اللعب مع الطفلة الصغيرة…
-الدكتور قالي لو فكرتوا في المرة الخامسة هو مش لاعب معانا ونشوف غيره، فاعملي حسابك أنتِ ورتبي أمورك كفايا كده.
قالت يقين بنبرة شرسة بالرغم من ارهاقها الواضح وهي تدافع عن نفسها:
-ما أنا بعمل حسابي بس الدنيا بتبوظ، وبعدين يعني انا بجيبهم لوحدي؟!! ما تتصرف أنتَ.
رفع ظافر حاجبيه وهو يتحدث بنبرة جادة:
-حاسس ان الكلام اللي في المواضيع اللي زي دي قدام الناس عيب لما نروح نتكلم علشان انا بتكسف ووشي أحمر.
سألته يقين بسخرية وصوت خافت:
-وأنتَ وش كسوف اوي بصراحة، وبعدين عرفت منين أن وشك احمر كنت شوفته؟!.
تمتم ظافر بجدية شديدة:
-حسيته، أنتِ اكتر واحدة عارفة أن مراكز الاحساس عندي شغالة بشكل فائق الجودة.
ثم تحدث بهدوء:
-وبعدين خلاص يعني اكيد مش هنتخانق في يوم زي ده بعد ما خلاص ختمناها بالبنت علشان الحياة في البيت يكون ريحتها فانيلا وكب كيك شوية، خلاص ختامها مسك.
لمعت عين ظافر وهو يقول بعفوية:
-ما نسميها مسك؟!.
قالت يقين بنبرة هادئة كانت نبرتها هنا طبيعية وليست خافتة كبداية حديثهما:
-خلاص يا ظافر استقرينا على تسنيم بقا.
-مبروك علينا يا يقين.
عقبت يقين بنبرة خافتة وخجولة فمازالت تخجل من التصريح بحبه في وجود والدها أو أحد أشقائها لها رغم أنها اليوم وضعت طفلتهما الرابعة:
-الله يبارك فيك يا حبيبي.
أقترب منها ووضع قُبلة على جبهتها ثم غمغم:
-هسيبك معاهم اروح اشوف العيال برا مع عثمان ونوح اكيد مغلبينهم، واكلم البواب علشان الناس اللي جاية النهاردة..
هزت رأسها بعدم ارتياح لاهتمامه التي تراه غريبًا بالجيران مجهولين الهاوية بالنسبة لها..
وغادر ظافر تاركًا أياها معهم..
وبمجرد أن خرج من الغرفة وجد، ندى البالغة من العمر ستة عشر عامًا تقريبًا تحمل ريان طفله النائم بين أحضانها والذي يتعلق بها بشكل كبير، بينما والدتها كانت في الطريق تأتي من العمل….
أما محمد يجلس بجانب رشاد الذي يأخذه في أحضانه، وكان محمد يبكي ليقترب منهما ظافر ويجلس بجانب محمد متمتمًا بلهفة:
-مالك يا محمد بتعيط ليه؟!.
ابتعد محمد عن أحضان شقيقه متمتمًا بضيقٍ:
-خالو نوح…
ضيق ظافر حاجبيه وتحدث بعدم فهم:
-ماله؟!.
ضحك عثمان الذي يجلس أمامهم على المقاعد الأخرى متمتمًا:
-أنتَ عارف نوح واللي بيعمله خد غرام علشان لقاها حاضنه محمد وراح يقعد مع عم متولي وصادق تحت..
تمتم ظافر بنبرة ساخرة:
-هو نوح لا رحم الواد ولا ابوه زمان واقف لينا زي اللقمة في الزور، وبعدين دي غرام عندها ثلاث سنين ومحمد عيل صغير مش هيبطل الهطل اللي هو فيه ده…
مسح ظافر دموع طفله بأنامله قائلا بنبرة جادة وهو ينظر له:
-ولا يهمك يا حبيبي.
عقب محمد ببراءة شديدة:
-أنا بحب ألعب بـغرام.
تحدث ظافر بنبرة مرحة رغمًا عنه:
-يعني حسن من ملافظك شوية اسمها العب معاها علشان ابوها بيتجنن من اللي بتقوله بلاش بيها دي تعالى نروح الكافتيريا انا هخليك تلعب معاها.
تمتم راشد بنبرة حنونة:
-وأنا هدخل لماما أنا وندى.
