روايات

رواية فطنة القلب الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم سلمى خالد

رواية فطنة القلب الجزء الثاني والثلاثون

رواية فطنة القلب البارت الثاني والثلاثون

فطنة القلب
فطنة القلب

رواية فطنة القلب الحلقة الثانية والثلاثون

لعل صدمة الصفعة لم يكن لها أثر قوي بعد تلقيهم الصدمة الثانية من مُتلقي الصفعة، انتفض زين من مكانه يتطلع نحو ياسمين التي ادارت وجهها من الصفعة التي أخذتها بدلًا عن اختها، في حين وقفت قطوف تحاول استيعاب ما يحدث، تحدق بشقيقتها التي نزفت شفتيها واضعة يدها على وجهها، أنهي تلك الصدمة صوت مازن الذي قال:
_ ايه اللي حصل هنا!!
هبط من الدرج حتى وصل لهم، لينطق ياسين بكلماتٍ صادمة له:
_ أمك جت تضرب قطوف عشان بتتكلم معانا فقامت ياسمين خدت القلم مكان قطوف.
وقعت الكلمات على مسمعه وكأنها دلو ماء بارد يسقط عليه بمنتصف شهر طوبه، استدار ينظر لوالدته التي تشتعل عينيها بحقدٍ نحو قطوف، في حين كادت قطوف أن تنطق بعصبيةٍ:
_ أنـ…
قاطعها مازن يعلو صوته بحدةٍ قائلًا:
_ قطــــــوف اسكتي.
نظرت له قطوف بأعينٍ نارية، ثم حاولت فتح فمها ولكن سريعًا اوقفها مازن مرددًا بصوتٍ حازم:
_ أنا قولت اسكتي.
علت بسمة انتصار على وجه ميرڤت، تنظر نحو قطوف بسعادةٍ قائلة:
_ فاكرة نفسك مين عشان تقفي قدامي.. اهو جه حبيب القلب وقفك.
تقدم مازن نحو والدته متخطيًا قطوف التي تشتعل غيظًا كلما حاولت الحديث يشير لها مازن بالصمت، لم تتمنَ بتلك اللحظة سوى أن تحرق حبه الذي اوقفها عن الحديث والخضوع لأوامره، في حين وقف مازن أمام والدته بهدوءٍ وقبل أن تنطق ميرڤت ببسمة انتصار دثرها بحديثه لها:
_ اللي كنتِ عايزة تمد ايدك عليها دي تبقى مراتي.. قطوف محمد العطار.. قطوف دي هي مش مراتي بس دي هي اللي ادتني حنان الأم اللي بقيتي أنتِ عاجزة عن أنك تقدميه ليا.. مراتي لو كنتِ مدتي ايدك عليها مكنتش عارف هيبقى رد فعلي ايه.. ولو فاهمة انك بتستغلي رضاكي عليا في إني هسيب حق ياسمين اللي ضربت مكان اختها فأنا بقولك اهوه لاء مش هسيبه يا أمي.. أنتِ آه أمي لكن أنك تكوني ظالمة دا يرجعلك لكن إنك عايزة إني أكون ظالم معاكي فأنا مش هقدر..
عاد خطوتين للخلف يشير نحو قطوف بيده مسترسلًا:
_ اللي واقفة قدامك اتحملت عيوبي اللي أنتِ عملتيها فيا.. اللي واقفة دي كانت هي الست اللي بميت راجل.. استحملت كل اللي حصلها بسببك وبسببي.. قطوف اللي واقفة دي ليها حق تعمل أي حاجة في البيت ولاسيما أنه بيتها وأنا وأنتِ ضيوف فيه يعني لو للحظة حسيت إني مش مرغوب فيا أو فيكي هاخدك وامشي.. لكن الحاجة الوحيدة اللي آسف إني مش هقدر ارضيكي فيها..
توقف عن الحديث فجأة ثم تقدم نحو قطوف ممسكًا رأسها بحنوٍ، متأملًا ملامحها المصدومة من حديثه، ثم انحتي يقبل جبينها برقةٍ مستطردًا:
_ هي إني أظلم بنت الناس معايا عشان أمي مش قادرة تتقبلها.. مش هقدر اظلم مراتي وسكني.. ونسي اللي طلعت بيه من الدنيا ومكافأة ربنا ليا على حاجة مش عارف عملت إيه عشان اخدها.. وعمري ما دوقت معنى المشاعر الحقيقية اللي بجد إلا منها هي وبس.
لم تستطع ميرڤت استيعاب ما يقوله، هل فقدت السيطرة على ابنها الآن، هل خضع لقطوف فجأة، ما الذي يقصده بمشاعر حقيقية! هل كشف لعبة الأم الحنونة في البداية، اشتعلت عينيها بحقدٍ أسود مخيف، عندما قال بصوتٍ هادئ مبتسمًا نحو ياسمين:
_ أنا بعتذرلك يا ياسمين عن اللي حصل.. ولو عايزة أي حاجة تعوضك عن اللي حصل فأطلبيه وأنا هنفذها بس اتمنى تكوني الحاجة دي بمقدرتي.
حرك ياسمين رأسها بنفيٍ، ثم قالت ببسمة متألمة:
_ لاء يا ابن عمتي.. أنت بتعتذر عن حاجة معملتهاش ليه! ثم أنا اللي وقفت عشان عمري ما هسمح أن اختي تتكسر ولا تتهان قدام حد.
أومأ مازن بإيجابية، يردف متطلعًا نحو قطوف بأعينٍ أغرقها الشوق بها:
_ ولا أنا كمان هسمح حد يهنها حتى لو الشخص دا أنا.. بس حاليًا حصل للأسف الموقف ودلوقتي قطوف عايزانا في بيتك ولا نقعد أنا وأمي؟!
وقع بصر الجميع على قطوف، واقفة تتأمل حدقتيه اللتان تخبره بالكثير عن اشتياقه لها ولكن رفضت أن تصدق، أغمضت عينيها بألمٍ تردف بصوتٍ مختنق:
_ أ.. أمشي.
كلمة واحدة جعلتها تعاني الكثير، في حين تأملها مازن قليلًا ثم قال بألمٍ لم يستطع اخفاؤه:
_ كان نفسي تقولي العكس.. بس أظاهر أني خذلنك مني خلاكي شايفة إني مستحقش فرصة تاني.
استدار متطلعًا نحو والدته يردف بصوتٍ جاد:
_ قدامك ربع ساعة عشان نمشي.. أنا هطلع اجهز شنطتي.
تحرك نحو الدرج ولكنه قبل أن يتخطى قطوف، وقف بجانبها هامسًا بصوتٍ عاشق ذاق المرار من عشقٍ أصبح مستحيل المنال:
_ هتوحشيني يا أجمل وردة اتزرعت بحياتي وصلحتها.
سمع ياسين ما قاله، في حين نصل أخر من الألم انغرس بصدر قطوف، صعد مازن نحو الغرفة كي يكمل ما بدأه، في حين تحركت ميرڤت تتجه نحو غرفتها بعدما رأت أعين الجميع النافرة لها تقع عليها.
:_ ليه سبتيه!
قالها ياسين بحزنٍ ظاهر، في حين أدمعت عين قطوف تردد بصوتٍ مختنق:
_ محدش يدخل.. اللي شوفته مش قليل.
تحركت نحو الحديقة وبالأخص ورشتها، في حين نظر زين نحو ياسمين بلهفةٍ ثم قال بقلقٍ:
_ ملك معلش هاتي قطنة وامسحي الجرح لياسمين.
حركت ملك رأسها وساعدت ياسمين على النهوض ولكنها هتفت بصوتٍ يحمل قليل من الفرحة:
_ أنا أول مرة اقف قدام عمتي من غير ما أخاف و اوجهها.
حاول زين استيعاب ما قالته، ثم تيقن أن ياسمين بالفعل استجابة للعلاج وأنها الآن بكامل قدراتها وأن موافقته له على الزواج بكامل اردتها، ابتسم لها يردد بحبٍ:
_ قولتلك أنتِ قوية.
بادلته الابتسامة خجولة، ولكن قاطعها صوت ملك تردد بسخرية:
_ يلا ياختي خليني اشوف خدك اللي اتشلفط دا هوه.
عبست ملامح ياسمين بغيظٍ، ثم تحركت معها في حين تنهد زين مرددًا بحيرة:
_ أعمل إيه دلوقتي! اتقدم إزاي لياسمين بعد اللي حصل لمازن.
نظرت له زينة متمتمة ببسمةٍ ماكرة:
_ لاء دا انسب وقت عشان نجمعهم تاني مع بعض.
نظر لها ياسين بصدمةٍ، ثم عاد بنظرة نحو زين مرددًا:
_ ألحق أمك الست الطيبة طلعت بتخطط.
عوجت زينة فمها ساخرة بالحديث:
_ هو لو أمك بتخطط كان دا بقى حالك مع عروستك.. اتوكس.
عبست ملامح ياسين بغيظٍ ثم قال بسخط:
_ اتوكس أكتر من كده ايه.. كفاية قعدتي جنبك.
شهقت زينة فجأة من حديثه، ثم قالت باستنكارٍ:
_ بقى أنا قعدتي توكس يا موكوس.. بتعلق فشلك على شمعتي.. طب ماشي أبقى شوف مين هيساعدك في اقناع أبوك على اللي هتعمله.
أسرع ياسين يمسك كفاها مقبلًا إياه، ثم قال بتراجع قبل أن تدمر ما يخطط له:
_ لا يا ست الكل أنا اللي موكوس وفاشل.. وفشلي مليت بيه الدولاب.. وكمان مليت بيه دولاب الموكوس التاني مازن اللي مش عارف يرجع مراته.. مرضية كده يا ست الكل.
نظرت له بجانب حدقتيها، ثم قالت بصرامة مزيفة:
_ أيوة كده اتظبط.
****************
وقفت أمام المرآة تتأمل وجهها ببسمة رضا على وجهها، قد تخطت عمتها وخوفها منها، وقفت أمامها بقلبٍ شجاع لم يهتز كما كانت تخشاها من قبل، رفعت كفاها تتحس موقع الصفعة ثم همست لذاتها بصوتٍ يحمل القوة:
_ النهاردة أخدت خطوة إني مستخباش ورا اختي تاني.. وبكرة هبقى اقوى عشان الكل يحترمني ويعاملني بأدب.
قاطع تأملها لذاتها وحديثها الداخلي صوت ملك مرددة بحزنٍ:
_ هي بتوجعك أوي!
استدارت ياسمين لها، تتطلع للقطن الموجود بيدها ثم قالت ببسمة رقيقة:
_ شوية.. بس كله الوجع دا ميسوش نقطة من خوفي من الناس.. أنا كنت بخاف اخرج لوحدي يا ملك.. وعمتي كانت بتكسرني علطول.. دي أول مرة أقف قدامها كده.. احساسي من جوا إني اتغلبت على مخاوفي دا مفرحني جدًا.
ابتسمت ملك لسعادتها وبدأت بنظيف جرحها ووضع كريم حتى يخفف من أثر الصفعة على وجهها.
*********
انتهى مازن من حقيبته، ثم حملها يتجه نحو غرفة والدته التي تستنشط غضبًا، نظر لها بعمقٍ ثم قال بهدوءٍ:
_ لو كنت رجعتي عن اللي جاية عشانه كنت عافرت عشان نكمل معاهم.. بس للأسف طمعك خلاني ابعد عنها واحميها منك.. ولحد أخر نفس في عمري هفضل أحمي قطوف يا ميرڤت هانم.
ظلت تنظر له بأعينٍ مخيفة، لم يستطع أن يكشف هل ستدبر شيء آخر أم ستتوقف عند هذا الحد، حمل حقيبة والدته ثم انتقل بها إلى الأسفل يودع ياسين الذي قال بحزنٍ:
_ منه لله اللي كان السبب في اللي أنت فيه يا صاحبي.
كبح زين ابتسامته، في حين ربت مازن على كتفه قائلًا ببسمة حزينة:
_ عادي.. معدتش فارقة معايا.
تقدم نحو زين كي يودعه، ولكن استمع له يردد بإصرار:
_ لو استسلمت يبقى أنت اللي بتختار.. أنت عليك السعي المستمر والنتيجة بتاعت ربنا.. متيأسش يا مازن عشان متندمش.. لأن لحظة الندم هتبقى أصعب بكتير من اللي عايشه دلوقتي.. صدقني.
بضع كلمات أشعلت بداخله القليل من الحماس مجددًا، ابتسم له ثم ربت على ضهره بعدما احتضانه يردد:
_ حاضر يا ابن الخال.. بس خلي بنتك تقعد مع قطوف عشان هي اللي هتجبهالي من الأخر.
ضحك زين على حديثه ثم قال غامزًا:
_ خدها اليومين الجايين عشان أنا هبقى عريس.
ابتسم مازن بسعادة له، وهتف بتعجلٍ بعدما وصلته رسالة بوصول السيارة التي طلبها:
_ لينا قاعدة نتكلم فيها.
:_ متقلقش هنتفق عشان لزمًا تبقى في ضهري.
قالها زين ملوحًا بيده، في حين انطلق مازن مع والدته نحو السيارة وضع بها الحقائب ثم استدار حول السيارة كي يركبها ولكنه لاحظ قطوف وهي تراقبه من خلف الشجرة، اخفى بسمته ولكنه أيقن أن حبه بداخلها لا تزال بذرته حية.
**********
:_ أنا هروح مشوار سريع كده وهاجي اشطا.
قالها ياسين حاملًا حقيبة بيده، في حين نظرت له زينة قائلة بتهكم:
_ بتروح زي العبيط بابتسامتك الهبلة وترجعلي مكشر وبوزك شبرين.
عبست ملامح ياسين ليردف بصوتٍ متذمر:
_ ياما قوليلي مين اللي قومك عليا عشان هاكل أمه بالجزمة دلوقتي.. أنتِ مستلماني النهاردة جامد.
رفعت زينة نعلها ثم ألقته على ياسين الذي ركض نحو الباب، لتردف بغيظٍ:
_ هتاكلني بالجزمة يا فاشل.. روح يالا من هنا.
:_ مش عجبك طلقني.
قالها ياسين قبل أن يغلق الباب بعدما نزعت زينة نعلها الثاني، تعالت ضحكت زين عليهما، في حين همست زينة برجاءٍ متضرعة:
_ يارب يحنن قلبها عليك يابني يارب وافرح بيك.
**********
أمسكت بهاتفها تتصل على طبيبها، تريد البوح الآن، لا تعلم سر ما بها، فقد انفطر قلبها من ذهابه، تمنت لو تعيده مكانه من جديد وتخبره برغبتها ببقائه، استمعت لصوت الطبيب يتمتم بصوتٍ هادئ:
_ ايوة يا مدام قطوف.. عاملة إيه؟!
اجابته بصوتٍ مرتعش:
_ بخير.. بس كنت عايزة اقول لحضرتك على حاجة.
رد باهتمامٍ:
_ اتفضلي طبعًا سامعك.
أخذت قطوف انفاسها ثم قالت بصوتٍ يحمل اختناق دموعها:
_ النهاردة عمتي كانت عايزة تمد ايدها عليا عشان استفزاتها بالكلام.. بس اختي وقفت قدامها وخدت الضرب مكاني…
صمتت فجأة، في حين تسأل هاني بهدوء:
_ وموقف مازن كان إيه؟!
تسارعت وتيرة انفاسها، وعلم هاني أن هنا تكمن المشكلة، حركت فكيها بصعوبة ناطقة:
_ نزل وسأل إيه اللي حصل.. وكنت هرد واتعصبت بس وقفني والغريبة اني وقفت فعلًا كلام وسمعت كلامه.. ورد على أمه صحيح مزعقش ولا رد عليها بقلة ذوق بس قالها كلام حلو في حقي ورفع من مكانتي أوي.
:_ طب المشكلة فين!
قالها بتساؤل، في حين اجابته قطوف بضعفٍ:
_ قالي عايزني أفضل في البيت ولا أمشي.. وأنا قولتله أمشي.
فهم هاني ما بها، ابتسم بهدوءٍ قبل أن يردد باتزان:
_ اللي أنتِ فيه دلوقتي ما هو إلا صراع جواكي بين قلبك وعقلك.. عقلك بيقولك خليه ويمشي وقلبك ضغط عليكي في إنك سبتيه وأنتِ لسه بتحبيه، حاول تهدي نفسك يا قطوف حاليًا أنتِ محتاجة تقرري هل هتقدري تبعدي بشكل نهائي عنه ولا عايزة تكملي معاه بس وقتها هتسبيه يعالج جواكي جروحك.. اجابة السؤال دا هتعرفيها لما تحسي نفسك مهتمة بيه.. متابعة اسمه واخباره.. لما تيجي سيرته تلاقي قلبك بيدق بسرعة ومركزة.. لو حسيتي إن كل دا مش موجود يبقى فعلًا حبه انتهى جواكي لو العكس فالأحسن تديله فرصة يحاول طالما هو برضو بيحاول عشانك.
أغلقت قطوف معه، ولكنها تعلم اجابة السؤال قبل ان يمر اليومين بدونه، فهي لم تتحمل رحيله، ظلت تراقبه حتى غادر، تنهدت بتعبٍ ثم قررت الدلوف لغرفتها كي تستريح من عاصفة التفكير التي ضربت رأسها.
************
نظر للحقيبة بحماسٍ، ثم وصل لمكتب مريم، رأته السكرتيرة وسرعان ما ابتسمت تشير له بأن ينتظر بعض الوقت حتى تنتهي مريم من الحالة التي معها، ظل ياسين جالسًا حتى خرج ذاك العميل، لتراه مريم كبحت بسمته بعبوسٍ طفيف ظاهر، ولكن لم تستطع اخفاء لمعة عينيها عند النظر له، استدارت كي تعود لمكتبها ولكن اوقفها ياسين بغيظٍ:
_ شوفتي ميرڤت عشان تبصيلي كده!
قطبت مريم جبينها بتعجبٍ، ثم تسألت بفضول:
_ مين ميرڤت دي؟!
اجاب ياسين بسخطٍ:
_ عمتي.
ما أن استمعت لإجابته حتى ضحكت بشدة عليه، ابتسم ياسين لطريقتها ثم قال بحبٍ:
_ تدوم ضحكتك.. ووجودها في حياتي.
خجلت مريم من حديثه، لتردف بصوتٍ جاد:
_ جاي ليه!
:_ في حد يقول لخطيبه جاي ليه!
قالها ياسين ببرودٍ، في حين اشتعلت عين مريم بغيظٍ مغمغمة:
_ خطيب.. خطبتك عقربة.
رفع حاجبه بغيظٍ مماثل، ليرد بحنقٍ:
_ متقوليش على نفسك كده يا مريم.. أنتِ مش عقربة.
شهقت بصدمة من رده، في حين تعالت ضحكت السكرتيرة عليهما، ولكن توقفت فجأة ما أن رأت نظراتهما الغاضبة، تراجعت للخلف بتوترٍ متمتمة:
_ أنا آسفة كملوا.
أدارت مريم رأسها تكمل بحدة:
_ أنا عايزة أفهم جيت ليه!!
أمسك ياسين الحقيبة، ثم كاد أن يلقيها في وجهها ولكنه توقف يستغفر الله، يردد ببرودٍ:
_ خدي جبتلك هدية.
:_ اخدها ببتاع إيه.. هو أنت خطيبي!
قالتها باستفزازٍ، لتشتعل عين ياسين بغيظٍ يلقي الحقيبة عليها قائلًا وهو يلوح بوجهه لها كي يغادر:
_ أنا مهزق عشان بسمع كلام عقلي وجيت ليكي اجبلك هدية.. أنتِ أخرك مصاصة وكده ابقى كرمك معايا.. أنتِ خسارة الواحد يعرفك حاجة.
اتسعت عين مريم دون أن تستطع الرد، فقد غادر من العيادة، في حين اشارت السكرتيرة لمريم لتلحق ما سقط من الحقيبة، نظرت مريم لتجده حذاء ذو كعب صغير نسائي باللون النبيتي، قطبت جبينها بتعجبٍ ونظرت لباقي محتوى الحقيبة لتجد فستانًا بلون النبيتي رقيق للغاية، هادئ الشكل، ليحمل حزامٍ من نفس اللون ومعه الفستان، ومعه حجاب باللون الجملي عليه.
تأملت الفستان وشعرت بمدى ذوق ياسين الرقيق، زحفت ابتسامة صغيرة لشفتيها ولكنها قطبت جبينها بحيرة متمتمة:
_ الحاجات دي بتاعت مناسبات.. هو في فرح وأنا مش عارفة!
**********
وصل مازن الى شقة والدته التي لطالما كرهها، وضع الحقائب جانبًا ثم كاد أن يدلف إلى غرفته ولكن اوقفته والدته متمتمة بسخرية:
_ هطلقها امتى؟
أغمض مازن عينيه بتعبٍ من طريقتها، ثم استدار لها يردد من بين أسنانه:
_ وهي هتفرق إيه! طلقتها أو لسه الموضوع دا هيفرق مع قطوف بس.
تقدمت ميرڤت منه تكمل تمثيلها عليه متمتمة بحزنٍ مزيف وهي تمسك كفه:
_ يا بني أنا خايفة عليك.. هي عاملة تتكبر علينا وأنت تستاهل ست ستها كمان.. طلقها وسيبها وتعالى نسافر والفلوس ناخدها منها.
اشمئز من طريقتها، لينزع يده منها متمتمًا بنبرة نافرة:
_ قولتلك قبل كده لأخر نفس في عمري هحمي قطوف منك.. وفلوسي كلها بقت باسم قطوف يعني كلي لقطوف يا ميرڤت هانم.. اعترفي انك خسرتي.
تركها يدلف للغرفة، في حين اشتعلت عينيها بحقدٍ، تضرب الزجاج بجنونٍ، تردف ببسمة جنونية تحمل الشر:
_ حاولت اجيبك لصفي بس أنت اللي اختارت!
***********
مرت تلك الليلة بصعوبةٍ على الجميع، لم يعلم مهران بما حدث فقد ظل مختفيًا طيلة اليوم، في حين قرر زين الذهاب له كي يعد ذاته لكتب كتابه، في حين بقت قطوف تذرف دموع صامتة ولم تتحدث مع أحد بتلك اللحظة.
***********
أمام مركز رعاية لكبار السن..
وقف زين يهندم ملابسه بعناية قبل يدلف للداخل، ليقطع ما يفعله صوت ياسين قائلًا:
_ ما تخلص يا عم هو أنت رايح فرح.. دا يدوب رايحين نقابل ابوها ونقوله.
رمقه زين بنظرة مغتاظة، يسير إلى الداخل مغمغمًا:
_ اتصدق إني مهزق اني جبتك.
:_ ايوة فعلًا.
قالها ياسين بتأكيد، ليستدير زين يرمقه بنظرة حانقة، يردد دافعًا ياسين للخارج:
_ امشي يلا أنت من هنا بدل ما ألغي كل حاجة وانزل طحن فيك.
تراجع ياسين بترددٍ، يردد ببعض التوتر ما أن رأى احتقان وجه شقيقه:
_ لا خلاص هتلم أهوه.. اتفضل يا سيادة البشمهندس زين.
منحه نظرة غاضبة ثم انتقل سيرًا إلى الداخل دون النظر له، وصل كلًا من زين وياسين إلى محمد الذي يجلس بالحديقة وسط الهواء الطلق، وإلى جواره مهران يتحدث معه بأحاديث مختلفة.
_ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قالها زين مبتسمًا لوالده وعمه، في حين نظر له مهران بتعجبٍ يردد:
_ ماذا بك! هل الجميع بخير!
كاد أن يجيب ولكن قاطعه ياسين يهتف بسخرية:
_ يعني الواد متشيك ومتهشتك عشان جاي يقولك البقاء لله يا حاج.. اكيد لاء دا موضوع عايز فيه عمي محمد.
رمقه مهران بنظرةٍ صارمة جعلت ياسين ينضبط بوقفته متمتمًا بخفوت ينزل رأسه للأسفل كطفل مذنب:
_ أنا آسف.
منحه مهران نظرة أخيرة غاضبة ثم عاد بنظره إلى زين يتسأل بتعجبٍ:
_ ما الموضوع الذي تريد به عمك؟!
جلس زين أمام محمد يمسك بكفه مرددًا ببسمة صغيرة:
_ جاي اطلب ايد ياسمين على سنة الله ورسوله.
ابتسم محمد بصعوبة، يحرك جسده بسعادة، يردد بكلمةٍ متقطعة محاولًا فتح فمه للحديث:
_ بـ..بـجد!!
حرك زين رأسه مقبلًا يد محمد، يهتف بصوتٍ يحمل حبًا دافئًا:
_ أنا خايف حضرتك ترفض عشان عندي بنت وكنت متجوز.. بس حبي لياسمين خلاني جيت لحضرتك واللي عايزه كله أنا تحت أمرك فيه.
ضحك محمد يتطلع نحو شقيقه، يردد بذات الصعوبة:
_ شو..شوفت.
قطب زين جبينه بتعجبٍ، في حين نظر ياسين لوالده بفضولٍ ثم قال:
_ شوفت ايه؟!
أجاب مهران ببسمة تعلو ثغره:
_ لأن كنا من قليل نتحدث عن ياسمين وحبها لورد وكأنها والدتها.. وأن ياسمين أصبحت قوية منذ أن باشر زين علاجه معاها.. لذا عمك يوافق على زواجك منها.. فهو لن يشعر بالأمان على بناته إلا معك ومع مازن.
تهلل سرير زين وشعر بسعادةٍ تغرق وجهه، في حين نهض ياسين يحضن شقيقه متمتمًا بحبٍ اخوي:
_ مبارك يا زين الرجال كلهم.
ضحك زين بفرحةٍ ظاهرة، يردد بصوتٍ رجلًا ظل يدعو لسنواتٍ لكي يستجيب الله له دعوة، واُستجابت على حين غرة:
_ الله يبارك فيك..
استدار زين لهم، يردف بحماسٍ:
_ طب ينفع نعمل كتب كتاب الأسبوع الجاي.
كاد مهران أن يجيب ولكن اوقفه زين متمتمًا برجاء:
_ صدقني هي موافقة وكله هيبقى تمام وأنا مجهز كل حاجة ناقص بس موافقتكم.. وعمي يقعد في البيت الفترة دي.
حرك مهران رأسه بيأسٍ، ثم قال بضحكة خافتة:
_ حسنًا يا بُني أفعل ما شئت.
قفز زين من شدة سعادته، وشعر برغبته القوية في اتمام كل شيء بذات اللحظة ولكن مر الكثير والكثير وما بقى إلا قليل.
***************
أمسكت ميرڤت بحقنة الانسولين، تتأمل ما فعلته بها فقد ازدادت الجرعة حتى ينهي مستوى السكر بالدم، نظرت لها ثم غادرت الغرفة تعلم أنه سيأتي من الخارج كي يضعها، ظلت جالسة بالردهة تنتظر قدومه وبالفعل مر وقت حتى دلف للمنزل، سار نحو غرفته في صمت، ثم أخذ جرعته المطلوبة ودلف نحو الحمام كي يغتسل.
مر وقت بدأت تتشوش الرؤية أمامه، وضع يده على وجهه محاولًا التماسك ولكن الأمر يزداد سوءًا، غادر الحمام بعد أن ارتدى ملابسه بصعوبة، يستند على الحائط كي يصل إلى غرفته ولكن ازداد شحوب وجهه، ولم يستطع التحرك أكثر ليسقط بالردهة أمام والدته التي ابتسمت وهي تراه ملقى على الأرض هكذا، هتف مازن بصعوبةٍ:
_ ألـ.. حقـ.. ـين. ( الحقيني)
علت ضحكت ميرڤت وهي تتطلع له، ثم هبطت لمستواه مرددة بشرٍ خبيث:
_ ألحقك.. ألحقك إزاي وأنا اللي زودت جرعة الانسولين عشان أشوفك مرمي كده.. كنت فاكر إنك عشان ابني هسكت.. لاء.. مش أنا اللي يتلوي دراعها حتى لو ابنها.. أنا ماشية وهسيبك كده ولما ارجع هتفاجئ انك خدت جرعة زيادة وموت.
هبطت دمعة ساخنة من عين مازن، يشعر بأن ما يحدث ليس سوى كابوس مخيف لن يستيقظ منه، غادرت ميرڤت أمام عيني مازن، في حين تسارعت ضربات قلبه فشعر بزيادة الخلل بجسده، زحف بجسده نحو الهاتف الأرضي الموجود على الطاولة، تحمل على نفسه فهذا أخر أمل له، ألقى بجسده على المقعد، وبدأ بصعوبة وضع أرقام قطوف، وانتظر أن تجيب!!
وبالجانب الأخر، علا صوت الهاتف الخاص بها، رأت الرقم وتعجبت من رنين هاتف منزل عمتها بها، كادت أن تغلق ولكن شعرت بوجود خطبًا ما فلم ترن عمتها من قبل، أمسكت بالهاتف مجيبة بتوترٍ:
_ ألو..
همس مازن بأنفاسٍ مرهقة، وصوتٍ منهك قبل أن ينقطع الاتصال:
_ أ..أنا مـ..مازن…ألحقيني !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية فطنة القلب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى