روايات

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم سارة أسامة

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم سارة أسامة

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الجزء الحادي والثلاثون

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء البارت الحادي والثلاثون

رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الحلقة الحادية والثلاثون

-“الـــــخـــــــــاتــمة”-
“نحنُ للأبد، نحنُ قصة لا نهاية لها.”
عينيها المتسع حدقتيها توزع النظر بينهم ببطء وقد انبجست الحياة بوجهها المُشرق، تشعر أنها تسير بجناتٍ ألفافًا، احتشدت المشاعر داخل صدرها ورددت بإرتعاش دون تصديق:-
– بابا … وماما … أنا شايفه صح…
بينما نرجس ويحيى استقاما وهما ينظران لها بشوق أعيا قلوبهم، أعينهم تجري على ملامح ابنتهم التي تغيرت كثيرًا، والأعظم من هذا أعينها..
إنها ترى..!!
ارتعشت أقدام نرجس شاعرة أن قلبها يكاد أن يُهاجر صدرها، كررت بجنون وهي تقترب من رِفقة تُسرف في النظر إلى كل قطعة بها ويديها المرتجفة كورقة يابسة يتلاطمها الماء امتدت لملامسة وجهها:-
– رِفقة .. بنتي حبيبتي .. قولتلك يا يحيى هي عايشة … قولتلك عايشة … أنا قلبي كان حاسس أنا كنت واثقة إن ربنا مش هيخذلني .. مش هيخذلني أبدًا..
ربنا مخذلنيش يا يحيى .. ربنا مردش إيدي خايبة…
هبطت دموع رِفقة أفواجًا وهي تتأمل والدتها ورفعت يدها دون تجمجم تتحسس والدتها وهي تردف من بين بكائها:-
– ربنا مخذلناش يا ماما … ربنا مخذلنيش أنا كمان .. حاشاهُ .. حاشاهُ … حاشاهُ..
أنا كنت واثقة … والله كنت عارفة…
وإلى هنا انسحبت كل المسافات وغمرتها والدتها بعناق بعد فراق سنوات مريرة، تحتضنها بقوة وكأنها ماء سيتسرب من بين أصابعها، امتزج صوت بكائهم فاقترب يحيى يغمرهم بأحضانه ولم يستطع تماسك نفسه من البكاء وظل يُردد بينما يُقبل رأس رِفقة بحنان قائلًا بحمد وامتنان:-
– اللهم لك الحمد يارب لك الحمد يارب العالمين..
يا حنان يا ذا الجلال والإكرام يا ملك الملوك … يا ملك الملوك…
أصبحت رِفقة الآن بين والديها تحاوط والدها بذراع ووالدتها بذراع وهم يحاوطنها متشبثين بها ببأسٍ شديد..
همست وهي تنعم بهذا الدفء الذي حُرمت منه لسنوات، هذا التحنان التي لم تتذوقه بعد رحيلهم منذ سنوات إلا عندما جاء يعقوب، لكن أي شيء يُقارن بهذا الذي هي به الآن..
– بابا .. ماما .. كنت عارفة إنكم هترجعوا، وحشتوني أووي يا غاليين على قلبي، كنت من غيركم غريبة … غريبة ولوحدي..
انتظرتكم كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وكنت واثقة إنكم هترجعوا..
وبعد ما يقارب العشرون دقيقة ابتعدوا عن بعضهم أخيرًا فأخذ والدها يُقبل رأسها بحنان بينما والدتها تربت على ظهرها برِفق..
نظرت لهم رِفقة بإبتسامة واسعة لتقول بحماس وهي تدور حول نفسها:-
– أنا النهاردة أسعد يوم في حياتي …معتدش محتاجة أي حاجة من الدنيا دي..
ثم انحنت تضع جبينها فوق الأرض تسجد سجدة شُكر مطولة تبعها كلًا من نرجس ويحيى..
رفعت رِفقة وجهها ثم نظرت لهم مرةً أخرى بتأمل فهي إلى الآن لا تصدق ما تراه ولا ترتوي من رؤيتهم..
ألقت نفسها بأحضانهم بمرح لترتفع ضحكتاهم السعيدة والآن قد انبثق الفجر الحق..
كانت لبيبة تشاهد الموقف بثبات لتبتسم بخفة بحنين وقد ازدهر هذا الشوق الذي بداخلها والذي لا يخفت بتاتًا…
والدها الحبيب، صاحب القلب الحاني، مَن كان لها كل شيء … كان لها كل الأشخاص..يعقوب بدران.
صوته ذو النبرة المُميزة الذي يتردد صداه بقلبها قبل أذنها وهي فتاة في العشرون من عمرها بينما يكتب لها وهو يحتضنها بحنان وهي تبستم بسعادة وكأن الدنيا قد حِيزت لها…
“يا بيبا إنتِ فرحة عمري وأيامي.. إنتِ حَبة قلب أبوكِ يا بيبا … بكتبلك إللي بقوله وبقول الكلام بلساني كمان وبصوتي علشان عارف إنك سمعاه بقلبك .. أكيد لسه فاكره صوتي ولسه بيتردد في قلبك وعقلك .. روحي فدا إنك ترجعي تسمعي وتتكلمي تاني يا بنتي … متخافيش يا لبيبة أبوكِ معاكِ وفي ضهرك ومش هيسيبك أبدًا وهترجعي تسمعي وتتكلمي تاني يا نور عيني..”
خرجت من شرودها على نرجس التي اقتربت منها ثم فجأة احتضنتها وهي تقول باكية:-
– ربنا يجبر بخاطرك ويريح بالك ويجازيكِ كل الخير على إللي عملتيه معانا … أنا مش هنسى وقفتك دي .. إنتِ زي الملاك إللي ربنا بعته لنا، من يوم ما عرفناكِ وإنتِ بتخرجي لنا فأكتر المواقف ضيق لما بتكون كل الطُرق اتسدت في وشنا … هفضل أدعيلك عمري كله..
تعجبت رِفقة من هذا الموقف ثم هتفت بتسائل:-
– هو إنتوا تعرفوا لبيبة هانم..
أجابها والدها وقال بإمتنان:-
– عِز المعرفة … فاكرة يوم الحادثة لما قولنالك إن في واحدة أنقذتنا … هي مدام لبيبة وحفيدها..
وهي نفسها إللي جمعتنا بيكِ…
وأخذ يسرد لها ما حدث لهم منذ أن رحلوا عنها ووجودهم في دار الرعاية وإهتمام يعقوب بهم ثم هروبهم بعد اليوم الذي استمعوا فيه لاسمها على لسان يعقوب… واصتدام يامن حفيد لبيبة بهم ثم مجيئهم إلى هذه المشفى وتكفل لبيبة بهم من الناحية الصحية ووعدها لهم بأنها ستجمعهم بابنتهم المفقودة..
كان والد رِفقة يسرد لها بينما هي أنظارها مُعلقة بلبيبة التي تحاشت النظر إليها، كانت تعلم أنها ذا معدن نقي جدًا، تعلم أن خلف هذا القناع الصلد الكثير من الألآم التي مهما تفاقمت لا تستطع أن تُدثر المعدن الحقيقي النقي..
لقد خرج حُلم رِفقة السعيد من تحت النوم إلى اليقظة..
لكن ما هذا الترتيب الرباني المغمور بالرحمة، حتى في أعظم أحلامها لم تكن تعلم أن الأمر سيكون بهذا الجمال، حقًا من توكل على الله كفاه وأغناه وكان حسبُه وأتاه من حيث لا يُحتسب..
نعم لقد أتاها الله من حيث لا تتوقع، وعن طريق أخر شخص تتوقعه … لبيبة..
انتفض قلبها بسعادة وهي لا تُصدق أن كل هذه السنوات كان والديها أمام يعقوب، هذا اليوم الذي ذهبت به إلى دار الرعاية كان والديها أمامها، هذا اليوم أخبرتها الفتاة المسؤولة أن يعقوب يتكفل برجل وزوجته ويأتي إليهم بين الحين والآخر، بينما كان يعقوب يبحث عنهم لأجلها، ويبحث لهذا الرجل وزوجته عن أقاربهم كانوا هم نفس الأشخاص…
يعقوب لم يترك والديها كما رجتهُ منذ سنوات، حتى وإن لم يكن يعلم أنهم هم لكنه لم يتركهم..
رددت وعقلها لا يستوعب هذه الحقائق:-
– لما عملنا الحادثة أنقذني وفي نفس الوقت جدته أنقذت أهلي إللي مشفهمش اليوم ده..
وبعدين أقابله بعد سنين ويكون منقذي للمرة التانية هو معرفنيش علشان شكلي اتغير وأنا مش عرفتوا علشان مكونتش بشوف..
وأكيد لما حكيت ليه عن الحادثة افتكرني..
وبعدين ربنا يوقع أهلي في طريقه وهو ميعرفش إنهم نفس الأشخاص إللي أنقذوهم وإنهم نفسهم بابا وماما إللي بيدورلي عليهم، وإن أنا بنتهم وأهلهم إللي بيدورلهم عليهم..
واتخطف اليوم ده ولولا الخطف ده مكانش صرخ باسمي وأهلي فاقوا وهربوا من المكان علشان عربية أخوه تخبطهم وهما رايحين ليه بعد ما عرفوا بإصابته إللي بسببها اتجمعنا كلنا هنا..
ولولا تهديد لبيبة هانم وانهيار يعقوب مكانش يامن جه المستشفى ولا عدا الطريق ولا أنا كنت جيت هنا…
أيه الترتيب ده، أيه الرعاية دي يارب، أيه الرحمة دي..
دي مش افترضات .. ده ترتيب رب العالمين وأقداره إللي كلها خير، دا يعلمني إن كل حاجة مهما كانت بتحصل في حياتنا فهي خير، ده يعلمني إن أخذ الله عطاء بشكلٍ أخر..
دا يعلمني أرضى وقلبي كله رضا ويقين وحُسن ظن بالله رب العالمين..
أنا دلوقتي مهما أقول أن بحبك قد أيه يارب مش هقدر أوفي، وإنت أكيد عالم بقدر الحب إللي في قلبي، أنا بحبك أكتر من نفسي ونور عيني ومن الدنيا دي على بعضها يارب…
علشان كدا بحب إنت تختار ليا كل أقداري ومش تخيرني، عايزاك تكون الصاحب ليا في حياتي وفي قراراتي … لأن واثقة إنك مستحيل مستحيل تضيعني..
إنت الأول في كل حاجة يارب إنت كل حاجة، وجودك بيخليني أطمن مهما كانت الظروف .. مهما كانت المشاكل، وجودك بيخليني أرمي الدنيا ورا ضهري يارب، عايزاك بس تفضل معايا…
اللهم لك الحمد يارب عدد ما خلقت وعدد ما في السموات الأرض..
كانت لبيبة تتفهم ما تقول رِفقة لكن والدها ووالدتها كان هذا الحديث مُبهم بالنسبة لهم، أمسكت والدتها يدها وقبلتها بحنان وهي تتسائل بعدم فهم:-
– أيه إللي حصل يا رِفقة بغيابنا وقصدك أيه بكلامك ده يا بنتي.!
جلست على الفراش ورفعت رأسها بدموع ثم أردفت:-
– حصل كتير أووي في غيابكم يا ماما، حصل إن الوجوه الحقيقية اتكشفت، وعرفت إننا وثقنا في ناس مش أهل ثقة ولا حتى أهل إنسانية…
أنا كدا فهمت الموضوع بالظبط فهمت النقط إللي كانت ناقصة، علشان الفلوس .. عملت دا كله علشان الفلوس والحقد والغيرة إللي كانوا ماليين قلبها، أنا دلوقتي عرفت قيمة نصيحة الرسول صلّ الله عليه وسلم .. استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان…
إحنا إللي عملنا في نفسنا كدا..
أحب أقولكم مش عصابة ولا بلطجية إللي عملوا فيكم كدا اليوم ده…
ده كانت مخطط غفاف .. مرات خالي..
رددت نرجس بذهول:-
– عفاف .. عفاف إزاي .. مستحيل .. دي أهلنا يا بنتي..
ضحكت رِفقة بسخرية، فحقًا قمة الألم أن يأتيك الغدر من مأمنك، وقالت بتفسير:-
– لأ يا ماما .. مش أهلنا دي أكتر واحدة بتكرهنا كلنا، إللي عملته فيا كان من جنس إللي عملته فيكم، بزيادة إن كان معاها بناتها…
وبدأت تقصّ ما حدث لها على يد عفاف منذ أن فارقوها، لم تترك شاردة إلا وذكرتها، ألاعيبها وألاعيب بناتها وإستغلالها بشتى الطُرق المنزوعة الرحمة..
أُفعِم وجه نرجس ويحيى بصدمة لا مثيل لها ومشاعر متفاوتة، ما هذه الطعنة القاسية!!
طغى على عقلها عدم الإستيعاب لما تسمعه من رِفقة..
عفاف!!
أهي حقًا من فعلت هذا؟!
هي المسؤولة عن تخريب حياتهم وتشتيتهم!!
أكملت رِفقة بوجع:-
– للأسف هي كانت متلبسة لنا وجهه ناعم حنون وإنها بتحبنا زي بناتها..
دا أنا كنت بقول لها ماما عفاف، كانت بالنسبة ليا زيك بالظبط يا ماما، أنا مش موجوعة إنها عملت فيا دا كله وكانت بتتقصد توجعني وتتخلص مني، أنا موجوعة من صدمتي فيها..
إنت متعرفيش كام مرة كنت ببهدل نفسي وأتهمها إن أنا مش كويسة وظالمة وسيئة الظن…
كنت بقول مالك يا رِفقة بقيتي وحشة كدا ليه..
صرّ يحيى على أسنانه بعصبية وشعر بالألم يمزق قلبه وصدح صوته قائلًا:-
– وخالك عاطف كان فين من ده كله يا رِفقة..
أجابته رِفقة وهي تهزّ رأسها بألم:-
– وهو إنت تايه عن خالي وشخصيته يا بابا، عمومًا هو زي ما إنت عارف بيسافر بالشهر ولما بيرجع يدوب إللي بيقعدهم يومين وطبعًا هما قدامه كانوا أحن حد في الدنيا..
أصلًا أنا اتخدعت فيهم، هما كانوا قدامي مفيش أنعم من كدا، بس لما عرفت الحقيقة ربطت الأحداث ببعضها وعرفت إللي كان بيحصلي وأنا أقول صُدف مطلعش كدا .. الدبابيس إللي كانوا بيحطوها في مكاني وعفش البيت إللي كان كل يوم والتاني يغيروه والصابون إللي بيحطوه على أرضية الحمام والأكل المملح إللي كانوا بيستغلوا طبتي وحُبي لهم ويعملوا عليه دراما وواضح إن كنت لهم المسرحية بتاعتهم وكتير أووي من ده يا بابا…
أسمعتم صوت تهشم قلوب.!!
قلبيّ نرجس ويحيى وهم لا يصدقون أنهم من وضعوا رِفقة بين يديّ هذه المجرمة..
توسعت أعين نرجس بجنون وهي تبسط كفيها المرتجفين أمام وجهها وظلت تردد بتلعثم:-
– أنا يا يحيى …أنا السبب .. أنا إللي سلمت بنتي وحطيتها بين إيد عفاف…
وانفجرت في بكاء مرير بصوتٍ مرتفع لتقترب منها رِفقة وتحاوطها بحنان يتدفق من أعينها وهي تقول بلهفة:-
– أنا كويسة … أنا بقيت كويسة يا ماما وربنا هو إللي كان بيحفظني وينقذني كل مرة، إنتِ مش ذنبك حاجة يا ماما إنتِ سلمتيني في إيد أكتر واحدة كانت بالنسبة لكِ أمان، إنتِ مكونتش تعرفي إن في قلبها كل أنواع أمراض القلوب..
وبعدين هي أخدت جزاءها من رِب العالمين، إنتِ نسيتي إن ربنا الحافظ المنتقم، إنتِ قبل ما تسبيني يومها عندها قولتي جملة مش بتخرج من راسي..
أنا سبتها في حمايتك وحفظك ورعايتك يارب، وبالفعل أنا كنت في رعاية رب العالمين..
وربنا عوضني بأحسن عوض في الدنيا…
إنتوا عرفتوا نص الحكاية الأول ومتعرفوش التاني … نصها التاني إللي متمثل في أوب…
يعقوب..
ردد والداها بتعجب:-
– يعقوب..!!
أمسكت أيديهم ثم قالت وهي تتجه للخارج بينما تنظر للبيبة التي نظرت لها بدعم فاجئ رِفقة..
وهتفت رِفقة بسعادة:-
– تعالوا معايا … لازم تشوفوا بعينكم..
_________بقلم/سارة نيل_________
أمام الحاجز الزجاجي كان يقف ينظر للداخل بتمعن شديد وأعين زاخرة بالحنين والشوق، همس يامن بنبرة تأن وجعًا:-
– اتحرمنا من بعض، اتحرمنا نكون سند لبعض، اتحرمنا نتشارك الطفولة، بس إنت إللي كان ليك النصيب الأكبر من العذاب يا يعقوب..
بعترف إن لما رجعت كنت وحش في حقك، محستش بوجعك واستهزأت بيه ومقدرتوش يا يعقوب..
زي ما لبيبة قالت، فعلًا مليش الحق اتجرأ وأقارن نفسي بيك..
إنت حاجة مختلفة يا يعقوب، حاجة من كل حاجة…
يلا أرجع بقاا علشان نعوض كل إللي فاتنا، حبيبتك مستنياك ومحدش قدر يبعدها عنك…
بينما في الداخل، بين حنايا ذاكرته، صوتها يتغلغل بقلبه تناديه … تبكي .. تبتسم … تتحدث…
وفي الأخير الجملة الرعدية التي انتفض لها كل ذرة بجسده:-
– يعقوب …. رِفقة عشقاك .. رِفقة روحها في روح يعقوب … رِفقة بتحب يعقوب…
وهنا شهق يعقوب بقوة وتوسعت أعينه مُعلنًا العودة للحياة بأربعة أحرف همس بها بإحتياح:-
– رِفقة…..
ظلّ يفتح أعينه ويُغلقها مرارًا حتى اعتاد على الضوء، سرعان ما استيقظت تلك الذكريات الأخيرة واقتحمت ذاكرته..
آخر ذكراه كانت رِفقة … وأولها رِفقة..
تغضن وجهه بالألم وهو لا يعلم كم مرّ عليه من الوقت وهو نائم … وأين هي رِفقة..؟!
ما الذي حدث له، وهل اعتقدت رِفقة بأنه هجرها ورحلت مبتعدة عنه..!
ليته لم يعود..
جاء يُحرك جسده المتيبس ليشعر بإرهاق جسيم قابع بداخله، زفر بضيق بينما أطلق لأعينه العنان يتأمل الأرجاء التي من المؤكد باردة فيبدو أنه بغرفة في المشفى، لكنه فور وقوع أعينه على أرجاء الغرفة انفرجت كل أساريره وأحاطت به البهجة وهو يرى الغرفة مُزينة مليئة بالألوان البشوشة، شعر بقلبه ينتفض بين أضلعه فلا يفعل هذا سواها….
في الخارج رفع يامن رأسه بخزي ومسح تلك الدموع العالقة بأهدابه لتقع أعينه على مشهد تمناه في كل دقيقة … جعله يصرخ بسعادة وقد انقلبت ملامحه إلى الضد من الكمد وهو يدور بممر المشفى..
– دكتور .. دكتور … يعقوب .. يعقوب فاق .. يعقوب فاق..
ثم ركض يقتحم الغرفة وانكب فوق يعقوب يحتنضه بشوق وهو يردد بلهفة ممزوجة بغصة باكية:-
– يعقوب … أخيرًا فوقت .. كنت مرعوب عليك يا يعقوب .. الحمد لله يارب الحمد لله..
نمت إبتسامة هادئة فوق فم يعقوب ورفع ذراعه يربت على ظهره قبل أن يقول بمرح:-
– ما توعي ياض شوية كاتم على نفسي ليه كدا..
كانت السعادة تنبض بوجه يامن وكاد يعقوب أن يسأله بلهفة عن رِفقة لكن قاطعه ولوج الطبيب وخلفه طاقم طبي وقد عمّ الهرج بالممر وأرجاء المشفى..
ابتسم الطبيب وهو يقول ببشاشة:-
– الحمد لله على سلامتكم يا يعقوب باشا، بقاا دا كله زعلان يا راجل ومش عايز ترجع..
جاء يعقوب يعتدل من رقدته لكنه لم يقوى ليُسرع الطبيب يقول:-
– براحة واحدة واحدة يا يعقوب، إنت بقالك فترة مش بسيطة نايم وفاقد الوعي والحركة طبيعي تبقى مُرهق وواحدة وواحدة لغاية ما المفاصل تلين..
ابتلع يعقوب ريقه الجاف وتسائل بشرود:-
– ليه هو أنا بقالي قد أيه نايم..
ابتسم الطبيب وقال بهدوء وهو يفحصه بينما يفصل الأجهزة الطبية عن جسده:-
– بقالك حوالي شهر ونص تقريبًا…
وأكمل يقول:-
– هنعمل تحاليل وأشعة روتينية … والحمد لله على سلامتك يا بطل صحتك زي الفل، هيتابع معاك دكتور العلاج الطبيعي إللي كان بيزورك كل يوم وإن شاء الله الموضوع بسيط لأننا كنا مهتمين بالباشا وهو زعلان بكل الأشكال…
كان يعقوب يُحدق بالزينة الموضوعة بالغرفة وإلى الورود والستائر الملونة وقال بشرود:-
– شكرًا يا دكتور..
نظر الطبيب إلى ما ينظر إليه ليتبادل النظرات مع يامن الذي يكبح ضحكته بالكاد على وجه يعقوب العابس..
أشار الطبيب للمرضة قائلًا:-
– اسحبي عينة دم..
__________بقلم/سارة نيل_________
بالممر كانت لبيبة تتقدم رِفقة التي تسير والبسمة لم تفارق ثغرها، لكن جذب إنتباههم تلك الجلبة والضجيج الذي يملأ الأرجاء بينما الممرضات تهتف بإسراع مُكررين:-
– يعقوب بدران … يعقوب بدران .. بسرعة علشان تعليمات الدكتور..
تجمدت الدماء بعروق لبيبة ورِفقة والتي سقط عكازها ثم أخذت تهرول باتجاه غرفة يعقوب لتقتحمها بنبضات قلب تدوي كالطبول…
لتتفاجئ بما اشتاق قلبها له كثيرًا، بما بذلت لأجله آلاف لحظات الصمود..
بما كان لها بقعة النور في وسط سماءها المظلمة، مشكاتها المضيئة..
هرعت إليه وأعينها وجميع أعضاء جسدها تفيض شوقًا وحنانًا، وجاءت تطوق وجهه لكنه أعرض عنها ورمقها بنظرة باردة مستديرًا للجهة الأخرى لتظل كفيها مُعلقة في الفراغ وابتعلت شوقها وتمثلت بحلقها غصة ككومة من الأشواك الذي حصدت منها الكثير بحياتها…
إنها لم تُجازى بحياتها سوى بالأشواك، لم يُجازيها أحد بالورد أبدًا…
لتكتمل حلقة الألم بإعراض يعقوب عنها…
أمّا رِفقة التي تجمدت بأرضها ونبض قلبها تزعم أنه أسمع الأرجاء…
هذا الشعور القاتل لم تشعر به من قبل، شعور الإرتعاب ليُصيبها الهلع فور أن رأت لبيبة تخرج بهذه الخيبة المرتسمة على وجهها وهذا الأكفهرار..
صاحت بنبرة باكية ممزقة، صيحة خرجت من قلبها ونزعت يدها من يد والدها وهي تركض بوجه انسحبت منه الحياة تقتحم الغرفة وبكاءها باسم يعقوب يسبقها:-
– يعقوب…..
إلا أنها تخشبت في مفاجأة تُسر العاشقين، وازدهر وجهها الشاحب وترعرت به الحياة وهي تنظر له بعدم تصديق..
أما يعقوب الذي وثب من نصف رقدته بلهفة فور سماعه صوتها يلتفت لينظر إلى مسرتهُ بهذه الحياة، مَنْ لها وبها ينبض قلبه…
نطق بعشقٍ خاص كان خبر إطمئنان لقلبه أكثر من كونِه نداء ملهوف محتاج إجتاح كل القيود..
– رِفقة .. أرنوبي..
ولم تكن من رِفقة إلا أنها لبت النداء بقلبٍ أهلكه الشوق والتوق إليه…
سعت إليه بكل مشاعرها، فكان عدوها إليه عدو من كان على وشك الغرق ثم أُنقذ باللحظة الأخيرة فأحذ يجتر ذرات الأكسجين إلى صدره بنهم..
حواها بين ذراعيه يحتضنها بلهفة وشوق وقوة لو كانت في غير سكرتها المشتاقة لتألمت، كان يزرعها بأضلعه يتحسس كل شبر بوجهها وكأنها جوهرته الثمينة التي يتأكد من سلامتها..
ورِفقة التي أحاطت وجهه تراه أمامها للمرة الأولى .. يعقوب الفائض بالحنان..
ترى العشق بأعينه للمرة الأولى، هذا الوميض الخاص بها فقط بأعينه…
لتلتقي الأعين للمرة الأولى …عفوًا بل للمرة الثانية بعد سنوات طويلة، الأولى كانت مشوشة لكن هذه واضحة جلية..
عفوًا وماذا عن تحديق تلك الأعين البريئة النقية والتي أعلنت مصرعه في عالم العشق…!!
تلك النظرات البريئة التي قابلها هو بالشك وسوء الظن…
رفع أصابعه يتحسس عينيها بخفة لتبتسم هي بسعادة وهي تهمس:-
– شيفاك يا أوب … شيفاك وطلعت أجمل وأوسم من الخيال بكتير أووي، كفاية الحنان إللي شيفاه في عينك دلوقتي..
عيونك فيها كتير أووي يا أوب … كان لازم أشوفه..
سحب كفها يُقبل باطنه وهو يستنشق رائحتها بنهم وارتياح وقال بألم:-
– حقك على عيوني يا رِفقة إن وجعتك واتسببت في دموعك … سامحيني يا حبيبتي..
إلى هنا شاهدت لبيبة مبتسمة مطمئنة القلب، يكفيها أنه بخير .. يكفيها أنه سعيد وهي في يد أمينة، لقد كان حب رِفقة في قلب يعقوب مُقدم على كل شيء حتى رغباته وهذا ما أرادت لبيبة إثباته والتأكد من صحته..
لقد نجح يعقوب في كل إختبارات العشق..
وإلى هنا قد انتهى دورها في هذه الحكاية..
تنهدت بثقل ثم تحركت مبتعدة عنهم بل وعن الجميع..
مرت بجانب الغرفة التي سيُنقل إليها يعقوب ثم وضعت أسفل الوسادة شيئًا ما وابتعدت للخارج…
ورحلت … رحيل رُبما للأبد..
لكنها لم تنتبه لحقيبتها التي تركتها موضوعة بشرفة الغرفة…
_________بقلم/سارة نيل_________
كان والدي رِفقة يقفون بالممر أمام غرفة يعقوب ينظرون إلى بعضهم البعض بعدم فهم وتيهة..
هتف يحيى بدهشة:-
– هو في أيه بالظبط يا نرجس ومالها رِفقة..!!
أجابته بذات الشرود:-
– مش عارفة يا يحيى في أيه…..
لكن انقطعت عباراتها وهي ترى من خلال الزجاج شخصٌ ما يُطبق على رِفقة بقوة غريبة يعانقها..
صاحت بفزع:-
– إلحق يا يحيى..
أسرع ينظر إلى ما تنظر إليهم ليردد بصدمة:-
– يا وقعة مهببة … مين ده..!!.
اقتحموا الغرفة ليفزع يعقوب ورِفقة مبتعدين وجاء يعقوب يصرخ بغضب وهو يرى الفاعل لكنه ابتلع سخطه وتقريعه وردد بصدمة:-
– إنتوا…
ردد يحيى ونرجس معًا:-
– إنت … يعقوب..
ابتسمت رِفقة ووثبت تُمسك أيديهم ثم قربتهم وهي تقول بسرور وحبور:-
– هنا نص القصة المجهول، هنا بطلي ومنقذي..
طبعًا إنتوا عارفين بعض، بس أعرفكم أنا بطريقتي..
وقالت مشيرة نحو والديها:-
– يعقوب … دول من وجهة نظرك الأتنين إللي كنت متكفل بيهم في دار الرعاية..
بالإضافة إلى كدا..
دول بابا وماما المفقودين يا أوب، وهما نفسهم إللي جدتك أنقذتهم يوم الحادثة يوم ما كنت أنا معاهم وإنت أنقذتني .. أيوا افتكرتك…
وهما نفسهم إللي أنفذتهم للمرة التانية ووصلتني بيهم…
قولتلك يومها متسبناش وإنت فعلًا مسبتناش..
تنفست بعمق ثم أشارت تجاه يعقوب وقالت:-
– دا بقاا يعقوب … تعرفوه إن هو إللي اتكفل بيكم في دار الرعاية..
أعرفكم عليه أكتر…
يعقوب حفيد لبيبة هانم … وإللي أنقذني يوم الحادثة .. وبعدين إللي أنقذني من عفاف…
وفي الاخر يبقى جوزي…
شهقت والدتها بمفاجأة لتقول رِفقة وهي ترى عدم التصديق والدهشة على وجوههم جميعًا:-
– أكيد في حاجات كتير لسه ناقصة ولازم تعرفوها يا بابا ويا ماما .. زي مثلًا حكايتي مع يعقوب وإن رجعت أشوف تاني..
كمان إنت يا يعقوب في حاجات كتيرة أووي لازم تعرفها وحصلت في غيابك..
زي إزاي أنا جيت هنا .. وإزاي عرفت أهلي ووصلت لهم…
قبل ما أحكيلك عايزاك تعرف إن بطلة الحكاية دي هي لبيبة بدران..
تضاعف الإبهام على وجه يعقوب حين سمع باسم جدته لتبدأ رِفقة تحكي لوالديها ما فعله يعقوب من أجلها وكيف تزوجها لحمايتها..
وتسرد ليعقوب ما حدث لوالديها وما فعلته الجدة لبيبة لأجلهم وما حدث في فترة غيابه..
ردد يعقوب بصدمة هزت كيانه:-
– لبيبة بدران!! مش معقول..
طب ليه عملت كدا …وأيه إللي مخبياه..
هتفت رِفقة بألم:-
– أكيد تجربة سيئة لأبعد الحدود تركت ندوب مش بتروح..
اقترب يحيى من يعقوب ثم قال بإمتنان:-
– كنت قاعد قدامنا وبتحكلنا عن بنتنا وعن إللي حصل معاك… سبحان الله فعلًا..
ربنا كبير وقادر على كل شيء…
مش عارف أقولك أيه يا ابني على إللي عملته معانا ومع بنتي ووقفتك معاها لغاية ما وصلتها لبر الأمان …إللي إنت عملته إنت وجدتك مفيش كلام شكر يوافيه…
ربنا يجازيك خير الدنيا والآخرة يا ابني…
في هذه الأثناء دلف حسين وفاتن للغرفة بلهفة وهرعوا باتجاه يعقوب يحتضنه بحنان وشوق وهنا ذبلت الألآم التي بقلب يعقوب وبادل والده العناق…
واحتوته فاتن بأحضانها تبكي وهي تقبل رأسه وكتفه مرددة:
– يعقوب … يا نور عيني .. الحمد لله على سلامتك يا ابني وربنا يبعد عن جسمك كل الوحش يا حبيبي..
بادلها العناق وقبل رأسها وهو يقول براحة:-
– ربنا يباركلي فيكِ يا أمي…
ابتسمت رِفقة بسعادة واضعة يدها فوق قلبها هامسة بتنهيدة:-
– أخيرًا…
التفت حسين يصافح يحيى وهو يقول بترحاب:-
– أهلًا بالغالي أبو الغالية علينا رِفقة..
والله يامن حكالي كل حاجة في الطريق وهو بيجبنا حقيقي ….سبحان الله..
إن الله إذا أعطى أذهل فعلًا…
قال يحيى بإمتنان:-
– دا أنا إللي بحمد ربنا إن وقفلنا ولاد حلال زيكم وناس محترمة، ربنا يجازيكم خير على إللي عملتوه معانا ومع بنتنا…
عاتبه حسين بلطف:-
– عيب يا يحيى إحنا خلاص بقينا أهل ورِفقة بنتنا…
قال يامن بمرح:-
– وهو أنا مليش في الحب جانب ولا كله لسي يعقوب…
يعني أنا غلطان إن روحت بنفسي أزفلكم الخبر السعيد يا توتو إنتِ وسحس، ولا مكونتش عارف لو قولتلكم في الموبايل سحس باشا كان جاب الطريق إزاي وعمل كام حادثة..
زجرته والدته قائلة:-
– ما عيب يا ولد … وأيوا كله ليعقوب ولا عندك إعتراض..
أردف حسين بغضب مصطنع:-
– وأنت بالذات متتكلمش على الحوادث…
وعمّ الغرفة جو من المرح حتى جاء الطاقم طبي وتم نقل يعقوب لغرفة أخرى وفحصه فحص شامل…
ساعدته رِفقة في إرتداء ملابسه لتقول له بمرح:-
– إنت خاسس أووي يا يعقوب باشا ومش عاجبني، دي بقاا مهمتي لما نرجع البيت أطبق عليك وصفات نادية السيد كلها…
قال بمزاح وهو يسير بصحبتها في أرجاء الغرفة:-
– طب ربنا يستر بقاا .. شكل مستشفى بدران هتكسب من ورانا كتير أووي الفترة الجايه..
صاحت بامتعاض وهي تلكزه:-
– قصدك أيه بكلامك ده..
سارع يتراجع نافيًا بتلقائية:-
– لا لا مقصدش حاجة وحشة … أنا بقول يعني علشان خاطري يعني هحتاج متابعة..
وإنتِ كمان لما تولدي..
رددت بعدم فهم:-
– أولد .. أولد أيه..!
قال بدون تفكير:-
– هتولدي أرانب يعني هتولدي أيه..
أسرع يقول متداركًا:-
– أقصد في المستقبل وكدا … أنا شكل الغيبوبة دي أثرت على دماغي … أما أنام أحسنلي..
يلا تعالي نامي شوية..
دعمته حتى تمدد على الفراش ثم هتفت بحنان:-
– إرتاح إنت شوية وأنا هشوف ماما وبابا وأرجعلك تاني..
كانت تنوي الخروج والبحث عن لبيبة التي اختفت عن الأنظار لكن وهي تعدل من وضع الوسادة خلف يعقوب اصتدمت يدها ببعض الأوراق … سحبتها بتعجب وهي تتسائل:-
– أيه ده يا يعقوب!!
أخذه يعقوب يتفحص الأوراق فحدّق به بأعين شاخصة وامتقع وجهه بالألم ثم سحب هاتفه يتفحص شيئًا ما .. وكما توقع…
استفهمت رِفقة بقلق وهي ترى تعابير وجهه التي تتراوح بين الحزن والدهشة:-
– أيه إللي حصل يا يعقوب، أيه ده!!
قال بشرود:-
– لبيبة بدران.. نقلت كل أملاكها وإدارة الشركات ليا وبعضها ليامن ولأبويا..
وهي إللي متكفلة بالعملية بتاعتك لأن الفلوس رجعت لحسابي وفي رسالة من البنك ومن الدكتور بتأكد كدا…
غير ملكية المطاعم الخاصة بيا إللي بعتهم نقلتهم ليا..
هي ليه عملت كدا..!!
لم تكن تلك الأخبار أن تُسعد رِفقة بل إنها أفعمتها بالحزن…
هذا له نتيجة واحدة ….لقد رحلت..
رفت عيناها بدمعة سرعان ما محقتها قبل أن يلحظ يعقوب، ترددت إبتسامة شاحبة على محياها وقالت وهي تستقيم:-
– هخرج ورجعالك عالطول..
قال لها قبل خروجها:-
– ناديلي أبويا ويامن وإنت خارجة يا رِفقة لو سمحتي..
حركت رأسها بإيجاب وخرجت مخبره حسين ويامن..
والتقت بوالدها ووالدتها التي سحبتها وهي ترمقها بجهل وغموض وهي تتسائل بينما تسحبها لمكان بعيدًا عن الأنظار بالشرفة:-
– في أيه يا رِفقة .. أنا متلغبة أووي يا بنتي، يعني إنتِ اتجوزتي يعني كدا خلاص..!!
اقترب منها والدها وكوّب وجهها بحنان ثم طبع قُبلة حانية فوق رأسها وقال بحماية وجدية:-
– مبقتيش مُجبرة تستمري في الجوازة دي يا رِفقة، كتر خير يعقوب وهو عمل إللي محدش عمله وحماكِ، كدا كدا سبب الجوازة كان إتفاق وبس وعمل خير هو عمله..
لكن دلوقتي أبوكِ رجع والمرة دي واقف زي الدرع قدامك هيحميكِ من الهوا الطاير..
طالما مش بتحبي يعقوب مفيش داعي تكملي في الجوازة دي أبدًا..!
في هذا الأثناء بعدما أعطى يعقوب لوالده وشقيقة أوراق لبيبة شعر بالإختناق والملل فخرج بهدوء من الغرفة حيث الممر يبحث عن رِفقة فحقًا لا يطيق الجلوس بدونها…
لاحظها تقف في الشرفة فاقترب بهدوء مبتسمًا لكنه تخشب بصدمة وهو يستمع لحديث والد رِفقة الذي جعل الرعب يجثم على قلبه من هذه الفكرة…
هل قلب رِفقة بعد هذا لم بنبض باسمه، لا لا لقد استمع لها … وجميع تصرفاتها تشير إلى أنها لا تبقى معه لأجل أن هذا هو الواقع فقط، بل لأنها تعشقه كما يعشقها تمامًا..!!
هل عودة والديها سيجعلها تفكر أن مهمته هكذا انتهت وستتركه لأجل المكوث معهم والإرتواء من حنانهم بعد هذا الفراق!!
ماذا سيفعل هو في هذه الحالة!!
لكن أثلج قلبه إجابة رِفقة التي أنهت جميع الشكوك…
ابتسمت رِفقة وقالت تُطمئنه وهي تربت على كفيّ والدها:-
– إنت فهمت الموضوع غلط يا بابا..
أيوا في البداية أنا اتجوزت يعقوب علشان هو ده الحل الوحيد وعلشان يحميني، بس بردوه أنا مكونتش اتجوزته كدا وخلاص، أنا صليت استخارة وأخدت وقتي في التفكير…
كمان يعقوب لما اتجوزني مش اتجوزني علشان عمل خير ولا الكلام ده، اتجوزني علشان بيعشق رِفقة وعلشان عايز رِفقة نفسها وهو إللي دور عليا ولولا هو بعد ربنا سبحانه وتعالى كنت ضعت ومكانش حد عرف يوصلي…
ربنا أنقذني عن طريقه وبعته ليا تعويض عن كل الأيام إللي شوفتها وهدية صبري…
وفي نقطة كمان لازم تعرفوها علشان قلوبكم تطمن لأن مقدرة خوفكم وقلقكم..
دلوقتي جوازي من يعقوب معدش هو الحلّ الوحيد ولا مجرد إنقاذ…
أنا كل خلية جوايا بتعشق يعقوب، بحبه يا بابا بقلبي وعقلي وكياني وروحي ومقدرش أبعد عنه دقيقة، وهو كان في الغيبوبة أنا كنت بموت في اليوم مليون مرة بس كنت واثقة إن ربنا هينقذه علشان الخير إللي هو عمله في حياته وعلشان قلبه إللي مفيش منه…
تبسم وجه والدها واطمئن قلبه وجذبها لأحضانه قائلًا بحنان:-
– متعرفيش ريحتي قلبي قد أيه يا صغنن، وفرحتيني قد أيه..
إنتِ متعرفيش أنا إللي فرحان بيعقوب قد أيه، برجولته وحبه لكِ وخوفه عليكِ، بس أنا أهم حاجة عندي سعادتك وإن متكونيش مجبرة على حاجة يا حبيبتي…
أمّا يعقوب فقد تنفس براحة وشعر بروحه تُحلق في سماء السعادة التي لا مثيل لها…
اقترب يدلف للشرفة وهو يتحمحم بخشونة لتهرع إليه رِفقة بخوف قائلة:-
– أوب إنت كويس .. فيك حاجة..!!
رفع كفها يُقبله بحنان وقال:-
– إهدي أنا كويس يا أرنوبي…
طالعتها والدتها بسعادة وقد غمرت الراحة قلبها، بينما هتف يعقوب:-
– كنت بدور على عمي يحيى .. عايز اتكلم معاه شوية..
وأكمل يقول:-
– طبعًا الحمد لله على سلامتكم، فرحتي برجوعكم كبيرة، وبما إنكم موجودين فمينفعش نتخطى الأصول…
مقدرش أحرمكم من فرحتكم ببنتكم كأي أب وأم وأنا مقدرش أحرم رِفقة من حقها ده…
إنتوا هتكونوا في الشقة إللي كنا قاعدين فيها وبنتكم معاكم … وأنا هاجي أطلبها على سنة الله ورسوله وحقك يا أبو العروسة تتشرط بقلب جامد علشان أنا هنفذ كل شروطك من غير ولا نقص…
ونحدد معاد للزفاف ونعمل حفلة زفاف زي ما رِفقة بتتمناها بالظبط…
تمعنت رِفقة في وجهه الجذاب وعينيه التي ملأها بريق الحياة، تتمعنه بعشق خالص وامتنان وتقدير …. لم يخذلها يومًا ولم يخفق في جعلها تندهش…
بينما والدها فكان ردة فعله أن جذب يعقوب في عناقٍ ممتن شاكرًا سعيدًا بهذا الرجل الحق..
أردفت نرجس بسعادة:-
– روح ربنا يجبر بخاطرك ويرضى عنك ويراضيك يا ابني..
ابتسم لهم بوقار وقال بتقدير:-
– إنتوا متعرفتوش على أهلي كويس .. اتفضلوا أعرفكم عليهم…
وسار بصحبتهم ليغمز لرِفقة بعبث لتبستم هي بخجل…
وقفت تنظر للسماء متنفسة بعمق وهمست بسكينة:-
– اللهم لك الحمد يارب … شكرًا يارب على كل شيء … عطيتنا فوق دعواتي يارب بكتير وعوضتي وعوضك ملهوش أي مثيل..
وتشاء أنتَ من البشائر قطرة، ويشاء ربّك أن يُغيثك بالمطر..
وهسمت تُحدث نفسها:-
– باقي دلوقتي أشوف تيتا لبيبة فين، ليه اختفت كدا …أكيد زعلت من ردة فعل يعقوب..
يارب الهمني وساعدني واجمعنا بيها..
وجاءت تستدير للخروج والبحث عنها لكنها تفاجأت بوجود حقيبتها بأحد زوايا الشرفة، تعجبت رِفقة واقتربت منها وهي تلمح دفتر قديم أصفر اللون أثار فضولها..
– يا ترى ليه شنطتها موجودة هنا بإهمال كدا!!
ورغمًا عنها قادها فضولها وامتدت يدها بتردد تسحبه، تحسست بدهشة ثم فتحته بفصول لتقرأ أولى السطور التي ألهبت مشاعرها وفضولها…
(أوجاع بكماء صماء لا حدّ لشرورها ولا سبيل لتسكينها)
وأخذت تُقلب في الصفحات بوجه معقود ليعلو صدرها ويهبط بفزع مع كل كلمة تقرأها واقتحم الحزن قلبها بضراوة واحترقت روحها كمدًا، وهذه الكلمات والأحداث تتجسد أمامها على الأوراق وكأنها تراها رؤيا العين..
اهتاجت الدموع بمقلتي رِفقة وتساقطت على الأوراق وهي تنتحب ببكاء واضعة كفها فوق فمها ونبض قلبها يعلو بتوتر مع وقع الأحداث لتهمس برجاء وكأنها تريد توقيف ما يحدث وحمايتها:-
– لا .. لا كفاية كدا .. حرام عليكم .. ليه كدا…
وهنا تعود كاميرا الأحداث للخلف وتتجاوز سنواتٍ عديدة حيث زمان ما تقرأه رِفقة….
فتاة في العشرين من عمرها مفعمة بالنشاط رغم ما بها إلا أن الإبتسامة لا تتوارى عن وجهها الوضاح، لا تسمع الأصوات ولا تتحدث لكنها ترى الألوان والجمال والطبيعة والفراشات والطيور وهذا يكفيها…
اقترب والدها صاحب الوجه البشوش الدافئ منها ثم انحنى يُقبل رأسها بحنان وجلس بجانبها، احتضنته بتعلق وحب شديد ليأخذ هو القلم والموضوع بجانب الدفتر اللذان دائمًا أمامها وبحوزتها….
وكتب يتسائل:-
– “بيبا حبيبة بابا إنتِ عاملة أيه وأخبارك في الجامعة أيه … وبلال شخص كويس وبيعرف يتواصل معاكِ ومسهل عليكِ التعامل في الكلية.”
كتبت هي والسعادة تنضح من ملامحها الرقيقة:-
– “أنا كويسة جدًا جدًا يا يعقوب باشا، الجامعة جميلة جدًا جدًا لدرجة إن ندمت إن أخرتها سنتين وحبست نفسي ومخرجتش للعالم ده…
بلال شخص جميل جدًا وطيب ومحترم أووي وكمان شاطر جدًا في لغة الإشارة وبفضله بقيت شخص إجتماعي ومش بقى عندي أي مشكلة إن أتعامل مع أصحابي أو إن أفهم الدكتور…
من خلاله كأني بتكلم واسمع الأصوات وافهم إللي بيدور حوليا، ومرافقني في كل مكان زي ضلي زي ما إنت أمرت..
كمان صاحبت بنات طيبة أووي، شادية وإعتماد ودُرية…
ودايمًا بلال قاعد معايا وبيترجم ليا كل كلمة وكمان هو صاحب شاب اسمه مُنير ويبقى خطيب دُرية…
عايزه أقولك إنهم بيحبوني أووي يا بابا ومهربوش مني لما عرفوا إن بنت يعقوب بدران رجل الأعمال إللي أشهر من النار على العلم..
كل البنات كانت مش بتحب تقربلي خايفين إن ممكن أبقى متكبرة ومغروره والكلام ده وإن ممكن أبويا يبقى راجل شرير بأنياب الغول..”
وضحكت بمرح ليشاركها والدها وهو يحمد لله بداخله أنها أخيرًا خرجت من قوقعتها التي انحسرت فيها بعدما أُصيبت بالصمم والبكم المفاجئ نتيجة صدمتها بوفاة والدتها وجدها في حادث سير أليم … وكانت لبيبة متعلقة بهم تعلق شديد لتدخل في إنهيارات عصبية وصدمة شديدة أفقدتها النطق وتبعه السمع فجأة والذي لم يتوصل أحد من الأطباء إلى السبب العضوي إلى الآن…
لكنه مستعد لفعل المستحيل لأجل ابنته الوحيدة التي هي أحب إليه وأغلى من روحه..
كتب لها:-
– “هنسافر برا علشان تتعالج وبوعدك يا بيبا إنك هترجعي أحسن من الأول كمان، أبوكِ في ضهرك ومش هيسيبك أبدًا، هعمل المستحيل علشان ترجعي تسمعيني تاني وأرجع أسمع صوتك إللي وحشني، مستعد أعمل علشانك أي حاجة..”
انغمست في أحضانه الدافئة، تحمد ربها على نعمة وجود والدها الحنون… بطلها الخارق..
يطمئنها أن والدها مستقيم النفس حسن الخُلق متواضع ولا يُقدس هذا المصطلح الذي يُسمى الفوارق الإجتماعية رغم سمعته ونجاحه في أعماله وثروته الطائلة إلا أنه كان رجلٌ كريم سخيّ النفس يجود بالكثير ولا يترك محتاجًا ويُغدق الفقراء بالكثير..
والدها رجل مميز اجتمعت فيه الكثير من الفضائل..
تفخر بأخلاقه ومبادئه وليس بثروته وأملاكه…
كانت تخبره بكل شيء بحياتها صغيرة وكبيرة لم تخفي عنه أي شيء فقد كان صديقها قبل كونه والدها وكانت هي لديه مقدمة على جميع أولوياته حتى مُقدمة عن نفسه ذاتها…
إلا أن لبيبة لم تخبره بمشاعرها التي تكنها لبلال ولا بشاعر بلال تجاهها..
بلال الذي يغدقها بالحب والحنان الذي صدّقه وآمن به قلب لبيبة الطاهر…
كتبت له تخبره بسعادة:-
– “في رحلة الجامعة مطلعها وكل زمايلي وأصاحبي هيروحوا، بلال قالي هو وشادية عليها، نفسي أووي أووي أروح يا بابا.”
لم يستطع أمام السعادة المرتسمة على وجهها أن يقف حائلًا أمامها وفكر أنها أيضًا فرصة جيدة للترويح عن نفسها…
لا يعلم ولا تعلم لبيبة أن هذه الرحلة هي التي ستُنجب لبيبة أخرى لم تتعرف إلى نفسها حتى اليوم، سيتجمد القلب وستتلبد المشاعر وستُنحت ندوب عجز الزمن على محوها، ستُنجب قلب متكبر أمام كل المشاعر الإنسانية وأمام الضعف والأهم الحُب..
ومرت الأيام وأتى يوم الرحلة…
استعدت وجهزت حقيبتها وأخذ والدها يُضيف لها الشطائر والعصائر وودعته بوجه مشرق والإبتسامة تكاد أن تسقط من فوق ثغرها…
أتى بلال ومُنير بصحبة شادية واعتماد ودُرية بأحد السيارت وعندما تعجبت وسألت بلال بطريقتها لماذا لا يذهبون بالحافلة الخاصة بالجامعة أخبرها أنها ستكون مزدحمة وستجلب لهم الإختناق…
كان هناك نزعة قلق وخوف بداخلها لكنها اسكنتها وهي تهمس لنفسها من الداخل أن بلال متواجد وهؤلاء أصدقاءها الأوفياء…
وأثناء الطريق بينما كانت تجلس في الخلف بجانب الفتيات، قال مُنير بسعادة وخبث:-
– الواحد مش مصدق يا عم بلال إن الخطة أخيرًا نجحت، أنا مش مصدق إن يعقوب بدران ساب بنته الوحيدة كدا ووثق فيك الثقة دي كلها…
ولا هي الغبية ساذجة بشكل…
ضحك بلال وهو يقول بانتصار:-
– ما أنا قولتلك رغم إن هو يعقوب بدران بس راجل طيب بشكل وعنده حسن نية فظيعة..
ومستعد يعمل أي حاجة علشان بنته الوحيدة، حتى لو هيدفع الملايين وإحنا لعبناها صح..
دا كفاية إن قعدت أتعلم لغة الإشارة قد أيه يا عم علشان أظبط اللعبة…
وأنا قدرت أسيطر عليها وأوهمها إن بحبها بشوية حنية وأخلاق ومبادئ والشغل الحمضان ده والحمد لله إنها لا بتسمع ولا بتتكلم..
قال منير بينما الفتيات تبتسم بالخلف بسعادة لنجاح ما سعوا إليه بينما لبيبة فكانت تجلس في المنتصف تجهل ما يدور حولها، تراهم يبتسمون فتبتسم ظنًا منها أنهم يبتسمون بوجهها، لم يراودها ذرة شك واحدة فهؤلاء هم الأمان فكيف يتوخى الشخص الحذر من مأمنه…!!!
– يا عم بلال البت دي عندها ملايين، وبسببها هنطلع لفوق أووي ونتسلى عليها شوية…
طب احلف إنك ماستمتعتش بالتمثلية دي…
كانت تنظر لهم وهم يتحدثون بشكل طبيعي لكن كان كل شيء بالنسبة لها مُبهم، أخذ بلال في الضحك وهتف باستمتاع وقلبه قد طُمس عليه بسبب جشعه، قلبه الذي مُحقت منه الرحمة والإنسانية والخوف من الله عز وجل:-
– وأي متعة يا مُنير، دا أنا كل ما أشوفها وهي مصدقنا وطالعة بينا السما السابعة عند أبوها ببقى ماسك نفسي عن الضحك بالعافية…
بت دلوعة وعايشة عيشة مش من حقها، هي فلوس أبوها دي كلها هتعمل أيه بيها واحدة خارسة وطارشة زي دي، خلينا إحنا نستفيد…
نظر مُنير نحو دُرية في المرآة وصاح بمرح:-
– وهنتمرمخ في الفلوس يا دودي، وهنعيش بقاا ونقب على وش الدنيا…
مخسرناش ألا فلوس العربية إللي إحنا مأجرينها دي…
أخذت دُرية تضحك بسعادة، لتبستم لها لبيبة لأجلها ولأجل السعادة المرتسمة على وجوههم…
وظل بهم الحال على هذا النحو حتى أخرجت إعتماد زجاجات صغيرة من العصير وأخذت تُعطي للجميع ومدت يدها بزجاجة عصير لبيبة المفضل لها، أخذته منها بإمتنان بكل ثقة وهي تحرك رأسها تشكرها مبتسمة لها…
وفور أن انتهت لبيبة من إرتشاف زجاجتها حتى مال رأسها واحتضنها الظلام…
بعد مرور عدة ساعات، تملمت من نومتها الغير مريحة وظلت تكرر فتح أعينها وإغلاقها حتى اتضحت الرؤية أمامها، فزعت معتدلة لتجد أقدامها مقيدة وكذلك يديها…
هلع قلبها وهي تدور بأعينها في هذا المكان الخالي المهجور والذي يحاوطه الظلام إلا من هذه الإضاءة المنبعثة من كشفات السيارة الأمامية..
ظلت تتململ ويخرج منها همهمات غير مفهومة في محاولة منها لنداء بلال وأصدقاءها..
وفور أن وقعت أعينها عليهم يجلسون فوق الحجارة المتفرقة وحقيبتها موضوعة أمامهم يتناولون الطعام الذي صنعه لها والدها ووضعه لها اطمئن قلبها للوهلة الأولى وهي تُشير برأسها لهم أن يأتوا ويخلصونها من هذا…
اقترب منها الفتيات وهم يضحكون بسعادة لتتوسع أعينها بصدمة وهم ينزعون حجابها بعنف ويدفعونها أرضًا بقوة ألامتها بينما يقولون من بين ضحكاتهم والتي لم تفهم لبيبة منها شيء:-
– وأخيرًا واقعة على الأرض تحت رجلينا…
لا لبيبة بدران ولا قطران إللي الجامعة دوشانه بيها…
يجوا يشوفها دلوقتي وهي زي الحشرة تحت رجلينا..
جذبتها شادية من شعرها وهي تقول بشماتة:-
– إللي عامل لكِ اسم هي فلوس أبوكِ الكتير أووي، إحنا قولنا نستفيد منك بدل ما إنتِ ملكيش لازمة كدا…
أتت دُرية مقهقهة وهتفت:-
– أي يا بنات هو إنتوا ناسيين إنها خارسة وطارشة…
انفجر الجميع بالضحك أمّا هي فكانت توزع أنظارها بينهم وقد تجمد الدمع بأعينها، تشعر أنها بإحدى الكوابيس أو أنها تقرأ رواية تتحدث عن الغدر…
استقام بلال ثم اقترب منها وأنظارها المستغيثة متعلقة به، هذا الذي أتت به كي لا تضل…
جلس على أعقابه أمامها، ظل ينظر لوجهها المرتفع نحوه ثم ضحك بانتصار تذوقه أخيرًا…
كانوا يحاوطنها بينما هي ملقاة أرضًا وقد عمى الحقد والغيرة والطمع أعينهم…
وتعلقت أعينها التي جمدت بها الدموع ببلال الذي يرمقها بكره شديد وحقد تتسائل أين ذهب العشق والحنان الذي كان يتغنى به، هل لهذه الأعين التي بنبثق منها حقد لا مثيل له أن تكون نفسها التي ترمقها بالحنان!!!!
رمته بنظرة حركت سواكنه وجعلته يشعر بمدى مهانته وحقارته وصغره، نظرة كانت كفيلة بإحراقه والتي نشبت بسببها الحرائق بداخله، صرخ بغضب وهو يهبط بكفه القاسٍ على وجهها بقسوة وفقد أعصابه وهو ينهال على وجهها بالصفعات..
وجهها الذي كان يخشى عليه والدها من النسمات الشديدة بعض الشيء، وجهها الذي يُغمر دائمًا بالقُبلات الحنونة، الآن يتذوق القسوة للمرة الأولى…
وعلى يد مَنْ.!!!
مَن أتى بها للذئاب لتلتهمها وكان هو زعيم القطيع..
كان يصرخ صراخ شق سكون الليل:-
– متبصليش كدا …. بلاش النظرة دي أنا مبحبهاش، متعمليش نفسك البريئة الطاهرة النقية ….أنا مش حقير يا بت ولا مليش قيمة..
سحبه منير وهو يقول بفزع:-
-هتموت في إيدك يا بلال … دا إحنا نروح في ستين داهية … دي بنت يعقوب بدران الوحيدة..
ابتسم بشرّ وقال:-
– علشان كدا مش لازم يفوتها كرم الضيافة، أنا عارف إن أكتر حاجة بيبا بتحبها هي الضلمة علشان كدا جهزتلها أوضة في فندق خمس نجوم..
وانحنى يسحبها لتظل هي تقاوم بكل عزمها وتهمهم بشدة في محاولة لإخراج صوتها لكن لا فائدة..
كان يسحبها نحو بئر مهجور مظلم وهي تحاول تثبيت قدميها في الأرض لكن كانت قواه أعظم منها وأشار للفتيات لتأتي إعتماد تضع قطعة من القماش فوق أعينها تحجب بها الرؤية ظلت لبيبة تحرك رأسها برفض لكن أمسك رأسها يثبتها بقسوة هذا المجرم بلال لتبتلع قطعة القماش دموعها الحارقة…
وأنزلها يلقيها بالبئر المظلم ليصيبها الهلع وأخذت تهمهم وهي تتحرك بجنون وهي مقيدة الأيدي والاقدام .. فهي أكثر ما كانت تخافه وتهابه هو الظلام…
ظلت تنتفض برعب وتتحرك بجنون وقد ارتفعت صوت همهماتها العاجزة…
بينما بلال فقد زفر بضيق وقال لمُنير:-
– أيه الأخبار .. رنيت لقيتهم حطوا الفلوس في مكانها…
ردد مُنير بفرحة:-
– كلمته من التلفون العمومي القريب من المنطقة وواضح إن هو عرف بإختفاءها، لما هي اتأخرت كلم رئيس الجامعة وعميد الكلية وقالولوا مفيش أي رحلة خرجت من الجامعة..
وقولتله لما نستلم الفلوس ومن غير غدر هنعرفك مكان بنتك وإلا مش هتعرف مكانها ولو وقفت على منابت شعرك مش هتقدر توصلها، والتأخير مش في مصلحة بنتك خالص، لأن حياتها في خطر … وما سمعتش بقاا يعقوب بدران بجلالة قدره وهو بيترجاني…
أيده بلال قائلًا:-
– أنا قولتلك إن هي نقطة ضعفه الوحيدة وعلشانها يعمل أي حاجة…
المهم حط الشنطة في المكان..
– أيوا حطها في المكان إللي حددته ولما نستلمها هنبلغه بمكان بنته…
– طب يلا بينا من هنا…
ورحلوا ولم يداعب قلبهم المتجبر المتحجر نسيم من الضمير أو من الرحمة…
وتركوها وسط الظلمة والعجز المتمثل في مربع الفقد … فقد القدرة على الرؤية .. فقد السمع .. فقد القدرة على الصراخ والإستغاثة فقد الحركة…
بين شعور .. القهر .. الخيبة .. العجز … الغدر..
كان صدرها يعلو ويهبط بجنون، رفعت رأسها للسماء البعيدة عنها … القريبة كل القرب من المظلوم المغدور…
تهمهم بشدة حتى ألآمتها أحبالها الصوتية وانجرحت، ما تتمناه الآن أن تصرخ بشدة صرخة تبلغ عنان السماء…
وحدثت المعجزة ومن بين بقاع العجز تحررت أحبالها الصوتيه وصدعت صرختها الملطخة بالألم والعجز …. صرخة كانت بعد غياب من خلف حزن وجاءت مرةً أخرى في حادثة وأد لبيبة المرِحة النشيطة المحبة للحياة….
لتخور قواها حين اخترقت أذانها أخيرًا صوت والدها الذي غاب عن مسمعها سنوات يناديها بلهفة وارتعاب ليطمئن قلبها وتعلم أنها أصبحت بموطنها وخفت إدراكها ساقطة بأحضان فقدان الوعي وخفت معه بريق الحياة من أعينها للأبد….
فتاة ضعيفة البدن صماء بكماء قد وقعت فريسة نفوس مريضة ناتجة عن ثقتها وطيب قلبها الذي أوصلها حد السذاجة..
كانت مرحة، مُحبة للحياة، لا تنطفئ الإبتسامة من فوق فمها..
وثقت في أصدقاء رسموا لها الوفاء لتُطعن على يد قارئ الحياة لها .. على مَن كان الأذن التي تسمع بها … واللسان الذي تتحدث به..
جاءت به كي لا تُضل فأضلها وألقاها في غيابة الجُب..
مَن أهدته قلبها وروحها ولُبها وأوهمها هو أنها له كل ذلك..
عادت الكاميرا إلى أرض الواقع وانتهت رِفقة التي غرق وجهها بالدمع وشهقاتها مرتفعه تبكي بكاء حار وهي تشعر بدوار يلفها…
وختمت بأخر ما كتبته لبيبة بتاريخ هذا الشهر..
“لقد خشيت فقط أن يحلّ بالعمياء ما حلّ بالصماء البكماء …لقد خشيت أن يحلّ بها ما حلّ بي، أردتُ إبعادها عن كل معاني الغدر، وإبعاده عن كل معاني الخذلان؛ لتيقُني أن الغدر مدفون بجميع الأرواح واجتثاث تلك النبتة الساذجة التي تسمى ثقة من معجمي وداخلي منذ ذاك اليوم…”
أجهشت رِفقة في بكاءٍ شديد وهي تحتضن الدفتر لصدرها بينما ما قرأته يلف ذاكرتها وهي تقول بنشيج مرتفع وصوت متقطع:-
– ليه كدا … ليه … كانت زيّي … بس ليه عدم الرحمة دي .. عاشت دا كله لوحدها محدش حسّ بيها .. كانت بتحبني مش بتكرهني، أنا فهمتها غلط وكلنا فهمناها غلط…
كانت بس خايفه عليا ومن أحب الناس لقلبها وإللي ربيته بإيدها، خايفة عليا من الكسر والجرح وكانت خايفة على يعقوب من الخيبة….
عندما تأخرت رِفقة في العودة خرج يعقوب ببحث عنها ليسقط قلبه وهو يراها بهذه الحالة منهارة في بكاء شديد، يراها هكذا للمرة الأولى..
ركض نحوها بلهفة يحتضن وجهها بكفيه ويتسائل بتلهف:-
– رِفقة حبيبتي .. حصل أيه ليه الدموع دي كلها..
ارتمت بأحضانه وهي تنطق اسمه بنحيب:-
– يعقوب…
احتواها بين أضلعه يمسح على ظهرها بحنان وعقله يجن من بكاءها بهذه الطريقة فما السبب الذي آل بها لهذا البكاء..
كانت تردد بكلمات غير مترابطة:-
– هي مكانتش وحشة .. هي مش وحشة .. أنا حاسه بيها .. حاسه بالشعور إللي حست بيه ساعتها بس هي كانت أقسى بمراحل..
يعقوب .. دور عليها .. مش تخليها وحيدة تاني، تيتا لبيبة رجعها لنا…
تجمدت أطراف يعقوب وفزع قلبه من فكرة حدوث شيء سيء لجدته، ردد بهلع:-
– هي مالها …حصلها حاجة.!!
مدت يدها له بالدفتر وقالت بأسف ودموع عالقة بخديها:-
– أنا عارفة إن مكانش ينفع أتدخل واقرأ علشان دي خصوصيتها بس غصب عني…
تناول يعقوب هذا الدفتر يفتحه وأخذت أعينه تجري على المكتوب والذي كان بمثابة نارٌ حارقة انسكبت على قلبه…
كان بالمقابل يتذكر لحظاته معها، حبها له الذي كان واضحًا للجميع، وقولها دائمًا (يا اسم غالي يا يعقوب.)
كانت تخبره دائمًا بأنه يشبه والدها…
لذلك تعتز باسم عائلتها كثيرًا وبكل ذكرى تخصّ والدها وبجميع أشياءه…
لذلك تزوجت بابن عمها ليبقى ويتخلد اسم والدها واسم العائلة ويصبح نسلها يحمل اسم آل بدران..
لذلك كانت تخبره أن اسم هذه العائلة مرتبط بالشرف والرِفعة والمبادئ والأخلاق…
لذلك كانت تحيط نفسها بجدار سميك وتعتزل الجميع…
لذلك كانت تحميه وتبعده كي لا تنجرح مشاعره ولو جرح بسيط..
لذلك كانت الثقة والأمان للأشخاص غير متواجدين بمعجمها وليس لهم مرادفات به سوى الخيانة والغدر والألم..
نعم كان مرادف الثقة والأمان بمعجم لبيبة بدران الخيانة والغدر والألم…
دائمًا ما كانت تخبره بهذه الجملة التي تتردد الآن بعقله..
“أنا بثق فيك يا يعقوب … ومستعدة أأمن على روحي معاك .. والجملتين دول معناهم عند لبيبة بدران كتير أووي يا يعقوب باشا.”
برزت عروق عنق يعقوب وعروق جبينه واحمرّ جفنيه لتسقط دمعتين حارتين انغمسوا بلحيته..
هي عندما كان والديه يبحثون عن المجد متناسين أن لهم ابنٌ أكبر يُسمى يعقوب كانت هي قائمة بكل شئونه، لقد بذلت كل شيء لجعله الأفضل، كان يرى أنها مستعدة لفعل أي شيء لأجله حتى التضحية بروحها…
كان يرى ويعلم أنها أكثر من تحبه، ومهما أحبه الجميع سيبقى حُب لبيبة ليعقوب حبًا مختلف متميز…
كان يعجب من طريقة حبها لكنه كان متيقن أنها تحبه أكثر من الجميع، بل إن حبها لا يُقارن بأي حُب أخر…
حبها كان تعلق روحي، تعلقت روحها بروح يعقوب، يكفيه أنها اختارت له اسم أحب الأشخاص لديها … يعقوب … اسم والدها الذي كان عالمها…
________بقلم/سارة نيل________
بعد مرور شهر…
طرق شديد على سطح الباب جعلها تهرع بتكاسل نحو الباب وبمجرد أن فتحت الباب توسعت أعينها بصدمة وصاحت بعدم تصديق:-
– نرجس … يحيى … مستحيل..
هدرت نرجس وهي تتماسك بصعوبة:-
– أيه كنتِ مفكرانا موتنا يا عفاف ولا أيه…!
توترت وجاءت تصتنع الود قائلة:-
– لا يا أختي أهلًا وسهلًا دا إنتِ شرفت……
قاطع وصلة كذبها واختلاقها الحب سقوط صفعة قاسية عاتية على وجهها، جاءت تتحدث لتتفاجئ بالأخرى على الجانب الأخر من وجهها…
شهقت بألم لتصرخ نرجس:-
– بطلي كذب بقاا ونفاق يا عفاف .. للأسف إللي دفعوا التمن عيالك … وأنا مش هتنازل عن حقي وحق عمري إللي ضاع هدر وحق بنتي…
إنتِ عذبتيني أنا وبنتي وجوزي بكل الطرق ومرحمتناش ولا رحمتي ضعف بنتي..
ووسعت الطريق لرجال الشرطة لتسحبها الشرطية بقسوة وهي تقول بغلظة:-
– مفيش حقيقية بتفضل مخفية يا مجرمة ومفيش جريمة بتفضل كاملة…
للأسف المجرمين إللي اتفقتي معاها يخطفوا يحيى ونرجس ويسرقوا المبلغ إللي كان معاهم ويعملوا إللي عملوه، وخطفوا بنتهم وهددوها علشان يفهموا يحيى وزوجته إنها اتقلت، بعد كل السنين دي اتمسكوا في جريمة قتل وعملية سطو كبيرة..
وبعد ما عقدنا صفقة معاهم بتخفيف العقوبة لو اعترفوا بكل جرائمهم اسمك جه في التحقيق، وحقيقتك وقذارتك انكشفت يا مدام غير سرقتك وتصرفك بالبيع لِبيتهم … يلا قدامي…
أخذت تصرخ وهي تنتحب برجاء:-
– حقك عليا يا نرجس … طمعت لما شوفت معاكم المبلغ ده كله … كنت بغير وحاقدة عليكِ يا نرجس … علشان خاطر عيالي يا نرجس، أنا اتعاقبت بما فيه الكفاية والله…..
واختفى صوتها وهم يجرونها جرًا أمام الجيران الذين تجمهروا يشاهدون هذا العرض المجاني…

ارتدى يعقوب ملابسه وخرج من قصر آل بدران وركب سيارته وقاد نحو منزل رِفقة…
بعد قليل كان يطرق باب منزل شقته القديمة بينما يرتب باقة زهور الأقحوان التي بيده…
فتح يحيى الباب مرحبًا به:-
– يعقوب … اتفضل يا ابني نورت..
دلف يعقوب للداخل وقال مبتسمًا بوقار:-
– أهلًا يا عمي .. إنتوا عاملين أيه وأخباركم..
– بخير يا ابني .. أخباركم أيه وأخبار الجماعة..
– كويسين والله بخير..
أتى رِين بجانب قدم يعقوب فانحنى يحمله وهو يمسد على ظهره وقال:-
– رِين واحشني يا راجل..
تنحنح يحيى وأردف يُخبر يعقوب:-
– كنت عايزه أفاتحك في موضوع مهم يا يعقوب..
هتف يعقوب بانتباه:-
– اتفضل يا عمي أنا سامع حضرتك..
قال يحيى بلهجة حاسمة:-
– بص يا ابني الحمد لله أمورنا استقرت، ومن بعد فرحك إنت ورِفقة هننقل بيتنا، أنا أجرت شقة قريبة من هنا، إنت عملت الواجب وزيادة يا يعقوب وكفاية إن إنتوا فتحتوا شركتكم ليا ولقيت وظيفة مناسبة ليا..
لكن أنا مش هقبل أبدًا نقعد كدا في بيتك أبدًا..
قال يعقوب باعتراض:-
– أنا قولتلك يا عمي أنا دلوقتي جهزت بيتنا أنا ورِفقة وبقالنا شهر بنرتب فيه وبنجهزه والشقة دي خلاص بقت ملكك، هو إنت ليه عامل فرق كدا، مش إنت بتقول إن بقيت ابنك، وفي أب بيعمل فرق كدا بينه وبين ابنه..
هتف يحيى برفض شديد:-
– إنت ابني دا مش محتاج كلام، بس علشان أكون مرتاح … وكفاية إنك رفضت نجهز رِفقة وإنت جهزت البيت من كل حاجة..
أجابه يعقوب بعدم إقتناع:-
– إن البنت وأهل الزوجة يشاركوا في العفش، ويجيبوا جهاز جبار، دا العرف والعادات إللي أنا بصراحة مش مقتنع بيها..
أنا ورِفقة نزلنا وجبنا إللي هنحتاجه بس وإللي هنستعمله، ومش بالأعداد الجنونية إللي بتقولوا عليها دي، هي مراتي وبيتنا مسؤول مني أنا مش نصه مسؤول من أبوها…
ابتسم يحيى وقال بغرابة:-
– بس يا ابني دا بيبقى من ناحية أبو العروسة ويكون مساندة للعريس وخصوصًا لو لسه بيبدأ حياته … يعني لو عليه كل حاجة يبقى كتير أوي.
قال يعقوب بذات التفكير وإصرار:-
– ما أنا بقولك يتجوزا بالحاجة إللي هيحتجوها في بداية حياتهم بس وبعد كدا واحدة واحدة يجيبوا النواقص، يعني مثلًا بلاش حاجة الصيف في الشتا .. وحاجة الشتا في الصيف إذا كانت كدا كدا هتتركن..
وبلاش مثلًا خمسين مفرش سرير، وسراير وتكوين أوض أطفال والأطفال لسه موصلوش ولسه قدامهم على الأقل سنة أو اتنين ويوصلوا وينور الدنيا بالسلامة..
والله الدنيا بسيطة بس الناس بقت تصعبها على نفسها يا عمي..
أنا عارف إنك هتعترض معايا مع إن على فكرا إللي بقوله هو الشرع، بس إنت كدا كدا مش هتاخد معايا حق ولا باطل لأن أنا متمسك بأفكاري واعتقادتي ومتنساش إني بدران وهتلاقي راسي ناشفة..
ضحك يحيى وهو يحرك رأسه بلا فائدة، استقام وهو يرفع صوته قائلًا:-
– تعالي يا رِفقة شوفي جوزك …يعقوب باشا أبو دماغ ناشف..
جاءت رِفقة المبستمة ببهوت وانصرف والدها، استقام يعقوب وأعينه مثبتة عليها بشوق، سحب كفها يطبع قبلة بباطنه وهو يضع باقة الأقحوان بين يديها هامسًا:-
– وحشتيني يا أرنوبي..
اقتربت تطبع قبلة رقيقة فوق لحيته وقالت برِقة رغم حزن المتجلي بأعينها:-
– وإنت أكتر يا أوب..
جذبها تجلس بجانبه لتظل تنظر إلى الزهور وتتحسسها بحب وهمست:-
– وحشني أووي شكل الأقحوان..
مسد فوق وجنتها المنتفخة وقال بحنان:-
– حضري دفتر أمنياتك علشان هنحققها واحدة ورا التانية يا رِفقة، هعوضك على كل السنين دي ومش هسيب أمنية أقدر عليها ألا ما أحققهالك…
قالت بنبرة كاسفة:-
– قولتلك على أول أمنية ليا يا يعقوب، ترجع تيتا لبيبة..
قال يعقوب بصدق:-
– وأنا وعدتك إنها هتحضر فرحنا..
رددت بقلق:-
– فرحنا باقي عليه يومين وإنت قلبت الدنيا ومش لاقيها يا يعقوب..
– أنا وعدتك يا رِفقة .. بس المهم قوليلي الفستان وصلك..!!
فور أن تذكرت ابتهج وجهها وصاحت بحماس:-
– وصلي يا يعقوب متتخيلش رهيب قد أيه، ومتعرفش فرحتي قد أيه إن فستان فرحي من تصميم غصون الحُصري…
بجد أنا كنت بتفرج على تصاميمها وإنتاج شركتهم بانبهار مكونتش متوقعة إن هلبس من تصميمها…
ويبقى أيه تصميم مخصص ليا بس، حقيقي طلعت إنسانة رقيقة وخلوقة أووي ومبدعة…
طبع يعقوب لثمة حانية فوق جبينها وقال:-
– دا أقل حاجة في حق رِفقة..
يعقوب في خدمة أمنيات رِفقة..
وبصراحة زوجها بردوه وصاحب الشركة عُدي الحُصري شخص ذوق ومحترم لأبعد الحدود، وأحلى من كدا إننا بقينا مِعرفة وعزمتهم على فرحنا..
قالت بفرحة:-
– بجد … شكرًا بجد يا أوب …يسلملي قلبك..
– طب مش ناوية تفرجيني على الفستان..
هتفت بنفي:-
– لا طبعًا … أنا قولت سيبها مفاجأة يا يعقوب مش تضعط عليا بقاا..
_______بقلم/سارة نيل________
يوم الزفاف…
صاحت نهال بضجر:-
– معقول مش هتحطي ميكب خالص يا ست رِفقة..
ابتسمت غادة مخطوبة يامن شقيق يعقوب وقالت وهي تضع على وجه رِفقة بعض المرطبات الطبيعية:-
– سيبيها براحتها يا نهال طالما هي مش يتحبه..
أيدتها رِفقة وهي تُقبل غادة من وجنتها:-
– الله ينصرك يا غدغوده …أيوا بصراحة أنا مش بحبه خالص ومش ببقى حلوة فيه..
بحب طبيعتي ومفيش داعي إن أخبيها بالألوان يا نهال، أنا بحب نفسي كدا وأنا في عيني جميلة، كفاية أنا بعمل روتين لبشرتي وبهتم بيها ودا حلو أووي..
هتفت نهال بسخط:
– سكتنا يا رِفقة يا أم دماغ ناشف … يا ستار يارب على دي دماغ…
اقتربت آلاء بحجاب رِفقة وفستانها وقالت باستعجال:-
– يلا يا رِفقة الوقت اتأخر والعريس على وصول..
وقفت رِفقة بينهم في المنتصف وقالت بأعين دامعة:-
– ربنا يباركلي فيكم يا بنات، حقيقي مش هنسى وقفتكم جمبي دي، إذا كان في المرّ ولا الحلو…
عقبال يارب ما أقف جمبكم في السعادة..
تكبكبوا عليها يحتضنوها بسعادة وصوت ضحكاتهم يغمر الغرفة…
ابتسمت نرجس التي تقف على باب الغرفة بسعادة، رفعت رأسها للأعلى وقالت بإمتنان وشكر:-
– شكرًا يارب … اللهم لك الحمد والشكر يارب..
خرجت إليه كحورية من الجنة، فستانها الذي كان تحفة فنية عن الإحتشام واللباس الفضفاض والبساطة، فستان منسوج من القماش الحريري المطرز بروعة بالورود البيضاء وبالحب، فيكفيه جمالًا أنه صُنع بحب غصون وبروحها الجميلة التي لطالما لامست شيء إلا وزانته..
وحجابها الطويل الساتر الذي له نفس تصميم فستانها والذي زادته براءة رِفقة ونقاءها وابتسامتها جمالًا..
وقف يعقوب مبهوتًا مبهور بحِلته السوداء ووسامته الهادئة..
اقترب منها ثم همس وهو يضع قبلة رِقيقة مُطولة مفعمة بالمشاعر فوق جبينها وهمس:-
– ما شاء الله تبارك الرحمن … ربنا يباركلي فيكِ يا نور عيني .. مبروك عليا إنتِ يا رِفقة..
ابتسمت بخجل وهمست له:-
– وربنا يباركلي فيك يا أوب..
وأكملت بمرح:-
– ويجعلك زوج صالح ومطيع..
ضحك قائلًا:-
– دا أنا هبهرك يا أرنوب..
اقترب والد رِفقة ووالدتها المأخوذين بها، جذبها والدها يقبل جبينها واحتضنها بشدة لتبادله وهي على وشك البكاء لتسرع نرجس تقول بنفي:-
– لا مش عايزين عياط، إحنا هنا جامبك ومعاكِ وفي ضهرك … إنتِ لنا الدنيا كلها يا بنتي، إنتِ نور عيني يا رِفقة..
ارتمت بأحضان والدتها التي احتوتها بحنان، ليقول يحيى ليعقوب:-
– رِفقة أمانة في رقبتك يا يعقوب، إنت ااه ابني بس لو اتسببت في دموعها ساعتها….
قاطعه يعقوب بمرح:-
– أيه يا حاج إهدى عليا .. رِفقة مين إللي أزعلها، رِفقة في قلبي وعيني وقدام دموعها أنا مقدرش أبدًا..
وجذبها برِفق يضع ذراعها بذراعه وهو يقول باستعجال:-
– مش يلا بقاا علشان نلحق الفرح والضيوف ميملوش من الإنتظار..
وخرج وهي بصحبته حيث عالمه الخاص وعالمهم الذي سيشيدونه بالعشق والرحمة والمودة والرِفق واللين…
وكما تمنت رِفقة كان الزفاف منفصل وغير مختلط، ظلّ معها في البداية قليلًا ثم خرج يحتفل مع أصدقاءه وشقيقه يامن ووالده وجميع الضيوف من الطبقة المخملية بالأخير هذا زفاف يعقوب بدران الوريث الأكبر لعائلة بدران ذائعة الصيت رفيعة الشأن..
بينما رِفقة في الجهة الأخرى مع الفتيات ووالدتها وبقية النساء من الطبقة المخملية الذين تعجبوا وضع هذا الزفاف وبعد الاندماج في الأجواء نال الزفاف إعجابهم…
قالت إحدى السيدات:-
– حفلة الزفاف دي أول مرة أشوفها، بس تصدقي حلوة أووي وحاجة مختلفة..
أيدتها السيدة الأخرى:-
– فعلًا أنا أول مرة أحضر حاجة زي كدا، بس حقيقي لطيفة أووي والعروسة رقيقة وما شاء الله عليها … يا زين ما أختار يعقوب بدران..
بس الغريب فين لبيبة هانم مختفية خالص..
– وأنا بردوه بدور عليها ومظهرتش لغاية دلوقتي..
كانت رِفقة وأصدقاءها يتراقصون بسعادة على الدفوف، لكن كان هناك حزن يُعبئ قلب رِفقة وبين الحين والآخر تبحث عنها بجميع الوجوه..
انسحبت من بين الفتيات وجلست شاردة بحزن، نظرت لباقة الزهور التي بين يديها والتي جلبها لها يعقوب…
جميع الوعود التي قطعها لها يفي بها، لكن لماذا هذا الوعد لم يصدق به…!!
رفعت رأسها لتتوقف أعينها فوقها … فوق من ترقبتها في هذا الشهر كل دقيقة..
لبيبة بدران تدلف من الباب بثقتها وشموخها المعهودة وطلتها الراقية المُميزة…
استقامت رِفقة بصدمة وظلت تفتح أعينها وتغلقها وهي تتأكد أنها ليست بأحد أحلامها، اقتربت منها وأعينها مثبتة عليها بينما لبيبة تنظر لها بثبات…
توسعت إبتسامة رِفقة وابتهج قلبها ثم رفعت طرف فستانها وقطعت الخطوات التي تفصلهم بركض وارتمت بأحضان لبيبة تحت دهشة الجميع، كانت تلف ذراعيها حولها تحتضنها بحب وصدق وتلهف واشتياق كان واضحًا في عناقها الحنون لأبعد الحدود، تتمنى أن لو تستطع إزالة كل ذرة ألم بداخلها، تتمنى أن لو كانت تستطيع محو جميع الذكريات السيئة والندوب..
لبيبة بطبيعتها المغلقة مشتهرة بها بين الجميع ولا أحد تجرأ يومًا إختراق حواجزها..
همست رِفقة لها بسعادة تنبض بها حروفها وغصة باكية:-
– أخيرًا رجعتي..
وفي مشهد يدوّن ويُحتفظ به للأبد جعل الجميع يشاهد بترقب…
ارتفع ذراعي لبيبة وحاوطت بهم رِفقة بحنان ليرتفع تصفيق الجميع وابتسم يعقوب الذي يقف خلف لبيبة…
وهنا ….. قد خــــنــع الــــــــقلـــب المـــــــــتكبر لِــــــــعـــــــــميــــــاء…
________بقلم/سارة نيل_______
– معقول يا يعقوب، أخدتني من المطار للطيارة وإنت مغمي عيني ومش عارفة إحنا رايحين فين، وكمان بتحط السماعات في ودني..
يا ترى أيه المفاجأة دي…
ابتسم وهو ينظر للطريق أمامه ثم قال:-
– هانت يا رِفقة …باقي القليل بس..
ساعدها في الترجل من السيارة وحاوطها وهما يسيران نحو الداخل وقد فهم المحيطين بهم ما ينتوي فعله فابتسموا له بسعادة ودعم وهم يترقبون ردة فعلها..
اخترقت أسماع رِفقة بعض الأصوات لينمو الشك بداخلها، وارتعش داخلها وهي تشعر بالسكينة تغزوها..
وقف يعقوب خلفها بعد وصولهم أخيرًا إلى وجهتهم، قال لها بسعادة:-
– مستعدة..
لقد شعر قلبها، لقد أصابه قشعريرة تتمناها عمرًا كاملًا…
سحب قطعة القماش من فوق أعينها لينقشع أمامها ساحة الحرم المكي وأمامها مباشرة بيت الله الحرام…
ظلت أعين رِفقة مثبتة تنظر أمامها بأعين متوسعة وجسد أضحى يرتعش بوضوح، ليُصيب القلق والتوجس قلب يعقوب من ردة فعلها، فهو قد توقع كل شيء فيما عدا ردة الفعل هذه..
همس بخوف:-
– رِفقة .. رِفقة..
سقطت رِفقة على ركبتيها وانفجرت في بكاء شديد وأعينها لم تتحرك من أمامها، قالت بعدم ترابط بصوت متشنج وهي تشعر بقلبها يكاد أن يغادر صدرها:-
– قلبي يا يعقوب … قلبي حساه إن هيقف…
هيطير مني …حاسه إنه هيطر .. أنا حسيت والله..
انحنت ساجدة وهي تقول ببكاء حار:-
– شكرًا يارب … شكرًا يارب اللهم لك الحمد حتى ترضى … أقولك حاجة يارب أنا بقيت مش عارفة أقول أيه .. أنت حنان أووي يارب حنان ومنان…
جلس يعقوب بجانبها ثم قال بود:-
– إنتِ قولتيلي مرة إنك نفسك ترجعي تشوفي أووي علشان هي وحشتك أووي ونفسك تشوفيها..
فحبيت أول مرة تشوفيها تبقى بشكل مباشر وفي الحقيقة مش من خلال الشاشة..
نظرت له بعجز ولم يكن منها ألا أن نظرت للسماء وتكون أولى دعواها في هذه البقعة المباركة:-
– يارب أرضى عن يعقوب .. أرضى عنه وارزقه خير الدنيا والآخرة .. واستعمله فيما يرضيك..
_______بقلم/سارة نيل_______
بقصر آل بدران بيوم الجمعة عصرًا، حول مائدة الغداء العريقة، يجلس الجميع في جو مليء بالمودة والأُلفة وعلى رأس المائدة لبيبة بدران، وبالجهة اليسرى يجلس يعقوب وبجانبه زوجته رِفقة ومن الجهة اليمنى يجلس حُسين بدران وبجانبه زوجته فاتن وبجانبها يامن..
وبجانب رِفقة تجلس والدتها نرجس…
نطقت نرجس بسخط:-
– أبوك اتأخر يا رِفقة .. كان لازم يعني يعمل إللي عمله ويتنازل عن المحضر، هي تستاهل العقاب، راح اتنازل عن المحضر وخبى عني الفترة دي كلها…
احتوت رِفقة كف والدتها ثم قالت:-
– يا ماما هي تستاهل العقاب، بس أظن مفيش أسوء من إللي حصلها اتعاقبت في ولادها ودا أصعب عقاب..
راجح محدش يعرف عنه حاجة وحالة شيرين وأمل صعبة وهما محتاجينها يا ماما..
وبعدين الرسول علمنا العفو عند المقدرة وإنتِ علمتيني كدا، عارفة إن في حاجات بتسيب جوانا أثر صعب وبيبقى صعب إننا نسامح ونعفو، بس عقاب ربنا بيبقى عادل أووي يا ماما..
ونفتكر إللي بيسامح وبيغفر بيبقى عند ربنا من المحسنين، والقرآن مليان بالأيات إللي بتحثنا على العفو..
مش ربنا قال…
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
وقال كمان..
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
وكمان قال..
وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
وكتير أووي يا ماما، خلينا نغفر ونسامح زي ما نحب إن ربنا يغفر لنا ويسامحنا وعلشان مع مرور الوقت قلبنا مش يتملى حقد وغلّ…
نظر لها يعقوب بفخر بينما رددت والدتها بإدراك:-
– ونعم بالله يا بنتي، ربنا يزيدك يا رِفقة..
تنحنحت لبيبة ثم مدت يدها بظرف ليعقوب ورِفقة قائلة:-
– دي هدية جوازكم..
ابتسمت رِفقة بحماس وهي تفتح الظرف بينما تقول:-
– يا ترى أيه المفاجأة يا بيبا يا قمر إنتِ..!!
هتفت لبيبة قبل أن ترتشف الماء:-
– بطلي بكش يا هانم وأسئلة إجابتها في إيدك..
وفور أن فتحت الظرف وشاهدت ما بداخله صاحت بحماس:-
– دا بجد..
ابتسم يعقوب وهو يرى رحلة إلى جُزر المالديف بإحدى الشواطئ الخاصة..
قفزت رِفقة من مقعدها ثم أخذت تحتضن لبيبة الجالسة على المقعد من الخلف وقبلتها من وجنتيها بسعادة وهي تقول بأعين فرِحة:-
– إنتِ عارفة إن بعشق البحر ونفسي أشوفه بعد السنين دي كلها وبالذات الرملة البيضا..
إنتِ أحسن بيبا في الدنيا أصلًا..
وانحنت تقبل يديها باحترام وحب لتزجرها لبيبة بلطف بينما داخلها يرفرف سعادة لرؤية السعادة بأعينها ورؤية الجميع يلتفون من حولها..
– بطلي بكش بقاا يا بت إنتِ..
قالت رِفقة بمرح:-
– أوب يلا بينا على المالديف…
استقام يعقوب واقترب من جدته التي خشت بداخلها أن يرفض هذه الرحلة، لكنه انحنى يقبل كفها ثم رأسها وقال بشكر:-
– شكرًا يا أمي .. ربنا يخليكِ ليا..
هذه الثلاث أحرف من يعقوب يمثلوا لها العالم أجمع … “أمي”..
انتصبت وربتت على كتفه بحنان فاقترب هو يحتضنها بعرفان وحب، فمهما حدث أحضانها له شيء أخر … فتبقى هي الأم التي قامت بتربية يعقوب بدران…
احتوته تربت على ظهره بحنان وابتسمت إبتسامة راضية…
اقترب يامن يقول بغضب مصطنع وهو يقترب منها:-
– أنا عارف إنك حقك تحبي يعقوب باشا أكتر مني دا طبيعي .. دا تربية إيدك..
بس أنا ليا الحق إن أحضنك أنا كمان…
ابتمست له واحتوته داخل أحضانها هو الأخر ليقول:-
– مش كدا آن الأوان أتجوز البت غدغوده بقاا، هتروحي معايا نحدد الفرح ونتجوز بعد ما يعقوب يجي من شهر العسل..
بصراحة أنا صُبورت كتير أووي لبيبة هانم…
اختلطت الضحكات السعيدة المرحة التي خففت من أوجاع الماضي التي تملأ لبيبة…
بعد مرور ثلاث ساعات وبعدما انصرف الجميع، اقتربت مساعدة لبيبة تخبرها بإحترام:-
– لبيبة هانم في شخص طالب يقابلك، الشخص بتاع كل شهر..
رفعت رأسها وقالت بغضب:-
– مش أنا قولت محدش يدخله تاني..
– يا هانم هو برا منتظر في الحديقة ولما رفضنا بيبكي…
انتصبت بوقفتها ثم سارت بشموخ ورِفعة حتى وقفت أمام هذا الجالس على مقعد متحرك، رمقته بقسوة بينما طالعها هو برجاء مرتجي الغفران الذي يعجز عن التفوه به لعجزه عن الحديث بالإضافة إلى الحركة والسمع…
فقط أعينه من ينظر بها…
وماذا ظننت يا صاح، فإن الجزاء من جنس العمل..
إنه بلال المرشدي صاحب لغة الإشارة..
وبجانبه ممرضة تساعده..
قالت الممرضة برجاء:-
– بقلنا سنين بنجيلك كل شهر يا لبيبة هانم، وحالته بقت صعبة جدًا وطالب منك العفو والسماح..
كان. ينظر للبيبة برجاء ذكرها بنظراتها بالماضي البعيد، رمقته بجمود بينما يمد يده لها بهذه الورقة بكل مرة المكتوب بها ما حدث لهم بعدما تركوها..
ففور أن أخذوا المال قاد السيارة يتلاعب بها على الطريق بسعادة وهو يضحكون بسعادة لتنقطع ضحكاتهم فور أن نزلت العدالة الربانية لتأتي شاحنة ضخمة وتصتدم بها السيارة بقسوة ثم أخذت تدور على الطريق عدة مرات حتى سقطت من فوق منحدر مرتفع، فارق الجميع الحياة وبقى هو يتذوق الويلات مع هذه الإعاقات المريرة طوال هذه السنوات، كان الموت حينها له رحمة لم يتذوقها وحُرم منها..
استدارت ليهمهم لها بلهفة وجنون ونظرات يتدفق منها الندم فتقول هي:-
– روح وأبعد عن هنا ومعتش تقرب مني، كفاية عقاب ربنا ليك والعدل الرباني..
تذكرت كلمات رِفقة فتكمل:-
– عفيت عنك…
ورمقت الممرضة قائلة:-
– ترجمي ليه..
واستدارت تدلف للداخل بشموخ…
وقفت تتحسس أدوات زوجها وابن عمها
عمران بدران، ابتسمت بشوق وحنين ثم قالت:-
– ليك واحشة يا عمران … حاولت كتير تغير من لبيبة بروحك اللطيفة وحبك وحنانك وصبرك معايا…
ليك مكانتك الثابتة في قلب لبيبة …مكانك لسه موجود حتى لو إنت مش موجود..
تحسست مسبحة والدها وهتفت بشوق:-
– وحشتني يا يعقوب باشا … وحشني دلالك…
ربنا يرحمك رحمة واسعة إنت وعمران يارب.. هحكيلكم الجديد في حياة أحفادكم…
______بقلم/سارة نيل_______
بعد مرور أربع سنوات في الصباح الباكر بينما صوت خرير الماء يغمر الأرجاء…
بفراشٍ وثير غارقين في النوم بعمق، رِفقة بين أحضان زوجها يعقوب بينما فوقه يقبع صغيرتان ينامون بعمق وخصلاتهم الطويلة التي بلون الكراميل تتناثر فوق وجه والدهم…
وفجأة توسعت أعينهم مستيقظين وأخذوا يقفزون بسعادة ومرح وهم يصرخان:-
– أووووووووووووووووووب ….يلا قوووووم بقااا من النوم … هو إنت نايم كدا ليييه..
كادت رِفقة أن تبكى من رنين مُنبها وصباحها الذي يتمثل في هاتان الشقيتان كل يوم…
بينما اعتدل يعقوب للجهة الأخرى ليسقطوا فوق رِفقة التي صرخت ببكاء:-
– قوم يا يعقوب شوف المصيبتين دول، هي دي الأجازة إللي جايين نقضيها، الله يسامحك يا يعقوب ما أنا قولتلك أسيبهم مع أمي..
استيقظ يعقوب بأعين ناعسة ليهجموا عليه وهم يقبلونه بإغداق وتقول إحداهم:-
– يلا قوم وصحصح كدا يا أوب عايزين ننزل البحر ونلعب ألعاب كتيييير..
وأرنوبتك خلصت البرقوق كله قوم يلا جيبلنا..
قالتها وهي تُشير نحو رِفقة..
نظر يعقوب لرِفقة ثم اقترب يُقبل وجنتها وهو يهمس لها:-
– صباح البرقوق يا أرنوبي..
صرخوا بغضب قائلتان:-
– واشمعنا إحنا لأ..
ضحك ليقترب يُقبل كل واحدة على حِدة قائلًا:-
– صباح الروقان على الغزلان رِوْح ورَيْحان…
ابتسموا بسعادة بينما ينظرون لرِفقة بغيظ لتصرخ بجنون:-
– مستحيل يكونوا دول بناتي..
تعلق الإثنان برقبة والدهم وهو يقول:-
– هنروح إحنا بقاا نجري ورا الفراشات ونجيب برقوق وإنتِ فوقي براحتك يا حبيبي..
صرخ الأثنان معًا بغضب:-
أووووووووب … أنت كدا بتضحك علينا، مش إنت بتقولنا إن إحنا بس حبايبك … هي إزاي كمان حبيبتك!!
قال بشقاوة:-
– طب ما هي كمان حبيبتي وإنتوا كمان حبيباتي، بابا بيحبكم كلكم…
مش هي كمان ماما حبيبتكم…
نظروا لها قليلًا ثم بعثوا لها قُبلة هوائية قائلين على مضض:-
– خلاص … ماشي موافقين..
وخرجوا تاركين رِفقة التي تكاد تجن من ابنتيها….
عند الغروب جلس يعقوب بجانبهم على الرمال البيضاء وأمامهم الماء الفاتنة كالزبرجد نقية مثل الكريستال بينما أشعة الشمس الذي ينتشر حولها الشفق الأحمر الذي ألقى بانعكاسه فوق الماء … فكانت لوحة فنية من صنع الرحمن…
وقبل أن تشرع رَوْح ورَيْحان في اللعب قالتا في صوتٍ واحد:-
– بسم الله الرحمن الرحيم..
ابتسم يعقوب وتسائل باختبار:-
– ليه بتقولوا كدا..!
قالت له رَوْح بتلقائية:-
– علشان نكسب عليك، وكمان ماما قالت لنا إن كدا ربنا بيبارك أي حاجة بنعملها وبتبقى سهلة..
وأكملت من خلفها رَيْحان:-
– كمان ماما لما بتيجي تعمل أي حاجة لازم تقول بسم الله الرحمن الرحيم..
تعمل كيك يطلع حلو، تلعب معانا تكسب هي، نحل الواجبات تطلع صح..
علشان كدا لما بتعمل أي حاجة بتبقى حلوة…
سعد قلب يعقوب فالأطفال يُسجلون جميع تصرفات والدتهم ووالدهم ويقلدونها فهم أمامهم أعظم الأشخاص وقدوتهم…
حقًا رِفقة هي نعمة قد حباه الله بها..
التفت ليراها تقف على الشاطئ عند أطراف الماء التي تداعب أقدامها وأسفل رداها الأبيض الذي تداعبه الرياح بينما أشعة الغروب تنبسط فوق وجهها الفاتن..
اقترب منها حتى وقف بجانبها ولامس كفها ليحتنضنه داخل كفه بحنان مخللين أصابعهم سويًا، التفتت تنظر له بعشق ليبادلها بالأكثر منه..
قال يعقوب بجدية وهو ينظر أمامه:-
– جبنا رَوْح ورَيْحان وباقي جنة ونعيم..
علشان كدا نتمم الأية
( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ)..
رددت بتحذير:-
– يعقوب… هو أنا خالصة بالعفاريت دول..
قال مسرعًا:-
– خلاص خلاص …كمان رحيق ورحيم بس…
إنتِ عارفة إن عيالي كلهم لازم يكون بحرف الراء…
هرعت كلًا من رَوْح تمسك بيد يعقوب والدها، وهرعت رَيْحان تمسك بيد والدتها من الجهة الأخرى…
نظر يعقوب ورِفقة لبعضهم البعض مبتسمين لتهمس له رِفقة وأعينها تومض بالحُب والسعادة:-
– نحنُ للأبد، نحن قصة لا نهاية لها..
همس يعقوب بينما يُشدد على يدها وهم يقفون أربعتهم فوق الرمال البيضاء والمياة الزرقاء النقية تلامس أقدامهم والغروب منعكس بأعينهم:-
– طالت رحلتي، ووجدتُ مرفأي بين يداكِ…
وهنا التُقطت الصورة لتنغلق عندها حكاية خرجت من قلب فتاة بسيطة عَبرّ عنها نزيف قلمها المتواضع..
ترجوا من الله أن تكون وُفِقت ونال ما ألهمها الله إعجابكم..
وإن كان من توفيق فمن الله، والتقصير فمني ومن الشيطان..
-تـــمت بحمد الله وفضله-

#حلقة_خاصة.
– طلقني يا يعقوب لغاية هنا وكفاية.
سعى إليها بلهفة يحتضنها مطبقًا عليها بشدة وأردف بتلهف شديد ونفى بتفجع:-
– رِفقة .. لا .. لا يا رِفقة متعمليش فيا كدا، مقدرش، أموت ولا تبعدي عني يا أرنوبي، يهون عليكِ أوب.
انسلت من بين أحضانه تبتعد عنه واستدارت تخرج دون أن تلتفت قائلة بنبرة نحرت قلبه:-
– مش هقدر أكمل يا يعقوب، مش هقدر أتحمل المحاربة دي واستمر…
فُزع يعقوب من نومته آناء الليل وقلبه يطرق بشدة بينما صدره يعلو ويهبط بجنون وقد نضح العرق البارد بغزارة فوق جبينه، التفت من حوله بجنون يبحث عنها وسط الظلام ليسقط قلبه بالفزع الأكبر حين شعر ببرودة مكان رِفقة بأحضانه..
التفت يبحث عنها بأرجاء الغرفة المظلمة لكن لا أثر لها.
قفز من فوق الفراش وهو يهمس مستغفرًا من هذا الكابوس اللعين فلشدة تعلقه الجارف برِفقة تهاجمه الكوابيس بابتعادها عنه.
خرج من غرفتهم يبحث عنها بوجه معقود تعجبًا ثم همس بدهشة وأعينه الملهوفة تبحث عنها بالأرجاء:-
– رِفقة .. أنتِ فين .. رِفقة..
تنهد براحة وتنفس أخيرًا حين رأى النور ينبعث من محرابهم الخاص بالصلاة مُضيء وهي تجلس بسكينة تتلو القرآن بصوت هادئ هامس..
انجلت الراحة على ملامحه المذعورة الشاحبة ودلفت ثم انحنى يجلس بجانبها ينتظرها حتى تنتهي بينما أعينه مُعلقة بها يتأملها بجَوى لا ينضب أبدًا بل كل دقيقة تمر يزداد ويتكاثر.
وبعد مرور القليل انتهت وأغلقت المصحف تضعه على الحامل واستدارت تنظر له مبتسمة وتسائلت بصوتها الرقيق:-
– يعقوب، أيه مصحيك دلوقتي، وماله وشك أصفر ليه كدا يا عيوني..
اعتدل يعقوب وتمدد يضع رأسه فوق فخذها وأمسك يدها يضعهم فوق رأسه ليقول بهدوء وهو يتأملها من أسفل وهي تطل بوجهها الرقيق عليه:-
– حسيت أنك بعيدة مش جمبي قمت مفزوع..
أخذت تمسد خصلاته وترتب النافر منها بينما تتدبر ملامحه في صمت وهمست بينما قلبها مكتظّ بالنبضات النافرة:-
– أنا هنا يا يعقوب مش بعيدة.
كان مقطب الحاجبين وتسائل:-
– أمال أيه مصحيكِ دلوقتي يا أرنوبي، بتعملي أيه..!!
أجابت مبتسمة بصفاء:-
– قمت قلقت قولت أصلي ركعتين وقعدت اقرأ شوية في القرآن اللهم لك الحمد، بتمنى يكون منزلنا من منازل الأشعريين.
كرر بتعجب وهو ينظر إليها نظرة تلميذ يترقب توضيح من مُعلمته:-
– منازل الأشعريين، يعني أيه يا رِفقة؟!!
استفاضت رِفقة تشرح وهي تحرك أصابعها داخل شعره:-
– هقولك يا أوب، الأشعريين دول كانوا دايمًا بيقرأوا القرآن بليل، يعني أنا بصراحة بسيب جزء من الورد بتاعي لو إحنا سهرانين ليلة ولا لو قمت بليل علشان أكون من الأشعريين..
والأشعرين لهم قصة مع الرسول صلّ الله عليه وسلم ولو تعرف موقف الرسول منهم .. كل يوم هتقرأ ورد بليل..
الرسول صلّ الله عليه وسلم قال:
“إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار.”
الرسول مش شاف منازلهم بالنهار بس قدر يحدد موقعها لما خيم الليل..
الرسول كان متأثر بروعة صوتهم القرآني لدرجة إنه تتبع مصدره، الأشعريين كانوا بيسهروا مع كتاب الله..
حتى تعرف مرة الرسول صلّ الله عليه وسلم قال لأبي موسى رضي الله عنه “لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة”
شوف اهتمام الرسول لمصدر الصوت حتى إن هو الصبح أخبر أصاحبه بالأصوات دي..
وهقولك على قصة تانية..
لما انبعث صوت الصحابي بالقرآن الملائكة بتخرج عن استتارها..
ففي صحابي اسمه أسيد بن حضير قال:
بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فخرجت حتى لا أراها، فقال رسول الله “وتدري ما ذاك؟” قال: لا . قال رسول الله:
“تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم”
الملائكة نزلت كأنها مصابيح تتلألأ وخرجت عن استتارها، والرسول كان دايمًا بينصح أصحابه بقراءة القرآن ليلًا بطرق مباشرة وغير مباشرة..
ظل يعقوب يتطلع إليها في صمت ويتمعن بها بأعين تلمع بالفخر والكثير من المعاني، وهمس لها بصوت متأثر بهالتها السحرية التي تسلب لُبه:-
– هنفضل طول حياتنا اتعلم منك يا رِفقة وهفضل بردوه أحمد ربنا كل يوم على رزقه ليا رِفقة..
تنهدت براحة ثم هتفت وهي تمسح على رأسه برقة:-
– أنا ولا شيء دون لُطف وستر ربي يا يعقوب، بسعى وبجاهد علشان بيتنا لو رأه رسول الله لتبسم، علشان أنا مش برتاح نفسيًا ولا بوصل للراحة النفسية ألا كدا وإلا تكون حياتي متلغبطة، مجاهدة مش سهلة بس بتهون بالله يا يعقوب بتيسير الله وإعانته وقوته كل حاجة بتهون..
عجز لسانه عن الرد وابتسم بإشراق ثم اعتدل وانحنى يُقبل رأسها بعمق ويطبع قبلات فوق فروة رأسها وأخذ كفيها يقبل باطنهم بعمق واستقام وهو يقول بمرح:-
– وأنا مش هحرم نفسي من الثواب دا أبدًا يا أرنوبي، هتوضى ونصلي ركعتين واقرأ في المصحف إللي حفظته…
وبعد قليل كان يقف يعقوب أمام رِفقة يصلون بخشوع وبعد إنتهاءهم أخذ يقرأ بصحبة رِفقة وكان يعقوب من الأشخاص الذين يقرأون القرآن بتمعن وفضول لكل آية يقرأها أو معنى كلمة فكان يهرع إلى تفسيرها هو ورِفقة ويتعلمون أشياء جديدة ويعلمون أمور لم يكونوا يعلمونها، وكانت رِفقة تعشق تلاوة القرآن بصحبة يعقوب لفضوله الشديد وتركيزه مع الآيات فكان هذا يساعدها ويحثها على تدبر القرآن، رغم أنه كان يحفظ القليل فقط لكن فضوله وتركيزه مع الآيات جعله يقرأ القرآن بتمعن شديد وتأمل وهذا شيء نادر جدًا..
انتهوا واستندت رِفقة على كتف يعقوب وحاوطها هو بحنان وسحب يدها بين يديه وأخذ يسّبح على أناملها وسط تأمل رِفقة له التي قالت بإبتهاج:-
– ربنا يباركلي فيك يا أوب ولا يحرمني منك أبدًا ويرضى عنك..
انحنى يُقبل جبينها وهو يشتم رائحتها النقية بعمق وقبل أن يُجيبها كان هناك إقتحام شديد عليهم جعل رِفقة تفزع من مكانها…
– أوووووب أنت بتعمل أيه..
ابتعد يعقوب عن رِفقة ينظر لابنتيه اللتان تقف أحدهما متخصرة ووجها معقود والأخرى تعقد ذراعيها فوق صدرها وأعينها تقدح شرًا..
همس من بين أسنانه بنفاذ صبر:-
– إحنا في نص الليل أيه إللي صحى الغزلان دلوقتي .. هيجيبوا أجلي يا رِفقة..
ضحكت رِفقة بشدة ومسحت فوق ذراعه تقول:-
– بعيد الشر عنك يا أوب دول الغزلان حبايب قلبك روْح ورَيّحان..
قالت روْح وهي تهجم على يعقوب تُبعد رِفقة عن مرمى يديه وجلست بأحضانه ثم أخذ توزع القبلات على وجهه تحضنه بجسدها الصغير وقالت بوجه كالجرو وأعين بريئة:-
– شكل أوب بيبقى مرتاح وإحنا نايمين يا رَيّحان..
هرولت شقيقتها ريّحان نحوهم تأخذ مكانها بأحضان والدها وتعلقت بعنقه وهو تقول بخبث:-
– دا إحنا حتى جاعنين يا أوب، يرضيك بطن غزلانك تنام جعانة..
كان احتواهم بأحضانه يغرقهم بوابل من القبل وسط ضحكاتهم الرنانة وقال يتسائل بشك وقد نسى تذمره:-
– وهو أوب إزاي يرتاح وغزلانه بُعاد عنه..
بس جوع دلوقتي .. أنتوا متأكدين.!!
نظروا لبعضهم البعض ثم وجهوا أنظارهم إليه يتطلعون إليه بأعين واسعة بريئة واضعين كفوفهم فوق معدتهم وقالوا بصوتٍ واحد:-
– طب حتى اسأل زقزوقة، زقزوقة بتقول عايزه تاكل دلوقتي من عند البوب وتاكل بيتزا..
انفجرت رِفقة ضحكًا على منظر يعقوب وتنفست بعمق تقول بشماته:-
– استلم يا يعقوب باشا..
في حين خرج يعقوب من صدمته واعترض بتذمر:-
– البوب دلوقتي مفيش لأن خلاص قفل إحنا بعد نص الليل قولي أنتِ وهي للزقزوقة بتاعتكم كدا..
وبيتزا دلوقتي في وقت زي ده!!
وبعدين أنتوا ليه مش مدركين الموضوع، أنا بابا..
وأشار نحو رِفقة قائلًا:-
– دي ماما بيطلب منها الطلبات إللي زي دي..
زادوا بإحتضانه ويقبلونه بلطف وقالت ريّحان:-
– إحنا عايزينك أنت تعمل لنا يا أوب..
بينما أضافت روْح بمكرها المعتاد وكأنها ليست طفلة في التاسعة:-
– وبعدين الأرنوب طول النهار مسحول معانا، بتذاكر معانا .. بتعلمنا كل يوم حاجات جديدة، الحكايات عليها، بتعمل الأكل كل يوم، بتهتم بالبيت وهدومنا وكل حاجة، كدا أرنوبنا هيفطس خالص مننا .. مش كتير بقا عليك يا أوب تعملنا دلوقتي بيتزا ومش تخاف هنساعدك كلنا ونعملها سوا..
نظر يعقوب لرِفقة بصدمة وهو يُكرر بدهشة:-
– مسحول … ويفطس .. عيالك بيجيبوا الألفاظ دي منين يا رِفقة..!!
كتمت ضحكها وقالت مبتسمة:-
– عمهم العزيز يامن مش بيبخل عليهم بأي حاجة..
عض يعقوب على شفته السفلى وأردف بسخط:-
– يامن هيفسد أخلاق بناتي، المفروض يتمنعوا من القاعدة معاه..
رددت ريّحان وهي تنفخ خديها بطفولية:-
– يعني أنت يا بابا يا حبيبي سيبت كل الموضوع ومش علق معاك ألا الكلمتين دول..
يلا يا بابا علشان نعمل البيتزا..
– شوفوا الإحترام ودلوقتي بيقولوا بابا..
يلا يا أخر صبري أنتِ وهي بس دي أخر مرة هنعملها متتعودوش على كدا، ودا يعلمنا نشرب اللبن بتاعتنا قبل النوم، دا جزاء إللي ميسمعش كلام ماما، بعد كدا هنسيب الزقزوقة تنام وهي جعانة..
قالوا بطاعة:-
– آخر مرة يا بابا مش هتتكرر تاني..
واتجهوا نحو رِفقة يقبلون وجنتيها وقالوا باعتذار:-
– آسفين يا روفي بعد كدا هنسمع الكلام وهنشرب اللبن قبل النوم..
وبمجرد لفظهم لاسم “روفي” رفعت رِفقة رأسها نحو يعقوب الذي انقبضت ملامح وجهه وانقدح شرار الغيرة من أعينه بغضب..
فبرغم أن الاسم يخرج من الأطفال بتلقائية إلا أنه يشعل النيران بداخله ولا يتقبله أبدًا.
فيبقى هذا الاسم الذي كان ينعتها به راجح وعندما أتى إليها بعد أن علم بالحقيقة نادها به تحت أسماع يعقوب..
ورغم إختفاء راجح وعدم ظهوره إلى الآن إلّا أن قلب يعقوب يشتعل بالسعير ولا يقبل حتى مجرد ذكر هذا الاسم من أفواه صِغاره عن طريق المزاح..
فيعقوب إلى الآن يعيش بجحيم فكرة فقدانه لرِفقة وابتعادها عنه، إلى الآن الموقف الذي حدث مع جدته بابتعاده عنها لم يُمحى أثره من داخله ويُسبب له الهواجس بفقدها..
وزاد الأمر سوءً عندما أتت عفاف لمنزلهم تتسائل عن راجح وإن كانوا يعلموا شيء عن إختفاءه..
وانهارت وأخذت تبكي وتنوح وهي تسرد وتحكي كيف كان راجح يعشق رِفقة ومتعلق بها وكيف دمره علمه بزواجها وما حدث لها، وكيف أن راجح لا يستيطع العيش والاستمرار دون رِفقة..
حتى في سفره لم يتوقف يومًا عن السؤال عنها وكيف أخذ يكافح لأجلها ولأجل علاج أعينها وبناء حياة تليق بها..
كل هذا كان تحت أسماع يعقوب بدران العاشق لرِفقة حد النخاع.
تأتي هذه وتخبره كيف كان ولدها يعشق زوجته وبدونها ينتهي.
هذا الحديث جعل هواجس يعقوب تزداد وخوفه عليها يتضاعف من أن يظهر راجح بأي وقت ويسعى لإيذاءها ويكون شخص مريض مثل والدته وشقيقاته..
ومحاولة رِفقة لإخباره أن راجح ليس شخصًا سيئًا كانت تنتهي بالفشل فهو لا يقبل حديثها عنه وذكر اسمه..
هي تعطي له الحق فحديث عفاف كان صادم لا يقبله أي رجل حتى أنها صُدمت بحديثها وشككت بصدقه لكن أكد لها الأمر خالها عاطف..
فالتمست لقلب يعقوب الأعذار ولم تتطرق يومًا للحديث عن راجح أو ذكر اسمه..
ركض البنات نحو المطبخ فاقتربت من يعقوب حتى وقفت أمامه، كوّبت وجهه ثم احتضنته بحنان وتمسح على رأسه وهمست له:-
– هما أطفال يا يعقوب والاسم ده أحيانًا بيخرج منهم تلقائي، يعقوب حبيبي أنا رِفقة حبيبتك وأم بناتك، أنا معاك دايمًا وفي ضهرك مستحيل أسيبك، أنا أصلًا أروح فيها لو بعدت عنك يا يعقوب، دا كابوس وانتهى وربنا موجود هو الحامي والحافظ يا أوب..
لازم تتخلص من خوفك والمخاوف إللي بتدور جواك علشان فرحتك مش تكون متنغصة، سيبها على الله يا يعقوب وتوكل عليه وأحسن الظن به، ادعي ربنا دايمًا يطمن قلبك ويرزقك السكينة يا حبيبي..
طوقها يحتضنها بشدة وأغمض أعينه متنهدًا براحة فهي الغيث الذي يهبط على نيران غضبه فيُميتها ويقضي عليها..
وبعد قليل كانوا يقفون بالمطبخ تتعالىَ أصوات ضحكاتهم وهو يصنعون جميعًا فطائر البيتزا في جو مغمور بالراحة والمرح..
وبعد انتهاءهم جلسوا جميعًا أمام كرتون عائلة ربسوس المفضل لرِفقة وكذلك لبناتها وأصبح المفضل ليعقوب أيضًا رغم تذمره كل مرة على أوب يعقوبيان بجملته..
– هو أنا بالله عليكِ شبه ده يا رِفقة، دا شرير..
وترد هي بجملتها الثابتة..
– دا الشرير الطيب يا أوب، ومتنساش إن في بداية حكايتنا للوهلة الأولى كنت شرير، بس أنت شريري أنا وبس .. يعقوب بدران الشرير خاصتي.
غفى كُلًا من رَوْح وريّحان فحملهم يعقوب لغرفتهم كُل واحدة على فراشها ثم انحنى يقبلهم بحنان وخرج لغرفتهم هو ورِفقة..
صعد للفراش وكانت رِفقة قد داهمها النوم ففغر أحضانه لها فسعت هي إليها تستقر بداخلها براحة وقالت من وسط نومها:-
– ظبطت منبه الفجر يا أوب..
قبل رأسها قائلًا قبل أن يغفو باطمئنان:-
– أيوا يا أرنوبي..
– تصبح على خير يا يعقوب..
– الخير ده إللي هو أنتِ يا رِفقة..
******************
صرخوا بسعادة وهم يقفزون:-
– بجد يا بابا …هنقضي اليوم النهاردة عند بيبا وتوتا وسحسح ويمونه وغدغوده..
نظر يعقوب لرِفقة وقال:-
– العيلة دي كلها اتشردت على إيد ولادنا يا رِفقة..
ابتسمت تقول:-
– ودا على قلبهم زي العسل هما عقلهم روْح وريّحان وبالذات بيبا هما عندها خط أحمر..
وأكملت تتسائل:-
– بس ليه هتودينا بدري كدا هناك وأنت مش هتيجي معانا..
أردف يعقوب بجدية وهو يعقد أزرار قميصه ويُهذب ملابسه:-
– هما بس .. أنتِ مش هتبقي معاهم، هوصلهم لهناك وعندي شوية شغل أخلصهم وبعدين أجيلك ومن غير فضول ولا أسئلة يا أرنوبي الموضوع عادي .. جدتي كلمتني وعايزه تشوف البنات ويقضوا يوم معاهم في القصر وفي شوية شغل هخلصهم في شركة بدران وأجيلك يا نور عيني متقلقيش..
ابتسمت وقالت بهدوء:-
– خلاص تمام يا يعقوب ترجع بالسلامة، أنا لبست البنات وجهزتهم..
اصطحبهم يعقوب للخارج وقبل أن يخرج انحنى يقبل وجنتي رِفقة وهمس:-
– سلام يا رِفقة خدي بالك من نفسك يا حبيبي.
– ترجع بالسلامة يا أوب، سلام يا غزلان..
هجم البنات عليها يحتضونها ويقبلونها قائلين:-
– مش هنغيب عليكِ يا أرنوب هتوحشينا قد السما، وابقي خدي بالك من رِين..
ابتسمت رِفقة وقالت:-
– أنتوا إللي هتوصوني على رِين، دا هيرتاح راحة النهاردة من فرهدتكم ليه.
يلا سلام يا حلوين..
وبعد خروجهم أخذت رِفقة في ترتيب المنزل وفتح النوافذ للشمس بينما صوت القرآن يصدح بصوت المنشاوي.
وخرجت نحو الشرفة تسقي ورد الأقحوان وزرعها وتضع لرِين الطعام والماء..
ووضعت بالمكان المخصص طعام للعصافير التي تُحلق ذهابًا وإيابًا في السماء، منذ أن أتت لهذا المنزل وهي تفعل هذا حتى اعتاد العصافير والطيور تواجد الطعام والماء عندها فأصبحوا يأتون ويأتون بأصدقاءهم لتظل رِفقة تشاهدهم بسعادة..
صنعت كوب النسكافيه بالفانيلا المفضل لديها وجلست بالشرفة تقرأ كتاب عن التربية الإسلامية بهدوء بعد أن وضعت قائمة لمهامها هذا اليوم..
بمنتصف النهار تعالَ صوت رنين جرس الباب، ارتدت رداء الصلاة خاصتها واتجهت نحو الباب، نظرت من العين السحرية لكنها لم تجد أحد.
فتحت الباب تنظر يمينًا ويسارًا لكن لا أحد..
لكن عندما نظرت لأسفل تفاجأت برؤية صندق كبير، ضمت حاجبيها بتعجب وانحنت تنظر له تتسائل بفضول:-
– أيه ده!!
ترعرعت إبتسامة فوق فم رِفقة وومض بريق السعادة بأعينها عندما وقعت أنظارها على الورقة المدونة فوق الصندوق.
حملته بيدها وقلبها يرفرف من سعادته ودلفت للداخل..
كان فوق الصندوق مدون..
“إلى حبيبتي الأبدية، أرنوبي الخاص رِفقة نور أعين يعقوب.”
أبعدت الغطاء ولم تغفو بسمتها لتُخرج فستان فضفاض جميل سُكري اللون منتشر فوق سطحه زهور الأقحوان المفضلة لديها بشكل رقيق، فستان صُنع خصيصًا لها من تصميم غصون..
ويُرافقه حجاب طويل لموني اللون خفيف وحذاء بنفس اللون..
وضعت الفستان فوق جسدها وأخذت تدور بسعادة، هو يفلح دائمًا بجعلها تُحلق بسماء السعادة والبهجة..
سمعت صوت إشعار بهاتفها فحملته تفتحه لترى فحوى رسالته..
“رِفقة حبيبتي جهزي نفسك على الساعة خامسة هاجي أخدك من البيت مشتاق أشوف الفستان عليكِ يا أرنوبي بس متأكد إنه ولا حاجة جمب جمالك وأنتِ إللي هتزديه جمال على جمال..
أخذت تدور بطفوليه حول نفسها بسعادة وركضت لغرفتها حين رأت الساعة تشير للثالثة والنصف..
انغمست في رحلة من الروتينات العميقة لبشرتها وتدليل ذاتها..
حتى مرت الساعة والنصف وكانت تُنهي طلتها بتهذيب حجابها الطويل وهي تنظر للمرآة بسعادة مبتسمة بصفاء وجهها الهادئ الرقيق الجميل بملامحها الطبيعية الخالي من مستحضرات التجميل التي تحوّل الأشخاص وتشوه الجمال والطبيعة..
الفستان الذي سرق فؤادتها فنقطة ضعفها تكمن في زهور الأقحوان..
تحسست الفستان لتُردد بامتنان:-
– الحمد لله الذي رزقني هذا دون حول مني ولا قوة.. اللهم لك الحمد أن كسوتَنِيه، أسألك خيره وخير ما صُنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صُنع له..
وبمجرد انتهاءها شعرت بحركة خلفها استدارت لترى يعقوب الذي يقف مستندًا على الباب ينظر لها نظرات لا تغني كلمات العربية الوفيرة لوصفها، أعين تتدفق منها عاطفة لا تخبت، أعين مليئة بالعشق والحنان والرحمة.. ينظر لها بنظرات يخبرها بها أنها معجزته الخاصة..
ومازلت هي هي .. خجلها الفطري من نظراته، احمرار وجنتيها وحياءها الذي ميزها وتوجها ملكة على عرش النساء بقلب يعقوب، بل قتلت رِفقة كل معاني التأنيث بقلبه..
اقترب منها وحقًا تكون الأعين أبلغ من الكلمات أحيانًا وقد اخترق قلب رِفقة الكثير والكثير مما ترجمته أعين يعقوب، حقًا إنما الأعين نواطق..
ابتسمت برِقة تهلك قلبه وقد أغطشت أعينها عشقه وهمست وهي تعدل من ياقة قميصه ووضعت كفها فوق موضع قلبه:-
– يعقوب يا ضيّ أعيني أخشى أن يزهق قلبي من قدر العشق الذي يضخه لك..
يعقوبي كلماتي تذوب حين تحلّ بدياري..
ألصق جبينه بجبينها وهمس لها بعاطفته الوهّاجة:-
– الويلات لقلبي فلقد أُصيب يعقوب بالعمى، فقد أُغطشت عيناه بعشق رِفقة خاصته، العالم ضبابي لا يُرى به أحد فيما عدا رِفقة…
إن كنتِ تخشى على قلبك من أن يزهق فقد أصبح قلبي صريع … صريع هواكِ فرفقًا بقلبي يا مَن تُدعى برِفقة … رِفقةٌ أنتِ بكل شيء فيما عدا العشق الذي يسري بأوردتي، ترفقي بي حبيبتي الأبدية ومعجزتي الخاصة ورزق الله لي.
وأنهى يعقوب كلماته الجياشة التي تعجز عن وصف ولو جزء ضئيل مما يمور بداخله بقبلة مطولة فوق جبينها وقال:-
– زي ما توقعت أنتِ حليتي الفستان..
ابتسمت له ووقفت على أطراف أصابعها ثم طبعت قبلة فوق كل عين مردفةً:-
– عيونك الحلوة يا أوب..
وبعد قليل كان يعقوب يقف بسيارته عند مرسى للسفن الخاصة، هبط بهدوء واستدار يفتح لرِفقة بابها ثم أخذ بيدها برِفق لتتوسع إبتسامتها فور أن وقعت أعينها على البحر..
اصطحبها يعقوب حتى صعدوا على متن يخت خاص، ابتهج قلبها وأخذت تنظر من حولها بانبهار وقال يعقوب:-
– هااا أيه رأيك بقاا في المفاجأة، هنقضي الليل كله على اليخت وهتشوفي الغروب وإحنا وسط البحر..
دارت رِفقة حول نفسها بسعادة مجنونة، فهذه كانت أمنية لها ومنذ وقتٍ طويل حياتهم كانت مليئة بالضغوطات ما بين الكثير من الأشياء لكنه لم ينسى..
همست رِفقة مبتسمة بوجهها المُشرق بسعادة:-
– يآآه لسه فاكر يا أوب .. دا أنا كنت فاكره الحياة هتشغلك وتاخدك، وصدقت خلاص أنهم أخدوا يعقوب من رِفقة.
اقترب منها والهواء العليل يُداعب وجنتيها الرقيقتان ثم أحاطها بحنان مُتأملها بعينان تتوهجان وتلتمع، وأراح جبينه فوق جبينها وهمس لها بعشقٍ خالص لم ينقص من هيئته الشديدة الصارمة شيء فقد كان دائمًا مِداد رِفقُه بها وتحنانه هو عشقه القوي لها:-
– ولا مليون حياة تقدر تاخد يعقوب من رِفقة يا أرنوبي..
ابتسمت بتوسع وأغمضت أعينها براحة فطبع قُبلة مطولة فوق جبينها هامسًا بجملته المعتادة مؤخرًا:-
– اللهم ارضى عن رِفقة.
وأكمل:-
– عارف إن الوقت إللي فات كان ضغط وأنت اتحملتيني ولا اشتكيتي وكنت سايب عليكِ مسؤوليات كتيرة، البيت والبنات ودراستك ومتطلباتك الخاصة وأنتِ زي ما عهدتك يا رِفقة مقصرتيش، أنا إللي كنت مقصر معاكِ…
أمسكت يديه بين يديها وقالت ببساطة:-
– وأنت الله يعينك يا يعقوب إللي عليك مكانش هيّن رغم معاركي في البيت ومعاركك برا، بس كفاية أنك مكونتش مرة تقبل تخرج ألا ما نفطر سوا ولو يوم خرجت بدري وملحقناش كفاية اتصالك وسؤالك وتحذيرك ليا على الفطار، واتصالك وسؤالك على مدار اليوم رغم ضغوطك..
كفاية بعد يوم طويل مُجهد بتدخل عليا بوردة ومرة بالأقحوان ومرة بشكولاته أو حاجة من إللي بحبها .. دي بتهون عليا أي حاجة يا أوب، بتدخل السرور على قلبي كونك أنك مقدر وفاكر رِفقة في كل جزء من يومك ومهتم .. دي الرحمة والمودة إللي بدعي بيها وإن شاء تفضل موجودة بينا العمر كله..
نظر لها بفخر وتقدير ولم يعد هناك حبًا وعشقًا فوق هذا العشق الذي يملأ قلبه…
لكن سيظل لها دائمًا وأبدًا ينبوع الحنان والسكن الآمن ترشتف منه حتى الإرتواء، همس لها وهو يطوق خصرها لتطوق هي عنقه ويتراقصان على ألحان العشق على أوتار قلوبهم بينما شفق الغروب يضوي عليهم يظللهم:-
– بعشقك يا رِفقة … قلب يعقوب مليان بالكتير لكِ أووي لآخر لحظة في عمري مش هينقص منه شيء .. دا بيزيد يا رِفقة .. وكل يوم بيمر بيجنني بيكِ أكتر…
وسط حياة مليئة بالقيود، كُنتِ أنتِ الشعاع الذي انبثق ودكَّ جميع العُقد.
ومد يده يخرج شيئًا ما من صندوق موضوع فوق طاولة وأظهره أمام أعينها وقال:-
– وشوفي المفاجأة دي .. تخليد لاسم يعقوب ورِفقة .. وتخليد لعشقهم وحكايتهم .. كتاب اتكتب بكل حُب كل كلمة فيه وراها حكاية وبين سطوره بتتنسج حكاية رِفقة ويعقوب..
كتاب .. وخنع القلب المتكبر لعمياء، فيه بتتسرد حكايتنا وهيكون شاهد عليها آلاف وملايين الأشخاص .. هيشهدوا إن رِفقة ويعقوب للأبد، إن رِفقة ويعقوب لا نهاية لهم…
هيشهدوا على عشق يعقوب لرِفقة..
هيشهدوا إن رِفقة حبيبة يعقوب الأبدية…
أمسكته رفقة وأخذت تتحسس غلافه والعنوان بلمسات كرفرفة الفراشات مبتسمة بسعادة وأصابعها تمر على كلمات العنوان كل كلمة على حِدة وهمست مبتسمة وهي تتذكر جميع الأحداث التي مروا بها:-
– وخنع القلب المتكبر لعمياء….
تنهدت براحة وهي تُريح رأسها فوق صدره أعلى موضع قلبه القائم به الثوران والثورات العاتية وهمست:-
– نُحنُ للأبد .. نحنُ قصة لا نهاية لها…
خلاويص … نهاية المشهد..~~~~

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى