رواية خطايا بريئة الفصل الثلاثون 30 بقلم ميرا كرم
رواية خطايا بريئة الجزء الثلاثون
رواية خطايا بريئة البارت الثلاثون
رواية خطايا بريئة الحلقة الثلاثون
ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب.
————–
عادوا سويًا لتلك المنطقة الشعبية قاصدين تلك الشقة التي مكثوا بها الأيام السابقة ولكن ما أن تدلت من السيارة بمساعدة “ميرال” اتسعت عيناها الذابلة وتعالت دقات قلبها حين وجدت آخر شخص توقعت أن تجده بانتظارها…
-ماما “ثريا”
هتفت بها وهي تهرول و ترتمي بأحضانها بقوة جعلت “ثريا” تربت على ظهرها وتضمها لها قائلة:
-استهدى بالله يا بنتي
عاتبتها بقهر:
-انتوا سبتوني ليه أنتو ليه عملتوا فيا كده انا مليش غيركم؟
-حقك عليا وحياتك عندي كان غصب عني
اهدي علشان اعرف افهمك
قالتها راجية وهي تطالع تجمهر الناس من حولها في حين اقترحت “ميرال” وهي تجذب “نادين” لها:
-“نادين” تعالي نطلع البيت الناس بتتفرج علينا
تناوبت “نادين” نظراتها الضائعة بينهم لتؤيدها “ثريا”:
-تعالي يا بنتي هنتكلم وهقولك على كل حاجة بس اهدي
انصاعت لها لتسندها “ميرال” من جهة و”ثريا” من جهة إلى أن صعدوا سويًا وما أن دلفوا جلست “ثريا” على أحد الأرائك القريبة واجلستها بجوارها وأخذت تربت على خصلاتها وهي تشملها بنظرة عطوف متحسرة إلى ما توصل له حالها، بينما هدرت هي بعتاب وبنبرة ممزقة ودمعاتها تغرق وجهها:
-انا مش مسمحاه ومش مسمحاكِ
-يا بنتي اسمعي الأول لما رجع وقالي حاولت اهديه… بس دي كانت اول مرة اشوف ابني بالحالة دي وخوفت عليه…
سألتها بعتاب مضني:
-وما خوفتيش عليا…
سؤالها ألم قلب “ثريا” واحزنها ولكن يعلم الله أنها فعلت ما فعلته من أجلها لذلك ردت بحياد وبعطف أم لن تتخلى عن أبنائها مهما كانت فداحة أخطائهم:
-هو ابني وانتِ بنتي وعلشان كده مصدقتش وسبته ورجعت و كان عندي امل أأثر عليه واخليه يرجع بس هو صمم واللي في دماغه في دماغه… وعلشان كده رجعتلك علشان انتِ قبل ما تكوني مرات ابني فأنتِ وصية “غالية” و”عادل”
-طب هو فين يا ماما “ثريا” لازم يسمعني هو ليه بعد عني هو ده اللي وعدني بيه فين الحب اللي كان جواه ليا…ليه معطنيش فرصة ادافع عن نفسي ليه مسمعنيش …ليه…ليه؟
أجابتها بعقلانية وبثوابت مشيدة:
-علشان هو راجل يا بنتي والكلام اللي سمعه مفيش راجل يتحمله ولا يقبله على نفسه…
حاولت هي الدفاع عن ذاتها باستماتة:
-بس الكلام ده غلط….انا عمري ما حبيت “طارق” ولا عمري خليته يلمس شعرة مني …أنا فعلا كنت بقباله بس وقتها كنت ضايعة وجوايا هواجس كتير ملهاش اساس لكن لما عرفت الحقيقة حاولت ابعد وافهمه بس هو مسبنيش وكان بيطاردني… انا مش بالبشاعة دي يا ماما “ثريا”
وعمري ما فرطت في شرف ابنك
لتهز رأسها وتستأنف بنبرة هستيرية مصحوبة بنحيب قوي يدمي القلب:
– والله انا مش بالبشاعة دي انا بعترف غلطت في حقك وحقه كتير بس والله العظيم انا ندمت …ندمت وكنت هقوله على كل حاجة بس مكنش عندي الشجاعة وجِبنت وقتها وكنت مرعوبة من رد فعله… واللي كنت خايفة منه حصل واتخلى عني يا ماما “ثريا” وهونت عليه …
كانت تتحدث بحرقة وبنبرة صادقة، مختنقة من بين شهقاتها المتألمة مما جعل “ثريا” تضمها لحضنها وتقول بثقة وهي تربت على ظهرها في حنان:
-عارفة أنك مفرطيش في شرفه…أنتِ كنتِ طايشة بس أنا واثقة إني عرفت اربيكِ واعلمك الصح من الغلط…دلوقتي لازم تقومي معايا علشان نرجع بيتنا
تعلقت سوداويتاها التي يكسوها الدموع وسألتها بخيبة أمل:
-هو هيرضى…بعد ما رماني ورمي هدومي بالطريقة دي هيرضى يخليني أرجع البيت
تنهدت “ثريا” بأسى فهي تعلم أن ولدها مخطئ بذلك الأمر ولها كل الحق كي تعتب عليه، ولكن لو كانت رأت الحالة التي كان عليها ربما كانت عذرته…أو لو كانت علمت ما كان ينوي عليه حينها كانت ستتقبل أي شيء عوضًا عن تنفيذ ما كان يصر عليه وهي عارضته وأصرت أن لا تفصح عنه حين طمئنتها وجذبتها من جديد لدفء أحضانها:
-ملكيش دعوة بيه ده بيتي أنا ابوكِ الله يرحمه كتبه بأسمي وانا اللي اقرر انا لو كنت نفذت رغبته وقتها فكنت بسايره وبحاول اريحه علشان ميتهورش و يروح يقتل الكلب اللي عمل كده ويودي نفسه في داهية …لكن خلاص اتأكدت أنه غار وابوه سفره…أصل اللي زي دول مفضوحين و اخبارهم مبتستخباش
هنا تساءلت “ميرال” بحيرة:
-معلش اسفه في السؤال بس عرفتي مكانا منين؟
خرجت هي من بين أحضانها تكفكف دمعاتها وقد لفت انتباهها السؤال وتأهبت للحصول على جوابه، مما جعل “ثريا” تخبرهم بتنهيدة حانقة:
-“يامن” هو اللي قالي على مكانكم
احتلت الدهشة معالم وجهها الذابل وهمست بقهر وبخيبة أمل لا مثيل لها صدرت من أخر شخص كانت تتوقع أن تصدر منه:
-يعني كان بيراقبني وبيعرف اخباري طب أزاي… انا كنت بموت من غيره…هو للدرجة دي هونت عليه يا ماما “ثريا” يقف بعيد ويتفرج عليا…ونسى كل اللي كان بينا ومفيش حاجة اتشفعتلي عنده
واستها “ثريا” بحنو وهي تربت على صدرها راجية:
-معلش حقك عليا أنا…والله بكرة يروق… ابني وانا عارفاه…هو قسى عليكِ بس وغلاوتي عندك سامحيه واعذريه…وهو مسيره يرجع ويراجع نفسه
قالتها وهي تدثرها بين أحضانها من جديد ولكن تلك المرة وهي تدعوا الله أن يزيح الغمام عن بصيرة ولدها من أجل تلك التي دفعت سعادتها وذاقت القهر بسبب تمردها السابق وتلك الهواجس البالية التي أهلكتها وجعلت توابع خطيئتها تطاردها وتطالب بالعقاب العادل لها.
——————
احضرت عُلبة مُرتبة من الشيكولاتة وبعض الحلويات الشرقية الأخرى كي تعبر عن امتنانها لتلك الجارة العطوف التي ساندتها هي و ابنها الطبيب في محنتها…وها هم يجلسون ثلاثتهم يتناوبون الضحكات ويتجاذبون أطراف الحديث ولكن رغم أن “كريمة” شخصية ودودة غير متكلفة إلا أن”رهف” كانت متحفظة قلما ما كانت تنطق وتشاركهم الأحاديث فقط كانت تكتفي بالاستماع لهم ببسمة هادئة…
-مجبتوش الولاد ليه معاكم والله أنا عاتبة عليكم
قالتها “كريمة” لتبرر “سعاد” بخفة:
-يا طنط احنا قولنا نفصل من زنهم ودوشتهم وبصراحة خوفنا تضايقي أنتِ والدكتور ده حتى “شريف” ابن “رهف “كان نفسه يجي معانا بس “رهف” مرضتش
زغرتها “رهف” في الخفاء فنعم أبنها ألح عليها كثيرًا كونه يريد أن يرى ذلك الطبيب وكونه احبه وشجعه ولقبه بالبطل ولسبب خفي في نفسها وجدت ذاتها تمتنع بشدة من اصطحابه معها، بينما على الجانب الأخر تنهدت “كريمة” بحزن وقالت:
-يزعجني ده أيه! ليه كده يا “رهف” كنتِ جبتيه يا بنتي والله على قلبي زي العسل وبعدين “نضال” بيحب الأطفال جدًا وعمره ما يضايق منهم
تلعثمت” رهف” بحرج وردت بمجاملة وهي تزجر “سعاد” بنظراتها كي تلاحق الموقف معها:
-معلش يا طنط تتعوض بإذن الله
لتلاحق “سعاد” زلفة لسانها وتدرك أنها احرجتها:
-ايوة يا طنط اكيد “رهف” هتكرر الزيارة هي ملهاش حد و انتوا جيران والجيران ملهاش إلا بعضيها
اجابتها “كريمة” بمودة:
-النبي وصى على سابع جار وياريت يا بنتي والله دول ينوروني… ربنا يحفظلك ولادك ويخليهملك يا بنتي
أمنت “رهف” على دعواتها بشدة بينما صفنت “كريمة” لثوان تزامنًا مع وصوله لتوه ودلوفه من باب الشقة قائلًا بصوت جهوري مشاكس كعادته:
-يا كرملتي” أنا جيت وميت من الجوع ولو ملحقتنيش بلأكل هاكل حتة منك…
ابتلع باقي حديثه المشاكس لوالدته حين انتبه اخيرا لوجودهم ولاحظ تلك البسمات التي يكتموها، ليفرك أنامله بين خصلاتها الشقراء ويتلعثم بحرج:
-أحم …ايه الاحراج ده…مش تقولي يا “كرملة” ان عندنا ضيوف
تدخلت “سعاد” مبررة:
-معلش بقى يا دكتور إحنا اللي كان مفروض نبلغكم قبلها
نفى بسبابته وقال برحابة شديدة وبوجه بشوش للغاية:
-لا انتو تشرفونا في اي وقت والله البيت نور يا مدام “سعاد”
قالها وهو يمد يده يصافحها
لتصافحه “سعاد” وإن جاء دور “رهف” كانت تكاد تموت بخجلها كلما تذكرت كونه حملها وشهد على تلك الحالة المريعة التي كانت عليها لذلك مدت يدها بحرج وهي تنكس نظراتها بتحفظ شديد دون حتى أن تبتسم بمجاملة، لوهلة تجمدت خضراويتاه عليها قبل أن يهدر بأدب:
-نورتونا يا مدام “رهف”
-شكراً
قالتها بإقتضاب شديد وهي تحث “سعاد” على المغادرة حتى أنها من شدة حرجها لم تنتبه أنها لم تشكره حتى أو تمدح شهامته حينها.
انصاعت “سعاد” لرغبتها قائلة:
-طب بعد اذنكم بقى علشان الولاد لوحدهم مع المربية وزمنهم طلعوا عينها
عاتبتهم “كريمة” بود:
-لسة بدري يا ولاد والله ما لحقتوا
-معلش يا طنط تتعوض
وإن كادوا يصلون لباب الشقة قال “نضال” بتردد وهو يمسد بسبابته منحدر انفه بحركة ملازمة له حين يتوتر:
-مدام “رهف” أنا كنت حابب ابعت معاكِ حاجة ل “شريف”…ممكن؟
تناوبت “رهف” نظراتها المرتبكة بينه وبين “سعاد” وردت :
-حاجة ايه يا دكتور؟
أجابها وهو يبتسم بسمة بشوشة للغاية:
-هدية بسيطة…أنا دورت كتير علشان ألاقيها وبتمنى تعجب “شريف”…
رفعت نظراتها التي لم يسكنها سوى الحزن مؤخرًا وهدرت بإندفاع وبشراسة غريبة احرجته وجعلت بسمته تندثر بلا عودة:
-بمناسبة ايه تجبله هدية حضرتك…أنا ولادي مش بياخدوا هدايا من حد واسفة مش هقدر اخلي الولد ياخدها منك…عن اذنك يا دكتور.
ذلك أخر ما تفوهت به قبل أن تغادر تاركة “سعاد” تعتذر بحرج خلفها:
-اسفة يا دكتور هي…
قاطعها هو بتفهم وبكل بساطة:
-عارف…مش لازم تبرري يا مدام “سعاد”…حصل خير
أومأت” سعاد” بحرج ولحقت بها بينما هو نظر لآثارهم بملامح لاتفسر جعلت والدته تبرر قائلة:
-معلش اعذرها يا بني اللي مرت بيه صعب على أي ست وغصب عنها عايزة تحاوط على ولادها
تنهد هو واخبرها بصدق وبطيب نية:
-ماما انا مدوستلهاش على طرف أنا بس حبيت الولد و صعب عليا وحبيت افرحه مش اكتر…
ربتت “كريمة” على كتفه بملامح يكسوها الحزن فهي تتفهم ذلك الشعور الذي يداهم ابنها عندما يتعلق الأمر بلأطفال لذلك لم تجد ما تواسيه به غير:
-ربنا يفرح قلبك يا “نضال” ويديك على أد ضميرك ونيتك…أنا هروح احضرلك الغدا
تنهد وقال وهو يتناول يدها ويقبلها:
-تسلميلي يا “كرملة”…وانا هغير هدومي واجي اساعدك
ليتوجه “نضال” لغرفته تارك والدته ترفع نظراتها للأعلى وتدعوا له بصدق وبقلب أم انفطر على حظ ولدها…
—————
-كنتِ قليلة الذوق اوي
هدرت بها “سعاد” بتوبيخ كي تؤنبها، لتزوغ نظراتها وتتأفف:
-يووووه بقى يا “سعاد” انا مش غلطانة دول ولادي ومن حقي أخاف عليهم واقرر بالنيابة عنهم
-بس الراجل مغلطش يا “رهف” ولا اتعدى حدود الأدب أنتِ احرجتيه جامد
-“سعاد” افهمي “شريف” بيمر بمرحلة صعبة بعد انفصالي عن ابوه ومينفعش…ابتلعت غصة مريرة بحلقها واستأنفت:
-تخيلي أن في الوقت اللي ابوه مبيسألش حتى عليه… الدكتور ده قدر يحببه فيه من مرة واحدة و اقنعه انه موهوب ولازم يدرب ويسعى علشان يبقى بطل وخلى الولد يصمم ويعاندني ويلح عليا…
تنهدت “سعاد”و واجهتها بشجاعة كعادتها:
-الولد موهوب فعلا يا”رهف” وانتِ عارفة كده وكتير اتحايلتي على “حسن” أنه يسمحله يروح التدريبات وأنتِ بنفسك اللي قايلالي كده…ليه دلوقتي بترمي على الدكتور أنه بيحرض ابنك ما يمكن بيشجعه من غير أي دوافع تانية…
-“سعاد” افهميني أنا…
حاولت التبرير ولكن “سعاد” قاطعتها بتفهم:
-عارفة أنك خايفة على ولادك…بس متخليش خوفك عليهم يحبط احلامهم ويلغي شخصيتهم…حاولي زي ما صلحتي اللي ابوهم زرعه فيكِ…تصلحيه برضوا في ولادك…شجعيهم وخليكِ حافز ليهم وبلاش تضيقي حسارك على أحلامهم بحجة خوفك عليهم…
وبعدين الدكتور مغلطتش وبدل ما تشكريه احرجتيه جدًا
بشكل ما وجدت حديثها منطقي لذلك تهدلت معالم وجهها وارتمت على اقرب مقعد وهي تشعر بالندم…فيبدو أنها بالفعل مدينة لذلك الطبيب بالاعتذار ويبدو ايضًا أن ما عانته مع ذلك الساخط غيرها لدرجة أنها تخلت عن مسالمتها واصبحت عدائية لا تراعي مشاعر أحد كما كان يفعل معها وحقًا ذلك الشعور كان كفيل أن يجعلها تشعر بالخزي الشديد من نفسها.
————–
عادت إلى قصر أبيها بعدما اطمأنت على صديقتها واوصلتها بنفسها لمنزل تلك السيدة الحنون وها هي تصعد درجات الدرج الداخلي وهي تجر حقيبتها معها في طريقها لغرفتها حين باغتتها “دعاء”قائلة بخبث لا مثيل له:
-اهلًا اخيرًا شرفتي يا “ميرال” هانم
زفرت هي بقوة وتجاهلتها، لتستأنف “دعاء”:
-السفرية حلوة يا “ميرال” يارب تكوني اتبسطتي مع اصحابك
تنهدت واجابتها ببسمة بالكاد اغتصبتها على ثغرها:
-اه يا “دعاء” كانت سفرية حلوة واتبسطت مع اصحابي…
ابتسمت “دعاء” بسمة صفراء تقطر بخبث مقيت وتهكمت:
-طب الحمد لله انا عايزة اشوفك مبسوطة بس يارب اصحابك اللي كنتِ معاهم ميبقوش اندال وميتحملوكيش ويسبوكِ زي كل اللي سابوكِ…
اغتاظت من حديثها المبطن وتكونت غصة مريرة بحلقها من تهكمها الواضح لذلك هدرت بضيق:
-ولو عايزة تقولي حاجة قوليها من غير لف ودوران انا مبحبش طريقتك دي يا “دعاء”
اجابتها بمكر وهي تبتسم بسمة مستفزة للغاية:
-هلف وادور ليه يا “ميرال”انا بتمنالك الخير مش اكتر وخايفة يخذلوكِ أصلك طيبة وبيضحك عليكِ
تنهدت بسأم من طريقتها التي تثير اعصابها وباشرت سيرها وهي تتعمد أن تتجاهلها لتباغتها الأخرى هاتفة من اسفل الدرج:
-اهم حاجة تكوني اتبسطتي وعشتي يومين
لتستأنف بسرها بنبرة تقطر بالحقد:
-قبل ما حسرك عليه وأجبره يسيبك زي كل اللي سابوكِ
—————-
أما في المساء كان هو يجلس في شرفته يحتسي مشروبه الساخن وهو يسترجع ذلك الموقف السخيف الذي وضع ذاته به، فمن يصدق أن ذلك الوجه البريء المسالم تمتلك صاحبته كل تلك العدائية الغير مبررة فهو على يقين تام أنه لم يتعدى معها حدود الأدب بل كانت نواياه نحو الصغير بريئة وبدرت منه بصدق دون أي سوء نية
-“نضال”ادخل يا حبيبي الجو برد عليك
قالتها “كريمة” بأهتمام بالغ وانتشلته من دوامة أفكاره يطالعها بأعين متسعة
-أش أش أش ايه الجمال ده يا “كرملة” اوعي تكوني بتستغفليني ونازلة تقابلي والله اتبرا منك
قالها بمشاكسة مما جعل “كريمة”
تقهقه فور حديثه وتبعت قولها بضربة خفيفة من يدها على ساقه:
-اختشي هو في راجل يملا عيني بعد ابوك
ضيق خضراويتاه قائلًا بنبرة عابثة:
-سيدي يا سيدي اوعدنا يارب
-يارب يا حبيبي يفرح قلبك ويوعدك ببنت الحلال
نفى برأسه وعارضها مشاكسًا:
-لا توبة يا “كرملة” أنا جربت حظي مرة والحمد لله على كده
احتل الحزن معالم وجهها عندما تذكرت إصرارها عليه ومعاناته السابقة وهمهمت بأسى:
– يا عالم يا ابني ده النصيب وملناش يد فيه وبعدين ده انت لسة في عز شبابك وألف واحدة تتمناك.
حانت منه بسمة باهتة و أجابها بسخرية من نفسه قبل أي شيء أخر:
-الألف واحدة اللي بتقولي عليهم يا امي اكيد مفهمش واحدة هتقبل تربط مصيرها بواحد زي
غامت عين “كريمة” وهونت عنه:
-وأنت بإيدك أيه ده كل شيء بتاع ربنا وبعدين أنت ولا أول راجل كده ولا أخر راجل
تنهد بعمق وهو يرثي حاله ثم قال برضا تام:
-الحمد لله يا “كرملة”…قوليلي بقى متشيكة كده ورايحة فين؟
ابتلعت “كريمة”غصه بحلقها واجابته بشيء من التردد:
-أصل …خالتك كلمتني وزعلانة علشان من ساعة ما أنت رجعت من السفر مزورتهاش…تلعثمت وترددت لثوان قبل أن تخبره ولكن هو حثها بعينه أن تستأنف، لتتشجع وتقول وهي مطرقة الرأس:
-“هاجر” ولدت وعاملين السبوع النهاردة وخالتك عايزاني معاها
تعلقت خضراويتاه بها لثوان ثم ابتلع غصته وأجابها:
– طب وايه المشكلة مهما حصل بيني وبين بنتها هتفضل هي اختك ولازم توديها
-يعني أنت مش زعلان يا ابني
نفى برأسه وهمهم بإقتناع وبطيبة طالما كانت من شيمه:
-ابدًا …”هاجر” بنت خالتي قبل ماتكون طلقتي ومن حقها تبني حياة جديدة تكون مُرضية ليها ولقناعتها هي طلبت الطلاق علشان ده حقها وأنا احترمت رغبتها وانفصلنا بهدوء ومتهيألي خلاص صفحة واتقفلت في حياتنا احنا الاتنين وهي تخطيتها ولازم أنا كمان اتخطاها.
ربنا يهنيها ابقي باركلها بالنيابة عني
ربتت “كريمة” على كتفه وقالت داعية:
-ربنا يجبر بخاطرك يا بني ويعوضك خير
-يارب يا ست الكل يلا قومي علشان متتأخريش وانا شوية كده وهروح ل “سليم” اسلم عليه قبل ما ينفذ قرار نقله اسكندرية
-تمام ياحبيبي ربنا معاك
لتغادر والدته تاركته يتنهد بعمق كي ينفض تلك الذكريات القاسية التي جمعته بأبنة خالته عن رأسه فقد عاهد ذاته أن يكتفي بذاته وينشغل بعمله و بوالدته خير له أن يجور على حق أنثى أخرى ويكون سبب في حرمانها من أبسط حقوقها.
————-
عادت بها لمنزلها وها هي تجلس فوق رأسها تمسد خصلاتها حتى غرقت في النوم بعد نوبة بكاء مرير ألمت قلبها وجعلت ضميرها يقرع ولم يرأف بها ولكن يعلم الله أنها فعلت ما بوسعها كي تتمكن أن تعود لها وتمنع عنها حدوث الأسوء…زفرة قوية أزاحت بها انفاسها الحانقة التي كانت تجثم على صدرها وهي تعود بذاكرتها لذلك اليوم المشؤم
واحداثه المريعة…
فقد كانت تجلس يأكلها القلق تنتظره بالشرفة وتحاول مهاتفته للعديد من المرات ولكن بلا جدوى وبعد مرور الكثير من الوقت قفز قلبها هلعًا عندما رأته يدلف للمنزل بخطوات ؤيده يجر جسده جر إلى الداخل ….هرولت له هاتفة:
-يا لهوي في ايه يا بني ايه اللي حصل فين “نادين” ومين عمل فيك كده بالله عليك اتكلم انا هيجرالي حاجة من كتر قلقي
لم يجيبها بل دلف لداخل المنزل و ارتمى على اقرب مقعد قابله منكس يحيط رأسه بكفوف يده بإنهزام تام وكأنه كهل تكاثرت عليه نوائب الدهر
تبعته “ثريا” وكررت بقلب منقبض:
-رد عليا يا بني…ايه اللي حصل؟
و مين اللي كلمك…وفين مراتك؟
-مراتي…
همس بها بضياع وبمرارة وبعيون فارغة اندثرت بها الحياة فكان مع كل حرف بتلك الكلمة ينغرس سكين ثلم بقلبه ويذكره بكبرياء رجولته التي أهدرته هي بكل جبروت…
كررت “ثريا” برجاء:
-يا ابني الله يخليكِ اتكلم انا قلبى مش مستحمل …مراتك فين ومين عمل فيك كده؟
حانت منه بسمة متألمة لأبعد حد واجابها بكل سلام وكأن ما تفوه به هو المنطق بحد ذاته:
-طلقتها…
لطمت “ثريا” أعلى صدرها وصرخت به:
-يا لهوي انت بتقول ايه؟
تطلقها ازاي ده فرحكم بعد كام يوم…ليه يا ابني حرام عليك…
هنا صرخ بهياج و تأهبت كافة حواسه وكأن ذلك البركان الثائر بداخله تفاقمت حممه وانفجرت لتوها ناثرة خيبات الألم التي احرقت قلبه:
-حرام عليا أنا…انا وهي مش حرام عليها تخوني… مش حرام عليها تخدعني وتمثل عليا الحب… مش حرام عليها تستغفلني وتكون على ذمتي وبتهرب من بيتي علشان راجل تاني….
مش حرام عليها تستخف بيا وبمشاعري…ليضرب موقع خافقه بقوة ويستأنف بحرقة بالغة:
-أنا كل ذنبي إني حبيتها…حبيتها وهي اتفننت بعذابي…من كتر ما كنت بتنازل وبتنازل افتكرتني معنديش احساس و استهترت بيا وفضلت راجل تاني عليا…أنا اللي عمري كله بتمنلها الرضا وسخرت حياتي ليها ولأملكها ولمشاكلها خانتني وخانت ثقتي…خانت اكتر حد في الدنيا حبها…وهن صوته و تأوه بحرقة وتمتم متألمًا وهو يعتصر موضع قلبه بيده:
-أه ه ه ه… أنا بموت يا امي بموت حاسس ان روحي بتسحب من جسمي حاسس إني عاجز من كتر صدمتي فيها هي غلطت كتير وفكل مرة كنت بقول هتعقل…هتقدر….هتفهم…لكن هي مسبتليش فرصة وغلطها المرة دي قتلتني…قتلتني يا امي…
كان يتحدث بحرقة شديدة ودمعاته تعصاه وتتهدل من عينه وكأنها هي ايضا لم تصمد وتنازلت عن عزتها وسقطت كي تنعي حال ذلك العاشق الذي انفطر قلبه بفعلتها…
تضامنت “ثريا “مع دمعاتها الغالية التي لأول مرة تراها منذ أن أشتد عوده…و حاولت تهدئته قائلة وهي تربت أعلى صدرها بحركة راجية :
-اهدي يا ابني …اهدي الله يخليك “نادين” مستحيل تعمل كده دي بنتنا واتربيت على ايدنا …هي كانت بتغلط وبتعاند وكان ليها اسبابها لكن مهما عملت مستحيل تخون…ولا تفرط في شرفك…
نفى برأسه بجنون وصرخ بقهر وهو يدور حول نفسه كالثور الجريح يطيح بكل شيء يطاله بيده:
-فرطت…فرطت يا امي وشوفت بعيني دليل خيانتها
-لأ…أكيد انت غلطان بنتي متعملش كده…
أهتاج على الأخير وهتف مستنكرًا دفاعها:
-كفااااااااية بقى تدافعيلها…كفاية تقفي في صفها….كفاية تيجي عليا… انا ابنك ومفروض تحسي بيا وتعملي اللي يريحني انا…
كانت حالته مريعة بشكل جعلها تكاد تموت قهرًا عليه لذلك حاولت مسايرته بقلة حيلة:
-طب اهدى وقولي ايه اللي يريحك يا ابني
-هخرجها من حياتي وللأبد
قال جملته الأخيرة وهو يندفع نحو غرفتها ويجذب أحد الحقائب من فوق الخزانة ودون ان يدع “ثريا” أن تخمن الأمر كان يلملم ملابس “نادين” وحاجيتها بكل فوضوية داخل الحقيبة مهمهمًا بحديث غير مفهوم وكأنه يطمئن ذاته أن كل شيء سيكون افضل برحيلها….
ارتمت “ثريا” على الحقيبة تغلقها كي تمنعه صارخة:
-حرام يا ابني دي ملهاش غيرنا هتروح فين…
-لأ ليها اهل…انا هكلم خالها “عبد الرحيم” يجي ياخدها…
-يالهوي….لأ ابوس ايدك يا بني أنت عارف نوايا خالها بلاش يا ابني حرام عليك…انت كده بتنتقم منها…
-لأ أنا كده هحافظ عليها من شر نفسها يمكن اللي معرفتش اعمله معاها خالها يعرف يعمله…
-مش هسيبك تفرط في وصية “غالية” و”عادل” …ولو كنت أنت طلقتها ده مش هيغير كونها بنتي اللي كبرت على ايديا والأمانة اللي هتفضل متعلقة في رقبتي ليوم الدين…
-انتِ عملتي علشانها كتير وهي عمرها ما قدرت واذا كان على وصية أهلها فأنتِ نفذتيها
وانا كمان نفذتها أحنا ضيعنا سنين يا امي بنحافظ على حاجة رخيصة ملهاش قيمة
وهنا لم تحتمل أن يشكك بعرضها وكيف يفعل وهي بذاتها فطنت لما حدث بينهم قبل سفره ولم تتحدث كي لا تحرجها، فكم كانت تود تأنيبه حينها ولكن السعادة التي كان عليها قبل سفره جعلتها تقنع ذاتها انها زوجته وبلأخير وأن حفل زفافهم سيكون بعد أيام:
-اخرس متقولش كده أنت متأكد من عفتها ومتقدرش تنكر اللي حصل بينكم…
رأى اللوم بعيناها جليًا ورغم عدم إنكاره إلا أن عقله كأي رجل شرقي يؤمن بعرفية أفكاره ويضخ في شرايينه دماء حارة حامية ترفض المساس بطرف ثوب من ستحمل أسمه وتربي أبناءه:
-مأنكرتش ومعملتش حاجة حرام بس العفة مش في الشرف بس يا أمي…
-طب استهدي بالله وحياة امك عندك ورحمة ابوك …بلاش…بلاش يا بني…
زئر بقوة وصرخ بهياج والشيطان يغشي على عينه ويعمى بصيرته:
-بلاش أنتِ تصعبيها عليا…بدل ما أروح اقتلها واقتل الكلب اللي كانت مرفقاه عليا واخلص الدنيا من (***) سبيني ابعدها احسن أنا مش هقدر اتحمل اشوفها قدامي لازم تخرج من حياتنا وللأبد…
أعتصر قلبها بقبضة مؤلمة عندما هدد بقتل “نادين” وبقتل ذلك الكلب الذي ذكر أسمه ولم تعي على ذاتها إلا والأرض تميد بها ليتهدل جسدها بين يديه ويتلقفها هو ينزلق بجسده معها ويحيل دون سقوطها، ورغم وهنها إلا أنها لم تكف عن الرجاء:
-أنا قلبي وجعني يا ابني الله يخليك… هيحصلي حاجة وتكون أنت السبب… اهدى وغلاوتي عندك وبلاش توجع قلبي عليكم واللي تقولي عليه هنفذه بس بلاش تبلغ “عبد الرحيم” وتعذب “عادل” في تُربته
اغمض عينه بقوة وكأنه يحجم شياطينه وتراجع مرغمًا دون حديث فتفهمت هي وربتت على ظهره بحنو فما كان منه غير أن يرمي رأسه بين أحضانها لتشعر هي بأهتزاز جسده وصوت بكائه المكتوم الذي إن دل على شيء فهو يدل على هول ما يشعر به من حزن فدموع الرجل أكثر صدقًا من دموع الأنثى ولن تتساقط إلا لأمر جلّل وبالطبع فعلتها كانت كافية بأنشطار قلبه فمن كانت الروح لروحه احرقت قلبه بكل براعة وتعطرت برماده.
أفاقت من شرودها وهي تشعر بدمعاتها الساخنة تنسكب من عيناها تنعي حال فلذة قلبها فبعد انهياره بين يدها نهض بعيون خاوية جف الدمع بها وأصر أن ترافقه ويغادرون المنزل بل المحافظة بأسرها فما كان منها غير أن تسايره فقط على أمل إقناعه والتأثير عليه وخاصًة انه اخبرها من بين الحديث أن صديقة “نادين” تولت أمرها ولم تتركها ورغم قلقها العارم عليها إلا أنه لم يمنحها أي فرصة للأطمئنان بذاتها فقد حاولت وحاولت إقناعه بشتى الطرق، ولكن هو ظل على عناده وعندما يأست وعلمت بأمر مغادرة نجل المسيري للبلد أطمئن قلبها و طلبت منه أن تعود لها فلم يمانع واخبرها انه لن يعود معها فقد اخذ قراره ولا شيء سيردعه عنه…مسحت بحنان فوق خصلات “نادين” ثم دثرتها بالغطاء واطمئنت عليها و وتوضأت وظلت طوال الليل خاشعة لله ترجوه بقلب أم ملكوم ومتحسر على حال ابنائها طالبة من المولى عز وجلّ صلاح حالهم.
——————-
ساومها كي تبرئه من كافة حقوقها و لدهشته وافقت وأصرت بقوة على الطلاق فما كان منه غير أن ينطق بها ويطلق سراحها فحقًا كان يشعر بشعور عظيم من خيبة الأمل فمن خسر من أجلها كل شيء فرت من حياته هاربة تاركته ينعي غبائه وذلك الشيطان اللعين برأ خطيئته و دفعه دفع كي ينساق خلفها كالمغيب معصوب العينين يشبه الأضحية التي تنساق لنحرها.
فها هو يجلس وحيد ينفث سجائره بشراهة وهو يطالع ذلك الفراغ الموحش بعيون دامية و وجه شاحب و ذقن مستطالة تشابه رجل الكهف…تحيطه هالة من الندم والحزن يرثى لها فكل ما يفعله هو التفكير والتفكير واسترجاع كل ما مر به إلى ان زال شتاته و وصل لذلك الضوء المنبثق من نهاية النفق المعتم الذي أقحم نفسه به بكل طواعية
فكان ينعي كل شيء، خسارته في عمله والتي تتفاقم يوم عن يوم وصعب عليه ملاحقة توابع خسارته فمن كان يعتمد أن يسانده بالمال انشقت الأرض وابتلعته وكأن القدر تأمر عليه دفعة واحدة…
فحتى زوجته ورفيقة دربه خسرها وانكر فضلها من كانت لا تكل منه يوم بسبب أي ازمة أو مشكلة بل كانت تدعمه بكل الطرق وتساعده بكل طاقتها التي بالفعل استنفذها كاملة وجعلها بعد أن كانت تستجدي حبه واهتمامه؛ أصبحت تمقته ويصعب عليها حتى أن تنطق بأسمه وتنفر حتى أن يلمسها بيده…أما عن ابنائه فقد ادرك انه لا يملك شيء بتلك الحياة أثمن منهم فهم ثمرة عمره التي بكل أسف خرب تربتها الخصبة بيده فحقًا يشعر بالخزي من ذاته ومن أفعاله فهو يفتقدهم بشدة وكم يريد أن يدثرهم بين احضانه حد الأكتفاء ولكن كيف وهو يشعر بالخزي من نفسه فبأي حق سيذهب لها بعد فعلته فكم كان يمنى نفسه الآن بأعادة يوم واحد من الماضي كي يشبع حنينه إليهم عندما كانوا
يهرولون إليه حين عودته من العمل هاتفين بسعادة مهللين لمجيئه ويستقبلوه بشقاوتهم وضحكاتهم التي كان تشعره بالضجر حينها ويتحجج صارخًا كونه ينعم بالكثير من الصخب خارج المنزل ولا ينقصه ضجيجهم حينها؛ ويا ليته لم يفعل وياليته لم ينقم على نِعم الله حينها وياليته حافظ على ذلك السلام الذي كان يأتي مرافق لربيع بسمتها.
فقد أدرك اخيرًا أن هناك خسارات كبيرة الى حد لا خسارة بعدها تستحق الحزن والندم وهو خسرها وخسر كل شيء بعدها.
————-
أما عنه فكان يقود سيارة الأجرة التي تعينه بجانب وظيفته بأحد الشركات على تحقيق ذلك الهدف البعيد الذي يشعر أنه كالنجم الساطع في السماء يصعب الوصول إليه مهما دأب في السعي .
فقد تنهد بضيق وهو يتذكر حديثها الأخير المفعم بالكبرياء…فنعم هو أخطأ حين كان يود أن يتخلى عنها ولكن يقسم أن الأمر ليس بيسير عليه بالمرة ورغم أن صديقتها برئتها إلا أن أخذ الأمر منه وقت وفير كي يحاول أن يقنع به عقله ويزحزح تلك القناعات الراسخة التي تشقيه فنعم يحبها بل يعشقها وكم يود أن يكلل هذا الحب الطاهر بقلبه بالحلال فقد أدرك انها تستحق الوعد ولا داعي لكتمان مشاعره أكثر هي محقة لابد أن يكون واضح معها ومع ذاته وهو الآن يعلم ما عليه فعله ويقسم أنه لن ييأس وسيفعل من أجلها أي شيء.
-أنت كويس يا شقيق وحياة ابوك ركز في الطريق
انتشله من شروده صوت غليظ ساخر يأتي من المقعد الخلفي ليزفر حانقًا ويجيبه بحده:
-مركز…وأوي كمان متقلقش …
وبنظرة عابرة نحو ذلك الراكب بالمقعد الخلفي كانت كفيلة أن تجعله يتوجس منه ويفطن بفطرته كون وجهه وتلك البسمة الساخرة التي تعتلي وجهه ليست مريحة بالمرة وحتى نظراته كانت تحمل شر غريب لم يريحه لأ والانكى انه طلب منه أن يوصله لأحد الطرق الصحراوية البعيدة وبالطبع لم يرفض طلبه فهو اولاً وأخرًا يسعى لنيل رزقه ولكن لا مانع من توخي الحذر…
فقد توقف بجانب الطريق وتحجج قائلًا وهو يتدلى من السيارة دون أن يعطيه وجه للأعتراض :
-العربية سخنت و عايزة تزود ميا ثوانِ وراجع
ضيق الراكب الذي لم يكن سوى “سنقر “عينه بشك بينما هو بالفعل فتح شنطة السيارة واخرج منها أحد العدد الحادة التي يحتفظ بها في شنطة السيارة ثم رفع كنزته و وضعه بحزام بنطاله من الخلف كي لا يلفت النظر ثم تناول زجاجة المياه وتوجه بها الى مقدمة السيارة بعدما فتح كبوتها وقام بأضافة القليل من المياه ثم و اغلقه وعاد يصعد للسيارة دون حديث وباشر في قيادته، تحت نظرات “سنقر” التي ينقط منها الغدر… طال الطريق وزاد قلق “محمد” مما دفعه للعديد من الأسئلة عن المكان المقصود راوغه الأخر إلى أن اعترض طريق السيارة اثنان ملثمين يحملون عصي غليظ مدبب من الأطراف بقطع حديدية حادة، وقبل أن يستوعب الأمر كان المدعو “سنقر” يحاوط عنقه بيد وباليد الأخرى يسلط مديته على عنقه راشق طرفها بلحمه قائلًا بفحيح إجرامي يحفه التحذير:
-وقف العربية احسنلك وانزل عندنا حساب ولازم نصفيه
تعالت وتيرة أنفاسه وهو يشعر بالخطر يداهمه ويأهب كافة حواسه بالتصدي له ولكن بحكمة فقد إنصاع إليه وتوقف بتروي دون أي مقاومة…
ابتسم الأخر بإجرام وقال ببسمة سمجة للغاية وهو يسبقه ويتدلى من السيارة:
-براوة عليك يا شقيق احب الناس اللي بتسمع الكلام
وفي حركة خاطفة من “محمد” سحب الآلة الحادة من حزام بنطاله ودون أن يمهله وقت للتفاجئ حتى كان يتدلى و يكيل له ضربه عَفية على يده التي تحمل المدية جعلته يصرخ متألمًا وتسقط مديته عنه…بينما الاثنان الاخرين واحد منهم هجم عليه وحاول ضربه بالعصا ولكنه تفاداها بخفة و بحركة محكمة تمسك بالعصا تحت إبطه ثم قرب المسافة بينهم وباغته بضربة أعلى رأسه جعلته يرتد وتنفر الدماء منه ليستحوذ “محمد” على العصا الغليظ تزامنًا مع ضرب الأخير لزجاج السيارة عدة ضربات أدت إلى هشيمه وتناثر بقاياه بكل مكان ليسبه بصوت جهوري منفعل وينقض عليه بضربة قوية في منتصف ظهره جعلته يتقوس ويتلوى من شدة الألم ليكيل له عدة ضربات دون تهاون إلى أن سقطت العصا من يده ايضًا ليرفسها “محمد” بقدمه بعيدًا ويبصق عليه ثم يتوجه للمدعو “سنقر” الذي كان مازال يتلوى بالأرض و يمسد معصمه متسائلًا بأنفاس ثائرة وبغضب قاتل:
-حساب إيه اللي هتصفيه معايا يا (***) مين اللي باعتك وعايز مني ايه؟
اجابه” سنقر” بغيظ وبوعيد يقطر بالشر:
-اه يا ابن(***) بقى انا واحد زيك يعلم عليا وحياة الغالين لو مكنش اللي موصيني عليك اقرص ودنك بس أنا كنت دفنتك هنا…
منحه “محمد” ضربة قوية على ذراعه جعلته يصرخ متألمًا وتسأل من جديد:
– مين اللي باعتك يا(***) وعايز مني ايه…انطق احسنلك؟
ليجيبه “سنقر” بنبرة متألمة:
-انت متوصي عليك جامد علشان تحرم تبص لفوق وتعشم نفسك…اللي باعتني عايز يحذرك ويقرص ودنك علشان تبعد عنها …ونصيحة يا شقيق اسمع الكلام أنا عبد المأمور وزي ما بعتتني ليك تقدر تبعت غيري … الناس دي معندهاش رحمة فياريت تخليك عاقل وتبعد عن الشر وتغنيله
تفهم كل شيء من حديثه فمن بعثت له بذلك الكلب هي انثى وبالطبع يعلم من لها مصلحة في ذلك …فقد ألقى العصا من يده وبصق عليه وقبل أن يلتفت ليصعد لسيارته كان أحد الرجال يباغته من الخلف بضربة قوية على رأسه كانت كفيلة أن تجعله يفقد الوعي في حينها، بينما “سنقر” حانت منه بسمة متشفية مليئة بالشر وهسهس ورجاله يساعدوه بالنهوض :
-ابن (***)طلع قارح وعلم علينا
ليصيح احد رجاله الذي تغطي الدماء وجهه:
-نخلص عليه يا معلم؟
نفى “سنقر” برأسه وسار لجسد “محمد” المسجي على الأرض ثم بكل غل ركل ذراعه التي ضربه بها وهو يلعنه ويسبه بفجوج ثم أجاب رجاله:
-معندناش أوامر بقتله…بس الديابة بتاعة الصحرا والكلاب المسعورة هتقوم بالواجب…
يلا يارجالة احنا عملنا اللي علينا
لينصاعوا له ويغادرو بواسطة دراجاتهم النارية التي كانوا يصفوها بجانب الطريق تاركين الأخر غائب عن الوعي بحالة يرثى لها.
يا ترى كيف ستلقى مصيرك يا صاحب القناعات الراسخة هل ستنجو أم ستكون تلك هي نهايتك ونهاية قصة عشقك التي حجمتها وطمستها بداخلك وجعلت قناعاتك تشيد فوارق عدة تحيل بينك وبينها …مهلاً إن كنت تظن أنك وحدك من يصنع الفوارق فاهو القدر ذكرك بواحدة من الفوارق الحقيقية التي نبهتك من قبل أنها ستكون سبب هلاكك.
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)