“بالكافيتريـا”
متولي كان ذهب ليغير مكان السيارة بعد أن اخبره الأمن، اما صادق عاد إلى العمل فهو أستاذن لمدة ساعة تقريبًا…
كان نوح يجلس طفلته على قدميه وكأنه يحميها وهي تشعر بالضيق فهي كانت تجلس معهما بالأعلى ولكنه أجبرها على الابتعاد عن محمد…
جاء ظافر وهو ممسك بيد محمد الذي كان يشعر بالغيظ…
-ايه يا مفرق الجماعات خليت الواد يعيط ليه؟!.
تمتم نوح بسخرية وهو ينظر لهما:
-كده لم ابنك عن بنتي.
أردف ظافر بنبرة جادة:
-هو عمل ايه الواد لكل ده يعني؟!.
غمغم نوح بتهكم:
-كان حاضن بنتي هو مفيش عيلة غير بنتي؟! ما تخليكم في عيال عثمان او بنات اي حد اشمعنا غرام؟!.
تمتم ظافر بنبرة مسرحية:
-القلب وما يريد يا شيخ، وبعدين هو حضنها بكرا يكبر ويصلح غلطه ويتجوزها.
هتف نوح بنبرة ساخرة:
-بعينك مش كفايا اخدت اختي، عايزين تاخدوا بنتي كمان؟!!.
-زيادة الخير خيرين؛ أنتم اللي بناتكم بيدخلوا قلبنا نعمل ايه؟!
ثم أخذ ظافر الطفلة من أحضان نوح عنوة وقبل وجنتيها وهو يحملها لتسعد الطفلة ببراءة انها تخلصت من حصار والدها..
تلك الطفلة يحبها ظافر لأنها شقية، تشبه يقين في صغرها بل أنه حينما رأى صور خاصة بيقين في طفولتها شبهها بها..
ثم جعلها تهبط لتذهب ناحية محمد وتحتضنه وهي تهتف بفرح( يلا نشوف النونة)، مما جعل ظافر يرفع يديه متمتمًا:
-اهو مش ذنب الواد؟! نلم بنتنا الأول لانها واضح انها هي اللي جايبة ليك الكلام وبعدين يعني بنات العيلة في الاول والأخر مش هيلاقوا رحالة غير عيالي فحسن علاقتك بيا علشان هكون نسيبك المستقبلي كمان.
-بـعينك…
تمتم ظافر بهدوء وهو يخرج هاتفه ليحادث حارس البناية:
-بكرا نشوف.
ثم وجه حديثه إلى ابنه:
-اقعدوا اطلب ليكم اتنين ليمون علشان يناسبكم، وأنتَ يا ابني بلاش أحضان علشان ابوها بيتقمص…
رفع سماعة الهاتف ليتحدث مع ثائر أولًا ويخبره بأنه ترك المفتاح مع حارس البناية وليذهب في أي وقت يريده ولكنه للأسف لن يكن في استقباله بسبب وجوده مع زوجته في المستشفى…
____________
انتهـى الكـابــوس وتم الطلاق رسميًا بين عبدة وسوسن بحضور شريف (ثائر) ولم يترك لها للمجال أو الخصوصية لتتحدث معه لأنه يعلم بأنها أمرأة ضعيفة الشخصية ويستطيع اي شخص السيطرة عليها بسهولة فهو كان يرغب في لجمها ولا يعطي لعبدة الفرصة لو كان يرغب…..
رغم أنه كان لم يرى بعبدة أي قدر من التراجع أو التمسك..
وهذا شيء عجيب ليس هناك مبرر لتنازله السريع وتخليه التام إلا أنه يقوم بعبادة (القرش)….
صعد مع سوسن إلى المنزل فأخبره ظافر بموافقة سحر على الأمر وبأنه في انتظاره في أي وقت في المعرض الخاص به وأن المفتاح بات بين يديه…
وتلقى اتصال منه يخبره بأن المفتاح مع حارس البناية…….
فتحت سوسن الباب وأشارت له على الاريكة متمتمة:
-اقعد يا ابني عقبال ما اقول لشمس تجهز علشان نمشي.
كان يجب عليهما الرحيل، عبدة سيعود في الغد…
جلس شريف على الأريكة ووضع قدم فوق الأخرى وهو يشعل سيجارته متمتمًا بنبرة هادئة:
-اعمليلي فنجان قهوة وصحيها لو نايمة علشان عايز أتكلم معاها.
قالت سوسن بنزق:
-هو أنا شغالة عندك؟!.
-لا طبعا يا حجة، ده انا بس ضيف وبعد أذنك عايز قهوة وتناديلي شمس.
جاءت شمس من الداخل وهي ترتدي أحدى منامتها الشتوية الثقيلة متمتمة بنبرة مقتضبة:
-خير عايز ست زفتة في ايه؟!.
أشار شريف إلى سوسن التي مازالت واقفة في مكانها:
-كوباية القهوة يا حجة سوسن وطولي فيها على قد ما تقدري انا بحبها تستوى على نار هادية او على البخار المهم انشغلي في أي حاجة.
زفرت سوسن بضيقٍ ثم رحلت، فهي تشعر بالضيق والقلق في الوقت نفسه انفصالها عن عبدة لا تدري مدى صحته، ولا تعلم لما هي قلقة من تلك الخطوة!!
وتشعر بجرح غائر يفتك بها لن تنكر فهي لثاني مرة يتخلى عنها رجل حتى ولو كانت لا تحبه ولكن الاستغناء واللامبالاة شيء مزعج لأي أمرأة في أي عمر….
اختفت سوسن لتأتي شمس وتقف أمامه قائلة بعنجهية وكبرياء لن ينكسر:
-اتعامل مع امي عدل أنا بقولك اهو.
تمتم شريف ببراءة زائفة:
-هو انا اقدر اعاملها وحش برضو؟! دي البركة بتاعتنا ومليش بركة إلا هي، وبعدين ده انا بفكر بعدين ادخلها في قرعة الحج.
لم تعقب شمس على سخريته الشديدة التي تعلمها وتعرفها جيدًا حتى لو تصنع العكس…
لتتحدث بضيقٍ:
-أنتَ ايه اللي جابك أصلا؟!.
هل هي تسأله؟!.
تمتم شريف بنبرة جادة:
-طب اقعدي بدل ما أنتِ واقفة ليا زي العمل الرضي كده انا مبحبش الكلام على الواقف..
جلست شمس قبالته وهي عاقدة ساعديها بوجه غاضب ومغتاظ بشكل كبير ليتحدث شريف بنبرة فضولية:
-مالك بقا قالبة وشك ليه؟! وبعدين يعني ايه اللي جابني علشان اخدكم ونمشي عبدة خلاص طلق أمك.
لم تندهش فهي كانت تعلم قبل ذهاب والدتها وفي الوقت نفسه أخبرتها بعد أن تم الطلاق بشكل رسمي بمكالمة هاتفية فلم تندهش ولكنها عقبت بجحود:
-كتر خيرك لغايت كده بقا، انا هاخد امي وهنشوف لينا صِرفة، مش هنروح معاك في حتة.
رفع شريف حاجبيه وهو يسألها بعدم فهم:
-ليه يعني مش فاهم؟!.
قالت شمس بنبرة حادة:
-هو أيه اللي مش فاهم؟! يعني كتر خيرك لغايت كده سيبنا نظبط أمورنا لوحدنا متتعبش نفسك.
تمتم شريف بتهكم صريح بعد أن سحب نفس من سيجارته:
– لا والشهادة لله أنتم بتعرفوا تتصرفوا اوي، اسكتي احسن وبطلي كلام ملهوش لازمة، مش عارفة ايه اللي عاوجك اوي كده النهاردة؟!
قالت شمس بنبرة منفعلة قليلًا:
-كده علشان أنا مش تحت أمرك تختفي فجأة وتظهر فجأة، وعايز تيجي تعمل دور سي السيد علينا اعملوا كده ومتعملوش كده…
ردد شريف كلماتها باستنكار:
-اختفي؟! دور سي السيد؟! أنتِ عبيطة ولا وقعتي على دماغك ولا ايه حكايتك؟!!!.
غمغمت شمس بانزعاج جلي:
-لا يا حبيبي أنا عارفة أنا بقول ايه تقدر تقولي كنت فين يوم الجمعة وسارح فين ومع مين؟! وسايبني حتى مكلفتش نفسك تتصل بيا ايه بدور على عروسة جديدة؟!.
أردف شريف بنبرة باردة:
-فعلا انا بدور ما أنتِ عارفة لازم تكون على الفرازة وكنت يوم الجمعة ماشي في جوازة بس مش جوازتي لسه يعني ملقتش اللي تناسبني وأنتِ أول واحدة هتعرفي لو لقيتها ان شاء الله…
-أنتَ بجح ومستفز..
عقب شريف بنبرة ساخرة:
-وأنتِ أعصابك في الثلاجة عاملة حوار علشان غيبت عنك يوم واحد، واكيد مكنتش بلعب أنا حياتي مفيهاش لعب، مشكلتك أنك عايزاني أربعة وعشرين ساعة أحب فيكي واهتم بيكي وفي داهية المصايب اللي ورانا، وكل همك انا فين وبعمل ايه؛ ومش مهتم بجنابك ليه؟!.
ابتلع ريقه وسألها بجدية:
-أنتِ مش واخدة بالك أنا حياتي عاملة ازاي؟! ولا حياتك خربانة ازاي؟!.
تحدثت شمس بعفوية ونبرة ساخرة:
-حياتك بقت بايظة ومش مستقرة وخربانة على حظي وأنا من من ساعة ما عرفتك قاعد تتجوز وتغير النسوان كأنك بتغير شراباتك بس على حظي بقيت مشغول.
أستغفر شريف ربه ثم سألها وهو يكز أسنانه:
-أنتِ عايزة أيه يا شمس؟!.
-عايزة أعرف أنتَ بتساعدني ليه؟! وعايزني اسمع كلامك ليه وأنتَ في نفس الوقت كل شوية بتنفي أي حاجة ما بينا بس قاعد تظبط اموري وأنا كده مش فاهماك.
غمغم شريف بنبرة واضحة:
-شمس افهمي الله يرضى عليكي احنا مش مراهقين ولا عيال صغيرة، ولا حياتي ولا حياتك فيها مجال للخيالات الدرامية اللي جاية في رأسك أو اللي أنتِ عايزاها…
أبتلع ريقه ثم تحدث بنبرة هادئة:
-احنا مش في وقت هعيشك فيه قصة حب واصحيكي بالورد وانيمك على الورد، انا في مصايب ورايا وأنتِ الاهم دلوقتي ابوكي يعرف بيكي ويعترف بنسبك دي اهم حاجة وأننا نسيطر على امك علشان محدش يفكر يجرها ويضحك عليها تاني.
لم تعطي لكلماته أي اهتمام وهي تخبره بنبرة جادة:
-الحب ملهوش وقت، والمفروض أفهم أنتَ ناوي على ايه معايا…
هتف شريف بنبرة خافتة:
-شمس انا هسلم نفسي اقل حاجة ممكن تحصل يوم ما اقول انا ماخدتش حاجة هي اني اتسجن خمس أو ست سنين، عايزة واحد زيي يوعدك بأيه؟!! وبعدين يعني كل اللي بعمله علشانك مش عاجبك؟؟
قال شمس بنبرة عاطفية:
-اوعدني بأي حاجة، أنا بحبك يا ثائر، ومش فارق معايا لا السجن ولا غيره ولا كل ده انا بشوفك بقلبي، حتى لو أنتَ شايف عيوبي وظروفي ومشاكلي انا مش شايفاهم وانا بحبك، انا مبشوفش غير اني بحبك…
هي توتره..
صدقًا تصيبه بالارتباك من قوة مشاعرها الفياضة، وجرائتها في التعبير عن أي انثى او أمرأة اخرى رُبما ترجع لنشأتها وما مرت به..
هو لم يعتاد على ان تكون بينه وبين اي أمرأة مشاعر، حتى من تزوجهم رُبما شعر بتفاهم وانجذاب جسدي وعقلي لا أكثر، أما شعوره بمشاعر تجعله يرغب في فعل أي شيء من أجلها من أجل حياة كريمة لها، دون انتظار أي مقابل لم يعتد أبدًا على هذا..
ليس لأن الوقت فقط لا يسمح..
لأنه لا يستطيع التعبير عن مشاعره..
هو يمر بمشاعر لا يفهمها..
مشاعر لم يمر بها في فترة مراهقته حتى..
وكأنها قد قرأت أفكاره لتسأله بنبرة هادئة:
-أنتَ حبيت حد قبل كده؟!.
تهرب من السؤال بفظاظة:
-انا بقول تشوفي امك اللي بتزرع البن جوا مش بتعمل قهوة وتخلصوا علشان نمشي.
عادت شمس تتحدث بنبرة شرسة:
-برضو هتديني أوامر؟! ومش هتقولي كنت فين امبارح؟!…
تمتم شريف ببساطة وكأنه لا يقول شيئًا:
-كنت في قراءة فاتحة هلال على اختك وبحاول افهم العيلة اكتر، ياريت تسمعي الكلام بقا وتبطلي مناهدة أنا مش بعمل حاجة غير لمصلحتك وفكري بطريقة منطقية أكتر، سيبي كل حاجة للظروف…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ديجور الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى