روايات

رواية خطاياها بيننا الفصل الأول 1 بقلم هدير نورالدين

رواية خطاياها بيننا الفصل الأول 1 بقلم هدير نورالدين

رواية خطاياها بيننا الجزء الأول

رواية خطاياها بيننا البارت الأول

رواية خطاياها بيننا الحلقة الأولى

بإحدى القرى المصرية و التى تمتاز بجمالها و روعة مناظرها الطبيعية الخلابة التى تخطف الأبصار بعكس تلك الغرفة والتى كانت ذات مظهر رث بالى وكانت غزل تجلس بأرضيتها الشبه متهالكة بوجه حزين و عينين ممتلئة بالدموع الغير متدفقة تستمع بحسرة الى صوت الأغانى و الزغاريط الصاخبة والتى تأتى من خارج المنزل حيث كانت تقام بحديقة منزل العزايزى خطبة صفا العزايزى ابنة شقيق عثمان العزايزى مالك المنزل و جميع الاراضى المحيطة به
فقد كانت صفا هى الفرد الوحيد بهذة العائلة غير زوج والدتها عثمان التى تعاملها بلطف و رفق…
بعكس باقى العائلة الذين كانوا يتعاملون معها كما لو كانت جماد لا يشعر..كأنها شئ اقل منهم شأناً لا تستحق التواجد بينهم فى ذات المكان..

 

 

فقد كانوا يستغلون اى فرصة او خطأ يصدر منها حتى يقوموا باهانتها و سحقها اسفل أحذيتهم الملوثة فكل فرد منهم يتعامل معها كما لو كان بينها و بينه ثأر و يرغب بأخذه منها لذا كانوا يتلذذوا فى اهانتها والتقليل من شأنها …
اطلقت تنهيدة حزينة و هى تحيط جسدها بذراعيها محاولة مواساة نفسها فقد كانت ترغب حقاً بحضور تلك الخطبة و الاحتفال مع صديقتها لكنها لا تستطع الحضور بملابسها البالية الرثة تلك
نهضت واقفة على قدميها المرتجفتين و اتجهت بخطوات متعثرة نحو خزانة ملابسها الشبه متهالكة تفتح ابوابها على مصراعيها حيث اخذت تتأمل باعين محتقنة بالدموع العبائة الوحيدة الموضوعة بداخلها باهمال بنهاية الخزانة فقد كانت باهتة اللون ممتلئة بالبقع المختلفة اثر عملها المستمر بالمطبخ..
فقد كانت لا تملك سوى عبائتين واحدة ذات قماش ثقيل ترتديها بالشتاء و اخرى قماشها اخف ثقلاً ترتديها بالصيف…
حيث قامت لبيبة (خالة جابر) بعد تلك الحادثة التى بسببها تم تغيير مجرى حياتها بحرق جميع ملابسها التى كان يشتريها لها جابر……
فور تذكرها لجابر انسكبت دموعها التى كانت تحبسها و اغرقت وجنتيها شاعرة بألتواء حاد من الألم يصيب قلبها لكنها هزت رأسها بقوة رافضة التفكير فيه او فيما كانت تعيشه معه بالماضى حاولت دفعه بعيداً و دفن ذكرياتها معه كما اعتادت ان تفعل طوال تلك السنوات الماضية حتى لا تتسبب بالحسرة والألم لنفسها فيكفيها ما لديها من اوجاع و ألم..
تنهدت باستسلام وهى تعيد غلق الخزانة قبل ان ترتمى فوق فراشها الشبه متهالك و الذى كان مكوناً من مرتبة بالية صلبة للغاية مليئة بالثقوب ملقاه باهمال على ارضية الغرفة البالية.
كانت بالبداية تجد صعوبة فى النوم عليها حتى انها كانت تظل ايام عدة بدون نوم لكنها بالنهاية اعتادت عليها فلم يكن امامها خيار سوى هذا…
قامت سريعاً بمسح الدموع العالقة بوجنتيها بيديها المرتجفة و هى تهمس لنفسها بصوت ممتلئ بالحسرة
=انا عارفة حظى كويس..مش مكتوبلى ابداً افرح..مجتش على دى يعنى….
حو لكن ما انهت جملتها تلك حتى فُتح باب غرفتها فجأة و دون سابق انذار مما جعلها تنتفض جالسة بتعثر فوق فراشها و قد تشدد كامل جسدها فى خوف متوقعة رؤية لبيبة امامها ترغب بتعنيفها على اى شئ كما تفعل دائماً لكنها تنفست الصعداء عندما رأت صديقتها حلا هى من تقف بالباب هاتفة بصخبها المعتاد
=ايه ده يا غزل انتى نايمة… ايه لسة مجهزتيش…
اجابتها غزل بنبرة يتخللها الانكسار
=اجهز ايه بس يا حلا…
لتكمل و هى تمسك بطرف عبائتها المنزلية التى ترتديها
= انتى مش شايفة شكلى عامل ازاى…
اقتربت منها حلا قائلة و هى تلوح لها بحقيبة كانت تمسك بها
=عيب عليكى صاحبتك عاملة حسابها……
لتكمل و هى تقذف بالحقيبة نحوها
=امسكى ألبسى بسرعة ده فستان جيبته ليكى معايا و انا بشترى فستانى….
اسرعت غزل بفتح الحقيبة بلهفة لترتسم على شفتيها ابتسامة واسعة فور رؤيتها للفستان الذى القته نحوها تتسع عينيها بأنبهار من روعته قبل ان تنتفض واقفة و تتجه نحو صديقتها تحتضنها بقوة.. فقد كانت حلا صديقة طفولتها اقرب شخص لها بهذه الحياة فقد كانت تعدها كشقيقة لها..
فقد كانت اول شخص تعرفت عليه فور وصولها الى هذا المنزل مع والدتها فقد كانت وقتها طفلة لم تتجاوز السابعة بعد بينما كانت حلا بنفس عمرها تقريباً..

 

 

فقد كان والد حلا يعمل لدى عثمان العزايزى حيث كان بمثابة ذراعه الايمن..وقتها قام عثمان بتعريفها على حلا و منذ ذلك اليوم و هم معاً دائماً…
ظلت حلا تحتضن اياها و هى تربت على ظهرها بحنان حتى هدأت تماماً و عندما ابتعدت عنها غزل اسرعت قائلة بارتباك و على وجهها يرتسم خوف حقيقى
=بت يا غزل اوعى حد يشوف الفستان و تقولى ان انا اللى جيبتهولك دول ممكن يودونى فى داهية و يقولوا لأبويا و تبقى مصيبة انا اتفقت مع صفا انها هتقول انها هى اللى جيبتهولك علشان تحضرى خطوبتها انا مرتبة معاها كل حاجة متخفيش..
اومأت غزل برأسها موافقة و على شفتيها ترتسم ابتسامة مرتجفة بينما تتأمل بفرح و سعادة الفستان الذى بين يديها
غمغمت حلا وهى تتأمل بحسرة سعادتها تلك شاعرة بالشفقة عليها لما تعانيه على يد اصحاب هذا المنزل فبعد ما كانت تنعم به من دلال على يد جابر العزايزى الذى كان يعلم الجميع مدى حبه و تعلقه الشديد بها فقد جميع من بالبلد يطلقون عليها الاميرة المدللة..
حتى انتهى بها الحال بهذة الغرفة الرثة التى لا تصلح حتى لكى يعيش بها حيوانات الشوارع الضالة
=انا همشى بقى يا غزل قبل ما حد منهم يشوفنى هنا …
اومأت غزل برأسها دون ان تشيح عينيها التى يلتمع بها الفرح والحماس عن الفستان الذى بين يديها…
و فور ان غادرت حلا و اغلقت الباب خلفها اسرعت بنزع العبائة البالية التى كانت ترتديها و ارتدت سريعاً الفستان الذى كان باللون الاسود اللامع..
اتجهت بخطوات متعثرة نحو المرآة المتهالكة المعلقة داخل خزانتها و التى كان اكثر من نصفها مفقود و النصف الاخر مليئ بالخدوش..
اتسعت ابتسامتها فور رؤيتها لانعكاس صورتها بالمرآة فقد كان الفستان ذو لون اسود لامع ملصقاً بجسدها مظهراً جمال قوامها حيث كانت تمتلك قواماً يحسدها عليه الكثير من الفتيات فقد ورثته عن والدتها ازهار التى كان معروف عنها جمالها الساحق…
نزعت الوشاح الذى كانت تعقده حول رأسها و حررت شعرها من عقدته لينسدل على ظهرها كشلال من الحرير حيث كانت تمتلك شعر بلون العسل كثيف يصل الى اسفل ظهرها فقد كان اكثر ما يميزها بالاضافة الى عينيها التى كان لونها رمادى و التى ورثتها عن جد بعيد لوالدها…
اتجهت مسرعة نحو فراشها تلتقط قلم احمر الشفاة المنكسر جزئياً و الذى كانت تخبئه اسفل مرتبة فراشها حتى لا تعثر عليه لبيبة و تقوم برميه و معاقبتها.
امسكت غزل بقلم الحمرة و قامت برسم شفتيها بلونه القانى الذى ابرز جمال شفتيها الممتلئة تراجعت للخلف تتأمل مظهرها و ابتسامة حالمة تملئ شفتيها شاعرة بسعادة لم تشعر بها منذ عدة سنوات…
تنهدت قبل ان تقوم بعقد شعرها مرة اخرى فوق رأسها وتعقد حول رأسها الحجاب الذى اتت به صديقتها مع الفستان..
ثم تناولت نظارتها الطبية التى كانت تضعها بجانب فراشها فقد كانت تعانى من ضعف شديد فى النظر تكاد تصبح عمياء بدون نظارتها الطبية تلك…مما جعلها تتعرض للتنمر من قبل جميع ساكنِ هذا المنزل فقد كانوا يلقبونها بذات الاعين الأربعة..و احياناً اخرى العمياء ” الضبشة”

 

 

و رغم تأثرها بكلامهم هذا الا انها لم تكن تظهر لهم هذا …
اتخذت خطوة الى الخلف تلقى بنظرة اخيرة راضية على انعكاس مظهرها بالمرآة قبل ان تسرع و تخرج من الغرفة و الفرح و الحماس يلتمعان بعينيها حيث كانت تفكر بانها اخيراً ستهرب و لو يوماً واحداً من واقع حياتها البائسة…
فتحت الباب الضخم للمنزل الذى يطل على الحديقة حيث يقام حفل الخطبة كانت تهم بالخروج عندما شعرت فجأة بيد قاسية تقبض من الخلف على شعرها من اسفل حجابها وصوت غاضب يعصف بقسوة
=راحة فين يا روح امك بمنظرك ده…..؟!
صرخت غزل بألم بينما تلتف حول نفسها حتى تواجه جابر الذى كان يقف خلفها مباشرة بوجهه المقتضب الذى يظهر عليه علامات الغضب و الكراهية التى اصبحت لا تفارقه كلما نظر اليها…
كانت تهم باجابته لكن تجمد لسانها داخل فمها من شدة خوفها حيث كان هناك تعبير وحشى مرتسم داخل عينيه لا ينبأ بالخير مما جعلها تتراجع الى الخلف تلقائياً فى محاولة منها للهرب..
لكنها اطلقت صرخة مدوية عندما جذبها مرة اخرى من شعرها الذى كان لا يزال يمسك به قائلاً بغضب
=تعالى… تعالى راحة فين ده انتى ليلة اهلك مش هيطلعلها شمس النهاردة..
انهى جملته تلك ساحباً اياها من شعرها الى داخل المنزل لتتبعه بخطوات متعثرة وهى تطلق صراخات متألمة مما جعله يزمجر بنبرة يملئها القسوة و التهديد بينما مستمر فى طريقه نحو غرفة مكتبه
=اكتمى و مسمعش نفسك… و الا قسماّ بالله ادفنك حية مكانك….
ارتجف جسدها بخوف فور سماعها تهديده هذا لتسرع بهز رأسها بالموافقة بينما تضغط باسنانها على شفتيها بقوة محاولة كتم صوت أنينها حيث كان الألم الذى يعصف برأسها اثر جذبه لشعرها لا يحتمل فقد كانت تشعر بان شعرها سيقتلع فى يده بأى لحظة من شدة جذبه له..
فتح باب الغرفة و دلف جاذباً اياها معه الى الداخل وهو يزمجر بقسوة ويشدد من قبضته حول شعرها مرجعاً رأسها الى الخلف بقسوة مما جعل حجابها ينزع تماماً
=سمعينى بقى كدة كنت راحة فين …؟
ابتلعت غزل الكتلة التى كانت تسد حلقها قبل ان تهمس بصوت خافض مرتجف بينما اخذت ضربات قلبها تزداد بعنف من شدة الخوف
=كـكـ.. كـنت راحـ.. راحة أ..أحـ.حـ.ضر خطوبة صفا فى الــ…….

