روايات

رواية خطايا بريئة الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء الحادي والثلاثون

رواية خطايا بريئة البارت الحادي والثلاثون

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة الحادية والثلاثون

الحياة رواية جميلة عليك قراءتها حتى النهاية, لاتتوقف أبدا عند سطر حزين, قد تكون النهاية جميلة.

————–

أخبرتها بتلك المكالمة التي استمعت لها وقصت عليها كل ما تمكنت من سماعه ولكن “ميرال” لم تستوعب الأمر وقالت:

-مش فاهمة حاجة يا داده!

لتكرر “مُحبة”:

-يا ضنايا افهمي الصفرا كانت بتقوله نفذ وشكلها والله أعلم بتخطط لمصيبة.

-بتكلم مين…ومصيبة أيه!

-والله ما عارفة يا بنتي ربنا يستر ويوقعها بشر أعمالها

تنهدت “ميرال” بضيق تحاول أن تتوقع ما الذي ممكن أن تفعله “دعاء” ولكن عقلها لم يتوصل لشيء.

ليتعالى رنين هاتفها كي يأتي بالإجابة الفورية لها حين ردت متلهفة على رقم “شهد” واتاها صوت الصغيرة باكية:

-طنط “ميرال”…”حمود” في المستشفى…

هبت من فراشها وتساءلت بخوف عظيم وبملامح متقلصة تكاد تموت رعباً:

-“طمطم” ايه اللي حصل…اهدي لو سمحتي وفهميني طب فين “شهد”…

أجابتها الصغيرة ببكاء:

-ماما راحت المستشفى وسابتني عند جدتي

-مستشفى ايه يا “طمطم” متعرفيش

-ايوة سمعت ماما بتتكلم وبتقول مستشفى(…)

وقبل أن تغلق الخط مع الصغيرة كانت تسحب حقيبتها ومفتاح سيارتها وتغادر بخطوات متلهفة يحفها الخوف والقلق بأنن واحد…

تاركة “مُحبة” تضرب كف على أخر هاتفة:

-جيب العواقب سليمة يارب

———————-

هرولت باكية بين طرقات المشفى لحين استدلت على غرفته لتندفع دافعة الباب وتخطو نحوه بلهفة الكون أجمع هامسة بأسمه بجذع:

-“محمد”

كان هو ممد على الفراش مغمض العينين بحالة يرثى لها رأسه مضمد و محاط بالشاش و وجهه مكدوم ويده مجبرة ومُعلقة بحامل قماشي معلق برقبته

شهقت بقوة وفرت دمعاتها حزنًا عليه لتحملها قدميها لمؤخرة فراشه تطالعه عن كثب بقلب يرتجف من الخوف والقلق معًا…في حين دخلت “شهد” بعدما كانت تستفسر من الطبيب عن حالته ومع أنه طمئنها إلا انها لم تستطيع كبح بكائها ولا أنفعالها حين وقعت عيناها عليها بجانب فراش شقيقها:

-أنتِ مين اللي قالك يا “ميرال”؟

لم تنتبه لحده سؤالها و همست بخوف وعيناها لم تبرح رقدته:

-إيه اللي حصل يا “شهد” ايه اللي عمل فيه كده؟

اجابتها “شهد” بملامح لا تفسر وبنبرة مازالت تحمل ذات الحدة:

-جماعة ولاد حرام طلعوا عليه وعدموه العافية ربنا ينتقم منهم ده لولآ أن سواق عربية نقل ابن حلال لقاه على الطريق وجابه على هنا كان الله أعلم هيحصله ايه؟

-عملوا فيه كده ليه؟

تنهدت” شهد” بِضيق وقالت مندفعة دون تفكير:

-بتسأليني أنا يا “ميرال”روحي اسألي مرات ابوكِ هي الوحيدة اللي ليها مصلحة في اللي حصل لخويا

-أنت بتقولي ايه…”دعاء”!

-ايوة “دعاء”

الهانم جاتلي وهددتني من فترة انه يبعد عنك بس انا مجبتلهوش سيرة وقولت أنها جبانة وبتقول أي كلام والسلام بس يظهر انها حطت اخويا في دماغها واحنا غلابة ملناش في الشر يا “ميرال”

وطول عمرنا عايشين في حالنا جنب الحيط

زاغت نظراتها الباكية وتلعثمت قائلة:

-قصدك ايه يا “شهد”؟

-أنا عارفة انك بتحبيه بس انا معنديش في الدنيا اغلى منه هو ابويا واخويا و مليش ضهر وسند غيره بعد ربنا وهو اللي طلعت بيه من الدنيا انا وبنتي ولو كان لقدر الله حصله حاجة كنت موتت بعديه

-في ايه يا بركة بتفولي عليا كمان…

قالها هو بوهن بعدما استمع لمعظم حديثهم… لتتلهف كل منهم إليه وتحاول أن تساعده ليتأوه هو بقوة ويحتل الألم معالم وجهه وهو يعتدل بجسده…لتصيح “شهد” بحزن وهي تضع وسادة خلف ظهره:

-ألف سلامة عليكِ يا قلب أختك إن شاء الله أنا وأنت لأ

حانت منه بسمة باهتة تحمل قدر من الوهن والألم معًا وأجابها:

-بعد الشر عليكِ يا “شهد” أنا كويس متقلقيش لسة ليا عمر

-منهم لله يا اخويا كان مستخبيلك فين كل ده ربنا ينتقم من اللي كان السبب..

نظرة معاتبة من عيناه كانت كفيلة أن تجعلها تبتلع باقي حديثها وتضع يدها على فمها تستوعب زلفة لسانها التي كان نتيجتها أن “ميرال” والتهم ظهرها وانفجرت بالبكاء لتغمغم “شهد” بندم:

-انا مكنش قصدي…

-خلاص يا “شهد”

قالها هو برزانة جعلتها تنكس رأسها بخزي فقلقها على شقيقها وخوفها من خسارته جعلها تتحامل بالحديث على تلك المسكينة التي لا ذنب لها.

أرسل “محمد” نظرة ذات مغزى لها جعلتها تتفهم ماذا يعني لتنظر لظهرها نظرة نادمة ثم تغادر الغرفة بينما هو أنتظر حتى اغلقت الباب خلفها ثم همس بأسم تلك التي لم تكف عن البكاء:

-“ميرال”

لم تجيبه بل كان يتعالى نحيبها لذلك كرر اسمها مرة أخرى برجاء واهن:

-“ميرال” كفاية عياط

لم تجيبه ايضًا ليشاكسها بوهن وبصوت متعب وهو يغمض عينه بقوة ويتحامل على الألم الناتج من جرح رأسه الذي تم تقطيبه ويكاد يفتك به من شدته:

-خلاص بقى يا حلو أنا مبحبش النكد قولتلك كويس تحبي اقوم واوريكي

هنا استدارت متلهفة له بخوف:

-لأ علشان خاطري انت لسه تعبان

حانت منه بسمة واهنة وهو يلحظ بوضوح لهفتها وخوفها الذي يقطر من عيناها ثم أشار بيده السليمة لها هامسًا:

-قربي…

لم ترد مطلبه واقتربت من فراشه وهي تلملم خصلاتها خلف اذنها بتوتر ليحثها بعينه أن تجلس في مواجهته على طرف الفراش فما كان منها غير أن تنصاع له، ليتساءل بعدما أجلى صوته وتأملها لبرهة:

-خوفتي عليا؟

هزت رأسها بنعم ليستأنف وهو يتجرأ و يمرر أبهامه على وجنتها يزيح دمعاتها بطريقة لم تعتادها منه وقد ارجفت اوصالها:

-طب كفاية عياط انا كويس

اضطربت أنفاسها حين أفصحت عن شعورها بالذنب:

-كل ده حصلك بسببي؟

“شهد” قالتلي أن “دعاء” اللي عملت كده

تنهد ورد برزانته المعهودة:

-ملكيش دعوة باستنتاجات “شهد” وبعدين مش عايزك تزعلي منها أنتِ عارفة انها بتحبك هي بس مخضوضة عليا

أجابته بتلقائية دون لحظة تفكير واحدة:

-“شهد” زي اختي الكبيرة وأنا مقدرش أزعل منها بالعكس أنا عذراها… وبعدين كلامها مظبوط اكيد “دعاء” هي اللي عملت كده

جعد حاجبيه وسألها بتوجس:

– ليه متأكدة كده؟

لتخبره هي بعدما لملمت بعقلها كافة الأحداث وفطنت لمكيدة تلك الصفراء:

-كلام “شهد” عن تهديدها ليها وكمان داده “مُحبة” سمعتها بتتكلم في التليفون مع واحد وبتقوله نفذ

تنهد بقوة بعدما فطن أن شكوكه نحو زوجة أبيها بمحلها وهمس بيقين:

-أنا كمان شكيت فيها أصل واحد منهم هددني ابعد عنك…

-وهتبعد يا “حمود”مش كده؟

قالتها بعدما سَكن بكاءها وظلت تتمعن بملامح وجهه المتعبة وانتظرت طويلًا لكي تحصل على رد منه فكانت نظراته غريبة لم تتفهم منها شيء لذلك هبت من الفراش قائلة بنبرة تحمل الكبرياء بين طياتها:

-كل ده تفكير!

على العموم أنت اصلا مكنتش قريب وانا اسفة لو اللي حصل ده حصل بسببي وحقك هيرجع انا مش هسكت هفضحها واقول لبابي واكيد هو هيتصرف

تنهد بقوة وبندقيتاه لا تحيد عنها لتخبره هي بعزة نفس وهي تمرر يدها على وجهها تجفف بقايا دمعاتها:

-أنا يظهر فرضت نفسي عليك كتير و ورطتك في حاجات أنت ملكش فيها وعلشان كده أنا عذراك وبشيل عنك الحرج…

و اوعدك بعد ما اطمن عليك مش هتشوف وشي ولا هورطك معايا تاني

وهنا لم يحتمل وقال بصوت أجش يغلفه الكثير من المشاعر:

-أنتِ عندك حق حبك هو اكبر ورطة اتورطت فيها

جعدت حاجبيها ونظرت له بتشتت حين أضاف بثقة:

-أنا مش جبان يا “ميرال” واعرف أرجع حقي بنفسي…وبعدين محدش بيهرب من قدره وعلشان كده مش هخلي واحدة زي دي تبعدني عنك وتحبط أحلامي…واللي حصل ده خلاني اتمسك بيكِ اكتر واتأكد انك مينفعش تبقي لوحدك…

لا هي تحلم اكيد…أذلك هو صاحب القناعات الراسخة الذي أنهكها بتبلده أحقًا يخبرها الآن بمشاعره دون أن تستجديه هي…أيعقل ذلك

-أنت بتتكلم بجد يظهر الضربة اللي اخدتها على دماغك أثرت عليك

قالتها بشدوه تام وبملامح جعلته يبتسم ويؤكد لها:

-لأ متخافيش أنا بكامل قوايا العقلية والضربة مأثرتش ولا حاجة… ليهيم بها بنظرات حالمة ويضيف بصدق وبمشاعر تخلى عن تحجيمها و اطلق سراحها لترفرف تنعمها بالسلام:

-أنا اكتشفت إني مش عايز من الدنيا حاجة غير أنك تبقي حلالي يا “ميرال” واوعدك عمر ما في حاجة هتعرف تبعدني عنك أنتِ كان معاكِ حق أنا عمري ما كنت صريح معاكِ او مع نفسي بس دلوقتي أنا متأكد أنا عايز إيه…ليتنهد ويضيف:

-عارفة الأول قلبي هو اللي كان بيصر عليكِ لوحده لكن دلوقتي قلبي وعقلي اتصالحوا بيكِ

ليدعوها من جديد أن تقترب وما أن فعلت ألتقط يدها يدثرها بين يديه تحت صدمتها وتدرج وجهها الذي توهج أكثر حين همس بمشاعر جياشة صادقة للغاية:

-بحبك يا حلو

اتسعت بسمتها شيء فشيء و شعرت أن قدميها تخور بها لذلك جلست من جديد مواجه له وهي لا تصدق أنها حصلت على تلك الكلمة منه، فكان قلبها يتراقص بداخل ضلوعها من شدة سعادتها وحتى وتيرة انفاسها تسارعت لتفضح حرجها و ارتباكها ليستأنف بغمزة مشاكسة من عينه:

-مفيش وأنا كمان ولا ايه؟

تهربت بنظراتها وهمست وهي تلملم خصلاتها بإرتباك:

-وأنا كمان…

لم يرضيه قولها لذلك رد متذمرًا بنبرة مشاكسة رغم التعب الذي يشعر به ولكنه كان يتحامل على ذاته كي لا يشعرها بالذنب:

-لأ انا اتضحك عليا واتكروت والله ده ظلم أنا واحد متفشفش ومن حقي ادلع واسمع كلام حلو

أغمضت عيناها وتمسكت بموضع خافقها الذي يرقص بجنون بين جنباتها وهمست كي تسمعه ما يود سماعه:

-أنا كمان بحبك يا “حمود”…

تنهد تنهيدة مُسهدة وحانت منه بسمة حالمة،ثم تناول نفس طويل من الهواء محمل برائحتها المسكرة التي داعبت كافة حواسه وأججت مشاعره وكم تمنى لو كان يجوز له أن يدثرها بين احضانه لتطيب ألامه دون عوائق تحجم رغباته وكم تمنى ايضًا أن يغدقها بالكثير والكثير من الحديث المعسول الذي يحتفظ به من أجلها ولكن بكل أسف لم يحن الوقت بعد ليستغفر الله بسره كي يجمح تلك الأفكار العابثة و يقسم انه لن يماطل أكثر فلم يعد قلبه يحتمل:

-أول ما ابوكي يرجع من السفر هتقدملك رسمي بس ياريت تفهميه ظروفي قبلها

أومأت له ببسمة واسعة و بحركة قوية من رأسها جعلت بسمة متسلية تنمو على ثغره ويستأنف وهو يغرق ذاته في بحر عيناها عن قصد لأول مرة:

-شوفتي بقى اللي كنت عامل حسابه حصل وعرفتي تدبسيني بشياكة

نكزته فوق جبيرته دون قصد من شدة ارتباكها ليتأوه هو متألمًا:

-اه ه ه ه ه حرام عليكِ انتِ بتهزري هزار بوابين زي “شهد”

وضعت يدها على فمها واعتذرت وهي على وشك البكاء:

-وحياة ربنا مش قصدي…مش قصدي… حقك عليا

قالتها بلهفة وبخوف حقيقي جعله رغم الألم الذي يشعر به إلا أنه قهقه بقوة تزامنًا مع دخول “شهد” وقولها:

-يارب تدوم ضحكتك يا قلب أختك

-تعالي يا “شهد” شوفي اخرت قعدتك معاها بقى هزارها غشيم شبهك بالظبط

هزت “شهد” رأسها بفخر وقالت:

-طب إحمد ربنا بقى مش حرمينك من حاجة

لتقترب من “ميرال” بحرج وتهمس معتذرة وهي تضمها لها بمودة ومحبة خالصة:

-حقك عليا والنعمة ما كنت اقصد…ده انا بحبك يا بت وربنا يعلم…

-وانا كمان بحبك يا “شهد” ومقدرش ازعل منك

شاكسهم هو من رقدته:

-والله أنا خايف بعد كده تتفقوا عليا

لتعقب “شهد “:

-هو احنا نقدر ده أنت حبيبنا يا “حمود”

مش كده يا “ميرال”؟

هزت رأسها بقوة تؤكد حديثها وهي تشعر أن قلبها يتراقص بين ضلوعها من شدة سعادتها لتدعو الله بسرها أن تكتمل سعادتها بقربه للأبد وتنعم بدفء تلك الأسرة الصغيرة التي عوضها الله بها.

——————

بينما على صعيد آخر بأحد البلدان الأوروبية التي يلفحها الصقيع

كان يتمايل مع الموسيقى الغربية الصاخبة بداخل ذلك الملهى الليلي الذي يرتاده منذ أن أجبره ابيه أن يسافر للعيش مع والدته في ذلك البلد الأوربي المنفتح بشدة دون ثوابت أخلاقية أو قيم وعادات راضخة وكم شعر بلأمتنان له فهو منحه دون قصد حرية مطلقة كي يفعل أي شيء دون حساب او رقابة فكان يفعل كل ما يحلو له وحتى من كان يدعي حبه لها وخرب حياتها قد تناساها تمامًا وسط كل تلك المغريات التي كان ينعم بها.

مالت عليه تلك الشقراء هامسة بأذنه بشيء جعل بسمته تتسع وأومأ لها بالموافقة لتسحبه من يده لأحد الغرف العلوية للمكان التي تمتع زائريها بالخصوصية بتلك الإضاءة الخافتة والديكور بلونه الأحمر الناري الذي جعله فور دلوفه ييتنفس بعمق ويحاول التودد من الشقراء ولكنها تمنعت و طلبت منه بلغة انجليزية:

-المال اولًا

حانت من “طارق”بسمة متغطرسة وهو يخرج حفنة كبيرة من المال من جيب بنطاله ويعطيها لها قائلًا بنفس لغتها:

-حسنًا لا أمانع ولكن أَأمل أن أحظى بشي مميز

ابتسمت هي واخبرته بمهنية شديدة:

-ستنال كل ما تريد ولكن امنحني دقيقتين لا أكثر

وافق هو بغمزه من عينه لتترككه وتدلف للمرحاض المرفق للغرفة بينما هو جلس على طرف الفراش الدائري واخرج من جيبه كيس صغير يحوي على تلك السموم البيضاء التي أصبح يدمنها في الآونة الأخيرة، فقد سكب كميته المعتادة على سطح تلك الطاولة الصغيرة الموضوع عليها زجاجات الشراب و أخذ يشكلها على هيئة صفوف متوازية بواسطة أحد الكروت وفي غفلة تدخل شيطانه واقنعه أن الكمية التي سكبها لم تعد مرضية لإلحاح جسده ولم تعطي مفعول مرضي له وكونه يأمل في ليلة ممتعه سكب المزيد والمزيد منها ثم استنشقها جميعها دفعة واحدة

ليشعر بعدها بإنتشاء غير عادي وحين خرجت تلك الشقراء له حانت منه بسمة جانبية وهو يراها ترتدي زي يتكون من قطعتين من الجلد الأسود مخصص لعملها لتغمز له وتبدأ في استعراض نفسها أمامه وتؤشر له أن يقترب وإن كاد ينهض تشوشت رؤيته وشعر بأن نيران مستعرة تنشب بجسده لدرجه أنه تعرق بشدة وخبت انفاسه وهو يشعر بالاختناق ليحل ازرار قميصه وكانه يستجدي الهواء وينتابه ألم قوي بصدره جعل قواه تخور و يسقط على ركبتيه يقاوم الألم ولكنه كان غير محتمل لدرجة أن تشنج جسده بقوة جعل الفتاة التي برفقته تهلع من حالته وتصرخ مستنجدة جالبة بصراخها حشد من رواد المكان والعاملين به الذين هرولوا إليه يحاولون إسعافه ولكن بلا جدوى فقد أخذ جسده ينتفض وتحول لون وجهه بغضون ثوانٍ للزراق القاتم ثم مع خروج تلك الرغوة البيضاء من فمه لفظ أخر أنفاسه أثر تسمم جسده بجرعة زائدة من تلك السموم البيضاء التي يظنوها الشباب حرية مطلقة ويتوهمون أنها تجلب لهم نشوة لا مثيل لها…ولكن لا لوم عليهم فتلك الحرية التي يمنحها الأهل بحجة إرضاء أبنائهم ما هي إلا خطيئة مبررة يتوارى خلفها أهمال وتفكك اجتماعي تسبب في هلاك ابنائهم دون قصد.

—————

-أنا سبق وقولتلك قبل كده ملكيش دعوة بيا وبحياتي

قالتها بغيظ وهي تقتحم غرفة “دعاء” دون أن تطرق بابها مما جعل الأخرى تنهض متفاجأة:

-في ايه انتِ اتجننت؟

حانت من “ميرال” بسمة هازئة وردت:

-لأ انا عقلت وعرفتك على حقيقتك ونصيحة مني خافي على نفسك علشان التحقيقات شغالة وقريب اوي هيجيبوا المجرمين اللي عملوا كده واكيد هيعترفوا عليكِ

زاغت نظراتها لوهلة ثم أجابتها وهي تربع يدها تدعي الجهل:

-أيه الهبل ده تحقيقات ايه ومجرمين مين اللي بتتكلمي عنهم انا مش فاهمة حاجة

-لأ فاهمة وكويس اوي…لو كنتِ فاكرة أن عملتك السوده دي هتعدي كده تبقي غلطانه أنا هفضحك وهقول لبابي أول ما يرجع من السفر

ظلت متمسكة بثباتها قائلة:

-أنا مش فاهمة ايه التخريف ده! ولا عارفة تقصدي ايه؟

-لأ فاهمة و كفاية كدب علشان محدش ليه مصلحة في اللي حصل ل “محمد” غيرك واللي عمل كده هدده يبعد عني

هنا زفرت وتهكمت وهي تربع يدها أعلى صدرها:

-وحتى لو افترضنا أن أنا اللي عملت كده تفتكري الجربوع ده يستاهل كل الحمقة دي…

صرخت “ميرال” مدافعة:

-“محمد” مش جربوع…ومش من حقك تقللي منه… وأنا مش هسكت يا “دعاء”…

قهقهت “دعاء” وقالت باستفزاز:

-اعلى ما في خيلك أركبيه ولو تعرفي تثبتي حاجة اثبتيها وبعدين عمالة تقولي بابي هقول لبابي… تفتكري” فاضل” هيصدقك وحتى لو صدقك ساعتها كلامي قصاد كلامك واظن أنتِ عارفة النتيجة كويس

-أنتِ ايه البجاحة بتاعتك دي!

-دي مش بجاحة دي ثقة ابوكِ زي الخاتم في صباعي وأي حاجة هقولها ليه هيصدقها فمش من مصلحتك تتكلمي…وتفتحي باب من أبواب جهنم على نفسك الولد ده تبعدي عنه احسن ده لو خايفة عليه…

-يعني توقعي بمحله وانتِ اللي عملتي كده.

اجابتها بكل تبجح دون ان تعير أي اهمية لشيء سوى أطماعها المتوارية:

-ايوة انا و لسه هعمل كتير علشان مسبش واحد جربوع زي ده يضحك عليكِ ويعلقك بيه وهو طمعان فيكِ

-“محمد” مش كده…هو بيحبني وعمره ما طمع فيا بأي شكل…ده بيخاف عليا من نفسه

حانت منها بسمة هازئة وقالت منفعلة وهي تتمسك بذراعيها تهزها:

– أنتِ اكيد غبية…متخليش عواطفك تتحكم فيكِ وفكري بعقلك…لازم تعرفي أن في فوارق بينكم مستحيل تتخطوها

-ميهمنيش حاجة غير إني ابقى معاه…

جزت دعاء على نواجذها وهدرت بنفاذ صبر وبنبرة جارحة تقطر بالحقد:

-أنتِ مش هتجبيه من برة أمك كانت جبروت ومُنحلة زيك ومهمهاش حاجة لما سابت ابوكِ ورمتك وجرت ورا قلبها

استفزها حديثها بقوة وخاصة عندما ذكرت والدتها لذلك لم تعي لذاتها إلا وهي تنفض ذراعيها من قبضتها ودون أي مقدمات أخرى كانت ترفع يدها عاليًا وتهوي بها على وجه “دعاء” مانحة إياها صفعة قوية جعلتها تصرخ بألم و تتراجع خطوتين للخلف تتمسك بوجنتها بملامح مشدوهة غير مستوعبة ما بدر منها بحقها

لتهدر “ميرال” في شراسة بعدها وهي تشهر سبابتها بتحذير بوجهها:

-حذرتك قبل كده وقولتلك إياكِ تجيبي سيرة أمي أو تدخلي في حياتي ومع ذلك مُصرة…وأنا مش هسمحلك بعد كده بأي تجاوز وأول ما يرجع بابي انا هحكيله على كل حاجة واكيد هو ليه تصرف تاني معاكِ

ذلك آخر ما تفوهت به تاركة “دعاء” مشدوهة من فعلتها وتتوعد لها بأشد الوعيد ولكن بعد عودة أبيها وكونها تثق تمامًا بتأثيرها عليه ستريها لصالح من سيكون التصرف الرادع للأخر.

—————–

بينما عن ذلك الساخط الذي جار عليه الدهر وتكاثرت عليه نوائبه كان يكاد يموت من شدة شوقه لأبنائه ولها ولكن بالطبع بعد خسارته الفادحة لهم ونتاج لأفعاله المخزية الذي ندم عليها الأن كان يشعر بالخزي من ذاته ولم يمتلك الشجاعة كي يذهب لرؤيتهم ويطلب منهم الصفح فبأي عين كان سيفعل بعد ان خرب كل شيء !

لذلك كان يكتفي بوقوفه متواري امام المنزل الذي يقبعون به كي يلمح اطفاله وقت عودتهم من مدرستهم وهاهو يطالعهم من بعيد بعيون غائرة تنضح بالندم والأشتياق وهم يتدلوا من عربة المدرسة وتستقبلهم مربيتهم وتدلف بهم لداخل البناية … فقد ظلت عيناه الدامعة معلقة بهم وقلبه يرفرف لرؤيتهم وكم كان يود لو أن يهرول لهم و يدثرهم بين احضانه لعله يطهر ذاته من خطاياه ويتخلص من ذلك الشعور المخزي بالندم الذي يؤرقه ويجعل حياته بائسة مميتة دونهم…فياليته يستطيع اعادة الزمن للوراء ليصلح كل شيء…ولكن بكل أسف أدرك ان لا نفع من الندم بعد فوات الآوان.

—————-

عاد جثمانه بصندوق لأرض الوطن فقد صمم أبيه أن يدفن بأرضه وهاهو يقف منكس الرأس يبكي حزنًا وقهرًا على حياة ابنه الوحيد وكم تمني لو عاد به الزمن للوراء لكي يتقرب منه اكثر فهو يعترف أن عمله كان له الأولوية الاولى بحياته فكل ما كان يشغله هو الحفاظ على منصبه وجهوده في خدمة البلد وتناسى تمامًا أن يتوجب عليه المحافظة على أشياء أخرى ومنها اسرته المفككة التي راح ضحيتها “طارق” .

فحتى حين أخطأ ولده كل ما كان يشغله هو أن يلاحق الأمر ويتستر عليه دون فضائح تمس بسمعته لذلك كان يتعامل بحكمة شديدة في السيطرة على الأمر

فهو سعى بكل كد إلى أن يخرج ولده من البلد حتى أنه هاتف “يامن” بذاته واخبره انه وفى بوعده… حتى أنه تحمل ذلك السباب والحديث المحتد منه في سبيل أن يضمن عدم تصعيده للأمر والتكتم عليه فكان يظن أنه بفعلته تلك يلملم الأمر. ولكن دائمًا يكون للقدر رأي أخر فما كان يخشاه حدث

فخبر موت ولده والمُلابسات الغير مشرفة تسربت عبر وسائط التواصل الأجتماعي وكانت تأثيرها عليه بمثابة صاعقة من السماء اصابته بمقتل فقد استغلت الصحف الصفراء الأمر وزايدت عليه لتزعزع ثبات منصبه.

لتصبح نكبته في ولده وصمة عار في حياته للأبد.

———————

مر اسبوعين ولا جديد وها هم يتناوبوا النظرات بينهم بيأس وهم يروها تجلس بينهم

شاردة لا تعير محاولاتهم الشتى في الترويح عنها أي اهمية بل كانت هائمة بعيد بأفكارها تفكر وتفكر والكثير من التساؤلات تدور برأسها واجابتها كانت واحدة أن وعوده كانت واهية وحديثه المعسول الذي لطالما اغدقها به ليس له أساس من الصحة فمازالت تتذكر ذلك اليوم الذي قال لها( عارفة لما ببعد عنك شوية بعد الدقايق واتمنى محسبش الوقت ده من عمري، انا مش بحس براحة غير وأنتِ جنبي، قلبي بيبقى عايز يطمن بيكِ)

إذا لمَ تركتني إن كنت صادق و كيف بربك نقضت وعدك! ألم تخبرني دومًا أنك نقطة ثابتة بأرضي إذاً أخبرني لمَ رحلت وتركت الدمار والقحط يحل بها من بعدك.

فرت دمعة حارة من عيناها و

قرصت على شفاهها بقوة وأغمضت عيناها تحفز ذاتها على الصمود كي لا تخوض في نوبة انهيار جديدة لتضم سترته الجلدية التي لا تفارقها منذ غيابه وتنهض قائلة بنبرة مرتعشة:

-أنا هتمشى في الجنينة شوية

-أجي معاكِ يا “نادين”

صاحت بها “ميرال” بأهتمام بالغ وهي تنهض، ولكنها عارضت:

-لأ خليكِ انا عايزة ابقى لوحدي شوية

جذبت “نغم” يد “ميرال” ودعمت رغبة “نادين”:

-سبيها براحتها يا “ميرال”

أومأت “ميرال” وجلست لتقول “ثريا” حين ابتعدت “نادين” بضع خطوات عنهم:

-قلبي بيتقطع عليها يا بنات ومش عارفة اعملها ايه؟

لتقول” نغم”بحزن وهي تتناوب نظراتها بينهم:

-احنا مش لازم نقف نتفرج عليها كده ولازم نعمل حاجة؟

اجابتها “ميرال” بحيرة:

-هنعمل ايه يا “نغم”؟ إذا كان لغاية دلوقتي منعرفش مكانه ولا عارفين نوصله!

لترد “ثريا” بأسى على حال أبنائها:

-ربنا يسامحك يا ابني …البنت من ساعة اللي حصل وهي يا عين امها علطول سرحانة وبتعيط وبتدبل يوم عن يوم وياريت بإيدي حاجة

تساءلت “نغم”:

-يعني معقول ياطنط متعرفيش

مكانه…طب لما خدك ومشى روحتوا فين؟

اجابتها “ثريا” بصدق:

-روحنا شقته اللي في اسكندرية بس هو كان ناوي يسيب البلد خالص وكان اخد جوازات السفر…

هنا اقترحت “ميرال”:

-خلاص انا بكرة او بعده بالكتير هاخد “محمد” ونروح ندور عليه هناك

تنهدت “نغم” وقالت بعدم رضا:

-يا بنتي بطلي سرمحة بقى انت و”محمد” بتاعك ده… احنا هنشوف أي حد يروح

-عادي يا “نغم” هو مش هيعارض ..

تنهدت “نغم” ونصحتها بعقلانية:

– مش فكرة هيعارض ولا لأ أنتِ مفروض تعززي نفسك وتعملي اعتبار لغياب ابوكِ وثقته فيكِ وبعدين”محمد” ده لو بيحبك هيحافظ عليكِ وهيعمل علشانك المستحيل

-بس انا مش بعمل حاجة غلط…و”محمد” فعلًا بيحبني وأمين عليا وهو وعدني أول ما بابي يرجع من السفر هيطلبني منه بس انا مرعوبة بابي يرفض ويتحجج أنه مش نفس المستوى الأجتماعي بتاعنا

تنهدت “نغم” واجابتها بعقلانية شديدة:

-ايه المشكلة في فقره ده النبيٌ عليه الصّلاةُ والسّلام جوز بنته فاطمة الزهراء لعليّ بن أبي طالب -رضيّ الله عنهُما- بالرغم من فقره…ابوكِ لازم يغير نظرته الدونية دي ويحسبها بشكل مختلف ده لو فعلًا زي ما بتقولي “محمد” ابن حلال ومبيضحكش عليكِ

-أنا بثق فيه اكتر من نفسي يا “نغم” ومتأكدة انه مش هيخذلني ابدًا…

وهنا تدخلت “ثريا”داعية بود:

-ربنا يريح قلبك يا بنتي ويجعله ابن حلال…

أمنوا على دعوتها ثم تساءلت “نغم” :

-دلوقتي نرجع لموضوعنا هنعمل ايه؟

اقترحت “ثريا”:

– انا هشوف حد من اللي شغالين في مطعمه يكون أمين يسافر اسكندرية ويدور عليه في الأماكن اللي ممكن يكون فيها ويارب يلاقيه

تخوفت “نغم”:

-وافرضي ملقهوش…تفتكري ممكن يكون سافر فعلًا يا طنط؟

-العلم عند الله يا بنتي؟

قالتها “ثريا” بحيرة وبعيون غائمة حزنًا عليهم، لتقترح “نغم”:

-إن شاء الله خير بس حتى لو لقيناه لازم نفكر بطريقة مضمونة علشان نأثر عليه ونعرفه الحقيقة ولازم يكون معانا اثباتات تخليه يصدقنا…

لترد “ميرال” بإحباط:

-اثباتات ايه ودي هنجيبها منين؟

-معرفش فكري معايا يا أم العُريف وبلاش تحبطيني؟

زفرت “ميرال” بضيق وظلت تفكر وتفكر إلى أن تذكرت شيء كان غائب عنها تمامًا:

-الجراچ…

عقدت “نغم” حاجبيها بينما تأهبت “ثريا”بنظراتها حين استأنفت “ميرال”:

-الجراچ…اليوم ده اللي “طارق” حاول يخنقها واتعاركت معاه وانا شوفت ده بعيني

لتشكك “نغم”:

-لو قولتيله مش هيصدقك؟

لتؤكد “ميرال” بِفطنة:

-بس لو جبنا تسجيل الكاميرات بتاعة الجراچ اليوم ده اكيد هيصدق وهيصدق كل اللي هنقوله عليه بعديها…

تهللت أسارير “نغم” ومدحتها:

-صح…أنتِ صح…بت يا “ميرال” رغم انك مسهوكة بس انا حبيتك..

ابتسمت “ميرال” بود بينما دعت “ثريا”:

-يارب يا ولاد تقدروا تعملوا حاجة وترجعوهم لبعض والله انا من يوم اللي حصل وانا قلبي بيتقطع عليهم ويلي ويلين بنتي اللي منهارة و بتدبل قدامي ومش عارفة اعملها حاجة وابني اللي بعيد عني وهموت من قلقي عليه

نهضت “ميرال” واحتضنتها من جلستها قائلة وهي تطبع قبلة على قمة رأسها:

-إن شاء الله خير ادعيلهم يا ماما “ثريا”.تمسكت “ثريا” بيدها وربتت عليها قائلة:

-ربنا يصلح حالهم يا بنتي

مررت “نغم” يدها على ذراع “ثريا” وطلبت بعشم:

-ايوة ادعيلهم يا طنط وادعيلنا احنا كمان والله احنا غلابة

-ربنا يريح قلوبكم يا بنتي ويحققلكم كل اللي بتتمنوه

تنهدت “ميرال” وقالت بحالمية وهي تتذكر صاحب البندقيتان:

-يااااااااااااارب يا ماما “ثريا” يارب

باغتتها “نغم” بعدم رضا بعدما تفهمت ما يدور برأسها:

-يالهوي على سهوكة البنات!

-سهوكة ايه يا “نغم” ده حب هو انتِ محبتيش قبل كده!

اجابتها “نغم” بثوابت راسخة بعقلها:

-حب لا ياختي بعيد الشر

انا واحدة مش بأَمن بالحب ولا الكلام الفارغ ده غير بعد الجواز… علشان الحب في الحلال اجمل واصدق بيجي مع العِشرة بعد ما قناع البدايات ما بيقع وبيظهر كل واحد على طبيعته من غير تكلف.

اعتلى حاجب “ميرال” وهي تجاورها من جديد متسائلة:

-وجهة نظرك غريبة…بس السؤال هنا أزاي هتتجوزي واحد وانتِ متعرفيهوش ولا تعرفي أي حاجة من طباعه؟

تنهدت “نغم” واجابتها بعقلانية:

-ربنا بيوفق وبعدين الرسول صلى الله عليه وسلم قال “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه.. إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”

طالما هيكون ملتزم ومحترم وهيعني على الطاعات و بيتقي الله ويكون بينا قبول يبقى ايه لازمة إني اغضب ربنا قبل الجواز

-بس الحب هو شرط الجواز الناجح

اجابتها بِفطنة:

-لأ مش شرط و بنستشهد بقول الله عز و جل: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

الكلام هنا كان عن المودة والرحمة مش المحبة…وزي ما بيقوله أن المودة باب المحبة يعني الحب بيجي بعديها مش قبليها

يبقى ليه نغضب ربنا ونوقع نفسنا في المحظور

زاغت نظرات “ميرال” فهناك أشياء عدة هي بالفعل غافلة عنها ومقصرة بها… وهنا تذكرته وتذكرت تحفظه الدائم معها وتيقنت أنه كان يدخر مشاعره لذلك السبب و كان يخشى عليها من نفسه وكم قدرت جهاده مع ذاته وتذكرت جملته التي أكدت مبرراته ( مش عايز من الدنيا حاجة غير أنك تبقي حلالي )

حانت منها بسمة حالمة وتنهدت على ذكراه لتنكزها “نغم” بكتفها:

-ما تتلمي بقى وبطلي سهوكة دي القلوب هتطلع من عينك

-انت فصيلة على فكرة وانا غلطانة إني اتكلمت معاكِ…

زاد مناقرتهم لتطالعهم “ثريا” ببسمة ودودة وتدعو لكل منهم بدعوة تليق بها ليفزعهم صرخة ممزقة من “نادين” جعلتهم يهرولون متبعين الصوت إلى أن وصلوا لمرأب البيت و وجدوها تفترش الأرض خلف سيارته التي يبدو انها فتحت شنطتها و وجدت بها تلك العُلبة الكبيرة التي كانت تحوي فستان زفافها الذي احضره ليفاجئها بتلك الليلة المشؤومة.

صاحوا جميعًا بأسمها عندما صرخت هي من جديد بحرقة وقهر لا مثيل له وهي تحتضن الثوب الأبيض ولطخته بدموعها التي رفضت الصمود أكثر:

-كان جيبلي فستان فرح…كان عايز يفاجئني يا ماما “ثريا”…راااااااااح وسبني ليه طيب…!أنا بموت من غيره…هو عمل فيا ليه كده….أنا أزاي هونت عليه!

انا عايزة ابقى عروسة يا ماما “ثريا” ….عايزة ألبس فستاني عايزاه جنبي يا”ميرال” قوليله يرجع…فهميه يا “نغم” احكيله انا مريت بأيه وخليه يعذرني وهو لو فعلًا بيحبني هيسامحني…قولوله يرجع قولوله “نادين” بتموت من غيرك…ومحتجاك وانها لوحدها وملهاش في الدنيا سند غيرك…قولوله أي عقاب أنا موافقة عليه بس ميبعدش عني…أنا قلبي وجعني…وجعني أوي يارتني موت قبل كل ده ما يحصل…يارتني موت وريحتكم كلكم مني…

كانت تتحدث بهستيرية وبجسد متشنج من شدة النحيب ومع كلمة تتفوه بها يسبقها نهر متدفق من دموعها الحارقة التي تفضح أنين قلبها لتفترش “ثريا” الأرض بجانبها وتحتضنها وهي توأذرها بدمعاتها بينما طمئنتها “نغم” قائلة وهي تجثو على ركبتيها أمامها وتكوب وجهها تقويها بقولها:

-هيرجع…اللي بيحب لا يمكن يكره وهو اكيد هيرجع وهو اللي هيدور على الحقيقة بنفسه اهدي علشان خاطرنا أحنا بنحبك يا “نادين” وكلنا جنبك ومش هنسيبك

هزت “ميرال” رأسها بقوة تؤكد على حديث “نغم”من وقفتها بأحد الأركان فلم تستطيع الاقتراب مثلهم بعدما شَهدت على انهيار صديقتها ولم تتحكم في دمعاتها الجارية التي تساقطت قهرًا لحزن صديقتها.

بينما “ثريا” ظلت تشدد عليها بين احضانها تهدئها وتدعوا الله بسرها أن يرأف بها وبأنين قلبها وينير بصيرة ولدها.

————–

مر العديد من الأيام عليها التي جعلتها اكثر ثقة بذاتها وحفزت حماسها وطموحها من جديد وهاهي تجلس منهمكة بعملها على الحاسوب حين دلفت “سارة “لمكتبها مستنجدة

-“رهف” ألحقيني

قالتها بتأزم جعل “رهف “تتساءل بقلق:

-في ايه يا “سارة”؟

أجابتها وهي تجلس مواجه لها:

-في عميل كان طالب تجهيز مكان وبصراحة بقاله أزيد من تلات شهور بأجل فيه وكل ما حد يروح يعاين المكان يرفض يشتغل فيه

-ليه مش فاهمة رفضوا يشتغلوا؟

تساءلت مستغربة لتجيبها “سارة” بعمليه:

-مش ده المهم …تأهبت “رهف” بنظراتها لتستأنف الأخرى:

-مش هينفع اعتذر منه واجازف بسمعة الشركة وعلشان كده لما كلمني معترض على التأخير وعدته هبعتله اشطر مهندسة عندي…

زفرت هي وخمنت وهي تستند بظهرها على المقعد:

-اشطر مهندسة دي اللي هو انا مش كده؟

هزت “سارة “رأسها بنعم واسترسلت بثقة:

-“رهف” أنا واثقة أنك مش هتخذليني وهتبهري العميل

ابتسمت “رهف” واجابتها وهي تلهو بقلمها:

-انا ملتزمة بكذا حاجة الفترة دي بس تمام هروح أشوف المكان وبصراحة الفضول هيموتني علشان اعرف المهندسين اللي قبلي رفضوا الشغل ليه

تنهدت “سارة” براحة بينما هي بالفعل غادرت بواسطة أحد عربات الشركة واصطحبت معها العمال كي يأخذوا المقاسات المطلوبة كي تستعين بها في عمل مخطط يناسب العميل

وحين وصلوا للعنوان المنشود تعجبت كثيرًا فكان بمنطقة تقبع بأحد الاحياء الشعبية البسيطة وحتى البناية كانت من تلك البنايات القديمة التي عفى عليها الزمن…مهلًا الآن تفهمت سبب رفض زملائها ولكن لا بأس بإمكانها تولي الأمر…فقد فاتت لداخلها بواسطة ذلك المفتاح التي اعطته لها “سارة” وسلمه لها العميل وبالفعل بدأت في تفقد المكان وكتب العديد من الملاحظات بدفترها وهي توجه العمال كي ياخذون المقاسات اللازمة

وأثناء انهماكها اتاها صوت رخيم بدى لها أن استمعت له من قبل وتعلم هوية صاحبه

-الله ينور يا رجالة

ألتفتت لتتأكد بذاتها وهي مفحومة من تلك الصدفة العجيبة التي جمعتهم فمنذ زيارتها لمنزله برفقة “سعاد” قبل سفرها منذ أكثر من شهرين وهي تتهرب من ذلك الأعتذار التي تدين به ولا تعرف من الأساس كيف سيصدر منها أو تعبر عنه للآن…

جاءها همسه المتفاجئ ما أن وقعت خضراويتاه عليها:

-معقول الصدفة دي يا بشمهندسة

ابتلعت ريقها واجابته بتحفظ دون حتى أن تكلف ذاتها عناء الابتسام من باب المجاملة:

-صدفة غريبة فعلًا بس كل شيء ممكن يا دكتور…هي العيادة؟

قاطعها ببساطة وبحركة درامية وكأنه يفتخر بالأمر:

–ايوة أنا الدكتور البائس صاحب العيادة المنحوسة دي اللي محدش عايز يدق فيها مسمار لدلوقتي

قهقه العمال من حولها بينما هي تنهدت واجابته بكل عمليه:

-متقلقش بإذن الله هنبدأ الشغل في اقرب وقت

-لا براحتكم انا مش مستعجل انا بحب الانتخة عادي وبصراحة حبيت قاعدة البيت

قهقهوا من جديد ولكن تجاهلت دعباته المستمرة وقالت وهي متمسكة بعمليتها وعرضت مقترحاتها:

-بص يا دكتور أنا عندي رؤية معينة للمكان لو حضرتك عندك وقت ممكن اشرحلك لو لأ هجهز تقرير وافي برسومات واعرضه على حضرتك

لوهلة جمدت خضراويتاه عليها حين باغتته هي بسأم:

-يا دكتور حضرتك معايا!

هز رأسه قائلًا وهو يرفع نظارته الطبية و يدلك منحدر أنفه:

-اه…ممكن اسمع مقترحاتك

-تمام

سارت بضع خطوات وتلمست الحيط الذي تأكله الرطوبة قائلة:

-حضرتك الحيطان كلها محتاجة تأسيس من تاني… وأنت اكيد عارف أن مشكلة العمارات القديمة كلها أن سقفها عالي وعلشان كده ممكن بعد التعديل ندهنه بلون غامق علشان يظهر اقل ارتفاع ويدي دفئ للمكان… لتؤشر بقلمها لأعلى وتستأنف:

-و التعرجات لو فضلت باينة في السقف هنستخدم اللون من غير لامعة… لتؤشر لأحد الغرف وتضيف:

-بالنسبة للأوضة الصغيرة دي هتدهن بلون فاتح علشان تبان اكبر وأوضة الاستقبال فهي واسعة كفاية هنوظف فيها المساحات ونعالج الفراغات على أد ما نقدر وطبعًا هيكون في ربط بين الألوان والفرش والخامات وكل ده تقديره بيكون حسب التكلفة اللي حضرتك بتعلمني بيها…

كان يستمع لها وهو منبهر بعمليتها، فمن تقف أمامه للتو يقسم انها خلقت لتكون قوية صامدة وناجحة بكل المقايس لا تلك المرأة الهشة الضعيفة التي شهد على انكسارها فصدق من قال أن القوة الحقيقة تتولد بعد الأنكسار

-يا دكتور حضرتك سمعتني

انتشله صوتها المنفعل وخيل له أنها على وشك أن تنقض عليه تفتك به لذلك رد بخفة كي يخفف حدة الحديث:

-بغض النظر عن كمية حضرتك اللي في الكلام بس تمام اعملي اللي شايفاه انسب

تنهدت بعمق وردت بإقتضاب شديد وهي تستشيط غيظًا من طريقته:

-تمام

كبت ضحكته بصعوبة على ردود أفعالها وقال بملامح حاول أن تكون جدية:

-تمام…بصراحة متحمس جدا والثقة اللي بتتكلمي بيها خلتني متأكد أن النتيجة هتبقى هايلة.

-يعني افهم من كده إني أخدت من حضرتك موافقة مبدئية

زفر حانقًا وقلب عينه بملل من تلك الرسمية المميتة التي تتحدث بها وقال ببساطة دون عناء التكلف:

-أنا موافق على اي حاجة تقوليها يا بشمهندسة بس بالله عليكِ أنا عندي فوبيا من الرسميات يعني كفاية دكتور بلاش حضرتك دي مبتنزليش من زور

تنهدت ولم تعقب فقط اكتفت بتدوين بعض الملاحظات بدفترها ثم تركت محيط وقفته لتتأكد من انتهاء العمال ثم دون أن تعير حديثه أي اهمية وكأنها لم تستمع له من الأساس قالت بإقتضاب وبكل تحفظ وكأنها تخبره بطريقة محسوسة أن لا يتعدى حدوده معها:

-احنا خلصنا عن اذن حضرتك يا دكتور

وقف ينظر لآثارها ببسمة مشاكسةيمسد بسبابته أرنبة انفه كعادة ملازمة له قائلًا:

-دكتور وكمان حضرتك لأ دي قاصدة تضايقني…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى