رواية حكايات سنفورة الفصل الخامس والأربعون 45 بقلم روان رمضان
رواية حكايات سنفورة الجزء الخامس والأربعون
رواية حكايات سنفورة البارت الخامس والأربعون
رواية حكايات سنفورة الحلقة الخامسة والأربعون
الخامس والأربعون🌸
”لا يزالُ المؤمن يُقبل على القرآنِ حتى يجد فيه سلواه، وأنسَه، وثباتَ أوتادِ الإيمان في قلبه”💜
___________________
“للاسف الشديد حالتها بتدهور وبقى احتمال شفائها من المرض ضعيف لأنه تمكن منها”
ترنحت فى وقفتها وهي تسمع كلام الطبيبة عن حالتها، هل هذا يعني أنها ستم.. لم تقوى على إستكمال الكلمة وأخذ جسدها ينتفض بشكل لا إرادي،
لم يكن حديثها بأعجب من رد فعل زين الذي أثار دهشتها حقا، فقد توقعت أنه سينهار. يضعف ولكن رأته يبتسم وهو ينظر للطبيبة ثم تحدث ببسمة لم تُفارق وجهه:
“وانا واثق في شفائها بالأحتمال الضعيف دا زي ما انا واثق أنك قاعدة قدامي دلوقتي”
ابتسمت بألم وهى ترى تمسكه بها حتى إنه يفرض رفضاً باتاً ما تقوله تلك الطبيبة، رُغم أن جميع الآشاعه ُتؤكد على قُرب هلاكها،
لا تعلم كيف سيكون حاله إن أصابها شىء، تخشى الموت بقدر ما تخشى فراقه ، لم تقترب من ربها بالطريقة التي تريدها، لم تتم حفظ القرآن ولم ترتدي النقاب،
لم تنجب الأطفال التي تمنتهم يوماً وحلمت بهم، وأخيراً زينها التي مازالت بحاجة لقربه جوارها، لم تشبع من حنانه ودفء أحضانه بعد، هل سيسلب منها المرض كل هذا؟،
ابتسمت بألم وهي وتعود لمكانها وتشعر بثقل شديد في جسدها، وكأنها كبُرت عمراَ فوق عُمر، تشعر بأن قلبها يتمزق تود لو أن تستطيع البكاء والصراخ ولكنها غير قادرة،
وجدته يقترب منها وهو يبتسم لها كي يعطيها الأمان، الأمان نفسه الذي يفتقده هو!!!
فقد رأت الدموع المحبوسة فيه عينيه والتي يبدو أنه جاهد كثيرا لكي يمنعها من الهبوط،
أمسكت يده بقوة هذه المرة وكأنها تؤكد عليه بأنها لن تتركه، يكفى ضعف إلى هذا الحد، حتى وإن كان نهاية هذا المرض هو هلاكها… فلتعش ما تبقى من عمرها بين من تحبهم وتستمتع بالأيام المتبقية لها.
“انا كلمت عمر وهو هريجي يستناكِ لحد ما تخلصي الجلسة، انا جالي مشوار ضروري اووي هخلصه على طول وأرجعلك”
أومأت له بهدوء وهي مثبتة نظرها على عينه التى نظرت فى كل مكان عداها، ابتسمت له وهي تعلم أين سيذهب،
أجل يكفي هذا فهو قد عانى معها وتحمل ما يكفي فوق طاقته، حتى نفذت ولم يعد قادراً حتى على مواساة ذاته.
لم ينطق أحدهما حرفاً واحداً، وكأن الكلمات لم تعد قادرة على شفاء جروحهما، اتي “عمر” وهو يقترب منها ويحضتنها ليهتف زين:
“خلي بالك منها واستناها هنا لحد ما تخرج وانا مش هأخر”
“استناها ليه؟ انا هدخل معاها”
رد عليه بملل وهو يقول:
“مينفعش تدخل”
سأله مجدداً وهو يقول بتعجب:
“امال انت دخلت ازاى؟”
أجابه وقد شعر بأنه صبره نفذ ليقول على عجالة وهو يرحل:
“علشان انا دكتور، خلى بالك منها لحد ما اجي”
تركهم ورحل وهو يشعر بثقل شديد فى صدره حتى لم يعد قادراً على أخذ أنفاسه بشكل منتظم، وصل للجهة المنشودة ثم نزل من سيارته وهو يسير بوهن حتى دخل المكان وهو ينزع حذائه،
وجده يجلس وهو مُمسكا بمصحفه ويتلو بعض آيات الله وعلى الرغم من أن صوته ليس بالجمال البالغ كصوت زين
، إلا أنه يكفي تلاوته لآيات الله لتبث الأمان داخله.
جلس أرضا أمامه ينتظره حتى ينتهي وهو ينظر أسفل ومطرق رأسه كطفل صغير مذنب وعيناه حمراء من شدة حبسه لدموعه التى أبت أن تهبط حتى لا يشعر بالضعف أكثر وينهار.
انتهى أخيراً من تلاوته ثم أغلق المصحف وهو يردد ما يقوله بعد الانتهاء من القرآن(سبحانك اللهم وبحمد، أشهد أن لا إله إلا انت، أستغفرك وأتوب إليك)
رفع بصره نحو الجالس أمامه ليجده على حافه الإنهيار ولكنه مازال يحاول المقاومة، ليقول بهدوء:
“شايفك يعني بدأت تستسلم، امال فين اللي هستحمل علشانها ومش هيأس وواثق أنها هتخف، شايفك بدأت تيأس يعني؟”
لم يجيبه ولكنه مازال يضغط على أعصابه كي يمنع تلك العبرات من السقوط، ليُكمل شيخه مرة أُخرى وهو يردف:
“العياط عمره ما كان ضعف، عيط علشان ترتاح… طول ما انت كاتم العياط كدا هتيجي فى مرة وتنفجر، بلاش تراكم جواك، انت بشر مش حجر، متضغطش على نفسك أكتر من كدا”
وكأن دموعه تعانده، ظل صامتاً ولم يتحدث، ظل يأخذ أنفاسه وكأنه يحاول إدخال أكبر قدر من الهواء داخل رئته،
تحدث أخيراً بصوتِ متحجرش:
“مبقتش قادر صدقني، انا بشوفها بتموت بين أيديا، انا ممكن أتحمل اي وجع في الدنيا إلا وجعها هي لدرجة بتمنى لو انا اللي كنت مكانها مش هي”
“الابتلاء دا ليك انت يا زين قبل ما يكون ليها، انت علقت قلبك بغير الله، حبيتها أكتر من اي حاجه وانت عارف إن ربنا بيغير على عباده، لما بيلاقي عبد علق قلبه بحاجه غيره بيحرمه منها علشان يرده ليه تاني ويعرفه أن حتى قلبه دا بين أيدين ربنا، ودي الحقيقه اللي انت كنت عمال تهرب منها”
رفع أنظاره له مرة أُخرى وهو يبتلع ريقه بألم، ليُكمل الآخر حديثه وهو يهتف:
“كنت بتضحك على نفسك يا زين لما مترضاش تتقدملها ولا كنت بتضحك على مين؟ على أساس كدا هتشيل حبها من قلبك؟ وانت عارف كويس اوي أنه مينفعش تعلق قلبك بغير الله”
يعلم بأنه محق، فهو حين رفضها كان لأجل هذا السبب، لأجل الا يُحرم منها، أردف هو يفكر فى حديثه:
“صدقني كان غصب عني، قلبي مش بأيدي”
“لأ يا زين، ربنا يابني مبيكلفش حد فوق طاقته، وسبحانه وتعالي مش بيأمرنا بحاجه غير وهى خير لينا، تقدر تقولي لو لقدر الله حصلها حاجة هتعمل اي؟”
انقبض قلبه برعب وشحب وجهه وشعر بأن الهواء يُسحب من حوله، لمجرد التفكير فى الأمر، لا… بالتأكيد لن يفقدها، وكأنه يُخبره بأنه سيأخذ منه روحه؛
“عرفت بقى ليه مينفعش نعلق قلبنا بحاجة غير الله؟ لأن مفيش حاجة هتدوم وكله وارد في لحظة يسيبك،إلا ربنا سبحانه وتعالى هو الوحيد اللي باقيلك، الحب مش حرام يا زين، الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه كان بيحب السيدة خديجة جدا وياما وقفت جنبه كتير رغم حبه ليها لما توفت هل ترك الدعوة وساب حياته؟ لأ رغم أنه حزن عليها حزن شديد بس كمل لأن قلبه متعلق أكتر شىء بالله وكان جزاء صبره رحلة الإسراء والمعراچ بعد عام الحزن،
الإمام الشافعي -رحمه الله- بيقول: كلما تعلقت بشخص تعلقاً؛ أذاقكْ الله مرّ التعلق؛ لتعلم أن الله يغار على قلب تعلق بغيره، فيصدٌك عن ذاك ليرٌدك إليه،
انا مش بطلب منك متحبهاش، لأ حبها وقوي كمان بس متفضلهاش على حب ربنا، ولا تخلي قلبك مشغول بيها ولعلى دا اختبار ليك من عند ربنا سواء عاشت او ماتت، دا اختبارك فى الحياة يا زين”
يعلم بكل كلمة تفوه بها، ولكنه كان يهرب من كل هذا، نعم هو أحبها بشدة لدرجه أصبح يفضل حبها على كل شىء، لذا حتى ولو كان عقابه أنه سيُحرم منها هذا سيكون جزاته، ومدرك أيضا أن هذا هو الخير لهما، لعلى الله يُريد أن يجمعهما فى الجنة.
“ودلوقتي قوم روح ليها علشان هي محتجاك، استغفر ربنا
وأدعيه يشفيها لأن سبحانه وتعالى هو الوحيد القادر على شفائها”
أومأ له ثم قام أولا ليُصلي ركعتين لله، ذهب ليتوضأ ثم شرع فى الصلاة، وهذه المرة بمشاعر جديدة وهو يُقبل على الصلاة بحب، لم يتذكرها فى صلاته ويشرد كما بات يفعل فى الآوانه الأخير، بل فقط يصلي بقلبه،
سجد ومجرد أن وضع جبينه على أرضية المسجد حتى تساقطت دموعه وهو يستغفر ربه، وحال لسانه يقول”انا راضِ يارب” هو راضِ حتى لو استرد الله أمانته نعم هو راضِ،
أجل سيحزن كثيرا، ولكنه يعلم أن هذا هو الخير.
انتهى من الصلاة وشكر شيخه ثم رحل لها مرة أُخرى، ولكن هذة المرة بإنسانِ جديد غير الذى كان عليه منذ قليل، أصبح وجهه مُشرقاً وقلبه معلق بالله وقد بدأ يشعر بالراحه الشديدة والتي لا يعلم مصدرها، فقط كل ما يعلمه أن القادم هو الخير،
لقد سلم كل أموره لله ويعلم أنه لن يضيعه أبداً،
وصل للمشفى وجدها قد انتهت من جلستها وهي تستند على “عمر”
ركض نحوهما وهو يأخذها منه ويطمئن على حالها، ثم أخذها وعادوا للمنزل.
دلفت حجرتها ترتاح وهو معها ثم جعلها تُصلي أولا وهو يُساعدها، صلت وهى جالسة لعدم قدرتها على الوقوف
حتى انتهت، جلس زين بجوارها وهو يقول:
“انا عارف إنك سمعتي كلام الدكتورة، بس انا عايز أقولك على حاجه قل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا،
هم كل اللي بيموتوا بيكون عندهم مرض؟ فيه ناس كتير جدا بتموت فجأة بدون سبب مرضي، والعكس ناس كتير بتخف بالمرض، كل اللي عايز اقوله إن كلام الدكاتره دا ميجيش حاجه جنب معجزات ربنا يا روان”
نظرت له بعدم فهم لمَ يُريد الوصول إليه، ليُكمل حديثه وهو يحاول ايصال ما يريد لها:
“انتِ صليتي قبل كدا القيام ياروان؟”
هزأت رأسها بالنفي وهى تقول بإعياء:
“ياسمين كانت كلمتني عنه قبل كدا كذا مرة، بس مكنتش بصليه”
“طب تعرفي إن ربنا بينزل في السماء السبع ويقول أدعوني أستجب لكم، ربنا بينزل علشان يحققلنا أمنياتنا واللي محتاجينه، قيام الليل دا لتحقيق المعجزات،
تعرفي كمان البيت اللي فيه حد بيصلي القيام بيكون منور فى السماء ومعروف بين الملائكه،
لما ربنا بيبتلي العبد دا بشىء وممكن بسببه ميقدرش يصلي وينقطع عن القيام تيجي الملايكه تقوله يارب فلان مبقاش بيته ينور ويصلي القيام ليه؟ ربنا سبحانه وتعالي هيقولهم أنه ابتلاه وبسبب كدا مبقاش يقوم للقيام من المشاغل،
الملائكة هتفضل تدعي ربنا لحد ما يرفع عنه البلاء علشان يرجع يصلي القيام من تاني وبيته ينور في السماء من جديد،
أوعى تفقدي الأمل بربنا، خليكي واثقة فيه خير، وأعرفي إن كل اللي جاى لينا هو الخير اي أن كان هو اى، اصبرى واحتسبي كل دا عند ربنا،
ومتخافيش عليا ومتشغليش بالك بيا، ربنا لما بينزل البلاء بينزل معاه الصبر، وانا بقيت راضي من كل قلبي بأختيارات ربنا ليا،
فرعون وهو بيغرق قال لموسى سبعون مره اغثنى ياموسى ولم يغثه، فأوحى الله لموسى
ياموسى استغاث بك فرعون سبعون مره ولم تغثه
وعزتى وجلالى لو استغاث بى مرة واحدة لوجدنى قريبا مجييا،
تخيلي دا لطف ربنا بفرعون اللي قال انا ربكم الأعلى،
مابالك بقى بطلبه بعباده؟ ”
رُغم الالم الكبير الذي يجتاحها، إلا أنها قد شعرت بالراحة الكبيرة، وهاهي تراه يعود كالسباق متماسكاً، فطوال المدة الماضية لم يكن يدعها لدقيقة حتى أنه لم يعد يُصلى جماعة فى المسجد خشيه أن يتركها ويصيبها شيء
وأصبح يكسل عن ورده وقد بَعُدَ كثيرا، ولكنه ها هو يعود من جديد،
أمسكت ذلك الشىء فى يدها بعدما أخرجته من الدرج الخاص بها ثم نزعت خمارها وهي تفرد شعرها والتى بدأ أن يسقط بشدة يوماً بعد يومِ أثر الكيماوى وأصبح ضعيفاً عن سابقه، ورغم ذلك مازالت جميلة،
تحدث “عمر” والذي كان يجلس معهم بنفس الغرفة ولكنه كان صامتا،ليردف وهو ينظر لها بمشاغبة:
“أيوة يعني بتفردي شعرك ليه دلوقتي، بتحاولي تغريه وانا قاعد، طب استني حتى لما أمشي ولا ودي مكافئه نهاية الخدمة يعني”
تجاهلت سُخريته ثم أمسكت (ماكينة حلاقة الشعر) وهى تنظر لزين، ليقوم هو من مكانه وهو يقول:
“انتِ بتعملي اي؟ هتحلقي شعرك؟ هو دا الصبر اللي لسه كنا بنتكلم عنه”
ابتسمت له بحب وهي تقول برضى:
“صدقني يا زين انا علشان راضيه هشيله خلاص، هو كدا كدا كل يوم بيقع أكتر من اللي قبله، ف هشيله مرة واحدة علشان مفضلش أعيط عليه كل شويه وانا بشوفه بيقع، ولو ربنا أرادلي إني أخف هيطول ناني”
أبتسم لها بحب يماثلها هو الآخر ثم قال بحنان:
“يبقى انا كمان هحلقه معاكِ علشان نبقى زي بعض”
ولكنه ابتعد عنها حين صرخت بوجهه وهى تقول بغضب:
“لأ يازين اياك… كله الا شعرك علشان بحبه، دا انا هصبر نفسي اني احلقه علشان العب فى شعرك”
اقترب منها وهو يمسح على شعرها بحنان ثم قبّل رأسها وهو يردف:
“مهو مش هسيبك تحلقي شعرك لوحدك ياروان مش هيهون عليا”
“يعني هتحلق لمين تاني؟”
نظر كلاهما إلى “عمر” الجالس على الأريكة والذي أمسك هاتفه يعبث به وكأنه لم يراهم، ولكنه رفع طرف عينيه بشك وهو يقول:
“اي، بتبصولي كدا ليه؟”
ابتسم زين بخبث ها هو سوف يشفي غليله منه ليقول:
“هنروح بعيد ليه، وعمر اخوكي اهو”
ينتفض الأخير بفزع وهو يتحسس شعره ثم وقف وهو يصرخ بهم:
“لأ بقولك اييه، مش علشان ترضي السنيورة بتاعتك هتحلق شعرى، انا واحد داخل على جواز ومحتاح أكون أمور”
“ما تخلص ياعمر علشا…”
“دا على جثتي انه يحصل كله الا شعرى”
اقترب منه ثم قال له شيئا فى أذنيه، ليقول عمر مسرعا وهو يسحب كلامه:
“انت صدقت يابني انا بهزر طبعا، اكيد هحلق شعري علشان اختي متبقاش لوحدها ولو محتاج تخلع عضلة أو تكسر رجل مفيش مشاكل”
ضحكت روان عليه ثم وجهت بصرها وهي تقول له”
“انت قولته اى خليته يوافق بسرعة كدا”
اقترب منها مرة أُخرى ثم غمر لها مشاكسا وهو يقول:
“لما نبقى لوحدنا هبقى أقولك”
بينما الأخير كان ينظر لهم بغيظ ويكاد يبكى لأجل شعره العزيز عليه،
“يلا ياعمر علشان تحلق شعرك انت الأول”
جلس أمامه متذمرا ولم يقوى على الرفض مما جعلها تضحك على ملامحه، ليبتسم لها هو الآخر بحنو، فإن كان بخسرانه لشعره سيرى بسمتها فلا بأس، ولكنها قالت:
“لأ خلاص يازين متحلقش شعره… عمر بيحبه”
ولكنه لم يأبي لها ثم قام بحلق شعره كاملا حتى بقيت رأسه لا تحوى على شعرة واحدة، أخذت روان تضحك عليه حتى شعرت بالم فى معدتها من هيئته،
“أضحكي ياختي أضحكي، هتبقى زيي كمان شويه وهضحك نفس الضحك عليكِ”
قام من على المقعد لتجلس هي عليه، ثم شرع زين فى إزاله شرعها برفق وهو يواسيها ببعض الكلمات ثم يمسح وجهها تارة، ويقبل وجهها تارة أُخرى كي ينسيها الامر حتى انتهى؛
وقف عمر يضحك عليها هو الاخر ثم هتف بضحك وهو يقف جوارها:
“تصدقي فينا شبه من بعض يابت يا روان واحنا قُرع كدا وشبه القرود كدا”
“اتكلم عن نفسك يابابا انا حلوة”
ثم توقفت عن الحديث وهي تنظر لزين قائلة:
“زين مش انا حلوة؟”
“قمر”
أجابها بلطف شديد وكأنها ابنته، لتُخرج لسانها لعمر في محاوله لإغاظته والتي كان يقف وينظر لهم بتشنج والاسيتاء بادي على وجهه، ليقول وهو يرحل:
“هي دي الرومانسيه اللى عندكم”
🌸سبحان الله وبحمده.. سبحان الله العظيم🌸
“أيوه يا عم محمد… انا هرجع فلسطين”
نظر لها بصدمة وكأنه يرفض ما تقول، هل سترحل بكل تلك البساطة؟ ليردف بوهن:
“هترجعي للخراب تاني يا رغد، هتروحي للموت برجلك؟ هترجع لنفسك المكان اللي انتِ مش قادرة تتعافي منه”
“وصدقني انا مش هتعافى غير هناك، وبعدين مقدرش أقول عليها خراب لأن دا وطني وأرضي، وانا مش رايحة للموت برجلي لأ، انا راجعه للمكان اللي انا منه يا عمي محمد،
انا مكاني هناك مش هنا وسطكم، رغم إن يعلم ربنا انا حبيتكم كأنكم اهلي، لكن حور غلطت لما جابتي هنا لأنه مكنش ينفع، وانا غلطت أكتر لما وافقت وكنت فاكرة هقدر أكمل حياتي،
بس طلعت غلطانة علشان السمك عمره ما يقدر يعيش بره المايه، وانا بنت فلسطين وهفضل فخورة ببلدي، حتى لو أول ما أروح هناك هلاقي موتي، يكفيني أني أموت شهيدة وانا بدافع عن ارضي ووطني،
كفايه هروب لحد كدا،لازم أرجع وأحارب كل اللي هربت منه، هناك وسطهم هرجع رغد القوية وضحكتني هترجعلي تاني، احنا فى عز الحرب بنكون بنضحك يا عم محمد، علشان نصرنا الحقيقي هو الابتسام فى وش العدو لأن الخسران الحقيقي هو أنك تظهرله ضعفك وانكسارك،
المايه هتعود لمجاريها والسمك هيعود للمايه، ورغد هترجع وطنها أرض فلسطين تاني 🇵🇸”
تساقطت العبرات من عينيه وقد لامست قلبه كل كلمة قالتها، يالله نحن جميعا فى نعم كثيرة، يكفي الأمان الذى نعيش به وحولنا جميع عائلتنا.
كانت تريد أحتضانه ولكنها لم تفعل، مازالت متمسكة ببعض مما تربت عليه، لتكتفى بوضع يدها على كتفه قائله:
“أدعيلي بس يا عم محمد، وكفاية دموع بقى علشان مرجعش فى قرارى واقعد أعيط جنبك”
ليمسح دموعه بحزن وهو يقول:
“رغم إني مش هقدر على فراقك وانا عارف اني ممكن مشوفكش تاني وكنت مستحيل هسمحلك ترجعي ، لكن دا القرار الصح اللي خدتيه وعلشان كدا مش هقدر أمنعك..خدي بالك من نفسك يارغد”
أومأت له وهى تزيل دمعة سقطت من عينيها وهى تومأ له، ثم ذهبت لتستعد إلى العودة لبلادها مرة أُخرى، والتي قد اشتاق قلبها لها بشدة.
🌸لا حول ولا قوة إلا بالله🌸
كانت تستند على الحائط وهي تسير ببطء ولكن شعرت بشىء لزج تحت قدمها، كادت أن تسقط وهي تغمض عيناها ولكن وجدت يده تُحيط بها تمنعها من الإنزلاق،
رفعت نظرها له فوجدته ينظر نحوها وهو يقول:
“مش تخلي بالك بعد كدا؟ وبعدين قومتي ليه، لو فيه حاجه محتاجاها قولي واحنا نجبهالك”
أومأت له بهدوء ثم سارت معه إلى غرفتها مرة أُخرى حتى أجلسها على الفراش، هم ليرحل ولكنها أمسكت يده برفق وهي تناديه بحنين:
“محمود”
أرتجفت أوصاله حين سمع إسمه منها ، ولأول مرة منذ سنوات تنطق أسمه بين شفتيها، فمنذ أن عادت وهو يتجنبها، يساعدها ويبقى بجانبها، ولكنها تشعر بتجنبه منها وكأنه يؤدي واجب عليه فقط،
لم يكن لديها القدرة على بدء الحديث معه، ولكن هاهي تفعل وهي تناديه لأول مرة منذ أن عادت.
التفت لها وهو ينظر نحوها وينتظرها أن تتحدث، لم تنطق هو بشىء بل عيناه هي من فعلت،
ظل ينظر لها بعاتب وبداخله يحكي الكثير، هم ليرحل مرة أُخرى بعدما طال صمتها ولكن أوقفه حديثها وهي تقول:
“عارفه إنك زعلان مني بس صدقني كان غصب عن…”
هنا وقد بلغ غضبه ليخرج كل ما يجيش بصدره منذ سنين:
“كان غصب عنك اي يا تهاني، غصب عنك انك تقررى لوحدك من غير ما ترجعيلي، غصب عنك تسيبني لوحدي أفضل أسال نفسي طول السنين دي ليه؟ انا عملت اى علشان تسيبني بالشكل دا؟ اختارتي تتحملي لوحدك وسبتيني حتى من غير ما تعرفيني حاجة وعشت عمرى كله على اساس انك خدعتني رغم إن قلبي مكنش مصدق انك تعملي كدا”
“بس انا عملت كدا علشان انقذ ابننا..”
“طب وأنقذتيه؟ انتِ علشان تنقذى واحد دمرتي عليتنا كلها يا تهاني، حياتنا احنا الأربعة كانت المقابل ويارتك أنقذتيه، وليث ابنك اللي طلع معقد وفي النهاية اي اتجمعنا؟ انتِ خسرتي صحتك وعمرك وكلنا خسرنا وبرضو مقدرناش نتجمع”
مسحت دموعها وهي تقول بألم وضعف:
“لا لسه فيه أمل نتجمع يا محمود، ياسر هيرجع تاني انا متأكدة وهنرجع كلنا زي الاول واحسن”
نظر لها بشفقة كونها مازلت تجهل خبر وفاته، لم يقوى أحد على إخبارها منذ أن عادت، ولكن يجب عليها أن تعلم الى اى حال وصله له، فقط لأنها قررت تحمل ما حدث لوحدها، ليتحدث بألم شديد ترك ندبة داخل صدره وهو يقول:
“ياسر مش هيرجع يتهاني”
هزت رأسها وكأنها تحاول نفي ما فكر به عقلها وهي تهتف بأمل:
“لأ هيرجع، هو.. هو بيحبني اوي وقالي أنه مش هيسيبني”
رفع رأسه لها وألتقت أعينهما فى عتابِ طويل، عتاب ظل يحمله طوال حياته، لقد كانت نتيجه خطأها دمارهم جميعاً، أردف بعيون مغروقة بالدموع وصوتِ متحجرش:
“محدش بيرجع من الموت يا تنهاني….ياسر مات”
🌸اللهم صل على محمد🌸
كانت راقدة على الفراش وهي تشعر الإعياء الشديد، ولقد أشتد عليها المرض بشدة، تساقطت دموعها بألم وهي تشعر بأنها غير قادرة على أخذ أنفاسها.
شحب وجهها وهي تشعر بنيران تحترق جسدها من شدة الالم، يالله تريد فقط خمسة دقايق.. فقط مجرد خمسة دقائق تشعر فيهم بالراحة، تتسآل ما الذى كان يحزنها قبل هذا المرض؟ إن كتب الله عليها الشفاء لن تشتكي ابداً .
هُنا فقط علمت نعمة الصحة، كانت مُعافيه تماما ورُغم ذلك كانت تتذمر على كل شىء وغير راضيه، ماذا عن حالها الآن والمرض ينهش جسدها؟ أعلمت نعمة الصحة الآن؟.
نفضت عقلها من تلك الوساوس وأخذت تحمد الله وتدعو لأن يكون هذا المرص شفيعا لها ويطهر جسدها من كل الذنوب التي كانت تقترفها.
تذكرت حديث “زين” عن قيام الليل، لتتحامل على نفسها كي تُصلي ولكنها غير قادرة، حاولت عدة مرات لكي تقف ولكن بعد محاولات عديدة باءت بالفشل ها هي وقفت،
ولكنها وقعت أرضا بضعف ولم تقوى على السير،
تحاملت على نفسها وهي تشجع نفسها بأنها ستقدر، وبعد قليلا وقفت مرة أُخرى وهي تستند على الحائط، ولكن خانها جسدها لتسقط مرة أُخرى مُحدثه صوتا أكبر وقد آلهما جسدها هذه المرة اثر السقوط.
وجدت الباب يفتح ويدخل منه”عمر” مُسرعاً نحوها وهو يتفحصها بخضه قائلاً:
“مالك يا روان اى اللي قومك من على السرير بس”
قالت من بين دموعها:
“انا بس… كنت عايزة اصلي، لكن مقدرتش”
حملها برفق ثم قام بوضعها على الفراش وهو يمسح على رأسها ويقول بحنان:
“هشش بس اهدي اهدي منادتيش عليا ليه اقومك؟”
“ك.. كنت عايزة اقوم لوحدي”
“طب تعالي حتى هساندك”
أومأت بالرفض وأخذت نفسا عميقا وهي تهتف:
“لأ ياعمر انا عايزة اكون قوية، مينفعش استسلم بسهولة، هحاول وهفضل أحاول لحد ما اقدر وكمان علشان طمعانه فى أجر اكبر”
ابتسم لها بألم وقلبه يؤلمه لأجلها، وقفت مرة أُخرى وهذه المرة كانت عزيمتها أقوى، لتحاول جاهدة السير حتى وصلت أخيرا إلى المرحاض وتوضأت بصعوبه شديدة.
عادت مرة أُخرى فوجدته مازال ينتظرها لتردف:
“معلش يا عمر ممكن تسيبني شوية، حابه أصلي لوحدي”
“بس احسن تتعب…”
قاطعته وهي تقول ببسمه:
“متقلقش هكون كويسة إن شاء الله”
“طب لو احتاجتي حاجة ناديلي ماشي؟”
“حاضر”
خرج وهو يتنهد بحزن، بينما بصعوبة شديدة وقفت تُصلي القيام وهى تُمسك المصحف لتصلي به بأيدى مرتجفة،
فقد سألت “زين” عن حكم صلاتها بالمصحف فأخبرها أن بعض الأمه قد أجازوا فى القيام هذا فضلا عن أنها قد تُخطئ فى القرآن.
كانت هذه أول مره تُصلي فيها قيام الليل، وقفت بين يدي الله تصليه وتدعوه بكل ما تحمله داخل صدرها، تعلم أن أحتمال شفاؤها ضعيفا، ولكنها تثق بالله،
أخذت تبكي بشدة وهي ساجدة حتي أوشكت أنفاسها على التوقف وبدأت فى السُعال وقد أحمر وجهها حتى هدأت،
بدأ الشعور بالراحة يتسلل إليها بعدما انتهت من الصلاة وظلت جالسة على مصليتها تسبح وتستغفر
والأهم أنها ظلت تحمد الله وقلبها راضِ، ابتسمت وهي تتذكر حياتها قديما وحياتها الآن وشتان بينهما،
ورُغم الألم الذى تشعر به، إلا إنها لو خُيرت بين حياتها قديما وحياتها الجديدة، لأختارت حياتها الآن وهي بين يدي الله، يكفي السكون والراحة التي تشعر به، وأنها إن ماتت ستكون فى ذمة الله.
🌸الحمد لله🌸
انتهى”عمر” من صلاة الفجر بعدما ظل يدعو الله أن يشفيها، هم ليرحل ولكنه وجد والد زين أمامه، ليجدها فرصة سانحة اقترب منه ثم قال بصوتِ عالِ:
“الشبشب بتاعي راح فين، انا كل يوم بحطه هنا”
نظر له والد زين بتعجب، فهو كان يرتديه بقدمه، تدراك الأمر بحرج ثم حمحم وهو يقول:
“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. ازيك يا عمي”
رفع الرجل رأسه ليجده شاب يعرف ملامحه ولكنه لا يتذكره جيدا، ليجيبه:
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. الحمد لله بخير يابني”
شعر أنه لم يتعرف عليه، ليقول بخجل:
“حضرتك مش عارفني ياعمي… انا عمر”
نظر له بتعجب وقد تفآجأ به، ليقول:
“ازيك يا عمر.. معلش يابني مخدتش بالله، اصلك حلقت شعرك خالص وانت كنت طول عمرك بطوله”
أجابه بإحترام شديد لا يتناسب مع شخصيته العابثه:
“الصراحة ياعمي علشان روان أختي وكدا وانت عارف بمرضها يعني، فمحبتش اجرحها وشلت شعرى انا كمان، رغم الشهادة لله مكنتش راضيه خالص هي وزين ويقولولي انت مكلش ذنب ياعومر، لكن انا مقدرتش وقولتها انا هشيله قبلك كمان انا أخوكي وسندك وضهرك”
ربت الأخير على كتفه وهو يقول بتأثر:
“ربنا يتم شفائها على خير يارب، وانت ماشاء الله عليك، كبرت وعقلت وبقيت راجل، وانت صغير كنت شقي وبتاع مشاكل”
بُهت وجهه هل تذكر ما كان يفعله منذ أن كان صغيرا، ولكنه حاول تغيير الأمر ثم هتف:
“كنت صغير بقى انا دلوقتي كبرت خلاص”
ابتسم له وخرجا سويا، ليقطع عمر الصمت وهو يقول:
“بس يعني انا باجي اصلي كل يوم هنا ياعمى مبشوفكش ليه”
“بتيجي تصلي كل يوم هنا؟ انا كمان مش بشوفك”
أومأ له ثم أردف وهو يقول:
“أيوة بحب اجي أصلي هنا الحقيقة علشان كل ما خطوة بنخطيها للمسجد بناخد عليها حسنة فبروح أبعد مسجد اصلي فيه”
ظل الأخير يشكره ويثني عليه ولكنه لاحظ نظراته المثبته ارضا، ليسأله وهو يقول:
“خير يابني فيه حاجه واقعه منك؟ عمال تبص فى الأرض ليه كدا؟”
“علشان اغض بصرى، بصراحة سمعت عن غض البصر ومن ساعتها بخاف أرفع عيني لاحسن تيجي على بنت بالغلط”
“ماشاء الله، ياريت الشباب كلها زيك ويرزق بنات المسلمين ببنات زيك”
اقترب منه فجأه ثم أخذ يقبله وهو يقول:
“ايوه ياعمي كتر من الدعوة دي بالذات، اهو دا السبب اللي جتلك علشانه”
نظر له بإستفهام، ليوضح له مقصده وهو يقول بإسلوب مهذب ومازال ينتظر أسفل:
“انا ليا الشرف اطلب ايد ياسمين بنت حضرتك لاني بدور على واحدة ملتزمة تكمل نص ديني وملقتش أفضل من الآنسه ياسمين”
🌸الله اكبر🌸
نزلت من السيارة وهي تُمسك بحقيبها وداخلها يزرف الدموع بألم، نزلت معها “حور” والتي كانت منهارة بشدة لأجل رحيلها وتحديدا إلى المكان التى ستذهب إليه وتعرف احتمالية عدم رجوعها تتذكر أوقاتهم معاً وما أمضوه سوياً وكم تألمت حينما أخبرها والدها بخبر رحيلها ، بينما ليث يقف يواسيها وهو حزين أيضا لأجلها ويتذكر أول مرة رأها بها حين ذهب منزلهم وكم كانت تغضبه، حمل لها الحقبية وهو يقول:
“إن أحتاجتي اي حاجة كلميني فوراً”
أومأت له وهي تحتضن حور مرة أخيرا قبل ذهابها بلا عودة، بكت الأخيرة بشدة وهي تقول:
“علشان خاطرى يا رغد خليكي، احنا كلنا اتعودنا عليكِ، هن.. هناك ممكن..”
لم تستطع أن تُكمل جملتها، بينما هي منعت نفسها من البكاء ثم أردفت بثبات:
“للاسف غصب عني يا حور، صدقيني هتوحشيني جدا، وعم محمد اللي رفض ييجي علشان مش هيقدر يودعني هو كمان هيوحشني”
ابتسمت لها بألم ثم أستدرات لترحل ولكنها سمعت صوته وهو يركض نحوها ويناديها بلهفة، يالله، لم تكن مستعدة لأن تقابلها، ماكانت تريد لأحد أن يعلم فهي أكثر ما تكره هو مشاهد الوداع،
“رغد… صغيرتي… هل سترحلين وتتركينني وحدي؟”
كانت على وشك أن تبكي ولكنها تماسكت، فلن تتراجع عن قرراها الآن، لتنطق بنبرة مخنتقة وهي تقول:
“معدش ينفع أقعد أكتر من كدا، دا الأحسن ليا”
نظر لها بألم، فكرة رحيلها تؤلم قلبه، ليقول لها:
“وماذا عني، ألم تفكري بي؟ ألم تسألي نفسك عن حال قلبي الذي أدمن وجودك بعد كيف سيقوى على آلم فراقكِ!”
لم تتحدث، هي أيضا تشعر بوجع داخل قلبها، ولكن تقسم بأنها غير قادرة، رُغم أنها تبادله نفس المشاعر، ولكن كُتب على قصتهما النهاية قبل أن تبدأ،
تحدث مرة أُخرى وهو يقول بأمل ولهفة:
“أنظري رغد..ها انا اصبحت مسلماً، ولم يعد يوجد ما يُفرقنا، خدي كُل وقتكِ وانا سأنتظرتك حتى بقية حياتك، لكن أرجوكِ لا تعودي فلسطين مرة أُخرى وقد لا أراكِ مجدداً”
رفعت نظرها نحوه أخيرا ثم هتفت ببسمة ممزوجة بألم:
“إن كان لنا نصيبا لنلقتي مرة أُخرى، فلن يُفرقنا شىء يونس”
ثم لوحت بيدها مودعة وألف يدِ تود البقاء وقلبها يرفض الرحيل ويود العيش معه، استدارت ثم آخر شىء سمعته كان صوته المخنتق بالبكاء وهو يقول:
“كوني بخير لأجلي رغد…سأنتظرك ما حييت رغد”
ثم جلس على ركبيته وهو يقول بصوتِ ضعيف وصل لمسامعها”
“انا أُحبك رغد”
أرادت أن تخبره أنها أيضا تحبه وتريد البقاء معه، ولكن ليس بوسعها شىء، لترحل بجسدها ولكن ظل قلبه هُنا،
وهاهي الحبيبة رغد تعود لوطنها الحبيب مرة أُخرى.
🌸سبحان الله وبحمده… سبحان الله العظيم🌸
فتح الباب وهو يركض نحوها بفزع بعدما أخبرته والداتها بأن المرض قد أشتد بها، هل سترحل وتتركه؟ ابهذة البساطة تتخلى عنه، لن يسمح لها ابدا بأن تتركه بعدما وجد ضالته بها.
اقترب من فراشها فوجدها تضم نفسها وتجلس بوضعية الجنين داخل رحم أمه، وقع قلبه وهو يراها بهذا المنظر، جذبها لأحضانه وهو يمسح على رأسها، إترفع صوت بكائها فقد كانت على حالتها منذ مدة وترفض التحدث مع أحد، حتى أتي اخيرا لها:
“هشش اهدي.. اهدي انا معاكِ مش هسيبك تاني، انا آسف ليكِ ياعمرى مش هسيبك خالص”
اذداد نحيبها أكثر وهي تشدد من أحضانه وكأنها تشبع منه قبل رحيلها، سقطت العبرات من عينيه وهو يحضنتها أكثر
يريد وكأنه يرفض تركها،
“حا.. حاسه إني ه.. هموت يا ز..”
وضع يده على فمها يمنعها من إستكمال جملتها ،
“هتعيشي ياروان، وهنكون مع بعض سوا”
“الظاهر مش مكتوبلنا كدا يا زين، انا بحبك اووي، و.. وعمرى ما حبيت حد غيرك، حتى… حتي لما كنت بعاملك وحش ف انا كنت زعلانه منك علشان بعدت عني”
“وانا بقيت معاكِ اهو ومش هسيبك تاني ابدا انتِ بس قاومي علشاني”
ظلت تسعل بقوة حتي أحمر وجهها ثم هتفت بضعف شديد:
” للاسف الوقت اتاخر اوي يازين، هستناك في الجنة تسأل عني، و.. ولو اتجوزت غيرى ابقى سميها على اسمي علشان متنسنيش”
قالت آخر جملتها وأخذ جسدها يرتجف بين يديه وهو يحاول تهدئها ولكنه فشل، حتى فجأه استكانت حركتها تماما،
نظر لها بأعين جاحظة وهو يهز رأسه بعنف يرفض تلك الفكرة، أخذ يهزها بشدة وهو ينادي عليها كي تستفيق، ولكنها اغمضت عيونها بلا عودة، هل كان المرض أقوى منها ليأخذها منه بهذه البشاعة؟
ترددت الفكرة فى عقله، أنها ذهبت ولم يعد يراها مجددا، حتى صرخ صرخة مدوية بالمكان.
“زين… يااازين، مالك اصحى يازين”
فتح عيونه فكانت حمراء كالدم، وجدها أمامه بهئتها وهي تنظر له بقلق وكانت تجلس على مصليتها، نظر حوله ليجده مازال فى حجرتها، هل كان هذا حُلم؟ تحدث وهو يلهث ويأخذ أنفاسه بصعوبه:
“انا.. انا نمت هنا ازاي؟”
كنت قاعد معايا ولقيتك نمت فجأة ومرضتش أصحيك، ولما جه وقت القيام حاولت اصحيك كتير بس انت مقومتش، واديها الفجر أذن اهو وانت برضو مقدرتش تقوم،
كان هذا الكابوس من الشيطان، لأنه منذ زمن لم يترك فجرا ولا قياماً، اقترب منها ثم جذبها لأحضانه وهو يتنهد براحة تحت تعجبها، علمت بأنه كان يحلم لتقول:
“من ساعة من كلمتني عن القيام وانا بصليه، وانت اللي بدأت تكسل اهو”
نعم هي مُحقه، لا يعلم كيف نام عن الصلاة، أخذ يستغفر ثم قام توضأ وصلي ودعى الله بأن يختار الخير لانها ويحمد الله.
“النهاردة هنروح للدكتورة علشان نعرف نتيجة التحاليل الجديدة، واي أن كانت النتيجة يا زين انا راضية وعايزاك انت كمان تكون راضي وأعرف إن هو دا الخير لينا، حتى لو مش مكتوبلنا نكون مع بعض في الدنيا، إن شاء الله هنتجمع في الاخرة”
أومأ لها وهو يعلم أن مع حق، اي أن كانت النتيجة سوف يرضى حتى ولو كانت مؤلمة.
🌸🌸
جلس أمام الطبيبة وهى تجلس جوارة ممسكة بيده، ولكلا منهما يحاول طمئنة الآخر، كانت الطبيبة تُمسك التقارير الخاصة عن حالتها ثم نظرت لهم بصدمة وهي تهتف:
“مستحييل، أكيد التقارير دي فيها حاجة”
نظرا لها بتعجب لتكمل هي حديثها:
“اللي حصل دا معجزة، روان خفت من الكانسر، ولحد الآن مش عارفة استوعب ازاي”
يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية حكايات سنفورة)