 

 

لكنها ابتلعت باقي جملتها منتفضة فى مكانها بفزع مطلقة صرخة ذعر وقد شحب وجهها تماماً عندما قاطعها صائحاً بشراسة
=صفا…؟!!! صفا حاف كده…؟؟؟ ايه يا زبا.لة انتى نسيتى نفسك و لا اية اسمها ستى صفا…….
ليكمل بقسوة و عينيه المشتعلة بنيران الغضب تمر فوق جسدها بتفحص دقيق
=اهلا و الفستان ده جبتيه منين بقى ان شاء الله…….؟!
اخذت تتطلع اليه بصمت و عينيها متسعتين بالذعر و الرهبة بينما احشائها كانت تلتوى بداخلها بقوة من شدة الخوف..
حاولت تحريك شفتيها لأجابته لكن لم يخرج صوت من حلقها فقد تشنجت احبالها الصوتية من شدة انفعالها و الرعب الذى تشعر به…
لكنها انتفضت فى مكانها مرتعبة عندما صاح بغضب وهو يجذبها من شعرها بقسوة اكبر
=انطقى يا بت جبتيه…منين؟!
اجبرت شفتيها على التحرك بصعوبة هامسة بصوت ضعيف مختنق
=صـ..صـ فا…
لتكمل مسرعة مصححة ذلة لسانها عندما رأت الغضب العاصف الذى زجرها به
=قــ.. قصدى ست..ست صفا بنت عمك هى اللى جابتهولى…
قاطعها بخشونة و قسوة بينما عينيه التى لازالت مسلطة على جسدها بهذا الفستان تنطلق منها شرارت غضب اسود عاصف
=جابتهولك برضو و لا سرقتيه من دلاوبها يا زبا.لة ما انا عارفك كويس ايدك طويلة زى امك……
هتفت مقاطعة اياه بانفس لاهثة يملئها الذعر فور سماعها كلماته تلك
=لا… لا والله العظيم ما سرقت حاجة هى… هى اللى جابتهولى علشان احضر خطوبتها……
لتكمل هامسة بتضرع و عينيها محتقنة للغاية ممتلئة بدموع الالم و الأهانة بعد ان لاحظت ان الساعة المثبتة على الحائط تشير الى الساعة الحادية عشر و نصف دقيقة اي انه لم يتبقى الكثير على انتهاء حفل الخطبة
=و حياة اغلى حاجة عندك يا جابر سيبنى احضر الخطوبة مفضلش الا نص ساعة و الخطوبة تخلص…. انا بقالى كتير مخرجتش من البيت ولا شوفت ناس…
اشتدت قبضته التى تقبض على شعرها بقوة مما جعل رأسها يرجع الى الخلف بقسوة قرب وجهه منها ينظر اليها بعينين تلتمع بشراسة وغضب مما جعلها تخفض عينيها في خوف بينما تسمعه يزمجر من بين اسنانه
=تحضرى ايه… انتى اتجننتى…
من امتى الكلا.ب اللى زيك بتحضر افراح اسيادها… انتى نسيتى نفسك و لا ايه….
ليكمل باشمئزاز و غضب وهو يدفعها بقوة للخلف كما لو انه لا يطيق لمسها مما جعلها تتعثر و تسقط بقوة على الارض الصلبة و يرتطم ذراعها بساق الطاولة مما جعلها تطلق صرخة متألمة منفجرة باكية
=قدامك 5 دقايق تغيرى الفستان ده و تلبسى عبايتك الجربة اللى شبهك… و تفضلى فى اوضتك لحد ما الخطوبة دى تخلص عارفة لو لمحتك برا هعمل فيكى ايه….
ليكمل بقسوة و وعيد و هو يرمقها بنظرات ممتلئة بالكراهية والازدراء كما لو كانت شئ ملوث لا يطيق النظر اليه
=واخر تنبيه ليكى لو لمحتك واقفة مع صفا او بتتكلمى معاها تانى همحيكى من على وش الدنيا فاهمة…..
دفنت غزل التى كانت لا تزال ملقاة مكانها وجهها بالارض بينما تنفجر فى نحيب يمزق انياط القلب و قد تحولت دموعها الى شهقات بكاء عالية ممزقة بينما ظل هو واقفاً ينظر اليها عدة لحظات باعين غائمة ممتلئة بمشاعر قد تذهلها ان رأتها قبل ان يلتف ويغادر الغرفة مسرعاً كما لو كان يهرب من نفسه قبل ان يهرب منها مغلقاً الباب خلفه بقوة اهتزت لها ارجاء المكان و جسد تلك المسكينة…..
༺༺༺༻༻༺༻

 

 

صعد جابر الى غرفة شقيقته بسمة التى وجدها جالسة كالمعتاد على المقعد الذى امام نافذتها تتطلع الى الخارج بوجه مكفهر كئيب مما جعل قلبه يتألم عليها اقترب منها جالساً على المقعد الذى يجاور مقعدها مربتاً بحنان على ذراعها قائلاً بمرح يعاكس ما بداخله من ألم
=ايه يا بسوم.. منزلتيش الخطوبة ليه حبيبتى..؟؟
اجابته بسمة بصوت مختنق وهى لازالت تتطلع خارج النافذة
=انزل فين يا جابر… و اخلى الناس تشوفنى بمنظرى ده… انت عايزهم يتصرعوا…..
قاطعها جابر سريعاً وهو يشعر بالغضب
=ليه كدة يا بسمة… بتقولى كده ليه… انتى فيكى ايه علشان تقولى كده…
انتفضت بسمة واقفة تهتف به وهى تنفجر باكية بينما تشير الى نصف وجهها المشوه بقسوة
=فيا ده يا جابر… فيا ده….
لتكمل من بين شهقات بكائها الممزقة
=فيا انى مسخ… ما بدخلش مكان الا والكل بيبص عليا بقرف و خوف كأنى وحش… الاطفال اول ما يشوفونى يشوروا عليا و يقولوا ماما عو.. انا بقيت عو
اسرع جابر باحتضانها اليه بقوة مقبلاً اعلى رأسها
=مفيش الكلام ده يا حبيبتى اقسم بالله انتى زى القمر….. كل ده و هم جواكى…
همست بسمة ببكاء مرير
=متضحكش عليا…انا عارفة نفسى.. انا مسخ… مسخ…..
شدد جابر احتضانه اليه قائلاً بحدة و هو يقاطعها رافضاً ان يسمعها تتحدث عن نفسها بهذا الشكل
=لا مش مسخ.. و مسمعكيش بتتكلمى عن نفسك تانى بالشكل ده…
دفنت بسمة وجهها فى صدره تنتحب بقوة هامسة بألم
=هى السبب فى كل اللى انا فيه ده…هى السبب..انا بكرهها…بكرهها…
شدد جابر من احتضانه لها مغلقاً عينيه وهو يضغط على فكيه بقوة والغصب يعصف بداخله كالنيران فقد كان يعلم انها السبب بالفعل فى كل هذا …
༺༺༺༻༻༻
في اليوم التالى…..
بعد ان انهت غزل جميع الاعمال المنزلية التى امرتها بها لبيبة سمحت لها اخيراً بان تذهب لزيارة والدتها بالمشفى التى كانت ترقد بها… فقد كانوا يسمحوا لها بان تذهب لزيارتها يوماً واحداً فى الأسبوع فقط..
جلست غزل بجانب الفراش الذى تستلقى عليه والدتها التى كانت فى غيبوبة تامة غائبة عن الوعى و العالم منذ اكثر من اربعة سنوات اى منذ ذلك الحادث التى تعرضت له مع زوجها..
ارتجف جسدها فور تذكرها لهذا اليوم الذى تم فيه ابلاغها بان والدتها قد تعرضت لحادث اليم هى و زوجها عثمان الذى اصيب هو الاخر فى هذا الحادث بشلل جعله جليساً على مقعد متحرك بينما اصبحت والدتها فى حالتها تلك من اللاوعى غارقة في عالمها الخاص…
تساقطت الدموع من عينيها بينما نشيج متألم يصدر من بين شفتيها فور تذكرها كل الألام و المعاناة التى عانت منهم طوال تلك السنين الماضية فقد تعرضت للتعذيب و التعنيف من قبل لبيبة شقيقة وفاء العزايزى زوجة عثمان الأولى..
فى محاولة منها للانتقام بسبب ما فعلته والدتها بشقيقتها فى الماضى فبعد زواج ازهار العزايزى والدة غزل بابن عمها عثمان العزايزى كانت وقتها غزل تبلغ من العمر سبعة سنوات..
وكان عثمان وقتها متزوجاً من زوجته الاولى وفاء و لديه منها طفلين جابر و كان يبلغ من العمر الثانية عشر و شقيقته بسمة كانت فى التاسعة من عمرها….
لا تنكر غزل ان والدتها كانت تملك قلب قاسى للغاية وشخصية قوية ملتوية بعض الشئ حيث استغلت حب عثمان لها وضعف شخصيته معها لتتعمد اهانة و ايذاء زوجته وفاء..
وبرغم قوة شخصية وفاء الا انها لم تستطع الصمود امام جبروت ازهار التى قوى من موقفها دعم عثمان لها والوقوف امام اى شخص من أجلها..
فرغم انه كان ذو شخصية حادة و قوية للغاية يهابه الجميع ويخافه الا انه معها كان اشبه بالطفل لا يستطيع ان يُحزنها او يرفض لها امراً كما كان يتغاضى عن افعالها الشنيعة فى حق زوجته حتى انه وصل به الامر الى لوم زوجته وفاء وتعنيفها مخبراً اياها بانها من تستفز ازهار بافعالها..

 

 

فقد كان هناك ماضى بينهم لا تعلم عنه غزل شئ سوى ان والدتها كانت هى و ابن عمها عثمان يعشقان بعضهم البعض منذ الطفولة لكن عندما علم جدهم بأمر علاقتهم تلك قام بضرب والدتها و رفض ان يزوجها لعثمان بعد ان تقدم لخطبتها متحججاً بأنهم قاموا بتجاوزه و انهم لوثوا شرف العائلة بفعلتهم تلك من ثم أجبر عثمان على الزواج من وفاء ابنة عمه الاخر بعد ان هدده بانه ان لم يوافق على هذة الزيجة سوف يخبر عمه والد ازهار عن علاقتهم و الذى لن يتردد فى قتلها ثانية واحدة فقد كان معروف عنه بجمود عقله مما بث الخوف بقلب عثمان على محبوبته لذا وافق على الزواج من وفاء بينما قام جدهم بتزويج ازهار لوالد غزل والذى كان يكبرها بأكثر من ٢٥عاماً…
ظلت والدتها متزوجة زوجها هذا اكثر من خمس سنوات دون انجاب فقد كانت ازهار تعانى من بعض المشاكل وعندما قامت بمعالجتها حملت على الفور…
وعندما كانت غزل بالرابعة من عمرها توفى والد ازهار وجدها فى حادث أليم ثم لحق بهم زوج ازهار حيث توفى وغزل تبلغ من العمر سبع سنوات…
وقتها اسرع عثمان بالتقدم للزواج من ازهار و التى وافقت على الفور و تم زواجهم مباشرة بعد العدة الشرعية لوفاة زوجها مما جغل القيل والقال ينتشر حولهم لكنهم لم يهتموا …
من ثم بدأ الصراع بين ازهار والدة غزل و وفاء والدة جابر التى تم تحويل حياتها الى جحيم بعد تعمد ازهار الدائم التقليل من شأنها فى كثير من الاحيان…حتى وصل بها الامر بجعلها تعمل فى تنظيف المنزل رغم وجود الكثير من الخدم رفضت وفاء فى بادئ الامر لكنها خضعت عندما قام عثمان بتهديدها بالطلاق اذا لم تنفذ ما أمرت به ازهار لذا وافقت حيث كانت تعشق زوجها رغم معاملته السيئة لها…
كانت غزل تستغرب لما هى توافق و تتقبل اهانتها بهذا الشكل و لما كان عثمان ينفذ كل ما تطلبه والدتها كما لو كان مرعوباً من فقده لها…
لا يمكن لغزل ان تنكر ان والدتها ايضاً كانت تعشقه حد الجنون لكن لم تفهم غزل لما كانت تعامل وفاء بهذا الشكل البشع..
وكلما حاولت لبيبة التدخل بينهم و مساعدة شقيقتها كان يقف بوجهها عثمان…
لكن فى ذات ليلة عندما تشاجرت والدتها معها و قامت لبيبة بضرب ازهار طردها عثمان من المنزل ورفض ان تخطى قدمها المنزل مرة اخرى…
ظلوا على حالهم هذا حتى كبر جابر و اشتد عوده بدأ يقف بوجه والده رافضاً ما يحدث بحق والدته من اهانة و اذلال على يد ازهار مما جعل والده يعنفه هو الاخر بقسوة…
و من هنا بدأت العلاقة بين جابر و والده تسوء
و عندما بلغ جابر الثامنة عشر من عمرة نشأ خلاف كبير بينه و بين والده بسبب ضرب ازهار لوالدته مما جعله يتطاول على والده حتى انه قام بسب ازهار وقتها فعنفه والده بشدة و قام بضربه بقسوة مما جعله يفر هارباً من المنزل وقتها انهارت والدته حتى والده الذى كان يحاول ان يظهر بمظهر القوى غير المبالى الا انه ورغما عنه الدمار و الحزن كانا يظهران عليه…
وقتها كانت غزل فى الثلاثة عشر من عمرها تأثرت كثيراً بغيابه فقد كان جابر الشخص الوحيد المقرب لها بالاضافة الى حلا وصفا..
فقد كان رغم كرهه لوالدتها الا انه كان يعاملها بحنان و رفق مما جعلها تتعلق به و اصبحت ملتصقة به اينما ذهب تلاحقه فى كل مكان مما تسبب فى غيرة شقيقته بسمة التى كانت تكبر غزل بسنتين الا انها كانت تكرهها كثيراً بسبب حب والدها لغزل و تدليله لها حتى جابر كان يدللها كثيراً…
ظل جابر مختفياً عن المنزل اكثر من ثلاثة اشهر تدهور فيهم صحة والده و والدته بشدة لكن بالنهاية استطاع والده الذى لم يكف عن البحث عنه بالعثور عليه يعمل باحدى محطات الوقود وقتها رفض جابر العودة الى المنزل لكن عندما اخبره ان والدته مريضة بسبب غيابه عنها اضطر الى العودة مرة اخرى رغم شعوره بالحنق من والدته بسبب ضعف شخصيتها وجبنها وقبولها بهذا الوضع المذل…
و برغم كل هذا استمر الحال بين ازهار و وفاء على ما هو عليه فقد كانت ازهار تتمادى فى افعالها معها كما لو كانت تنتقم منها عن شئ لا احد يعلمه سواهم..

 

 

حتى وصل بها الامر انها فى إحدى المرات بعد ضربها لوفاء قامت باغراقها بسائل البنزين وكادت ان تشعل النيران بها لولا تدخل جابر الذى كان يبلغ وقتها الثالثة و العشرون من عمره و انقذ والدته فى اخر لحظة حتى انه قام بضرب ازهار ضرباً مبرحاً حيث تسبب فى كسر يديها الاثنتين مما تسبب فى جن جنون عثمان الذى قام بتعنيفه بقوة وطلب منه الاعتذار منها لكن جابر رفض الامر رفضاً تاماً
وطلب منه ان يقوم بتطليق والدته لكن عثمان رفض مما جعل جابر ينفجر به و يخبره بانه ضعيف الشخصية امام زوجته و ان جميع الناس يتحدثون عنه و يسخرون منه و من ضعفه هذا ..
ثم ترك المنزل وغادره مصطحباً معه والدته التى ولأول مرة توافقه على قراره هذا حيث كانت فى كل مرة يطلب منها ان تأتى معه و يتركوا هذا المنزل كانت ترفض رفضاً تاماً…
ولم يمر اسبوعاً واحداً على مغادرتهم حتى وصل اليهم خبر وفاة وفاء والدة جابر وقتها طرد جابر والده من العزاء رافضاً ان يجعله يحضر جنازتها بينما اخذت لبيبة شقيقة وفاء تصرخ بوجه عثمان و ازهار بانهم من تسببوا فى وفاة شقيقتها التى توفت قهراً وحسرة على حالها فزوجها بدلاً من ان يقوم بتعنيف زوجته الاخرى لمحاولتها اشعال النيران بها وقتلها قام بتعنيفها هى واتهامها بانها من استفزت زوجته الثانية…
ظل جابر يرفض جميع محاولات والده لمقابلته او التحدث معه وظل يعيش بمنزل والدته مع خالته لبيبة و شقيقته بسمة مركزاً جهوده فى العمل بالارض التى ورثها عن والدته حيث عمل على تكبيرها و توسيعها…
فى ذلك الوقت كانت غزل تبلغ من العمر السابعة عشر كانت واقعة رأساً على عقب فى حبه و قد اثر بها كثيراً غيابه عن المنزل فقد اعتادت منذ الصغر ان تراه يومياً.. و عندما علمت ما حدث بجنازة والدته انهارت بغرفتها حيث علمت ان اى امل فى ان يكون جابر لها و ان يكونوا معاً قد دمر بسبب والدتها و انانيتها لذا اقتحمت غزل غرفة والدتها واخذت تصرخ بها وهى منهارة ببكاء شبه هستيرى متهمة اياها انها السبب فى تدمير حياتها و انها السبب فى وفاة والدة جابر…
و لصدمتها بدلاً من ان تقوم والدتها بالصراخ عليها او تعنيفها كعادتها احتضنتها بقوة مقبلة اعلى رأسها بحنان مربتة على ظهرها محاولة تهدئتها هامسة بصوت مرتجف
=حقك عليا يا نور عينى انا عارفة انك بتحبيه…..
لتكمل وهى تمرر يدها بحنان فوق شعر طفلتها التى ازداد نحيبها
=بس انتى متعرفيش حاجة يا غزل متعرفيش هما عملوا فيا ايه ولا أذونى ازاى…. بكرة يا قلب امك هتفهمى كل حاجة…
رفضت غزل الاستماع الى والدتها حيث اندفعت مبتعدة عن حضنها صارخة بألم
=افهم ايه…. انتى ست ظالمة و انانية و انا عمرى فى حياتى ما هسامحك… فاهمة عمرى ما هسامحك
و انطلقت راكضة من الغرفة باقصى سرعة تدخل غرفتها وتنهار فوق فراشها منفجرة فى نوبة بكاء مرير…
مر شهر و اكثر على هذا..
دخلت غزل خلاله بحالة من الاكتئاب و الحزن رافضة محاولات والدتها للتخفيف عنها و اخراجها من حالتها تلك حيث كانت تذهب الى مدرستها ثم تتوجه منها الى دروسها الخارجية و تعود الى المنزل بعدها تستلقى على فراشها تبكى متألمة من اشتياقها لجابر حتى تغرق بالنوم.
ظلت على حالتها تلك حتى ذات يوم كانت خارجة من مدرستها تخطو بخطوات بطيئة و رأسها منحنى بينما وجهها الشاحب يرتسم عليه الألم و الحزن..
لكنها رفعت رأسها بحدة و قد اخذت ضربات قلبها تتسارع بجنون عندما سمعت صوت تحفظه جيداً ينادى باسمها…
اشرق وجهها بالفرح و قد ارتسمت على شفتيها ابتسامة واسعة فور رؤيتها لجابر يقف امام البوابة الخارجية لمدرستها يستند الى سيارته وعينيه مسلطة عليها باهتمام و اشتياق واضح لم تشعر بنفسها الا وهى تندفع راكضة نحوه و قلبها يكاد يغادر جسدها من شدة دقاته التى اخذت تتسارع بجنون امسكت بيديه فور ان اصبحت بجانبه هامسة بصوت مرتعش متقطع و قد امتلئت عينيها بالدموع
=جابر… انا مش مصدقة انك هنا بجد… انا كنت فاكرة انى مش هشوفك تانى…….

 

 

ابتلعت باقى جملتها حيث دموعها الحبيسة اخذت تتساقط على خدييها بغزارة بينما تغرق فى نوبة بكاء مما جعل وجه جابر يتصلب بقوة قبل ان يسرع بدفعها داخل خصوصية سيارته حتى لا يلفت مشهد بكائها انظار الناس من حولهم فقد كانوا ببلد ريفية ينتشر بها القيل و القال فى اى اقل من ثوانى قليلة…
قاد السيارة بصمت و هو يضغط على فكيه بقوة كما لو كان يقاوم شيئاً ما بداخله بينما ظلت هى بجانبه تغرز اسنانها بشفتيها بينما التوتر و الارتباك يتغلبان عليها من صمته هذا شاعرة بالاحراج فى ذات الوقت من بكائها امامه و فضح اشتياقها اليه
تشددت قبضتيها الممسكة بحقيبة مدرستها و هى تحاول بصعوبة منع الدموع التى تشكلت بعينيها مرة اخرى من ان تتساقط و تفضح امرها اكثر عندما اوقف جابر السيارة فجأة مما جعلها تلتف اليه تهم ان تسأله لما توقف عندما انتبهت اخيراً الى انهما يقفان بجانب الطريق الرئيسي الذى يؤدي الى المدينة..
شهقت بقوة عندما فجأة احاطت يده احدى يدها يضمها بين يده برفق بينما يده الاخرى تمر بلطف فوق خدها يمسح بحنان الدموع العالقة بها قائلاً بصوته الاجش الذى تعشقه
=واحشتينى يا غزل….
انحبست انفاسها داخل صدرها و قد اتسعت عينيها بشدة فور سماعها كلماته تلك لكنها هزت رأسها بقوة محاولة اخراج نفسها من حالتها تلك هامسة بتردد
=انا… انا كنت فاكرة انى مش هشوفك تانى و انك اكيد مش هتبقى عايز تشوفنى او تعرفنى تانى بعد اللى حصل بسبب ماما…
قاطعها جابر قائلاً بنبرة صلبة و قد تشدد وجه بينما اصبحت عينيه تلتمع بالقسوة فور سماعه اسم والدتها
=انتى مالكيش دخل بكل اللى حصل يا غزل… كام مرة اقولك انتى حاجة و ازهار امك حاجة تانية…
ليكمل و التعبير الحاد المرتسم على وجهه يختفى و عينيه المعذبة تمر فوق ملامح وجهها باشتياق واضح
=بعدين انا مقدرش ابعد عنك… انتى مش عارفة انتى غالية عندى ازاى…يا غزل
احمر و جه غزل بشدة و قد اكتسحته حرارة الخجل مما جعله يبتسم بينما يراقب بشغف حالتها تلك
ترك يدها برفق قائلاً و هو يعيد ادارة السيارة
=هخدك و ننزل المنصورة.. مش كنت واعدك هوديكى السينما تتفرجى على فيلم تامر حسنى الجديد…
اطلقت غزل صيحة فرح فور سماعها كلماته تلك و هى تسقف بيديها بحماس و سعادة لكنها سرعان ماتجمدت فى مقعدها وهى تشعر بالذنب من حماسها وفرحتها تلك فوالدته لم يمر على وفاتها شهرين فكيف يمكنها ان تظهر فرحها بهذا الشكل المبالغ به
هز جابر رأسه متسائلاً فور ان لاحظ سكونها المفاجئ
=فى ايه يا غزل… مالك؟!
اخذت نفساً طويلاً مرتجفاً قبل ان تجيبه بصوت منخفض يملئه الذنب
=معلش يا جابر سامحنى انا قعدت اتنطط و اصوت و مخدتش بالى……..
لتکمل وهى تضم حقيبتها المدرسية الى صدرها و شعورها بالذنب يزداد بداخلها
=بلاش نروح سينما… انت اكيد مش فاضى ولا ليك نفس….

 

 

قاطعها جابر على الفور بحدة و هو يلتف ينظر اليها
=لا هنروح السينما يا غزل….
ثم صمت للحظة قبل ان يتابع بنبرة متحشرجة و هو ينظر داخل عينيها بعمق
=انا جيتلك علشان عايز اخرج من اللى انا فيه… و مفيش غيرك هيخرجنى منه….
قطع جملته فجأة و قد عقد حاجبيه بغضب بينما عينيه مسلطة على شعرها الذى كان تعقده فى ذيل حصان كثيف يصل الى اسفل ظهرها امسك بطرفه بين اصبعيه
قائلاً بنبرة يملئها الحدة و الغضب
=مش قولتلك قبل كدة كفاية بقى لحد كدة و تتحجبى يا غزل…..
ليكمل بغضب و هو يدير وجهها نحوه
=انتى مبقتيش صغيرة انتى.. فى 3 ثانوى… و احنا فى بلد ارياف يعنى البنت بتتحجب من قبل ما بتدخل الاعدادى بعدين العين عليكى خصوصاً ان شكلك ملفت….
رفعت غزل نظارتها الطبية التى ترتديها الى اعلى جسر انفها و هى تقاطعه مغمغمة بارتباك
=شكلى ملفت ازاى يعنى….مش فاهم؟!
اخذ جابر يتطلع اليها بصمت عدة لحظات قبل ان تمر عينيه فوقها متفحصاً بنظرات ممتلئة بالاعجاب واضح..
لكنه تنحنح بقوة بينما يدير وجهه بعيداً فاركاً شعره بعصبية كما لو كان يحاول السيطرة على نفسه قائلاً بصوت اجش حاد
بينما يعود للقيادة
=من بكرة تلبسى الحجاب يا غزل… كفاية اوى لحد كدة…
اومأت غزل رأسها بالموافقة و هى تفكر كيف سوف تقنع والدتها بارتدائه فقد كانت ترغب ان تظل بشعرها لحين دخولها الجامعة بالعام المقبل
زفر جابر بقوة كما لو كان يحاول تهدئة نفسه قبل ان يلتف اليها قائلاًوهو يبتسم لها محاولاً تعويضها عن قسوته السابقة معها
=ها مقولتليش يا ست غزل موافقة تيجى معايا السينما و لا لاء…؟
اومأت برأسها بصمت قبل ان تبادله ابتسامته تلك بابتسامة خجلة بينما اخذ قلبها يقفز داخل صدرها بعنف و هى ترى عشقه لها المرسوم داخل عينيه بوضوح.. عشقه الذى لم يفصح عنه بالكلمات حتى الأن لكنه افصح عنه بجميع افعاله معها…
و منذ ذلك اليوم و اصبح جابر من عادته ان ينتظرها امام مدرستها يومياً يراها لمدة دقائق قليلة موصلاً اياها الى المنزل بسيارته لكنه كان ينزلها بعيداً عن المنزل بعدة شوارع حتى لا يقابل والده و كان بكل مرة يأتى لها بمجموعة كبيرة من الحلوى خاصة غزل البنات ذات الالوان المبهحة التى كانت تعشقها…كان يحب دائماً مراقبتها و هى تتناوله فى ذلك الوقت كانت متأكدة من حبه لها فقد كان فظ مع جميع من حوله حتى بعمله كان يخافه العمال و الاشخاص الذين يعملون معه عكس ما كان معها فقد كان لين فى حديثه معها.. كان يحاول دائماً اسعادها باى طريقة… حتى انه
كان يصطحبها الى المدينة عدة مرات يأخذها هناك لزيارة الاماكن التى كانت ترغب بشدة لزيارتها…
كان والده عثمان و والدتها يعلمان بأمر زياراته لها بالمدرسة و خروجهم سوياً الا انهم تصنعا عدم المعرفة فقد كان والده يأمل دائماً بتزويجهم..
بينما استمر الخصام بين جابر و والده لأكثر من عام لكنه انتهى عندما تعرض عثمان و ازهار الى حادث أليم الذى ادخل ازهار بغيبوبة دائمة و جعل من عثمان عاجزاً مقعد…..
فاضطر جابر يعود الى المنزل حيث تحدث اليه والده الذى كان فى حالة من الانهيار بسبب حالة أزهار حيث ترجى جابر ان يسامحه و يعود الى المنزل هو و شقيقته..و بالفعل اخبره جابر انه قد سامحه حيث لم يستطع ان يرى والده بهذة الحالة بمفرده لكنه لم يعود الى المنزل مع شقيقته فقط فقد جاءت معهم لبيبة شقيقة والدتهم التى تحججت بانها ستقيم معهم حتى تقوم برعاية ابنة شقيقتها بسمة التى ثم حاولت اقناع عثمان بان يتزوج منها حتى تستطيع البقاء معهم بالمنزل دون ان يصيبها القيل والقال من الناس لكنه رفض بشدة ان يتزوج امرأة غير ازهار التى كان يذهب يومياً الى المشفى لزيارتها على كرسيه المتحرك….
اما لبيبة فقد رفضت غزل و قامت باهانتها و طلبت من جابر ان يطردها خارج المنزل لكن جابر رفض بشدة و هدد خالته بعدم الاقتراب منها و معاملتها بشكل جيد و الا ستواجهه هو..
مخبراً اياها بوضوح بان غزل ليست كوالدتها و انه يجب عليها الفصل بينهما…

 

 

وقتها وافقت لبيبة على مضض لكنها بدأت ان تتبع معها اسلوب ماكر حيث اتفقت مع ابنة شقيقتها بسمة عليها فقد كانوا امام جابر يعاملونها بشكل جيد و فور غيابه يقوموا باهانتها و اذلالها بكلمات مهينة قاسية خاصة عندما كان يسافر جابر للعمل بالخارج فقد كان يزداد الامر سوءً
حيث كانوا يجبروها على العمل بالمنزل حتى وصل بهم الامر فى كثير من الاحيان من حرمانها من واجبات الطعام و الغلق عليها بغرفتها و عندما هددتهم غزل بانها ستخبر جابر بما يفعلوه بها ابتسمت بسمة و اخبرتها بانها ستنكر الامر و بالطبع جابر لن يصدقها و يكذب شقيقته و انها ستخبره بانها تفعل ذلك حتى تخرب علاقتهم كما فعلت والدتها بعلاقة والديهم..
لذا صمتت غزل عما يفعلونه بها فقد كانت تعلم بانه لن يصدقها و يكذب شقيقته الوحيدة… التى كان يهتم لأمرها كثيراً خاصةً بعد وفاة والدتهم…
لكن عندما ازدادوا فى افعالهم تلك اضطرت الى غزل الى ان تلجئ الى جابر و تخبره بما يفعلونه بها وقتها غضب جابر بشدة فور سماعه بالأمر و اجتمع بهم فى الحال و قام بتعنيفهم لكن انفجرت بسمة فى البكاء و العويل مخبرة اياه بانها لم تفعل شئ و ان غزل هى من تحاول صنع المشاكل حتى تفرقهم عن بعضهم البعض
رفض جابر تصديق بسمة و طلب منهم بان يبتعدوا عنها و الا ستواجهان غضبه…
كان ما يصبر غزل على كل ذلك معاملة جابر لها فقد كان يعاملها بحنانه و اهتمامه المعتاد وكان يحاول كثيراً التخفيف عنها فقد كان يعلم مدى صعوبة الأمر عليها بسبب مرض والدتها حتى انه كان يأخذها الى المشفى يومياً لزيارتها حيث كان يبقى منتظراً اياها بالخارج لحين انتهائها من زيارتها كما كان يخصص عطلة نهاية الاسبوع لها حيث كان يأخذها الى المدينة للترفية عنها كما كانوا يفعلوا بالماضى مما اشعل ذلك غيرة شقيقته فرغم انه كان يدللها كثيراً لكنها كانت لا تطيق تقرب شقيقها من غزل مما جعلها تزيد من معاملتها السيئة لغزل فقد كانت تكرهها حقاً…
و فى ذات يوم كانت غزل جالسة بغرفة الطعام تتناول بمفردها طعامها عندما جائت بسمة و وقفت بجانبها تتطلع اليها بنظرات ممتلئة بالكراهية والاشمئزاز
=هو انتى ايه معندكيش دم… الطفح اللى عماله تطفحيه ده… و الفلوس اللى عمالة تبعتريها يمين وشمال دى.. مش فلوس برضو جابر بتصرفيهم باى حق..
شحب وجه غزل وقد اصابتها كلماتها تلك فى مقتل فقد كانت حقاً تشعر بالاحراج بسبب بقائها هنا بعد مرض والدتها فجابر كان ينفق عليها الكثير والكثير من المال فقد كان كل حين يشترى لها الملابس الجديدة بالاضافة الى الخروجات والسفر الى المدينة فكل ما كان يمكن ان تتمناه كان يأتى به لها دون حتى ان تطلبه منه..
اكملت بسمة بغل وسهرية لاذعة وهى تتطلع اليها بقسوة
=اكيد هتديله تمن اللى بيصرفه عليكى فى اوصة النوم… مش كدة
انتفضت غزل واقفة تهجم عليها و غمامة من الغضب تعمى عينيها لا تصدق انها اتهمتها بهذا الامر الحقير قبضت غزل على شعرها تجذبه بعنف مما جعل بسمة تصرخ بقوة مستغيثة بمن فى البيت ليقتحم الغرفة راكضاً جابر الذى ما ان شاهد و ضعهم هذا اسرع بحمل غزل بين ذراعيه بعيداً عن شقيقته صارخاً بهم بغضب بان يتوقفوا عن اعمال الاطفال تلك ناعتاً اياهم بانهم غير مسئولين…

 

 

التفت اليه غزل قائلة بحدة مقاطعة اياه و هى تنتفض مبتعدة من بين ذراعيه
=اختك… شايفة انى ادفعلك فى اوضة النوم تمن اللى بتصرفه عليا من فلوس ايه رأيك يا جابر
اشتعلت عينين جابر بغضب عاصف فور سماعه كلماتها تلك صفع شقيقته بقسوة و هو يصرخ بها بشراسة
= قسماً بالله يا بسمة ان ما احترمتى نفسك واتظبطتى لأوريكى وش تانى منى… الظاهر انى دلعتك بزيادة….
هتفت بسمة بحدة ويدها فوق خدها الذى اصبح بلون الدماء اثر صفعه لها قائلة بغل و هى تنظر بتحدى الى غزل
=بتضربنى ليه علشان بقول الحقيقة مش هى دى برضو امها الفاجر.ة اللى كانت عشيقة ابونا وهى على ذمة راجل تانى……
لم تشعر غزل بنفسها الا وهى تهجم عليها تضربها بقسوة بانحاء
جسدها ناعته اياه باقسى الشتائم مقاومة بضراوة جابر الذى حاول فصلها عن شقيقته حتى نجح بصعوبة بالنهاية ..
حملها بين ذراعيه بعيداً عن بسمة مما جعلها تصرخ به وتضربه بيديها محاولة دفعه بعيداً فقد كانت فى حالة شبه هستيرية ظل جابر يضمها اليه رافضاً تحريرها حتى هدئت تماماً لكنها التفت تتطلع الى بسمة المستلقية على الارض بشعر اشعث و وجه ملئ بالخدوش بفعل الاظافر الحادة لغزل
=قسماً بالله يا بسمة لأدفعك تمن اللى قولتيه ده غالى….
لتكمل بوعيد و الكراهية تلتمع بعينيها
=سمعتينى… قسماً بالله لأندمك طول حياتك على الكلام اللى قولتيه ده و ه‍عرفك الفاجرة بنت الفاجرة هتعمل فيكى ايه……
قاطعها جابر بحدة وثرامة
=غزل.. ايه اتجننتى بتهدديها قدامى…..
زجرته غزل بغضب قبل ان تلتف الى بسمة مرة اخرى قائلة بتهديد
=خافى منى علشان قسماً بالله ما هرحمك…. حتى اخوكى ده مش هيقدر يرحمك من اللى هعمله فيكى….
انهت جملتها دافعة جابر بحدة فى صدره قبل ان تنطلق خارجاً و لكن ا وهى فى طريقها الى الاعلى وصل الى سمعها صوت جابر الغاضب وهو يعنف شقيقته بقسوة حتى انها سمعت تلك الحقيرة تبكى طالبو منه السماح لكنها لم تهتم و ذهبت الى غرفتها..

 

 

جاء بعد ذلك جابر اليها وحاول مراضاتها وعندما اخبرته انها ستنتقل وتترك المنزل انفجر بها و اخبرها انه يحبها و يرغب بالزواج منها وقتها شعرت غزل بانها ملكت العالم بأكمله لكنهم اتفقوا ان ينتظروا قليلاً قبل اعلان خطبتهم فقد كان حادث والده و والدتها لا يزال حديثاً وظلوا اكثر من شهر كانوا غارقين بحب بعضهم البعض وقتها شعرت غزل بسعادة لم تشعر بها من قبل طوال حياتها..
حتى جاء اليوم الذى هدم فيه سعادتها تلك…
اعتدلت غزل فى مقعدها بجانب فراش والدتها بالمشفى وهى تتذكر ذلك اليوم الذى انقلب به حب جابر وعشقه لها الى كراهية و احتقار..
ففى احدى الليالى شعرت غزل بالجوع فى منتصف الليل لذا هبطت الى المطبخ لكى تصنع شئ تأكله و هى تشعر بالاطمئنان لوجود جابر بالمنزل فلبيبة و بسمة لن يستطيعوا فعل شئ لها فى حضوره..
اخرجت من المجمد بطاطسجاهزة للقلى وضعت زيت غزير على نار البوتجاز حتى تقوم بقليها عندما سمعت صوت خلفها التفت فازعة لتجد بسمة واقفة بباب المطبخ تزجرها بنظرات يملئها الكراهية و الغل بينما كان وجهها وعينيها منتفخين بشكل ملحوظ كما لو كانت قد قضت الساعات الماضية فى البكاء..
همست بصوت خشن يقطر بالغل و الحقد
=بقى انا بنت الحسب و النسب يفضلك انتى عليا… ليه فيكى ايه زيادة عنى…. فيكى ايه مش فيا…
غمغمت غزل بارتباك و عدم فهم
=هو مين ده انا مش فاهمة حاجة..؟!
صرخت بسمة مقاطعة اياها بنبرة يتخللها الجنون و الغضب
=ايوة… استعبطى… اوى يا بت وقعى رجالة العيلة كلها فى حبالك و اعملى عبيطة مش فاهمة…. ايه مش مكفيكى جابر اللى واكله عقله… جاية عايزة كمان تاخدى منى ده كمان.. بس اقول ايه ما انتى خرابة بيوت زى امك…..
لتكمل وهى تتقدم لداخل المطبخ وعينيها لازالت مسلطة علي غزل الواقفة تتطلع اليها باعين متسعة بالصدمة وهى لا تفهم عما تتحدث

 

 

=بس انا عارفة ازاى اخليكى تخفى من حياتى خالص و جابر اللى يطردك من البيت بايده زى ما كان المفروض امك تتطرد منه بعد ما حاولت تولع في امى و تحرقها….
انهت جملتها تلك و هى تتقدم نحو ترفع العبوة التى كانت بيدها و تسكب السائل الشفاف الذى بداخلها فوق رأسها لتغرق كامل جسدها به و ينبعث على الفور رائحة البنزين القوية والنفاذة مما جعل غزل تتراجع للخلف بعيداً عنها وهى تشاهد بارتباك ما تفعله و هى لا تفهم ما الذى تحاول صنعه تلك المختلة
لكن شحب وجه غزل و قد سيطر الخوف فور ان سمعتها تصرخ باعلى صوت لديها بنبرة شبه هستيرية
= الحقـــــونى…. عايزة تولع فيا….الحقــــــنى ياجابر عايزة تحرقنى زى ما امها كانت عايزة تحرق امى الحقونى يا ناس هتموتنى……

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطاياها بيننا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى