روايات

رواية خطايا بريئة الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء الثالث والعشرون

رواية خطايا بريئة البارت الثالث والعشرون

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة الثالثة والعشرون

ليس كل شيء في القلب يقال، لذلك خلق الله التنهيدة، الدموع، النوم الطويل، الإبتسامة الباردة، ورجف اليدين.”

– نزار قباني
—————–
-هو ده أخر المعروف يا هانم أنتِ واخوكِ

قالتها “دعاء” بنزق بعدما استقبلتها “شهد” وادخلتها تجلس بردهة منزلها.

عقدت “شهد” حاجبيها وردت مستفهمة:

-قصدك إيه يا “دعاء” تعالي دوغري أنا لا بحب اللف ولا الدوران

أجابتها “دعاء” بغيظ:

-أنتِ عارفة أنا بتكلم عن ايه…

تنهدت “شهد” وضربت على قدميها قائلة بنفاذ صبر:

-اللهم ما طولك يا روح ما تخلصي يا “دعاء” وتقوليلي سر الزيارة الغريبة وايه الكلام المهم اللي عايزة تقوليه؟

أجابتها “دعاء” بنظرة تحمل خبث مقيت:

-أخوكِ لافف على بنت جوزي و فاكرها هبلة وهيعرف يضحك عليها وياخد فلوسها بس انا عمري ما هسمحله بده

شهقت “شهد” وأردفت بدفاع قوي وهي تلوح بيدها:

-نعم قِرشين أيه اللي اخويا طمعان فيهم ….حَد الله يا حبيبتي بينا وبين فلوسكم

قلبت “دعاء” عيناها وتأففت قائلة:

-أففف أيه الحركات البلدي دي يا “شهد” هو انتِ مش هتتغيري ابدًا

-وايه اللي يغيرني إن شاء الله هو في حد بيتبرى من أصله وبعدين يا تتكلمي كلام عدل يا متتكلميش

قلبت “دعاء” عيناها من تلميحاتها التي تتفهم المغزى منها وردت بمسايرة:

– أنتِ اتحمقتي ليه كده هي ملهاش تفسير تاني تقدري تقوليلي واحد زيه هيبقى عايز أيه من واحدة زيها غير الفلوس

احتدت نبرة “شهد” وهي تجيبها:

-اخويا مش خسيس ومش كل الناس بتحسبها زيك يا “دعاء”

ضحكة صاخبة مستفزة صدرت من “دعاء” وتلاها قولها بنبرة هازئة:

– زي… مهما كانت حساباته نجوم السما اقربله منها…ومهما خطط وحاول يعلقها بيه مستحيل هيحصل أي حاجة من اللي بتحلموا بيها…اخوكِ لئيم يا “شهد” ودلوقتي بس عرفت مكنش راضي يبلغني ليه بتحركاتها علشان كانت بتبقى معظم الوقت معاه وكان فاكرني مش هكتشف المؤامرة بتاعته

زمجرت “شهد” وهدرت بإندفاع وبنبرة متأهبة وهي تلوح بيدها:

-قسم بالله لو ما لميتي لسانك لكون شداه من بؤك ولفاكِ بيه…انا اخويا راجل بيفهم في الأصول ومش بتاع مؤامرات ولا الكلام الفارغ ده…وبعدين صوابعك مش شبه بعض ومش علشان انتِ كده يبقى كل الناس بتفكر زيك

قالت آخر جملة بإندفاع و بطريقة متهكمة قاصدة أن تذكرها بما كانت عليه قبل زواجها مما جعل “دعاء” تستشيط غيظًا وتهب من موضعها قائلة وهي ترفع سبابتها أمام وجهها بتحذير مقيت:

-أنا مش هنزل لمستواكِ وارد عليكِ أنا بس جاية اقولك خلي اخوكِ يبعد عنها احسن له

-انتِ بتهدديني يا “دعاء” وبعدين أنتِ بتتكلمي بأي صفة أنتِ ملكيش سُلطة عليها

نفت “دعاء” بسبابتها أمام وجهها وقالت بكل خبث:

-ابوها مش بيكسرلي كلمة وزي الخاتم في صباعي واكيد رأيه مش هيختلف عن رأي، وعلشان أنا جدعة وبحكم المعرفة القديمة اللي بينا مجبتلوش سيرة وجيت علشان اخليكِ تعقلي اخوكِ وتخليه يعرف أن نجوم السما اقرب من اللي بيخطط ليه.

ضربت “شهد”كف على أخر من تسلطها المقيت و وتهميشها لشخص زوجها وهدرت بوجهها بنبرة مندفعة مفعمة بالكبرياء افحمت الآخرى:

-اسمعي أنتِ بقى… “محمد ” مفيش أعقل منه والكلام ده سابق لأوانه وبعدين محدش عارف النصيب فين ولو ربك عايز يجمعهم هيجمعهم حتى لو أهل الأرض كلها اعترضت؛ مشيئته بس هي اللي هتكون…

لتربع يدها على صدرها وتقول بتهكم تقصدته كي ترد لها ما بدر منها في حق شقيقها:

-وانا برضو علشان جدعة هعمل نفسي مسمعتش حاجة منك ولا شوفتك من الاساس ده انا حتى مش هطردك من بيتي زي ما طردتي اخويا وهسيبك تمشي من نفسك

قالت آخر جملة وهي تتوجه لباب شقتها وتفتحه على مصراعيه كدعوة صريحة لها أن تغادر مما جعل دماء الآخرى تفور من شدة غيظها وتخطوا نحوها وهي تضم ذلك الفراء الثمين على جسدها و ترشقها بنظرات متعالية قائلة من طرف انفها بنبرة تحمل تحذير مقيت:

-كنت فاكركِ هتبقي عاقلة وهتقدري الموقف بس يا خسارة طلعتي غبية ومحدش هيدفع التمن غير اخوكِ

لوت “شهد” فمها وقالت بإندفاع وبنفاذ صبر دون أن تعطي تحذيرها أي اهمية:

-والنبي يا “دعاء” الواحد عنده مرارة واحدة ومش حمل نفشة ريشك دي الله يسترك طريقك اخضر وخلصينا

جزت “دعاء” أضراسها بقوة من استخفافها بها وعجرفتها معها وغادرت بخطوات واسعة يتأكلها الغضب، بينما هي اغلقت الباب بعدها وجلست على اقرب مقعد

تشعر بالقلق يزحف لقلبها ولكنها طمأنت ذاتها أن ما فعلته هو الصواب فما تطلبه تلك الصفراء منها يعد مستحيل بالنسبة لها فكيف ستفعلهاوهي ذاتها من أثرت عليه كي يتمسك بحبه وزرعت به الأمل للآتي، بالطبع لن تخبره وستتركه ينعم بقرب مالكة قلبه فلديها يقين تام ان الله سيتكفل بكل شيء.
—————-
بعد مرور عدة أيام مروا بسلام على تلك التي تتطلع لذاتها بالمرآة وهي تبتسم بسمة راضية لهيئتها فقد وعدها اليوم أنه سيصطحبها لتناول الغداء ليروح عنها عناء المذاكرة ويجعلها تعود بطاقة جديدة لها فلم يعد إلا أيام قليلة تفصلها عنها وحقًا هي كانت بأمس الحاجة لتخفيف شدة أعصابها، ولذلك تحضرت بحماس شديد وانتقت أحد الفساتين التي احضرها لها على ذوقه الخاص عوضًا عن التي مزقها سابقًا وتستعد بأبهى صورها.

فقد مررت يدها بين خصلاتها التي أصبحت تقوم بتمليسها في الآونة الأخيرة وتخلت عن تجعيدها وعن تلك الهيئة المتمردة التي كانت تتعمد أن تظهر بها، سحبت قلم الحمرة و وضعت القليل منه على شفاهها تزامنًا مع طرقه لباب غرفتها، رجفة لذيذة سرت بجسدها عندما هرولت تفتح له الباب ورأت نظراته المتمعنة لها وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة قال هو بنبرة عابثة وبنظرة اعجاب واضحة:

-يخربيت جمالك …هو في جمدان كده

حانت منها تلك البسمة المهلكة التي لطالما أوقعته بها ليعقب بعدها بخفة وببسمة بشوشة واسعة:

-كمان بتضحكي… شكلي داخل على أيام سودة ليرفع نظراته لأعلى ويستأنف راجيًا وهو يرفع يده:

-يارب أنا على أخري عدي الكام يوم دول على خير من غير ما اتهور

نكزته بكتفه وهمست بوجه يشتعل من شدة الخجل:

-بَطل يا “يامن” ويلا بينا أنا خلاص جهزت

أجابها وناعستيه المسبلة تتركز على تلك الحمرة التي تحدد شفاهها وتبرز شامتها التي تزين جانب فمها بشكل مغري للغاية جعله يكاد يفقد ثباته حين قال:

-هبطل يا مغلباني بس مش قبل ما تديني تصبيرة على الماشي

تنهدت بلا فائدة من مشاكسته التي لا تنتهي و أومأت بطاعة وهي تضع قبلة خاطفة على وجنته، ولكن الأمر لم يعجبه واعترض قائلًا وهو يحاوط خصرها:

-“نادين” أنا مش ابن اختك بوسي بذمة وضمير انا زي جوزك برضه

رفعت حاجبيها وهزت رأسها بحركة مدللة جعلته يعقب بعيون يتراقص بها المكر:

-خلاص براحتك ابوس انا

وقبل أن تعترض كان ينقض على شفاهها بقبلة حالمة مفعمة بضجيج قلبه المولع بها، ولكن لم يتمادى بقبلته دامت فقط لثوانِ معدودة حين قطعها هو قائلًا بأنفاس متهدجة وهو يستند بجبهته على منحدر انفها و يمسح بإبهامه على شفاهها:

-الروچ حلو أوي ده بأيه بالفراولة

نفت برأسها وهي بالكاد تستطيع تنظيم وتيرة انفاسها وتنفض تأثيره الطاغي عليها حين خرجت من حيز يده قائلة بعدما ادركت حيلته:

-على فكرة انت رخم…

اجابها بغمزة متسلية من عينه:

-بس بتموتي فيا مش كده

ابتسمت وأيدته بحركة من رأسها بينما هو قال بنبرة رغم عبثيتها إلا أنها كانت تقطر بغيرته:

-أخر مرة تحطي منه وأنت خارجة أصله ملفت وانا مش بحب كده…ممكن تحطهولي في البيت بس وساعتها أنها هتكفل بالباقي

قال آخر جملة بنظرة ذات مغزى جعلها تود ان تنشق الأرض وتبتلعها فقد أصبح في الآونة الأخيرة أكثر جرأة من قبل وحقًا الأمر يخجلها بشدة، لذلك قررت أن تفر وهي تتناول شالها الثقيل و تسحب حقيبتها تخرج منها عدة محارم تمسح بها بقايا حمرتها هادرة وهي تتخطاه:

-طيب انا هستناك في العربية علشان انت مبقتش مضمون وانا بصراحة ابتديت اغير رأي عنك وانسى انك كنت مؤدب

قالتها وهي تهرول بعيدًا عنه بطريقة جعلته ينفجر ضاحكًا بكامل صوته الرجولي قبل أن يلحق بها

——————-

صعدت للسيارة وانتظرته بضع ثوان قبل أن يخرج وتابعته بعيناها يفتح بوابة المنزل الرئيسية ويعود يصعد بجانبها لتتسأل هي:

-هو عم “مسعد” فين وليه سايب البوابة؟

اجابها وهو يشعل مقود السيارة:

-تعب وقولتله يسافر بلدهم يريح يومين

أومأت له ببسمة هادئة وقبل أن تتفوه بشيء كان يحتضن كف يدها كعادته ويباشر بالقيادة ولكن ما أن تحرك بالسيارة وانحنى بها لأخر سور المنزل ينوي أن يسلك الطريق تذكر انه قد ترك هاتفه موصول بالشاحن داخل المنزل ليمط فمه بإستياء ويتوقف بالسيارة قائلًا:

– حبيبتي نسيت موبايلي ثوان هرجع اجيبه

تنهدت هي وشاكسته:

-عقلك مبقاش فيك خالص الأيام دي

شاكسها ايضًا وهو يقرص وجنتها بتسلية:

-ما البركة فيكِ يا مغلباني ثوانِ مش هتأخر حتى هدخل من الباب الوراني وكويس ان معايا مفتاح الطبلة الجديدة

أومأت له ببسمة متسلية وهمهمت وهي ترفع سبابتها تحذره بخفة :

-لو اتأخرت هرجع في كلامي انا اصلا بتلكك

قهقه هو ووعدها انه لن يتأخر وبالفعل تدلى من السيارة وفات للمنزل عبر ذلك الباب الخلفي.

اخرجت هي مرآة من حقيبتها واخذت تعدل من خصلاتها ولكن فتح بابه لترفع نظراتها المبتسمة وهي تنوي أن تشاكسه من جديد ولكن حينها هوى قلبها بين قدميها واندثرت بسمتها وحل محلها خوف عظيم حين رأته يقف أمامها، لتهمس اسمه بجزع:

-“طارق”

اعتلى جانب فمه ساخرًا من ذلك الخوف المنطوق بعيناها وباغتها قائلًا وهو يصعد بالمقعد الذي يجاورها:

-اه “طارق” اللي نسيتيه ولا على بالك…

برقت عيناها وترجته بأعصاب تالفة:

-“طارق” مش وقت كلام انزل ابوس ايدك “يامن” جاي وممكن يشوفك

نفى برأسه واخبرها وعينه تقدح بالخبث:

-خايفة منه للدرجة دي…ولا خايفة عليا؟

حاولت أن تحجج وتسايره قائلة بنبرة مرتعشة وانفاس ناهجة مش شدة توترها:

-انامش عايزة مشاكل الله يخليكِ كفاية اللي حصل يوم Nightclub…انت متعرفش حصلي ايه انا كنت محبوسة و…

قاطعها هو مزمجرًا وهو يضرب المقود بيده بقوة أجفلتها:

-كدااااااابة انا بنفسي بشوفك بتخرجي معاه أنا مش نايم على وداني وكل صغيرة وكبيرة بيكون عندي علم بيها وشوفت بعيني اللي حصل بينكم

قال أخر جملة بنبرة غاضبة تقطر بغيرته وعينه الجحيم يشتعل بها فمنذ ذلك اليوم وهو يكاد يجن ويحاول ايجاد أي تفسير للأمر غير الذي استنتجه عقله ودبر مكائده على أثره ولكن بلا جدوى لذلك كان يمني نفسه كي تخبره هي ويكون لديها تفسير منطقي يقنعه فكان متأهب لردها ولكن هي شل لسانها لدقائق بعدما زحف الرعب إلى قلبها وتفهمت ماذا يقصد، لتبتلع ريقها بحلق جاف تحاول أن تتماسك وتستعين بدهائها كي تفض ذلك الموقف اللعين قبل أن يحصل ما تخشى عقباه:

-أنا…كنت بسايره مش أكتر…ابوس ايدك أنزل دلوقتي وهنتكلم بعدين …في حاجات كتير اتغيرت وأنت معندكش علم بيها صدقني لما هتعرفها هتفهمني وتقدر موقفي

تركزت سودويتاه بها يحاول أن يستشف صدقها ولكن صعب الأمر عليه لذلك هدر بنبرة قوية منفعلة ارعبتها:

-ايه اللي اتغير يا “نادو”عايز أعرف دلوقتي …

ابتلعت غصة بحلقها وزاغت نظراتها فإن اخبرته الآن لا تضمن ردود فعله لذلك حاولت مسايرته :

-هنتكلم وهفهمك كل حاجة بس مش دلوقتي ارجوك يا “طارق”…ارجوك انزل قبل ما “يامن” يرجع

كانت تتوسله بصدق وبعيون غائمة تكاد تقطر بالدمع مما جعله ينصاع لها ولكن بعد أن قبض على مؤخرة رأسها بقوة واصطحب مع قبضته بعض من خصلاتها و قال بفحيح أمام نظراتها المشدوهة من شدة خوفها:

-همشي وهنتحاسب بعدين بس أوعي تفتكري أنك هتعرفي تخلصي مني مش “طارق المسيري” اللي يضحك عليه بالبساطة دي واعملي حسابك مش هتكونِ غير ليا ولو على جثتي أنا مش هتنازل وهعمل المستحيل في سبيل انك تكوني بتاعتي لوحدي وملكية خاصة ليا وبس… فااااااااهمة ولا لأ

قال أخر جملة وهو يشدد أكثر على خصلاتها بطريقة قاسية جعلت الأنات المتألمة تصدر من فمها ولكنها كبتتها بكف يدها حين رأت الجحيم يستعر بعينه حين كرر بغضب كاسح:

-فااااااهمة ولا لأ انطقي

ما كان منها غير أن تهز رأسها من شدة رعبها وتخوفًا من تبعات غضبه

ليعتلي جانب فمه و يحل قبضته التي كادت تنزع خصلاتها من منبتها ويقول وهو يربت على وجنتها بنبرة تشف كونه ليس سوي بالمرة:

-برافو عليكِ يا “نادو” أنا عارف أنك ذكية وعلشان كده بحبك

ذلك أخر ما تفوه به قبل أن يتدلى من السيارة ويبتعد تاركها قاب قوسين او ادنى أن يغشى عليها من شدة رعبها، فكانت حالتها يرثى لها تحاول ان تلملم شتاتها ولكن وجدت ذاتها تجهش في بكاء مرير تكبت شهقاته بكف يدها لا تصدق ما حدث للتو ولم تتخيل حدوثه حتى في أفظع كوابيسها …وبعد ثوانِ معدودة

لمحته يأتي من بعيد لتلملم شتاتها وتجفف دمعاتها بسرعة متناهية كي لا تشعره بشيء ولكنه من الوهلة الأولى حين جاورها سألها مترقبًا:

-مالك يا حبيبتي انتِ كويسة

اغتصبت بسمة هادئة على ثغرها واجابته بتماسك:

-اه…. يا حبيبي مفيش حاجة

ليجعد حاجبيه ويتسأل بقلق وهو يجذب يدها المرتعشة بين راحتيه:

-“نادين” وشك اصفر و

حتى أيدك بتترعش مالك اتكلمي علشان خاطري

أومأت له بمعنى أن كل شيء على ما يرام وهمست ببسمة باهتة لم تصل لعيناها وهي تسحب يدها من بين راحتيه وتتناول شالها الثقيل وتضعه على ذراعيها تدثر به نفسها:

-مفيش يا حبيبي بس بردت شوية

-طب تحبي نرجع البيت

-لأ أنا كويسة ودلوقتي هدفى لما تشغل التكييف ونمشي بالعربية

لا يعلم لمَ شعر بشيء مريب بها ولكنه كذب حدثه وشرع من جديد بقيادة السيارة، بينما هي بادرت بأحتضان يده بقوة وكأنها تريد أن تستمد منه القوة فهي تشعر أنها أصبحت على حافة الهاوية ولابد أن تتشبث بتلك الأرض التي يخبرها دائمًا انه نقطة ثابتة بها.

—————

كان يدور حول نفسه وهو يحادث أحد موظفيه الذي يعتمد عليهم وقد وَكله بأدارة كل شيء في غيابه فقد ثارت ثائرته عندما علم أن العمال في أحد المواقع التي تقوم شركته بتنفيذها لصالح اكبر ممول بالبلد يعرضون عن العمل بسبب تأخير أجورهم مما جعله يكاد يجن فكيف سيأتي بالمال ليوفي إلتزامات العمل وهو صفر اليدين بِفضلها

-حضرتك لازم تتصرف الوقت بيمر ومعاد تسليم الوحدة التانية من المشروع قرب والعمال رافضين يشتغلوا

قالها “حسام” مدير شركته التنفيذي بعملية شديدة، ليرد عليه “حسن” بأعصاب تالفة وهو يمرر يده بخصلاته الفحمية يكاد ينزعهم من فرط عصبيته:

-مش عارف أعمل ايه وايه المصايب اللي نازله على دماغي دي أنا حاسس أن في لعنة صابتني ومش عارف أتصرف.

وعلى ذكر اللعنة اقتحمت هي مكتبه دون أي لباقة و هي تتمخطر بخطواتها بكعب حذائها الرنان وذلك الثوب الذي يمثل حرفيًا جلد ثانِ لها، فكان حضورها طاغي وجعل الصمت يحل على المكان ولم يصدر من أي منهم ردة فعل غير النظرات فأحدهم احتل الغضب عينه وفارت دمائه بينما الآخر لمعت عينه بنظرة أعجاب واضحة جعلتها تبتسم بسمة متخابثة مغترة بذاتها.

-ايه اللي جابك يا” منار” وبعدين حد يدخل كده مش تخبطي الأول

اقتربت تتأبط ذراعه أمام نظرات الآخر قائلة بنبرة مدللة للغاية دون أي تحفظ:

-وحشتني يا “سُونة” وجيت علشان ابقى جنبك وأرجع الشغل تاني

كور قبضة يده يشدد عليها كي ينفث عن غضبه وهدر متسائلًا:

-جنبي فين احنا مش اتفقنا مفيش شغل

مطت فمها وقالت بإعتراض:

-أنا مقولتش إني موافقة

لتوجه نظراتها المتخابثة ل “حسام” وتستأنف وهي تمط فمها:

-يرضيك يا “حسام” ابقى مراته ومساندوش في شغله

تحمحم “حسام “بحرج وطرق نظراته بالأرض بعدما استشف أنها تعمدت أن تخبره:

-والله يا فندم دي حاجة تخصكم مليش دخل بيها

ضحكة صاخبة صدرت منها وتلاها قولها بنبرة مصطنعة دون أي تحفظ :

-أنت اتحرجت ليه كده و وشك جاب ألوان

لم يعجبه بتاتًا ما يدور لذلك هدر بنبرة آمرة وهو بالكاد يتحكم بأعصابه:

– “حسام” اتفضل دلوقتي على مكتبك وهنكمل كلامنا بعدين

أومأ له “حسام” بطاعة وغادر بعدما رشقها بنظرة غامضة جعلتها تبتسم بسمة مغترة بذاتها، وفي الفور أغلق هو باب مكتبه وتقدم منها بخطوات غاضبة هادرًا بوجهها وهو يقبض على ذراعيها يؤرجحها بين يده:

-أنتِ اتجننتي مش كده أيه القرف اللي أنتِ لبساه ده وايه الفرح اللي في وشك ده وازاي تخرجي من البيت من غير ما تقوليلي وتسمحي نفسك توجهي الكلام لراجل غيري وتضحكي بالشكل ده من غير ما تعملي اعتبار ليا ولا لشكلي قدامه

نظرت له شذرًا ثم بكل ثقة دون ذرة خضوع واحدة نفضت يده وهدرت بأعتراض:

-قولتلك ألف مرة أن مش مجبرة اعمل كده ولا اغير من نفسي أنت اتجوزتني وانت عارف أن دي طريقتي وده لبسي اللي كُنت بتتجنن عليه قبل كده وبتنزل بنفسك تشترهولي

لتربع يدها أعلى صدرها ويعتلي حاجبيها قائلة بنبرة واثقة قوية:

-وبعدين انا مش عيلة صغيرة علشان أخد الإذن منك وقت ما أحب أخرج…و ماله شكلي أنا أَشرف أي راجل انتسب لأسمه ولا أنت مستعر مني ومكنتش عايز حد يعرف بجوازنا

زمجر غاضبًا من مجابهتها له كلمة بكلمة ومعاندتها التي لا تكف عنها:

-هو أنتِ ايه كل حاجة عندك ليها مبرر أنا مش مستعر من جنابك بس ياريت تحترميني وتحترمي نفسك قبل ما تفكري تعارضيني وتقفي قصادي والمفروض الكلمة اللي أقولها متعارضنيش فيها وتسمعي الكلام وتنفذيه من سكات من غير مبررات ولا حوارات ملهاش داعي

-أه انت عايزني ابقى نسخة من الهانم المسهوكة بتاعتك وألغي شخصيتي زيها

أغمض عينه بقوة يحاول أن يكبح لجام غضبه وهدر بنفاذ صبر:

-قولتلك قبل كده متجبيش سيرتها وياريت تقصري الشر وتغوري بمنظرك ده من وشي علشان أنا عفاريت الأرض بتتنطط قدامي

لوحت بيدها بكل لا مبالاه وقالت بسخط عظيم:

-أنا زهقت من طريقتك دي ومش قادرة اتحملها انت بقيت ملل أوي…

استوقفه أخر ما نطقت به وكم شعر بالغباء، فكم كان مخطئ هو حين ظن أنه أحبها فقد أثبتت له تلك الأيام التي عاشرها بها أن لايوجد أي توافق بينهم لذلك هدر بنبرة ثابتة كي يضع الأمور في نصابها الصحيح ويتحكم بأسس تلك الحياة التي أدرك كونه تسرع و ورط نفسه بها:

-قولتلك ده اللي عندي ومن هنا ورايح تترزعي في البيت ولبسك المقرف ده تبطليه وميتلبس تاني

-أفففف بجد انت أزاي كده أنا مش مجبرة انفذ كلامك انا متعودتش على الخنقة دي

-غصب عنك لازم تتعودي

زفرت بضيقٍ من طباعة المتناقضة فما كان بالنسبة امر عادي ويطلق عليه انفتاح وحرية قبل الزواج الآن يعارضها به من اجل شكله الأجتماعي فقط ليس من أجل نخوته كرجل.

-تمام بس أنا مش هقعد في البيت وعايزة ارجع الشغل تاني

زمجر بنفاذ صبر وهو يجلس خلف مكتبه و يتناول أحد سجائره ويشعلها:

-يوووووه اسمعي الكلام ومن غير ما تعارضيني وولو فكرتي تخطي خطوة واحدة برة عتبة الباب من غير ما تقوليلي تاني متلوميش غير نفسك

ضربت الأرض بكعب حذائها بغيظ شديد وببعض الهمهمات المعترضة غادرت مكتبه تاركته يطفئ سيجارته في المنفضة الكريستالية بفوضوية عارمة ثم بكل غل حملها و قذفها بالحائط أمامه بكل قوته كي ينفث عن ذلك الغضب الذي يعتريه لاعنًا حظه وكل ما توصل له بفضل غبائه، فكان يشعر أن العالم أجمع تأمر عليه في آن واحد، فحقًا كانت اعصابه تالفة وعقله منهك لدرجة انه يشعر انه يفقد زمام كل شيء في آن واحد فمنذ رفض” رهف” له وحديثها الشرس معه وهو يشعر بشعور غريب لم يجربه من قبل فيقسم أنه إلى الآن يرفض عقله أن يستوعب كونها مقتته لتلك الدرجة، حتى أنه وجد بقايا ضميره يعيد كل ما مر أمام عينه ويقوم بتلك المقارنات الحاسمة لتجعله يتدارك شيء فشيء فداحة أفعاله التي ارتكبها في ظل إرضاء غروره و إشباع تلك الرغبات التي اندثر زهوها وأصبح يشعر نحوها بالفتور الآن.

——————-

كانت طوال الوقت شاردة ترد على أحاديثه المفعمة بالشغف بإقتضاب أو تكتفي فقط ببسمات باهتة مما جعله يشعر بريبة من حالها ويتسأل بقلق:

-“نادين” أنتِ مش طبيعية خالص النهاردة

ابتلعت غصة بحلقها ونفت برأسها قائلة بثبات بالكاد كانت تتصنعه:

-مفيش حاجة صدقني…

تنهد هو بعمق فهو يحفظها عن ظهر قلب لذلك لم يخيل عليه ادعائها، و هدر متفهمًا:

-حبيبتي لو انا زعلتك في حاجة قوليلي يمكن مأخدتش بالي… بلاش تسكتي علشان ميبقاش في تراكمات بينا…وانا اوعدك هفهمك

وأي مشكلة هنتشارك في حلها مع بعض

تعلقت عيناها النادمة به وكم أرادت حينها أن تصرخ بعلو صوتها وتخبره أنها ليست مستاءة منه بل من نفسها فحقًا هي لا تستحق أي شيء من ذلك الحب والاهتمام الذي يغدقها به، ورغم حديثه المطمئن لها ولكن ياليتها تستطيع أن تزيح ذلك الحمل الثقيل عن كاهلها وتخبره، فكيف وهي تعرفه تمام المعرفة فإذا علم بالأمر لن يتهاون ابدًا فيا ليت الأمر كان شيء لا يمس كبريائه ك رجل ولا كرامته فهي تعلم طباعه جيدًا وذلك ما يقتلها وينخر احشائها، لذلك وجدت ذاتها تصرح بعيون تكن خوف عظيم:

-عارف حتى لو زعلتني أنا جوايا رصيد ليك يدوم العمر كله مهما تعمل هسامحك، مفيش تراكمات؛ بس في حب ومواقف كتير كُنت فيها جنبي بتساندني وتقويني أنت سندي وضهري وكل حياتي وأنا من غيرك ولا حاجة يا “يامن”

كانت تتحدث دفعة واحدة بنبرة صادقة نابعة من صميم قلبها الذي يخشى فقدانه. بينما هو كان يستمع لحديثها بعيون لامعة مُولعة بها وبكل حرف تنطق به يشعر أنه يلامس السماء من شدة سعادته حتى أنه همس ببسمة واسعة مفعمة بلهفة قلبه:

-معقول كل ده انا؟

-مهما قولت مش هوفيك حقك

قالتها وهي تربت على يده المسنودة على الطاولة بحركة مطمئنة مؤيدة جعلته يتنهد براحة ويهدر قائلًا وهو ينحني برأسه يقبل ظهر يدها بقبلة حانية واست قلبها:

-انا بحبك يا “نادين” بحبك

حانت منها بسمة هادئة رغم ذلك الخزي الذي يعتريها من نفسها ثم كوبت يده التي تستقر على يدها براحتها قائلة بتماسك بالكاد تصنعته كي تتهرب من أسئلته المتكررة التي ستفضح أمرها:

-طب تعالى نرقص

أومأ لها ولكن استوقفها قائلًا:

-استني كنت هنسى

تأهبت بنظراتها له وهو يسحب يده من بين يدها ويخرج علبة من المخمل الأحمر وفتحها أمام نظراتها لتشهق بتفاجئ حين رأت دبلتين واحدة من الذهب الأبيض المرصعة بفصوص صغيرة من الالماس الذي يخطف الأنفاس والآخرى فضية بتصميم رجالي مميز اعجبها كثيرًا، ليهمس هو بنبرة عاشقة مفعمة بضجيج قلبه:

-آسف إني اتأخرت في الخطوة دي بس كنت عايزك تلبسي دبلتي بإقتناع تام منك من غير أي ضغوط علشان لو دخلت صباعك هتوعديني أنك متقلعهاش ابدًا

هزت رأسها بسعادة منقوصة لطالما كانت تتمنى أن تكون خالية من أي منغصات أو شيء يرهبها ثم تناولتها من العُلبة واخبرته بكل ثقة:

-عمري ما هقلعها ولو أخر يوم في عمري

لتحثه بنظراتها أن يلبسها إياها وبالفعل فعل ذلك ببسمة واسعة جعلتها تود أن ترتمي بين يداه الآن وتجهش بالبكاء ولكن إن فعلت ستخرب سعادته وتجعله يشعر بالريبة من أفعالها أكثر لذلك ألبسته هي ايضًا دبلته وأخبرته بنبرة تقطر بحاجتها لتضمه لا لمَ تفوهت به:

-عايزة ارقص معاك

أومأ لها وسحبها لساحة الرقص التي تتوسط المكان ليحاوط خصرها ويبدأ أن يميل بها على أثر تلك النغمات الهادئة بخطوات مدروسة متقنة وهو يشعر أن قلبه يرفرف بين أضلعه بينما هي كانت تشعر بالكمال بقربه فكانت بحاجة لذلك القرب كي يطمئنها ويجعل السَكينة تعود لدواخلها لذلك طلبت بنبرة شبه متوسلة وهي تدفن وجهها بصدره:

-احضني يا “يامن”

تنهد بوله تام وشدد على خصرها ثم وضع قبلة حنونة على قمة شعرها، لتغمض هي عيناها كي تكبح رغبتها بالبكاء الآن وإفساد سعادتهم وتتمتع بقربه وبتلك اللحظات الحالمة التي ستسكن بذاكرتها للأبد.

بعد وقت قليل وعندما طال صمتها همس هو بنبرة هادئة:

-فاكرة يوم ما اصريتي ارقص معاك يوم عيد ميلاد صاحبتك

بهتت ملامحها لثوان قبل أن تجيبه:

-اه “ميرال”

تنهد تنهيدة عميقة ثم أخبرها:

-اليوم ده كان حلو وعمري ما نسيته

شعرت بوخزة بقلبها عند تذكر هذا اليوم وكم لعنت أفعالها حينها، ولعنت شيطانها الذي دفعها كي تهدد وتثير أعصاب تلك الرفيقة التي لاتعلم حتى لما فعلت بها ذلك كل ما تعلمه انها كانت تغار من تلك الحرية التي تتمتع بها؛ وحُرمت هي منها حتى انها استكترت عليها الآخر ونزعته منها دون أن تحسب حساب لشيء سوى لترضي غرورها وتخرج عن المألوف وتلبي رغبات شيطانها فياليتها كانت تعلم أن شيطانها سيتبرأ منها ومن أفعالها وسيتركها ليكون الندم حليفها وحدها.

-سرحتي في ايه؟

قالها وهو يخرجها من بين يديه، لتبتسم هي بسمة مغلفة بالخزي وتجيبه بنبرة نادمة ومتألمة وضميرها ينهش بها:

-أنا كنت غبية اوي يا “يامن” وعملت حاجات كتير مش عارفة هعرف اكفر عنها ازاي.

كان يظن أنها تعني غباء أفعالها تجاهه حينها ولم يخطر بباله كونها تقصد شيء أخر لذلك أجابها بنبرة مطمئنة وهو يشملها بدفء عيناه:

-حبيبتي انسي…وبلاش تعذبي نفسك وتلوميها وبعدين أنتِ وعدتيني انك هتبقي قوية و هنعوض كل اللي فات

تنهدت بتثاقل واجابته ببسمة باهتة على ثغرها وهي تمرغ رأسها على كتفه كي تخفي تلك الدمعة التي فرت منها:

-أنا قوية بيك يا “يامن” اوعدني أنك متكسرنيش وتبعدني عنك

تنهيدة عاشقة صدرت منه وهو يضمها له أكثر ثم قال بهمس بصدق وهو يضع قبلة حنونة أعلى شعرها:

-أنتِ روحي يا “نادين” ومفيش حد يعرف يعيش من غير روحه

تنهدت بقوة وهي تتناول نفس عميق من رائحته المميزة ثم همست بصدق :

-بحبك يا “يامن” ومليش غيرك في الدنيا

-وأنا بموت فيكِ يا قلب وروح “يامن”

كانت تلك الكلمات المؤججة بالمشاعر هي ختام سهرتهم ولكن ليست ختام متوقع لقصتهم كأي عاشقين؛ بل مازال القدر يخبأ بين طياته الكثير لهم.

——————

انهى عمله و وجد ذاته يذهب لذلك المكان الذي لطالما جمعه بها وبأطفاله، لا يعلم لمَ أتى ولكن كل ما يعلمه أنه تعود عندما يضيق به الحال يعود لهنا و يجدها بأنتظاره كي تهون عنه وتنعمه بدفئها، ولكن الآن أين هي؟

فذلك المنزل الذي كان يضج بالحياة أصبح الآن مُوحش دونها.

زفرة قوية نبعت من اعماقه ويخيل إليه انه يراها بكل زاوية فهنا كانت تجاوره وتشاركه تفاصيل يومها، وهنا على تلك الطاولة كانت تدس بفمه الطعام كما تفعل مع صغارها، أما هناك بغرفة مكتبه فكانت تجلس لساعات تتأمله وهو يعمل وكأنه هو اكبر انتصارتها،

فنعم اشتاقها واشتاق لتلك البسمة الرقيقة التي تمنحه اياها و تجعله يظن أن العالم خلى من كل مصائبه ولم يتبقى غير ربيعها وسلامها النفسي الذي ينفض دواخله ويحفز كافة حواسه نحوها.

تنهد تنهيدة مثقلة بالكثير من الندم وهو يرتمي على فراشه الذي لطالما جمعه بها، لتحين منه بسمة مفعمة بالحنين لتلك الليالي التي كانت تدثره بها بين أحضانها وتساعده على النوم وتمليسها على خصلاته بحركات حانية، ليجد ذاته يجذب وسادتها ويدفن وجهه بها لعلها يجدها خير منه واحتفظت بأريجها بين طياتها فنعم اشتاقها واشتاق لكل تفاصيلها، اشتاق ل “رهف” خاصته التي كانت تتفهمه دائمًا، فقد ادرك لتوه أن حياته دونها خاوية لم يعد بها دفء ولا سَكينة كالسابق، ورغم أن الأخرى توفر له حياة زوجية كأي زوجين ولكن لا تقارن بحياته السابقة بتاتًا، فتلك التفاصيل لم يلحظ توافرها من عدمه إلا عندما عاشر الآخرى فكانت هي تهتم بكل صغيرة وكبيرة تخصه حتى انه كان يُصنف تلك الأمور بالروتينية المملة التي تصيبه بالضجر، ولكن الآن استوعب انه كان ينعم بالكثير والكثير ولكنه لم يقدر ذلك قط بل كان ساخط عليه وانساق خلف أهوائه دون أن يحسب حساب يوم كهذا.

—————–

يوم جديد يصحب معه الكثير

من الأمنيات والأمال لصاحب تلك القناعات الراسخة، فلم تخبره شقيقته بشيء ولم تريد تعكر صفوه وخاصًة انها تراه في أحسن حالاته فا بلأمس أتاه مكالمة هاتفية من أحد الشركات الكبرى التي تعلمه بقبوله بالعمل بها ورغم انه تفاجئ كثيرًا بقبوله بعد تلك الفترة الكبيرة إلا أنها لم تتفاجأ مثله فهي تعلم أن “ميرال” وراء ذلك فقد اخذت منها كافة التفاصيل وأسماء الشركات التي قدم بها مسبقًا ولم يحالفه الحظ وتوسلتها كي لا تخبره وبالفعل لم تفعل فطالما ذلك يصب بمصلحته لن تمانع فهي تعلم أن الوسطة والمحسوبية هي من لها الأولوية ببلدهم، ولذلك شعرت بالامتنان لها حين دبرت الأمر.

-هااا ايه رأيك يا “شهد” حلوة البدلة عليا ولا اغيرها انا مش أخد على لبس البدل وحاسس إني متكتف

انتشلها من شرودها صوت شقيقها لتصب كافة تركيزها عليه وتجيبه بنظرة فخر وببسمة حنونة:

-بسم الله ما شاء الله عليك يا قلب أختك قمر والبدلة هتاكل منك حتة

حانت من “محمد” بسمة حانية وقال مشاكسًا اياها بأحد الأمثال الشعبية القديمة:

-القرد في عين أمه غزال

نكزته “شهد” بكتفه واستنكرت:

-قرد ايه! ده أنت سيد الناس كلها وبعدين امه ده ايه انت عايز تكبرني

قهقه “محمد” وهو يقرص وجنتها بخفة:

-أنت امي واختي وكل دنيتي أنتِ والمفعوصة الصغيرة وعارف محدش هيحبني في الدنيا ويخاف على مصلحتي أدكم

حانت منها بسمة ماكرة وقالت:

-ونسيت البت الغلبانة اللي بتموت فيك

تنهد تنهيدة مفعمة بالكثير واخبرها:

-منستهاش ولا اقدر عارفة يا “شهد” انا طاير من الفرحة وحاسس أن الشغل ده جه في وقته… يعني لو الشغل ده ظبط و صاحب التاكس رضى يسلمني طرف بليل الدنيا هتظبط وتبقى تمام

– بس ده هيبقى تعب عليك يا قلب أختك ومش هيبقى في وقت كافي علشان ترتاح

حانت منه بسمة متفائلة وقال بنبرة متأملة وهو يقصد صاحبة الفيروزتان اللامعة:

-كله يهون علشانها وبعدين أنا مش هرتاح غير لما احس إني جدير بيها يا “شهد “… ادعيلي.

ربتت “شهد” على كتفه وصاحت داعية:

-ربنا يسعد ايامك ويكرمك من وسع وتحقق كل اللي بتتمناه يا قلب أختك

وعلى ذكر الامنيات طرق باب شقتهم طرقات راقصة يعلموا صاحبتها لتقول “شهد “بخفة:

-شوفت دعواتي دا انا بركة أهي جت على السيرة والله البت دي بنت حلال

-طب روحي افتحلها يا بركة

فتحت “شهد” باب الشقة لتجدها تقف ببسمة واسعة ترتمي بحضنها ثم تضع قبلة على وجنتها قائلة:

-صباح الخير يا “شهد” وحشتيني

قهقهت” شهد” وأخبرتها بمكر:

-انا برضوا اللي وحشتك يا اونطجية ولا الاستاذ اللي جاية تجري علشانه

ضيقت “ميرال “عيناها وتوسلتها بهمس وهي تتأبط ذراعها:

-استري عليا يا “شهد”

هزت “شهد” رأسها ببسمة واسعة بينما هي تسألت بلهفة:

-هو فين؟

-هنا اهو برضو جيتي

قالها وهو يخرج أمامها لتتجمد نظراتها عليه لثوانٍ ثم همست بصوت خفيض وفيروز عيناها يلمع بوهج عشقه:

-يخربيت جمالك

لم يلتقط هو همسها ولكن “شهد” فعلت حتى أنها نكزتها بكتفها، لتحمحم بحرج وتعدل حديثها:

-هااا اه أصل انا مستحيل اسيبك في يوم زي ده من غير ما ابقى جنبك واشاركك

حانت منه بسمة هادئة تنم عن مدى سعادته بتمسكها المستميت به وقال مراوغًا:

-طب هتوصليني ولا اخد التاكس

-هوصلك طبعًا بس الأول استنى قالتها وهي تخرج علبة مغلفة من حقيبتها وتخرج منها رابطة عنق تناسب تمامًا لون بدلته، جعد هو حاجبيه الكثيفين وسألها:

-أيه ده؟

-اجابته بعفوية:

-دي Neck tieعلشان تكمل الشياكة

ضرب كف على أخر وقال بخفة وهو يعقد حاجبيه:

-ياااه على سوء النية وأنا اللي كنت مفكرها كرڤتا

قلبت عيناها وأكدت وهي تقلد طريقته:

-يا سلام ما هي كرڤتا

اعتلى حاجبيه وأخذ يهندم من ياقة قميصه قائلًا بغرور مصتنع لا يليق عليه:

-عارف أنت فكراني جاهل ولا أيه أنا بكالوريوس تجارة أد الدنيا واخد كورسات وبتكلم لغتين لبلب بس أنا بس اللي بحب اتواضع علشان معقدكيش

اتسعت بسمتها وهزت رأسها هامسة بمشاكسة:

-عارفة انك جامد وشكرًا لتواضعك يا سيدي ممكن بقى تلبسها

-أيه لزمتها انا مش بحبها بتخنقني

-لازم تتعود عليها علشان بعد كده لبسك كله هيبقى Formal

هز رأسه بعدم اقتناع لتتكرر هي بإصرار:

– “حمود” بلاش تلكيك لازم تلبسها

زاد مناقرتهم ومشاكستهم لبعض مما جعل “شهد” تطالعهم وهي تدعو الله بسرها أن يجمعهم معًا ويكلل ذلك الحب بينهم بنهاية تليق بنقاء قلوبهم

انتشلها صوته الأجش من شرودها:

-يا “شهد” الحقيني وقوليلها حاجة انا بتخنق من البتاعة دي

حانت من “شهد” بسمة حانية وقالت بخفة:

-اسمع كلام البِنية وبلاش تتعبها معاك وانا هروح اولع شوية بخور علشان يخزي العين قبل ما تنزل

-بخور كمان انتو عايزين مني ايه؟

قالها وهو يضرب كف على آخر و يرى شقيقته تدخل للمطبخ وتقهق على مشاكسته بينما هي كانت تطالعه بنظرات حالمة زلزلت قاع قلبه ككل مرة وجعلته يرتبك قائلًا:

-شكلكم اتفقتوا عليا…أمري لله بس أنا مش بعرف اعملها

-أنا هعملهالك وأبطل حجتك

وقبل أن تحصل منه على رد كانت تشب على طرف حذائها كي تضعها حول عنقه ثم وقفت أمامه تركز نظراتها على ما تفعله، بينما هو أغمض بندقيتاه بقوة وهو يلعن تلك الرائحة المسكرة التي تفوح منها وزحفت لكل حواسه اسكرتها وجعلت تلك المشاعر المستترة بقلبه تتأجج شيء فشيء وتدفع تلك الأفكار التي لا تشبهه بالمرة برأسه وتتراءى أمام عينه وتجعله يمني نفسه لو يجوز تحقيقها

أما هي فأخذت تقوم بمحاذاة أطراف رابطة العنق ولفها صانعة عقدة مرتبة في غاية الأناقة

وحين انتهت شبت أكثر كي تعدل من موضعها تحت ياقه القميص دون أن تعي أن ذلك القرب اللعين يكاد يفقده صوابه ويزعزع بحدود منطقه ويضرب به عرض الحائط فكم كان يود أن يلبي رغبة قلبه الآن ويضمها له ولكن عقله ومنطقه لا يجيز ذلك بتاتًا، رفعت هي فيروزتاها اللامعة له حين انتهت لترى نظراته تنطق بذلك الشيء الذي لم يجرأ إلى الآن أن يبوح به، لترسل له هي بعيناها إشارات مطمئنة تخبره بها أن هو كافة أمنياتها و مالك قلبها.

فقد دام تشابك نظراتهم الوالهة معًا لثوانٍ معدودة قبل أن يجد ذاته كالمغيب يهمس بنبرة متوسلة كي تكف عن تلك النظرات التي تزعزع كيانه وتجعل عزيمته تتلاشى شيء فشي:

-بلاش تبصيلي كده مش عايز اغرق في بحر عنيكِ…

توردت تحت وطأة نظراته وهمست بخجل وهي تلملم خصلاتها وتضعها خلف أُذنها:

-على فكرة أنت غرقت وخلاص

اضطربت أنفاسه وحاول جاهدًا أن يتعقل ولا ينخرط وراء تأثيرها ويستعيد ثباته وهو يدعي عدم فهم تلميحها:

– والمفروض أفهم من كده إيه؟

تنهدت بسأم من إنكاره الدائم ولكن بالطبع لم تيأس بل بادرت كي تحثه على البوح:

-مهما حاولت تداري عيونك فضحاك و قالت كل اللي جواك يا “حمود “مش لازم تنطق بيه، كفاية إني حساه…

حانت منه بسمة صافية رائقة من تفسيرها الذي راقه كثيرًا واشعره كونها تتفهمه بشدة وتحترم قناعاته، ليهدر مشاكسًا وأحد حاجبيه يعتلي بتسلية:

-مش عارف ليه حاسس أني بتدبس بشياكة

اشتعلت فيروزاتها وناغشته بنبرة مشاكسة تشابه خاصته وهي تتأبط ذراعه:

-أنا مش بدبسك انا بس عايزة اطمنك ان مفيش مفر وهفضل لازقة فيك العمر كله

قهقه بكامل صوته الرجولي الخشن بضحكة خطفت قلبها وجعلتها تتيقن كونها سقطت بحبه ربما للمرة الألف بعد المائة بينما هو ألتقطت نظراتها من جديد وهدأت ضحكاته قائلًا

كي يفض ذلك الحوار الذي يشعر أنه لو طال أكثر من ذلك سيخر أمام تأثيرها ويضرب بكل شيء عرض الحائط:

-طب يلا نهرب من “شهد” قبل ما تولع البخور وتخنقنا بريحته وبعدين انا مش عايز اتأخر في أول يوم شغل.

أومأت له بطاعة ليغادرو المنزل بخطوات مُتعجلة يسبقها ضجيج قلبهم معًا لمبادرتهم أول خطوة في طريق سعيهم لذلك الحلم البعيد.

———————–

أما هي فقد كانت تقاوم كل شيء يذكرها به، تحاول أن تصمد من أجل أطفالها اولًا ثم ذاتها فقد كانت تشعر براحة عارمة وكأن عبء ثقيل كان يكمن فوق أعتاقها وانزاح عنها، فلم تعد تتكبد العناء كي ترضي أحد كما كانت تفعل في سابق عهدها بل اصبحت تهتم بذاتها وتفعل كل شيء لإسعادها، فقد علمتها الحياة أن لا تنتظر أحد أن يمنحها السعادة بل لابد أن تجلبها هي كي تكافئ بها ذاتها عن كل ما كابدته وهي تتمسك بـ فروض الولاء والطاعة التي كانت تفرض عليها وتجعلها تتغاضى عن ابسط حقوقها و تبدي دائمًا راحته هو عن ذاتها وعن كل شيء يخصها.

فكانت تسير برفقة أطفالها تحتضن كفوفهم بسعادة عارمة بعد أن خرجوا لتوهم من أحد قاعات السينما التي كانت تعرض فيلما كوميديًا وقع اختيارها عليه كونها تفضل تلك النوعية من الأفلام قبل فترة سباتها.

وأثناء سيرهم عبر “شريف” عن رأيه:

-مامي أنا اتبسطت أوي والفيلم كان حلو مبطلتش ضحك

لتؤيده “شيري”:

-اه وانا كمان عاجبني وعايزة ادخله مرة تانية وزعلانة أن اليوم خلص وهنروح

مط “شريف” فمه وأيدها بإندفاع وبعقلانية تعطيه فوق سنه:

-انا كمان مش عايز اليوم يخلص احنا مكناش بنخرج خالص وبابي علطول مكنش بيرضى غير وهو معانا وكان علطول مشغول وبيوعدنا ومش بيخرجنا

أنقبض قلبها عندما أتت سيرته، وتذكرت تلك الأيام التي كان يحرم عليها الخروج دونه ويكبت أطفالها، لتحين منها بسمة حانية لأطفالها رغم الحزن الذي يعتمر قلبها ثم انحنت بجزعها تخاطبهم:

-قولنا ايه قبل كده…بابي كان بيبقى مشغول علشان بيشتغل علشانكم وعيب نتكلم عليه كده…

انا اوعدكم هنيجي هنا علطول وهنعمل كل اللي انتو عايزينه

تأهبوا بنظراتهم لتسترسل هي بكل عقلانية وصمود من أجل نفسية أبنائها:

-بابي وصاني أجبلك اللعبة اللي نفسك فيها يا “شريف” وقالي كمان أخدكم الملاهي اللي كان نفسكم تروحوها قبل كده

صفقوا الاثنين بسعادة وهتف “شريف” متحمسًا:

-بجد يا مامي انا مبسوط اوي ولما اشوف بابي ونرجع بيتنا لازم اشكره

أرتعش فمها وكادت تفقد اعصابها حين ذكر صغيرها أمر العودة لمنزلهم فالأمر ليس بيسير عليها ويثقل قلبها فكيف تخبر أطفال بنفس عمرهم بقرار أنفاصلهاوكيف ستبقى صامدة لهذا الحد أمامهم ولا تضع عوار عليه حتى لا يتأثر نفسية وسلوك أبنائها، لترفع عيناها التي اصبح الحزن سكينها وترجو الله بسرها أن يمنحها تلك القوة لكي تحقق تلك المعادلة الصعبة وحدها.

-مامي سرحتي في أيه؟

انتشلها صوت “شيري”من شرودها لتبتسم لها وتطمئنها وهي تعتدل بوقفتها:

-ولا حاجة يا قلب مامي، يلا بينا بقى علشان اليوم لسه في أوله ونلحق ننفذ كل اللي قولتلكم عليه

لتشدد على كفوفهم وكأنها تستمد القوة منهم ثم تسير معهم بخطوات سعيدة متحمسة في سبيل أن تعوض ابنائها وذاتها عن كل ما حرمهم هو منه بكل جبروت وانانية.
(ميراكريم)
—————–

-عرفت هتعمل ايه ولا اشوف غيرك؟

-عيب يا هانم انا خدامك وتحت أمرك واللي عليه القصد تحت عيني وأول ما ألاقي فرصة مناسبة هنفذ وابلغك

-تمام يا “سنقر” وفلوسك هتوصلك زي ما اتفقنا

انهت مكالمتها وقد اعتلى فمها بسمة متخابثة تنم عن شر مقيت فقد قررت أن ترد الصاع صاعين لتلك المتعجرفة التي اهانتها بمنزلها و أدركت أنها أخطأت بالذهاب لهناك، وكونها استخفت بها أرادت أن تثبت لها أنها تستطيع أن تضع حد لشقيقها بنفسها فسوف تعطيه درس قاسيًا كي يعرف حجمه ولا يتأمل ويبتعد عن تلك الغبية التي ستخطط لتتخلص منها فيما بعد كي لا تشاركها بتلك الثروة الهائلة التي طالما طمعت بها.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى