رواية خطايا بريئة الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم ميرا كرم
رواية خطايا بريئة الجزء الخامس والأربعون
رواية خطايا بريئة البارت الخامس والأربعون
رواية خطايا بريئة الحلقة الخامسة والأربعون
بعد مرور عشرة أشهر على ابطالنا منهم من استقرت حياته و تغيرت قناعاته ومنهم من مازال يسعى لذلك بعد أن تبدلت اولوياته مثل ذلك الساخط الذي كان لايعلم أين يكمن الرضا، فها هو يجلس يتناول الفطور معها بهدوء مؤقت بسبب نوم صغيره الذي لم يكمل شهرين من عمره.
فقد دست “سميرة” لقمة في فمه مغمسة بالجبن وانتظرت حتى لاكها ثم تبعتها بمناولته كوب العصير الخالي من السكر قائلة بأهتمام حاني رغم صعوبة طباعها:
-كُل كويس قبل ما تنزل لشغلك
هز رأسه ببسمة هادئة وأخذ يتأمل هدؤها النسبي الذي يروقه كثيرًا بعيون لامعة فقد اصبح يعشق اهتمامها ويتقبل طباعها التي تشعره كونه طفل صغير ليس بحاجة للرعاية والاهتمام والدلال فقط بل للتقويم ايضًا.
نعم يعترف بتسرعه في زيجته منها، ولكن هو كرجل ضعف أمام اهتمامها التي اغدقته به في اكثر توقيت كان بحاجة لأحد بجانبه كي يلبي احتياجاته و يقوم برعايته بعد وعكته الصحية وكيف يفوت فرصة كونها لم يسبق لها الزواج من قبل وقد نسب إليها
ذلك اللقب المقيت(عانس) الذي فرضه المجتمع ليكون الزواج منها الإختيار الأمثل والفوز العظيم لكل مطلق أو ارمل او مُعيل كي يستحوذ عليها كما فعل هو. يعلم أن” رهف” لم تقصر معه حينها ولكنه يأس من غفرانها وحتى بعد محاولته العدة في استعطافها واستعطاف صغاره والتقرب منهم كي يؤثرون عليها ولكن هي ظلت مُصرة على رفضها؛ وبعد زيجته من” سميرة “اندثر الأمل وعدم بتسرعه وغبائه كافة سبل العودة لها.
ورغم حُزنه أنه خسر امتلاكها من جديد إلا أنه بدأ يعتاد حياته الجديدة ويهفو لاستقرارها.
-سرحان في ايه يا ابو “علي”
قالتها هي كي تنتشله بها من دوامة أفكاره، ليتحمحم يجلي صوته ويتناول من يدها الدواء وكوب الماء قائلًا:
-ابو “علي” ده ايه الرضا ده يا “سميرة”
تنهدت هي واخبرته بنبرة هادئة:
-طول ما انت كويس معايا ومش بتقول كلام مستفز يعصبني زي عوايدك هتلاقيني راضية عنك
هز رأسه بتفهم، وتناول دوائه امام تتبع نظراتها وحين انتهى قالت هي:
-انا عايزة اروح متابعة ب “علي” عند الدكتور وعايزاك تيجي معايا
تحجج هو:
-انا مش فاضي وعندي شغل روحي انتِ وابقي طمنيني
شهقت بخفوت ثم هدرت بعدم رضا:
-اطمنك ده أيه انت رجلك على رجلي هو ابني لوحدي أنت لازم تشاركني في كل كبيرة وصغيرة
-بس ده واجبك انتِ ومتهيئلي تعرفي تقومي بيه لوحدك
-لأ معرفش انا اعرف اطبخ، اروق، اغسل، لكن أي حاجة تانية أنت ملزم تشاركني فيها
حاول إقناعها كي تعفيه من تلك المهام التي تفرضها عليه منذ زيجته منها:
-“سميرة” انا مش فاضي للكلام ده وعمري ما روحت بعيل عند دكتور، ده حتى الطلبات بترفضي البنت اللي بتساعدك تجبهم وبتفرضي عليا أنا اعمل كده وانا عمري مانزلت اشتري حاجة للبيت زي ما بعمل معاكِ من ساعة ما اتجوزتك
لوت فمها واسندت وجنتها بسبابتها متهكمة:
-أمال مين اللي ينزل أنا…أنا طول عمري مُعززة مُكرمة في بيت أهلي وطول عمري كنت بشوف ابويا بيعمل كده ومكنش بيرضى يخلي أمي تنزل تجيب قشاية من الشارع وكل حاجة كانت بتيجي لغاية عندها لتعتدل في جلستها وتجعد حاجبيها الرفيعين متعجبة:
-اومال كنت بتعمل إيه مع الاتنين اللي اتجوزتهم قبلي!
اجابها بحنق وهو يحل رباط عنقه بعض الشيء:
-ام الولاد كانت هي اللي بتتولى كل كبيرة وصغيرة في البيت أما بقى التانية كان ليها اهتمامات تانية
قال أخر جملة متبوعة بذلك الصوت الساخر الذي يصدر من فمه، يهزأ به من نفسه ومن تفكيره ومبرراته التي كان يدعي برائتها وقتها.
طالعت حالته ثم لوت فمها وتهكمت:
-ليه حاسة أنك بتتحسر عليهم…
نفى برأسه واستنكر قائلًا وهو يربت على يدها المسنودة:
-ابدًا أنتِ فاهمة غلط…صدقيني يا “سميرة” أنتِ مختلفة كفاية أنك عرفتيني معنى الاستقرار من تاني
تنهدت واخبرته ببسمة واثقة:
-طب كويس أنك عارف انا مش زي حد و الحاجات اللي أنت مكنتش متعود عليها دي الصح ومش ذنبي أن الاتنين اللي قبلي كانوا خايبين
رغم لذوعة تعبيرها إلا أنه اعتاد طريقتها وقرر مسايرتها تجنبًا لغضبها:
-خلاص بلاش نتكلم في اللي فات واوعدك إني هعمل كل اللي يريحك يا “سميرة “بس…
صمت لبرهة يفكر كيف يراوغها كي يتوصل لنقطة معينة بالحديث ويحاول اقناعها:
-نفسي انتِ كمان ترضي عن اللي يريحني
زفرت انفاسها وهي تعلم إلى ماذا يرمي ولكنها تسائلت:
-وايه اللي يريحك إن شاء الله!
-موضوع الولاد يا “سميرة”
وهنا كأنه نزع فتيل لسانها واطلق سراح شياطينها فقد اعترضت قائلة:
-تاني هتقولي الولاد قولتلك اعمل اللي تعمله عايز تجبهم يقعدوا معانا هاتهم بس ابقى اخدمهم أنت انا كفاية عليا مسؤولية ابنك وبصراحة مش حمل خدمة عيلين
زفر انفاسه ومرر يده بخصلاته الفحمية قائلًا بمسايرة على أمل إقناعها:
-هجيب حد يراعيهم معاكِ وكل اللي طالبه منك انهم يقعدوا معايا كام يوم قبل اجازتهم ما تخلص ونفسي بلاش تتعصبي وتزعقي زي كل مرة
بررت هي بكل بوضوح دون تجميل عباراتها:
-ما انا بزعق ليه ما هما اللي اشقية وبيبهدلو البيت ده غير طلباتهم مبتخلص وبعدين أنت بتجبهملي اخدمهم وتريح دماغ امهم منهم
احتدت نظراته ورفع سبابته يحذرها:
-ملكيش دعوة بأمهم وبعدين دي رغبتي وانا اللي حابب كده وانتِ مفروض تريحيني وتتحمليهم علشاني
-اريحك اه… بس مش على حساب نفسي
-بس دول ولادي وليهم حقوق عليا وانتِ لما اتجوزتيني كنتِ عارفة كده
-اه كنت عارفة بس مكنتش اعرف انهم هيقرفوني كل شوية
-يقرفوكِ للدرجادي دول مش بيجوا غير يوم في الاسبوع
-يجوا يوم اهلًا وسهلًا علشان تشوفهم ويشوفوك وكده عداني العيب
تأفف بعدم رضا وزمجر غاضبًا من تبريرها وكاد تثور ثائرته لكنها اخرسته بقولها:
-بقولك إيه وفر الشويتين بتوعك دول واسمع مني أنت مش مقصر معاهم لتتخصر وتستانف متهكمة:
-وبعدين لوكنت مش قادر على بُعدهم اوي كده مكنتش اتجوزتني وكنت حافظت على امهم
اكفهرت ملامحه وجلس يكوب رأسه ولم يسعفه عقله بكلمات مناسبة كي يبرر، وكيف يفعل وهو بقرارة نفسه يعلم أنها محقة
هو من خرب كل شيء.
ساد الصمت لثوانِ كانت تنتظر ان يجيبها ولكن حين لم يفعل تأكدت أن حديثها اصابه في الصميم إلى ان كسر الصمت صراخ الصغير الذي أخذ يتعالى، لتتنهد وتقول هي تهرول إليه:
-ارتحت اهوا “علي” صحى على صوتنا وملحقتش ارتاح…هروح اشوفه
ذلك آخر ما قالته قبل أن تدخل غرفة النوم كي تسكت صغيرها تاركته ينظر لآثارها ويلعن حاجته للاستقرار والرعاية التي حُرم منها وقدر قيمتها حين كان وحيدًا، ويبدو ان لذلك السبب يتحمل يباس رأسها ولذوعة لسانها حتى أنه خالف كل التوقعات و تقبل قلة حيلته في ردعها.
—————–
أما عن تلك المتمردة التي تغيرت قناعاتها، فكانت نائمة في سلام وسَكينة على صدره بعد ليلة جميلة فقد رفرفت بأهدابها حين همس هو:
-كل ده نوم يا مغلباني
ابتسمت وهي تتثائب بكسل ثم حاوطت خصره قائلة:
-مشبعتش نوم خليني شوية في حضنك انت بقيت بتوحشني وانت معايا يا “يامن” وبعدين مش كفاية غايب عني اسبوع
-روحي وأنتِ كمان بتوحشيني والله بس غصب عني المشاكل مش بتخلص في الفروع التانية
رفعت ذقنها تستند على صدره قائلة بثقة وبمحبة خالصة لمؤازرته:
-حبيبي أيه رأيك اساعدك وانزل الشغل معاك ده لو معندكش مانع يعني
ناقشها بكل حيادية:
-انتِ عارفة إني مش ضد شغلك وقولتلك بدل المرة ألف انا هشجعك مهما كان قرارك…بس الولاد
-الولاد مش هغيب عنهم غير كام ساعة بس ومامتك ودادة “منيرة” معاهم
هز رأسه بتفهم وهدر وهو يمرر يده بخصلاتها:
-بس الشغل مسؤولياته كبيرة وهتتعبي معايا
أجابته بثقة:
-حبيبي متقلقش أنا أدها ومش مهم تعبي المهم إني اريحك واشيل عنك أنت كتير تعبت علشاني
تنهد تنهيدة حارة وعيناه تفيض بعشقها، لتضيف هي ببسمة هادئة:
-وبعدين وقتها هيبقى عندك وقت اكتر علشان تقعد معايا ومع الولاد بدل ما الشغل علطول أخد كل وقتك و واخدك مني
لامس خصلاتها الفحمية وهمس ببسمته الحانية:
-حبيبتي انا مفيش حاجة تقدر تاخدني منك
اعتلى حاجبيها متهكمة:
-واللهِ…لأ في…واولهم “غالية” بتاعتك اللي مشاركاني فيك وبتغير عليك مني
قهقه على غيرتها وقال وهو يرفع ذقنها ويلثم ثغرها بقبلة خاطفة:
-بصراحة معذورة وليكِ حق تغيري منها اصلها احلى منك وبتعرف تثبتني
شهقت بغيظ و نكزته بصدره متمتمة باعتراض:
-انت رخم وبنتك رخمة زيك اوعى سبني اقوم
منعها وهو يكبل خصرها ويحكم حصارها:
-رايحة فين هو أنا هعتقك ده انا مصدقت الولاد اتأخروا في النوم
-“يامن “بطل رخامة وسيبني اقوم
نفي برأسه ثم دون أن يمهلها فرصة للاعتراض كان يقتنص قبلة من شفاهها وحين بدات تبادله تعالى طرق الباب واتاه صوت نحيبها و لعثمتها بحروفها الغير مفهومة من خلفه:
-با…با…
ابتعدت عنه ونظرت له نظرة بمعني ارأيت
ليقلب عينه ويزفر أنفاسه الثائرة، و يزيح بجسده عنها ويهب يرتدي ملابسه لتسبقه هي وتتناول مأذرها وتغلقه وتهندم خصلاتها و تتجه لباب الغرفة تفتحه و تتناول صغيرتها من يد المربية التي قالت بحرج مطرقة الرأس:
-حقك عليا يا ست هانم بس مش راضية تسكت
-ولا يهمك يا “منيرة” سيبيها…قوليلي “حمزة” صحى
-لأ يا ست لسه نايم
هزت “نادين” رأسها واشارت لها تغادر لتغلق الباب وهي تهدهد صغيرتها التي لم ترضى أن تكف عن بكائها إلا حين رأته توقفت عنه تلقائيًا واخذت تفتح وتغلق قبضة يدها الصغيرة تعلن رغبتها في أن يحملها وبالفعل ذلك ما فعله فقد تناولها منها وأخذ يناغشها ويهدهدها بطريقته الحانية إلى أن استكانت برأسها على كتفه بسلاسة كادت تفحمها حتى انها علقت مستغربة:
-شوف أزاي دي كانت مش راضية تبطل عياط من شوية ببساطة كده عرفت تسكتها
اعتلى حاجبه بمكر وقال كي يغيظها:
-دي قدرات يا مامي معندكيش منها
وضعت يدها بخصرها وقالت وهي تهز رأسها وتأرجح خصلاتها الفحمية التي استطالت:
-لأ دي مش قدرات ولا حاجة هي البت دي طالعة مسهوكة ومتعلقة بيك بزيادة عن زومي
قهقه واجابها وهو يميل برأسه ويقبل وجنة صغيرته ويملس على خصلاتها بعدما تأكد انها استكانت وهدأت على كتفه:
-“حمزة” هادي وطالع عاقل ليا أما دي حبيبة ابوها وبعدين انتِ غيرانة ولا إيه أنتِ الأصل يامغلباني
اخرجت لسانها له كحركة ملازمة لها حين تغتاظ منه وقلدت طريقته قائلة:
-“حمزة” عاقل ليك و”غالية “مجنونة ليا مش كده
-روحي أنتِ احلى مجنونة شوفتها في حياتي
نمت بسمة على ثغرها وردت:
-بقيت اونطجي اوي على فكرة بعد ما بقيت بابي…
قهقه هو لتتسع بسمتها وتخبره:
-طيب طالما سكتت خليها معاك عقبال ما أخد شاور بسرعة وأحضر الفطار
نفى برأسه وهو ينظر لها نظرة تعلم ما المغزى منها:
-هودي “غالية” ل “منيرة” وهرجعلك علشان نكمل مفاوضات
ابتسمت بدلال ونفت بسبابتها أمام نظراته قائلة:
-لأ أجل المفاوضات
-يوه بقى مش مسامح على فكرة وزعلان
لتمنحه قبلة خاطفة على وجنته وتوعده بدلال وهي تغمز بعينيها قبل أن تهرول للمرحاض:
-هبقى اصالحك بعدين
لتتسع بسمته متحمسًا ويتنهد تنهيدة عميقة مُسهدة وهو يطالع أثرها بعشق لم ينتقص قط بل تفاقم حد الهوس بها.
——————-
دخل شركته التي استعاد مجدها بمزاج عكر للغاية، فقد دلف لمكتبه وجلس على مقعده ثم زفر انفاس حانقة متقطعة وهو يتناول هاتفه ويقوم بالأتصال بخالته، وإن اتاه ردها قال في ضيق:
-ازيك يا خالتي
اجابته “ثريا” من الطرف الأخر:
-تمام الحمد لله عامل يا ابني
-زفت زفت يا خالتي…
-ليه يا ابني مالك..
تحدث بإندفاع منفعل يفض مخزون قلبه:
-“سميرة” كل ما اجبلها سيرة العيال يركبها ميت عفريت …وانا كان نفسي يجوا يقعدوا معايا كام يوم في الاجازة بس هي الله يسامحها بقى مش راضية تريحني وبتتحجج ب “علي” أنه تاعبها
أتاه تنهيدتها من الطرف الأخر ثم ردها:
-ربنا يصلح الحال يا ابني… لتضيف بحياد كي لايتحفز نحو الأخرى ويخرب الأمر بغبائه المعهود:
-معلش اصبر عليها أكيد ابنك تاعبها انت عارف العيال بتبقى متعبة في الشهور الاولى وإذا كان على ولادك انت بتقدر تشوفهم في الوقت اللي انت عايزه و”رهف” مش بتتأخر
أقر بعرفان:
-عارف يا خالتي وبصراحة هي مش مقصرة في الموضوع ده
-“رهف” اصيلة وعمرها ما تقدر تحرمك منهم…المهم قولي بتاخد بالك من اكلك ومن مواعيد الدوا بتاعك
-“سميرة “مرعياني يا خالتي و رغم ان فيها طباع زفت بس بصراحة من الناحية دي بتعمل اللي عليها معايا
-ربنا يهديهالك يا ابني ويصلح حالكم يارب
-آمين يا خالتي… ليتحمحم ويضيف:
-معلش بقي ياخالتي قولي ل “رهف” الاسبوع ده تجيب الولاد عندك علشان اشوفهم بدل البيت عندي علشان مش عايز وجع دماغ زي كل مرة
تنهدت “ثريا” وقالت قبل ان تغلق الخط:
-حاضر يا ابني هبلغها…مع السلامة
-مع السلامة
ليغلق ويتنهد براحة أكبر كونه سينعم بقرب أطفاله دون صراخها.
————–
أما عن حياة تلك التي تصالحت اخيرًا مع ذاتها فكانت بزيارة ودية لبيت “كريمة” التي توطدت الاُولفة بينهم في الآونة الاخيرة، فكانت تساعدها في المطبخ حين استمعت لصياح “نضال” الحماسي الذي اعتادت عليه مع أطفالها:
-انت بتخم
قالها يعترض بها على لعب “شريف” الذي يشاركه في احد الالعاب الالكترونية، قهقه “شريف” وأخبره بحماس طفولي:
-انا لازم ارد هزيمة المرة اللي فاتت
ضيق خضراويتاه ورد معاتبًا:
-بقى كده طب استنى عليا
قالها وهو يضغط على أزرار أداة التحكم الموصول باللعبة ويصب كافة تركيزه على الشاشة أمامه يحاول أن يمرر هدف ولكن الصغير كان أفرص منه وتحكم في أحد لاعبيه وجعله أن يأخذ الكرة ويسددها في مرماه ليهلل ويقفز من جلسته هو وشقيقته التي كانت تشَاهد ادائهم:
-واو كسبتك…كسبتك…كسبتك
رمقهم “نضال” بغيظ ثم جذب “شريف” لحجره وأخذ يدغدغه بقوة مشاكسًا:
-أنت مالك فرحان فيا كده انت بتعايرني بالهزيمة
قهقه الصغير وتعالت ضحكاته مرددًا من بينها:
-انا اشطر منك
رد بخفة مستنكرًا وهو مازال يدغدغه:
-اشطر مني فين أنت أي نعم بطل في الحقيقة بس في اللعبة بتخم
لتدافع “شيري” وهي تهز رأسها:
-“شريف” شاطر مش بيغش يا “نضال”
ضيق عينه وقال بخفة وهو يجذبها هي ايضًا ويقوم بدغدغتها:
-بقى كده بتدافعي عنه وانا اللي كنت فاكرك في صفي يا زئردة طب تعالي بقى
تعالت ضحكات الصغار أثناء وقوفها على اعتاب الغرفة محملة اطباق الكيك التي أعدته بذاتها لتستمع لما دار بينهم و ترى ذلك المشهد الذي أسر قلبها
فكانت متجمدة بأرضها ولا تعلم ما بها غير أن ذلك ال”نضال” قد سبر أغوارها وكيف لا يفعل وهو حنون، متفهم، واضح بشكل مريح ومطمئن لها
وأكثر ما يؤثر بها حقًا أنه عطوف مع ابنائها…فبعد ذلك اللقاء بينهم في عيادته والحديث المطول بينهم التي منحته به الأمل منذ عدة شهور وهو لا يضغط عليها بتاتًا ويكتفي بأقل القليل منها كما وعدها، حتى انه يحترم تحفظها معه وألتزم بتلك الحدود التي وضعتها لتوطيد علاقتهم وذلك بشكل ما يريحها فمع استمرارها ومواظبتها على زيارة الطبيب النفسي، قد تغيرت حياتها وأصبحت أكثر وضوحًا مع ذاتها، واقتنعت انها تستحق فرصة ثانية لذلك تقدر تحامله من أجلها ومن أجل قرارها، الذي يبدو أنها على وشك أن تتخذه بالفعل كي تريح قلبه وتحظى بعوضها وعند تلك الفكرة أخذت تدعوا الله من صميمها أن لا يتعكر صفوها فهي تعلم أنها ستخاطر بقرب أبنائها ولكن لديها يقين أن الله سيلطف بها.
-وقفة كده ليه يا بنتي!
قالتها “كريمة” التي خرجت من المطبخ لتوها محملة صنية بها عدة اكواب وفي طريقها لها.
تركزت نظراته عليها ولحظ وجودها ليتوقف عن ما يفعله حين تلعثمت هي:
-ابدًا يا طنط انا كنت مستنياكِ
هللوا الصغار حين انتبهوا لها وأخذو يقصون عليها خسارته في حين هو نهض يتناول من والدته اولًا ثم منها قائلًا:
-عنك يا أم البطل…
ابتسمت بسبب ذلك اللقب الحديث الذي أصبح يطلقه عليها، وكأنه يعزز فخرها بولدها الذي شارك بالفعل في أحد بطولات الأندية، ألتقطت بسمتها وتسائل بعيون ضيقة مترقبة:
-اوعي تكوني بتضحكي علشان شمتانة فيا زيهم…
قالها وهو يضع ما بيده على المنضدة الصغيرة لتهز رأسها مستنكرة:
-محصلش
كبتت بسماتها بصعوبة ليضيف هو:
-لعلمك بقى مش مصدقك وضحكتك كشفتك
هزت رأسها تلك المرة وهي تنفجر ضاحكة ليعقب بحاجب مرفوع متعجبًا:
-يظهر أن في حاجات مشتركة بينك وبين ولادك غير حضرتك اللي مبتنزليش من زور دي
تعالت ضحكاتها هي وصغارها حتى انها جلست وضمتهم لها وكأنها تؤكد له، ليمط فمه يدعي حزنه ويضيف:
-على العموم الله يسامحكم
وهنا تدخلت “كريمة” وقالت مشاكسة:
-هيسامحهم وبصراحة معذورة تضحك عليك اصل اللي يشوفك وانت بتلعب وسطيهم يستغرب ازاي بتنزل لمستوى عقلهم
هز رأسه مستنكرًا حديثها:
-انا مش بنزلهم يا “كرملة” بالعكس انا بحاول أرتقي بتصرفاتي علشان اوصل لحدود برائتهم…
استغربت “رهف” بشدة تقيمه للأمر الذي إن دل على شيء دل على محبته الخالصة لهم، لتعقب “شيري” وهي تتقدم منه و تشده من بنطاله:
-“نضال” أكلني كيك
انحنى يربت على وجنتها ثم جلس وأجلسها بجواره قائلًا:
-برنسيس “شيري” تأمر
قالها وهو يتناول قطعة من الكيك بشوكته ويدسه بحرص بفمها، لتعترض “رهف” بعدم رضا وهي تقلد طريقة بنتها:
-“نضال” أكلني…طب ما انا اهوا واقدر أكلك ليه بتطلبي من “نضال”
اجابتها الصغيرة موضحة براءة أسبابها:
-علشان هو بيأكلني براحة لغاية ما أشبع يامامي ومش بيبرق لي ولا بيزعقلي ويقولي خلصي طبقك
اغتاظت وضيقت عيناها وهدرت متوعدة:
-بقى كده ماشي يا “شيري”!
قهقه هو على هيئتها ورد بحماية:
-متقدريش تزعليها دي في حمايتي
شهقت وقالت وهي تمط فمها:
-انا غلطانة إني مش عايزاها تتعبك
حانت منه بسمة حانية وهو يمسح بأحد المحارم الورقية البقايا العالقة بفم الصغيرة ثم أجابها بنبرة صادقة لم تشكك بها:
-تعب أيه بس…ده انا بعشق الوقت اللي بتقضوه معايا وببقى في قمة سعادتي لما بيثقوا فيا ويطلبوا أي حاجة مني… ليضع قبلة اعلى رأس “شريف” الذي جلس بجواره من الجهة الأخرى ويستأنف بحاجب مرفوع بتسلية كي يشاكسها:
-وبعدين اطلعي أنتِ منها دول حبايبي وعلى قلبي زي العسل
ابتسمت بسمة مغتاظة وهزت رأسها بلا فائدة، ليتناول كوبه ويرتشف منه ثم يقطم من قطعة من الكيك قائلًا بتلذذ:
-تسلم ايدك يا “كرملة” الكيك تحفة انتِ اتطورتي اوي
خرجت “كريمة” عن صمتها بعدما كانت تكتفي فقط في أن تشهد على حديثهم ومناقرتهم بنظرات متأملة في لم شملهم:
-تسلم يا حبيبي…بس دي عمايل “رهف”
اتسعت بسمته وعقب مشاكسًا وهو يتناول قطعة اخرى وينوي أن يضعها في فمه:
-واضح ان عندك مواهب كتير مدفونة يا بشمهندسة…تسلم ايدك
اتسعت بسمتها من إطرائه ومشاكسته الحثيثة التي يتعمد أن يكون حريص كي لا يخترق حدود تحفظها، بينما عقبت “كريمة”:
-اومال “رهف” ست بيت شاطرة واحلى حاجة بقى أنها بعد الجواز هتخليك تبطل العادة الهباب دي بتاعت الأكل الجاهز
ردت هي بتلقائية دون ان تنتبه لوقع جملتها عليه:
-إن شاء الله يا طنط
جمدت خضراويتاه عليها لثوانِ وتنهد تنهيدة حالمة وهو يتخيل ذلك اليوم التي ستكون له ويجمعهم بيت واحد، لتلتقط هي نظراته وتتفهم المغزى منها ورغم أنه لم يتحدث أو يعبر عن رغبته إلا أن عيناه كانت كفيلة أن تعكس ما بداخله، دام تشابك نظراتهم لثوانِ عدة لحين باغتتهم “كريمة” بقولها:
-ربنا يهنيكم ياولاد ويسعدكم وتريحوا قلبي بلم شملكم
أطرقت برأسها وأخذت تبحث عن كلمات مناسبة كي تعلن عن موافقتها لأتمام الأمر ولكن لم يسعفها لسانها، وإن طال صمتها تنهد هو وهمهم بنبرة هادئة لا يتناسب مع ما يشعر به:
-إن شاء الله يا “كرملة” كل شيء بأوان
ليبتسم بسمته المعتادة ويستأذن منهم ويخرج للشرفة كي لا تخور عزيمته فقد وعدها ان لا يضغط عليها لحين تقرر هي ولكن يقسم أنه يتوق لقربها وقلبه يأَن متلهف لعطائها، تناول نفس عميق من الهواء وزفره على دفعات متقطعة حين شعر بها تقف خلفه، لم يلتفت لها وانتظر حديثها لتهمهم هي:
-هو انت زعلت!
هز رأسه واجابها:
-أنا وعدتك يا “رهف” مش هضغط عليكِ ومستعد استناكِ سنين مش شهور…
أقرت بتقديرها لتحامُله:
-وانا مقدرة ده صدقني..
هز رأسه وألتفت لها ويستند بخصره على سور الشرفة ثم تناول نفس عميق وزفره على دفعات متقطعة و تسائل متوجسًاوهو ينظر لكل شيء عداها هي:
-“رهف” لو موضوع الخِلفة ده هو اللي مخليكِ مترددة أنا…
قاطعته هي بكل ثقة:
-لأ…”نضال” احنا اتكلمنا في الموضوع ده قبل كده وأنت عارف رأي فيه كويس…
زفر وقال بنبرة فضحت رغبته:
-كل اللي أنا عارفه دلوقتِ إني صعبان عليا العمر اللي بيعدي وانا مش جنبك
اجابته بإرتباك وهي تفرك بيدها:
-بس أنت جنبي و بقيت اقرب حد ليا
نظر في صميم عيناها وقال بتنهيدة مُثقلة:
-مش ده القرب اللي اقصده.
اربكتها جملته وتلجم لسانها وهي تشعر بقشعريرة طفيفة تدب بجسدها، فما كان منه غير يزفر أنفاسه ويخبرها وهو يتخطاها:
-تعالي ندخل للولاد
ابتلعت رمقها ولملمت شتاتها ثم همست بأسمه :
-“نضال”
اغمض عينه لبرهة يتلذذ بحرف أسمه التي خرجت من ثغرها ثم التزم ثباته والتفت بجسده يجيبها:
-نعم
اقتربت خطوة واحدة ثم قالت بعدما استجمعت شجاعتها كاملة:
-أنا جوة معرفتش ابدأ ازاي او ملقتش كلام اعرف اعبر بيه
عقد حاجبيه وبمجرد النظر لوجهها تفهم ما يدور بخلدها لتتأهب كافة حواسه ويهمس متسألًا:
-عايزة تقولي ايه اتكلمي أنا مش بَعُض يا بشمهندسة
لاحت بسمة ناعمة على ثغرها من جملته المعتادة الذي يشجعها على الحديث بها ثم أخذت تلملم خصلاتها البندقية قائلة بإقتناع وبثقة اكتسبها هو بكل جدارة:
-انا…موافقة نحدد معاد كتب الكتاب وأنا متأكدة أن قراري ده عمري ما هندم عليه…
رمش عدة مرات لم يستوعب حديثها ثم تسائل مترقبًا:
-احلفي كده أن اللي سمعته صح!
هزت رأسها تؤكد له ثم كررت ببسمة أسرت قلبه بصفوها:
-موافقة اتجوزك وممكن تحدد المعاد اللي يناسبك
اتسعت بسمته شيء فشيء وهو يشعر أنه على حافة الجنون بقرارها ليهمس بعدها بنبرة تتراقص نبراتها من شدة سعادته:
-أنا مش بحلم يا “رهف”صح
اتسعت بسمتها التي تلفح قلبه وتجمد أنفاسه من روعة ربيعها وتحدثت وهي تتيه بغابات عينيه المزدهرة بعشقها:
-مش بتحلم يا “نضال” انا فعلًا عايزة اكمل الباقي من عمري معاك
مرر يده بخصلاته وكأن يتأكد أن عقله مازال بموضعه ثم هدر بسعادة عارمة وبسمته تكاد تشق وجهه:
-يبقى بلاش نضيع وقت اكتر من كده كفاية اللي ضاع من عمرنا
هزت رأسها تؤيده:
-اللي تشوفه بس قبل أي حاجة في زيارة لازم نعملها
ضيق عيناه وتسائل متوجسًا:
-زيارة ايه؟
تنهدت تنهيدة مُثقلة بذلك الخوف الذي مازال يحتل قلبها رغم قرارها ثم اجابته:
-هقولك…
——————
بابي هو انت عرفت مامي ازاي
قالتها تلك الصغيرة بفضول شديد يقطر من فيروزتاها التي تشابه خاصة والدتها، ليتحمحم هو يجلي صوته الأجش ويجيبها:
-حبيتها… واتجوزتها يا ام نص لسان
-ومامي كانت بتحبك؟
هز رأسه يؤكد لها، لتستأنف الصغيرة وهي تتنهد وكأنها قررت الأمر:
-بابي انا كمان لما اكبر هتجوز “لؤي” صاحبي
هب من جلسته وقال بدماء حامية وهو يمسك الصغيرة من ذراعها:
– “لؤي”مين يابت!!
اجابته الصغيرة بعفوية مطلقة:
-زميلي في المدرسة يا بابي
شهق وقال بحنق:
-زميلك…انا كان قلبي حاسس انك مش هتجبيها لبر
-يا بابي وفيها ايه ده هو بيحبني
ضيق بندقيتاه وانقض عليها متسائلًا:
-هو قالك انطقي
-لأ بس بيبصلي زي ما أنت بتبص لمامي، وكل يوم بيجبلي شوكولاتة
ليصيح بحمئة ويتوعد بجدية:
-نهارك مش فايت انتِ وهو انا هروح المدرسة واهدها على دماغه هو واللي خلفوه
ليتمتم مع ذاته بمخاوفه ضاربًا كف على آخر:
-من دلوقتي وبتقولك بيبصلي زي ما بتبص لمامي أومال لما يكبروا هيعملوا إيه؟
ده شكل خلفة البنات دي هتختم على جناني
قهقهت الصغيرة وقالت وهي تكتم فمها وتؤشر عليه بالآخرى ساخرة:
-أنت بتكلم نفسك يا بابي
زمجر بقوة وعقب على سخريتها بنبرة قاطعة:
-بت أنتِ اسمعي انا معنديش الكلام ده وإِياك يا أم نص لسان تنطقي بس اسمه قدامي
نفت الصغيرة وقالت وهي تمط فمها وتربع ذراعها دليل على عدم رضاها:
-اشمعنى انت ومامي مليش دعوة
رد بغيظ و بندقيتاه تطلق شرار مشتعل يعكس ثورة دمائه الحامية :
-إحنا كبار وانتِ لسة مفعوصة… وإن شاء الله لما يجي آوانه جوزك انا اللي هختاره بنفسي ولازم توافقي عليه ورجلك فوق رقبتك
وهنا احتجت الصغيرة وهي تقف فوق الاريكة وتضع يدها بخصرها:
-ايه رجلي فوق رقبتي دي! هلعب جمباز يا بابي؟
– ده مجازاً يأم نص لسان ولعلمك بقى انا اللي هقوله هو اللي هيمشي…فاهمة ولا لأ
-فاهمة…فاهمة بس برضو لما أكبر مش هتجوز غير “لؤي” مليش دعوة
-دعوة مين انتِ هتجننيني قولت مفيش “لؤي”
عارضت الصغيرة بهتاف حماسي وهي تفر من أمامه هاربة:
-في “لؤي”
هرول هاتفًا مثلها وهو يحاول اللحاق بها:
-مفيش “لؤي”
ظلت الصغيرة مُصرة على هتافها أثناء ركضها:
-لأ يا بابي في “لؤي”
كاد يلحق بها كي يقتص منها على إصرارها ولكن تعثرت قدماه في أحد أرجل الطاولة وسقط بأرضه يتأوه صارخًا بنفس جملته الاعتراضية:
-مفيش لــــــــــــــــــــــــــــــــــؤي
قالها بصوت مسموع وهو يهب من نومته ليفزعها ويجعلها تستيقظ وتسأله بهلع:
-“حمود” في إيه مالك؟
زفر هو براحة وأجابها بأنفاس متلاحقة وهو يضع يده على صدره الناهج:
-الحمد لله انه حلم
-خير يا “حمود”!
قالتها وهي تعتدل بجسدها وتناوله كوب الماء الموضوع على الكومود، ليتناول من يدها ويرتشف القليل ثم يضعه ويقول وهو يتحسس انتفاخ بطنها:
-خير متخافيش انا بس قلقان علشان معاد ولادتك قرب
-وضعت يدها على وجنته وهمست بحماس:
-هانت يا حبيبي بكرة تيجي ست الحُسن والجمال وتملا علينا الدنيا
– والله أنا ما خايف غير من ست الحُسن بتاعتك دي لما تشرف شكلي هشوف العجب
-لأ هي هتطلع بنوتة هادية وكيوت أنا قلبي حاسس
نفى برأسه وهو يتذكر حلمه وهدر ساخرًا:
-كيوت قال… ليعتلي حاجبه ويحذرها بسبابته:
-بقولك ايه اعملي حسابك أي حد اسمه “لؤي” هيقرب من بنتك ولا يبصلها هقتله
تعجبت هي:
-مش لما تبقى تيجي الأول وبعدين إشمعنا اسم “لؤي”
رد بنفاذ صبر ومازال متأثر بحلمه:
-يووه أنتِ هتقوليلي إشمعنا زيها وهتجنوني
-زيها مين!
انا مش فاهمة حاجة!
-يووه متخديش في بالك
تنهدت هي وهدرت وهي تزحزح جسدها للأسفل في الفراش وتدثر نفسها:
-طيب كمل نوم يا “حمود”
اعترض وهو يزيح عنها الغطاء:
-نوم إيه!…تعالي هنا هي مش في تعليمات دكتورة لازم تتنفذ ولا إيه…
مطت فمها وراوغته:
-“حمود” وبعدين خليك مؤدب
قلد طريقتها وقال بنبرة ساخرة:
-خليك مؤدب… انا مش عارف غير إني اكون مؤدب ده كفاية ابوكِ اللي متأمر عليا ومطلع عيني في الشغل و من يوم ما عرف أنك حامل وهو مقعدنا في القصر جنبه
برقت بعيناها حين شعرت بمغصة اسفل بطنها ولكنها تجاهلتها وظنتها عابرة كغيرها وعقبت على حديثه:
-“حمود” بابي بيثق فيك وبيحبك وعلشان كده اعتمد عليك في الشغل
زفر انفاسه واجابها وهو يميل عليها ويداعب طرف أنفه بأنفها:
-عارف وربنا يعلم بعزه أد إيه…ليضيف بمشاكسة:
– بس ده ميمنعش برضو اني ضحك عليا وكان بياخدني على أد عقلي لما وافق نعيش لوحدنا
كوبت وجهه القريب منها وتحدثت وهي تستعطفه بنظراتها:
– بابي متعلق بيا وملوش غيري وانا مش مرتاحة علشان بعيدة عنه يعني افرض تعب او احتاجني لازم ابقى قريبة منه
ده بابي يا”حمود” وليه حق عليا
تنهد وأجابها بعقلانيته المعهودة وبندقيتاه تفيض بدفئها:
-لأ يا حلو أنا مقدرش اكون سبب في تقصيرك مع ابوكِ ومقدرش امنعك تبقي جنبه
-يعني موافق نفضل معاه علطول
تنهد و رد ببسمة راضية نابعة من طيب اخلاقه:
-موافق بس عندي شرط ياحلو
تأهبت بنظراتها لتستمع لشروطه ولكنه باغتها وهو يقترب أكثر من وجهها قائلًا بمشاكسة أمام ثغرها:
-هخدك استفرد بيكِ من وقت للتاني في شقتنا وبصراحة انا عايز بس ربنا يقومك بالسلامة وسنة بالكتير و اخاوي البنت واجبلها ولد يشكمها
اتسعت بسمتها وهي تتعلق بعنقه:
-هيبقى انت وهو عليها عصابة بقى!
-اه عصابة مش انا حرامي وسرقت قلبك قبل كده
هزت رأسها وأكدت بعدما اندثرت بسمتها و أخذت تقاوم مغصتها بملامح متقلصة:
-ايوة حرامي وهفضل حبساك في القفص الدهبي العمر كله
مال يتنفس رائحتها المسكرة التي يعشقها من بين ثنايا عنقها وتسأل بأنفاس متثاقلة:
-ده انتِ بتحبيني بقى!
اجابته بصوت جهوري اجفله :
-آه….آآآآآآآآآه
ليكتم فمها ويقول باستياء من صياحها:
-في إيه خلاص عرفت مش لازم تعلي صوتك وتسمعي البيت كله دلوقتِ ولا انتِ عايزة ابوكِ يجي يقولي بتعمل ايه في بنتي ويفهمني غلط
برقت عيناها بشدة وهزت رأسها بملامح متألمة وما كان منها غير قطم يده التي يضعها على فمها كي تنفث عن ألمها، ليتأوه هو صائحًا وهو ينزع يده بصعوبة من بين اسنانها:
-يا بنت العضاضة ابوكِ مكنش بيأكلك لحمة اكيد
وهنا صرخت متألمة بعدما تزايدت وتيرة الألم بمغصات متقاربة بوطأة أشد عن التي قبلها:
-انا بولد…بولد…آآآآآآآآآآآه ألحقني
وقف مشدوه أمامها واستغرق الأمر منه بضع ثوانِ ولم يستوعب الأمر إلا حين تعالى الطرق على باب غرفتهم واتاه صوت ابيها الذي حضر فور صراخها، لينتفض كالملسوع من وقفته يفتح باب الغرفة ليندفع “فاضل” نحو ابنته متسائلًا بقلق عارم:
-مالك يا بنتي
لم تجيبه “ميرال” بل كانت تتمسك بأسفل بطنها وتبكي من شدة الألم لينوب هو عنها بنبرة متعجلة وهو يرتدي اول شيء طالته يده:
-بتولد يا عمي حضر العربية بسرعة الله يخليك
طمأنه “فاضل” ابنته وهرول كي يفعل كما طلب منه بينما هو فقد البسها اسدالها وهو يطمئنها ويهدأ من روعها ثم حملها وركض بها إلى سيارة ابيها الذي أسرع واشعل محركها وانطلق بهم إلى أقرب مشفى تحت صرخاتها ونواحها.
——————–
-ب…با…با….
كلمة متقطعة بحروف متكسرة بالكاد تفهم صدرت من طفله أثناء هدهدته له في حضورها، فقد تجمدت ملامحه لثوانِ ولم يستوعب الأمر وإن أعادها الصغير اتسعت بسمته شيء فشيء وهدر متفاجئاً وهو يوجه حديثه لها:
-واه كني سمعته هينطج يا”جمر”
ابتسمت هي حتى ضاقت عيونها الكاحلة واجابته وهي تدع الملابس التي كانت تطويها جانبًا وتقترب من جلسته فوق الفراش:
-صوح يا “حامد” ده نطج أني بردك سمعته
ليقول بسعادة هائلة وهو يدثر الصغير بين أحضانه ويربت على ظهره بعيون لامعة:
-يافرج الله والله أني ما مصدج نطجت ياحبيبي ابوك
لتضع هي يدها على وجنته وتتسأل بحنان:
-واه چرالك إيه! أنت هتبكي يا”حامد”
هز رأسه ودمعاته تفر واحدة تلو أخرى تزف سعادته:
-كنت بدعي ربنا عشان يكرمني بحتة منيكِ ياحبة الجلب وربنا كريم وحجج دعوتي ليتنهد براحة وهو يقبل رأس الصغير ويستأنف حامدًا:
-وكُمان خلاني أسمع الكلمة اللي في عمري كلاته متمنتش اسمع اچمل منها
ربتت على كتفه داعية بنبرة صادقة للغاية نابعة من صميمها:
-ربنا يديمك لينا يا”حامد” ويفرحك بولدك ويجعله بار بيك وبيا
أمن هو على دعائها، ثم استفاض معها وهو يسند رأس الصغير على كتفه:
-آمين يا حبة جلب “حامد” خابرة النهارده يوم زين من أوله شكلي اصطبحت بوشك الصبوح
ابتسمت بخجل ثم تسائلت:
-ليه أيه اللي حوصل في چديد عن عمي “عبد الرحيم”
أجابها مستبشرًا:
-اليوم عَشية كلمت المحامي وجالي إن الطلب والتجارير اللي جدمتها في التعاون الدولي في مكتب النائب العام بتتفحص وبيتأكدوا من صحتها والمحامي طمني وجالي انهم هيشكلوا لجنة طبية وهيعملوا تجرير نهائي يثبت أن مرض ابوي واعر وإن شاء الله في أمل يخرچ إفراچ صحي
والخبر ده فرحني جوي يا “جمر” وحتى امي لما جولتلها فرحت جوي وجالت ده هيبجى يوم المنى
ردت هي داعية بدعوات صادقة نابعة من طيب أصلها:
-ربنا يرده لينا بخير يا “حامد” والله بدعيله ونفسي وَلدي يكبر جصاد عينه كيف ما بتتمنى
لتغيم عينه ويقول بحزن على ما توصل له حال ابيه:
-ابوي الحبس غيره يا”جمر” والمرض اللي چاله چوة هد جواه ده لو تنضريه جلبك هيتجتطع عليه
تنهدت بحزن ثم قالت داعية:
-ربنا يشفيه ويعافيه و يفك حبسه ويفرچ كُربته
أمن على دعواتها وهو يضع الصغير الذي غلبه النوم بجانبه على الفراش ثم استأنف وهو يقترب منها ويمددها بجانبه:
-يارب يا”جمر” اني خابر انك متتمنلهوش حاچة عِفشة وخابر كُمان أنك اصيلة وبنت اصول وهتتجي الله في امي في غيابي هي أي نعم من ساعة مجولتلها ههملها لحالها واتدلى اعيش في اسيوط وهي هتعاملك زين وطايرة طير ب “عبد الرحيم” الصغير لكن أني خابر أمي وعارف طبعها وأكيد مش بتسلمي من نجرزتها في غيابي ورغم ده كلاته مفتححيش خشمك ولا تشتكي
قال آخر جملة بعرفان وبعيون يلتمع بهم الامتنان وهو يكوب وجنتها الممتلئة بحنان، فما كان منها غير مرغ جانب وجهها بكف يده وقولها برضا تام وبمودة خالصة:
-أمك كيف أمي تمام وزي ما أنت جولت ده طبعها وغصب عني لازمنًا اشيلها فوج راسي وكله يهون لجل خاطرك يا جلب “جمر” وبعدين اشتكي ليه بكفايا الهموم اللي فوج ضهرك وجسماه؛ أني واچبي أهون عليكِ مش ازود همك
تنهد وشملها بنظرة متيمة ثم همس مُسهدًا:
-خابرة يا”جمر” كل هموم الدنيا تهون جُدام نظرة حب من عنيكِ المتكحلة بعشجي
همست وهي تتيه في عمق عيناه التي تهيم بها:
-أنت شج روحي يا”حامد” ورزجي من الدنيا و معوزاش غير نعيم جُربك أنت و وَلدي
ذلك أخر ما قالته قبل أن يميل بوجهه و يضع قُبلة مُطولة على قمة شعرها ثم يضمها له بيد لتستلقي تمامًا على صدره أما باليد الآخرى كان يضم صغيره لحضنه من الجهة الآخرى ويشدد عليهم وكأنه يود أن يخفيهم بين اضلعه؛ فهم أثمن اشيائه واقربهم لقلبه هما وابويه، الذي لطالما سعى لبرهم، ومازال لديه يقين بداخله أن الله سييسر أمر أبيه ويجمع شملهم.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)